يجوزُ للمُسافِرِ أن يُفطِرَ، وذلك باتِّفاقِ المَذاهِبِ الفِقهيَّةِ الأربَعةِ: الحَنَفيَّة ((البحر الرائق)) لابن نجيم (2/304)، ((تبيين الحقائق)) للزيلعي (1/333). ، والمالكيَّة ((حاشية العدوي على كفاية الطالب الرباني)) (1/453)، وينظر: ((الثمر الداني)) للآبي الأزهري (ص: 305). ، والشَّافِعيَّة ((المجموع)) للنووي (6/260،261)، ((روضة الطالبين)) للنووي (2/370). ، والحَنابِلة ((الإنصاف)) للمرداوي (3/203)، ((كشاف القناع)) للبهوتي (2/311). ، وحُكِي الإجماعُ على ذلك قال ابنُ قدامة: (للمُسافِرِ أن يُفطِرَ في رمضانَ وغَيرِه, بدَلالةِ الكتابِ والسنَّةِ والإجماعِ) ((المغني)) (3/ 116). وقال النووي: (فالمرَضُ والسَّفَرُ مُبيحانِ بالنَّصِّ والإجماعِ) ((روضة الطالبين)) (2/369). وقال ابنُ عبد البر: (وأجمع الفُقَهاءُ أنَّ المسافِرَ بالخيارِ؛ إن شاء صام، وإن شاء أفطَرَ) ((التمهيد)) (9/67). .  الأدِلَّة:أوَّلًا: من الكتابقوله تعالى: فَمَن كَانَ مِنكُمْ مَرِيضًا أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ [البقرة: 184].ثانيًا: مِن السُّنَّةِعن أنسِ بنِ مالكٍ الكعبيِّ رَضِيَ اللهُ عنه قال: ((أتيتُ رَسولَ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم في إبلٍ كانت لي أُخِذَتْ، فوافَقْتُه وهو يأكُلُ، فدعاني إلى طعامِه، فقُلتُ: إنِّي صائِمٌ، فقال: اُدْنُ أُخبِرْك عن ذلك، إنَّ اللهَ وضَعَ عَن المُسافرِ الصَّومَ، وشَطْرَ الصَّلاةِ)) رواه الترمذي (715)، والنسائي (4/180)، وابن ماجه (1667)، وأحمد (4/347) (19069)، حسنه الترمذي، وجوّد إسناده ابن تيمية في ((مجموعة الرسائل والمسائل)) (2/293)، وقال ابنُ كثير في ((إرشاد الفقيه)) (1/283): جيد، وقال الألباني في ((صحيح سنن الترمذي)): حسن صحيح، وحسنه ابن حجر في ((موافقة الخبر الخبر)) (2/43)، والوادعي في ((الصحيح المسند)) (74). . انظر أيضا: المبحث الثاني: حكمُ صَومِ المُسافِرِ. المبحث الرابع: حُكمُ صَومِ مَن سَفَرُه شِبْه دائِمٌ. المبحث الخامس: أحكامٌ متفرِّقةٌ.

المطلب الأول: حُكمُ صومِ المُسافِرِ الذي لا يشُقُّ عليه الصَّومُإذا لم يَشُقَّ الصَّومُ على المسافِرِ، واستوى عنده الصَّومُ والفِطْرُ، فاختلف أهلُ العِلمِ في الأفضَلِ له: الصَّومُ أم الفِطرُ، على قولين:القول الأول: الصَّومُ أفضَلُ له، وهو مَذهَبُ الجُمهورِ: الحَنَفيَّة ((البحر الرائق)) لابن نجيم (2/304). ، والمالكيَّة ((الكافي)) لابن عبد البر (1/337)، وينظر: ((الفواكه الدواني)) للنفراوي (2/718). ، والشَّافِعيَّة ((المجموع)) للنووي (6/261)، ((روضة الطالبين)) للنووي (2/370). ، واختاره ابنُ عُثيمين ((مجموع فتاوى ورسائل العُثيمين)) (19/136). . الأدِلَّة:أوَّلًا: من الكتابعمومُ قَولِه تعالى: وَأَن تَصُومُوا خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ [البقرة: 184].ثانيًا: منَ السُّنَّةعن أبي الدرداء رَضِيَ اللهُ عنه قال: ((خَرَجْنا مع النبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم في بعضِ أسفارِه في يومٍ حارٍّ، حتى يضَعَ الرَّجُلُ يَدَه على رأسِه مِن شِدَّةِ الحرِّ، وما فينا صائِمٌ إلَّا ما كان مِن النبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم وابنِ رواحةَ)) رواه البخاري واللفظ له (1945)، ومسلم (1122). .وجهُ الدلالة:فعلُ النبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم، حيث صام هذا اليومَ وهو مُسافِرٌ قال ابن حجر: (وفي الحديث دليلٌ على أنْ لا كراهِيَةَ في الصَّومِ في السَّفَرِ لِمَن قَوِيَ عليه ولم يُصِبْه منه مشقَّةٌ شديدة) ((فتح الباري)) (4/182) ، وفِعلُهُ عليه الصَّلاةُ والسَّلامُ هو الأفضَلُ قال شهاب الدين الشلبي: (.. فعُلِمَ أنَّ الصَّومَ أفضَلُ؛ لأنَّه اختيارُ رَسولِ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم) ((حاشية الشلبي على تبيين الحقائق للزيلعي)) (1/333). .ثالثًا: لأنَّ الصَّومَ أسرَعُ في إبراءِ الذِّمَّةِ؛ لأنَّ القضاءَ يتأخَّرُ ((الشرح الممتع)) لابن عُثيمين (6/ 343). .رابعًا: أنَّ الصَّومَ أسهَلُ على المُكَلَّفِ غالبًا؛ لأنَّ الصَّومَ والفِطرَ مع النَّاسِ أسهَلُ مِن أن يستأنِفَ الصَّومَ بعد ذلك، كما هو مجرَّبٌ ومعروفٌ ((الشرح الممتع)) لابن عُثيمين (6/ 343). . خامسًا: لأنَّ الصَّومَ عزيمةٌ، والفِطرَ رخصةٌ، ولا شَكَّ أنَّ العزيمةَ أفضَلُ ((الموسوعة الفقهية الكويتية)) (28/ 51). .القول الثاني: الفِطرُ أفضَلُ له، وهو مذهَبُ الحَنابِلة ((الإنصاف)) للمرداوي (3/204)، ((كشاف القناع)) للبهوتي (2/311). ، وطائفةٍ من السّلَفِ قال ابنُ عبد البر: (وروي عن ابنِ عُمَرَ وابن عباس: الرُّخصة أفضَلُ، وبه قال سعيد بن المسيب، والشعبي، ومحمد بن عبد العزيز، ومجاهد وقتادة، والأوزاعي، وأحمد بن حنبل، وإسحاق بن راهويه؛ كلُّ هؤلاء يقولون إنَّ الفِطرَ أفضَلُ؛ لقول الله عز وجل يُرِيدُ اللَّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلا يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ) **البقرة:185** ((التمهيد)) (2/171). ، وهو قَولُ ابنِ تَيميَّةَ قال ابنُ تيمية: (والصَّحيحُ أنَّ الفِطرَ أفضَلُ إلَّا لمصلحةٍ راجحةٍ) ((مجموع الفتاوى)) (22/336). ، وابنِ باز قال ابنُ باز: (الأفضَلُ للصَّائِمِ الفِطرُ في السَّفَرِ مطلقًا، ومن صام فلا حَرَجَ عليه) ((مجموع فتاوى ابن باز)) (15/237). .الدَّليل منَ السُّنَّة:عمومُ ما جاء عن جابرِ بنِ عبدِ اللهِ رَضِيَ اللهُ عنه؛ حيث قال: ((كان رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم في سَفَرٍ، فرأى زِحامًا ورجلًا قد ظُلِّلَ عليه، فقال: ما هذا؟ فقالوا: صائِمٌ، فقال: ليس مِنَ البِرِّ الصَّومُ في السَّفَرِ)) رواه البخاري (1946) واللفظ له، ومسلم (1115). . المطلب الثاني: حُكمُ صومِ المُسافِرِ الذي يلحَقُه بالصَّومِ مشقةٌإذا شقَّ الصَّومُ على المسافِرِ، بحيث يكونُ الفِطرُ أرفَقَ به، فالفِطرُ في حقِّه أفضَلُ؛ وهذا باتِّفاقِ المَذاهِبِ الفِقهيَّةِ الأربَعةِ: الحَنَفيَّة ((تبيين الحقائق)) للزيلعي و((حاشية الشلبي)) (1/333). ، والمالكيَّة ((منح الجليل)) لعليش (2/119)، وينظر: ((الفواكه الدواني)) للنفراوي (2/719). ، والشَّافِعيَّة ((المجموع)) للنووي (6/261). ، والحَنابِلة ((كشاف القناع)) للبهوتي (2/311)، وينظر: ((المغني)) لابن قدامة (3/157). ؛ وذلك لأنَّ ارتكابَ المَشقَّةِ مع وجودِ الرُّخصةِ يُشعِرُ بالعُدولِ عن رُخصةِ اللهِ عزَّ وجَلَّ (( الشرح الممتع)) لابن عُثيمين (6/344). . المبحث الثالث: إقامةُ المُسافِرِ التي يُفطِرُ فيهالا يُفطِرُ المُسافِرُ إذا نوى الإقامةَ أربعةَ أيَّامٍ فأكثَرَ، وهذا مَذهَبُ المالكِيَّة ((الكافي)) لابن عبد البر (1/337)، وينظر: ((الذخيرة)) للقرافي (2/512). ، والشَّافِعيَّة ((المجموع)) للنووي (4/361)، ((روضة الطالبين)) للنووي (1/384). لكن لا يَحسُبون منها يوم الدخول، ويوم الخروج. ، وروايةٌ عن أحمد قال ابنُ قدامة: (وعنه أنَّه إذا نوى إقامة أربعة أيَّام أتمَّ، وإن نوى دونها قَصَر، وهذا قولُ مالك، والشافعيِّ، وأبي ثور؛ لأنَّ الثلاث حدُّ القِلَّة) ((المغني)) (2/212). الروايةُ لم تنصَّ على الصومِ، لكنَّ كلَّ من جاز له القَصرُ، جاز له الفِطرُ، قال الحجاوي: (وكلُّ من جاز له القَصرُ جاز له الجمعُ والفِطرُ... قال الأصحاب: الأحكامُ المتعلِّقةُ بالسَّفرِ الطويلِ أربعةٌ: القَصرُ والجَمعُ، والمَسحُ ثلاثًا والفِطرُ) (الإقناع)) (1/183)، وينظر: ((كشاف القناع)) للبهوتي (1/514). ،وبه قال بعضُ السَّلَف قال الماورديُّ: (إن نوى مقامَ أربعة أيَّام سوى اليوم الذي دخَل فيه واليوم الذي يخرج منه، لزمه أن يُتِمَّ، لم يجز له أن يقصُر، وبه قال من الصحابة: عثمانُ بنُ عفَّان رضي الله عنه، ومن التابعين: سعيدُ بن المسيَّب، ومن الفقهاء: مالكٌ) ((الحاوي الكبير)) (2/371). وقال ابنُ عبد البَرِّ: (واختلفوا في مدَّة الإقامة؛ فقال مالكٌ، والشافعيُّ، والليثُ، والطبريُّ، وأبو ثور: إذا نوى إقامة أربعة أيَّام أتمَّ، وهو قول سعيد بن المسيَّب- في رواية عطاء الخراساني عنه) ((التمهيد)) (11/181). وقال ابنُ قدامة: (وعنه أنَّه إذا نوى إقامة أربعة أيَّام أتمَّ، وإن نوى دونها قَصَر، وهذا قولُ مالك، والشافعيِّ، وأبي ثور؛ لأنَّ الثلاث حدُّ القِلَّة) ((المغني)) (2/212). ، واختارَه الطبريُّ ((التمهيد)) لابن عبد البر (11/181). .الدَّليل منَ السُّنَّة:عن العلاءِ بنِ الحَضرميِّ رَضِيَ اللهُ عنه أنَّ رسولَ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم قال: ((يُقيمُ المُهاجِرُ بمكَّةَ بعد قضاءِ نُسُكِه ثلاثًا)) رواه البخاري (3933) بنحوه، ومسلم (1352) واللفظ له. .وجهُ الدَّلالة:أنَّ المُهاجِرينَ حُرِّمَتْ عليهم الإقامةُ بمكَّةَ قبل فَتحِها، فلمَّا صارت دارَ إسلامٍ، تحرَّجَ المسلمونَ مِن الإقامةِ فيها؛ ليكونوا على هِجرَتِهم، وكانوا لا يَدخُلونَها إلَّا لِقَضاءِ نُسُكٍ، فلما أذِنَ لهم النبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم في الإقامةِ فيها ثلاثةَ أيَّامٍ؛ دلَّ ذلك على أنَّها في حُكمِ السَّفَرِ، وما زاد على الثَّلاثِ فهو في حُكمِ الإقامةِ (( البيان)) للعمراني (2/474). . انظر أيضا: المبحث الأول: حُكمُ فطرِ المُسافِرِ. المبحث الرابع: حُكمُ صَومِ مَن سَفَرُه شِبْه دائِمٌ. المبحث الخامس: أحكامٌ متفرِّقةٌ.

يُباحُ الفِطرُ لِمَن كان سَفَرُه شِبْهَ دائمٍ، كسائِقِي الطَّائراتِ والقِطاراتِ والشَّاحنات ونحوِهم، إذا كان له بلدٌ يأوي إليه، وهذا اختيارُ ابنِ تَيميَّةَ قال ابنُ تيمية: (ويُفطِرُ مَن عادَتُه السَّفَرُ إذا كان له بلدٌ يأوي إليه، كالتَّاجِرِ الجَلَّاب الذي يجلِبُ الطَّعامَ وغَيرَه مِنَ السِّلَع، وكالمكاري الذي يكري دوابَّه مِنَ الجلَّابِ وغيرهم، وكالبريدِ الذي يسافِرُ في مصالِحِ المسلمين ونحوهم، وكذلك الملَّاحُ الذي له مكانٌ في البَرِّ يسكُنُه، فأمَّا من كان معه في السفينةِ امرأتُه وجميعُ مصالِحِه ولا يزالُ مسافرًا، فهذا لا يَقصُرُ ولا يُفطِرُ. وأهل البادية: كأعرابِ العَرَب والأكراد والتُّرك وغيرهم الذين يَشتُونَ في مكانٍ ويصِيفونَ في مكانٍ إذا كانوا في حالِ ظَعْنِهم مِنَ المشتى إلى المَصيف ومِنَ المصيف إلى المَشتى، فإنَّهم يَقصُرون. وأما إذا نزَلوا بمشتاهم ومَصيفهم لم يُفطِروا ولم يَقصُروا، وإن كانوا يتتبَّعون المراعِيَ، والله أعلم) ((مجموع الفتاوى)) (25/213). ، وابن عُثيمين قال ابنُ عُثيمين: (يجوز له أن يُفطِرَ في هذه الحالِ، ولو كان دائمًا يسافِرُ في هذه السيارةِ؛ لأنَّه ما دام له مكانٌ يأوي إليه وأهلٌ يأوي إليهم، فهو إذا فارَقَ هذا المكانَ وأولئك الأهلَ فهو مُسافِرٌ، وعلى هذا فيجوزُ له أن يفعَلَ ما يفعَلُه المسافِرونَ؛ فإنَّ اللهَ تعالى قد أطلَقَ في الآيةِ، فقال: أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ وَعَلَى الَّذِينَ يُطِيقُونَهُ فِدْيَةٌ طَعَامُ مِسْكِينٍ فَمَن تَطَوَّعَ خَيْرًا فَهُوَ خَيْرٌ لَهُ وَأَن تَصُومُوا خَيْرٌ لَكُمْ إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ ولم يُقَيِّدْه بشيءٍ، فما أطلَقَه اللهُ تعالى ورسولُه صلَّى اللهُ عليه وسلَّم؛ فإنَّه يجِبُ العَمَلُ بِمُطلَقِه) ((مجموع فتاوى ورسائل العُثيمين)) (19/141). .الدَّليل من الكتاب:قولُه تعالى: فَمَن كَانَ مِنْكُمْ مَرِيضًا أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ [البقرة: 184].وجه الدَّلالة:أنَّ اللهَ عَزَّ وجَلَّ أطلَقَ إباحةَ الترخُّصِ بالسَّفَرِ، ولم يُقَيِّدْه بشيءٍ ((مجموع فتاوى ورسائل العُثيمين)) (19/141). . انظر أيضا: المبحث الأول: حُكمُ فطرِ المُسافِرِ. المبحث الثاني: حكمُ صَومِ المُسافِرِ. المبحث الخامس: أحكامٌ متفرِّقةٌ.

المطلب الأول: قضاءُ المُسافِرِ الأيَّامَ التي أفطَرَهاإذا أفطَرَ المسافِرُ وجب عليه قضاءُ ما أفطَرَه مِن أيَّامٍ. الأدِلَّة:أوَّلًا: من الكتابقوله تعالى: فَمَن كَانَ مِنكُمْ مَرِيضًا أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ [البقرة: 184].في قوله سبحانه: فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ دليلٌ على وُجوبِ القَضاءِ عليه إذا أفطَرَ.ثانيًا: من الإجماعنقَل الإجماعَ على ذلك: ابنُ حَزمٍ قال ابنُ حزم: (واتَّفقوا أنَّ مَن أفطَرَ في سفرٍ أو مرضٍ، فعليه قضاءُ أيَّام عَدَد ما أفطَرَ، ما لم يأْتِ عليه رمضانُ آخَرُ). ((مراتب الإجماع)) (ص40)، ولم يتعقَّبه ابن تيميَّة في ((نقد مراتب الإجماع)). ، وابنُ رُشدٍ قال ابنُ رشد: (وأمَّا حُكمُ المسافِرِ إذا أفطَرَ، فهو القضاءُ باتِّفاق، وكذلك المريضُ؛ لِقَوله تعالى: فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ). ((بداية المجتهد)) (1/298). ، وابنُ قُدامةَ قال ابنُ قُدامة: (ويلزم المسافرَ والحائضَ والمريضَ القضاءُ، إذا أفطروا، بغير خِلافٍ). ((المغني)) (3/146). ، وابنُ حجر الهيتميُّ قال ابنُ حجر الهيتميُّ: ("وإذا أفطَر المسافرُ والمريض قضَيَا"؛ للآية، (وكذا الحائض) والنُّفَساء إجماعًا). ((تحفة المحتاج)) (3/432). . المطلب الثاني: حُكمُ فِطْرِ المُسافِرِ إذا دخل عليه شهرُ رَمَضانَ في سَفَرِهإذا دخل على المسافِرِ شهرُ رَمَضانَ وهو في سفَرِه، فله الفِطْرُ.الدليل من الإجماع:نقل الإجماعَ على ذلك ابنُ حَزمٍ قال ابنُ حزم: (واتَّفقوا أنَّ مَن سافر السَّفَرَ الذي ذكَرْنا في كتاب الصَّلاةِ أنَّه إن قَصَر فيه أدَّى ما عليه، فأهَلَّ هِلالُ رَمَضانَ وهو في سَفَرِه ذلك؛ فإنَّه إن أفطر فيه؛ فلا إثمَ عليه) ((مراتب الإجماع)) لابن حزم (ص: 40)، ولم يتعقَّبه ابن تيميَّة في ((نقد مراتب الإجماع)). ، وابنُ قُدامةَ قال ابنُ قدامة: (فلا نعلَمُ بين أهل العِلمِ خلافًا في إباحةِ الفِطرِ له، أي: مَن دخل عليه شهرُ رَمَضانَ في السَّفَرِ.) ((المغني)) (3/116). . المطلب الثالث: إذا سافر أثناءَ الشَّهرِ ليلًا  إذا سافر أثناءَ الشَّهرِ، وخرج مِن بلدَتِه قبل الفَجرِ، فله الفِطرُ في صبيحةِ اللَّيلةِ التي يخرُجُ فيها وما بَعدَها؛ باتِّفاقِ المَذاهِبِ الفِقهيَّةِ الأربَعةِ: الحَنَفيَّة قال السرخسي: (إذا أنشأ السَّفَرَ في رمضانَ، فله أن يترخَّصَ بالفِطرِ، وكان عليٌّ وابنُ عبَّاسٍ كانا يقولانِ ذلك لِمَن أهَلَّ الهلالُ وهو مسافِرٌ، فأمَّا من أنشأ السَّفَرَ في رمضان، فليس له أن يُفطِرَ، والحديثُ الذي رَوَينا حُجَّةٌ) ((المبسوط)) (3/85)، وينظر: ((البحر الرائق)) لابن نجيم (2/303)، ((الاختيار لتعليل المختار)) لعبدالله الموصلي (1/134)، ((درر الحكام)) (1/203). ، والمالكيَّة   ((التاج والإكليل)) للمواق (2/444)، وينظر: ((شرح مختصر خليل للخرشي)) (2/260)، ((المنتقى)) للباجي (2/51). ، والشَّافِعيَّة ((المجموع)) للنووي (6/261)، وينظر: ((أسنى المطالب)) لزكريا الأنصاري (1/423). ، والحَنابِلة ((كشاف القناع)) للبهوتي (2/312)، وينظر: ((المغني)) لابن قدامة (3/117)، ((الشرح الكبير)) لشمس الدين ابن قدامة (3/18). ، وهو قولُ عامَّةِ أهلِ العلمِ قال ابن قدامة: (أن يسافر في أثناء الشَّهرِ ليلًا، فله الفِطرُ في صبيحةِ اللَّيلةِ التي يخرج فيها، وما بعدها. في قَولِ عامَّةِ أهلِ العِلمِ) ((المغني)) (3/117). ، وحُكِيَ الإجماعُ على ذلك قال النووي: (أن يبدأَ السَّفَرَ بالليلِ ويفارِقَ عُمرانَ البَلَدِ قبل الفَجرِ، فله الفِطرُ؛ بلا خلافٍ) ((المجموع)) (6/261)، وقال الباجي: (فإن خرج قبل الفَجرِ فلا خِلافَ أنَّه يجوزُ له الفِطرُ) ((المنتقى شرح الموطأ)) (2/ 51). . الدَّليل من الكتاب:قولُه تعالى: فَمَنْ كَانَ مِنْكُمْ مَرِيضًا أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِنْ أيَّامٍ أُخَرَ [البقرة: 184].وجه الدلالة:أنَّه مُسافِرٌ، فأُبيح له الفِطرُ كما لو سافَرَ قبل الشَّهرِ، والآيةُ تناولتِ الأمرَ بالصَّومِ لِمَن شهِدَ الشَّهرَ كلَّه، وهذا لم يَشهَدْه كلَّه (( المغني)) لابن قدامة (3/117). . المطلب الرابع: حكمُ فِطرِ المُسافِرِ إذا سافَرَ أثناءَ نَهارِ رَمَضانإذا سافَرَ أثناءَ نَهارِ رمَضانَ، وخرج من بلَدِه، فله أن يُفطِرَ، وهو مذهَبُ الحَنابِلة ((الإنصاف)) للمرداوي ( 3/205). ، وقَولُ المُزنيِّ من الشَّافعيَّة ((المجموع)) للنووي ( 6/261). ، وقولُ طائفةٍ مِنَ السَّلَفِ وهو قول عمرو بن شرحبيل والشعبي وإسحاق وداود أنه إذا سافر أثناء نهار رمضان فله أن يفطر. ((الإشراف)) لابن المنذر (3/144)، (المغني)) لابن قدامة (3/117). ، واختارَه ابنُ المُنذِر قال ابنُ المنذر: (واختلفوا في الوَقتِ الذي يُفطِرُ فيه الخارِجُ إلى السَّفَرِ، فقالت طائفة: يُفطِرُ مِن يَومِه إذا خرج مسافرًا، هذا قول عمرو بن شرحبيل، والشعبى. وقال أحمد: يُفطِرُ إذا برز عن البيوت...قال أبو بكر: قول أحمدَ صَحيحٌ) ((الإشراف)) (3/144)، ((المغني)) لابن قدامة (3/117). ، وابنُ عُثيمين قال ابنُ عُثيمين: (والصَّحيحُ أنَّ له أن يُفطِرَ إذا سافَرَ في أثناءِ اليَومِ) ((الشرح الممتع)) لابن عُثيمين (6/346). وقال: (ولكن هل يُشتَرَط أن يُفارِقَ قَريَتَه، إذا عزم على السَّفَرِ وارتَحَل، فهل له أن يُفطِرَ؟ الجواب: في هذا أيضًا قولان عن السَّلَف: ذهب بعضُ أهلِ العِلمِ إلى جوازِ الفِطرِ إذا تأهَّبَ للسَّفَرِ ولم يَبقَ عليه إلَّا أن يركَبَ... فالصَّحيحُ أنَّه لا يُفطِرُ حتى يفارِقَ القرية، ولذلك لا يجوزُ أن يقصُرَ الصَّلاةَ حتى يخرُجَ مِنَ البَلَدِ؛ فكذلك لا يجوزُ أن يُفطِرَ حتى يخرُجَ مِنَ البَلَدِ) ((الشرح الممتع)) (6/347). .الأدِلَّة:أوَّلًا: من الكتابعمومُ قَولِه تعالى: وَمَنْ كَانَ مرِيضًا أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِّنْ أَيَّامٍ أُخَرَ [البقرة: 185].وجه الدلالة:1- أنَّ مَن كان مريضًا أو على سَفَرٍ فأفطَرَ، فعِدَّةٌ مِن أيَّامٍ أُخَرَ، وهذا قد صار على سَفَرٍ؛ فيصدُقُ عليه أنَّه مِمَّن رُخِّصَ له بالفِطرِ، فيُفطِر ((الشرح الممتع)) لابن عُثيمين (6/345). . 2- كما أنَّ السَّفَر أحدُ الأمرَينِ المنصوصِ عليهما في إباحةِ الفِطرِ بهما، فكما يُبيحُ المَرَضُ الفِطرَ أثناءَ النَّهارِ، فكذلك السَّفَرُ ((المغني)) لابن قدامة (3/117). . المطلب الخامس: حُكمُ إمساكِ بقيَّةِ اليومِ إذا قَدِمَ المُسافِرُ أثناءَ النَّهارِ مُفطرًاإذا قَدِمَ المسافِرُ أثناءَ النَّهارِ مُفطرًا، فقد اختلف أهلُ العِلمِ في إمساكِه بقيَّةَ اليومِ، على قولين:القول الأول: لا يجِبُ عليه إمساكُ بقيَّةِ النَّهار ولاينبغي له أن يُعلِن أكْلَه ولا شُربَه؛ لخفاء سبب الفِطر؛ كيلا يُساءَ به الظنُّ، أو يُقتدَى به. ((الأم)) للشافعي (2/111). ، وهو مذهب المالكيَّة ((مواهب الجليل)) للحطاب (3/301)، وينظر: ((الفواكه الدواني)) للنفراوي (1/43). ، والشَّافِعيَّة ((المجموع)) للنووي (6/262). ، وروايةٌ عند الحَنابِلة ((الشرح الكبير)) لشمس الدين ابن قدامة (3/15). ، وهو اختيارُ ابنِ عُثيمين ((الشرح الممتع)) لابن عُثيمين (6/335-336). .وذلك للآتي:أوَّلًا: لأنَّه لا دليلَ على وُجوبِ الإمساكِ.ثانيًا: أنَّه لا يستفيدُ مِن هذا الإمساكِ شيئًا لوُجوبِ القَضاءِ عليه ((الشرح الممتع)) لابن عُثيمين (6/335). .ثالثًا: لأنَّ حُرمةَ الزَّمَنِ قد زالَتْ بفِطْرِه المُباحِ له أوَّلَ النَّهارِ ظاهرًا وباطنًا، فإذا أفطَرَ كان له أن يستديمَه إلى آخِرِ النَّهارِ، كما لو دام العُذرُ ((الشرح الممتع)) لابن عُثيمين (6/335). .القول الثاني: يلزَمُه الإمساكُ، وهو مذهب الحَنَفيَّة ((البحر الرائق)) لابن نجيم (2/311)، وينظر: ((فتح القدير)) للكمال ابن الهمام (2/363). ، والحَنابِلة ((الإنصاف)) للمرداوي (3/200 - 201). ، ووجهٌ عند الشَّافِعيَّة ((روضة الطالبين)) للنووي (2/372). وطائفةٍ مِنَ السَّلَفِ قال ابنُ قدامة: (وهو قول أبي حنيفة, والثوري, والأوزاعي, والحسن بن صالح, والعنبري) ((المغني)) (3/ 145، 146). ، وهو اختيارُ ابنِ باز قال ابنُ باز: (المسافِرُ إذا قَدِمَ في أثناءِ النَّهارِ في رمضان إلى بلده؛ فإنَّ عليه الإمساكَ في أصحِّ قَولَيِ العُلَماءِ؛ لِزَوالِ حُكمِ السَّفَرِ) ((مجموع فتاوى ابن باز)) (15/193). .وذلك لأنَّ المُسافِرَ صار من أهلِ الوُجوبِ حين قُدومِه؛ فيُمسِكُ تشبهًا بالصَّائِمين، وقضاءً لحقِّ الوقتِ ((درر الحكام)) لملا خسرو (1/205). . المطلب السادس: حُكمُ فِطرِ المسافِرِ إذا كان سَفَرُه بوسائِلِ النَّقلِ المُريحةِيُباحُ الإفطارُ للمُسافِرِ، ولو كان سَفَرُه بوسائِلِ النَّقلِ المريحة، سواءٌ وجَدَ مشقَّةً أو لم يجِدْها. الدَّليل من الإجماعِ:نقل الإجماعَ على ذلك: ابنُ تيميَّة قال ابنُ تيمية: (ويجوزُ الفِطرُ للمُسافِرِ باتِّفاقِ الأمَّةِ، سواءٌ كان قادرًا على الصِّيامِ أو عاجزًا، وسواءٌ شَقَّ عليه الصَّومُ أو لم يشُقَّ؛ بحيث لو كان مسافرًا في الظِّلِّ والماءِ ومعه مَن يَخدمُه جاز له الفِطرُ والقَصرُ)) ((مجموع الفتاوى)) (25/210) وانظر ((مجموع فتاوى ابن باز)) (15/235). . انظر أيضا: المبحث الأول: حُكمُ فطرِ المُسافِرِ. المبحث الثاني: حكمُ صَومِ المُسافِرِ. المبحث الرابع: حُكمُ صَومِ مَن سَفَرُه شِبْه دائِمٌ.