الغارِم لُغةً: الغُرمُ الدَّينُ، والغارمُ هو الذي عليه دَينٌ، والغريم يُطلَقُ على المَدينِ وعلى صاحِب الدَّينِ، وأصل الغرمِ في اللُّغة اللُّزومِ، ومنه قولُه سبحانه وتعالى: إِنَّ عَذَابَهَا كَانَ غَرَامًا، وسُمِّي كلُّ واحدٍ منهما غريمًا؛ لِمُلازَمَتِه صاحبَه، وقيل: الغُرمُ مِن الخسران، وكأنَّ الغارِمَ هو الذي خسِرَ مالَه ((لسان العرب)) لابن منظور (12/436)، ((البناية شرح الهداية)) لبدر الدين العيني (3/453)، ((المجموع)) للنووي (6/206). .الغارم شرعًا: هو المَدينُ العاجزُ عن وفاءِ دَينِه وقيل: الذي عليه أكثرُ مِن المالِ الذي في يدِه أو مِثلُه أو أقلُّ منه. وقيل: مَن فدَحه الدَّينُ في غير سفَهٍ ولا فسادٍ. وقيل: مَن لَزِمَه دَين ولا يملك نِصابًا فاضلًا عن دَينِه. وقيل: هم الذين عليهم ديونٌ لا تَفي أموالُهم بها، أو مَن تحمَّلَ بحَمالةٍ وإنْ كان في مالِه وفاءٌ بها. ((بدائع الصنائع)) للكاساني (2/45)، ((البناية شرح الهداية)) لبدر الدين العيني (3/453)، ((القوانين الفقهية)) لابن جزي (ص: 75)، ((المغني)) لابن قدامة (6/480)، ((المحلى)) لابن حزم (6/150 رقم 720). . انظر أيضا: المبحث الثاني: الغارمون من مصارف الزَّكاة. المبحث الثالث: الغارِمُ لإصلاح ذات البَينِ. المبحث الرابع: مَن غرِم في مُحرَّم. المبحث الخامس: مَن غرِم في محرَّمٍ، ثم تاب.

للغارمينَ العاجزينَ عن الوفاءِ، سهمٌ مِن مصارِفِ الزَّكاةِ.الأدلَّة:أوَّلًا: مِنَ الكِتابِقال اللهُ تعالى: إِنَّمَا الصَّدَقَاتُ لِلْفُقَرَاءِ وَالْمَسَاكِينِ وَالْعَامِلِينَ عَلَيْهَا وَالْمُؤَلَّفَةِ قُلُوبُهُمْ وَفِي الرِّقَابِ وَالْغَارِمِينَ وَفِي سَبِيلِ اللَّهِ وَابْنِ السَّبِيلِ فَرِيضَةً مِنَ اللَّهِ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ [التوبة: 60].ثانيًا: مِنَ الإجماعِنقَلَ الإجماعَ على ذلك: ابنُ المُنْذِر في الجُملةِ قال ابنُ المُنْذِرِ: (وأجمعوا على أنَّه إن فَرَضَ صدقَتَه في الأصنافِ التي ذكَرَها في سورة براءة في قوله تعالى: إِنَّمَا الصَّدَقَاتُ لِلْفُقَرَاءِ وَالْمَسَاكِينِ وَالْعَامِلِينَ عَلَيْهَا **التوبة: 60**، أنه مؤد كما فرض عليه) ((الإجماع)) (ص: 48). ، وابنُ قُدامةَ قال ابنُ قدامة: (ولا خلافَ في استحقاقِهم، وثبوتِ سَهمِهم، وأنَّ المدينينَ العاجزينَ عن وفاءِ دُيونِهم منهم). ((المغني)) لابن قدامة (6/480). . انظر أيضا: المبحث الأوَّل: تعريفُ الغارِم. المبحث الثالث: الغارِمُ لإصلاح ذات البَينِ. المبحث الرابع: مَن غرِم في مُحرَّم. المبحث الخامس: مَن غرِم في محرَّمٍ، ثم تاب.

مِن الغارمينَ الذين يستحقُّون الزَّكاةَ: الغارمُ لإصلاحِ ذات البَيْن الغارِمُ لإصلاحِ ذاتِ البَين: هو مَن يَستدينُ مالًا ويصرِفُه في إصلاحِ ذاتِ البَينِ، بأنْ يَخافَ فتنةً بين قَبيلتينِ أو طائفتينِ أو شخصينِ، فيَستدينَ مالًا ويصرفَه في تسكينِ تلك الفِتنةِ. ينظر: ((المجموع)) للنووي (6/206). ، ولو كان غنيًّا، وهذا مذهبُ الشافعيَّة ((المجموع شرح المهذب)) للنووي (6/206-207)، ((مغني المحتاج)) للشربيني (3/111). ، والحَنابِلَة ((الإنصاف)) للمرداوي (3/165-171)، ويُنظر: ((حاشية الروض المربع)) لابن قاسم (3/317). ، ووجْهٌ للحنفيَّة ((البناية شرح الهداية)) للعيني (3/454). ، واختاره ابنُ عبدِ البَرِّ قال ابنُ عبد البَرِّ: (عن أبي سَعيدٍ الخُدريِّ رَضِيَ اللهُ عنه، قال: قال: رسولُ الله صلَّى اللهُ عليه وسَلَّم: (لا تحِلُّ الصدقةُ لغنيٍّ إلا لخمسةٍ: لعاملٍ عليها، أو لرجُلٍ اشتراها بمالِه، أو غارمٍ، أو غازٍ في سبيل الله، أو مسكينٍ تُصُدِّقَ عليه فأهْدى منها لغنيٍّ)... ظاهر هذا الخبَرِ يقتضي أنَّ الصَّدقة تحِلُّ لهؤلاءِ الخَمسة في حال غِناهم، ولو لم يَجُزْ لهم أخذُها إلا مع الحاجة والفقر لَمَا كان للاستثناءِ وجهٌ؛ لأنَّ اللهَ قد أباحها للفُقَراءِ والمساكينِ إباحةً مطلقةً، وحقُّ الاستثناءِ أن يكون مُخرِجًا من الجملةِ ما دخَل في عُمومِها، هذا هو الوَجهُ). ((التمهيد)) (5/101). ، وابنُ بازٍ قال ابنُ باز: (أمَّا الغارمون: فهُم أهلُ الدَّينِ الذين يستدينون الأموالَ في حاجاتِهم المباحة، وحاجاتِ عَوائِلِهم أو لإصلاحِ ذات البَيْن، يتحمَّلونَ المال ليُصلِحوا بين النَّاسِ عند قيام الفِتن والشُّرور، والعداوات والشحناء؛ يقوم الإنسانُ ليُصلحَ بين الناس ويتحمَّل أموالًا للإصلاح بينهم، فيُعطَى هذا المتحمِّلُ ولو كان غنيًّا، يعطى ما تحمَّلَه مِنَ الزَّكاة؛ لأنه قد سعَى في خيرٍ وقام في خيرٍ، كما يُعطَى المَدينُ العاجزُ عن قضاءِ الدَّينِ في حاجاتِ نفْسِه وحاجاتِ عِياله، يُعطَى من الزَّكاةِ ما يَسُدُّ به الدَّين) ((مجموع فتاوى ابن باز)) (14/15-16). ، وابنُ عُثيمين قال ابنُ عُثيمِين: (الغارمون هم المَدينونُ الذين عليهم دَينٌ للنَّاسِ، والغُرمُ ينقسِم إلى قِسمين: غرمٌ لإصلاحِ ذات البَين، وغرمٌ لحوائِجَ خاصَّةٍ للشخص؛ فأمَّا الأوَّلُ فمثل: أن يقع بيْن قَبيلتين شجارٌ ونزاعٌ وعُدوانٌ من بعضهم على بعضٍ، فيأتي رجلٌ خَيِّرٌ طيِّب، ويقول لهاتين القبيلتينِ: أنا أُصلِحُ بينكما بمالٍ أدفعُه لكلِّ واحدةٍ منكما، ويلتَزِمُ في ذمَّته بمليون ريال؛ خَمسمئة لهذه الطَّائفة، وخَمسمئةٍ لهذه الطائفة؛ فهذا نُعطيه مِنَ الزَّكاة لإيتاءِ هذا الغُرمِ؛ لأنَّ هذا الرجل محسنٌ وقائمٌ بين النَّاسِ بالإصلاح، فكان مِن مكافأتِه ومُجازاتِه أن نتحمَّلَ عنه ما التزَمَه من الزَّكاة، حتى ولو كان غنيًّا) ((مجموع فتاوى ورسائل العُثيمين)) (18/530-531). وينظر: ((الشرح الممتع)) (6/233- 234). .الأدلَّة:أوَّلًا: مِنَ الكِتابِقال اللهُ تعالى: إِنَّمَا الصَّدَقَاتُ لِلْفُقَرَاءِ وَالْمَسَاكِينِ وَالْعَامِلِينَ عَلَيْهَا وَالْمُؤَلَّفَةِ قُلُوبُهُمْ وَفِي الرِّقَابِ وَالْغَارِمِينَ وَفِي سَبِيلِ اللَّهِ وَابْنِ السَّبِيلِ فَرِيضَةً مِنَ اللَّهِ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ [التوبة: 60].وجه الدَّلالة: أنَّ عمومَ الغارمينَ يشمَل مَن غَرِمَ لنفْسِه، ومَن غَرِمَ لغَيرِه ((مغني المحتاج)) للشربيني (3/111). .ثانيًا: من السُّنَّةعن قَبِيصةَ بنِ مُخارِقٍ الهلاليِّ رَضِيَ اللهُ عنه قال: ((تَحمَّلتُ حَمَالةً فأتيتُ رسولَ الله صلَّى الله عليه وسلَّم أسألُه فيها، فقال: أقِمْ حتَّى تأتيَنا الصدقةُ فنأمُرَ لك بها، قال: ثمَّ قال: يا قَبِيصَةُ، إنَّ المسألةَ لا تحِلُّ إلَّا لأحدِ ثلاثةٍ: رَجُلٍ تحمَّلَ حَمَالةً، فحلَّتْ له المسألةُ حتى يُصيبَها، ثم يُمسِك، ورجُلٍ أصابتْ مالَه جائحةٌ فاجتاحتْ مالَه، فحلَّتْ له المسألةُ حتى يُصيبَ سِدادًا من عَيشٍ، أو قِوامًا مِن عيشٍ، ورجُلٍ أصابتْه فاقَةٌ أو حاجةٌ حتى يَشهَدَ- أو يقولَ- ثلاثةٌ من ذوي الحِجا مِن قَومِه: إنَّ به فاقةً وحاجةً، فحلَّتْ له المسألةُ حتى يُصيبَ سِدادًا مِن عَيشٍ، أو قِوامًا مِن عَيشٍ، ثم يُمسِك)) رواه مسلم (1044) .وجوه الدَّلالةِ:الوجْه الأوَّل: قولُه عليه الصَّلاةُ والسَّلامُ: ((رَجُلٍ تحمَّلَ حَمَالةً، فحلَّتْ له المسألةُ حتى يُصيبَها، ثم يُمسِك)) دليلٌ على أنَّه غنيٌّ؛ لأنَّ الفقيرَ ليس عليه أن يُمسِك عن السُّؤالِ مع فقْرِه ((التمهيد)) لابن عَبدِ البَرِّ (5/101). . الوجْه الثاني: أنَّه عطَف الذي ذهَب مالُه، والفقيرَ ذا الفاقةِ على مَن تحمَّلَ الحَمَالةَ، فدلَّ على أنَّه لم يذهبْ مالُه ولم تُصِبْه فاقةٌ ((التمهيد)) لابن عَبدِ البَرِّ (5/101). .الوجْه الثالث: أنَّه أطلَقَ دفْعَ الزَّكاةِ إلى مَن تحمَّلَ حَمَالةً، ولم يشترطْ فيه الفَقرَ. انظر أيضا: المبحث الأوَّل: تعريفُ الغارِم. المبحث الثاني: الغارمون من مصارف الزَّكاة. المبحث الرابع: مَن غرِم في مُحرَّم. المبحث الخامس: مَن غرِم في محرَّمٍ، ثم تاب.

مَن غرِم في محرَّمٍ؛ فإنَّه لا يُعطى مِنَ الزَّكاة، وهذا باتِّفاقِ المَذاهِبِ الفِقهيَّة الأربَعةِ: الحنفيَّة ((البناية شرح الهداية)) للعيني (3/454). ، والمالكيَّة ((التاج والإكليل)) للمواق (2/ 351)، ويُنظر: ((الذخيرة)) للقرافي (3/148). ، والشَّافعيَّة ((المجموع)) للنووي (6/208)، ((مغني المحتاج)) للشربيني (3/110). ، والحَنابِلَة ((الفروع)) لابن مفلح (4/ 339)، ويُنظر: ((المغني)) لابن قدامة (6/480). .الدَّليل من الكتاب:قولُ الله تعالى: وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى وَلَا تَعَاوَنُوا عَلَى الْإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ [المائدة: 2].وجه الدَّلالة:أنَّ في إعطاءِ الزَّكاةِ لِمَن غَرِمَ في محرَّم إعانةً على المحرَّمِ، وربما استدانَ في المحرَّم ليأخذَ من الزَّكاةِ ((المجموع)) للنووي (6/206)، ((المغني)) لابن قدامة (6/480)، ((الشرح الممتع)) لابن عُثيمين (6/235)، ((المحصول في علوم الزَّكاة)) لرفيق المصري (ص65، 66). . انظر أيضا: المبحث الأوَّل: تعريفُ الغارِم. المبحث الثاني: الغارمون من مصارف الزَّكاة. المبحث الثالث: الغارِمُ لإصلاح ذات البَينِ. المبحث الخامس: مَن غرِم في محرَّمٍ، ثم تاب.

مَن استدان لِمَعصيةٍ ثم تاب، فإنه يُعطَى مِنَ الزَّكاة، وهو مذهبُ الشافعيَّة في الأصحِّ ((المجموع)) للنووي (6/206، 208)، ((مغني المحتاج)) للشربيني (3/110). ، والحَنابِلَة ((الفروع وتصحيح الفروع)) (4/ 339)، ((الإنصاف)) للمرداوي (/3/176)، وينظر: ((المغني)) لابن قدامة (6/480). ، وهو وجْهٌ للحنفيَّة ((البناية شرح الهداية)) لبدر الدين العيني (3/454). ، واختاره سندٌ من المالكيَّة ((الذخيرة)) للقرافي (3/148). ، وابنُ عُثيمين ذكر في ((الشرح الممتع)) (مسألة: مَن غرِم في مُحرَّمٍ؛ هل نعطيه من الزَّكاة؟ الجواب: إنْ تاب أعطيناه، وإلَّا لم نُعطِه؛ لأنَّ هذا إعانةً على المحرَّمِ، ولذلك لو أعطيناه لاستدان مرَّةً أخرى) ((الشرح الممتع)) (6/235). .الأدلَّة:أوَّلًا: مِنَ الكِتابِقولُ اللهِ تعالى: إِنَّمَا الصَّدَقَاتُ لِلْفُقَرَاءِ وَالْمَسَاكِينِ وَالْعَامِلِينَ عَلَيْهَا وَالْمُؤَلَّفَةِ قُلُوبُهُمْ وَفِي الرِّقَابِ وَالْغَارِمِينَ وَفِي سَبِيلِ اللَّهِ وَابْنِ السَّبِيلِ فَرِيضَةً مِنَ اللَّهِ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ [التوبة: 60].وجه الدَّلالة: أنَّه غارمٌ يدخُل في عُمومِ الآية ((المجموع)) للنووي (6/208). .ثانيًا: أنَّ التَّوبةَ تَجُبُّ ما قبلها، والمعصية قد زالتْ ((المجموع)) للنووي (6/206، 208). .ثالثًا: أنَّه فقيرٌ، فاستحقَّ الزَّكاةَ بذلك ((البناية شرح الهداية)) لبدر الدين العيني (3/454). .رابعًا: أنَّ التوبةَ لَمَّا قطعتْ حُكمَ ما قبلها، صار النَّظرُ إلى حالِ وجودِها كالمسافِرِ لمعصيةٍ إذا تاب؛ فإنه يعطى مِن سَهمِ ابنِ السَّبيلِ ((مغني المحتاج)) للشربيني (3/110). . خامسًا: أنَّ إبقاءَ الدَّينِ الذي في الذِّمَّةِ ليس مِنَ المعصية، بل يجِبُ تَفريغُها، والإعانةُ على الواجِبِ قُربةٌ لا معصيةٌ، فأشبَهَ مَن أتْلَف مالَه في المعاصي حتى افتقَرَ، فإنه يُدفَعُ إليه مِن سهْمِ الفُقَراءِ ((المغني)) لابن قدامة (6/480). .سادسًا: القياسُ على المسافِر لمعصيةٍ إذا تاب، فإنَّه يُعطى مِن سهْمِ ابنِ السَّبيلِ ((مغني المحتاج)) للشربيني (3/110). . انظر أيضا: المبحث الأوَّل: تعريفُ الغارِم. المبحث الثاني: الغارمون من مصارف الزَّكاة. المبحث الثالث: الغارِمُ لإصلاح ذات البَينِ. المبحث الرابع: مَن غرِم في مُحرَّم.

مَن كان له دَينٌ على فقيرٍ، فأبرأه منه، واحْتَسَبَه من زكاةِ مالِه؛ فإنَّه لا يُجزيه صورة المسألة: (رجلٌ له مَدينٌ فقيرٌ يطلُبه ألف ريال، وكان على هذا الطَّالب ألف ريال زكاةٌ؛ فهل يجوز أن يُسقِطَ الدائنُ عن المَدينِ الألفَ الرِّيال الذي عليه بنيَّةِ الزَّكاةِ؟). ((الشرح الممتع)) لابن عُثيمين (6/236). ، وهذا باتِّفاقِ المَذاهِبِ الفِقهيَّة الأربَعةِ: الحنفيَّة ((المبسوط)) للسرخسي (2/187)، ويُنظر: ((المبسوط)) للشيباني (2/112). ، والمالكيَّة ((مواهب الجليل)) للحطاب (3/224)، ويُنظر: ((شرح مختصر خليل)) للخرشي (2/214). ، والشافعيَّة في الأصحِّ ((المجموع)) للنووي (6/210)، ويُنظر: ((الحاوي الكبير)) للماوردي (3/332). ، والحَنابِلَة ((الفروع)) لابن مفلح (4/ 288). قال صالحٌ ابنُ الإمام أحمد: (قلتُ: رجلٌ له مالٌ على رجلٍ مسكينٍ تَحِلُّ له الصَّدقةُ فيتركُه له ويحسِبُه من زكاةِ ماله؟ قال: لا يحسِبُه من الزَّكاة؛ لأن هذا مالٌ لا يدري يصِلُ إليه أم لا). ((مسائل الإمام أحمد رواية ابنه أبي الفضل صالح)) (3/231 رقم 1714)، وينظر: ((المغني)) لابن قدامة (2/487)، ((مطالب أولي النهى في شرح غاية المنتهى)) لمصطفى بن سعد الرحيباني (2/150). ، وحَكى أبو عُبَيد العملَ عليه قال أبو عُبَيد: (فإنْ لم يُرِد صاحبُه شيئًا من ذلك الأداءِ، ولكنه أراد ترْكَ الدَّينِ للذي هو عليه، وأن يحسِبَه مِن زكاة مالِه الذي في يدِه، فإنَّ هذا قد أرخَصَ فيه بعضُ التابعين،... وهذا مذهبٌ لا أعلَمُ أحدًا يعمل به، ولا يذهَبُ إليه من أهلِ الأثَرِ وأهلِ الرأي). ((الأموال)) (ص: 533، 534). ، ونقَل ابنُ تيميَّة أنَّه لا نِزاع فيه قال ابنُ تيميَّة: (وأمَّا إسقاطُ الدَّينِ عنِ المعسِر، فلا يُجزِئ عن زكاةِ العَينِ بلا نِزاع). ((مجموع الفتاوى)) (25/84)، ((الاختيارات الفقهية)) (ص: 457). .الأدلَّة:أوَّلًا: مِنَ الكِتابِ 1- قال اللهُ تعالى:خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً [التوبة: 103].وجه الدَّلالة: أنَّ الآيةَ الكريمةَ تدلُّ على أنَّ الزَّكاة أخْذٌ وإعطاءٌ، ومَن أبرَأَ غريمَه واحتسبَه مِن زكاةِ مالِه؛ فإنَّه ليس فيه إعطاءٌ وأخْذٌ، فلا تبرأ ذِمَّتُه إلَّا بإقباضِ الزَّكاة ((المبسوط)) للشيباني (2/112)، ((المجموع)) للنووي (6/210). .2- قال اللهُ تعالى: وَلَا تَيَمَّمُواْ الْخَبِيثَ مِنْهُ تُنفِقُونَ [البقرة: 267].وجه الدَّلالة:أنَّ مَن أبرَأَ غريمَه مِن دَينه بنيَّةِ الزَّكاة عليه، فهو بمنزلةِ إخراجِ الخَبيثِ مِنَ الطيِّبِ؛ لأنَّه عدَل عن إخراجِ ما بحَوزتِه إلى ما في ذمَّةِ المُعسِرِ ((الشرح الممتع)) لابن عُثيمين (6/237). .ثانيًا: أنَّ سُنَّةَ رسولِ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسَلَّم في الصَّدَقةِ كانتْ على خِلافِ هذا الفِعلِ؛ لأنَّه إنما كان يأخُذُها مِن أعيانِ المالِ عَن ظهْرِ أيدي الأغنياءِ، ثم يردُّها في الفُقَراءِ، وكذلك كانتِ الخلفاءُ من بعدِه ((الأموال)) لأبي عبيد القاسم بن سلَّام (ص: 534). .ثالثًا: أنَّه لا يُؤمَنُ أنْ يكون إنَّما أراد أن يقِيَ مالَه بهذا الدَّينِ الذي قد يئِسَ منه، فيجعله ردءًا لمالِه يقيه به، وليس يَقبَلُ اللهُ تبارك وتعالى إلَّا ما كان له خالصًا ((الأموال)) لأبي عبيد القاسم بن سلَّام (ص: 534). .فرعٌ: دفْعُ الزَّكاة إلى الغريم بشرْطِ أن يردَّها إليه عن دَينِهإذا دفَع الزَّكاةَ إلى غريمِه بشرْطِ أن يردَّها إليه عن دَينِه؛ فلا يصحُّ الدفْعُ ولا تَسقُطُ الزَّكاةُ، ولا يصحُّ به قضاءُ الدَّينِ؛ نصَّ على هذا الشافعيَّة ((المجموع)) للنووي (6/211). ، والحَنابِلَة ((شرح منتهي الإرادات)) للبهوتي (1/ 462). قال ابنُ قُدامة: (قال مُهنَّا: سألتُ أبا عبدِ الله عن رجُلٍ له على رجُل دَينٌ بِرَهنٍ، وليس عندَه قضاؤُه، ولهذا الرجُلِ زكاةُ مالٍ يُريد أن يفرِّقها على المساكينِ، فيدفَعُ إليه رهنَه ويقول له: الدَّينُ الذي لي عليك هو لك. ويحسِبُه من زكاةِ ماله؟ قال: لا يُجزِئُه ذلك. فقلتُ له: فيدفَعُ إليه مِن زكاتِه، فإنْ ردَّه إليه قضاءً ممَّا له، أخَذَه؟ فقال: نعَم. وقال في موضِعٍ آخرَ، وقيل له: فإنْ أعطاه، ثم ردَّه إليه؟ قال: إذا كان بحيلةٍ فلا يُعجِبُني. قيل له: فإنِ استقرَضَ الذي عليه الدَّينُ دراهم، فقضاه إيَّاها ثم ردَّها عليه، وحسبَها مِنَ الزَّكاة؟ فقال: إذا أراد بها إحياءَ مالِه فلا يجوزُ. فحصَل مِن كلامِه أنَّ دفْعَ الزَّكاةِ إلى الغريمِ جائزٌ، سواء دفَعَها ابتداءً، أو استوفى حقَّه ثم دفع ما استوفاه إليه، إلا أنَّه متى قصَد بالدَّفعِ إحياءَ ماله، أو استيفاءَ دَينِه، لم يجُزْ؛ لأنَّ الزَّكاة لحقِّ الله تعالى، فلا يجوزُ صرفُها إلى نفْعِه، ولا يجوزُ أن يحتَسِبَ الدَّينَ الذي له من الزَّكاةِ قبل قبْضِه؛ لأنَّه مأمورٌ بأدائِها وإيتائِها، وهذا إسقاطٌ). ((المغني)) (2/487). ، واختاره ابنُ تيميَّة قال ابنُ تيميَّة: (إذا كان له دَينٌ على من يستحقُّ الزَّكاةَ فأعطاه منها وشارَطه أن يُعيدها إليه لم يجُزْ، وكذا إن لم يشرطْ لكن قصَدَه المُعطي في الأظهَرِ). ((الاختيارات الفقهية)) (ص: 457). ، وابن القيِّم قال ابنُ القيِّم: (ومِن الحِيلِ الباطلة المحرَّمة أن يكون له على رجُلٍ مالٌ وقد أفلس غريمُه وأَيِسَ مِن أخْذِه منه، وأراد أن يحسِبَه من الزَّكاة؛ فالحيلةُ أن يعطِيَه من الزَّكاة بقَدرِ ما عليه فيصيرُ مالكًا للوفاءِ، فيطالِبُه حينئذ بالوفاءِ، فإذا أوفاه برِئ وسقطتِ الزَّكاةُ عن الدافع، وهذه حيلةٌ باطلةٌ، سواء شرَط عليه الوَفاءَ أو منعَه مِنَ التصرُّفِ فيما دفَعَه إليه، أو ملَّكه إيَّاه بنيَّةِ أن يستوفيَه مِن دَينه، فكلُّ هذا لا يُسقِطُ عنه الزَّكاةَ، ولا يُعَدُّ مُخرجًا لها لا شرعًا ولا عُرفًا، كما لو أسقَطَ دَينه وحسَبَه من الزَّكاة). ((إعلام الموقعين)) (3/345). .وذلك للآتي:أوَّلًا: أنَّ الزَّكاةَ لحقِّ الله تعالى، فلا يجوزُ صرْفُها إلى نفْعِه ((المغني)) لابن قدامة (2/487). .ثانيًا: أنَّه لا يجوزُ أن يحتَسِبَ الدَّينَ الذي له مِنَ الزَّكاة قبل قبْضِه ((المغني)) لابن قدامة (2/487). .ثالثًا: أنَّه مأمورٌ بأداءِ الزَّكاةِ وإيتائِها، وهذا إسقاطٌ ((المغني)) لابن قدامة (2/487). .رابعًا: أنَّ هذا مِنَ الحِيل الباطلة على الزَّكاةِ، ولا يُعَدُّ مخرجًا لها لا شرعًا ولا عُرفًا كما لو أسقط دَينَه وحسَبَه مِنَ الزَّكاة ((إعلام الموقعين عن رب العالمين)) لابن القيم (3/346). . فرع: دفْعُ الزَّكاة إلى الغريمإذا دفعَ الزكاةَ إلى غريمِه، فردَّها إليه قضاءً عن دَينه، دون أن يشتَرِطا ذلك؛ جازَ وأجزَأَه عن الزكاةِ؛ وهو مذهَبُ الجمهورِ: الحنفيَّة ((الفتاوى الهندية)) (6/391). ويجوزُ عندهم حتى لو كان حيلةً ونواه عن زكاةِ مالِه. والشافعيَّة ((المجموع)) للنووي (6/211). قال النوويُّ: (ولو نويَا ذلك ولم يشرطاه، جازَ بالاتفاق وأجزأه عن الزكاة). ، والحنابلة ((كشاف القناع)) للبهوتي (2/288)، ويُنظر: ((المغني)) لابن قدامة (2/487). وعندهم متى قصَدَ بالدَّفعِ إحياءَ مالِه واستيفاءَ دَينِه لم يَجُز؛ لأنَّ الزَّكاةَ لِحَقِّ الله تعالى، فلا يجوزُ صرفُها إلى نَفْعِه، فإذا كان الدَّفعُ حيلةً فلا يجوزُ. ينظر: ((الشرح الكبير)) لشمس الدين بن قدامة (2/709). وقولٌ للمالكيَّةِ ((حاشية الدسوقي)) (1/494). . وذلك للآتي:  أولًا: يجوزُ دَفعُها إلى الغريمِ؛ لأنَّه مِن جملةِ الغارمينَ ((كشاف القناع)) للبهوتي (2/288). وعندهم متى قصَدَ بالدَّفعِ إحياءَ مالِه واستيفاءَ دَينِه لم يَجُز؛ لأنَّ الزَّكاةَ لِحَقِّ الله تعالى، فلا يجوزُ صرفُها إلى نَفْعِه، فإذا كان الدَّفعُ حيلةً فلا يجوزُ. ينظر: ((الشرح الكبير)) لشمس الدين بن قدامة (2/709). .ثانيًا: لا يجوزُ دَفْعُها إليه عند الاشتراطِ؛ لأنَّه إذا اشتَرَط ذلك كان كمَن لم يُعْطِها ((مواهب الجليل)) (3/229)، ((حاشية الدسوقي)) (1/494). . انظر أيضا: المبحث الأوَّل: تعريفُ الغارِم. المبحث الثاني: الغارمون من مصارف الزَّكاة. المبحث الثالث: الغارِمُ لإصلاح ذات البَينِ. المبحث الرابع: مَن غرِم في مُحرَّم.

اختلَف أهلُ العلم في قضاءِ دَينِ الميِّتِ مِنَ الزَّكاة، على قولينِ:القول الأوّل: لا يجوزُ قضاءُ دَين الميِّتِ مِنَ الزَّكاةِ، وهو مذهبُ الحنفيَّة ((المبسوط)) للسرخسي (2/186)، ((الفتاوى الهندية)) لمجموعة علماء برئاسة نظام الدين البلخي (1/188). ، والحَنابِلَة ((الإنصاف)) للمرداوي (3/ 166)، ويُنظر: ((مسائل الإمام أحمد رواية أبي داود السجستاني)) (ص: 121)، ((المغني)) لابن قدامة (2/498). ، وبه قال ابنُ المواز من المالكيَّة ((الذخيرة)) للقرافي (3/148). ، ووجْهٌ للشافعيَّة ((المجموع)) للنووي (6/211). ، واختاره أبو عُبَيدٍ القاسِمُ بنُ سلام قال أبو عُبيد: (وإنَّما افتَرَق الحيُّ والميِّت أن يكون الميِّتُ غارمًا؛ لأنَّ الدَّينَ الذي أدانه قد تحوَّل على غَيرِه، وهو الوارِثُ، فإنْ كان على الميِّتِ وفاءٌ بِدَينِه كان في ميراثِه، وكان ذلك عليه دون الصَّدَقةِ، وإنْ لم يكُن له مالٌ، فليس على وارِثِه شيءٌ وليس بغارِمٍ؛ لأنَّه هو الذي أدان هذا الدَّينَ، وقد أجمعتِ العلماءُ أنْ لا يُعطَى من الزَّكاة في دَينِ ميِّتٍ). ((الأموال)) (ص: 725). ، وابنُ عُثيمين قال ابنُ عُثيمِين: (الصحيحُ: أنَّه لا يُقضى دَينُ الميِّتِ منها، وقد حكاه أبو عُبيدٍ في الأموال وابن عَبدِ البَرِّ إجماعًا، لكنَّ المسألةَ ليستْ إجماعًا؛ ففيها خلافٌ، إلَّا أنَّه في نظرنا خلافٌ ضعيف، والعجيبُ أنَّ شيخَ الإسلامِ ابنَ تيميَّة- رَحِمَه الله- جوَّز أن تُقضى ديونُ الأمواتِ مِنَ الزَّكاةِ، وحكاه وجهًا في مذهَبِ الإمامِ أحمَدَ، واستدلَّ بقَولِه تعالى: وَالْغَارِمِينَ، فلم يعتبرِ التَّمليك، وإنَّما اعتبَرَ إبراءَ الذمَّة، فالميِّتُ أوْلى بإبراءِ الذِّمَّةِ مِنَ الحي، لكِنَّ القولَ الأوَّلَ أرجَحُ، فلا يُقضى دَينُ الميِّتِ مِنَ الزَّكاةِ). ((الشرح الممتع)) (6/235). .وذلك للآتي:  أوَّلًا: أنَّ النبيَّ صلَّى الله عليه وسلَّم كان لا يَقضي دُيونَ الأمواتِ مِنَ الزَّكاة، ولو كان قضاءُ الدَّينِ عن الميِّت مِنَ الزَّكاة جائزًا، لفعَلَه صلَّى الله عليه وسلَّم ((الشرح الممتع)) لابن عُثيمين (6/236). .ثانيًا: أنَّ الغارِمَ هو الميِّتُ، ولا يمكِنُ الدَّفعُ إليه، وإنْ دفَعَها إلى غريمِه، صار الدفْعُ إلى الغريمِ لا إلى الغارِمِ ((المغني)) لابن قدامة (2/498). .ثالثًا: أنَّ الظَّاهِرُ مِن إعطاءِ الغارِمِ، أنْ يُزال عنه ذلُّ الدَّينِ، وهذا المعنى لا يتحقَّقُ بدفْعِ الزَّكاة في دَينِ الميِّتِ ((الشرح الممتع)) لابن عُثيمين (6/235). .رابعًا: أنَّه لو فُتِحَ هذا البابُ لعطَّل قضاءَ ديونِ كثيرٍ مِنَ الأحياء؛ لأنَّ العادةَ أنَّ النَّاسَ يعطِفون على الميِّتِ أكثَرَ ممَّا يعطِفون على الحيِّ، والأحياءُ أحقُّ بالوفاءِ مِنَ الأموات ((الشرح الممتع)) لابن عُثيمين (6/236). .خامسًا: أن ذِمَّةَ الميِّت قد خَرِبَت بموتِه، فلا يُسمَّى غارمًا ((الشرح الممتع)) لابن عُثيمين (6/236). .سادسًا: أنَّ فَتْحَ هذا البابِ يفتَح بابَ الطَّمَع والجَشَع مِنَ الوَرَثة، فيُمكِنُ أن يجحَدوا مالَ الميِّتِ، ويقولوا: هذا مَدينٌ ((الشرح الممتع)) لابن عُثيمين (6/236). .القول الثاني: يجوز قضاءُ دَينِ الميِّتِ مِنَ الزَّكاةِ، وهو مذهبُ المالكيَّة ((منح الجليل)) لعليش (2/ 90)، ويُنظر: ((الذخيرة)) للقرافي (3/148)، ((شرح مختصر خليل)) للخرشي (2/218). ، ووجهٌ للشافعيَّة ((البيان في مذهب الإمام الشافعي)) للعمراني (3/424)، ((المجموع)) للنووي (6/211). ، وهو اختيارُ ابنِ تيميَّة قال ابنُ تيميَّة: (أمَّا الدَّينُ الذي على الميِّتِ، فيجوزُ أن يُوفَّى مِنَ الزَّكاة في أحَدِ قولي العلماءِ، وهو إحْدى الرِّوايتينِ عن أحمد؛ لأنَّ الله تعالى قال: وَالْغَارِمِينَ ولم يقل: وللغارِمينَ، فالغارِمُ لا يُشتَرَط تمليكُه على هذا، وهذا يُجَوِّزُ الوفاءَ عنه، وأنْ يُملَّك لوارِثِه ولغَيرِه) ((الفتاوى الكبرى)) (4/189). ، وبه أفتت اللَّجنةُ الدَّائمةُ بالسعوديَّة سُئِلت اللَّجنةُ الدَّائمةُ برئاسة ابن باز: (رجلٌ مات وعليه دَين ولم يُخلِّفْ مالًا؛ فهل يجوز دفْع الزَّكاةِ لوفاءِ دَينِه؟ فأجابت اللجنة: الأصْلُ في الشريعةِ الإسلاميَّة أنَّ مَن مات مِن أفراد المسلمينَ المُلتزمين لتعاليمِ دِينهم، وعليه دَينٌ لَحِقَه في تعاطي أمورٍ مُباحةٍ، ولم يترُكْ له وفاءً، أن يُشرَعَ قضاؤه عنه مِن بَيتِ مال المسلمينَ؛ لِمَا روى البخاريُّ ومسلم وغيرُهما- رَحِمَهم الله- أنَّ رسولَ الله صلَّى الله عليه وسلَّم قال: ((ما مِن مؤمنٍ إلَّا وأنا أوْلَى النَّاسِ به في الدُّنيا والآخِرَة؛ اقرَؤُوا إن شئتم: النَّبِيُّ أَوْلَى بِالْمُؤْمِنِينَ مِنْ أَنْفُسِهِمْ **الأحزاب: 6**، فأيُّما مُؤمِنٍ ترَك مالًا فلْيَرِثْه عَصَبتُه مَن كانوا، فإن ترَك دَينًا أو ضَيَاعًا، فليأتِني وأنا مَولاه)). فإذا لم يتيسرْ قضاؤه من بيتِ المالِ، جاز أن يُقضى دَينُه مِنَ الزَّكاةِ إذا لم يكُن الدَّافِعُ هو المُقتَضي) ((فتاوى اللَّجنة الدَّائمة - المجموعة الأولى)) (10/33-34). ، وبه صدَر قرارُ مَجمَعِ الفقهِ الإسلاميِّ التابِعِ لمنظَمَّة المؤتَمِرِ الإسلاميِّ في قرارات مَجمَع الفقه الإسلامي: (وديونُ الميِّتِ إن لم يكن له ترِكةٌ يُوفَّى منها دَينُه، وهذا إذا لم يتمَّ دَفعُها مِن بيتِ المالِ- الخزانة العامَّة-) قرارات وتوصيات مجمع الفقه الإسلامي التابع لمنظمة المؤتمر الإسلامي المنعقد في دورته الثامنة عشرة في بوتراجايا (ماليزيا) من 24 إلى 29 جمادى الآخرة 1428هـ، الموافق 9 م 13 تموز (يوليو) 2007 م. قرار رقم: 165 (3/18). .الأدلَّة:أوَّلًا: مِنَ الكِتابِقولُ اللهِ تعالى: إِنَّمَا الصَّدَقَاتُ لِلْفُقَرَاءِ وَالْمَسَاكِينِ وَالْعَامِلِينَ عَلَيْهَا وَالْمُؤَلَّفَةِ قُلُوبُهُمْ وَفِي الرِّقَابِ وَالْغَارِمِينَ وَفِي سَبِيلِ اللَّهِ وَابْنِ السَّبِيلِ فَرِيضَةً مِنَ اللَّهِ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ [التوبة: 60].وجه الدَّلالة: أنَّ عمومَ الآيةِ يَشمَلُ قضاءَ الدَّينِ عنِ الغارِمِ، ولم يُفرَّقْ فيها بين الحيِّ والميِّتِ ((المجموع)) للنووي (6/211)، ((البيان في مذهب الإمام الشافعي)) للعمراني (3/425). .ثانيًا: أنَّه يجوزُ التبرُّعُ بقضاءِ دَينه، فجاز له قضاءُ دَينِه من الزَّكاة، كالحيِّ ((المجموع)) للنووي (6/211)، ((البيان في مذهب الإمام الشافعي)) للعمراني (3/425). .ثالثًا: أنَّ دَينَ الميِّتِ أحقُّ مِن دَين الحيِّ في أخْذِه مِنَ الزَّكاةِ؛ لأنَّه لا يُرجى قضاؤُه بخِلاف الحيِّ ((منح الجليل)) لعليش (2/90)، ((شرح مختصر خليل)) للخرشي (2/218). . انظر أيضا: المبحث الأوَّل: تعريفُ الغارِم. المبحث الثاني: الغارمون من مصارف الزَّكاة. المبحث الثالث: الغارِمُ لإصلاح ذات البَينِ. المبحث الرابع: مَن غرِم في مُحرَّم.