مقدمة نقض الدعاوى الكيدية
حول انتماء الإمام لطعن الدعوة التجديدية
إن الحمد لله، نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، مَن يهدِه الله فلا مضلَّ له، ومَن يُضلِل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله.
﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ ﴾ [آل عمران: 102].
﴿ يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا ﴾ [النساء: 1].
﴿ يا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا * يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا ﴾ [الأحزاب: 70 - 71].
أما بعد:
فهذه رسالة لطيفة مختصرة، تنقضُ تلك الدَّعاوَى المثارة حول انتماء شيخ الإسلام محمد بن عبدالوهاب - رحمه الله تعالى - لغرضِ الطعن في دعوته الإصلاحية، وحاجبةٌ فخوخًا ومَصالِي بشريَّة، أوقدت جَذْوتها طائفةٌ ممن يشنأ التوحيد ويمقت أهله، صلت نارُها مساكينَ لا تمييزَ لهم، وتُبيِّن مزايا الجهات التي ينتمي إليها الشيخ، وهذا ظاهر من عنوان الرسالة: (نقض الدعاوى الكيدية حول انتماء الإمام لطعن الدعوة التجديدية).
لكن قبل الشروع فيما يتعلق بانتمائه، أذكر أيامه قائلًا:
لقد عاشت نجد، بل الجزيرة العربية والعالم الإسلامي أجمع ردحًا من الزمن حاضرتها وباديتها، انحرافًا عن جادة التوحيد؛ بسبب انفراج زاوية عصر اليقظة العلمية وعصر الغَفْوة والتِّيه، كثير في جاهلية جهلاء، وهمجيَّةٍ عمياء، يعيشون في مستنقع آسِنٍ، ووَجِيل (حفرة) الماء الآجِن، عصَفت بهم رياح الجهل والهوى، فتنكَّبوا الصراط المستقيم صراط الذين أنعم الله عليهم، إلى صراط المغضوب عليهم أو الضالين.
لقد فشا الشرك، وانتشرت البدع، وظهر الفسق، وضُيِّعت كثير من الواجبات، وانتُهكِت كثير من المحرَّمات، لقد آل الشرك بأهله إلى أسوأ دركاته:
• أشركوا في الشدة والرخاء.
• قصدوا بعضَ الفُسَّاق.
• جعلوا للأولياء حظًّا من الربوبية والألوهية.
لقد عشعش الشِّرك في أرجاء العالم الإسلامي، حتى عاد الإسلام غريبًا كما بدأ، وتحوَّل ذلك المجتمع إلى الحضيض؛ بسبب ذلك الركام الهائل من العقائد الفاسدة المنحرفة عن دين الرسل، والتي يَدين بها طوائف المفتونين بالشرك والبدع والشهوات.
قومٌ يَدينون دينًا ما سمِعتُ به ♦♦♦ عن الرسولِ ولا جاءَتْ به الكُتُبُ
ومع هذه الموجة الجاهلية العرمة، والغَيبة عن كثير من تعاليم الدين، لا تزال نجد، والجزيرة العربية، والعالم الإسلامي، تحتضن الموحِّدين المتمسِّكين بتعاليم الدين الإلهي، المعظِّمين لشعائره، إلا إنه لا حول لهم ولا قوة، ونشاطهم الدعوي شبه مشلول بسبب ضغوط متنوعة.
وكانت بلاد نجد كغيرِها من بلدان العالم الإسلامي، يوجد بها مظاهر الشرك والبدع، وخاصة عند البادية، ويصور لنا الشيخ محمد بن إسماعيل الصنعاني (ت: 1182هـ) رحمه الله ذلك الواقع المؤلم في قصيدته المشهورة الطويلة نحوًا من سبعين بيتًا، قال فيها:
أعادُوا بها معنى سُواعٍ ومثلِه يغوثَ ووُدٍّ، بئسَ ذلك من وُدِّ وقد هتَفوا عند الشدائدِ باسمِها كما يهتفُ المضطرُّ بالصَّمدِ الفردِ وكم نحَروا في سوحِها من نحيرةٍ أُهلَّتْ لغيرِ اللهِ جهرًا على عمدِ وكم طائف حولَ القبورِ مقبِّلًا ويَستلِمُ الأركانَ منهنَّ باليدِ |
ويأبى اللهُ إلا أن يُتمَّ نوره، ويُعلي كلمته، ويكون الدينُ كله له سبحانه وتعالى، وفي هذه الأثناء فجأة وجدتْ نجدٌ نفسها داخل منعطفٍ سلوكي حاسم، وانقلاب ديني شامل لشؤون الحياة، وكأنه يُعلن ميلادًا جديدًا لنجدٍ، وقدوم صبح جلا ليلًا بهيمًا وغبَشًا مظلمًا، فاستيقظوا من رقدتِهم، وتنبَّهوا من غفلتهم.
لقد قيَّض الله شيخ الإسلام محمد بن عبدالوهاب - قدَّس الله روحه ونوَّر ضريحَه - في القرن الثاني عشر من هجرة المصطفى صلى الله عليه وسلم؛ ليُجدِّدَ لأهل نجد ولغيرِهم دينَهم دينَ إبراهيم عليه السلام، الملَّة الحنيفيَّة، وشريعة محمد صلى الله عليه وسلم الشريعة الإسلامية[1].
فغاض (قلَّ ونضب) نبعُ البدعة، وسد فُرْضَة (ثُلْمة) نهرها، وجاءت دعوته كالسَّيل العَرِمَ، دكَّت معاقلَ الشرك، فعادت حميل السيل.
لقد لقيت دعوة الشيخ في نجد مناخًا ملائمًا، فمنذ سمع سكان نجد بالدعوة التجديدية، ورأَوْها ترفع رايةَ التوحيد عاليةً، استبشر كثيرٌ ببوادرها، وتهلَّلتْ وجوههم فرحًا وسرورًا بها، ورحَّبوا بها ترحيب الخليل بخليله، واحتضنوها احتضان الأم لولدها، وتبنَّوها تبنِّي الأب لابنه، كان كثيرٌ منهم يعيشون في حظيرة أصول التوحيد ودعائمه العظام، غير أنهم لا يشكلون قوة.
وبعد أن كانت شمس التوحيد ضعيفةً ونبتتُه مصفرَّة؛ بسبب الجهل والهوى، أشَعَّت شمسه من جديد وقوِي ضوؤها، حتى عمَّ نورها أرجاءَ نجد وما حولها، ورجعت الحياة إلى تلك النَّبتة الطيبة فاخضرَّت وأزهرت وانتعشت نجد، وكأنما وُلدت من جديد.
بل إن نجدًا أنجدت بدعوة الشيخ وقفزتْ قفزة ميمونةً؛ حيث أعاد لها ما انطمس من معالم التوحيد ومذهب السلف الصالح، وأعاد مسيرة التاريخ إلى أصولها، وأعلى منار الإسلام، وسادت الملَّة الإبراهيمية والشريعة المحمدية، وانقشعَتْ غمامةُ الانحراف، وانحسر ظلام الجهل، فعادت نجد به إلى مركزيَّتها مخصبة مريعة، ورجعت الهُوِيَّة الحنيفية إلى سكانها، وما ذلك إلا استجابة لدعوته؛ فقد (وقف في الملتزم وسأل الله تعالى أن يُظهِر هذا الدين بدعوته، وأن يرزقه القَبول من الناس)[2]، فتحققت أمنيتَه، وأصبح ركنًا في الإصلاح، وصدق عليه قول الصادق المصدوق صلى الله عليه وسلم: ((إن الله يبعث لهذه الأمة على رأس كل مائة سنة من يُجدِّدُ لها دينَها))[3].
قال العلقمي في معنى التجديد: إحياء ما اندرَس من العمل بالكتاب والسنة، والأمر بمقتضاهما[4].
لقد غبطت نجد بدعوة الشيخ محمد بن عبدالوهاب؛ حيث هدى الله به من الضلالة، وبصَّر به من العمى، وفتح به أعينًا عُميًا، وآذانا صُمًّا، في زمن كثرت فيه المحادثات، وغلب فيه الهوى، واستأسَدت فيه الشهوات، وغاض العلم، وفاض الجهل.
لقد جهد الإمام في دعوة أهلَ ذلك الإقليم، حتى ضرب الإسلام بجِرانه، وأخذت السلفيةُ معناها الصحيح ومدلولَها السليم، ولا تزال بحمد الله قويةً جذورها غضَّة أفنانُها، ﴿ تُؤْتِي أُكُلَهَا كُلَّ حِينٍ بِإِذْنِ رَبِّهَا ﴾ [إبراهيم: 25].
أبعد ذلك تُلامُ نجدٌ أن تعتز بعبقريِّها ورَيحانتِها، وقد نهض بها نهضة دينية ومدنية معًا؟!
قال الشيخ حسين بن أبي بكر بن غنام:
تجرُّ به نجدٌ ذُيولَ افتخارِها ♦♦♦ وحقٌّ لها بالألمعيِّ ترفُّعُ
لقد أصبحت نجدٌ - ببركة دعوة الشيخ - حجرًا خَشِنًا، تحطَّمت عليه جيوش الشيطان ورؤوس الكفر والطغيان، فكان بحق مجدِّدًا.
وقد شهِد له بتجديد الإسلام في نجد وما حولها فحولُ العلماء وكبار الأذكياء من مختلف أقطار الأرض من العرب والعجم، داخل الجزيرة وخارجها، ولولا خشيةُ الإطالة لسقتُ كثيرًا، ويكفي من القلادة ما أحاط بالعنق.
قال الشيخ محمد بن أحمد الحفظي من علماء عسير:
وبعَث اللهُ لنا مجدِّدا من أرضِ نجدٍ عالمًا مجتهدا شيخُ الهدى محمَّدُ المحمَّدِي الحنبليُّ الأثريُّ الأَحْمَدي |
وقال الشيخ محمد بن إسماعيل الصنعاني:
وقد جاءتِ الأخبارُ عنه بأنه ♦♦♦ يُعيدُ لنا الشرعَ الشريفَ بما يُبْدي
وقال الشيخ محمد بن علي الشوكاني (ت: 1255هـ) رحمه الله في مرثيته للشيخ محمد:
لقد أشرقَتْ نجدٌ بنورِ ضيائهِ وقام مقاماتُ الهدى بالدلائلِ فما هو إلَّا قائمٌ في زمانهِ مقامَ نبيٍّ في إماتةِ باطلِ |
وقال الشيخ حسين بن غنام في مدح الشيخ محمد:
لقد جدَّدَ الإسلامَ بعدَ اندثارهِ ♦♦♦ فقام منارُ الدينِ وانخفض الأشَرّ
وقال محمد رشيد رضا: "لم يَخْلُ قرنٌ من القرون التي كثرت فيها البدع من علماءَ ربانيين، يُجدِّدون لهذه الأمة أمر دينها بالدعوة والتعليم وحسن القدوة، وعدول ينفون عنه تحريف الغالين، وانتحال المبطلين، وتأويل الجاهلين؛ كما ورد في الحديث، ولقد كان الشيخ محمد بن عبدالوهاب النجديُّ من هؤلاء العدول المجدِّدين، قام يدعو إلى تجريد التوحيد وإخلاص العبادة لله وحدَه بما شرعه في كتابه، وعلى لسان رسوله خاتم النبيين صلى الله عليه وسلم، وترك البدع والمعاصي، وإقامة شعائر الإسلام المتروكة، وتعظيم حرماته المنتهكة المنهوكة، فنهدتْ مناهضته واضطهاده القُوَى الثلاث: قوة الدولة والحكام، وقوة أنصارها من علماء النفاق، وقوة العوام الطِّغام[5].
وقال (لوثروب ستودارد الأمريكي) في كتابه حاضر العالم الإسلامي المترجم إلى اللغة العربية بقلم الأستاذ عجاج نويهض: "كان العالم الإسلامي قد بلغ من التضعضع أعظمَ مبلغ، ومن التدلِّي والانحطاط أعمقَ دركة - وذكر ما انتشر في العالم الإسلامي من فساد الأخلاق والاستغراق في الشهوات والشركيَّات - إلى أن قال: وعلى الجملة، فقد بدَّل المسلمون غيرَ المسلمين، وهبطوا مهبطًا بعيدَ القرار، فلو عاد صاحب الرسالة إلى الأرض في ذلك العصر ورأى ما كان يدهى الإسلام، لغضِب وأطلق اللعنة على من استحقَّها من المسلمين، كما يُلعَن المرتدُّون وعبدةُ الأوثان، وفيما العالم الإسلامي مستغرقٌ في هَجْعته ومدلجٌ في ظلمته، إذا بصوت قد دوَّى من قلب صحراء شبه الجزيرة مهدِ الإسلام، يُوقِظ المؤمنين ويدعوهم إلى الإصلاح والرجوع إلى سواء السبيل والصراط المستقيم، فكان الصارخ هذا الصوت إنما هو المصلح المشهور محمد بن عبدالوهاب"؛ انتهى.
وبنحو ما قاله هذا الكاتبُ الغربي قاله كثيرٌ من كُتَّاب الغرب؛ كفيكتور فيندي السويدي، وكارل بروكلمان الألماني، وغيرهما.
إن شيخ الإسلام محمد بن عبدالوهاب رحمه الله حين حاز وسام التجديد وبلغ رتبة المجدِّد، لم تكن من قبيل الحظ المجرد، ولكنه - بعد توفيق الله وإنعامه - كان آخذًا بالأسباب الموصلة إلى ذلك، والتي من أهمها تربية نفسه تربية سامية.
لقد ربَّى الشيخ نفسَه على دروس تربوية جبارة، مستمدة من الكتاب والسنة، جعلته دؤوبًا في دعوته، ومن تلك الدروس على سبيل المثال، قوله في كتابه (ثلاثة الأصول): "اعلم رحمك الله أنه يجب علينا تعلم أربع مسائل:
الأولى: العلم؛ وهو معرفة الله، ومعرفة نبيه، ومعرفة دين الإسلام بالأدلة.
الثانية: العمل به.
الثالثة: الدعوة إليه.
الرابعة: الصبر على الأذى فيه.
واعلم - فهمني الله وإياك - أن تجديد الدين، إنما هو بالنسبة إلى الأمة التي طرأ عليها الانحراف، لا بالنسبة للدين الذي شرعه الله لعباده وأكمله".
فدعوة الشيخ تجديدية بهذا الاعتبار، وإلا فهي دعوة أثريَّة سلفيَّة إصلاحية، ليست وليدة عصره، ولا تمخَّضت عن فكره، ولا دعا إلى نفسه ولا إلى قوله ورأيه.
ولم تكن له أطماع سياسية أو مادية، ولا مصالح ذاتية، بل يطمع في ثواب الله وأجره، ﴿ إِنْ أَجْرِيَ إِلَّا عَلَى اللَّهِ ﴾ [هود: 29]، وأهدافه شريفة، وغاياته نبيلة، فأقواله وأفعاله وكتبه ناطقة بإراداته: ﴿ إِنْ أُرِيدُ إِلَّا الْإِصْلَاحَ مَا اسْتَطَعْتُ ﴾ [هود: 88]، يقول الشيخ محمد الحفظي مثنيًا على دعوة الشيخ:
ولم يَزَلْ يدعو إلى دينِ النبي ♦♦♦ ليس إلى نفسٍ دعا أو مَذْهبِ
وقال الشيخ محمد الشوكاني:
أفيقوا أفيقوا إنه ليس داعيًا إلى دين آباءٍ له وقبائلِ دعا لكتابِ اللهِ والسنةِ التي أتانا بها طه النبي خيرُ قائلِ |
ولصدق قصد الشيخ ونزاهة إرادته، لم يُؤسِّسْ له حزبًا ولا مذهبًا ولا طائفة، وهذه نجد بلده وحاضنته، لا يوجد بها طائفة تسمَّى (الوهابية)، ولا امتحن الشيخُ ولا أتباعه الناسَ على لقب أو شعار يُعرفون به، وإذا سئل أحدهم - وإلى هذا اليوم - على أي ملة؟ أجاب: على ملة رسول الله صلى الله عليه وسلم، أنا مسلم مُتَّبِعٌ لكتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم، ويتنادون بالمسلمين المؤمنين عباد الله.
فمن تسمَّى بالإسلام وعمِل بمقتضاه، فهو منهم وأخ لهم، له ما لهم، وعليه ما عليهم، عربيًّا كان أو أعجميًّا، أبيض أو أسود، يسكن نجدًا أم يسكن خارجها.
ولقب (الوهَّابية) إنما أطلقه حذَّاق منجنيق السب والشتم - سلاح المفلسين - أولئك الذين تبرَّموا بدعوة الشيخ وضاقوا بها ذرعًا؛ حيث سببت لهم قلقًا وضجرًا وأقضَّت مضاجعَهم.
أجل، إنها دعت الناس إلى ما جاءت به الرسل الإلهية، ونزلت به الكتب السماوية، بعدما اندرستْ معالمها، وترك العمل بهما، وهم أعداء دين الرسل؛ لذلك استثقلوها، فما كان من خفافيش البصائر إلا أن يحتالوا كما احتال أسلافهم، ﴿ كَذَلِكَ مَا أَتَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ مِنْ رَسُولٍ إِلَّا قَالُوا سَاحِرٌ أَوْ مَجْنُونٌ ﴾ [الذاريات: 52]، فأطلقوا لقب (الوهَّابية) على أتباع الشيخ؛ تنفيرًا من دعوته التجديدية، قال أبو ذؤيب الهُذلي:
وعيَّرها الواشونَ أنِّي أحبُّها ♦♦♦ وتلك شَكاةٌ ظاهرٌ عنكَ عارُها
وفي الحقيقة لا وجودَ لطائفة تُدعَى الوهَّابية، بل هي الغول أو العنقاء، فأذن لهذه الحيلة قطيعُ السُّذَّج، وفرُّوا من دعوة الشيخ فرارَهم من الأسد، ثم هؤلاء الَهمَجُ - لفرط جهلهم - قالوها للآخرين كما تقول الببغاء، نسأل الله لنا ولهم الهداية.
أما أصحاب العقول الناضجة، فأجابوا عن بَوَاءٍ واحد[6]: (شِنْشِنَة عرَفناها مِن أخزم).
قد كان المشركون ينبزون مَن أسلم بالصابئِ، ويقولون للنبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه: هؤلاء الصابئون، وكان أبو جهل يتَّبع رسول الله صلى الله عليه وسلم في الموسم وهو يدعو الناس إلى أن يمنعوه، فيقول: لا تطيعوا هذا الصابئ.
فالعاقل لا يمنعه من الدخول في دين الإسلام أن يطلق عليه الشانئون صابئًا، ولا يمنعه من التمسُّك بالتوحيد الذي جاءت به الرسل أن يطلق عليه الحاقدون وهابيًّا.
ولله در الإمام الشافعي رحمه الله؛ حيث قال:
يا راكبًا قِفْ بالمحصَّبِ من منًى واهتفْ بقاعدِ خيفِها والناهضِ سَحَرًا إذا فاضَ الحجيج إلى منًى دفعًا كمُلتَطِمِ الفُراتِ الفائضِ إن كان رفضًا حبُّ آلِ محمَّدٍ فليَشْهَدِ الثَّقلانِ أنِّي رافضِي |
نعم ليشهد الثِّقلان أننا من أهل التوحيد وعشَّاقه، ولن نتخلى عنه ولا عن أهله مهما كلَّفنا ذلك، ومهما نبزنا به النابزون حتى يَلِج الجمل في سَمِّ الخِياط، ولَتزحزحُ أُحُدٍ عن مكانه بنفخِ الأفاعي أقربُ من تزحزحِنا عن التوحيد بشُبهاتكم بعون الله تعالى، فموتوا بغيظكم أيها المتحايلون.
ومما قاله الشيخ الفاضل المحقق ملا عمران بن رضوان صاحب لنجة:
إن كان تابعُ أحمدٍ مُتوهِّبًا ♦♦♦ فأنا المقرُّ بأنني وهَّابي
ثم لا ننسى الدور الذي لعِبه رؤساء الضلالة في الصدِّ عن دعوة الشيخ الإصلاحية، ومحاولة خنقها، والقضاء عليها في مهدها؛ خوفًا من زوال مناصبهم القائمة على الباطل والابتزاز، ذلك الدور المغلف بألوان الاستخفاف، فيا لله كم قتيل لهم:
إلى ديَّان يومِ الدينِ نمضي ♦♦♦ وعندَ اللهِ تجتَمِعُ الخصومُ
يقول محمد رشيد رضا - وهو واحد من ألوف رجَعوا بعدما تبيَّنوا -:
"كنا نسمع في صغرنا أخبار الوهابيَّة المستمدَّة من رسالة دحلان هذا ورسائل أمثاله، فنُصدِّقُها بالتبع لمشايخنا وآبائنا، ونُصدِّق أن الدولة العثمانية هي حامية الدين، ولأجله حاربَتْهم وخضدت شوكتَهم، وأنا لم أعلم بحقيقة هذه الطائفة إلا بعد الهجرة إلى مصر والاطِّلاع على تاريخ الجَبَرْتي وتاريخ الاستقصا في أخبار الغرب الأقصى، فعلمتُ منهما أنهم هم الذين كانوا على هداية الإسلام دون مقاتليهم، وأكَّده الاجتماع بالمطَّلعين على التاريخ من أهلها، ولا سيما تواريخ الإفرنج الذين بحثوا عن حقيقة الأمر فعلموها، وصرحوا أن هؤلاء الناس أرادوا تجديد الإسلام وإعادته إلى ما كان عليه في الصدر الأول، وإذًا لتجدَّد مجدُه، وعادت إليه قوتُه وحضارتُه، وأن الدولة العثمانية ما حاربَتْهم إلا خوفًا من تجديد ملك العرب، وإعادة الخلافة الإسلامية سيرتَها الأولى"[7].
ولقد أيَّد الله هذا الدين بأبي بكر الصديق رضي الله عنه يوم الردة، وبأحمد بن حنبل يوم المحنة، وبأحمد بن تيميَّة يوم البدعة، وبمحمد بن عبدالوهَّاب يوم الفتنة، ومَن لم تقرَّ عينه بهؤلاء فلا قرَّتْ عينُه.
ويجدر بنا - وقد أشدنا ببَدْء الدعوة الإصلاحية للشيخ محمد بن عبدالوهاب - أن نشيد بثنيانها[8] أمير الدرعية محمد بن سعود: (ت: 1179ه) رحمه الله، ناهيك من أمير! استأحد بنصرة الإمام، فكان ثاني اثنين وأحدَ المحمَّدين المجددين لمعالم التوحيد.
كان الأزهران وجهينِ لعملة واحدة؛ حيث تعاهَدا على نشر التوحيد، وصبرا على مخالفة مَن خالفهم، وإيذاء مَن آذاهم، وعداوة كل مَن عادى هذا الدين.
لقد أعلى الله بهذا الإمام منارَ الإسلام، وهذا شيء يُذكر فيُشكر، لقد قُتل ابناه - فَيْصل وسعود - في الحروب الدائرة بينه وبين أعداء الدين ودعوة المرسلين، فما زاده ذلك إلا تصلُّبًا للحق والمضي قُدُمًا، فلله درُّه.
ألا أيها الجندي الناشئ على التوحيد، المتربِّي في رحابه، المستظل بظلاله، المستنشق لأزهاره، الجاني لثماره؛ ادعُ الله من أعماق قلبك لهذينِ الإمامين، فإن لهما باعًا حافلًا في هذه النشأة.
فسبحان ربي، كم للنبي محمد صلى الله عليه وسلم من فضل علينا! وما هذان المصلحان إلا قطرة من بحر جُوده صلى الله عليه وسلم، وغصن من دَوْحة ملأت الأُفُق.
بل كم لله جل وعلا من المنَّة على أهل التوحيد أجمع! فله الفضل كله، وله الحمد كله.
وعَودًا على بَدْء أقول: إذا تقرَّر أن دعوة الشيخ ما هي إلا دعوة الأنبياء والمرسلين؛ فبدهيٌّ أن يَشرَق بدعوته مَن تضلَّع بصديدِ الشرك، وأن يغصَّ بها مَن امتدَّت خاصرتاه وتكوَّن سَنامُه بأموال الجهلة المساكين، ولا بد ألا يسلم من الخصوم والأعداء.
قال وَرَقة بن نَوفل للنبي محمد صلى الله عليه وسلم: "لم يأتِ رجلٌ قطُّ بمثلِ ما جئتَ به إلا عُودي"[9].
وفي صحيح مسلم حديث أصحاب الأخدود الطويل، وفيه قول الراهب للغلام: ((أَيْ بُنَي، أنت اليوم أفضل مني، فقد بلغ مِن أمرك ما أرى، وإنك ستُبْتلى))[10].
فابتلاء المصلحين بكثرة المخالفين، وإلصاق التهم بهم بما تشمئزُّ منه القلوب، ونِسْبتهم إلى البدعة والضلالة، سنةٌ قدرية وإرادة كونية، ﴿ وَكَذَلِكَ جَعَلْنَا لِكُلِّ نَبِيٍّ عَدُوًّا مِنَ الْمُجْرِمِينَ وَكَفَى بِرَبِّكَ هَادِيًا وَنَصِيرًا ﴾ [الفرقان: 31]؛ أي: لكل نبي وتابع نبي.
والحقُّ منصورٌ ومُمتَحَنٌ فلا ♦♦♦ تعجَبْ فهَذِي سنةُ الرحمنِ
يقول الشاطبي بعد ذكر أنواع كثيرة من التهم، وما لُقِّب به الإمام الشهير عبدالرحمن بن بطَّة الحافظ، من أهل زمانه، قال: فقلَّما تجد عالمًا مشهورًا أو فاضلًا مذكورًا، إلا وقد نُبِذ بهذه الأمور أو بعضها[11].
ويقول الشيخ عبداللطيف بن عبدالرحمن رحمه الله:
واقتضَتْ حكمته الإلهية ومشيئته الربانية، أن يبتلي وَرَثة رسله وأنبيائه، بحسب ميراثهم عن صفوته وأوليائه، فأكثرُهم ميراثًا أشدُّهم متابعةً، وأعظمهم اقتداءً هو أكبر محنة، وأعظمهم بلية وأصعبهم أضدادًا[12].
قال مقيده - عفا الله عنه -: وإذا نظرنا نظرة فاحصة في وجود الأنداد والأضداد، أدركنا أن في وجودِهم حكمةً إلهية بالغة؛ فإن الحجج والبراهين تظهر أكثر وأكثر بالمناظرات والمعارضات، ويتبين الحق ويهيمن على الباطل، قال تعالى: ﴿ بَلْ نَقْذِفُ بِالْحَقِّ عَلَى الْبَاطِلِ فَيَدْمَغُهُ فَإِذَا هُوَ زَاهِقٌ ﴾ [الأنبياء: 18]، وما تلك التَّرِكةُ الكبيرة من المؤلفات التي ورِثناها عن العلماء الأفذاذ، وما فيها من الكم الهائل من العلوم النافعة المفيدة، إلا لوجود الخصوم والأنداد، ﴿ يُرِيدُونَ أَنْ يُطْفِئُوا نُورَ اللَّهِ بِأَفْوَاهِهِمْ وَيَأْبَى اللَّهُ إِلَّا أَنْ يُتِمَّ نُورَهُ وَلَوْ كَرِهَ الْكَافِرُونَ ﴾ [التوبة: 32].
ومِن تلك الحكم معرفة أهل الحق، ولذا أقول: انتصار شيخ الإسلام محمد بن عبدالوهَّاب رحمه الله على مخالِفيه وظهوره عليهم، دليل صحة عقيدته ومنهجه وسلامة دعوته؛ لأن الطائفة القائمة بالحق مِن هذه الأمة هي الظاهرة المنصورة.
وقال الشيخ عبدالرحمن بن حسن رحمه الله:
وقد أصبح أهل جزيرة العرب بدعوته؛ كما قال قتادة رحمه الله عن حال أول هذه الأمة: إن المسلمين لما قالوا: لا إله إلا الله، أنكر ذلك المشركون وكَبُرتْ عليهم، وضاق بها إبليس وجنوده، فأبى الله إلا أن يمضيَها ويظهرها، ويفلجها وينصرها على مَن ناوأها[13].
والسيلُ إن أحكمتَ سدَّ طريقَهُ ♦♦♦ دكَّ الحصونَ فعُدْنَ كالأطلالِ
وقد كان لدعوة الشيخ الأثر الحسن على نجد وعلى العالم الإسلامي أجمع، فما أحسن أثره على الناس، وأقبح أثر الناس عليه، وهذه حال عباد الله المتَّقين، وصفهم الله ببذل الندى واحتمال الأذى.
لقد لقي الشيخ من معارضيه الأَزَابيَّ[14]، لقد ركب أولئك الأقزام كل صعب وذلول، وتمسكوا بكل ضعيف ومهول، وأزبدوا وأرعدوا كالمصروعين، وخبطوا خبطَ عشواءَ؛ للنَّيل من ذلك العملاق، وأجلبوا عليه بخيلِ الشيطان ورَجْله، ونشطوا في تشويهِ سمعته، والصد عن دعوته، بألسنة مسعورة، وأقلام موتورة، فكان لهم جولات وصولات، يبغونها عوجًا فخسئوا:
كناطحٍ صخرةً يومًا ليُوهِنَها ♦♦♦ فلم يَضِرْهَا وأوهى قرنَهُ الوَعلُ
وكتائب السنة لهم بالمرصاد، يكشفون تلك الشبهات المثارة، ويُفنِّدون تلك الافتراءات الملصقة، ويُبطلون تلك الاعتراضات الموجهة، فانقلبت بحمد الله إليهم خاسئة حَسيرة، وكأنها لم تتجاوز نطع أفواههم[15].
إيه، لقد نال شرفَ التصدي لتلك الحُثالةِ المعادية لدعوة الشيخ رِبِّيُّون كثيرٌ، وانتصب لها ثلةٌ من الغيورين على دينهم من العلماء والمفكرين والمؤرخين والشعراء والكتَّاب، وتنوَّعت ردودهم، فتجرد كل واحد منهم إلى ثغر من الثغور، فأعمل قلمه في الذب عن الشيخ ودعوته؛ نصحًا لله ولكتابه ولرسوله ولأئمة المسلمين وعامَّتهم.
وقد ضرب لنا الشيخ المنجَّذُ سليمان بن سحمان (ت: 1349هـ) رحمه الله أروعَ الأمثلة في مجاهدة أعداء هذه الدعوة السلفية، فقد انبرى [اعترض] للعاملي فيما كتبه ونظمه مناوأةً لدعوة الشيخ، بكتاب ومنظومة دمغت مكتوب العاملي ومنظومه (إن كنت رِيحًا فقد لاقيت إعصارًا)، وهو على فراش الموت، وكان يبتهل إلى الله الذي قواه ومكنه من الرد عليها، فلله دره.
ويهًا يا أهل السنة، هكذا ينبغي أن نكون، (إن الحديد بالحديد يُفلَح).
ولما حمل الإمام محمد بن عبدالوهاب على أهل الشرك والبدع، وأفحمهم بالحجج الواضحات الدامغات والبينات الساطعات، رأَوا أن مقاومته مما لا سبيل إليها، فراغوا رَوغانَ الثعلب، وعمدوا إلى نافقاء[16] المحجوجين حُوشِي الكلام [وَحْشيُّه وغريبه] شُبَه لا تُسمن ولا تُغني من جوع.
فما يستوي داعي الضلالةِ والهدَى ♦♦♦ ولا حجَّة الخصمَيْنِ حقٌّ وباطلُ
إلا أن تلك الشُّبَه وقفت حجر عَثْرةٍ في طريق الجهلة المريدين للحق، يعرف ذلك من دعا إلى التوحيد، فكان الواجب تفتيتَها.
وإن من جملة الافتراءات، ومسلسل الشبهات الفارغة التي تهوَّعها أعداء السلفية، وقاموا بها على قَدَم وساق؛ للتنفير من الشيخ ودعوته (الطعن في انتماء الشيخ)، ويدور هذا الطعن على محورين:
المحور الأول: الانتماء الإقليمي، وتتجه مُقَلُ الطاعنين إلى أن الشيخ ينتمي للأقطار التالية:
1- المشرق.
2- نجد.
3- اليمامة.
أما المشرق، فقد ذمَّه رسول الله صلى الله عليه وسلم بقوله: ((رأس الكفر نحو المشرق))؛ من حديث أبي هريرة رضي الله عنه[17].
وأما نجد، فقد ورد في ذم نجد الحجاز - زعَموا - ما رواه البخاري عن ابن عمر رضي الله عنهما، قال: ذكر النبي صلى الله عليه وسلم: ((اللهم بارك لنا في شامِنا، اللهم بارك لنا في يمنِنا))، قالوا: يا رسول الله، وفي نجدنا، قال: ((اللهم بارك لنا في شامنا، اللهم بارك لنا في يمننا))، قالوا: يا رسول الله، وفي نجدنا، فأظنه قال في الثالثة: ((هناك الزلازل والفتن، وبها يطلع قرن الشيطان)).
وأما اليمامة، فهي بلاد مُسَيلمة الكذَّاب المدَّعي للنبوة.
هذا ما تمسَّكوا به ولا متمسك لهم فيه، وقال قائل منهم - كذبًا وزورًا -: إن لغةَ أهل اليمامة أركُّ اللغات، فأين تأتي لهم الفصاحة والمعرفة[18].
ولقد أمرُّ على اللئيمِ يَسبُّنِي ♦♦♦ فمضيتُ ثُمَّتَ قلتُ لا يَعْنِيني
ومن صناديد هذه الدعوى: ابن جرجيس، ودحلان، وابن عفالق، والحداد، واللكنهوري، والنَّبهاني، والعاملي، والغماري، وزلق في هذا الخندق المشؤوم مؤلِّف كتاب (فصل الخطاب أو الصواعق الإلهية) - فكانت فلتة ثم رجع - ومؤلف كتاب (جلاء الغمة)، فقد فرط منه ما فرط من هذه الاعتراضات، نعوذ بالله من الحَوْر بعد الكَوْر، ويتوب الله على من تاب.
المحور الثاني: الانتماء القَبَلي:
قالوا - واعجَبْ يا ذا الحجا -: إن الشيخ محمد بن عبدالوهاب من (قبيلة بني تَميم)، و(عبدالله بن ذي الخُوَيصرة) تميميٌّ، فهما من أصل وعشيرة ومعدِن واحد، ويحتمل أنه من نسله وعقبه، وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم في حديث أبي سعيد رضي الله عنه: ((إنه يخرج من ضئضئ هذا قومٌ يتلون كتاب الله رطبًا، لا يُجاوز حناجرهم، يمرُقون من الدِّين كما يمرُق السهم من الرميَّة - وأظنه قال - لئن أدركتُهم لأقتلنَّهم قتلَ ثمود))[19].
وقالوا: أُنزِل في بني تميم: ﴿ إِنَّ الَّذِينَ يُنَادُونَكَ مِنْ وَرَاءِ الْحُجُرَاتِ أَكْثَرُهُمْ لَا يَعْقِلُونَ ﴾ [الحجرات:4].
هذا ما تمسكوا به فسبحان الله! أي تمسُّك لهم فيه؟ لكنه الهوى، والذي تولى كِبَرَ هذه الدعوى الآثمة: العاملي، ودحلان، وغيرهما[20].
وهذه الاعتراضات شبه الريح، ولا يمكن اعتبارُها إلا بعد إثبات مقدمات ستمرُّ بها في موضعها إن شاء الله، ولا سبيل إلى إثبات واحدة من هذه المقدمات، فكيف بإثباتها كلها، وسيمرُّ بك نسفُ هذه الاعتراضات وإبطالها، والجواب عليها بأجوبة مجملة ومفصلة إن شاء الله تعالى.
حُججٌ تهافَتُ كالزجاجِ تخالُها ♦♦♦ حقًّا وكلٌّ كاسرٌ مكسورُ
وإن تعجب فاعجَبْ لهذه العقول المعترِضة على الشيخ ودعوته بهذه الاعتراضات المتهافتة، الباعثة على السخرية، لقد أضحكت العاقل حتى زجا [انقطع ضحكه] وَيْكأنَّهم لا يعلمون أنه طيب الأرومة، وهب أنه من أصل دنيءٍ - وحاشاه - أُيتْرَكُ دينُ الله وتوحيدُه ودعوة رسله لأجل ذلك؟! لقد بلغ هؤلاء المعترِضون نصَّ الجهل [منتهاه].
وقد كنت أرغب بنفسي عن ردِّ مثل هذه الترَّهات، لكن أضَّنِي [ألجأني واضطرني] إلى ردِّها معرفتي بوجود شريحةٍ من الناس وابصة سمع [يثق بكل ما يسمعه] بهذه الزمرة، تتبعها كيعاسيب النحل، وقد جأجأت وهأهأت بهم[21]، وصدق ظني، لقد اغتر كثيرون بزخرف قولهم، ووقعوا في حبائلهم ومكائدهم.
وعذرُ هذه الطائفة المحسورة واضحٌ جليٌّ: هو الإفلاس من الحجة والبرهان فـ(أين يضع المخنوق يده)، قال أبو حيان فيما كتبه في الرد على الزمخشري:
ويشتمُ أعلامَ الأئمةِ ضلةً ولا سيَّما أنْ أوردُوه المَوارِدا ويُسهِبُ في المعنى الوجيزِ دلالةً بتكثيرِ ألفاظِ تسمَّى الشقاشقا |
وهذه الاعتراضات ليست مرحلة مرَّت وانتهت وذهبت أدراج التاريخ، كلا، بل لا تزال، وما زال ينشأ متزعمون لها يذكونها ويحاولون إعادتها جذعة كما كانت.
صحيحٌ أن حدَّة تلك الدعاوَى تتفاوت حيث تشتدُّ رائحتها النتنة تارةً، وتضعف أخرى، غير أن إهابَها لم يُطوَ قطُّ منذ عهد الشيخ إلى يومنا هذا.
ومتى يُطوَى إهابُها وهي تتجدد وتتردد على الألسنة؟! ويتناقلها المُغرضون بقصد التشويه؟! ويتوارثها المنحرفون على حد قول القائل:
أُساجِلُك العداوةَ ما بَقِينا ♦♦♦ وإن مُتْنَا نُورِّثُها البَنِينا
ويزيد الطينُ بِلةً، أن تلك الكتب المدوَّنة فيها تلك المقالات يُعاد طبعها مرة بعد مرة، ولها صداها في بعض المجتمعات.
يقول الشيخ عبدالعزيز العبداللطيف: "إن دعاوى الخصوم واعتراضاتهم ضد دعوة الشيخ الإمام في زمنه، يتلقفها من بعدهم، ثم الذين يَلُونهم، وهكذا إلى زمننا هذا"[22].
ولا أكتمُك سرًّا أخي، إننا هذا الأيام في حاجة ملحَّة إلى وجود رسالة مستقلَّة تجمع تلك الدَّعاوَى وتُفنِّدُها، بطريقة علمية منهجية، وتظهر منزلة انتماء الشيخ؛ لتُكْعَم[23] أفواه المتحاملين عليه وعلى دعوته الإصلاحية.
إننا والله في الساعة الحاسمة واللحظة الحرجة، مع هذه الحملة الشرسة ضد الإسلام وعقيدة التوحيد ودعوة الشيخ، والتي سخرت لها وسائل الإعلام ونزع من أجلها أمان اللسان، وأطلقت الأقلام، فلقائلٍ أن يقول ما شاء، ولكاتب أن يكتب ما يريد، تحت المظلة الخاسرة (حرية الرأي والتعبير)!
إن جمهور أولئك المتحاملين على الشيخ المتجهِّمين لانتمائه، لا يجهلهم حقيقة الأمر، والشأن كما قال الله تعالى: ﴿ فَلَمَّا جَاءَهُمْ مَا عَرَفُوا كَفَرُوا بِهِ ﴾ [البقرة: 89]، وفي المثل: (لا تَعدَمُ الحسناءُ ذامًا).
حسَدوا الفتى إِذْ لم ينالوا سعيَهُ فالكلُّ أعداءٌ له وخصومُ كضرائرِ الحسناءِ قُلْنَ لوجهِها حسدًا وبَغيًا إنه لَدمِيمُ |
يقول العلامة ابن القيم رحمه الله: "الحاسد لم يحمله على معاداة المحسود جهلُه بفضله أو كماله، وإنما حمله على ذلك فسادُ قصده وإرادته، كما هي حال أعداء الرسل مع الرسل".
ومثل هذه الشبه - وإن كانت باطلة، ونوعًا من الجهل والهذيان - بيدَ أن لها آذانًا مُصْغِية وفئامًا مُصيخةً ولكل ساقطةٍ لاقطةٌ، وقد تُروَّجُ على أوغاد الناس، فلا بد من دحضها
قد قيل ما قيل إنْ صدقًا وإنْ كذبًا ♦♦♦ فما اعتذارُك مِن قولٍ إذا قيلا
وبهذا يتبين أن هذه السطور إنما أكتبُها لطبقةٍ خاصة، حال دون قناعتهم بالدعوة الإصلاحية تلك البلابل المثارة حول انتماء الشيخ الإقليمي والقبلي، لا إلى طبقة الصيارفة الذين يُميِّزون بين الحق والباطل بالميزان الصحيح، وقد قال عمر بن الخطاب رضي الله عنه: (الحق أبلج لا يخفى على فطن)، وإن كان الكثير يسجدون - إن شاء الله - فيما كتبته ونقلته فوائد عظيمة ربما لم تخطر ببالهم.
وقد ذكَّرتني هذه التهم الجذماء، والمحاولات البتراء، بمقالة الكوثري ومحاولته الفاشلة في الحطِّ من الإمامين الجليلين: الإمام مالك بن أنس الأصبحي مولى التيميين بالحلف رحمه الله، حيث اتهمه بأنه من الموالي، والإمام محمد بن إدريس الشافعي القرشي المطَّلبي رحمه الله؛ حيث حاول الكوثري خدش الإجماع على قرشيته[24]، ﴿ أَتَوَاصَوْا بِهِ ﴾ [الذاريات: 53]؟! إنها سبيل مَن انحرف عن الجادة ﴿ تَشَابَهَتْ قُلُوبُهُمْ ﴾ [البقرة: 118].
ثم إن فريق الطاعنين في انتماء الشيخ، لما أثاروا تلك الأكاذيب، وقعوا في ورطة، وحاق بهم مكرهم السيئ، لقد لَفَتوا الانتباه إلى قضية مهمة، وكأنهم يقولون: (يا نائم، استيقظ)، و(يا غافل، انتبه)، إلى أسلوب جديد من خلاله تدفع شبهة وتظهر حجة، فالشيخ وسلالته، بل ومعظم تلاميذه من الجزيرة العربية ذات الخصائص في الإسلام، ومن العرب، بل وعرب الجزيرة، ومن قبيلة بني تميم أشد الناس على الدجال، وعلى جنسه من الدجَّالين، وهذا من دواعي كتابة هذه الرسالة، وأملي أن يلحق هذا الجهد المتواضع بسلسلة الجهود الإسلامية المبذولة في الذب عن الإمام ونصرة دعوته.
ومَن نظر نظرة واعية عميقة، أدرك ما في إظهار تلك الخصائص والسمات التي حَظِيت بها ملة الإسلام وعقيدة أهل السنة والجماعة ومنهجهم، وما تميزت به الجزيرة العربية وأقاليمها - ومنها نجد واليمامة - والفضائل والمناقب الواردة في العرب عمومًا، وعرب الجزيرة خصوصًا، وفي قبيلة بني تميم - قبيلة الشيخ - وجمعها في كتيب مستقل (جمع العاقل الذي غرضه الخير ويتحرَّاه جهده)، من فوائد جليلة تتعلَّق بدعوة الشيخ؛ من أهمها:
1- إبراز بِنْية الشيخ التحتية المؤلَّفة من عدة عناصر دينية وطبيعية حسنة، وما قامت به من دور كبير في تكوين عقلية الشيخ وتحريك عواطفه وإرادته.
2- إظهار حسن اعتقاد الشيخ محمد بن عبدالوهاب رحمه الله، وحسن منهجه الناتج عنهما البركة في حصيلته العلمية، والتوفيق والتسديد في دعوته الإصلاحية.
3- تطهير الدعوة السلفية من شُبَه المناوئين، فالذبُّ عن رائدِها وحامل لوائها ذبٌّ عنها.
4- إبطال محاولات خَدْش بائسة، قام بها بعض الهابطين من خصوم الشيخ؛ للتشكيك في علوم ودعوة الشيخ وأبنائه وأحفاده وتلامذتهم[25]، فدِهْليز الطعن في هذه الأمور القدحُ في الشيخ.
5- أن صفاتِ الشيخ وسجاياه نابعة عن جِبلَّة واكتساب.
6- أن جهاد الشيخ في صدِّ باطل الدَّجَاجِلة من أعلام نبوته صلى الله عليه وسلم، فالشيخ من بني تميم، (إن الشِّراك قُدَّ من أديمه).
7- أن دعوة الشيخ في إظهار التوحيد والسنة وقمع الشرك والبدعة من أعلام نبوته صلى الله عليه وسلم أيضًا.
8- أن السلفية باقية إلى آخر الزمان.
9- التعريف بمكانة الشيخ محمد بن عبدالوهاب رحمه الله الدينية والعلمية والعِرقية، وصدق أبو تمام؛ حيث قال:
وإذا أراد اللهُ نشرَ فضيلةٍ طُوِيَتْ أتاح لها لسانَ حَسُودِ لولا اشتعالُ النارِ فيما جاورتْ ما كان يُعرفُ طِيبُ عَرْفِ العُودِ |
فتلخَّصَ لنا أن إظهار فضائلِ الإمام محمد بن عبدالوهاب رحمه الله وكشف الشبهات المناوئة له، سبب في ودِّه والبعدِ عن سبِّه.
قال عثمان بن صالح السهمي: كان أهل مصر ينتقصون عثمانَ، حتى نشأ فيهم الليثُ بنُ سعدٍ، فحدَّثهم بفضائل عثمان، فكفوا عن ذلك.
وكان أهل حمصٍ ينتقصون عليًّا، حتى نشأ فيهم إسماعيل بن عياش، فحدَّثهم بفضائله، فكفوا عن ذلك[26].
وبهذا تتضح أهمية هذه الرسالة، فإن أهمية الشيء بحسب ثمرته ومقصوده.
لقد جمعتُ بين دفتَيْ هذه الرسالة المختصرة - تذكرةً وذخيرةً للمستفيد - مادةً علمية كافية للاعتراف بفضل جزيرة العرب، وإقليم نجد واليمامة، وبفضل فرقة العرب، وقبيلة بني تميم.
وفي كل هذا دلالة واضحة على أن جذور الشيخ محمد بن عبدالوهاب رحمه الله جذورٌ مباركة.
وهذه مهمة هذه الرسالة.
إن هذه الخلفية المؤلَّفة من تلك الفضائل القائمة على الدين الحق والعقيدة الصحيحة والمنهج السلفي، ساهمت في تشكيلِ عقل الشيخ، وتكوين شخصيته العلمية الدعوية، وإعداده ونشأته، (لا ينتطح في ذلك كَبْشان)؛ فقلِّبْ ناظرَيْكَ في مزايا تلك الخلفية بوعيٍ وإنصاف تُدرِكْ أن شيخ الإسلام محمد بن عبدالوهاب ما مَثَله إلا كمَثَل البقلة المباركة بالأرض الطيبة يمدُّها الماء العذب.
أيها القارئ النبيل، اعلم - أرشدني الله وإياك - أنه مهما يجول قلمي في تقرير تلك المزايا المذهبية والإقليمية والعِرقية، فإن آخِيَّته[27] التي يرجع إليها ليُجلِيَها وذبَّ عنها دعوةَ الشيخ التجديدية.
وقبل أن أضع قلمي من هذه المقدمة، أحب أن أُجلِّي للقارئ الكريم منهجي في هذه الرسالة في نقاط:
• خرجت الأحاديث، وحكمتُ على ما يسَّر الله لي منها على طريقة المحدثين، وما تقتضيه قواعدُهم.
وفي المبحث الثاني من الفصل الثالث شيء من التوسع في الجمع والتخريج[28].
• ذكرت ما يحتاج إليه كل حديث؛ من بيان لمعنى لفظ غريب، أو تعليق على معنى ذي صلة بموضوع البحث.
أما الخطة التي سِرْتُ عليها:
فقد سِرْتُ على تقسيم الرسالة إلى أقسام وفصول مُعنونةٍ حسب صناعة التصنيف؛ للتسهيل على القارئ؛ فاشتملت على مقدمة، وقسمين، وخاتمة، وفهارس، على النحو التالي:
المقدمة: وتشتمل على: الافتتاحية، والداعي لكتابة الرسالة، وأهميتها ومهمتها، ومنهجها، والخطة التي سرت عليها، وكل ذلك بشكل موجز.
التمهيد: تأثير الأصل على الإنسان.
الأقسام: وهي كالتالي:
القسم الأول: ترجمة موجزة للشيخ محمد بن عبدالوهاب رحمه الله؛ ويتكون من توطئة، وثلاثة فصول:
التوطئة: الوسطية في الشيخ.
الفصل الأول: اسمه ونسبه - كنيته ووالدته - مولده ووفاته - أسرته - عصره.
الفصل الثاني: نشأته العلمية - رحلاته - سَعَة علمه - أقوال العلماء فيه - صفاته وأخلاقه - شيوخه وتلامذته.
الفصل الثالث: حقيقة دعوته - جهاده وصبره في تبليغ دعوته - مؤلفاته - أصول أقواله وفتاويه - أسباب عداوته.
القسم الثاني: انتماء الشيخ، ويتكون من ثلاثة فصول:
الفصل الأول: انتماء الشيخ المذهبي - وهو تاج هذه الرسالة - وينتظم في توطئة وثلاثة مباحث:
المبحث الأول: المذهب الاعتقادي.
المبحث الثاني: المذهب المنهجي.
المبحث الثالث: المذهب الفقهي.
الفصل الثاني: انتماء الشيخ الإقليمي، وينتظم في توطئة، وثلاثة مباحث:
المبحث الأول: الجزيرة العربية، ويحتوي على مطلبين:
المطلب الأول: حدودها.
المطلب الثاني: خصائصها.
المبحث الثاني: نجد، ويحتوي على مطلبين:
المطلب الأول: حدودها.
المطلب الثاني: أهميتها.
المبحث الثالث: اليمامة، ويحتوي على مطلبين:
المطلب الأول: حدودها.
المطلب الثاني: أهميتها.
الفصل الثالث: انتماء الشيخ العِرقي، وينتظم في توطئة، ومبحثين:
المبحث الأول: الفرقة (العرب)؛ ويحتوي على مطلبين:
المطلب الأول: حد العرب.
المطلب الثاني: فضل العرب؛ وفيه فرعان:
أ- العرب عامة.
ب- عرب الجزيرة.
المبحث الثاني: القبيلة (تميم)، مزاياها ومناقبها وفضائلها.
الخاتمة: وفيها أهم النتائج التي أمكن التوصل إليها من البحث.
أهم التوصيات: اقتصرت على أربع وصايا مهمة.
الفهارس، وتشتمل على:
1- فهرس الآيات القرآنية.
2- فهرس الأحاديث النبوية.
3- فهرس الآثار.
4- فهرس المصادر والمراجع.
5- فهرس الموضوعات.
ولا أدَّعي أنني استكملتُ جميع جوانب البحث، ولكن ما لا يُدرك كله لا يترك كله ﴿ لَا تُكَلَّفُ نَفْسٌ إِلَّا وُسْعَهَا ﴾ [البقرة: 233].
وأسأل الله عز وجل أن ينفع بهذه الرسالة مؤلفَها وقارئَها، وأن نُعذر عما فيها من قصور، ولا بد أن يوجد فيها هذا الأمر، فإن الكمال لكتاب الله وحده، قال تعالى: ﴿ وَلَوْ كَانَ مِنْ عِنْدِ غَيْرِ اللَّهِ لَوَجَدُوا فِيهِ اخْتِلَافًا كَثِيرًا ﴾ [النساء: 82].
وما منا إلا ناقِد ومنتَقَدٌ، والناقد بصيرٌ، والمُوفَّقُ مَن كَثُر صوابُه وقلَّ خطؤُه.
فإن تَجِدْ عيبًا فسُدَّ الخَلَلَا ♦♦♦ فجَلَّ مَن لا عيبَ فيه وعَلَا
وأقول كما قال البهوتي في مقدمة كتابه (الكشاف):
أستغفر الله تعالى مما يقع لي من الخلل في بعض المسائل المسطورة، وأعوذ بالله من شر حاسد يريد أن يُطفِئَ نور الله، ويأبى الله إلا أن يُتم نوره، ومن عثر على شيء مما طغَى به القلم، أو زلَّتْ به القدم، فليَدرَأْ بالحسنة السيئة، ويحضر بقلبه أن الإنسان محلُّ النسيان، وأن الصفح عن عثرات الضعاف من شيم الأشراف، وأن الحسنات يذهبن السيئات، وما توفيقي إلا بالله، عليه توكلت وإليه أنيب[29].
وإني على يقينٍ تامٍّ أن هذه الرسالة لو راجعتُها مرة أخرى لبدَّلْتُ فيها وعدَّلْتُ، ولحذفتُ منها وأضفتُ، وهذه جادة مَن كتب:
كم من كتاب قد تصفحتُه وقلتُ في نفسيَ صَحَّحْتُه ثم إذا طالعتُه ثانيًا رأيتُ تصحيفًا فأصلحتُه |
قال الربيع بن سليمان: قرأتُ كتاب (الرسالة المصرية) على الشافعي نيفًا وثلاثين مرة، فما من مرة إلا كان يُصحِّحُه، ثم قال الشافعي في آخره: أبى الله أن يكون كتابٌ صحيحٌ غيرَ كتابه، قال الشافعي: يدل على ذلك قول الله تبارك وتعالى: ﴿ وَلَوْ كَانَ مِنْ عِنْدِ غَيْرِ اللَّهِ لَوَجَدُوا فِيهِ اخْتِلَافًا كَثِيرًا ﴾ [النساء: 82][30].
وقال العماد الأصفهاني:
"إني رأيت أنه لا يكتب إنسان كتابًا في يومه إلا قال في غده: لو غُيِّرَ هذا لكان أحسن، ولو زِيد هذا لكان يُستحسَنُ، ولو قُدِّمَ هذا لكان أفضلَ، ولو تُرِكَ هذا لكان أجملَ، هذا من أعظم العبر، وهو دليل على استيلاء النقص على جملة البشر"؛ اهـ.
وقال شيخ الإسلام ابن تيمية - بعد كلام سابق عن بعض المصنفات، وما يوجد فيها من أحاديث غلط فيها بعض رواتها -: "ومثل هذا يوجد في غالب كتب الإسلام، فلا يسلم كتاب من الغلط إلا القرآن"[31].
وبعد هذه الديباجة، وتشنيف الآذان بقول الأعيان، فيا أيها القارئ الكريم، إن كان هناك فائدةٌ ترى إلحاقها، أو هفوةٌ ترى إصلاحَها، فبصدر رحب أتلقَّاها، وحقُّك عليَّ الدعاء والثناء، وليس عيبًا الإلحاق ولا الإصلاح.
قال الإمام الشافعي رحمه الله:
"إذا رأيتَ الكتاب فيه إلحاق وإصلاح، فاشهَد له بالصحة"[32]، وإني أعترف كل الاعتراف بقصر باعي، وقلة بضاعتي، والمُوفَّقُ مَن وفَّقه الله.
وختامًا ألفتُ الانتباه إلى أن جميع ما قلت ونقلت؛ من مناقب وفضائل قطرٍ أو جنس أو قبيلة أو شخص، لا يفهم من فحواه - إطلاقًا - الغض مما عداه، معاذ الله! ومَن سبق إلى فهمه شيء من ذلك، وأن هناك إيماءً وإشارة إلى غمط أحد، فقد أبعد النجعة.
نزلوا بمكةَ في قبائلِ هاشمٍ ♦♦♦ ونزلتُ بالبيداءِ أبعدَ منزلِ
وأعود مرة أخرى مؤكدًا، فأقول: اقتضائي إلى الكلام في الخصائص والفضائل ما أحدثه المناوئون من همز الشيخ في انتمائه، والتداعيات السيئة لذلك الهمز الكاذب، ولولا ذلك لما أقحمتُ نفسي في حمأةِ الانتماء، ألا فليَعْلَمْ هذه الحقيقة كلُّ قارئ لهذا الكتاب.
وأسأل الله جل وعلا أن يخلص له قصدي، ويصوب عملي، ويصلح نيتي
وقد آن الشروع في المقصود، فبالله نستعين
[1] يراجع في حال نجد قبل دعوة الشيخ محمد بن عبدالوهاب رحمه الله وبعد دعوته ما كتبه كلٌّ من: حسين بن أبي بكر بن غنام ت: 1225هـ، ومحمد بن عمر الفاخري ت: 1277هـ، وعثمان بن أحمد بن بشر ت: 1367هـ، في تواريخهم؛ حيث استوعبوا أخبار نجد، ووصفوا حال أهلها وصفًا مطولًا.
[2] عبدالرحمن آل الشيخ: المطلب الحميد، المقامات ص11.
[3] حسن: رواه أبو داود 4291، والطبراني في الأوسط 6523، وابن عدي في الكامل 1/ 114، والحاكم في المستدرك 4/ 522، وأبو عمرو الداني في الفتن 364، والبيهقي في المعرفة 422 ومناقب الشافعي 1/ 55، والخطيب في تاريخ بغداد 2/ 61 - 62، والهروي في ذم الكلام 1107، والحسن بن سفيان في مسنده؛ عون المعبود: 11385، وابن حجر في التأسيس ص 46، كلهم من طريق ابن وهب، عن سعيد بن أبي أيوب، عن شراحيل بن يزيد المعافري، عن أبي علقمة، عن أبي هريرة رضي الله عنه فيما أعلم، عن رسول الله صلى الله عيه وسلم به.
عند الحاكم والهروي شرحبيل، وتحرف عند الطبراني أبو طلحة بدل أبي علقمة، قال الطبراني: لا يُروَى هذا الحديث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم إلا بهذا الإسناد، تفرد به ابن وهب.
وقال أبو داود: رواه عبدالرحمن بن شريح الإسكندراني لم يُجِز به شراحيل.
قال السخاوي المقاصد الحسنة 238: سعيد الذي رفعه أولى بالقبول لأمرين: أحدهما أنه لم يختلف في توثيقه بخلاف عبدالرحمن، فقد قال فيه ابن سعد: إنه منكر الحديث، والثاني أن معه زيادة علم على مَن قطعه، وفي عون المعبود 11/ 397: قال المنذري: الراوي لم يجزم برفعه؛ انتهى.
قلتُ: نعم، ولكن مثل ذلك لا يقال من قِبل الرأي، إنما هو من شأن النبوة، فتعيَّن كونه مرفوعًا إلى النبي صلى الله عليه وسلم، والله أعلم؛ اهـ، وقال السخاوي المقاصد الحسنة 238: وقوله فيما أعلم، ليس بشك في وصله؛ بل قد جعل وصله معلومًا له، وقد اعتمد الأئمة هذا الحديث؛ اهـ، والحديث، قال في عون المعبود 11/ 396: سكت عنه المنذري، وقال العلقمي في شرح الجامع الصغير: قال شيخنا: اتفق الحفاظ على أنه حديث صحيح، وممن نص على صحته من المتأخرين: أبو الفضل العراقي وابن حجر، ومن المتقدمين: الحاكم في المستدرك والبيهقي في المدخل؛ انتهى، وصححه الصفدي "النوافح العطرة" 345، والألباني الصحيحة: 599، وذكره الشيخ مقبل في كتابه الصحيح المسند من دلائل النبوة ص525، وجوَّد إسناده شيخنا الشيخ عبدالعزيز بن باز رحمه الله.
[4] أبو الطيب: عون المعبود 11/ 386.
[5] محمد رشيد: مقدمة التعريف بكتاب صيانة الإنسان؛ ص 26 - 27.
[6] أي: جوابًا واحدًا.
[7] محمد رشيد: مقدمة التعريف بكتاب صيانة الإنسان ص 38.
[8] البدء: السيد الأول في السيادة، والثنيان: الذي يليه في السُّؤدد.
[9] البخاري 3، مسلم 160 من طريق ابن شهاب، عن عروة، عن عائشة رضي الله عنها.
[10] مسلم 3005: حدثنا هداب بن خالد، حدثنا حماد بن سلمة، حدثنا ثابت، عن عبدالرحمن بن أبي ليلى، عن صهيب رضي الله عنه، عن رسول الله صلى الله عليه وسلم به.
[11] الشاطبي: الاعتصام 1/ 37 - 38.
[12] عبداللطيف آل الشيخ: مصباح الظلام ص14.
[13] عبدالرحمن آل الشيخ: فتح المجيد ص 5.
[14] الأَزَابِي: واحدها أُزْبِيٌّ، وهو الشر والأمر العظيم.
[15] النِّطَع: هو الغار الأعلى من الفم.
[16] موضع يجعله اليربوع في مؤخر الجُحرِ رقيقًا يعده للخروج، إذا أتى من باب الجحر دفعه برأسه وخرج منه.
[17] مالك 2/ 970، ومن طريقه البخاري 3125، ومسلم 52، عن أبي الزناد، عن الأعرج، عن أبي هريرة به.
[18] انظر: مصباح الظلام ص 234 - 235؛ لعبداللطيف آل الشيخ.
[19] متفق عليه.
[20] انظر: مصباح الظلام لعبداللطيف آل الشيخ ص 234 - 235، ودعاوى المناوئين؛ إعداد: عبدالعزيز العبداللطيف ص 178 - 183، وصيانة الإنسان للسهسواني ص 563، 568.
[21] جأجأت بالإبل: إذا دعوتها للشرب، وهأهأت بها: إذا دعوتها للعلف.
[22] عبدالعزيز العبداللطيف: دعاوى المناوئين ص 11.
[23] الكعام: شيء يجعل على فم البعير؛ قال ابن بري: وقد يجعل على فم الكلب لئلَّا ينبح.
[24] انظر: التنكيل ص 607، وص 618 - 628.
[25] ومن أبرز أبناء الشيخ وأحفاده ممن سار على مدرجته وسلكوا سبيله، وكان لهم الفضل الكبير في الدعوة إلى توحيد المرسلين ونشر الدين وقمع المبتدعين: الشيخ: عبدالله بن الشيخ محمد ت: 1244هـ، وابنه الشيخ سليمان بن عبدالله ت: 1233هـ، والشيخ عبدالرحمن بن حسن بن الشيخ محمد ت: 1285هـ، وابنه الشيخ عبداللطيف بن عبدالرحمن ت: 1293هـ، وابنه الشيخ عبدالله بن عبداللطيف بن عبدالرحمن ت: 1339هـ والشيخ محمد بن إبراهيم بن عبداللطيف بن عبدالرحمن ت: 1389
وتلاميذ الشيخ من غير سلالته وتلاميذ تلاميذه لهم جهود جبارة في الدعوة إلى التوحيد والقضاء على مظاهر الشرك والبدع، فرحمهم الله رحمة واسعة، وجزاهم الله عن الإسلام والمسلمين خير الجزاء.
لقد جاهدوا في الله حق جهاده إلى أن أقاموا بالضبا كلَّ مائلِ لقد نصَروا دين الإلهِ وحزبَهُ كما دمغوا داعِي الهوا بالقنابلِ عليهم سلامُ اللهِ ما ذرَّ شارق وما اهتزَّت الأزهار في صبح هاطلِ |
[26] المزي: تهذيب الكمال 24/ 271.
[27] الآخِيَّةُ: حبيل أو عويد يعرض في الحائط ويُدفن طرفاه فيه، ويصير وسطه كالعُروة وتشد فيها الدابة؛ النهاية: 1/ 29.
[28] وذلك لأنها كانت رسالة مستقلة بعنوان: (تميم ما لها وما عليها في حديث الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم)، قد أنهيتها عام 1418هـ، وتناولها مني مَن تناولها مسوَّدة، وفي أثناء العام نفسه قمتُ بعرضها على بعض الفضلاء؛ منهم الشيخ عائض بن عبدالله القرني الذي ساهم فيها - جزاه الله خيرًا - ببعض الأبيات الشعرية، كتبها بيده، ستمر بك في موضعها - إن شاء الله تعالى - فأحببت أن ألحقها على وضعها، إلا أني تصرفت فيها قليلًا، وأضفت إليها، وحذفت منها شيئًا يسيرًا.
[29] البهوتي: كشاف القناع 1/ 10.
[30] البيهقي: مناقب الشافعي 2/ 36.
[31] ابن تيمية: الفتاوى 18/ 71 - 72.
[32] البيهقي: مناقب الشافعي 2/ 36.
تأثير الأصل على الإنسان
بادِي بَدْءٍ، فإن الرجال تُعرف بالحق، ولا يُعرف الحق بالرجال، والحق ضالَّة المؤمن يأخذه متى وجده، ولو جاء به عبدٌ حبشي كأن رأسه زبيبة.
والقاعدة في هذا قول الله تعالى: ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ إِنْ كُنْتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآَخِرِ ذَلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلًا ﴾ [النساء: 59].
أوجب الله تعالى طاعته وطاعة رسوله صلى الله عليه وسلم استقلالًا، وجعل طاعة أولي الأمر - بصرف النظر عن أصلهم - في ضمن طاعة الرسول؛ فمَن أمر منهم بطاعة الرسول وجَبت طاعتُه، ومَن أمر بخلاف ما جاء به الرسول، فلا سمع له ولا طاعة.
وكل ما تنازع فيه الناس من مسائل الدين يُردُّ إلى كتاب الله، وإلى رسول الله صلى الله عليه وسلم إليه نفسه في حياته، وإلى سنته بعد وفاته.
أما أنه هل للأصل تأثير على الإنسان؟
فهذا مما لا شك فيه، وإن كان غير مطَّرد؛ يقول الشيخ أبو عبدالله محمد بن مفلح رحمه الله: "وللأصل تأثير، وقد روى الحاكم في تاريخه عن ابن المبارك، قال: من طاب أصله حسُنَ محضرُه"[1]، فالأصل والإبداع الذهني بينهما ارتباط وثيق، وهذه حقيقة ينبغي إبرازُها:
إن العُروقَ إذا استَسرَّتْ في الثَّرَى ♦♦♦ أندى النباتُ بها وطاب المَزرَعُ
وفي الحديث عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((الناسُ معادنٌ كمعادِن الفِضة والذهب))[2].
وعن أبي موسى الأشعري رضي الله عنه، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((إن الله عز وجل خلق آدم من قبضةٍ قبضَها من جميع الأرض، فجاء بنو آدم على قدر الأرض؛ جعل منهم الأحمر والأبيض والأسود وبين ذلك، والسهلَ والحزنَ وبين ذلك، والخبيثَ والطيبَ وبين ذلك))[3]، وفي المثل: "بعضُ البقاع أيمنُ من بعض"[4].
قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله - بعد كلام سابق في عدم العبرة بالنسب والمكان -: "الله سبحانه وتعالى جعل سكنَى القرى يقتضي من كمال الإنسان في العلم والدين ورقة القلوب، ما لا يقتضيه سكنى البادية، كما أن البادية تُوجِبُ من صلابة البَدَن والخلق ومتانة الكلام، ما لا يكون في القرى، هذا هو الأصل، وإن جاز تخلُّف هذا المقتَضى لمانع، وكانت البادية أحيانًا أنفع من القرى، وكذلك جعل الله الرسل من أهل القرى، فقال تعالى: ﴿ وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ إِلَّا رِجَالًا نُوحِي إِلَيْهِمْ مِنْ أَهْلِ الْقُرَى ﴾ [يوسف: 109]؛ وذلك لأن الرسل لهم الكمال في عامة الأمور، حتى في النسب"[5].
وقال ابن خلدون:
"المقدمة الثالثة في المعتدل من الأقاليم والمنحرف، وتأثير الهواء في ألوان البشر والكثير في أحوالهم، إلى أن قال - بعد أن حدد الأقاليم المعتدلة -: وجميع ما يتكون في هذه الأقاليم الثلاثة المتوسطة مخصوص بالاعتدال، وسكانها من البشر أعدل أجسامًا، وألوانًا، وأخلاقًا، وأديانًا، حتى النبوءات، فإنما توجد في الأكثر فيها، ولم نقف على خبر بعثة في الأقاليم الجنوبية ولا الشمالية؛ وذلك أن الأنبياء والرسل إنما يختص بهم أكمل النوع في خلقهم وأخلاقهم، قال تعالى: ﴿ كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ ﴾ [آل عمران: 110]؛ وذلك ليتم القَبول بما يأتيهم به الأنبياء من عند الله، وأهل هذه الأقاليم أكمل لوجود الاعتدال لهم"[6].
إذا تقرر هذا فاعلم - يا رعاك الله - أن النسب والزمن والبلد والبقعة لا تقدس أحدًا، وإنما يقدس الإنسانَ عملُه، قال صلى الله عليه وسلم: ((مَن أبطأ به عملُه لم يُسرِعْ به نسبُه))[7]، وقال سلمان الفارسي رضي الله عنه لأبي الدرداء: إن الأرض لا تُقدِّسُ أحدًا.
لكن علينا أن نضع الحديث والأثر في موضعهما، قال الشيخ المُعلِّمي اليَماني رحمه الله، رادًّا على الكوثري المُشكِّكِ في قرشيَّة الإمام الشافعي، قال الكوثري: ومَن تابع الشافعي قائلًا: إنه قرشي، فله ذلك، لكن هذه الميزة لا تُوجب الرجحان في العلم، وفي صحيح مسلم: ((من أبَطَأ به عملُه لم يُسرِعْ به نسبه)).
قال المعلمي: "قد وضع الحديث في غير موضعِه، فإن الشافعي لم يُبطِئْ به علمه ولا عمله، وإنما ينبغي أن يذكر هنا حديث (الصحيحين)[8] وغيرهما، وفيه قوله صلى الله عليه وسلم: ((أَفَعَنْ معادِن العرب تسألوني؟))، قالوا: نعم، قال: ((فخياركم في الجاهلية خياركم في الإسلام إذا فَقهوا))، ومَن ذكر من أهل العلم في مزايا الشافعي أنه عربي قرشي مطَّلبي، فلم يَحْتَجَّ بفضيلة النسب من حيث هو نسب، ولكن مِن حيث ما هو مظنة، فإن ذلك يقتضي فضل معرفة بالدين الذي أنزله الله تعالى على النبي العربي بلسان عربي رُوعي فيه عقول العرب وأفهامهم وطباعهم... إلخ"[9].
[1] ابن مفلح: الآداب الشرعية 1/ 215.
[2] مسلم 2638، وأحمد 2/ 539، وابن عبدالبر في جامع بيان العلم 1/ 19، ورواه البخاري مختصرًا.
[3] أحمد 4/ 400و 406، وأبو داود 4693، والترمذي 2955، وابن سعد في الطبقات 1/ 26، وعبد بن حميد في المنتخب 548، والطبري في التفسير 1/ 214، وابن خزيمة في التوحيد ص 64، وابن حبان الإحسان: 6160 و6181، والحاكم في المستدرك 2/ 261 - 262، وأبو نُعيم في الحلية 3/ 104، و8/ 135، والبيهقي في الأسماء والصفات ص 413 - 414، والواحدي في ألوسيط، وابن عساكر، وأبو الفرج الثقفي في الفوائد؛ (الصحيحة 1630)، من طرق عن عوف، عن قسامة، عن أبي موسى الأشعري رضي الله عنه به، وصححه الحاكم، ووافقه الذهبي، وصححه أيضًا أبو الفرج الثقفي، والشيخ الألباني الصحيحة 1630، وقال الترمذي: حسن صحيح.
[4] الميداني: مجمع الأمثال 1/ 136.
[5] ابن تيمية: اقتضاء الصراط المستقيم 1/ 371.
[6] ابن خلدون: مقدمة ابن خلدون ص 82.
[7] مسلم 2699 وأحمد 2/ 252 وأبو داود 3643 والترمذي 2945 وابن ماجه 225 والدارمي 351 وابن أبي الدنيا في قضاء الحوائج 97 وابن حبان الإحسان: 84 والحاكم 1/ 88 - 89 والسهمي في تاريخ جرجان ص 136 - 137والخطيب في تاريخ بغداد 12/ 114 وابن عبدالبر في جامع بيان العلم 1/ 13 والبغوي في شرح السنة 127 من طريق الأعمش، عن أبي صالح، عن أبي هريرة رضي الله عنه به. وعزاه في كشف الخفاء 2343 للعسكري، والقضاعي.
[8] البخاري 3175، 3194، مسلم 2378 من طريق عبيدالله، عن سعيد بن أبي سعيد، عن أبيه، عن أبي هريرة رضي الله عنه به.
[9] المعلمي: النتكيل ص 627 - 628.
ترجمة الشيخ محمد بن عبد الوهاب رحمه الله[1]
الوسطية في الشيخ:
إن شيخ الإسلام محمد بن عبدالوهاب رحمه الله عبدٌ أنعم الله عليه بالعلم والعمل، ووفَّقه وسدَّده، وقيضه للدعوة وأيَّده، وأقرَّ به عين الإسلام والمسلمين، ومحبتنا له من أجل الله ورسوله، ونبرأ إلى الله تعالى أن نعتقد فيه ما تعتقده الرافضة في أئمتها، أو أن نعتقد فيه ما تعتقده الصوفية في مشايخها، لقد ضاهوا النصارى في غلوِّهم وشركهم.
ولأن يخرَّ أحدُنا من السماء فتخطَفه الطير، أو تهوي به الريح في مكان سحيق، خيرٌ له مِن ذلك الاعتقاد، وأعوذُ بالله أن أتجاوز الحدَّ في مدح الشيخ، ولأن أمدَّ يدي إلى فم التنين فيقضمها خيرٌ لي من أن أكتب بها حرفًا واحدًا في إطراء الشيخ، وقد كان الشيخ محمد بن عبدالوهاب رحمه الله يُدَنْدِن حول هذا الإطراء والغلو في كتبه ورسائله ناهيًا ومحذرًا.
ومعاذ الله أن ننكر جميل الشيخ وفضله، وجهاده وصبره في دعوة الناس إلى التوحيد وإخلاص العبادة لله وحده، فما هو إلا إمام قد أوجب الله علينا حقَّه لا وكسَ ولا شطَطَ؛ فالإفراط والتفريط من فعل اليهود والنصارى؛ لقد أفرَطَت النصارى في عيسى عليه السلام؛ حيث اتخذته إلهًا، وفرَّطت اليهود؛ حيث عادوه وسبوه وتنقَّصُوه، وجعل الله هذه الأمة وسطًا، فأنزلَتْه المنزلةَ التي أنزله الله، فقالوا: عبدالله ورسوله، وإنه لا يشكر اللهَ مَن لا يشكر الناس، وإنما يعرف الفضل لأهل الفضل ذو الفضل.
وأما أقوال الشيخ، فيُطبَّق عليها القانون المتفق عليه، والقاعدة المطردة مع أقوال أئمة المسلمين وأعلام الدين، لا تقبل إلا بتزكية عدلين: الكتاب والسنة، ننظر في أقوال الشيخ، فكل ما وافق الكتاب والسنة أخذنا به، وما لم يوافق الكتاب والسنة تركناه.
والشيخ محمد بن عبدالوهاب رحمه الله على كثرة حسَّاده وأعدائه، لم يستطع واحد منهم أن يخرج من كتبه الكثيرة، ولا رسائله العديدة، حرفًا واحدًا يخالف المنقول، أو ينكره المعقول.
اسمه ونسبه:
هو شيخ الإسلام، ومصباح الظلام، ومُفيد الأنام، الشيخ الإمام، محمد بن عبدالوهاب بن سليمان بن علي بن محمد بن أحمد بن راشد بن بريد بن محمد بن مشرف بن عمر بن معضاد بن ريس بن زاخر بن محمد بن علوي بن وهيب بن قاسم بن موسى بن مسعود بن عقبة بن سنيع بن نهشل بن شداد بن زهير بن شهاب بن ربيعة بن أبي سود بن مالك بن حنظلة بن مالك بن زيد بن تميم بن مر بن أد بن طابخة بن إلياس بن مضر بن نزار بن معد بن عدنان[2].
• كنيته: أبو الحسن.
• والدتُه: بنت محمد بن عزاز المشرفي الوهيبي التميمي؛ فهي من عشيرته الأدنين.
وهذا النسب فيه منقبة من وجوه ثلاثة:
الأول: حيث يلتقي بنسب النبي صلى الله عليه وسلم في إلياس بن مضر.
الثاني: أنه عربي محض.
الثالث: أنه من ولد إسماعيل عليه السلام.
وتأمل اسمَه (محمد) وما بين الاسم والمسمى من ارتباط وتناسب وصدق من قال:
وقَلَّما أبصرَتْ عيناكَ ذا لقبٍ ♦♦♦ إلَّا ومعناه لو فَكَّرْتَ في لَقبِه
ولما كان النبي صلى الله عليه وسلم كثيرَ الصفات المحمودة، اشتُقَّ له من وصفه اسمٌ مطابق لمعناه، فاسمه صلى الله عليه وسلم (محمد)، وقد قال حسان بن ثابت رضي الله عنه:
وشقَّ له من إسمِه كي يُجلَّه ♦♦♦ فذو العرشِ محمودٌ وهذا محمدُ
وقال عباس بن مرداس رضي الله عنه:
إنَّ الإله بَنَى عليكَ محبةً ♦♦♦ مِن خلقِه.. ومحمدًا سمَّاكا
والغالب أن الاسم (محمد) عنوان خيرٍ على مَن تسمَّى به، وقد يتخلف التناسب بين الاسم والمسمى، حسبك (محمد بن سعيد المصلوب)، قال ابن رشدين: سألت أحمد بن صالح المصري عنه، فقال: زنديق، ضُربت عنقه، وضع أربعة آلاف حديث.
مولده ووفاته:
ولد الشيخ سنة (1115) للهجرة في بلدة (العُيَيْنَة) من بلاد نجد، وتوفي بـ (الدرعية) عام (1206هـ) ودفن بها، فلم يُعظم قبره ولم يتخذ مزارًا، وهذا دليل نجاح دعوته وصدق إرادته وإخلاص أتباعه، ﴿ وَالَّذِينَ آَمَنُوا أَشَدُّ حُبًّا لِلَّهِ ﴾ [البقرة: 165]، فرحمه الله رحمة واسعة وحشرنا وإياه مع النبيين والصديقين والشهداء والصالحين، وقد رثاه الشعراء بقصائد معبرة، كان منها المرثية الرنَّانة للشيخ أبي بكر حسين بن غنام الأحسائي رحمه الله من أبياتها:
إلى اللهِ في كشفِ الشدائدِ نَفْزَعُ وليس إلى غيرِ المُهيمِنِ مَفْزَعُ لقد كسفتْ شمسُ المعارفِ والهدى فسالَتْ دماءٌ في الخدودِ وأدمعُ إمامٌ أصيبَ الناسُ طرًّا بفقدِه وطاف بهم خطبٌ من البَيْنِ مُوجِعُ وشمَّر في منهاجِ سُنَّةِ أحمدٍ يشيدُ ويُحيي ما تَعفَّى ويرقعُ يُناظِرُ بالآياتِ والسُّنَّةِ التي أُمرنا إليها في التنازعِ نَرجِعُ لقد وجد الإسلام يومَ فِراقِه مصابًا خشينا بعدَه يَتصدَّعُ بكَتْهُ ذَوو الحاجاتِ يومَ فراقِه وأهلُ الهدى والحقِّ والدينِ أجمعُ |
أسرته:
الشيخ محمد بن عبدالوهاب رحمه الله كان سليل أسرة علمية، فأبوه، وقبله جده، كانا على قدر كبير من العلم، وقد سادا أهل زمانهما فقهًا وفتوى:
قُلْ لمن سادَ ثمَّ سادَ أبوهُ ♦♦♦ ثم قد سادَ قبل ذلك جدُّهْ
لقد تربى الشيخ في بيت علم ودين، لذا كان مشغوفًا بالدراسة حريصًا على التحصيل، وإليك أسماء القريبين منه:
1- والده الشيخ عبدالوهاب (ت: 1153هـ) عالم كبير، تولى الإفتاء بالعُيَيْنَة، وتقلَّد منصب القضاء بالعُيَيْنَة وحريملاء.
2- جده الشيخ سليمان بن علي (ت: 1079هـ) مفتي بلاد نجد، ورئيس علمائها، وكان أوسعهم علمًا، وأنبههم ذكرًا، فهو مرجع علماء نجد عامة، ولي قضاءَ العُيَيْنَة.
3- الشيخ إبراهيم بن سليمان بن علي، عالم كاتب مشهور، وهو عم الشيخ محمد.
4- الشيخ عبدالرحمن بن إبراهيم، ابن عم الشيخ.
5- الشيخ أحمد بن سليمان بن علي من أهل العلم، وهذا عمه الثاني.
6- الشيخ سليمان بن عبدالوهاب، وهو أخو الشيخ.
7- أبناء الشيخ محمد (خمسة)، أربعة منهم من العلماء الكبار.
8- خال الشيخ محمد، هو الفقيه الشيخ سيف بن محمد بن عزاز.
9- أبناء أخيه سليمان، وأحفاده كلهم علماء.
وكلُّهم من رسولِ اللهِ ثمُقتَبِسٌ ♦♦♦ غرفًا من البحرِ أو رشفًا من الدِّيَمِ
وفي هذه البيئة العلمية الدينية الميمونة، نشأ الشيخ وترعرع وتأثر بها تأثُّرًا كبيرًا، ظهر في حياته العلمية والدعوية.
عصره:
• الحالة الدينية:
لا يخلو عصر من العصور من غرسٍ لله جل وعلا يستعملهم في طاعته، ومع وجود العلماء العاملين والعباد المتَّبعين، إلا أن بلاد المسلمين تعيش غربة شديدة، وحالة دينية منحطة، قد ساد الانحراف الديني والفكري؛ وأهم معالم ذلك الانحراف:
أولًا: الجهل.
ثانيًا: الشرك بأقسامه وأنواعه.
ثالثًا: الكفر بأقسامه وأنواعه.
رابعًا: البدع.
خامسًا: الفرق الضالة.
سادسًا: الخرافات.
سابعًا: المعاصي.
ثامنًا: إضاعة معظم شعائر الإسلام، غير أن هناك مَن كان يحافظ عليها.
وبعد جهاد الإمامين محمد بن عبدالوهاب ومحمد بن سعود رحمهما الله، استقامت كثير من الأمور في بلاد اليمامة وما تبعها من البلاد، وظهرت السنة، وخفيت البدعة.
• الحالة العلمية:
كانت حالة نجد العلمية حالة استرخاء، تكاد تنحصر في الفقه، والمذهب السائد لديهم هو مذهب الإمام أحمد بن حنبل رحمه الله، وكان العلماء معنيين بالفقه الحنبلي، يُجيدونه ويُحررونه، ويرحلون في تحصيله، ولهم في علم التفسير والحديث والتوحيد والعربية مشاركات قليلة، وكان من النادر مَن يتعدَّى الفقه إلى غيره من العلوم.
فلما انتشرت دعوة الشيخ محمد بن عبدالوهاب رحمه الله تغيَّر هذا الاتجاه، وتنوَّعت الثقافة، وتعدَّدت العلوم، وأعطي علم التوحيد والحديث والتفسير عناية بالغة.
• الحالة السياسية، والاجتماعية، والاقتصادية:
كان العالم الإسلامي بصفة عامة يعاني نتيجة الفساد العام في جميع شؤون الحياة، وبسبب البعد عن دين الله جل وعلا انفرط عِقد القوة الديني والسياسي والثقافي والاجتماعي، وساد الضعف.
وكانت نجد مع تقسمها إلى ولايات عديدة تعيش تدهورًا سياسيًّا وتقهقرًا اجتماعيًّا، وتخلفًا اقتصاديًّا، فكان لهذه الأمور الأثر السيِّئ على أهل ذلك المجتمع.
وبعد دعوة الشيخ وحماية الإمام محمد بن سعود رحمهما الله لها صلَحت الأحوال سياسيًّا واجتماعيًّا واقتصاديًّا، وأصبحت السُّبل آمنةً، وشرائع الإسلام ظاهرة، قال حسان رضي الله عنه:
وما الدينُ إلَّا أن تُقامَ شرائعٌ ♦♦♦ وتؤمنَ سبْلٌ بيننا وهِضابُ
فكان أثر هذا التحسن على الجزيرة وساكنيها ظاهرًا لكل ذي عينين.
نشأته العلمية:
تميزت حياة الشيخ العلمية بأربعة أمور:
الأول: الجد في طلب العلم وتحصيله.
الثاني: سَعَةُ علمه وغزارته.
الثالث: الانشغال بالعلم الأهم.
الرابع: كثرة إنتاجه وبركته.
كان الشيخ رحمه الله حادَّ الذهن، ذكيًّا نبيهًا فَطِنًا، فصيح اللفظ سريع الحفظ، اشتغل بالعلم منذ نعومة أظفاره، فطلبه صغيرًا، وامتطى صهوته يافعًا، حفِظ القرآن عن ظهر قلب قبل سن العاشرة - والقرآن يهدي للتي هي أقوم - وتعلَّم كثيرًا من الفنون، وحفِظ بعضًا من المتون، وكان محبًّا للقراءة والاطِّلاع، فحاز قصب السبق في العلوم الشرعية، ونال سمو المكانة وشرف المنصب، وبوَّأه الله منزلة علمية عالية.
ومما قاله شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: "إذا كانت الفطرة مستقيمةً على الحقيقة، منورة بنور القرآن، تجلَّت لها الأشياء على ما هي عليه في تلك المزايا، وانتَفَت عنها ظلمات الجهالات"[3].
رحلاته:
تبسط الشيخ في البلاد طلبًا للعلم الشرعي، فتنقَّل في ضواحي نجد؛ حيث يوجد بها علماء، ثم رحل إلى مكةَ والمدينة، ثم العراق والأحساء وغير ذلك، والتقى بعلمائها، وأجازه بعضهم، واشتهر عندهم بالعلم والذكاء، وباحثَ وناظرَ، واجتهد في التحصيل، حتى أصبح عالمًا وإمامًا بلا منازعة.
سَعَة علمه:
الشيخ رحمه الله قطب من أقطاب العلم، وبحر من بحوره، ووعاء من أوعيته، يَعرِفُ سَعَة علمه مَن اطَّلع على مصنفاته ورسائله، وكان في علم التوحيد كالإخاذة [شيء كالغدير] تروي الجم الغفير، وله استنباطات دقيقة، واستدلالات صائبة عجيبة، تدل دلالة واضحة على غزارة علمه وقوة فهمه، فهو إهاب قد امتلأ علمًا ورسوخًا، لقد تبوَّأ منزلة علمية عالية موفَّقة، وقد شهِد له بالإمامة القريب والبعيد، ومن مرثية الشيخ الشوكاني للإمام محمد:
إمامٌ له شأنٌ كبيرٌ ورتبةٌ مِن الفضلِ تثني عزَّةَ المُتطاولِ فريدُ كمالٍ في العلوجِ فهل ترى له في تقاديرٍ لها مِن مماثلِ وآهًا على تحقيقِه في دروسِه وتوضيحِه للمعضلاتِ المشاكلِ |
• اتصال إسناده:
قال الشيخ عبداللطيف: أخذ الفقه عن أبيه، عن جده سليمان بن علي مفتي الديار النجدية في وقته، وسنده المتصل بأئمة المذهب إلى الإمام أحمد، معروف مقرر عندهم.
وسمِع الحديث عن أشياخ الحرمين في وقته، وأجازه الكثير منهم، ومن أعلامهم محدِّث الحرمين الشيخ محمد حياة السندي[4].
قال محرره - عفا الله عنه -:
أكتفي بإسناد واحد من أسانيده، إلى إمام عصره محمد بن إسماعيل البخاري رحمه الله، هذا الإسناد من الأسانيد التي أجاز لي الشيخ أبو طاهر زبير علي زائي أن أرويَها عنه، عن الشيخ العلامة بديع الدين الراشدي السندي، إجازةً وقراءةً وسماعًا، قال الشيخ بديع - وهو موجود في ثبته -:
أخبرني الشيخ عبدالحق الهاشمي، قال: أخبرنا أحمد بن عبدالله بن سالم البغدادي، عن عبدالرحمن بن حسن بن محمد بن عبدالوهاب، عن جده شيخ الإسلام، عن عبدالله بن إبراهيم المدني، عن عبدالقادر التغلبي، عن عبدالباقي، عن أحمد الوفائي، عن موسى الحجازي، عن أحمد الشويكي، عن العسكري، عن الحافظ عبدالرحمن بن رجب، عن الحافظ شمس الدين ابن القيم، عن شيخ الإسلام الحافظ تقي الدين أبي العباس ابن تيمية، عن الفخر ابن البخاري، عن أبي ذر الهَرَوي، عن شيوخه الثلاثة السرخسي والمستملي والكُشْمَيْهَني، عن محمد بن يوسف الفربري، عن إمام الدنيا[5] أبي عبدالله محمد بن إسماعيل البخاري.
ثناء العلماء عليه:
الشيخ محمد بن عبدالوهاب رحمه الله نُعْمَة عينٍ، وحسبك أنه صاحب سنة وجماعة، فالشيخ إمام في السنة، وسراج في الدعوة، وله القدح المعلَّى في العلم، وإذا ذُكر المصلحون فهو النجم الثاقب، وما أحد - حسب علمي - بعد القرن الثاني عشر إلى هذا اليوم آمَن على أهل الجزيرة في توحيد الله منه، ولقد امتدحه وأثنى عليه خلائق لا يُحصون من المتقدمين والمتأخرين، واعترف أعداؤه مِن كتاب النصارى ومؤرِّخيهم أنه يدعو الناس إلى الدين الصحيح ويُعيدهم إليه، والحق ما شهدت به الأعداء.
نطَق العداةُ بفضلِه لظهورِهِ ♦♦♦ كرهًا وقد حرَصوا على إخفائِهِ
والكثير من فحول العلماء وأساطينهم على اختلاف ألسنتهم وألوانهم وتباعد ديارهم وأقطارهم، اتفق قولهم واجتمعتْ كلمتهم، على أنه إمام عالم فاضل، مجاهد مجدد مصلح سلفي، وأن دعوته عينُ ما دعا إليه النبيون والمرسلون، قال الشيخ ملا عمران بن علي بن رضوان:
فالعالِمونَ العامِلونَ المُنصِفو ♦♦♦ نَ لهُ أقرُّوا بالفضائلِ واليدِ
وقد أثنى الناس - وهم شهداء الله في أرضه - على الشيخ وعلى دعوته نظمًا ونثرًا:
فالناسُ أكيسُ مِن أن يَحمَدوا رجلًا ♦♦♦ من غيرِ أنْ يجدوا آثارَ إحسانِ
وكتب التراجم والتواريخ - ومَن ألَّف في سيرته - طافحةٌ بالمدح والثناء، فلا داعي لنقلها وإطالة الرسالة بذكرها، وقد ذكر الشيخ حسين بن غنام - المؤرخ الثقة - المعاصر للشيخ، في تاريخه عن أكابر أهل عصره، أنهم شهِدوا له بالعلم والدين، وأنه من جملة المجددين، وكذلك أهل مصر والشام والعراق والحرمين، تواتر عن فضلائهم وأذكيائهم مدحه والثناء عليه، وكتبه شاهدة برسوخه في العلم.
يقول الشيخ عبداللطيف رحمه الله: مَن طالع كتاب التوحيد وغيره من مصنفاته، عرَف فضل الشيخ وعلمه، وأنه مِن أدق الناس فهمًا، وأغزرهم علمًا، وإنما يرجع أهل نجد في وقته إليه في سائر العلوم الشرعية[6].
وقد مدحَه الشيخان اليمانيَّان الكبيران: الشيخ محمد بن إسماعيل الصنعانيُّ مؤلف (سبل السلام)، والشيخ محمد بن علي الشوكاني مؤلِّف (نيل الأوطار)، وكذلك الشيخ ملا عمران نزيل لنجة، والشيخ محمد الحفظي من علماء عسير، رحمهم الله، بقصائدَ سارتْ بها الركبان، ومما قاله الشوكاني:
إمامُ الورَى علَّامةُ العصرِ قُدوتي وشيخُ الشيوخِ الحَبْرُ فردُ الفضائلِ إمامٌ له شأنٌ كبيرٌ ورتبةٌ من الفضلِ تثني همَّةَ المُتَطاوِلِ |
وامتدح علميَّتَه وعقيدتَه ومنهجَه علَّامةُ العراق الشيخ محمود شكري الألوسي في كتابه (تاريخ نجد)، وقال الشيخ عبدالقادر بن بدران - علَّامة الشام -: العالم الأثري، والإمام الكبير، محمد بن عبدالوهاب...، إلخ.
وقال الشيخ بديع الدين الراشدي - علَّامة السند -: الشيخ الإمام المجدد، المحدث الفقيهُ، المجاهد في سبيل الله، وإمام الدعوة إلى العقيدة السلفية، محمد بن عبدالوهاب...، إلخ، هذا فَيْض من غَيْض، وقليلٌ من كثير، وفيما ذكرتُه إشارة إلى ما تركته.
صفاتُه وأخلاقُه:
لا أُطِيلُ في ذكر صفات الشيخ وأخلاقه، فمحلُّ ذلك المطوَّلات، وأعوذ بالله من الغلو والإطراء، وقد قيل:
إذا ما وصَفْتَ امرأً لامرئٍ ♦♦♦ فلا تَغْلُ في وصفِهِ واقصِدِ
وأذكر هنا ما ذاع واشتهر من صفات الشيخ وأخلاقه على وجه الإجمال، فأقول:
الشيخ محمد رحمه الله هشٌّ بشٌّ [أي طَلْق الوجه]، طيب المشاش [أي كريم النفس]، رجل أريضٌ [أي متواضع خليق للخير]، وكان عالمًا عابدًا، زاهدًا وَرِعًا، صدَّاعًا بالحق، لا تأخذه في الله لَوْمةُ لائِم.
وكان على قدر كبير من الأخلاق الرشيدة والسيرة الحميدة، قال الشيخ عثمان بن عبدالله بن بشر رحمه الله: وبالجملة، فمحاسنه وفضائله أكثر من أن تحصر، وأشهر من أن تذكر، ولو بسطتُ القول فيها واستقصيتُها لاتَّسعَ لأسفار.
شيوخه وتلاميذه:
تتلمذ الشيخ على أساطين علماء عصره داخل نجد وخارجها:
• وكان من أبرز مشايخِه في نجد: والده عبدالوهاب (ت: 1153هـ).
• ومن أبرز مشايخه بالمدينة: الشيخ عبدالله بن إبراهيم بن سيف (ت: 1140هـ)، وكان إمامًا في الفقه وأصوله، وابنه إبراهيم (ت: 1189هـ)، وكان فرضيًّا، والشيخ المحدِّث محمد حياة السندي (ت: 1163هـ).
• ومن أبرز مشايخه بالعراق: الشيخ محمد المجموعي.
• ومن أبرز مشايخه بالأحساء: الشيخ عبدالله بن محمد بن عبداللطيف.
ولما لمع نجمُه، وسطع نوره، وأصبح من المبرزين في العلم، قصده طلاب العلم من كل مكان وازدحموا عليه، فأخذ عنه العلم مجموعة كبيرة، ساروا على مدرجته، وسلكوا نهجه في الدعوة إلى الله، وإظهار السنة وقمع البدعة، وكان من أبرزهم أبناؤه:
• الشيخ عبدالله (ت: 1244هـ)، وقد تقيَّض أباه (أشبهه) في تولي مهام الدعوة، واقتفى أثره، وله مؤلفات.
• والشيخ حسين (ت: 1224هـ)، أحد كبار علماء الدعوة السلفية بنجد، وله رسائل وفتاوى، وتولى الخطابة بجامع الدرعية الكبير.
• والشيخ علي (ت: 1245هـ) أكبر أبناء الشيخ.
• والشيخ إبراهيم (ت: 1251هـ).
وكانوا علماء أجلاء، قال الشيخ محمد الحفظي:
أولادُهُ مشايخُ التحقيقِ ♦♦♦ وسدرةٌ في منتهى الطريقِ
وقال عثمان بن عبدالله بن بشر: ولقد رأيت لهؤلاء الأربعة العلماء الأجلاء مجالسَ ومحافلَ في التدريس في بلد الدرعية، وعندهم طلبة علم من أهل الدرعية ومن أهل الآفاق.
ومن تلاميذه:
• حفيده الشيخ عبدالرحمن بن حسن (ت: 1285هـ).
• والشيخ حمد بن ناصر بن معمر (ت: 1225هـ).
• والشيخ حسين بن غنام (ت: 1225هـ).
• والشيخ عبدالعزيز الحصين (ت: 1237هـ).
• والشيخ عبدالعزيز بن سويلم (ت: 1244هـ)، وغيرهم كثير.
[1] مصادر ترجمة هذا النابغ العظيم، والعالم الفذ المجدد الشيخ محمد بن عبدالوهاب رحمه الله كثيرة جدًّا، وهو أشهر من نار على علم، وقد تناول حياته ودعوته العديدُ من الكتاب والباحثين داخل الجزيرة وخارجها، وصنفت في ذلك كثيرٌ من المصنفات، وقدمت رسائل وبحوث علمية في جوانب عديدة من حياة الشيخ ودعوته، حتى المستشرقون لهم كتابات عنه، ولا تعجب، فالشيخ أمة، وقد قيل:
ولن تُصادِفَ مَرْعًى مُمْرَعًا أبدًا ♦♦♦ إلا وجدتَ به آثارَ مُنْتَجعِ
ومن تلك المصادر:
• الإمام محمد بن عبدالوهاب: دعوته وسيرته؛ لشيخنا الشيخ عبدالعزيز بن باز.
• من أعلام المجدِّدين؛ للشيخ صالح الفوزان.
• الشيخ محمد بن عبدالوهاب حياته وفكره؛ لعبدالله العثيمين.
• الإمام الشيخ محمد بن عبدالوهاب في التاريخ؛ لعبدالله الرويشد.
• عقيدة الشيخ محمد بن عبدالوهاب السلفية؛ لصالح العبود.
• الشيخ محمد بن عبدالوهاب؛ لأحمد آل بو طامي.
• حياة الشيخ محمد بن عبدالوهاب؛ لحسين خزعل.
• نبذة مختصرة عن حياة شيخ الإسلام محمد بن عبدالوهاب؛ لعبدالرحمن الجطيلي.
• سيرة الإمام الشيخ محمد بن عبدالوهاب؛ لأمين سعيد.
• محمد بن عبدالوهاب؛ لأحمد عبدالغفور عطار.
• الإمام محمد بن عبدالوهاب؛ لعبدالحليم الجندي.
• شيخ الإسلام الإمام محمد بن عبدالوهاب؛ لمحمد جميل.
• الشيخ الإمام محمد بن عبدالوهاب حياته ودعوته؛ لعبدالله الشبل.
• محمد بن عبدالوهاب داعية التوحيد والتجديد؛ لمحمد بهجة.
• انتشار دعوة الشيخ محمد بن عبدالوهاب؛ لمحمد جمعة.
• أهداف دعوة الشيخ محمد بن عبدالوهاب؛ لإبراهيم فارس.
• الدعوة الإصلاحية في بلاد نجد؛ لعبدالله المطوع.
• دعاوى المناوئين لدعوة الشيخ محمد بن عبدالوهاب؛ لعبدالعزيز العبداللطيف.
• آثار الشيخ محمد بن عبدالوهاب؛ أحمد الضبيب.
• الإمام محمد بن عبدالوهاب ومنهجه في الدعوة؛ رسالة ماجستير بقسم العقيدة، بجامعة الإمام؛ للطالب محمد السكاكر.
• دعوة الشيخ محمد بن عبدالوهاب وأثرها في العالم الإسلامي، رسالة مقدمة لنَيْل درجة الدكتوراه في العقيدة، من جامعة أم القرى بمكة؛ للطالب أحمد الزهراني.
• زعماء الإصلاح؛ لأحمد أمين.
• المصلح المظلوم؛ لمسعود الندوي.
• مجموعة بحوث مقدمة لمؤتمر أسبوع الشيخ محمد.
• روضة الأفكار والأفهام؛ لابن غنام.
• الأخبار النجدية؛ للفاخري.
• عنوان المجد في تاريخ نجد؛ لابن بشر.
• تاريخ نجد؛ للألوسي.
• مجموعة الرسائل والمسائل النجدية؛ للشيخ عبداللطيف بن عبدالرحمن.
• الدُّرر السَّنية؛ جمع الشيخ عبدالرحمن بن قاسم.
• علماء نجد خلال ستة قرون؛ للشيخ عبدالله البسام.
• رفع النقاب في تراجم الأصحاب؛ لابن ضويان.
• تراجم متأخري الحنابلة؛ لابن حمدان.
• مشاهير علماء نجد؛ لعبدالرحمن آل الشيخ.
• روضة الناظرين؛ لمحمد بن عثمان.
• ذيل الدر؛ لابن حميد.
• تسهيل السابلة؛ لصالح بن عبدالعزيز بن عثيمين.
• الأعلام؛ للزركلي.
• معجم المؤلفين؛ لكحالة، وغيرها الكثير.
[2] البسام: علماء نجد 1 /25 - 26، قال: وإلى هنا يقف ثقات الرواة...، وهذا النسب إلى عقبة منقول بالتواتر، ومن خطوط علماء الوهبة المعتبرين المجمع على علمهم وثقتهم واطلاعهم...، ومِن عقبة إلى إلياس منقول عن ثقات النسَّابين والمؤرِّخين.
[3] ابن تيمية: الفتاوى 20 /44.
[4] عبداللطيف آل الشيخ: مصباح الظلام ص 154.
[5] لا بد أن يقيد هذا الإطلاق، وقصد مُطلِقه: إمام زمانه.
[6] عبداللطيف آل الشيخ: مصباح الظلام ص 157.
حقيقة دعوة الإمام محمد بن عبدالوهاب
الدعوة إلى الله والتبليغ عن رسوله صلى الله عليه وسلم شعارُ حزبه المفلحين، وأتباعه من العالمين، وإذا كان الأمر كذلك، فلابد أن تقوم الدعوة إلى الله على دعائمَ قوية راسخة، وهذا ما نلمسه في دعوة الشيخ محمد بن عبدالوهاب؛ حيث قامت دعوته التجديدية الإصلاحية على ركائز متينة؛ من أبرزها:
أولًا: المنهج الصحيح، لقد نهج الشيخ في دعوته منهج النبي محمد صلى الله عليه وسلم والسلف الصالح، ولا منهج أنفع في الدعوة إلى الله منه، وإن تحَذْلَقَ المتحَذْلِقون.
ثانيًا: العلم؛ حيث دعا الشيخ إلى الله عز وجل على بصيرة.
ثالثًا: الحكمة والموعظة الحسنة والمجادلة بالتي هي أحسن.
رابعًا: القدوة الحسنة، فالشيخ رحمه الله كان مثلًا يُحتَذَى في العلم والعمل، مستقيمًا في دينه وخلقه وفكره، وكانت مهمة دعوة الشيخ توجيهَ الناس وإرشادهم إلى تحقيق الأغراض التالية:
1- العناية بالتوحيد (صلب فيه) بأنواعه الثلاثة: توحيد الربوبية، وتوحيد الألوهية، وتوحيد الأسماء والصفات، واجتهد في تحقيق توحيد الألوهية خاصة؛ إذ كثر فيه الخبط واللبط، فكان له القسط الأكبر والحظ الأوفر، فكتب فيه الكتب وألَّف فيه المؤلفات يلحف تقريره، وهذا إنما يدل على فقه الشيخ؛ إذ إن علم التوحيد أشرف العلوم على الإطلاق، وأنفسُ درَّةٍ في تاج الأديان السماوية، فهو نِياطُ القلوب، وقُوت الأفئدة، وغذاء الأرواح، وقرة العيون، وروح الأعمال، وهو الحياة التي مَن حُرِمَها فهو من جملة الأموات.
2- العناية بالقرآن الكريم، وشَحْذ الهمم إلى الرجوع إلى المراجع الأصلية السلفية في التفسير؛ كتفسير ابن جرير والبغوي وابن كثير.
3- العناية بالسنة النبوية وعلومها، وإنهاض الهمم إلى الرجوع إلى كتب الحديث الصحاح والسنن والجوامع والمسانيد والمعاجم، وغيرها من أمهات الكتب الحديثية وشروحها.
4- العناية بالدليل، ونبذ الرأي ومحض التقليد، وترك التعصب الأعمى للمذاهب، والأخذ من أقوال الأئمة من أئمة المذاهب الأربعة وغيرهم ما وافق الدليل من الكتاب والسنة وما عليه سلف الأمة، مع احترام أقوالهم واجتهاداتهم.
5- العناية بعقيدة الولاء والبراء التي هي أوثقُ عُرى الإيمان.
6- إظهار السنة وقمع البدعة، ومحاربة البدع والمبتدعين والخرافات والمخرفين، فالإمام محمد رحمه الله نَهِيكٌ [قوي] على أهل البدع.
7- محاربة السَّحَرة والكَهَنة والعرَّافين والمُشعوِذين.
ولما كانت دعوة الإمام تهدف إلى تحقيق هذه الأغراض النبيلة أعلى الله منارها، وأذل أعداءها، وأيَّد جيوشها وأنصارها، واطمأنت بها القلوب، ومَن عرَف ما يدعو إليه الإمام أدرك أنه دعا إلى ما دعا إليه رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولو قِسْتَ دعوة الإمام إلى ضدِّها من الدعوات وميَّزت بين الدعوتين وتفكرت - إن كنت ذا نُهْيَة - عرَفت أن دعوة الإمام حق وطمأنينة، وأن الدعوة المضادة باطلة وريبة.
فالضدُّ يُظهِرُ حسنَه الضدُّ ♦♦♦ وبضدِّها تتبيَّنُ الأشياءُ
وقد أثنى على دعوة الشيخ محمد بن عبدالوهاب رحمه الله عالمُ صنعاءَ الشيخ محمد بن إسماعيل الصنعاني رحمه الله في قصيدة له قال فيها:
قِفي واسألي عن عالمٍ حلَّ سوحَها به يَهتدي مَن ضلَّ عن منهجِ الرُّشْدِ محمدٍ الهادي لسنةِ أحمدٍ فيا حبذا الهادي ويا حبذا المَهْدِي وقد جاءَتِ الأخبارُ عنه بأنهُ يُعيدُ لنا الشرعَ الشريفَ بما يُبدِي وينشرُ جهرًا ما طوى كلُّ جاهلٍ ومبتدعٍ منه فوافقَ ما عندي ويعمرُ أركانَ الشريعةِ هادمًا مشاهدَ ضلَّ الناسُ فيها عن الرُّشْدِ فقد سرَّني ما جاءني من طريقِه وكنتُ أرى هذي الطريقةَ لي وحدي |
أبعدَ هذا يبقى شكٌّ أو إشكال في الإمام ودعوتِه؟! وقد تبيَّن صدقُه وإخلاصه كفَلَق الصبح، وظهرت دعوته لها برهان كبرهان الشمس؟!
لا والله وإني أقولها صريحة مدوية: مَن سمعتَه يَطعَنُ في الشيخ وفي دعوته - على علم - فاتهمه على الإسلام، وإذا رأيت مَن يحبه ويحب دعوته فهو صاحب توحيد وسنة.
جهاده وصبره في تبليغ دعوته:
الإمام محمد بن عبدالوهاب رحمه الله أحدُ مَن يُضرب به المثل في الجهاد والصبر في نشر دعوة التوحيد، لقد عاش ما يربو على تسعين سنةً، تلك السنون كبديع العسل حلو أوله حلو آخره، قضاها كلَّها في العلم النافع والعمل الصالح، والدعوة إلى الله، والجهاد في سبيله، بذل نفسه هيِّنة رخيصة في تحقيق التوحيد، وصبر وصابر، فاستحقَّ التقدير ورتبة الإمام، قال الله تعالى: ﴿ وَجَعَلْنَا مِنْهُمْ أَئِمَّةً يَهْدُونَ بِأَمْرِنَا لَمَّا صَبَرُوا ﴾ [السجدة: 24]، لقد ضُيِّقَ على الشيخ منذ بزَغَ فجرُ دعوته الإصلاحية في نَجْد وخارجَها إلا أنه رابطُ الجَأْشِ، أناخته النوائب فما استناخ؛ مثل الأرزة المُجْذِية على الأرض (أي الثابتة)، ومع القدر كالخامة (الغض الرطب من النبات)، ففي العراق مثلًا لما كان يطلب العلم أظهر دعوتَه إلى توحيد الله، ودعا الناس إلى السنة، فما كان من خامن الذكر وبعض علماء السوء وجهلة الناس إلا ان آذَوه حتى خرج من العراق وآبَ إلى وطنه.
وهكذا فعل معه في حريملاءَ حتى آل الأمرُ ببعض السفلةِ أن تأبَّطَ شرًّا، فهم بالفتكِ به، فلطف الله بالإمام، وارتحل إلى العُيَيْنَة، ودعا فيها إلى التوحيد، فلما ذاع صيته أمر أمير الأحساء وتوابعها أمير العُيَيْنَة بقتله، فتلطَّف أميرُ العُيَيْنَة، وطلب من الشيخ أن يخرج من بلده، وما أصعبَها على النفس، ولكن عند الصباح يحمدُ القومُ السُّرى، كل هذه الضغوط القاسية، والعراقيل الصعبة، والتصرفات العدائية العنيفة المرة، لم تثخن الشيخ أو تُعِقْ حركتَه الدعوية، ولم تضعف همته أو تثنِ عزيمته داعية مرير.
جهش الشيخ إلى الدرعية وتكلَّلَتْ رحلته بالنجاح، التقى هناك بالإمام محمد بن سعود رحمه الله وكان لتلك المرأة النَّجُودِ[1] - أعني زوجة الإمام محمد بن سعود - دورٌ في انعقاد ذلك اللقاء.
وحصلت المبايعة بينهما على الجهاد والنُّصْرةِ، أخذا الأمر بقوة، اجتمع العلم والبيان، والسيف والسِّنان، فشَكَّلتْ رياحًا لا يَدَانِ لأحد بصدِّها، لقد جاهدا وثابرا وصبرا حتى مكَّن الله لهما في الأرض، وقامت دولة الإسلام على أكتافهما، دولةٌ يحسبُ حسابها كل أحدٍ، وامتدَّ نفوذها من البحر الأحمر غربًا إلى الخليج العربي شرقًا، ومن الشام شمالًا إلى اليمن جنوبًا، وعُرِفت باسم (الدولة السعودية الأولى).
وأما أولئك المعادون لدعوة الشيخ المعتدون عليه، فأخملهم الله، فثلت عروشهم، وزال ملكهم، ﴿ فَاعْتَبِرُوا يَا أُولِي الْأَبْصَارِ ﴾ [الحشر: 2].
أمرتُك أمرًا جازمًا فعصَيْتَني ♦♦♦ فأصبحتَ مسلوبَ الإمارةِ نادمًا
[1] أي ذات الرأي.
مؤلفات الإمام محمد بن عبدالوهاب
ألفَّ الشيخ الكتب الكثيرة المفيدة، الدالة على سَعَة علمه واستطلاعه وقوة استنباطه، معتنيًا بالدليل، ناقلًا آراء العلماء العاملين والأئمة المجتهدين، وعُنِي بالمختصرات النافعة الدالة على الحق، بألطف إشارة وأحسن عبارة، فألَّف في التفسير والحديث والتوحيد والفقه والسيرة، وغير ذلك من الفنون، إلا أنه رئم [لزم وأحب] علمَ التوحيدِ، فصار شغلَه الشاغل، أرخى لقلمه العنان في بيانه، ووقف نفسَه وصبَّ عُصارةَ أفكاره في تحقيقه وتوضيحه، بسبب حاجة الناس إلى معرفته، فأتى بما يسرُّ الناظرين ويثلج صدور المتبعين.
قد عَرَفْناكَ باختيارِكَ إِذْ كا ♦♦♦ ن دليلًا على اللبيبِ اختيارُهْ
وكان من تلك المؤلفات والرسائل الكثيرة:
1- كتاب التوحيد الذي هو حق الله على العبيد، (وهو من أهم كتب الشيخ، وقد اشتمل على (66) بابًا، أولها: باب فضل التوحيد وما يكفر الذنوب)، ولعظيم قدره وُجِدَ ما يَربُو على عشرين شرحًا له.
2- الأصول الثلاثة (التي هي معرفة العبد ربَّه، ودينَه، ونبيَّه محمدًا صلى الله عليه وسلم).
3- مسائل الجاهلية؛ (المسائل التي خالف فيها رسول الله صلى الله عليه وسلم ما عليه أهل الجاهلية، وقد بلغت 120 مسألة).
4- كشفت الشبهات؛ (الشبهات التي أوردها أهل البدع لصد الناس عن الدعوة إلى الحق، أجاب عنها الشيخ بما يشفي العليل ويروي الغليل).
5- مفيد المستفيد بكفر تارك التوحيد.
6- القواعد الأربع.
7- فضائل الإسلام.
8- فضل القرآن.
9- آداب المشي إلى الصلاة.
10- مجموع في الحديث على أبواب الفقه؛ اشتمل على ما يقارب (4600) من الأحاديث والآثار معزوَّة إلى مصادرها.
11- وله كتاب أحاديث في الفتن والحوادث؛ اشتمل على (200) حديث.
12- أصول الإيمان؛ اشتمل على (142) حديثًا.
13- الكبائر؛ اشتمل على (258) حديثًا.
وهذا دليل عناية الشيخ الفائقة بالأحاديث والآثار.
14- للشيخ تفسير لبعض سور القرآن وبعض آياته.
15- مختصر زاد المعاد.
16- مختصر السيرة.
17- مختصر الإنصاف والشرح الكبير.
وذكروا له العديد من المختصرات، والكثير من المؤلفات والرسائل والأجوبة، شهدت بفضل الشيخ ونالت إعجاب القريب والبعيد.
فهذِيْ تصانيفُ الإمامِ شهيرة ♦♦♦ مُدوَّنة معلومة لذوي الرشد
وقد قامتْ جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية مشكورةً بجمع ما تيسَّر من مؤلفات الشيخ ورسائله المخطوطة والمطبوعة، وحقَّقتها وطبعتها في مجموع واحد بلغ عدة مجلدات يمكن الحصول عليها.
أصول أقواله وفتاويه:
أقوال الشيخ وفتاويه مبنيَّة على أصول ثابتة، لا على منامات وحكايات، ولا على تُرَّهات لا تُسمِنُ ولا تغني من جوع، كتلك الترهة التي لجأ إليها بعض البُلداءِ والبطَّالين يَخْدَعُ بها الطَّغامَ وأوغاد الناس (حدثني قلبي عن ربي)، بل أصوله التي بنى أقواله وفتاويه عليها أصول الأئمة السابقين والعلماء المجتهدين؛ أهمها:
1- النصوص - الكتاب والسنة وإجماع المسلمين - فإذا وجد النص قال بموجبه، ولم يلتفت إلى ما خالفه ولا مَن خالفه.
2- فتاوى الصحابة.
وهذه الأصول هي الأصول العلمية الشرعية؛ كما قال ابن القيم.
العلمُ قال اللهُ قال رسولُهُ ♦♦♦ قال الصحابةُ هم أولو العِرْفَانِ
ولما كان الشيخ محمد معتنيًا بالكتاب والسنة وأقوال سلف الأمة، واستدلالاته تكون دائمًا بالآيات والأحاديث والآثار - نجح في دعوته، وأقبل الناسُ عليها زَرافاتٍ ووحدانًا.
أسباب عداوته:
لقد تأملت أحوال خصوم الشيخ ودعوته، والدواعي الباعثة لتلك العداوة العاصفة، فإذا هي تدور على محاور ستة رئيسة، هي في الحقيقة الداء العضال:
أيُّها المُصلِحُ من أخلاقِنا ♦♦♦ أيُّها المُصلِحُ فالدَّاءُ هُنَا
هذه المحاور أذكرها باختصار:
1- الحسد: وهذا الصنف من الأعداء سلفُهم إبليس؛ حيث حمله الحسدُ لآدم عليه السلام أن عصى ربَّه ولم يتمثَّل أمرَه.
2- العلوُّ والاستكبار: وهذا الصنف من الأعداء سلفُهم فرعون؛ حيث حمله الظلم والعلو في الأرض والخوف السياسي أن جحد الحق وضادَّ موسى عليه السلام في دعوته.
3- الهوى: وهذا الصنف من الأعداء سلفُهم أُميَّة بن أبي الصَّلْت؛ حيث اتَّبع هواه، قال ابن كثير: لم ينتفع بعلمه؛ فإنه أدرك زمان رسول الله صلى الله عليه وسلم وبلغته أعلامُه وآياتُه ومعجزاته، وظهَرت لكل مَن له بصيرة، ومع هذا اجتمع به ولم يتَّبِعْه، وصار إلى موالاة المشركين ومناصرتهم وامتداحهم، ورثى أهل بدر من المشركين بمرثاة بليغة قبَّحه الله[1]!.
4- العِناد: وهذا الصنف من الأعداء سلفُهم اليهود المغضوب عليهم؛ حيث علِموا بصدق محمد صلى الله عليه وسلم، ولكن عاندوا وكابروا.
5- المحبة الدينية: وهذا الصنف من الأعداء سلفُهم كفار قريش؛ حيث منعهم دينُ آبائهم وما أَلِفُوه من الضلالات والشركيَّات من اتباع محمد صلى الله عليه وسلم.
6- الجهل بحقيقة الأمر: وهذا الصنف من الأعداء سلفُهم النصارى الضالُّون؛ حيث عبدوا اللهَ على جهل.
والحقيقة التي نكشف اللِّثام عنها - شفقة وتذكيرًا - لكل خصم لدعوة الشيخ، تتجلى في الأحرف التالية:
أيها الخصيم، إن خصوم الشيخ منذ بزغ بدر دعوته إلى هذا اليوم كُثُر، وقد أعياهم حجب ذلك النور، لماذا؟ لأن الصراع دار على حلبة الدين الربَّاني يحاربون الله، وليس الصراع دائرًا في حضيرة المكايدة الشخصية الذاتية يصارعون ابن عبدالوهاب، ﴿ وَاللَّهُ غَالِبٌ عَلَى أَمْرِهِ ﴾ [يوسف: 21]، لا يَغْلِبُه مُغالب فاربع على نفسك.
يا ناطحَ الجبلِ العالي ليُوهِنَهُ ♦♦♦ أَشْفِقْ على الرأسِ لا تُشفِقْ على الجَبَلِ
ومن اللطائف: أن أحد أئمة المساجد بإحدى الدول، كان كثيرَ الطَّعْنِ في الشيخ محمد بن عبدالوهاب رحمه الله - علنًا - بعد الصلاة، وذات يوم كان أحد السلفيِّين حاضرًا من جملة المأمومين، فسَمِعَ تلك الشتائمَ، وكان في حوزته كتاب التوحيد للشيخ محمد بن عبدالوهاب، فعمد إلى الغلاف ونزعه؛ كيلا يطلع هذا الإمام على اسم الشيخ، ثم قام بعرضه عليه كالمستشير له في مادته، فأثنى الإمام على الكتاب وما فيه وأعجب به أيَّما إعجاب، فقال السلفي: هذا كتاب الشيخ محمد بن عبدالوهاب، فتعجَّبَ الإمامُ وعاد إلى رشده وصوابه.
وإني على يقين تام أن كل مَن قرأ كتب الشيخ متجرِّدًا عما عَلِق في ذهنه من الشوائب والرواسب الدخيلة، مستخدمًا عقليَّتَه السليمةَ، مستعملًا فطرتَه المستقيمة التي فطره الله عليها - سيجِدُها كتبًا قيِّمة، تقرر التوحيد الذي من أجله خلق الله الإنس والجن، وتُحذِّرُ من الشرك ووسائله، فيا عبد اللهِ، النفس واحدة، لا تأخير ولا رجعة، والجزاء عظيم إما نار وإما جنة، فما دمت في دار المهلة والعمل، فاصنع كما صنَعَ الطُّفَيلُ بن عمرو الدَّوسيُّ رضي الله عنه، حين حذَّرتْه قريش ونهَتْه أن يسمع من النبي صلى الله عليه وسلم، عمد إلى أذنيه فحشاها كُرْسُفًا، ثم قال في نفسه: والله إن هذا لَلْعجز، وإني امُرؤٌ ثبت، ما تخفى عليَّ الأمور حسنُها وقبيحُها، والله لأتسمَّعنَّ منه، فنزعتُ الكُرْسفَة، فلم أسمع قطُّ كلامًا أحسن من كلام يتكلم به، فأسلم رضي الله عنه[2]؛ فرفع الله شأنه.
وأنت يا عبد الله، كن أَلْمعيًّا وانزعِ الكُرسُفةَ من عينيك، وتعوَّذْ بالله من رين القلوب، وهوى النفوسِ، اللذين يَصدَّان عن معرفة الحق واتباعه، واقرأْ تلك الكتب القيمة في التوحيد الذي هو حقُّ الله على العبيد، قراءةَ باحث عن الحق بحثَ شحيحٍ ضاع في الترب خاتمُه، قبل أن تتجرَّعَ مرارةَ الندم والأسف، ولاتَ ساعة ندمٍ، فإن الأمر جد خطير.
قال محمد بن كعب في قوله تعالى: ﴿ فَنَادَوْا وَلَاتَ حِينَ مَنَاصٍ ﴾ [ص: 3] يقول: نادَوا بالتوحيد حين تولَّت الدنيا عنهم.
فهذه الدعوة الإصلاحية كسفينة نوح مَن رَكِبَها نجا، ومَن تركها هلك، فالزموها يا عبادَ الله، وخذوا بتعاليمها فعلَ الظَّمآنِ في يوم صائف شديد حره، بالماء البارد العذب الصافي، ﴿ فَسَتَذْكُرُونَ مَا أَقُولُ لَكُمْ وَأُفَوِّضُ أَمْرِي إِلَى اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ بَصِيرٌ بِالْعِبَادِ ﴾ [غافر: 44]، فيا لها من نصيحة لو وجدت آذانًا مُصْغية وقلوبًا واعية، وويل لأقماع القول الذين تَدخُلُ الموعظة الحسنة في أذن وتخرج من الأذن الأخرى، لم ينتفعوا بشيء مما سمعوا
فيا محنةَ الحسناءِ تُهدَى إلى امرئٍ ♦♦♦ ضريرٍ وعنِّينٍ من الوَجْدِ خاليا
[1] ابن كثير: تفسير القرآن العظيم 2 /266.
[2] انظر: سير أعلام النبلاء 1 /345.
مذهب الإمام محمد بن عبد الوهاب
أولًا: وهو أمر بالغ الأهمية:
اعلم أن الشيخ محمد بن عبدالوهاب رحمه الله ينتمي إلى العلم والعلماء، فقد وُصِفَ بالعلم وعُدَّ في العلماء، بل هو محسوب في طبقة الربانيين منهم، وهذا الانتماء العلمي - الذي شاد عليه بناؤُه الدعوي بمعناه الشامل - تمخَّض عنه مزايا سامية وسمات عالية، حظي بها الشيخ، وظهر أثرها على دعوته الإصلاحية؛ فمن تلك المزايا: سلامة المعتقد وصحة المنهج - وحسبك بهما - والبصيرة الدعوية المتضمنة للعلم (فيما يدعو إليه وبحال المدعو، وفي كيفية الدعوة)، واليقين بالحق والعمل به وإيثاره.
ولما باشر الشيخ دعوته عالمًا متأهِّلًا قادرًا على المناظرة، وإقامة الحجج يستطيع أن يفند كل شبهة تعترضه، جاءت دعوته قوية نقية من البدعة والخرافة، بعيدة عن الجهل والحماقة، مما جعل دعوة الشيخ مميزة على دعوة الكثيرين.
لقد نشأ - وخاصة في الأزمنة المتأخرة - دعاة اندفعوا بالعاطفة الدينية، ولكن غلب عليهم الجهل لقلة بضاعتهم العلمية، أو استمالهم الهوى لضعف إيمانهم؛ فلم تخلُ دعوتهم من منهجية منحرفة، وبدعة مقصودة أو غير مقصودة، فعَظُمَتْ بدعوتهم الرَّزيَّةُ، وعمَّت البليَّة، وتضرَّرت الأمة.
ثانيًا: اعلم - رحمني الله وإياك - أنه كما ينبغي على كل عبد أن يبتغي الإسلام دينًا، كذلك ينبغي على كل مسلم أن يبتغي عقيدةَ ومنهج أهل السنة والجماعة مذهبًا في الأمور العلمية العقدية، وفي الأمور العملية الحكمية، وفي الأخلاق والمعاملة.
ولما كان مذهبُ شيخ الإسلام محمد بن عبدالوهاب رحمه الله مذهبَ أهل السنة والجماعة، ونسج دعوته الإصلاحية بأصولهم وأسسهم، حالف دعوته التوفيق.
ثالثًا: المسائل العلمية الفقهية يجوز للمسلم أن يقلِّدَ فيها إمامًا من الأئمة فيما وافق السنة، والمقلد ليس معدودًا من أهل العلم، فالعلم معرفة الحق بدليله، وهذا إجماع حكاه ابن عبدالبر وغيره.
وقال ابن القيم رحمه الله:
العلمُ معرفةُ الهدى بدليلِهِ ♦♦♦ ما ذاك والتقليدُ يستويانِ
ولا حرج على المسلم أن يتفقَّه في المسائل العملية على أحد المذاهب الأربعة المتبوعة المشهورة: (المذهب الحنفي، والمذهب المالكي، والمذهب الشافعي، والمذهب الحنبلي)، ولكنَّ الحقَّ ليس ينحصر فيها، وقد ينشأ الشخص على المذهب السائد في بلده، ويتلقَّى العلم على أصول وكتب ذلك المذهب، ولكن لا يجوز له أن يجعل ذلك المذهب محور الولاء والبراء، ويمتحن الناس عليه، كذلك يجب عليه إذا بلغ معرفة الراجح من المرجوح بالأدلة اتباعُ الدليل؛ لأنه الأصل - وافق مذهبَه أو خالفه - وهذا الاتباع لا يخرجه عن كونه حنفيًّا أو مالكيًّا أو شافعيًّا أو حنبليًّا.
قال الشافعي رحمه الله: أجمَع المسلمون على أن مَن استبانت له سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم لم يَكُنْ له أن يدعَها لقول أحد من الناس.
والشيخ محمد بن عبدالوهاب حنبليُّ المذهب مقتدٍ بإمامه، لكنه لم يقنع بمحض التقليد والجمود، بل بحث وفتَّش، وسار مع الدليل حيث سار، ووقف معه حيث وقف.
المذهب الاعتقادي للإمام محمد بن عبدالوهاب
اعتقاد شيخ الإسلام محمد بن عبدالوهاب رحمه الله اعتقاد أهل السنة والجماعة، يعرف ذلك مَن عاشره، ومَن قرأ كتبه ورسائله، وقد شهِد له بذلك أتباعه والمنصف من أعدائه.
وليس يَصِحُّ في الأذهانِ شيءٌ ♦♦♦ إذا احتاج النهارُ إلى دليلِ
وندع الشيخ يوضِّحُ لنا مذهبه، فما أَعرَبَ عن الشخص مثلُ لسانه وفِعَاله، فأما فِعَال الشيخ، فناطقةٌ بذلك، وأما لسانه، فقد قال: أما ما نحن عليه من الدين، فعلى دين الإسلام، الذي قال الله فيه: ﴿ وَمَنْ يَبْتَغِ غَيْرَ الْإِسْلَامِ دِينًا فَلَنْ يُقْبَلَ مِنْهُ وَهُوَ فِي الْآَخِرَةِ مِنَ الْخَاسِرِينَ ﴾ [آل عمران: 85]، وأما ما دعونا الناس إليه، فندعوهم إلى التوحيد، وأما ما نهَينا الناس عنه، فنهَيناهم عن الشرك[1].
قال مقيده - عفا الله عنه -:
ومَن كان على دين الإسلام الذي ارتضاه الله لنفسه ولعباده، نال من خصائصه وميزاته ومحاسنه الكثيرة التي لا تُعدُّ ولا تحصى بحسب ما كان عليه من الدين، وهذا سر من أسرار نجاح الشيخ في علمه ودعوته، ﴿ اللَّهُ وَلِيُّ الَّذِينَ آَمَنُوا ﴾ [البقرة: 257].
قال ابن القيم رحمه الله:
وجعل أهله - أي الإسلام - هم الشهداء على الناس يوم يقوم الأشهاد؛ لما فضلهم به من الإصابة في القول والعمل والهدى والنية والاعتقاد[2].
وقال الشيخ: عقيدتي وديني الذي أدين الله به، هو مذهب أهل السنة والجماعة، الذي عليه أئمة المسلمين؛ مثل الأئمة الأربعة، وأتباعهم إلى يوم القيامة[3].
وقال في عقيدته التي كتبها بيدِه لأهل القصيم، مطلعها: أُشهِد الله ومَن حضرني من الملائكة، وأُشهدكم: أني أعتقد ما اعتقدَتْه الفرقة الناجية أهل السنة والجماعة...، إلخ.
بَخٍ بَخٍ، يا لها من عقيدة، ما أجملَها وأجلَّها، لولا خشيةُ الإطالة لنقلتُها بحرفها، فراجِعها في مطلع الجزء الأول من الدرر السَّنية[4].
والشيخ طالما تمثل بهذه الأبيات:
بأيِّ لسانٍ أشكُرُ اللهَ إنَّهُ♦♦♦ لذو نعمةٍ قد أعجزَتْ كلَّ شاكرِ
حَبانيَ بالإسلامِ فضلًا ونعمةً♦♦♦عليَّ وبالقرآنِ نورِ البصائرِ
وبالنعمةِ العُظْمَى اعتقادُ ابنِ حنبلٍ♦♦♦عليها اعتقادي يومَ كشفِ السرائرِ[5]
وقال الشيخ عبداللطيف بن عبدالرحمن:
والشيخ رحمه الله لا يُعرَفُ له قولٌ انفرد به عن سائر الأمة، بل ولا عن أهل السنة والجماعة منهم، وجميع أقواله في هذا الباب - أعني ما دعا إليه من توحيد الأسماء والصفات، وتوحيد العمل والعبادات - مُجمَعٌ عليه عند المسلمين[6].
وقال أيضًا:
قد عُرِفَ واشتهر واستفاض من تقارير الشيخ (يعني محمد بن عبدالوهاب) ومراسلاته، ومصنفاته المسموعة المقروءة عليه، وما ثبت بخطه، وعرف واشتهر من أمره ودعوته، وما عليه الفضلاء النبلاء من أصحابه وتلامذته - أنه كان على ما كان عليه السلف الصالح وأئمة الدين أهل الفقه والفتوى، ثم ساق معتقد الشيخ بشيء من التفصيل[7].
وإذا تقرَّر أن شيخ الإسلام محمد بن عبدالوهاب رحمه الله على عقيدة أهل السنة والجماعة وما عليه السلف الصالح، فإن ذلك يعني استفادتَه من خصائص تلك العقيدة وميزاتها الفريدة؛ والتي من أهمها:
• أنها العقيدة التي رضِيَها الله جل وعلا لعباده، وآثار رضاه حسنة على العبد في الدنيا والآخرة.
• أنها سهلة واضحة لا تعقيدَ فيها ولا غموضَ يعتريها، حججها قوية وبراهينها جليَّة.
• أنها عَذْبةُ المَنْبَعِ، قوية المصدر؛ حيث أخذت من الكتاب والسنة على مراد الله ورسوله وفهم السلف الصالح.
• أنها صافية بعيدة عن كدر الأهواء والشبهات، عاصمةٌ لصاحبها من العلوم الأجنبية الشيطانية والمدارس الفلسفية العقلانية.
• أنها سفينة نجاة من الشكوك والأوهام والحيرة والاضطراب والتناقضات.
• أنها من أقوى أسباب الثبات لصاحبها، وحمايته من التحولات والتنقلات.
• أنها طمأنينة القلب وسكينته وراحة البال وسَعَةُ الصدر.
• أنها تربط صاحبها بسلفه الصالح، وتجعله يسير على خطاهم ويقتفي آثارهم، وتطهر قلبه من الغلِّ للذين آمنوا.
• أنها تُهيِّئُ صاحبها لمعالي الأمور، وتُربِّي نفسه على الشجاعة البدنية والقلبية، وتقوِّي حجته، قال الشيخ محمد بن عبدالوهاب: والعامِّي من الموحدين يغلب ألفًا من علماء هؤلاء المشركين[8].
[1] ابن قاسم: الدرر السَّنية 1/95.
[2] ابن القيم: هداية الحيارى ص 24.
[3] ابن قاسم: الدرر السنية 1 /79.
[4] الدرر السنية جمع الشيخ ابن قاسم 1/ 29 فما بعد، وللشيخ صالح الفوزان شرح لها مسجل ومطبوع.
[5] ابن بشر: عنوان المجد 1 /115 - 116.
[6] عبداللطيف آل الشيخ: مصباح الظلام ص 21.
[7] عبداللطيف آل الشيخ: منهاج التأسيس ص 56.
[8] محمد بن عبدالوهاب: كشف الشبهات ص 50 - 51.
المذهب المنهجي للإمام محمد بن عبد الوهاب
نهَجَ الشيخ محمد بن عبد الوهاب في دعوته منهج أهل السنة والجماعة، لا ينازع في هذا إلا جاهلٌ أو مُكابر، لقد كان رحمه الله متمسِّكًا بهَدْي الصدر الأول، جاريًا على مناهجهم، سالكًا سبيلَهم، مقتديًا بهم - نحسبه كذلك والله حسيبه ولا نزكي على الله أحدًا - وقد قال رحمه الله موضِّحًا منهجَه: أُخبِرك أني - ولله الحمد - متبِعٌ، لست بمبتدع[1].
وقد شهِد له بذلك القريب والبعيد، ونجاحُ دعوته دليل صحة منهجه، قال علامة العراق محمود الألوسي رحمه الله (ت: 1342هـ): كان الشيخ محمد بن عبدالوهاب شديدَ التعصُّبِ للسنة، كثير الإنكار على مَن خالف الحق من العلماء[2].
وقال الشيخ محمد بن صالح العثيمين (وهو ابن بَجْدَتِها): طريق الشيخ محمد بن عبدالوهاب رحمه الله وأتباعه، وهو الإمام المجدد، طريقه هي ما كان عليه النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه لمن تتبَّعها بعلم وإنصاف[3].
وإذا تقرر أن الشيخ محمد بن عبدالوهاب رحمه الله على منهج أهل السنة والجماعة، لا بد أن يفوز بمزايا ذلك المنهج وخصائصه وسمات أهله؛ والتي من أبرزها:
• التمسك بالسنة والاجتماع عليها، فهم مُتَّبِعون لا مبتدعون، مجتمعون في الدين لا مختلفون فيه.
• الثبات والاستقرار على الحق، وعدم تقلبهم، قال شيخ الإسلام ابن تيمية: وبالجملة، فالثبات والاستقرار في أهل الحديث والسنة أضعاف أضعاف ما هو عند أهل الكلام والفلسفة.
وقال: والمقصود أن ما عند عوامِّ المؤمنين وعلمائهم أهل السنة والجماعة من المعرفة واليقين والطمأنينة، والجزم الحق، والقول الثابت، والقطع بما هم عليه، أمرٌ لا ينازع فيه إلا مَن سلبه الله العقل والدين.
• اتفاق أهله على أمور العقيدة، وعدم الاختلاف فيما بينهم مهما اختلف الزمان والمكان، وجميع كتبهم المصنَّفة في القديم والحاضر في بيان الاعتقاد على وَتيرة واحدة، كما ذكر ذلك الأصبهاني.
• الاهتمام بمصدرَي التلقي (الكتاب والسنة) من كل وجه، والعناية بهما والإيمان بما فيهما، والعمل على فهم نصوصهما، واستنباط الأحكام منهما، والرد حال التنازع إلى ظاهر الآيات القرآنية والأحاديث النبوية.
• الاقتداء والاهتداء بأئمة الهُدى ومصابيح الدُّجى، بَرْكُ الإسلام [صدره]، وعصابة الإيمان، وتاج التاريخ، أولئك أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم إحدى معجزاته، ودلائل نبوته صلى الله عليه وسلم، أفضل هذه الأمة، وأبرها قلوبًا، وأعمقُها علمًا، وأقلُّها تكلفًا، وأحسنها فهمًا، وأصدقُها إيمانًا، وأعمقُها نصيحة.
• التوسط في كل أمور الدين، فلا غلو ولا جفاء، ولا إفراط ولا تفريط.
• الإنصاف والعدل، والعمل بالضوابط الشرعية في مسألة التكفير والتضليل والتفسيق.
• الحب في الله والبغض في الله، والموالاة فيه والمعاداة فيه، والرابطة الحقيقية التي تربط أفراده الإسلام والسنة.
• النصيحة لله ولكتابه ولرسوله صلى الله عليه وسلم ولأئمة المسلمين وعامتهم.
• الحرص على نشر العقيدة الصحيحة ودين الرسل وتعليم الناس وإرشادهم، والرد على المخالفين وكشف شبهاتهم.
• الشمولية المنهجية؛ حيث نهجوا منهج السلف الصالح في الاعتقاد والعبادة والأخلاق والمعاملة والدعوة إلى الله.
• أنهم الطائفة المنصورة، الذين لا يزالون على الحق ظاهرين، لا يضرُّهم من خذلهم، ولا من خالفهم إلى قيام الساعة.
• أنهم الفرقة الناجية التي نجَتْ في الدنيا من البدع، وتنجو في الآخرة من النار[4].
وإذا عرَفت أن الشيخ محمد بن عبدالوهاب رحمه الله يدين بدين الإسلام، وأنه على اعتقاد أهل السنة والجماعة ومنهجهم، عاضًّا على ذلك بالنواجذ؛ اعتقادًا وعبادة وأخلاقًا ومعاملة، وكانت هذه الأمور إطارَ دعوتِه وطلبِه للعلم - فلا بد أن تحالفَه تلك النَّفحات الإلهية؛ من الهداية في العلم، وحسن القصد، والتوفيق والسداد، والتأييد والنصرة، ونضوج العقل، وحدَّة الذهن، وصفاء التفكير وعبقريَّتِه.
وقد قيل للإمام أحمد رحمه الله: مَن نسأل بعدك؟ قال: عبدالوهاب الورَّاق، قيل له: إنه ليس له اتساع في العلم، قال: إنه رجل صالح مثلُه يُوفَّقُ لإصابة الحق.
وقال عمر بن الخطاب رضي الله عنه: اقربوا من أفواه المطيعين، واسمعوا منهم ما يقولون؛ فإنهم تتجلَّى لهم أمور صادقة.
وقال حذيفة بن اليمان رضي الله عنه: إن في قلب المؤمن سراجًا يُزهِرُ.
قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: فكل مَن استقرأ أحوال العالم وجد المسلمين أحدَّ وأسدَّ عقلًا، وأنهم ينالون في المدة اليسيرة من حقائق العلوم والأعمال أضعافَ ما يناله غيرهم في قرون وأجيال، وكذلك أهل السنة والحديث تجدهم كذلك متمتعين، وذلك لأن اعتقاد الحق الثابت يقوي الإدراك ويصحِّحُه، قال تعالى: ﴿ وَالَّذِينَ اهْتَدَوْا زَادَهُمْ هُدًى ﴾ [محمد: 17]...، إلى أن قال: وهو - يعني الإمام أحمد - إنما نَبُل عند الأمة باتباع الحديث والسنة، وكذلك الشافعي وإسحاق وغيرهما، إنما نبلوا في الإسلام باتباع أهل الحديث والسنة، وكذلك البخاري وأمثاله إنما نبلوا بذلك، وكذلك مالك والأوزاعي والثوري وأبو حنيفة وغيرهم، إنما نبلوا في عموم الأمة وقُبِل قولُهم لما وافقوا فيه الحديث والسنة[5].
[1] ابن قاسم: الدرر السنية 1/79.
[2] الألوسي: تاريخ نجد ص 165.
[3] ابن عثيمين: فتاوى العقيدة ص 436.
[4] وانظر: مقدمة المحقق رضا لكتاب الإبانة لابن بطة 1 /11 - 18 وكتاب وجوب لزوم الجماعة لجمال بن أحمد ص 286 - 290، والموسوعة الميسرة 1 /46 - 50، إشراف الجهني، وعقيدة أهل السنة والجماعة لسعيد القحطاني.
[5] ابن تيمية: الفتاوى 4 /10 - 11.
المذهب الفقهي للشيخ محمد بن عبدالوهاب
درس الشيخ في نشأته العلمية الفقهَ على مذهب الإمام أحمد بن حنبل رحمه الله، (وأحمد هو أحمد) إمام أهل السنة، كان على قدر كبير من العناية بالدليل، وله المسند يبلغ (30000) حديثًا، وقال أبو زُرعة الرازي[1]: كان أحمد يحفظ ألف ألف، فقيل له: وما يدريك؟ قال: ذاكَرته، فأخذت عليه الأبواب.
ومع ذلك فالشيخ محمد لا يتقيَّدُ بالمذهب الحنبلي عملًا وفتوى، بل يأخذ ويرجِّح ما دل عليه الدليل وإن كان خارجًا عنه، قال الشيخ رحمه الله مبيِّنًا مذهبه الفقهي: نحن - ولله الحمد - متبعون لا مبتدعون، على مذهب الإمام أحمد بن حنبل[2].
وإذا تقرر أن الشيخ على مذهب الإمام أحمد بن حنبل، فإن هذا يعني استفادةَ الشيخ من تلك المزايا التي تميز بها المذهب الحنبلي - وكل مذهب من المذاهب الفقهية المعتبرة امتاز بمزايا حسنة - ومن أبرز المزايا المرجوة لمن اعتنق المذهب الحنبلي:
• الاقتداء بواسطة العِقد أحمد بن حنبل إمام المذهب الحنبلي، فالمرء على دين خليله، وأحمد رحمه الله واحدُ عصره، وقريعُ قومه، إمامٌ بلا مدافعة، في العقيدة والتوحيد والحديث والفقه وغيرها، وقد قال الشافعي رحمه الله: أحمد إمام في ثماني خصال: إمام في الحديث، إمام في الفقه، إمام في اللغة، إمام في القرآن، إمام في الفقر، إمام في الزهد، إمام في الورع، إمام في السنة[3].
وقال يحيى بن معين: كان في أحمد خصال ما رأيتها في عالم قطُّ.
• جودة أصوله؛ فإن الإمام أحمد بنى فتاويه ومسائله على خمسة أصول عظيمة: (النصوص، فتاوى الصحابة، الاختيار من أقوال الصحابة إذا اختلفوا، الحديث المرسل، القياس للضرورة[4]، من أجلِها عظُمَتْ نصوصه وفتاواه.
• العناية بالدليل والبعد عن الإغراق في الرأي.
• الاعتصام بالسنة، والإمام أحمد قلَّ ألا تبلغه سُنة، قال شيخ الإسلام ابن تيمية: ولهذا كانوا - يعني الحنابلة - أقل الطوائف تنازعًا وافتراقًا لكثرة؛ اعتصامهم بالسنة والآثار، لأن للإمام أحمد في باب أصول الدين من الأقوال المبينة لما تنازع فيه الناس ما ليس لغيره، وأقواله مؤيدة بالكتاب والسنة واتباع سبيل السلف الطيب[5].
• الأخذ بالراجح في الغالب؛ فإن الإمام أحمد راسخ في العلم واسع الاطلاع، قال شيخ الإسلام ابن تيمية: وأحمد كان أعلم مِن غيره بالكتاب والسنة وأقوال الصحابة والتابعين لهم بإحسان؛ ولهذا لا يكاد يوجد له قول يخالف نصًّا كما يوجد لغيره، ولا يوجد له قول ضعيف في الغالب إلا وفي مذهبه قول يوافق القول الأقوى، وأكثر مفاريده التي لم يختلف فيها مذهبه يكون قوله فيها راجحًا[6].
• الالتزام بمنهج السلف، قال شيخ الإسلام - وكان ضليعًا في المذهب الحنبلي -: والحنابلة اقتفوا أثر السلف، وساروا بسيرهم، ووقفوا بوقوفهم، بخلاف غيرهم[7].
• قلة البدعة في المذهب الحنبلي، قال شيخ الإسلام رحمه الله: وأهلُ البدعِ في غير الحنبليَّة أكثر منهم في الحنبلية بوجوه كثيرة؛ لأن نصوص أحمد في تفاصيل السنة ونفي البدع أكثر من غيره بكثير[8].
• كثرة المسائل العلمية (الاعتقادية الخبرية) والعملية، قال شيخ الإسلام رحمه الله: وكلامه - يعني الإمام أحمد - في هذا أكثر من كلام غيره من الأئمة المشهورين؛ فإن كلام غيره أكثر ما يوجد في المسائل العملية، وأما المسائل العلمية، فقليل، وكلام الإمام أحمد كثير في المسائل العلمية والعملية؛ لقيام الدليل من القرآن والسنة على ذلك[9].
وللمذهب الحنبلي مزايا غير هذه، اكتفيت بغُرَرها.
وفي ختام هذا الفصل أسوق بعضًا من أقوال أهل العلم حول انتماء الشيخ المذهبي، مبتدئًا بنقل ما كتبَتْه يمين نجله العلامة عبدالله بن الشيخ محمد بن عبدالوهاب رحمه الله؛ فقد لخَّص لنا تلخيصًا شافيًا كافيًا عقيدةَ والده - ومَن تبعه - ومنهجه ومذهبه الفقهي، ولا يُنبِّئك مثل خبير، أقتضب من تدوينه هذه السطور.
قال رحمه الله:
مذهبنا في أصول الدين مذهب أهل السنة والجماعة، وطريقتُنا طريقة السلف، التي هي الطريق الأسلم، بل والأعلم والأحكم، ونحن أيضًا في الفروع على مذهب الإمام أحمد بن حنبل، ولا نُنكر على من قلد أحد الأئمة الأربعة، ولا نستحق مرتبة الاجتهاد المطلق، ولا أحد لدينا يدَّعيها، إلا أننا في بعض المسائل إذا صح لنا نصٌّ جليٌّ من كتاب أو سنة غيرُ منسوخ ولا مخصص، ولا معارض بأقوى منه، وقال به أحد الأئمة الأربعة - أخذنا به وتركنا المذهب[10]...، إلى آخر ما قال.
وقال الشيخ عبداللطيف بن عبدالرحمن رحمه الله:
قد تتبع العلماء مصنفاته - يعني الشيخ محمدًا - رحمه الله من أهل زمانه وغيرهم فأعجزهم أن يجدوا فيها ما يعاب.
وأقواله في أصول الدين مما أجمع عليه أهل السنة والجماعة، وأما في الفروع والأحكام، فهو حنبليُّ المذهبِ، لا يوجد له قولٌ مخالف لما ذهب إليه الأئمة الأربعة[11].
وقال الشيخ السهسواني - عن الشيخ وأتباعه -:
مذهبهم في أصول الدين مذهب أهل السنة والجماعة، وطريقتهم طريقة السلف التي هي الطريق الأسلم، بل والأعلم والأحكم، وهم في الفروع على مذهب الإمام أحمد بن حنبل، وهذا ظاهر لمن طالع كتابه (كتاب التوحيد)، وسائر الرسائل المؤلفة للشيخ[12].
وقال محمد رشيد رضا:
قد ذكرت هذه الإشاعات - يعني ما اتُّهم به الشيخ من الاعتقادات والأقوال الباطلة - مرة بمجلس الأستاذ الأكبر الشيخ أبي الفضل الجيزاوي شيخ الأزهر، في إدارة المعاهد الدينية، فاستحضرت لهم نسخًا من كتاب الهدية السنية، فراجعها الشيخ الأكبر وعنده طائفة من أشهر علماء الأزهر، فاعترفوا بأن ما فيها هو عين مذهب جمهور أهل السنة العلماء[13].
بعد هذا التقرير الموجز المفيد بالمنة الإلهية والنعمة الربانية لشيخ الإسلام محمد بن عبدالوهاب رحمه الله المتمثلة فيما يلي:
• الهداية إلى الإسلام.
• الهداية إلى عقيدة السلف الصالح.
• الهداية إلى منهج أهل السنة والجماعة.
• التوفيق إلى العلم النافع.
وبعد:
فالانتماء إلى هذه الأسماء الشرعية مقدَّم على الانتماء إلى غيرها هي أول وغيرها المحل الثاني، وقال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: أهل السنة في الإسلام كأهل الإسلام في الملل، وكذلك أهل السنة أئمتهم خيار الأمة[14].
وقال: أهل السنة يتَّبعون الحق من ربهم الذي جاء به الرسول، ولا يُكفِّرون مَن خالفهم فيه، بل هم أعلم بالحق وأرحم بالخلق، كما وصف الله به المسلمين بقوله: ﴿ كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ ﴾ [آل عمران: 110]، قال أبو هريرة: كنتم خير الناس للناس؛ [البخاري: 4281]، وأهل السنة نقاوة المسلمين، وهم خير الناس للناس[15].
[1] ابن أبي يعلى: طبقات الحنابلة 1/ 6.
[2] ابن القاسم: الدرر السنية 1/ 57.
[3] ابن أبي يعلى: طبقات الحنابلة 1/ 5.
[4] انظر: إعلام الموقعين 1/ 38 - 32.
[5] ابن تيمية: الفتاوى 4/ 166.
[6] ابن تيمية: الفتاوى 20/ 229.
[7] ابن تيمية: الفتاوى 4/ 186.
[8] ابن تيمية: الفتاوى 20/ 186.
[9] ابن تيمية: الفتاوى 6/ 22.
[10] ابن قاسم: الدرر السنية 1/ 226 - 227.
[11] عبدالعزيز العبداللطيف: دعاوى المناوئين ص 23.
[12] السهسواني: صيانة الإنسان ص 546.
[13] محمد رشيد: تعليقاته على كتاب صيانة الإنسان ص 548.
[14] ابن تيمية: الفتاوى 7/ 284.
[15] ابن تيمية: منهاج السنة 5/ 158.
جزيرة العرب
الانتماء الإقليمي
اعلم أيها القارئ:
أولًا: أن الله جل وعلا هو المنفرد بالخلق والاختيار، قال تبارك وتعالى: ﴿ وَرَبُّكَ يَخْلُقُ مَا يَشَاءُ وَيَخْتَارُ مَا كَانَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ ﴾ [القصص: 68]:
خلَق السموات سبعًا، فاختار السماء السابعة.
وخلق الجنان، فاختار جنة الفردوس.
وخلق البلدان والجزر، فاختار بلاد العرب وجزيرة العرب.
وخلق الأقاليم، فاختار مكة والمدينة.
وخلق الأرض، فاختار موضع الكعبة والروضة الشريفة.
وخلق الجبال، فاختار الطور وأُحُدًا والصفا والمروة.
وخلق الأودية، فاختار الوادي المقدَّس طُوى والعقيق.
وخلق الأنهار، فاختار النيل والفرات.
وخلق الأحجار، فاختار الحجر الأسود.
إلى غير ذلك مما هو معلوم مشهور، ولله در القائل:
وما عبَّر الإنسانُ عن فضلِ نفسِهِ ♦♦♦ بمثلِ اعتقادِ الفضلِ في كلِّ فاضلِ
قال الخطابيُّ: قد فضَّل الله بعض الأحجار على بعض، كما فضل بعض البقاع والبلدان، وكما فضل بعض الليالي والأيام والشهور، وباب هذا كله التسليم، وهو أمر سائغ في العقول، جائز فيها غير ممتنع ولا مستنكر[1].
ثانيًا: أن ما ورد في مدح بلد من البلدان أو إقليم من الأقاليم، لا يقتضي خيرية جميع سكانه، والعكس بالعكس، فقد امتدح النبي صلى الله عليه وسلم مكة والمدينة والشام واليمن، ويوجد بها من شرار الناس ما هو معلوم، فقد وجد في المدينة كبير المنافقين عبدالله بن أُبَيِّ ابن سلول، ووجد بمكة فرعون هذه الأمة أبو جهل، ووجد باليمن الكذاب مدعي النبوة الأسود العنسي.
ووجد ببيت المقدس - الأرضِ المباركة - بنو إسرائيل، وقد ارتكبوا أنواع الكفر، وفي المقابل ما جاء في ذم المشرق والعراق، ووجد فيهما من العلماء والفضلاء ما يتعذر حصرُه ويصعب عدُّه، وروي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: ((يخرج ناس من المشرق، فيوطئون للمهدي)) يعني سلطانَه[2].
ثالثًا: أن الشيخ محمد بن عبدالوهاب رحمه الله وأسرته ينتمون إلى العرب نسبًا ولسانًا ودارًا؛ فالجزيرة العربية مسقطُ رأسه ودار إقامتِه ومكان وفاته، (والجزيرة هي الجزيرة)، وفي الوقت ذاته ينتمي إلى نجدٍ وإلى اليمامة، وقد حَظِيَت الجزيرة العربية وأقاليمها باهتمام العلماء والمؤلِّفين؛ حيث أُلِّفت فيها الكثير من المصنفات، وهذا دليل أهميتها الدينية والدنيوية.
جزيرة العرب:
المطلب الأول: تسميتها وأقاليمها وحدودها:
إنما سُمِّيتْ بلاد العرب جزيرة؛ لإحاطة البحار والأنهار بها من جميع أقطارها وأطرافها، فصاروا منها في مثل الجزيرة من جزائر البحر، وجزيرة العرب على خمسة أقسام: تِهامة، والحجاز، ونجد، والعروض - ويقال: اليمامة - واليمن[3].
وتقع الجزيرة العربية في قلب العالم، في الطرف الجنوبي الغربي لقارة آسيا.
ويحدها من الجهات الثلاث: غربًا، وجنوبًا، وشرقًا ثلاثة أبحر: البحر الأحمر (بحر القلزم) غربًا، وبحر العرب جنوبًا، والخليج العربي (بحر البصرة، بحر فارس) شرقًا، وهذا محل اتفاق.
وأما من جهة الشمال، ففي تحديده أقوال متقاربة المعنى، قال ابن تيمية: إلى أوائل الشام، بحيث كانت تدخل اليمن في دارهم، ولا تدخل فيها الشام. اهـ.
والأردنُّ وسوريا والعراق، ليست في محدود أرض العرب (جزيرة العرب)[4].
وقالوا: يبلغ طول جزيرة العرب من الطرف الشمالي إلى الطرف الجنوبي (2500) كيلو مترًا، ويبلغ عَرضها من الطرف الغربي إلى الطرف الشرقي (2000) كيلو مترًا، وكلما اتجهنا جنوبًا في الجزيرة زاد اتساعها من حيث العرض، وتبلغ مساحتها (3056000) كيلو مترًا مربعًا.
المطلب الثاني: خصائصها:
تمتاز جزيرة العرب على غيرها من بلاد الشام بامتيازات كثيرة، وتنفرد بخصائص وأحكام عديدة، نذكر ما تيسر منها على وجه الإجمال والاختصار، وحسبُك من القلادة ما أحاط بالعنق، ومِن السوار ما أحاط بالمِعْصم، فنقول: من مزايا الجزيرة العربية أنها:
• قاعدة الإسلام وعاصمة دُولِه.
• مشرق الإسلام وحرمُه وداره أبدًا.
• مسقط رأس النبي محمد صلى الله عليه وسلم وحاضنته وحاوية جسده الشريف.
قد شرَّفَ الله أرضًا أنتَ ساكنُها ♦♦♦ وشرَّفَ الناسَ إذ سوَّاك إنسانَا
• مكان صحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم، ومكان السابقين الأولين والمهاجرين والأنصار، والعشرة المبشرين بالجنة، وأصحاب بدر، وأُحُدٍ، وبيعة الرضوان.
• مهبط الوحي والقرآن.
• مهد الإيمان.
• مأرِز الإيمان، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((إن الإيمان ليَأْرِزُ إلى المدينة كما تَأْرِزُ الحيَّةُ إلى جُحْرِها)) متفق عليه[5].
• مبدأ انطلاق الدعوة إلى الله، فمنها بعَث رسول الله صلى الله عليه وسلم وخلفاؤه من بعده الدعاةَ إلى الأمصار لدعوة الناس إلى الإسلام والتوحيد الخالص وتعليمهم القرآن وأحكام الدين.
• مبدأ إقامة الجهاد في سبيل الله، فمنها سُيِّرت الجيوش الإسلامية لفتح الأمصار؛ حتى يكون الدين كله لله جل وعلا، وعلى أرضها سُفِك أولُ دمٍ في سبيل الله.
• أهلها هم الذين يُقاتلون في الملاحم، ويقاتلون الدجَّال.
• المكان الأول لمعرفة الأصيل في لغة العرب وثقافتها، ومكان الحركة الفكرية في العصور الإسلامية.
• حاضنة دولة الإسلام الأولى ودار الهجرة - المدينة النبوية - وحاضنة أحب البلاد إلى الله - مكة - والتي بها الكعبة المشرفة، مُتَّجَه المسلمين أجمع في عبادتهم، ولعظيم قدر مكة والمدينة حرَسهما الله من الدجال.
• حاضنة الحرمين الشريفين.
• منبع الأخلاق الحميدة، والصفات الجميلة، ومُرْتَكَضُ[6] الآداب السامية والأنساب العالية.
• أسلم الأقاليم من الأخلاط الاعتقادية والمنهجية والعِرقية.
• ذات الطبيعة الحسنة المتنوعة، والتي لها أثر بالغ ودور هام في صفاء الذهن وعبقرية الفكر، وقد تقدَّم كلام ابن خلدون في التمهيد، فراجِعه.
• موطن العلماء ومحل التقائهم أثناء أداء الحج والعمرة.
• الفائزة بآخر ما عهِده رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى أمته، قالت عائشة رضي الله عنه: كان آخر ما عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم أن قال: ((لا يُترك بجزيرة العرب دينانِ))[7].
واهًا لها ما أطيبَها! ولو لم يرِدْ في فضل الجزيرة العربية إلا قول النبي صلى الله عليه وسلم: ((إن الشيطان قد أَيِسَ أن يعبُده المصلُّون في جزيرة العرب، ولكن في التحريش بينهم))، وقول النبي صلى الله عليه وسلم: ((لأُخرجِنَّ اليهودَ والنصارى من جزيرة العرب حتى لا أدَعَ إلا مسلمًا))[8]، لكفاها شرفًا وفضلًا.
[1] الخطابي: معالم السنن 2/ 165.
[2] ابن ماجه 4088، قال البوصيري مصباح الزجاجة: 1445: "هذا إسناد ضعيف لضعف عمرو بن جابر وابن لَهِيعة".
[3] انظر: معجم البلدان لياقوت الحموي 2/ 137.
[4] انظر: معجم البلدان للحموي 2/ 137 - 138، واقتضاء الصراط المستقيم لابن تيمية 1/ 406، وخصائص جزيرة العرب لبكر أبو زيد ص 17 - 18.
[5] البخاري 1777، ومسلم 147، من طريق عبيدالله، عن خبيب بن عبدالرحمن، عن حفص بن عاصم، عن أبي هريرة رضي الله عنه به.
[6] مرتكض الماء: موضع مَجَمِّه.
[7] أحمد المسند: 6/ 274 - 275: ثنا يعقوب، قال: حدثني أبي، عن ابن إسحاق، قال: فحدثني صالح بن كيسان، عن الزهري، عن عبيدالله بن عبدالله بن عتبة، عن عائشة رضي الله عنها به.
قال الساعاتي الفتح الرباني: 21/ 237: لم أقف عليه بهذا اللفظ من حديث عائشة لغير الإمام أحمد، وهو حديث صحيح ورجاله كلهم ثقات.
[8] الحديث الأول: حديث جابر بن عبدالله رضي الله عنهما، رواه مسلم 2812، وأحمد 3/ 313، والترمذي 1937، والبيهقي في الدلائل 6/ 363، والبغوي في شرح السنة 3525، من طريق الأعمش، عن أبي سفيان عن جابر رضي الله عنه به.
ومعنى الحديث: أن الشيطان قد أيس أن يجتمع أهل الجزيرة على الإشراك بالله تعالى.
والحديث الثاني: حديث عمر بن الخطاب رضي الله عنه، رواه مسلم 1767، وأحمد 1/ 29، وأبو داود 3030، والترمذي 1606، وعبدالرزاق 9985، وابن عبدالبر في التمهيد 1/ 169 - 170، والبغوي في شرح السنة 2756، من طريق أبي الزبير، عن جابر، عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه به.
نجد
الحدود والأهمية
المطلب الأول: حدودها:
قال الشيخ محمود الألوسي: ففي تحديد نَجْدٍ أقوالٌ كثيرة متقاربة المعنى؛ انتهى.
نجد الإقليم: رُقعةٌ عظيمة من جزيرة العرب، يَحدُّها من الشمال مشارف بلاد الشام، ومن الجنوب الربع الخالي، ومن الشرق بلدان الخليج العربي والحدود العِراقية، ومن الغرب سفوح جبال السراة الشرقية، ويقال: كلُّ ما ارتفع عن تِهامة فهو نَجْد.
وقيل: نجد، هو اسم للأرض العريضة التي أعلاها تِهامة واليمن، وأسفلها العراق والشام، وتنقسم إلى: نجد العراق، ونجد الحجاز، ونجد اليمن[1].
وقال الشيخ عبداللطيف بن عبدالرحمن (في رده على المعترض في مسبة بلد الشيخ، وأنها بلد مسيلمة، ونجدة الحروري، والقرمطي والأخيصر وابن عصفور):
أي بلد من بلاد المسلمين لم يقع فيها من المكفِّرات والشرك، وعبادة النيران أو الأوثان، أو البدع المضلَّة ما هو من جنس ما حصل باليمامة أو أفحش - إلى أن قال -: والقرمطيُّ بلاده القطيف والخط، وليس من حدود اليمامة، بل ولا من حدود نجد[2].
المطلب الثاني: أهميتها:
ما ثبت في فضل الجزيرة العربية فهو طائلٌ نجدًا بلا شك؛ لأنها واحدة من أقاليمها، وما ثبت في فضل العرب، وما ثبت في فضل عرب الجزيرة، فهو طائل أهل نجد بلا شك؛ لأنهم من صميم العرب.
لقد عاشت نجد مدنية وحضارة أصيلة متقدمة، وامتازت بجغرافيَّتها وطبيعتها وتاريخها وثقافتها ولسانها وآدابها وأنسابها، وشرف أهلها وتنافسهم في المحمدة والذكر الجميل، لقد أخذتْ بمجامع قلوب الكثيرين، وامتدت إليها أعين الناظرين، وتأمل قول القائل:
أُكرِّرُ طرفي نحوَ نجدٍ وإنني♦♦♦ إليه وإن لم يُدرِكِ الطرفُ أَنْظُرُ
حنينًا إلى أرضٍ كأنَّ ترابَها ♦♦♦ إذا أَمطَرَتْ عودٌ ومسكٌ وعنبرُ
بلادٌ كأنَّ الأقحوانَ بروضةٍ ♦♦♦ ونورِ الأقاحي وَشْيُ بُرْدٍ مُحبَّرُ
وقال آخر:
فيا حبَّذا نجدٌ وطيبُ ترابِه♦♦♦ إذا هضَّبَتْهُ بالعَشيِّ هواضبُه
وريحُ صبا نجدٍ إذا ما تنسَّمتْ ♦♦♦ ضُحًى أو سرَتْ جنْحَ الظلامِ جنائبُه
بأجرعَ مِمْراعٍ كأنَّ رياحَهُ ♦♦♦سَحابٌ من الكافورِ والمِسكُ شائبُه
وقال آخر في سياق المدح:
ألا حبَّذا نجدٌ وطيبُ ترابِه ♦♦♦ وغلظةُ دنيا أهل نجد ودينها
قال الحموي: ولم يذكر الشعراء موضعًا أكثر مما ذكروا نجد وتشوقوا إليها من الأعراب المتضمرة[3].
وقال الشيخ البغدادي محمود شكري الألوسي: إني طالما اشتقت إلى الوقوف على ما اشتملت عليه قطعة نجد من البلاد، وتُقْتُ إلى كشف اللثام عن أحوال سكنتها الكرام الأمجاد، فإن معرفة حقيقة القوم مما خَفِيت على كثير من الناس إلى اليوم.
وقال أيضا: إن نجدًا من أحسن أقطار الأرض العربية، وأعدلها مِزاجًا وأرقها هواءً، وأعذبها ماءً، وأخصبها أرضًا، وأنبتها أزهارًا ونباتًا، أوديته كالرياض، وأغواره كالحياض، ولم يزل الشعراء قديمًا وحديثًا يترنَّمون بذكره، ويَلهجون بوصف بلادِه وقطرِه، ويعطرون الأندية بنشر خزاماه وعطره[4].
وقال أيضًا: أخلاق أهل نجد هي أخلاق العرب المحمودة، وهي: الوفاء، والغِيرة، وصيانة العِرْض، ومحاماة الدخيل، وصدق اللهجة والشجاعة، والفروسية، ومراعاة الحقوق والعهود، والذكاء المفرط، والحلم وسرعة الانتقال، وحسن الخَلق والخُلق، ولغتهم أفصح لغات العرب اليوم على فسادها، ولهجتهم أحسن كل لهجة، وفيهم الشعراء والأدباء والظرفاء والفصحاء[5].
وقال أيضًا: اعلم أن أهل نجد كلَّهم مسلمون موحدون، بل وجميع سكنة جزيرة العرب، وقد دخلوا في الإسلام في العصر الأول عند ظهور أنوار الشريعة الغرَّاء، وهم على عقائد (السلف الصالح)[6].
إلى أن قال: والحاصل أن مذهبهم في أصول الدين مذهب أهل السنة والجماعة، وأن طريقتهم طريقة السلف التي هي الطريق الأسلم، بل الأحكم[7].
إلى أن قال: ثم إنهم يستعينون على فهم كتاب الله بالتفاسير المتداولة المعتبرة، ومن أجلِّها لديهم (تفسير ابن جرير)، ومختصره (لابن كثير)، وكذا (البغوي)، و(البيضاوي)، و(الخازن)، و(الحدادي)، و(الجلالين)، وغيرها[8].
ومن مناقب نجد والجزيرة العربية احتواؤها لقبائل العرب المعروفة، وقد وردَ في معظم تلك القبائل أحاديث خاصة في فضلها ومناقبها، قال الشيخ عبداللطيف بن عبدالرحمن رحمه الله في كتابه الحافل (منهاج التأسيس): وقد جاء في فضل بعض أهلِ نجدٍ - كتميمٍ - ما رواه البخاري عن أبي هريرة رضي الله عنه أنه قال: أحبُّ تَميمًا لثلاث، سمعتهن من النبي صلى الله عليه وسلم: قولُه لما جاءت صدقاتهم: ((هذه صدقاتُ قومي))، وقوله في الجارية التَّميمية: ((أعتقيها؛ فإنها من وَلَد إسماعيل))، وقوله: ((هم أشدُّ أمَّتي على الدجال))، هذا في المناقب الخاصة.
وأما العامة للعرب، فلا شك في عمومها لأهل نجد؛ لأنهم من صميم العرب، وما ورد في تفضيل القبائل والشعوب أدلُّ وأصرحُ في الفضيلة مما ورد في البقاع والأماكن الدالة على فضل الساكن والقاطن[9].
اعتراض والجواب عليه:
تقدم في المحور الثاني اعتراض بعض المناوئين لدعوة الشيخ محمد بن عبدالوهاب رحمه الله بأنه من نجد، وقد ذمَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم نجدًا في حديث ابن عمر رضي الله عنهما السابق ذكره.
وبأنه من المشرق وقد ذمَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم المشرق في حديث أبي هريرة رضي الله عنه المتقدم ذكره أيضًا.
والجواب عن هذين الاعتراضين من وجوه:
الأول: أن البلاد والنَّسَبَ والجنس والجنسيَّة ونحو ذلك، ليست معيارًا في التقييم: لا مدحًا ولا قدحًا، لا صحةً ولا بطلانًا؛ فمكة والمدينة وغيرهما من البلدان ذات المناقب في الإسلام قد يوجد بها مَن يحارب دين الإسلام، ويدعو إلى البدعة والضلالة، والعكس بالعكس.
قال الشيخ عبداللطيف بن عبدالرحمن:
وهل عاب الله ورسوله أحدًا من المسلمين أو غيرهم ببلده ووطنه، وكونه فارسيًّا أو زنجيًّا، أو مصريًّا من بلاد فرعون ومحلِّ كفرِه وسلطنته - إلى أن قال -: بلاد الخليل إبراهيم حران دار الصابئة المشركين عبَّاد النجوم، ودار يوسف دار فرعون الكافر اللَّعين، وسكَنَها موسى بعده وأكابرُ بني إسرائيل، وكذلك مكة المشرَّفة سكنها المشركون وعلَّقوا الأصنام على الكعبة المشرفة، وأخرجوا نبيهم وقاتلوه المرة بعد المرة، أفيستحلُّ مؤمنٌ أو عاقل أو جاهل أن يَلْمِزَ أحد المهاجرين أو من مسلمة الفتح أو مَن بعدهم من المؤمنين بما سلف في مكة؟![10].
وقال الشيخ الألباني رحمه الله:
كون الرجل من بعض البلاد المذمومة لا يستلزم أنه هو مذموم أيضًا، إذا كان صالحًا في نفسه، والعكس بالعكس، فكم في مكة والمدينة والشام من فاسق وفاجر، وفي العراق مِن عالم وصالح[11].
الثاني: لا يلزم من قوله صلى الله عليه وسلم: ((هناك الزلازل...)) الحديث، قصد عين الصقع المعروف باسم: نجد، إذا يحتمل قصد جهة نجد وناحيتها دون عينها، ومع وجود الاحتمال يسقط الاستدلال.
ويقوي الاحتمال رواية: "وأومأ بيده نحو المشرق"، وفي رواية: "فأشار نحو مسكن عائشة، فقال: ((هنا الفتنة - ثلاثًا - من حيث يطلع قرن الشيطان))[12]، ولا أحد - سليم الصدر - يخطر بباله أبدًا أن الإشارة لمسكن عائشة رضي الله عنها، حاشاها، وإنما المقصود قطعًا جهة المشرق.
الثالث: على تقدير أن المقصود بالحديثين أو أحدهما نجدُ الحجاز، فهل يعني ذلك تنزيله على الشيخ محمد بن عبدالوهاب وأتباعه ودعوته؟!
الجواب: لا، وألف لا، لماذا؟ لأن إنزال الحديثين أو أحدهما على الشيخ وأتباعه ودعوته دعوى تفتقر إلى بينة، ولا بينة هنا.
والدَّعاوِي ما لم تُقيموا عليها ♦♦♦ بيِّناتٍ أبناؤُها أدعياءُ
الرابع: ليس في حديث ابن عمر رضي الله عنه غميضةٌ لنجد الحجاز؛ لأن المقصود بنجد في الحديث نجد العراق لا نجد الحجاز، ومَن تتبع طرق الحديث وشواهده، وتدبَّر ألفاظه ورواياته رَوْمًا [طلبًا] لوجه الحديث - اتَّضح له وجهه والمراد منه، بلا إعمال ذهن كبير، وقد أشار الإمام أحمد رحمه الله إلى أهمية جمع الطرق لفهم الحديث.
والحديث، قال البخاري: حدثنا علي بن عبدالله: حدثنا أزهر بن سعد، عن ابن عون، عن نافع، عن ابن عمر رضي الله عنهما قال: ذكر النبي صلى الله عليه وسلم ((اللهم بارك لنا في شامنا، اللهم بارك لنا في يَمَننا))، قالوا: يا رسول الله، وفي نجدنا، قال: ((اللهم بارك لنا في شامنا، اللهم بارك لنا في يَمَننا))، قالوا: يا رسول الله، وفي نجدنا، فأظنُّه قال في الثالثة: ((هناك الزلازل والفتن وبها يطلع قرن الشيطان))[13].
هنا قالوا: (وفي نجدنا)، ورواه الطبراني من طريق عبيدالله بن عبدالله بن عون، عن أبيه به، قالوا: "يا رسول الله، وفي عِراقنا"[14]، ومن طريق عبدالرحمن بن عطاء، عن نافع، عن ابن عمر رضي الله عنهما: فقال رجل: "وفي مشرقنا يا رسول الله"[15].
وجاء من طرق عن توبة العنبري، عن سالم بن عبدالله، عن أبيه رضي الله عنه، فقال رجل: "يا رسول الله، وفي عِراقنا"[16].
وفي طريق زياد بن بيان، قال: حدثنا سالم بن عبدالله به، فقال رجل: "والعراق يا رسول الله"[17]، وللحديث طرق أخرى وشواهد لا تخلو من مقالٍ، فيها التصريح بالعراق.
وجاء من طرق عن ابن عمر رضي الله عنهما داخل الصحيحين وخارجها، قال: رأيت رسول الله يشير إلى المشرق[18].
وروى مسلم: حدثنا ابن نمير: حدثنا إسحاق (يعني ابن سليمان): أخبرنا حنظلة قال: سمعت سالمًا يقول: سمعت ابن عمر رضي الله عنه يقول: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يشير بيده نحو المشرق...، الحديث[19].
وروى الإمام أحمد: حدثنا ابن نمير: حدثنا حنظلة به: رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يشير بيده يؤمُّ العراق[20].
وقاصمة الظهر: ما رواه مسلم من طرقٍ عن ابن فضيل، عن أبيه، قال: سمعتُ سالم بن عبدالله بن عمر رضي الله عنه يقول: يا أهلَ العراق، ما أسألَكم عن الصغيرة، وأركبَكم للكبيرة، سمعت أبي عبدَالله بن عمر يقول: سمعتُ رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: ((إن الفتنة تجيء من ههنا - وأومأ بيده نحو المشرق - من حيث يطلع قَرْنا الشيطان))، وأنتم يضرِبُ بعضكم رقابَ بعض[21].
وبعد جمع روايات الحديث وألفاظه، فهِمنا أن المرادَ بنَجْدٍ والمراد بالمشرق، إنما هو ناحية العراق، والروايات يصدق بعضُها بعضًا، وما احتمل في رواية فسَّرتْه وبينته الرواية الأخرى، وهو إن كان اسم نجد يتناول تلك الرقعة المرتفعة من الأرض، فكل ما ارتفع عن تهامة، فهو نجد، فهي ترعى بنجد وتشرب بتهامة، إلا أنه يفرق بين أطرافها؛ حيث يقال: نجد الحجاز، ونجد العراق، ولكل ناحية طبيعة وتاريخ، قال قيس بن عمرو:
وكنتُ كَذِي رِجْلَيْنِ رِجْلٍ صحيحةٍ♦♦♦ ورِجْلٍ بها ريبٌ من الحَدَثانِ
فأمَّا التي صحَّتْ فأَزْدُ شَنُوءةٍ ♦♦♦ وأمَّا التي شلَّتْ فأَزْدُ عُمَانِ
ثم إن نجد العراقِ هي التي تقع شرق المدينة، قال الخطَّابيُّ: نجدٌ من جهة المشرق، ومَن كان بالمدينة كان نجدُه باديةَ العراق ونواحيها، وهي مشرق أهل المدينة[22].
والمشتهر بالمشرق عند الإطلاق ناحية العراق، قال البخاري: حدثنا موسى بن إسماعيل: حدثنا عبدالواحد: حدثنا الشيباني: حدثنا يسير بن عمرو، قال: قلت لسَهْل بن حُنيف رضي الله عنه: هل سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول في الخوارج شيئًا؟ قال: سمعتُه يقول - وأهوى بيده قِبَل العراق -: ((يخرجُ منه قومٌ يقرؤون القرآن، لا يجاوز تراقيَهم، يَمْرُقون من الإسلام مروق السهم من الرميَّة))[23].
وقال مسلم: حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة: حدثنا علي بن مسهر، عن الشيباني به، وفيه: "وأشار بيده نحو المشرق"[24].
وفي حديث ابن عباس رضي الله عنهما قال: وقَّتَ رسول الله صلى الله عليه وسلم لأهل المشرقِ العقيقَ[25]، والعقيق مِيقاتُ أهل العِراق، ثم إنَّ منشأ كثير من الفِرَق الضالة بالعِراق، ومنها خرجت الحوادث والفتن، وهذا من أعلام نبوته صلى الله عليه وسلم.
وقد ذكر فحول العلماء أن المراد بنَجْد في الحديث نَجْد العراق، قال الشيخ عبدالرحمن بن حسن: الأحاديث التي وردت في ذم نجدٍ؛ كقوله صلى الله عليه وسلم: ((اللهم بارك لنا في يمننا، اللهم بارك لنا في شامنا))، الحديثَ، قيل: إنه أراد نجدَ العراق؛ لأن في بعض ألفاظه: ذكر المشرق، والعراق شرقي المدينة، والواقع يشهد له، لا نجد الحجاز، ذكره العلماء في شرح هذا الحديث، فقد جرى على العِراق من الملاحم والفتن، ما لم يجرِ في نَجْد الحجاز، يعرف ذلك مَن له اطلاع على السير والتاريخ؛ كخروج الخوارج بها، وكمَقْتل الحسين وفتنة ابن الأشعث، وفتنة المختار وقد ادعى النبوة...، وما جرى في ولاية الحجَّاج بن يوسف من القتال وسفك الدماء، وغير ذلك مما يطول عدُّه[26].
وقال الشيخ عبداللطيف بن عبدالرحمن بن حسن رحمه الله: إن المراد بالشرق ونجد في هذا الحديث وأمثاله: هو العراق الذي يحاذي المدينة من جهة المشرق[27].
وقال أيضًا: قوله صلى الله عليه وسلم - لَمَّا قيل له: وفي نَجْدنا - ((ههنا موضع الزلازل والفتن، ومنها يطلع قرن الشيطان))، فالمقصود بها نجد العراق[28] وشرق المدينة، وقد ورد ذلك صريحًا في حديث ابن عمر، ونصَّ عليه الخطابي وغيره[29].
وقال الشيخ السهسواني: المراد بنجد نجد العراق[30].
وقال الشيخ التويجري: إن الروايات الواردة في طلوع قرن الشيطان من المشرق كلُّها عن عبدالله بن عمر رضي الله عنهما، وقد صُرِّح في بعضها أن المراد بالمشرق أرض العراق، فبَطَل بذلك كل ما يتعلق به الملاحدة على أهل الجزيرة العربية[31].
وقال الشيخ حكيم محمد: مقصود الأحاديث أن البلاد الواقعة في جهة المشرق من المدينة المنورة هي مبدأ الفتنة والفساد، ومركز الكفر والإلحاد، ومصدر الابتداع والضلال، فانظروا في خريطة العرب بنظر الإمعان، يظهَرْ لكم أن الأرض الواقعة في شرق المدينة إنما هي أرض العراق فقط، موضع الكوفة والبصرة وبغداد[32].
وقال الشيخ الألباني: بعض المبتدعة المحارِبين للسنة والمنحرِفين عن التوحيد يطعنون في الإمام محمد بن عبدالوهاب مجدِّد دعوة التوحيدِ في الجزيرة العربية، ويحمِلون الحديث عليه باعتباره من بلاد (نجد)، المعروفة اليوم بهذا الاسم، وجهلوا أو تجاهلوا أنها ليست هي المقصودة بهذا الحديث، وإنما هي (العراق)، كما دل عليه أكثر طرق الحديث، وبذلك قال العلماء قديمًا؛ كالإمام الخطابي، وابن حجر العسقلاني، وغيرهما[33].
وقال الشيخ الألباني أيضًا عند لفظة: "ونَجْدنا" - من حديث ابن عمر السابق -: قلت: أي (عِراقنا)، كما في بعض الروايات الصحيحة، وبذلك فسَّره الخطابي والعسقلاني، كما بينتُه في رسالتي (تخريج فضائل الشام: ص 9 - 10 ح8)، خلافًا لما عليه كثير من الناس اليوم، ويزعمون - لجهلهم - أن المقصود بـ(نجد) هو الإقليم المعروف اليوم بهذا الاسم، وأن الحديث يُشير إلى الشيخ محمد بن عبدالوهاب وأتباعه - حاشاهم - فإنهم الذين رفعوا راية التوحيد خفَّاقة في بلاد نجد وغيرها، جزاهم الله عن الإسلام خيرًا[34].
وقال الشيخ السهسواني: وقد ورد الأمر باللحوق بنجد في حديث رأيتُه في زوائد مسند البزار، ولفظه: حدثنا محمد بن عبدالله بن المفضل الحراني: ثنا عثمان بن عبدالرحمن الحرامي: ثنا عبدالرحمن بن ثابت، عن أبي العوام، عن عبدالملك بن مساحق، عن ابن عمر رضي الله عنهما عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((إنكم ستجندون أجنادًا))، فقال رجل: يا رسول الله، خِرْ لي، فقال: ((عليك بالشام، فإنها صفوة الله من بلاده، فيها خيرة الله من عباده، فمَن رغِب عن ذلك، فليلحق بنجدِه، فإن الله تكفَّل لي بالشام وأهله))، قال البزار: لا نعلمه يُروى عن ابن عمر إلا بهذا الإسناد.
وقد ورد في الأحاديث الصحيحة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم غزا قِبل نجد، وبعث سرية قِبل نجد، وبعث خيلًا قبل نجد، فلو لم يكن في أهل نجد خيرٌ ما غزا قبل نجد، فإن الغزو المقصود منه بالذات إسلام أهله...، وقد وقَّتَ رسول الله صلى الله عليه وسلم لأهل نجد قرنَ المنازل...، فلو لم يكن في نجد خير فأيُّ حاجة إلى تعيين الميقات لأهلها...، وقد ورد فضل بني تميم في الحديث، والشيخ - محمد بن عبدالوهاب - منهم وهم من أهل نجد، ثم ساق أحاديث في فضل العرب...، قال: فقد علم من هذه الأحاديث فضل العرب على غير العرب، وقد ورد في الصحيح عن أبي هريرة رضي الله عنه: ((لو كان الإيمان عند الثُّريَّا لنالَه رجال من هؤلاء))؛ [يعني الفرس]، وقد وقع هكذا، فإن كثيرًا من أهل الحديث من أبناء فارس، وإذا أمكن نَيْل جماعة من أهل فارس - الذين هم في الخيرية أدون من أهل نجد التي هي من العرب، وشرهم أزيد من شر أهل نجد - الإيمان، فما ظنُّك بأهل نجد؟[35].
فتبين بما سبق أن نجدًا في حديث ابن عمر رضي الله عنه المقصود بها نَجْد العراق، والعراق وجهتها هي المقصودة بالمشرق في حديث أبي هريرة رضي الله عنه، وقد قال ابن عبدالبر في شرح حديث أبي هريرة: أما قوله: ((رأس الكفر نحو المشرق))، فهو أن أكثر الكفر وأكبره كان هناك؛ لأنهم كانوا قومًا لا كتاب لهم، وهم فارس ومن وراءهم، ومن لا كتاب له فهو أشد كفرًا من أهل الكتاب[36].
وقال الشيخ ابن سحمان رحمه الله: قد كان بلد الشيخ اليمامة، ولم تكن اليمامة مشرق المدينة، بل مشرق المدينة العراق ونواحيه، فاليمامة ليست مشرق المدينة، ولا هي وسط المشرق بين المدينة والعراق، بل اليمامة شرق مكة المشرَّفة[37].
وقال ناصر الدين الحجازي في رده (النفحة) على إفك الإسكندراني: إن الشرق اسم عامٌّ نهايته مطلع الشمس، وقد ظهر منه فتن كثيرة؛ كفتنة جنكيز خان، وهولاكو، ومَن بعده من التتار، واستطال الأمر، وقتلت الألوف المؤلفة من المسلمين، فما الذي حملت على أن تخصه بأولئك المساكين...، إلخ[38].
فإن قيل: العراق لم تُفتَحْ بعد، فكيف يقال: "وفي نجدنا"، "وفي عراقنا"؟
قيل: كذلك الشام لم تُفتح بعدُ، ومع ذلك قال النبي صلى الله عليه وسلم: ((اللهم بارك لنا في شامنا))، فبَطَل بما رأيتَ كلَّ ما تمسك به المعترِضون على دعوة الشيخ، وما هذه الاعتراضات إلا ﴿ كَسَرَابٍ بِقِيعَةٍ يَحْسَبُهُ الظَّمْآَنُ مَاءً حَتَّى إِذَا جَاءَهُ لَمْ يَجِدْهُ شَيْئًا ﴾ [النور: 39]، فلله الأمر من قبل ومن بعد.
[1] انظر: معجم البلدان للحموي 5 / 261 - 265، وتاريخ نجد للألوسي ص 45 - 47، وعلماء نجد لابن بسام 1 / 5، وتاريخ نجد الحديث للريحاني ص 21 - 30.
[2] عبداللطيف آل الشيخ: مصباح الظلام ص 295.
[3] الحموي: معجم البلدان 5 / 262.
[4] الألوسي: تاريخ نجد ص 45، 48.
[5] الألوسي: تاريخ نجد ص 82.
[6] الألوسي: تاريخ نجد ص 85.
[7] الألوسي: تاريخ نجد ص 89.
[8] الألوسي: تاريخ نجد ص 90.
[9] عبداللطيف آل الشيخ: منهاج التأسيس ص 92.
[10] عبداللطيف آل الشيخ: مصباح الظلام ص 295 - 296.
[11] الألباني: السلسلة الصحيحة 5 / 305.
[12] البخاري: 2937.
[13] البخاري؛ الفتح: 13 / 45، ح 7094.
[14] الطبراني في الكبير والأوسط؛ الصحيحة: 5 / 302 - 303، قال الشيخ الألباني: إسناد جيد.
[15] مجمع الزوائد 10 / 34 - 35، وعزاه للطبراني في الأوسط لأحمد، قال: ورجال أحمد رجال الصحيح، غير عبدالرحمن بن عطاء، وهو ثقة، وفيه خلاف لا يضر.
[16] قال الشيخ الألباني - الصحيحة 2246 -: أخرجه يعقوب الفسوي في المعرفة 2 / 746 - 748، والمخلص في الفوائد المنتقاة 7 / 302، والجرجاني في الفوائد 164 / 2، وأبو نعيم في الحلية 6 / 133، وابن عساكر في تاريخ دمشق 1 / 120 من طرق عن توبة العنبري، عن سالم بن عبدالله، عن أبيه به، قال: وهذا إسناد صحيح على شرط الشيخين.
[17] قال الشيخ الألباني: أخرجه الطبراني في المعجم الأوسط 1 / 246 / 1 / 4256، وأبو علي القشيري الحراني في تاريخ الرقة 2 / 20 / 1 - 2، والربعي في فضائل الشام ودمشق 11 / 20، وابن عساكر 1 / 121 - 122...، ثم قال: فالإسناد جيد، ملاحظة: ليس في نسختي للأوسط (عن أبيه)، فيحتمل سقوطها.
[18] البخاري 3105، وأرقامه 2937 ومسلم 2905.
[19] مسلم 2905.
[20] أحمد 2 / 143، قال الشيخ أحمد شاكر (6302): إسناده صحيح، وقال الشيخ التويجري (إيضاح المحجة ص 143): إسناده صحيح رجاله كلهم من رجال الصحيحين.
[21] مسلم 2905.
[22] ابن حجر: فتح الباري 13 / 46 - 47.
[23] البخاري 6535.
[24] مسلم 1068.
[25] ضعيف، رواه أحمد في المسند (شاكر: 3205)، وأبو داود 1740، والترمذي 8329، والبيهقي (الكبرى: 5 / 28)، من طريق وكيع، عن سفيان، عن يزيد بن أبي زياد، عن محمد بن علي بن عبدالله بن عباس، عن ابن عباس رضي الله عنهما به، ويزيد بن أبي زياد ضعيف، وبه أعلَّه المنذري (مختصر السنن: 1665)، قال: وذكر البيهقي أنه تفرد به، وقال ابن الملقن (الإعلام: 6 / 26): فيه مقال، وقال ابن حجر (فتح الباري: 3 / 390): تفرَّد به يزيد بن أبي زياد وهو ضعيف، وقال الترمذي (السنن: 832): هذا حديث حسن، وقال الشيخ أحمد شاكر في تعليقه على المسند (3205): إسناده صحيح، ثم نقل عن ابن القطان أنه قال: هذا حديثٌ أخاف أن يكون منقطعًا.
[26] مجموعة الرسائل والمسائل 4 / 264، نقلًا عن دعاوى المناوئين؛ لعبدالعزيز العبداللطيف ص 185.
[27] عبداللطيف آل الشيخ: منهاج التأسيس ص 93.
[28] نجد: ما أشرف من الأرض؛ أعلاه تهامة واليمن، وأسفله العراق والشام، وأوله من جهة الحجاز ذات عرق، ويقال: نجد الحجاز - وهي موضع الشيخ محمد - ونجد اليمن، ونجد العراق.
[29] عبداللطيف آل الشيخ: مصباح الظلام: ص 235.
[30] السهسواني: صيانة الإنسان ص 548.
[31] التويجري: إيضاح المحجة ص 132 - 133.
[32] حكيم: أكمل البيان ص 16 - 17.
[33] الألباني: السلسلة الصحيحة 5 / 305.
[34] الألباني: مختصر صحيح البخاري 1 / 310 - 311.
[35] السهسواني: صيانة الإنسان ص 550 - 558.
[36] ابن عبدالبر: التمهيد 18 / 142.
[37] ابن سحمان: الأسنة الحداد ص 87.
[38] عبدالعزيز العبداللطيف: دعاوى المناوئين ص 190، وانظر ما ذكره ابن بطال شرح الصحيح: 10 / 44 حول ما سبَّبته الفتنة الخارجة من ناحية المشرق.
حدود اليمامة وأهميتها
المطلب الأول: حدودها:
تقع اليمامة وسط الجزيرة العربية، بين منطقتَي نجد والبحرين[1]، ويحدُّها جنوبًا ما انحدر من مرتفعات جبال السراة من الأودية؛ كوادي (تثليث)، ووادي (بيشة)، ووادي (رنية)، وما يتصل بها من الشِّعاب، ومن الشمال بالرمال الفاصلة بين هذا الإقليم وبين إقليم القصيم نفود الثويرات ونفود المستوي[2].
المطلب الثاني: أهميتها:
قال الشيخ الأحوذي عبدالرحمن بن حسن رحمه الله:
نال تلك البلادَ من الفضل ما نال غيرها من بلاد أهل الإسلام، على أنها تفضل على كثير من البلاد، بالحديث الذي رواه البخاري في صحيحه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال - وهو بمكة - لأصحابه: ((أُرِيتُ دارَ هجرتِكم))، فوصفها، ثم قال: ((فذهب وهلي إلى أنها اليمامة أو يثرب))[3]، ورؤيا النبي صلى الله عليه وسلم هي حق، وكفى بهذا فضلًا لليمامة وشرفًا لها على غيرها، فإن ذَهاب وهله صلى الله عليه وسلم في رؤياه إليها، لا بد أن يكون له أثر في الخير يظهر، فظهر ذلك الفضل بحمد الله في القرن الثاني عشر[4].
وحسبُك في فضل اليمامة أنها إقليم من أقاليم الجزيرة العربية مركز القوة الدينية - قديمًا وحديثًا ومستقبلًا - وفيها يَنشَأُ حماة الحق، الأشداء على الأعداء، أمثال الشيخ محمد بن عبدالوهاب رحمه الله، وهل أبان دجل الدجال إلا رجل من الجزيرة؟! قال النبي صلى الله عليه وسلم: ((يأتي الدجال، وهو محرَّم عليه أن يدخل نقاب المدينة، فينزل بعض السباخ التي تلي المدينة، فيخرج إليه يومئذٍ رجل، وهو خير الناس، أو مِن خيار الناس، فيقول: أشهد أنك الدجال الذي حدثنا رسول الله صلى الله عليه وسلم حديثه))؛ رواه البخاري[5].
وقال الساعاتي تحت حديث عائشة المتقدم: ((لا يُترك بجزيرة العرب دينانِ)): وفيه وجوب إخراج الكفار من هذه الجزيرة مطلقًا عند مالك، وخص الشافعي ذلك بالحجاز، وهي مكة والمدينة واليمامة ومَخاليفها وأعمالها دون اليمن وغيره؛ لأدلة عنده، والله أعلم[6].
وقال الأعظمي: يبدو أن اليمامة كانت تتمتع بهدوء واستقرار ظاهرين، فلقد كانت ملاذًا للعلماء والباحثين.
وقال: في دراستي لمحدِّثي اليمامة، وهم أكثر من مائة وثلاثين رجلًا، فيهم الثقات وفيهم الضعفاء والمتروكون، إلا أنني لم أجد فيما بينهم من اتُّهِم بأية بدعة؛ كالخوارج، والاعتزال، والإرجاء، والقدر، وما أشبه ذلك، اللهم إلا ما ذكر عن عبدالله بن عصم اليمامي؛ حيث قال أبو داود: كان لا يحدث حديثَ السَّقِيفةِ بُغضًا منه لأبي بكر.
وقال: كانت اليمامة إحدى دعائم السنة النبوية من الناحية العلمية[7].
وقال ابن خميس في كتابه (تاريخ اليمامة): أنجبت اليمامة رجالًا في الحديث والسنة، وكان منها مجموعة كبيرة من الصحابة، تعرض هذا الكتاب لعدهم[8].
وعن يزيد بن مَعبد رضي الله عنه قال: وفدتُ على النبي صلى الله عليه وسلم، فسألني عن اليمامة: ((فيمَن العددُ مِن أهلها؟))، فأردت أن أقول في بني عبدالله بن الدُّؤَل، ثم كرِهت أن أكذب نبي الله، فقلت: العدد منهم في بني عُبيد قال: ((صدقتَ، أرض نبتت على شدة ولن تهلِك))، قالوا يا رسول الله: بم ذاك؟ قال: ((بأنهم يعملون بأيديهم ويُؤاكلون عَبيدهم)).
إن نجدًا واليمامة صقعانِ نشأ فيهما الكثير من أئمة اللغة، أرباب الفصاحة والبلاغة، وحل بها فحول الشعراء، الذين يرجع إلى شعرهم لمعرفة الأصيل في اللغة العربية، وسكان نجد واليمامة كانوا على سليقتهم العربية، فأضف هذه النكتة إلى رصيد الفضائل وديوان المناقب الخاص بنجد واليمامة.
اعتراض والجواب عليه:
اعترض بعض المتحاملين على دعوة الشيخ محمد بن عبدالوهاب رحمه الله بأن بلده اليمامة دار مُسيلمة الكذاب.
والجواب: هذا الاعتراض يعبر بذاته عن ضعف حجة الخصم؛ حيث لم يجد هذا المعترض ما يتمسَّك به إلا كخيط العنكبوت، ﴿ وَإِنَّ أَوْهَنَ الْبُيُوتِ لَبَيْتُ الْعَنْكَبُوتِ ﴾ [العنكبوت: 41]، وكم دعوة حقٍّ سترد بمثل هذا الاعتراض؟!
فمكة أحب البقاع إلى الله، وقاعدة البعثة النبوية والرسالة المحمدية صلى الله عليه وسلم، هي أيضًا بلد صناديد قريش؛ كأبي جهل فرعون هذه الأمة، والمدينة مُهاجَر رسول الله صلى الله عليه وسلم، سكنها اليهود، وسكنها رأس المنافقين عبدالله بن أُبيِّ ابن سلول، واليمن بلد مدَّعي النبوة الأسود العنسي، ومصر بلد فرعون مدَّعي الألوهية، والعراق منشأ الخوارج، وهلم جرًّا.
وما معرَّة مسيلمة في جنب تلك المزايا الحسنة لليمامية أحد أقاليم الجزيرة العربية، إلا كتِفْلةٍ في بحر، بل وجود مسيلمة وأمثاله في البلد الطيِّب مقتضى حكمة الله جل وعلا، فمِن تمام الحكمة الابتلاء بمثل هذا ليميزَ الله الخبيث من الطيب، ويظهر فضل تلك البلاد وأهلها على غيرها؛ حيث نفت ذلك الخبث ولم تسمح ببقائه على أرضها.
ثم إن بني تميم - قبيلة الشيخ محمد بن عبدالوهاب - من جملة من أبلَوا بلاءً حسنًا في قتال مسيلمة الكذاب وأتباعه من بني حنيفة وغيرهم.
وقال الشيخ عبدالرحمن بن حسن: الذم إنما يقع في الحقيقة على الحال لا على المحل...، وعلى كل حال، فالذم إنما يكون في حال دون حال، ووقت دون وقت، بحسب حال الساكن؛ لأن الذم إنما يكون للحال دون المحل، وإن كانت الأماكن تتفاضل، وقد تقع المداولة فيها، فإن الله يداول بين خلقه، حتى في البقاع، فمحل المعصية في زمن قد يكون محلَّ طاعة في زمن آخر، وبالعكس...، فلو ذُمَّ نجدٌ بمسيلمة بعد زواله، وزوال مَن يصدِّقُه، لذُمَّ اليمنُ بخروج الأسود العنسي ودعواه النبوة...، وما ضرَّ المدينة سكنى اليهود بها، وقد صارت مُهاجَر رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه، ومعقل الإسلام، وما ذُمَّت مكة بتكذيب أهلها لرسول الله صلى الله عليه وسلم وشدة عداوتهم له، بل هي أحب أرض الله إليه[9].
[1] انظر في إقليم البحرين: معجم البلدان 1 / 346 - 347، وقال حمد الجاسر (لمحات من تاريخ نجد - ابن عربي: ص 186): واسم البحرين يطلق قديمًا على شرق الجزيرة من مرتفعات الصمان غربًا حتى ضفاف الجزيرة شرقًا، ومن عمان جنوبًا إلى كاظمة شمال الكويت، ويدخل فيه جزيرة أوال، التي تعرف الآن باسم البحرين، من قبيل إطلاق اسم الكل على البعض.
[2] انظر: لمحات من تاريخ نجد ابن عربي؛ للجاسر ص 3، وقال ابن خميس (تاريخ اليمامة: 3 / 9): حدود اليمامة ووصفها الطبيعي ضمن زاوية منفرجة، قاعدتها ملتقى الدهناء بالربع الخالي جنوبًا تحت الأفلاج، وخلف البياض نحو الجنوب الشرقي، ويمتد ضلعاها أحدهما الربع الخالي ذاهبًا غربًا، والثاني الدهناء ذاهبة شمالًا، وضمن زاوية أخرى قاعدتها رمل السيَّاريات، مما يلي الأمغر عند طرف جبل مجزَّل من الشمال، ويمتد ضلعاها أحدهما الدهناء مجنبة حتى قاعدة الزاوية الأولى، والآخر رمل الثويرات يمتد مغرِّبًا حتى أطراف القصيم، أو نستطيع أن نقول ضمن هذا المربع وضلعه الغربي وهمي، يخضع لحدود مختلف فيها، فبعضهم يوصِّلها إلى عالية نجد، والبعض الآخر يقف به عند منطقة عرض شمام، وما سامتها جنوبًا وشمالًا، حتى محاذاة ضلعي المربع شمالًا وجنوبًا، هكذا حدود اليمامة من الشرق والشمال، أما حدودها من الغرب، فمختلف فيها لدى علماء المنازل والديار؛ فالبكري يرى أن نجدًا كله من اليمامة، وتوسَّع صاحب بلاد العرب فشمل في تحديدها جزءًا من اليمن وجزءًا من الحجاز وجزءًا من البحرين والعراق والشام...، وتوسط البعض فألحق بجبلها وما يسيل عليه غربًا وشرقًا مناطق الوشم وعرض باهلة شمام والسر، وما حوله هذه المناطق وما سامتها شمالًا وجنوبًا، وحدودها شرقًا بحدود الأحساء.
[3] البخاري 3425، ومسلم 2272، من طريق محمد بن العلاء: حدثنا حماد بن أسامة، عن بريد بن عبدالله بن أبي بردة، عن جده أبي بردة، عن أبي موسى، عن النبي صلى الله عليه وسلم به.
[4] عبدالرحمن بن حسن: بيان المحجة من مجموعة التوحيد 1 / 429.
[5] قال البخاري 6713: حدثنا أبو اليمان: أخبرنا شعيب، عن الزهري: أخبرني عبيدالله بن عبدالله بن عتبة بن مسعود، أن أبا سعيد قال: حدثنا رسول الله صلى الله عليه وسلم، وذكره.
[6] الساعاتي: الفتح الرباني 21 / 237.
[7] الأعظمي: المحدثون من اليمامة ص20،21، 22.
[8] ابن خميس: تاريخ اليمامة 1 / 7.
[9] مجموعة الرسائل والمسائل 4 / 264، نقلًا عن دعاوى المناوئين: لعبدالعزيز العبداللطيف ص185.
الانتماء العرقي
توطئة:
اعلم أيها القارئ:
أولًا: وكما أسلفنا أن الله تبارك وتعالى هو المنفرد بالخلق والاختيار، ﴿ وَرَبُّكَ يَخْلُقُ مَا يَشَاءُ وَيَخْتَارُ مَا كَانَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ ﴾ [القصص: 68].
خلق الملائكة، فاختار جبريل عليه السلام.
وخلق البشر، فاختار الأنبياء، واختار من الأنبياء محمدًا صلى الله عليه وسلم.
وخلق الأمم، فاختار أمة محمد صلى الله عليه وسلم.
وخلق القرون، فاختار القرن الأول.
وخلق أجناس بني آدم، فاختار العرب، واختار من العرب ولد إسماعيل، واختار من ولد إسماعيل قريشًا، ثم اختار مِن قريش بني هاشم، واختار مِن بني هاشم بني عبدالمطلب.
ثانيًا: أن الله جل وعلا قال: ﴿ إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ ﴾ [الحجرات: 10]، فالمسلم أخو المسلم أيًّا كان جنسُه ونسبُه ولسانه ولونه وبلده، وأن الرابطة الحقيقية هي رابطة الإسلام، وتتلاشى معها جميع الروابط العنصرية المناقضة.
ثالثًا: أن التفاضل عند الله جل وعلا إنما هو بالتقوى، وأن الوعد والوعيد على الأعمال لا على الأنساب والأجناس والبلدان ونحو ذلك، قال تعالى: ﴿ يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنْثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ ﴾ [الحجرات: 13]، وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((يا أيها الناس، ألا إن ربكم واحد، وإن أباكم واحد، ألا لا فضلَ لعربي على أعجمي، ولا لعجمي على عربي، ولا لأحمر على أسود، ولا لأسود على أحمر، إلا بالتقوى))[1]، فالزِّنجي اللقيط ابن الزنجيَّة اللقيطةِ إذا كان أتقى لله عز وجل من الهاشمي، كان أكرمَ عند الله جل وعلا.
قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: إذا كان رجل من بني هاشم، ورجل من الناس أو العرب أو العجم، فأفضلهما عند الله أتقاهما، فإن تماثلا في التقوى تماثلا في الدرجة، ولا يفضل أحدهما عند الله لا بأبيه، ولا ابنه، ولا بزوجته، ولا بعمه، ولا بأخيه[2].
وقال أيضًا: أجمع المسلمون على أن مَن كان أعظم إيمانًا وتقوى كان أفضل ممن هو دونه في الإيمان والتقوى، وإن كان الأول أسودَ حبشيًّا، والثاني عَلويًّا أو عبَّاسيًّا[3].
وقال ابن كثير (تحت الآية 13: الحجرات): جميع الناس في الشرف بالنسبة الطينيَّة إلى آدم وحواء عليهما السلام سواء، وإنما يتفاضلون بالأمور الدينية[4].
وقال شيخنا الشيخ عبدالعزيز بن باز (ت: 1420هـ) رحمه الله: الحكم في دين الله أنه لا فضل لأحد منهم على أحد إلا بالتقوى، سواء سمي قبليًّا، أو حضريًّا، أو مولًى، أو أعجميًّا، كلهم على حدٍّ سواء، لا فضل لهذا على هذا ولا هذا على هذا إلا بالتقوى[5].
ولقد أحسن من قال:
لقد رفع الإسلامُ سلمانَ فارسٍ ♦♦♦ وقد وضَع الكفرُ الشريفَ أبا لهب
رابعًا: إن جنس العرب مُقدَّمٌ على جنس العجم، وبعض القبائل أفضل من بعض، وقريش أفضل القبائل، وبنو هاشم أفضل بيتًا، وهذا من حيث الإجمالُ والجنس، لا من حيث الأفرادُ والأعيانُ، فجنس العرب أفضل من جنس العجم، وإن كان بعض أعيان العجم أفضل من كثير من العرب، وبنو هاشم أفضل من غيرهم وإن كان غير الهاشمي ربما يكون أفضل من كثير من بني هاشم، وهكذا دَوالَيْك، فجنس الحاضرة أفضل من جنس البادية، وإن كان بعض أعيان البادية أفضل من كثير من الحاضرة، وجنس الرجال أفضل من جنس النساء، وإن كان بعض أعيان النساء أفضل من كثير من الرجال.
خامسًا: أن الجنس والقبيلة والنسب ونحو ذلك، إذا كانت فاضلة كان ذلك الفضل من دواعي فعل الحسن وترك القبيح، وكان مَظنَّة الخير، غير أنه لا يَلزم من وجوده وجود الخير، ولا من عدمه العدم، فقد يتحقق الخير في الشخص المِلْط الخِلْط [مختلط النسب]، وفلان الساقط بن الماقط بن اللاقط[6]، وقد يتحقق الشر في الحسيب النسيب الشريف جنسًا وقبيلة.
قال شيخ الإسلام ابن تيمية: أهل الأنساب الفاضلة يُظنُّ بهم الخير، ويكرمون لأجل ذلك، فإذا تحقق من أحدهم خلاف ذلك كانت الحقيقة مقدَّمة على المظنة، وأما ما عند الله فلا يثبت على المظانِّ ولا على الدلائل، إنما يثبت على ما يعلمه هو من الأعمال الصالحة، فلا يحتاج إلى دليل، ولا يجتزئ بالمظنة[7].
وقال أيضًا: تعليق الشرف في الدين بمجرد النسب هو حكم من أحكام الجاهلية...، ولهذا ليس في كتاب الله آية واحدة يُمدح فيها أحدٌ بنَسَبِه، ولا يُذم أحدٌ بنسبه، وإنما يمدح بالإيمان والتقوى، ويذم بالكفر والفسوق والعصيان.
وقال: النسب الفاضل مظنَّة أن يكون أهله أفضل من غيرهم...، والمظنة تعلق الحكم بما إذا خفيت الحقيقة أو انتشرت، فأما إذا ظهر دين الرجل الذي به تتعلق الأحكام وعرف نوع دينه وقدره، لم يتعلق بنسبه الأحكام الدينية، ولهذا لم يكن لأبي لهب مزيَّة على غيره لما عُرف كفره، كان أحق بالذم من غيره؛ ولهذا جعل لمن يأتي بفاحشة من أزواج النبي صلى الله عليه وسلم ضعفينِ من العذاب، كما جعل لمن يَقْنُتُ منهن لله ورسوله أجرينِ من الثواب...، فذَوُو الأنساب الفاضلة إذا أساؤوا كانت إساءتهم أغلظ من إساءة غيرهم، وعقوبتهم أشد عقوبة من غيرهم...؛ لأن مَن أكرمه بنعمته ورفع قدره إذا قابل حقوقه بالمعاصي وقابل نعمه بالكفر، كان أحق بالعقوبة ممن لم ينعم عليه كما أنعم عليه[8].
قال مقيده - عفا الله عنه -:
يشهد لما تقدم الواقع، فإن الناس حين تسمع بداعية ضلالة وإمام شر من أسرة شريفة أو بقعة فاضلة، تستنكر ذلك، وقد يصدق استنكارهم؛ حيث يتبين مع إمعان النظر أنه دعي متطفِّل عليها، أو ربيب جهة موبوءة.
وقال سفيان بن عُيَيْنَة: لم يزل أمر الناس معتدلًا حتى نشأ فلان بالكوفة، وربيعة الرأي بالمدينة، وعثمان البتي بالبصرة، فوجدناهم من أبناء سبايا الأمم[9].
سادسًا: يجب الاعتراف بفضل العجم وأيامهم، ودَورهم الكبير في خدمة الإسلام والمسلمين، لقد أبلوا بلاءً حسنًا قديمًا وحديثًا في الدعوة إلى الإسلام ونشر علومه.
قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: قد جاء الكتاب والسنة بمدح بعض الأعاجم، قال الله تعالى: ﴿ هُوَ الَّذِي بَعَثَ فِي الْأُمِّيِّينَ رَسُولًا مِنْهُمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آَيَاتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَإِنْ كَانُوا مِنْ قَبْلُ لَفِي ضَلَالٍ مُبِينٍ * وَآَخَرِينَ مِنْهُمْ لَمَّا يَلْحَقُوا بِهِمْ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ ﴾ [الجمعة: 2 - 3].
وفي الصحيحين عن أبي الغيث، عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: كنا جلوسًا عند النبي صلى الله عليه وسلم فأُنزلت عليه سورة الجمعة ﴿ وَآَخَرِينَ مِنْهُمْ لَمَّا يَلْحَقُوا بِهِمْ ﴾، قال قائل: مَن هم يا رسول الله؟ فلم يُراجِعه حتى سأل ثلاثًا، وفينا سلمان الفارسي، فوضع رسول الله صلى الله عليه وسلم يدَه على سلمان، ثم قال: ((لو كان الإيمان عند الثُّريَّا لناله رجال من هؤلاء))[10].
وقد روى الترمذي عن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم في قوله تعالى: ﴿ وَإِنْ تَتَوَلَّوْا يَسْتَبْدِلْ قَوْمًا غَيْرَكُمْ ﴾ [محمد: 38]، أنهم من أبناء فارس[11]، إلى غير ذلك من آثار رُويت في فضل رجال من أبناء فارس.
ومصداق ذلك ما وجد في التابعين ومَن بعدهم من أبناء فارس الأحرار والموالي؛ مثل الحسن، وابن سيرين، وعكرمة مولى ابن عباس، وغيرهم، إلى مَن وجد بعد ذلك فيهم من المبرزين في الإيمان والدين والعلم، حتى صار هؤلاء المبرزون في ذلك أفضل من أكثر العرب.
وكذلك في سائر أصناف العجم من الحبشة والروم والترك، وبينهم سابقون في الإيمان والدين، لا يُحصَون كثرة، على ما هو معروف عند العلماء؛ إذ الفضل الحقيقي هو اتباع ما بعث الله به محمدًا صلى الله عليه وسلم من الإيمان والعلم باطنًا وظاهرًا، فكل مَن كان فيه أمكن، كان أفضل، والفضل إنما هو بالأسماء المحمودة في الكتاب والسنة؛ مثل: الإسلام، والإيمان، والبر، والتقوى، والعلم، والعمل الصالح، والإحسان، ونحو ذلك، لا بمجرد كون الإنسان عربيًّا، أو عجميًّا، أو أسود، أو أبيض، ولا بكونه قرويًّا، أو بدويًّا[12].
ومما يُنقل هنا ما ذكره ابن الصلاح رحمه الله قال: رُوِّينا عن الزهري قال: قدِمتُ على عبدالملك بن مروان، فقال: مِن أين قدمت يا زهري؟ قلت: مِن مكة قال: فمَن خلَّفت بها يسود أهلها؟ قلت: عطاء بن أبي رباح، قال: فمِن العرب أم من الموالي؟ قال قلت: من الموالي، قال وبم سادهم؟ قلت: بالديانة والرواية، قال: إن أهل الديانة والرواية لينبغي أن يسودوا، قال: فمن يسود أهل اليمن؟ قال قلت: طاوس بن كيسان، قال: فمن العرب أم من الموالي؟ قال قلت: من الموالي، قال: وبم سادهم؟ قلت: بما سادهم به عطاء، قال: إنه لينبغي، قال: فمَن يسود أهل مصر؟ قال قلت: يزيد بن أبي حبيب، قال: فمن العرب أم من الموالي؟ قال قلت: من الموالي، قال: فمن يسود أهل الشام؟ قال قلت: مكحول، قال: فمن العرب أم من الموالي؟ قال قلت: من الموالي عبدٌ نوبيٌّ أعتقَتْه امرأة من هُذيل، قال: فمَن يسود أهل الجزيرة؟ قلت: ميمون بن مِهران، قال: فمن العرب أم من الموالي؟ قال قلت: من الموالي، قال: فمن يسود أهل خراسان؟ قال قلت: الضحَّاك بن مزاحم، قال: فمن العرب أمن من الموالي؟ قال قلت: من الموالي، قال: فمن يسود أهل البصرة؟ قال قلت: الحسن بن أبي الحسن قال: فمن العرب أم من الموالي؟ قال قلت: من الموالي، قال: ويلك! فمَن يسود أهل الكوفة؟ قال قلت: إبراهيم النخعي، قال: فمن العرب أم من الموالي؟ قال قلت: من العرب، قال: ويلك يا زهري! فرجتَ عني، والله لتسودَنَّ الموالي على العرب حتى يخطبَ لها على المنابر والعرب تحتها! قال: قلت: يا أمير المؤمنين، إنما هو أمر الله ودينه، ومَن حفِظه ساد ومَن ضيَّعه سقَطَ[13].
[1] صحيح، قال الإمام أحمد في المسند (5 / 411): ثنا إسماعيل: ثنا سعيد الجريري، عن أبي نضرة: حدثني مَن سمع خطبة رسول الله صلى الله عليه وسلم في وسط أيام التشريق، فقال: وذكره، ورواه ابن حيان أبو الشيخ في التوبيخ والتنبيه 250، من طريق الجريري، عن أبي نضرة، عن أبي سعيد به، وسعيد الجريري تغيَّر حفظه قبل موته إلا أن إسماعيل - وهو ابن عُلَيَّة - أرواهم عنه، وقد سمع منه قديمًا، وصحح إسناده ابن تيمية في اقتضاء الصراط المستقيم 1 / 367، ومرعي بن يوسف في مسبوك الذهب ص53، وقال الهيثمي في مجمع الزوائد 3 / 266: رجاله رجال الصحيح، ورواه أبو نعيم في الحلية 3 / 100، والبيهقي في الشعب 5137، من طريق العلاء بن سلمة البصري، قال: ثنا شيبة أبو قلابة القيسي، عن الجريري، عن أبي نضرة، عن جابر رضي الله عنه، وشيبة مجهول، قال أبو نعيم: غريب من حديث أبي نضرة، عن جابر، لم نكتبه إلا من حديث أبي قلابة، عن الجريري عنه، وقال البيهقي: في هذا الإسناد بعض مَن يجهل، وأشار إلى هذا الطريق ابن تيمية بصيغة التمريض (الاقتضاء: 1 / 368)، وعزاه في الدر المنثور 7 / 579 لابن مردويه، وقال 7 / 580: أخرج ابن مردويه عن سعيد رضي الله عنه، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم وساقه.
[2] ابن تيمية: منهاج السنة النبوية 8 / 221.
[3] ابن تيمية: مجموع الفتاوى 28 / 543.
[4] ابن كثير: تفسير القرآن العظيم 4 / 218.
[5] فتاوى إسلامية: 3 / 165 جمع المسند.
[6] تقول العرب: فلان ساقط بن ماقط بن لاقط، تتسابُّ بذلك؛ فالساقط: عبدالماقط، والماقط: عبداللاقط، واللاقط عبدمعتق.
[7] ابن تيمية: منهاج السنة النبوية 8 / 216.
[8] ابن تيمية: الفتاوى 35 / 230 - 231.
[9] مصباح الزجاجة: رقم 22.
[10] البخاري 4615، مسلم 2546.
[11] انظر: الترمذي عارضة الأحوذي: 12 / 145 - 146، وأشار إلى أن في إسناده مقالًا، قال ابن العربي: وقد روي من طرق كثيرة لم تبلغ منزلة الصحة.
[12] ابن تيمية: اقتضاء الصراط المستقيم 1 / 369 - 370.
[13] ابن الصلاح: علوم الحديث ص 402 - 404.
فضل العرب عامة
حد العرب:
يقول شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: واسم العرب في الأصل كان اسمًا لقوم جمعوا ثلاثة أوصاف:
أحدها: أن لسانهم كان اللغة العربية.
الثاني: أنهم كانوا من أولاد العرب.
الثالث: أن مساكنهم كانت أرض العرب، وهي: جزيرة العرب[1].
فضل العرب:
ويشتمل هذا المطلب على فرعين:
الفرع الأول: العرب عامة.
اعلم - يا رعاك الله - أن العرب رأس وأمة سائدة على جميع الأمم، قال النعمان بن المنذر لكِسرَى بحضرة الوفود: "لا تُقارَن أمةٌ بالعرب إلا فضلتها العرب"، وجنس العرب مقدَّم على جنس العجم بإجماع المسلمين، قال شيخ الإسلام ابن تيمية: "الذي عليه أهل السنة والجماعة: اعتقاد أن جنس العرب أفضل من جنس العجم"[2]، وقال: "العرب أفضل بني آدم كما صحَّ ذلك عن النبي صلى الله عليه وسلم"[3].
وقال: ليس فضل العرب، ثم قريش، ثم بني هاشم، لمجرد كون النبي صلى الله عليه وسلم منهم، وإن كان هذا من الفضل، بل هم في أنفسهم أفضل، وبذلك يثبت لرسول الله صلى الله عليه وسلم أنه أفضل نفسًا ونسبًا، وإلا لزم الدور.
ولهذا ذكر أبو محمد حرب بن إسماعيل الكرماني - صاحب الإمام أحمد - في وصفه للسنة التي قال فيها: هذا مذهب أئمة العلم وأصحاب الأثر، وأهل السنة المعروفين بها، المقتدَى بهم فيها، وأدركت من أدركتُ من علماء أهل العراق والحجاز والشام وغيرهم عليها، فمن خالف شيئًا من هذه المذاهب أو طعن فيها، أو عاب قائلَها، فهو مبتدع خارج من الجماعة، زائل عن منهج السنة وسبيل الحق، وهو مذهب أحمد وإسحاق بن إبراهيم بن مخلد، وعبدالله بن الزبير، والحميدي، وسعيد بن منصور، وغيرهم ممن جالسنا، وأخذنا عنهم العلم، وكان من قولهم: إن الإيمان قول وعمل ونية...، وساق كلامًا طويلًا...، إلى أن قال: ونعرف للعرب حقَّها وفضلها وسابقتها، ونُحبُّهم لحديث رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((حب العرب إيمان، وبُغضهم نفاق))[4]، ولا نقول بقول الشعوبية[5] وأراذل الموالي الذين لا يُحبون العرب، ولا يقرون بفضلهم، فإن قولهم بدعة وخلاف، ويُروَى هذا الكلام عن أحمد نفسه في رسالة أحمد بن سعيد الأصطخري عنه - إن صحت - وهو قوله، وقول عامة أهل العلم[6].
ومما ورد في فضل العرب ما روي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: ((إن الله عز وجل اختار من بني آدم العربَ))، وقال: ((إن الله اصطفى من ولد إبراهيم إسماعيل، واصطفى من بني إسماعيل كِنانة)).
وقال ابن تيمية رحمه الله: "روى الترمذي (3608) أيضًا من حديث الثوري - وساق الإسناد إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم - قال: ((إن الله خلق الخلق، فجعلني في خيرهم، ثم جعلهم فرقتين، فجعلني في خيرهم فرقةً...))، الحديث؛ قال الترمذي: هذا حديث حسن، إلى أن قال ابن تيمية: فالحديث صريح بتفضيل العرب على غيرهم"، وقال سلمان الفارسي رضي الله عنه: نُفضِّلكم يا معشرَ العرب لتفضيل رسول الله صلى الله عليه وسلم إياكم؛ رواه البزار[7]، ولفظ سعيد بن منصور: إن الله عز وجل قد فضَّلكم علينا يا معشر العرب[8].
قال ابن تيمية - عما ورد من النقل في فضل العرب -: وسبب هذا الفضل - والله أعلم - ما اختُّصوا به في عقولهم وألسنتهم وأخلاقهم وأعمالهم؛ وذلك أن الفضل: إما بالعلم النافع، وإما بالعمل الصالح، والعلم له مبدأ؛ وهو قوة العقل الذي هو الفهم والحفظ، وتمام؛ وهو: قوة المنطق، الذي هو البيان والعبارة.
والعرب هم أفهم من غيرهم، وأحفظ وأقدر على البيان والعبارة...، إلى أن قال: وأما العمل، فإن مبناه على الأخلاق، وهي الغرائز المخلوقة في النفس، وغرائزهم أطوعُ للخير من غيرهم، فهم أقرب للسخاء والحلم والشجاعة والوفاء، وغير ذلك من الأخلاق المحمودة، لكن كانوا قبل الإسلام طبيعة قابلة للخير، معطلةً عن فعله...، فلما بعث الله محمدًا صلى الله عليه وسلم بالهدى...، أخذوا هذا الهدى العظيم بتلك الفطرة الجيدة، فاجتمع لهم الكمال بالقوة المخلوقة فيهم، والكمال الذي أنزل الله إليهم[9].
وهذه الخاصيَّة جعلتهم أقربَ الناس لفهم الكتاب والسنة، وأعرفَ الناس بمراد الله ورسوله صلى الله عليه وسلم، وقد تخرَّص قوم في نصوص الكتاب والسنة بسبب العجمة، قال الحسن: أهلكَتْهم العجمةُ؛ يتأوَّلُون القرآن على غير تأويله.
وقال الشافعي رحمه الله: ما جهِل الناس ولا اختلفوا إلا لتركهم لسان العرب، وميلهم إلى لسان أرسطاطاليس.
قال السيوطي: وقد وجدت السلفَ قبل الشافعي أشاروا إلى ما أشار إليه من أن سبب الابتداع الجهل بلسان العرب.
وقد روي عن ابن أبي مُلَيْكةَ: أن عمر بن الخطاب رضي الله عنه أمر ألا يقرأ القرآن إلا عالمٌ باللغة، وأمر أبا الأسود فوضع النحو[10].
وقال الشيخ مرعي بن يوسف: وأما العقل الدال على فضل العرب، فقد ثبت بالتواتر المحسوس المشاهد أن العرب أكثر الناس سخاءً وكرمًا، وشجاعةً ومروءةً، وشهامةً، وبلاغةً وفصاحةً، ولسانهم أتم الألسنة بيانًا وتمييزًا للمعاني جمعًا وفرقًا، بجمع المعاني الكثيرة في اللفظ القليل إذا شاء المتكلم الجمع، ويميز بين كل لفظين مشتبهين بلفظ آخر مختصر، إلى غير ذلك من خصائص اللسان العربي، ومَن كان كذلك، فالعقل قاضٍ بفضله قطعًا على مَن ليس كذلك، ولهم مكارم أخلاق محمودة لا تنحصر، غريزة في أنفسهم، وسجيَّة لهم جُبلوا عليها[11].
وقال ابن فارس: وللعرب حفظ الأنساب، وما يُعلَمُ أحدٌ من الأمم عُني بحفظ النسب عناية العرب...، إلى أن قال: ومما خص الله جل ثناؤه به العرب، طهارتُهم ونزاهتُهم عن الأدناس التي استباحها غيرهم من مخالطةِ ذواتِ المحارم، وهي مَنْقبَةٌ تعلو بجمالها كل مأثرة، والحمد لله[12].
وأشار ابن خلدون إلى تميز العرب، قال: فألوانهم أصفى، وأبدانهم أنقى، وأشكالهم أتمُّ وأحسنُ، وأخلاقهم أبعدُ من الانحراف، وأذهانهم أثقبُ في المعارف والإدراكات، هذا أمر تشهد له التجربة في كل جيل منهم[13].
وقال محمد الطاهر بن عاشور - كلامًا رصينًا - قال: اختار الله تعالى للإرسال بهذه الشريعة رسولًا من الأمة العربية...، ولله تعالى حِكَمٌ جمَّة في أن اختار لهذه الرسالة رجلًا عربيًّا...، وقد قال الله تعالى: ﴿ اللَّهُ أَعْلَمُ حَيْثُ يَجْعَلُ رِسَالَتَهُ ﴾ [الأنعام: 124]...، فالعرب هم حمَلَة شريعة الإسلام إلى سائر المخاطبين بها، وهم من جملتهم، واختارهم الله لهذه الأمانة؛ لأنهم يومئذٍ قد امتازوا من بين سائر الأمم باجتماع صفات أربعٍ لم تجتمع في التاريخ لأمة من الأمم؛ وتلك هي:
• جودة الأذهان.
• وقوة الحوافظ.
• وبساطة الحضارة والتشريع.
• والبعد عن الاختلاط ببقية أمم العالم.
فهم بالوصف الأول أهلٌ لفهم الدين وتلقِّيه، وبالوصف الثاني أهلٌ لحفظه وعدم الاضطراب في تلقيه، وبالوصف الثالث أهلٌ لسرعة التخلُّقِ به؛ إذ هم أقرب إلى الفطرة السليمة ولم يكونوا على شريعة معتَدٍّ بها متماثلة حتى يصمِّمُوا على نصرها، وبالوصف الرابع أهلٌ لمعاشرة الأمم؛ إذ لا حزازات بينهم وبين الأمم الأخرى[14].
وقال محمد رشيد رضا:
كانت العرب ممتازة باستقلال الفكر وسَعَةِ الحرية الشخصية...، كانت العرب ممتازة باستقلال الإرادة في جميع الأعمال...، كانت العرب ممتازة بعزة النفس، وشدة البأس، وقوة الأبدان، وجرأة الجنان...، كانت العرب ممتازة بالذكاء واللوذعيَّة، وكثير من الفضائل الموروثة والكسبيَّة...، كانت العرب قد بلغت أوجَ الكمال في فصاحة اللسان وبلاغة المقال...، فتلك كُبْريَات مزايا الأمة العربية التي أعدَّها الله تعالى بها للبعثة المحمدية والسيادة الدينية والمدنية...، وجملة مزاياهم أنهم كانوا أسلم الناس فطرة - على كون أمم الحضارة كانت أرقى منهم في كل فنٍّ وصناعة - والإصلاح الإسلامي مبنيٌّ على تقديم إصلاح الأنفس باستقلال العقل والإرادة، وتهذيب الأخلاق، وحرية الوجدان على إصلاح ما في الأرض من معدِن ونبات وحيوان.
وبهذا كان الله تعالى يُعدُّ هذه الأمة للإصلاح العظيم، الذي جاء به محمد عليه من الله أفضل الصلاة والتسليم[15].
وقال أبو الحسن الندوي في كتابه (العرب والإسلام): اختار الله العرب للإسلام لخصائص طبيعية ومزايا خلقية ينفردون بها.
وقال: أعتقد أن طبيعة العرب اختمَرتْ مع الدين الإسلامي، وامتزجتْ امتزاجًا لا يَسهُلُ فصلُهم وتجريدُهم عنه.
وقال الشيخ بكر أبو زيد: العرب قوم شِرافٌ، يَزِنون الحياة بغير ما تَزِنُها به أمم البطون والفروج، وموازينهم في الحياة تدور على قطب واحد وهو: المحمدة والذكر الحسن.
قال: ولفاضلِ مزاياهم ظهر الإسلام فيهم، واصطفى الله نبيه ورسوله محمدًا صلى الله عليه وسلم منهم، فكانت النبوَّة من أصلابهم، وترشَّحوا حَمَلة نشرِ الرسالة الأُوَل، وصار اعتقاد فضلهم على غيرهم من أصول الاعتقاد في الإسلام[16].
وفي كتاب (أم القرى: ص 218 - 222)، وعنه في (مجلة المنار: 5 / 861 - 862)، ساقه الشيخ بكر أبو زيد باختصار قليل؛ (خصائص جزيرة العرب: ص 63 - 65) عن الجمعية:
• العرب عمومًا لُغتهم أغنى لغات المسلمين في المعارف، ومصونة بالقرآن الكريم من أن تموت.
• العرب لغتهم هي اللغة العمومية بين كافة المسلمين البالغ عددهم (300) مليون [وعددهم الآن أضعاف ذلك].
• العرب لغتهم هي اللُّغة الخصوصية لمائة مليون من المسلمين وغير المسلمين.
• العرب أقدم الأمم اتباعًا لأصول تساوي الحقوق، وتقارب المراتب في الهيئة الاجتماعية.
• العرب أعرق الأمم في أصول الشورى في الشؤون العمومية.
• العرب أهدى الأمم لأصول المعيشة.
• العرب من أحرص الأمم على احترام العهود عزةً، واحترام الذمة إنسانيةً، واحترام الجوار شهامةً، وبذل المعروف مروءةً.
• العرب أنسب الأقوام لأن يكونوا مرجعًا في الدين، وقدوة للمسلمين؛ حيث كان بقية الأقوام قد اتبعوا هَدْيهم ابتداءً، فلا يأنفون عن اتباعهم أخيرًا؛ انتهى.
قال مقيده - عفا الله عنه -:
هذا باب واسع يطول استقصاؤه، وحسبك مقامًا أن حب العرب والإيمان المطلق - وربما مطلق الإيمان - في قرن فإذا فرط أحدهما تبعه الآخر.
قال شيخ الإسلام - وقد ذكر أحاديث مروية تدل على أن حب العرب من الإيمان وبُغضهم من الكفر -: فقد جعل النبي صلى الله عليه وسلم بُغض العرب سببًا لفراق الدين، وجعل بُغضهم مقتضيًا لبغضه...، إلى أن قال: وهذا دليل على أن بغض جنس العرب، ومعاداتهم كفر أو سبب للكفر، ومقتضاه: أنهم أفضل مِن غيرهم، وأن محبتهم سبب قوة الإيمان[17].
وقال المُناويُّ: إذا أحبهم إنسان - يعني العرب - كان حبهم آيةَ إيمانه، وإذا أبغضهم كان بغضهم علامةَ نفاقه؛ لأن هذا الدين نشأ منهم، وكان قيامه بسيوفهم وهممهم، والظاهر مِن حال مَن أبغضهم أنه إنما أبغضهم لذلك، وهو كفر؛ انتهى[18].
وحَلقة من حِلاق مناقب العرب وفضائلهم أن القرآن نزل بلسانهم، وروي أن كلام أهل الجنة عربي[19].
والنبي محمد صلى الله عليه وسلم بُعث منهم، قال ابن عباس رضي الله عنه: ليس في العرب قبيلة إلا وقد ولدت رسول الله صلى الله عليه وسلم مُضَريها ورَبِيعيها ويَمانيها[20].
وقال القاضي عياض: لم تكن في العرب قبيلة إلا ولها على رسول الله صلى الله عليه وسلم ولادة أو قرابة.
والخلافة والإمامة في العرب.
وهذه الامتيازات مدائح للعرب ونِعْمَتِ المدائحُ، قال جَرير مفتخرًا على الأخطل النصراني:
إن الَّذي حَرَمَ المكارِمَ تغلبًا ♦♦♦ جعَلَ النُّبوَّةَ والخِلافَةَ فِينَا
وقال ذو الرمَّة:
نبيُّ الُهدَى منَّا وكلُّ خَلِيفةٍ ♦♦♦ فهَلْ مِثْلُ هَذا فِي البَرِيَّةِ مَفْخَرُ
وأخرج الطبراني أنه صلى الله عليه وسلم قال: ((إن أقرب الخَلق من لوائي يومئذٍ العرب))[21].
وعن علي بن المديني رواية أن الطائفة المنصورة هم العرب، واستدل بحديث: ((لا يَزالُ أهلُ الغَرْبِ ظاهرينَ على الحقِّ حتى تقوم الساعة))؛ رواه مسلم[22].
قال: والمراد بالغرب الدلو؛ أي العرب؛ لأنهم أصحابها لا يَستَقي بها أحدٌ غيرهم؛ ذكره يعقوب بن شيبة، ونقله عنه صاحب (المشارق)، وغيره[23].
وبما تقدم نُدرِك أن العرب ممتازة بخلال وطِباعٍ وصفات جميلة نبيلة شريفة، تؤهِّلُ أفرادَها وتبني أبناءَها إلى أن يكونوا قادة إصلاح وروَّاد دعوة إلى الله جل وعلا.
وفيما تقدَّم تعبير صادق ولسان ناطق بالمسؤولية العظمى الملقاة بالدرجة الأولى على عواتق العرب، ففي الحديث: "والله يا معشر العرب، لئن لم تقوموا بما جاء به نبيُّكم صلى الله عليه وسلم لَغيرُكم من الناس أحرى أن لا يقوم به"[24].
هذا ما نسعى إلى تحقيقه وغرسه في النفوس، لا التفاخر والتنابز، قال يحيى بن مَعين رحمه الله: ما افتَخَر علينا - يعني الإمام أحمد - قطُّ بالعربية ولا ذكَرها.
قال محمد بن الفضل: قلت له يومًا - يعني الإمام أحمد -: يا أبا عبدالله، بلغني أنك من العرب، فقال: يا أبا النعمان، نحن قوم مساكين.
فانظر إلى هذا الإمام العربي من بني شَيْبانَ، يرجع إلى بكر بن وائل، البطن المعروف، القدوة، لم يفتخر بعِرْقِه، فاقتدوا يا أولي الألباب، وأخرى قالها سلمان الفارسي رضي الله عنه:
أَبِي الإسلامُ لا أبَ لي سِواهُ ♦♦♦ إذا افتَخَروا بقيسٍ أو تَميمِ
[1] ابن تيمية: اقتضاء الصراط المستقيم 1 / 406.
[2] ابن تيمية: اقتضاء الصراط المستقيم 1 / 374 - 375.
[3] ابن تيمية: مجموع الفتاوى 27 / 472.
[4] رواه الحاكم 4 / 87 من طريق معقل بن مالك حدثهم، قال: ثنا الهيثم بن حماد، عن ثابت، عن أنس رضي الله عنه مرفوعًا، وقال: هذا حديث صحيح الإسناد، تعقبه الذهبي، قلت: الهيثم متروك، ومعقل ضعيف، وضعفه السيوطي في الجامع فيض القدير: 3664.
وقال العجلوني كشف الخفاء (رقم 133 - تحت حديث): ((أحِبُّوا العرب لثلاث: لأني عربي، والقرآن عربي، وكلام أهل الجنة عربي))، وردت أخبار كثيرة في حب العرب يصير الحديث بمجموعها حسنًا، وقد أفردها بالتأليف جماعة.
[5] الشعوبية: جمع شُعوبي، وهم مَن ذهب إلى أن لا فضل لجنس العرب على جنس العجم، وهؤلاء يُسمَّون الشعوبية؛ لانتصارهم للشعوب، التي هي مغايِرة للقبائل، كما قيل: القبائل: للعرب، والشعوب: للعجم؛ انظر: اقتضاء الصراط المستقيم 1 / 377.
[6] ابن تيمية: اقتضاء الصراط المستقيم 1 / 375 - 376.
[7] ابن تيمية: اقتضاء الصراط المستقيم 1 / 396 - 397، وجود إسناده، وجود إسناده أيضا ابن ضويان في منار السبيل 2 / 161.
[8] سعيد بن منصور: السنن 1 / 164.
[9] ابن تيمية: اقتضاء الصراط المستقيم 1 / 399 - 401.
[10] انظر: صون المنطق للسيوطي ص15، 22، والاعتصام للشاطبي 1 / 255.
[11] مرعي: مسبوك الذهب في فضل العرب ص40.
[12] ابن فارس: الصاحبي في فقه اللغة العربية ص 43 - 44.
[13] ابن خلدون: مقدمة ابن خلدون ص 87.
[14] محمد الطاهر: مقاصد الشريعة ص 318 - 319.
[15] محمد رشيد: خلاصة السيرة المحمدية ص 4 - 10.
[16] بكر أبو زيد: خصائص جزيرة العرب ص 60، 57.
[17] ابن تيمية: اقتضاء الصراط المستقيم 1 / 388 - 389.
[18] المناوي: فيض القدير 3 / 369.
[19] وأُحِيلُ القارئ الكريم فيما ورد في فضل العرب إلى كتاب: محجة القرب إلى محبة العرب؛ للحافظ أبي الفضل عبدالرحيم بن الحسين العراقي، وكتاب مسبوك الذهب في فضل العرب؛ للشيخ مرعي بن يوسف الكرمي، وكتاب مبلغ الأرب في فخر العرب؛ لأبي العباس الهيتمي، ومَن أحيل على مليء فليحتل.
[20] الصالحي: سبل الهدى 1 / 229 قال: رواه عبد بن حميد، وابن أبي أسامة، وابن المنذر.
[21] مجمع الزائد 10 / 52، وقال عن رجاله بأنهم ثقات، وقال الهيتمي (مبلغ الأرب): ص 25: سنده جيد.
[22] مسلم: 1925.
[23] انظر: إيضاح المحجة ص 101، وإكمال المُعْلم بفوائد مسلم؛ للقاضي عياض 6 / 348.
[24] مسند الإمام أحمد 4 / 102، عن معاوية رضي الله عنه، وأشار الحاكم (المستدرك: 1 / 128)، ومن ثَمَّ الذهبي إلى تقويته، وانظر الصحيحة رقم: 204؛ للشيخ الألباني رحمه الله.
عرب الجزيرة
• عرب الجزيرة هم عرب الجزيرة، ولهم خاصية يتميزون بها عن غيرهم من العرب، ومن مزاياهم ما في كتاب (أم القرى: ص 218 - 222)، وعنه في (مجلة المنار: 5 /861 - 862)؛ ساقه الشيخ بكر أبو زيد باختصار قليل (خصائص جزيرة العرب: ص 63 - 65) عن الجمعية:
• عرب الجزيرة هم مؤسِّسو الجامعة الإسلامية، لظهور الدين فيهم.
• عرب الجزيرة مُستحكمٌ فيهم التخلُّقُ بالدين.
• عرب الجزيرة أعلم المسلمين بقواعد الدين؛ لأنهم أعرقُهم فيه، ومشهود لهم بأحاديث كثيرة بالمتانة في الإيمان.
• عرب الجزيرة أكثر المسلمين حرصًا على حفظ الدين، وتأييده والفخار به؛ خصوصًا والعصبية النبوية لم تزل قائمةً بين أظهرهم في الحجاز، واليمن، وعمان، وحضرموت، والعِراق، وإفريقية.
• عرب الجزيرة لم يزل الدين عندهم حنيفًا، سلفيًّا، بعيدًا عن التشديد والتشويش.
• عرب الجزيرة أقوى المسلمين عصبية، وأشدهم أنَفَةً؛ لما فيهم من خصائص البدوية.
• عرب الجزيرة أمراؤهم جامعون بين شرف الآباء والأمهات والزوجات، فلم تختل عزتُهم.
• عرب الجزيرة أقدمُ الأمم مدنية مهذبة؛ بدليلَي سَعَةِ لغتهم وسموِّ حكمتهم وأدبياتهم.
• عرب الجزيرة أقدرُ المسلمين على تحمل قشف المعيشة في سبيل مقاصدهم، وأنشطهم على التغرب والسياحات؛ وذلك لبعدهم عن الترف المُذلِّ أهلَه.
• عرب الجزيرة أحفظ الأقوام على جنسيتهم وعاداتهم، فهم يخالطون ولا يختلطون.
• عرب الجزيرة أحرص الأمم الإسلامية على الحرية والاستقلال وإباء الضيم؛ انتهى.
وقال الشيخ حمود رحمه الله: إن الذين يقاتلون في الملاحم التي ستكون في آخر الزمان، ويقاتلون الدجال أيضًا، هم العرب من سكان الجزيرة العربية...، ثم ساق الدليل على ذلك[1].
قال ابن جابر في بديعيَّته:
لا خيرَ في المَرْءِ لم يَعْرِفْ حُقوقَهمُ ♦♦♦ لكنَّه مِن ذوي الأهواءِ والتُّهَمِ
قومٌ إذا قيل مَن؟ قالوا نبيُّكُمُ ♦♦♦ منَّا فَهَلْ هذه تُلْفَى لغَيْرهِمِ
يا ليت قومي يعلمون بهذه الخصائص للجزيرة العربية، وبهذه الفضائل والمناقب للعرب بوجه عام، ولعرب الجزيرة بوجه خاص، ويُؤدُّون حقَّها وشكرها وواجبها.
ولا تزال بحمد الله رؤيةُ العالم الإسلامي لهذه الجزيرة ولأهلها رؤيةً حسنة، ويؤمنون بمكارمهم ومكانتهم، فحذارِ حذارِ أن ننسلخ من تلك السجايا والمزايا التي حَبانا الله إياها.
[1] التويجري: إيضاح المحجة ص 105.
المبحث الثاني: قبيلة بني تميم ([1])
لقد حظي هذا المبحث بمزيد من العناية والاهتمام أكثر من غيره من المباحث، وذلك لأسباب؛ منها:
أولًا: ما للتصور التام عن هذه القبيلة من أهمية بالغة؛ لإبطال تلك الشبهات المثارة حول الشيخ ودعوته، نظرًا لانتمائه إلى قبيلة بني تميم.
ثانيًا: من خلال إعطاء الصورة الكاملة عن هذه القبيلة، نتعرف على المعدن النفيس لرموز هذه الدعوة الإصلاحية، وهذا أحد الأسباب (والأساليب الجديدة) إلى محبتهم، ومن ثم قبول دعوتهم.
وقد سلكت في هذا المبحث المنهج التالي:
- استخرجت من بطون الكتب الأحاديث النبوية في فضائل بني تميم، ولممت شعثها، وجمعت شتاتها، وقيدت شواردها، ثم قمت بتصنيفها حسب مواضيعها، ولنكتة كررت بعض الأحاديث، وقدوتي في ذلك إمام المصنفين محمد بن إسماعيل البخاري – رحمه الله تعالى – صاحب هذه الصنعة، فإني قفوت أثره في التكرار.
- خرجت الأحاديث، وحكمت على ما يسر الله لي منها على طريقة المحدثين وما تقتضيه قواعدهم.
- ترجمت لرجال الإسناد ترجمة مختصرة إذا لم يكن الحديث في أحد الصحيحين معتمدًا على (تقريب التهذيب) ([2]) إذا كان وافيًا بالمقصود وإلا رجعت إلى غيره.
توطئة
أولًا: اعلم – يا رعاك الله – أن جميع قبائل العرب لها وزنها وقدرها ومكانتها السامية، إلا أن نسيج وحده هم (بنو هاشم) فلهم ذروة السنام، ويليهم في الشرف قريش، ثم سائر قبائل العرب في طبق واحد سواسية في أصل الشرف كأسنان المشط، سوى جوانب معينة محدودة تفاضلت فيها.
ثانيًا: الإمام محمد بن عبد الوهاب – رحمه الله – كريم النجل، حسيب وسيط في قومه، ولنسبه كسلسلة فضة سطعت بها الشمس، وكشجرة طيبة أصلها ثابت وفرعها في السماء، فمهما حاول أضداد الشيخ إخفاء هذه الحقيقة، دحرتهم تلك النصوص النبوية في فضل قبيلته وشرف معدنه، حالهم:
فهبني قلت هذا الصبح ليل *** أيعمى العالمون عن الضياء
قال محمد بن سرور الهمداني – رادا – ومثنيًا على نسب الشيخ:
له نسب زاك إلى خير أسرة *** ذوائب عدنان ذوي العقل والمجد
سلالة إسماعيل ذاك الذبيح *** خبيث السجايا واحد البكم والبلد
والشيخ ينسب من قبل أبيه وأمه، فيقال: (المشرفي) نسبة إلى جده (مشرف)، فأسرته (آل مشرف)، ويقال: (الوهيبي) نسبة إلى جد أعلى هو (وهيب) جد (الوهبة) الذين هم بطن كبير من بني حنظلة في بني تميم، وينسب فيقال: (التميمي) نسبة إلى أبي القبيلة (تميم)، فالشيخ إذًا منحدر من أصلين عربيين تميميين لا يعرفان التهجين، وهذه الوشيجة لها أثرها الإيجابي في نشأة الشيخ
أمحمد! ولأنت ضنء نجيبة *** في قومها، والفحل فحل معرق
وقبيلة (بني تميم) قبيلة عملاقة تمثل جزءًا كبيرًا ومهمًّا من هيكل هذه الأمة، وقد حظيت – وكثير من القبائل العربية – بحظ وافر من المناقب والفضائل النبوية، والمواقف الربانية:
أولئك قوم بارك الله فيهم *** على كل حال ما أعف وأكرما!
ولقد ألفت في فضائلهم ومناقبهم وأخبارهم وبعض خصائصهم المؤلفات:
إن تميمًا أعطيت تماما *** وأعطيت مآثرًا عظامًا
وعددًا وحسبًا قمقامًا *** وباذخًا من عزها قداما
في الدهر أعيا الناس أن يراما *** إذا رأيت منهم الأجساما
والدل والشيمة والكلاما *** وأذرعًا وقصرًا وهاما
عرفت أن لم يخلقوا طغامًا *** ولم يكن أبوهم مسقاما
لم تر فيمن يأكل الطعاما *** أقل منهم سقطًا وذاما ([3])
دخل الفرزدق على سليمان بن عبد الملك، فقال له: من أنت؟ وجهم له كأنه لا يعرفه!! فقال الفرزدق التميمي: أو ما تعرفني يا أمير المؤمنين؟! قال: لا، قال: أنا من قوم منهم: (أوفى العرب)، و(أسود العرب)، و(أجود العرب)، و(أحلم العرب)، و(أفرس العرب)، و(أشعر العرب)، قال: والله لتثبتن ما قلت أو لأوجعن ظهرك ولأهدمن دارك، قال: نعم يا أمير المؤمنين.
أما (أوفى العرب) فحاجب بن زرارة، الذي رهن قوسه عن جميع العرب فوفى بها، وأما (أسود العرب) فقيس بن عاصم، الذي وفد على رسول الله صلى الله عليه وسلم فبسط له رداءه، وقال: هذا سيد الوبر ([4])، وأما (أحلم العرب) فعتاب بن ورقاء الرياحي، وأما (أفرس العرب) فالحريش بن هلال السعدي، وأما (أشعر العرب) فها أنذا. ([5])
فهذه القبيلة المنجاب جادت على الأمة الإسلامية بالعلماء الأفذاذ، ويكفيها شرفًا ما تمخضه رحمها المبارك في القرن الثاني عشر، حيث أنجبت أئمة الهدى ومصابيح الدجى، حملوا لواء الدعوة السلفية، وجاهدوا من انحرف عن الجادة النبوية، وزاغ عن المحجة المحمدية – على صاحبها أفضل الصلاة وأتم التسليم – على رأسهم شيخ الإسلام محمد بن عبد الوهاب – رحمه الله -، وكتب التراجم والسير طافحة بسيرهم وأخبارهم.
مناقبهم في كل مصر شهيرة *** رسائلهم يغدو بها كل ماهر
وقبيلة (بني تميم) امتازت بمزايا شريفة نبيلة، ومعظم قبائل العرب كذلك، بل من تلك القبائل من جعلها رسول الله صلى الله عليه وسلم خيرًا من بني تميم، ففي حديث أبي هريرة رضي الله عنه، عن النبي صلى الله عليه وسلم، أنه قال: (أسلم وغفار ومزينة، ومن كان من جهينة، أو جهينة، خير من بني تميم وبني عامر، والحليفين، أسد وغطفان). ([6])
قال الحافظ: قبائل كانت في الجاهلية في القوة والمكانة دون بني عامر بن صعصعة، وبني تميم بن مر، وغيرهما من القبائل، فلما جاء الإسلام كانوا أسرع دخولًا فيه من أولئك، فانقلب الشرف إليهم بسبب ذلك. ([7])
مزايا قبيلة بني تميم (1)
وبعد هذا التطريز دونَك في هذه الصفحات أبرز تلك المزايا لبني تميم من مِشكاة سيد ولد آدم صلى الله عليه وسلم، فأقول وبالله التوفيق:
قبيلة بني تميم:
• تميزت بإسلامها وجهادها مع النبي صلى الله عليه وسلم، وقد قدِم وفدُ بني تميم على النبي صلى الله عليه وسلم كما سيأتي، وحَظِيَ بصحبته الصحبة العامة والخاصة الكثير، وبرز منهم عددٌ لا يستهان به، وفيهم - وليس بالقليل - مَن هم من أعيان الصحابة ووجهائهم؛ كما هو مبين في كتب السير والتراجم، فازدادت شرفًا على شرف.
وقد تقاسمت القبائل حصصَها من الشرف حسب سابقتِها إلى الإسلام واتِّباعها لمحمد عليه الصلاة والسلام.
• تميزت بأنها من ولد إسماعيل عليه السلام.
همُ نَسْلُ إسماعيلَ صادق وعدِهِ ♦♦♦ فما بعدَه في الفَخْرِ مسعًى لذاهبِ
فـ(تميم)، أصل القبيلة هو: تميم[1] بن مر بن أُد بن طابخة (واسمه عمرو) بن إلياس بن مُضَر بن نزار بن مَعْد بن عدنان[2]، وعدنان مِن ولد إسماعيل بلا شك في ذلك، إلا أن تسمية الآباء بينه وبين إسماعيل قد جهلت جملةً، وتكلم في ذلك قومٌ بما لا يصح[3].
وكان لإبراهيم عليه السلام ولدان: إسماعيل وإسحاق - عليهما السلام - فاصطفى الله عز وجل إسماعيل ﴿ وَرَبُّكَ يَخْلُقُ مَا يَشَاءُ وَيَخْتَارُ ﴾ [القصص: 68]، فكانت ذريته صفوة ولد إبراهيم، قال صلى الله عليه وسلم: ((إن الله اصطفى من ولد إبراهيم إسماعيل، واصطفى من بني إسماعيل كِنانة))[4].
قال ابن تيمية: وهذا يقتضي أن إسماعيل وذريته صفوة ولد إبراهيم، فيقتضي أنهم أفضل من ولد إسحاق، ومعلوم أن ولد إسحاق الذين هم بنو إسرائيل أفضل العجم لما فيهم من النبوة والكتاب[5].
وقال سلمان الفارسي رضي الله عنه: أنتم بنو إسماعيل الأئمة، ونحن الوزراء[6].
وقال جَرير:
أبونا خليلُ اللهِ واللهُ ربُّنَا ♦♦♦ رَضِينا بما أعطى الإلهُ وقدَّرَا
وقال الفرزدق:
أبونا خليلُ اللهِ وابنُ خليلِهِ ♦♦♦ أبونا أبو المُستَخلفينَ الأكارمِ
روى البخاري (2405) ومسلم (2525) من طرق عن أبي زُرْعَةَ، عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: ما زلتُ أحبُّ بني تميم منذ ثلاثٍ، سمعت من رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول فيهم، سمعته يقول: ((هم أشد أمتي على الدجال))، قال: وجاءت صدقاتهم، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((هذه صدقاتُ قومِنا))، وكانت سَبيَّة منهم عند عائشة، فقال: ((أعتقيها؛ فإنها من ولد إسماعيل)).
وقال الإمام أحمد (المسند: 6/ 263) - ومن طريقه العراقي (محجة القرب: 251) -: ثنا أبو أحمد محمد بن عبدالله بن الزبير، قال: ثنا مسعر، عن عبيد بن حنين بن حسن [في محجة القرب: عبيد بن جبير]، عن ابن معقل، عن عائشة رضي الله عنها أنها كان عليها رقبةٌ من ولد إسماعيل، فجاء سَبْيٌ من اليمن من خولان، فأرادت أن تَعْتِقَ منهم، فنهاني النبي صلى الله عليه وسلم، ثم جاء سَبْيٌ من مُضر من بني العنبر، فأمرها النبي صلى الله عليه وسلم أن تعتق منهم[7].
وقال الطبراني في الكبير (5/ 267) - ومن طريقه العراقي (محجة القرب: 256) -: حدثنا العباس بن الفضل الأسفاطي: ثنا موسى بن إسماعيل: ثنا شعيب بن عبدالله[8] بن زبيب بن ثعلبة، عن أبيه، عن جده، قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: ((مَن كان عليه رقبةٌ مِن ولد إسماعيل فليعتِقْ من بلعنبر))[9].
قال العراقي: بنو العنبر ويقال: بلعنبر، وهم من بني تميم...، والعنبر هو: ابن عمرو بن تميم[10].
وقال ابن حزم: في العرب مَن ليس من ولد إسماعيل[11]، واستدل بحديث عائشة رضي الله عنها المتقدم "أنه كان عليها رقبةٌ من ولد إسماعيل، فجاء سَبْي من خولان، فأرادت أن تعتق منهم، فنهاها النبي صلى الله عليه وسلم، ثم جاء سَبْي من مُضر من بني العنبر، فأمرها النبي صلى الله عليه وسلم أن تعتقَ منهم)).
قال: لما خصَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم بني العنبر بن عمرو بن تميم...، بأن تَعْتِقَ منهم عائشة... - فصح بهذا أن في العرب مَن ليس من ولد إسماعيل؛ وإذ بنو العنبر من ولد إسماعيل، فآباؤه بلا شك من ولد إسماعيل[12].
قال مقيده - عفا الله عنه -:
روى علي بن رباح اللخمي، عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: ((كل العرب من ولد إسماعيل بن إبراهيم عليه السلام))، ولو صح هذا الحديث عن الحبيب لقُطِعَ قولُ كل خطيب، ولكن ضعفَ إسنادِه يُبقي مجالًا للبحث[13].
قال ابن قدامة: ولم يختلفوا في أن عدنان من ولد إسماعيل، ولا في أن إبراهيم من ولد سام، ولا أن ربيعة ومضر هم الصريح من ولد إسماعيل عليه السلام[14].
• تميزت بأنهم قوم النبي صلى الله عليه وسلم[15]، قال ابن القيم رحمه الله: فأشرف القوم قومُه[16].
عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: ما زلتُ أحب بني تميم منذ ثلاث، سمعت من رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول فيهم، سمعته يقول: وساق الاثنتين، قال: وجاءت صدقاتهم، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((هذه صدقات قومنا))؛ الحديث متفق عليه، وقد تقدم.
وقال البخاري (4108): حدثني زهير بن حرب: حدثنا جرير، عن عمارة بن القعقاع، عن أبي زرعة، عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: لا أزال أحب بني تميم بعد ثلاث سمعتُهن من رسول الله صلى الله عليه وسلم يقولها فيهم: ((هم أشد أمتي على الدجال))، وكانت منهم سبيَّة عند عائشة، فقال: ((أعتقيها؛ فإنها مِن ولد إسماعيل))، وجاءت صدقاتهم، فقال: ((هذه صدقة قوم، أو: قومي))[17].
وروى الإمام أحمد في المسند (2/ 390): ثنا أسود بن عامر قال: ثنا سفيان، عن رجل، عن أبي زُرعةَ، عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((هذه صدقةُ قومي وهم أشد الناس على الدجال)) يعني بني تميم.
قال أبو هريرة رضي الله عنه: ما كان قوم من الأحياء أبغضَ إليَّ منهم فأحببتُهم منذ سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول هذا[18].
قال الحافظ: وكان ذلك لما كان يقع بينَهم وبين قومه في الجاهلية من العداوة[19].
وقال الطبراني في الكبير (7604) - ومن طريقه العراقي في محجة القرب (257) -: حدثنا المقدام بن داود: ثنا حجاج الأزرق: ثنا مبارك بن سعيد، عن عمر بن موسى، عن مكحول، عن أبي أمامة رضي الله عنه قال: كنا مع النبي صلى الله عليه وسلم ركبانًا فمرَرْنا بهَجْمة[20]، فقالوا: لمن هذه؟ قالوا: لبني العنبر، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: ((أولئك قومُنا))[21].
قال الحافظ ابن حجر[22]: إنما نسَبهم إليه لاجتماعِ نسبِهم بنسبه صلى الله عليه وسلم في إلياس بن مُضر.
وقال الطيبي[23]: شرَّفهم بإضافتِهم إلى نفسه عليه الصلاة والسلام.
• تميزت باجتماع نسبها بنسب النبي صلى الله عليه وسلم في إلياس بن مضر، فهي إذًا قبيلة مُضَرية[24]، وقال المبرد - ما معناه -: إن كلَّ مَن ينتمي إلى مُضرَ فهو داخل في الأشراف، ولكن كلما كان أقرب إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فهو أشرف[25].
وقال ابن عبدالبر: قيل أيضًا بنو عبدالمطلب فصيلتُه، وبنو هاشم فَخِذُه، وبنو عبدمناف بطنُه، وقريش عمارتُه، وبنو كنانة قبيلتُه، ومضر شِعبُه[26].
• تميزت بكونها كاهلَ مضر، قال البزار (البحر الزخار: 2778) - ومن طريقه العراقي في محجة القرب (210) -: حدثنا محمد بن عثمان الواسطي، قال: أخبرنا أبو بلال[27] الأشعري، قال: أخبرنا القاسم بن محمد الأسدي، عن معروف بن خرَّبُوذ، عن أبي الطُّفَيلِ الكناني رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((ألا رجلٌ يخبرني عن مضر؟))، فقال رجل من القوم: أنا أخبرك عنهم يا رسول الله - وذكر الحديث - وفيه: وأما كاهلها، فهذا الحي من تميم بن مر، وأما فرسانها، فهذا الحي من قيس بن غيلان، قال: فنظر النبي صلى الله عليه وسلم إليه كالمصدِّق له[28].
وللحديث شُوَيهد رواه الزبير بن بكار، في الموفقيَّات (415) - ومن طريقه السمعاني في الأنساب (1/ 36) -: عن المدائني، عن عوانة بن الحكم[29] قال: دخل صعصعةُ بن ناجية المجاشعيُّ - جد الفرزدق - على رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: ((كيف علمُك بمضر؟)) قال: يا رسول الله، أنا أعلم الناس بهم، تميمٌ هامتُها، وكاهلُها الشديد الذي يوثق به، ويحمل عليه...، وفي آخر الحديث: فقال النبي صلى الله عليه وسلم: ((صدقتَ))[30].
وقال ابن أبي عاصم في الآحاد والمثاني (1151): حدثنا زياد بن يحيى الحساني: نا أبو عتاب: نا موسى بن عمير، عن الزهري، عن سعيد بن المسيب، قال: قال رسول الله صلى الله عليه سلم: ((جمجمةُ هذا الحي من مضرَ كنانة، وكاهلها الذي ينهض به تميم))[31].
وقال معاوية رضي الله عنه: مضر كاهل العرب، وتميم كاهل مضر، قال الأزهري: سمعت العرب تقول: فلان كاهل بني فلان: أي عمدتهم في الملمات، وسندهم في المهمات[32].
قال في الصحاح: والكاهل: الحارك، وهو ما بين الكتفين؛ قال النبي صلى الله عليه وسلم: ((تميم كاهل مضر، وعليها المحمل))[33].
وفي القاموس المحيط: الهامة: رأس كل شيء[34].
وفي لسان العرب: قال ذو الرُّمةِ:
لنا الهامةُ الكبرى التي كلُّ هامةٍ ♦♦♦ وإن عَظُمَتْ منها أذلُّ وأصغرُ
وفي حديث أبي بكر والنَّسابة: أمِن هامِها أم مِن لَهازِمِها؟ أي من أشرافها أنت أو من أوساطها، فشبه الأشراف بالهام، وهو جمع هامة الرأس[35].
[1] قال أبو بكر بن دريد الاشتقاق: ص 201: واشتقاق تميم من الصلابة والشدة، قال الشاعر يَصِفُ فرسًا:
تميمٌ فَلَوْناهُ فأُكْمِلَ خلقُهُ ♦♦♦ فتمَّ وعزَّتْهُ يداه وكاهلُه
[2] ابن حزم: جمهرة أنساب العرب ص 480.
[3] ابن حزم: جمهرة أنساب العرب ص 7.
[4] أحمد 4/ 107، والترمذي 3605، وابن سعد في الطبقات الكبرى 1/ 18، وابن أبي شيبة في المصنف 7/ 430، والسمعاني في الأنساب 1/ 27 21، وابن عبدالبر في الأنباه على قبائل الرواة ص 40، والعراقي في محجة القرب ص 77، من طريق محمد بن مصعب: ثنا الأوزاعي، عن شداد أبي عمار، عن واثلة بن الأسقع رضي الله عنه به، قال الترمذي: حسن صحيح، وصححه ابن تيمية في الفتاوى 27/ 472، والسيوطي في الجامع الصغير 1683، ومحمد بن مصعب موصوف بكثرة الغلط، وفي تهذيب الكمال (5612): قال أبو داود: سمعت أحمد بن حنبل يقول: حديث القرقساني - يعني محمد بن مصعب - عن الأوزاعي مقارب، وقال صالح بن محمد البغدادي: ضعيف في الأوزاعي.
وتابع محمد بن مصعب يحيى بنُ أبي كثير عن الأوزاعي به؛ رواه الخطيب في الموضح 1/ 120، وعزاه السيوطي في الدر 2/ 706 لأبي القاسم السهمي، ولفظه: ((إن الله اصطفى من ولد آدم إبراهيم واتخذه خليلًا، ثم اصطفى من ولد إبراهيم إسماعيل، ثم اصطفى من ولد إسماعيل نزار، ثم اصطفى من ولد نزار مُضَر))، والراوي عن يحيى بن أبي كثير سليمانُ بن أبي سليمان متكلَّم فيه؛ انظر: لسان الميزان 3/ 113.
وقد أخرج الحديث مسلم 2276 من طريق الوليد بن مسلم: حدثنا الأوزاعي به نحوه، دون الجملة الأولى.
[5] ابن تيمية: اقتضاء الصراط المستقيم: 1/ 384.
[6] ابن تيمية: اقتضاء الصراط المستقيم: 1/ 398 - 399، قال الألباني في الإرواء: 6/ 281 بعد أن ساق إسناده: وهذا سند صحيح.
[7] أ - درجة الحديث: قال العراقي في محجة القرب ص 389: هذا حديث صحيح، أخرجه أحمد في مسنده هكذا والبزار أيضًا في مسنده ورجالهما رجال الصحيح، ورُوِيَ مرسلًا عن ابن مَعْقِلٍ، قال: كان على عائشة، ولم يقل: عن عائشة.
وقال الهيثمي في مجمع الزوائد 10/ 14: رواه أحمد والبزار بنحوه، ورجال أحمد رجال الصحيح، وصححه الهيتمي؛ مبلغ الأرب: ص 70، وقال الحاكم بعد أن رواه مرسلًا: هذا حديث صحيح الإسناد، وقال الذهبي: صحيح.
ب - تخريج الحديث: جاء عن ابن مَعْقِلٍ عن عائشة، وعن ابن مَعْقِلٍ قال: كان على عائشة، ولم يقل عن عائشة، رواه على الوجه الأول أحمد والبزار والعراقي، ورواه على الوجه الآخر الحاكم 2/ 216، والبيهقي في الكبرى 9/ 75، وللحديث شواهد.
[8] عند العراقي: شعيث بن عبيدالله، وقال: رواه الطبراني في المعجم الكبير هكذا، ووقع في السند: عبيدالله بن زبيب مُصغَّرًا، وإنما هو عبدالله مُكبَّرًا، كذا ذكره ابن أبي حاتم في [الجرح والتعديل]، وابن حبان في ثقات التابعين.
[9] أ - درجة الحديث: إسناده ضعيف، قال العراقي: حديث حسن غريب، وقال الهيثمي مجمع الزوائد: 10/ 47: رواه الطبراني، وفيه عبدالله بن زبيب، وبقية رجاله ثقات.
قال مقيده - عفا الله عنه -: عبدالله بن زبيب وابن شُعَيْث ذكرهما ابن حبان على قاعدته المعروفة في كتابه الثقات 5/ 20، 6/ 453، لذا قال الحافظ عن شعيب (التقريب: 2827): مقبول من السادسة؛ يعني مقبول حيث يتابع، وإلا فليِّنُ الحديث.
ب - تخريج الحديث: قال البخاري في التخريج الكبير 3/ 447: قال موسى، عن شعيث بن عبدالله بن زبيب، وأتمه.
[10] انظر: محجة القرب إلى محبة العرب ص 388، 394، وفتح الباري 5/ 172.
[11] ابن حزم: جمهرة أنساب العرب ص7، وقال ص 7 - 8: جميع العرب يرجعون إلى ولد ثلاثة رجال: وهم عدنان، وقحطان، وقضاعة، فعدنان من ولد إسماعيل بلا شك في ذلك...، وأما قحطان، فمختلف فيه من ولد من هو...، وأما قضاعة فمختلف فيه.
[12] ابن حزم: جمهرة أنساب العرب ص7.
[13] رواه ابن وهب في الجامع 37، وابن سعد في الطبقات 1/ 43، واللفظ له، وله شاهد من حديث مالك بن يخامر، إلا أنه استثنى أربع قبائل: السلف، والأوزاع، وحضرموت، وثَقيف؛ رواه البلاذري في جمل من أنساب الأشراف 1/ 8، وعزاه في كنز العمال (33931) لابن عساكر، وهذا معلم بالضعفِ، وقال ابن عبدالبر في الأنباه على قبائل الرواة ص 79: وهي آثار كلها ضعيفة الأسانيد، لا يقوم بشيء منها حجة، والله أعلم بصحة ذلك.
[14] ابن قدامة: التبيين في أنساب القرشيين ص 55.
[15] وبهذا نعلم عدم صحة ما تفوَّه به بعض العوام من أن رسول الله صلى الله عليه وسلم دعا الله أن يفرِّق شَمْلَ تميمٍ وألا يقيم لهم راية.
[16] ابن القيم: زاد المعاد 1/ 71.
[17] في عمدة القاري (13/ 105) قال ابن بطال: وتميم كانوا يختارون ما يخرجون في الصدقات من أفضل ما عندهم، فأعجبه صلى الله عليه وسلم؛ فلذلك قال هذا القول على معنى المبالغة في نصحهم لله ولرسوله في جودة الاختيار للصدقة، وفيه فضيلة ظاهرة لبني تَميم، وكان فيهم في الجاهلية وصدر الإسلام جماعةٌ من الأشراف والرؤساء، وفي السنن (الكبرى 7/ 0-11)، قال ابن إسحاق في إبل الصدقة بعد وفاة النبي صلى الله عليه وسلم: فكانت هذه الإبل التي قدِم بها الزبرقان وعديُّ بن حاتم أولَ إبل وافت أبا بكر رضي الله عنه من إبل الصدقة بعد وفاة رسول الله صلى الله عليه وسلم، قال ابن إسحاق: وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم بعث عدي بن حاتم رضي الله عنه على صدقات طيِّء، والزبرقان بن بدر على صدقات بني سعد - وذكر آخرون - قال: فلما بلغهم وفاة النبي صلى الله عليه وسلم وعندهم أموال كثيرة، ردوها على أهلها إلا عدي بن حاتم والزبرقان بن بدر، فإنما تمسَّكا بها ودفعا عنها الناس حتى أدَّياها إلى أبي بكر رضي الله عنه.
[18] أ - درجة الحديث: إسناده ضعيف، والحديث صحيح بما قبله، وعلة هذا الإسناد الرجل الذي لم يسمَّ، وقد أعله به الساعاتي في الفتح الرباني 23/ 237، وقال الشيخ أحمد شاكر في شرح المسند 9056: في إسناده رجل مجهول.
[19] ابن جحر: فتح الباري 5/ 172.
[20] قال في النهاية 5/ 247: الهجمة من الإبل: قريب من المائة.
[21] أ - درجة الحديث: في إسناده عمر بن موسى متروك، قال في الميزان 3/ 224: قال البخاري: منكر الحديث، وقال ابن معين: ليس بثقة، وقال ابن عَدي: هو ممن يضع الحديث متنًا وإسنادًا، قال العراقي: هذا حديث غريب، رواه الطبراني في معجمه الكبير، وعمر بن موسى الوجيهي ضعيف، وشيخ الطبراني المقدام ضعَّفوه، ووثَّقه بعضُهم، وقال الهيثمي في مجمع الزوائد 16572: رواه الطبراني عن شيخه المقدام بن داود، وهو ضعيف، وقال ابن دقيق العيد في الإمام: وُثِّقَ، وبقية رجاله ثقات، وقال الهيتمي (مبلغ الأرب: ص 70): حديث غريب، وقال الدارقطني (السنن: 1/ 218): لا يثبت سماعُه - يعني مكحولًا - مِن أبي أمامة.
[22] ابن حجر: فتح الباري 5/ 172.
[23] الكاشف عن حقائق السنن 11/ 201.
[24] قال أبو العباس عبدالله بن محمد الناشئ:
وفي مُضَرٍ يُستجمَعُ الفخرُ كلُّه ♦♦♦ إذا اعترَكَتْ يومًا زحوفُ المقانبِ
وبإسناد ضعيف عن عبدالله بن عمر رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((إن الله عز وجل خلق السموات والأرض سبعًا، فاختار العُليا منها فسكنها، وأسكن سمواته مَن شاء من خلقه، وخلق الأرض سبعًا فاختار العليا منها، فأسكنها مَن شاء من خلقه، وخلق الخلق فاختار مِن الخلق بَني آدم، واختار مِن بني آدم العرب، واختار مِن العرب مضرَ، واختار مِن مضر قريشًا...))، الحديث؛ رواه العقيلي في الضعفاء 2005، والطبراني في الكبير: 13650، والأوسط: 6178، وابن عدي في الكامل 2/ 248 6/ 200، والحاكم في المستدرك 4/ 73، وعلوم الحديث ص 166، وأبو نُعيم في دلائل النبوة 18، والبيهقي في الدلائل 1/ 171، 172، ومناقب الشافعي 1/ 39 - 40، وابن قدامة في إثبات صفة العلو 29، والعراقي في محجة القرب (1)، وعزاه الذهبي لابن خزيمة في كتابه التوحيد العلو 39، وقد أعلَّه أبو حاتم والعُقيلي والذهبي والهيثمي، وقال ابن كثير: حديث غريب، وقوَّاه الحاكم والعراقي، وقال الهيثمي: سنده لا بأس به، وإن تكلَّم الجمهور في غير واحد من رواته؛ انظر: علل ابن أبي حاتم 2617، والضعفاء الكبير للعُقيلي 2005، والعلو للذهبي 39، ومجمع الزوائد للهيثمي 8/ 215، والبداية لابن كثير 2/ 240، ومحجة القرب للعراقي ص 72 - 76، ومبلغ الأرب للهيثمي ص 17.
[25] منهاج الطالب عن مشاهير قبائل العرب ص 17.
[26] الأنباه على قبائل الرواة ص 45.
[27] في كشف الأستار 3/ 310، ومختصر زوائد مسند البزار 2050 [أبو هلال].
[28] أ - رواة الحديث:
محمد بن عثمان الواسطيُّ: في الجرح والتعديل لابن أبي حاتم 8/ 25 - 26: هو صدوق...، سُئِل أبي عنه فقال: هو شيخ.
أبو بلال الأشعري: الكوفي، عن أبي بكر النهشليِّ، ومالك بن أنس، وعنه أحمد بن أبي عزرة، ومطين، وجماعة، يقال اسمه مرداس بن محمد بن الحارث بن عبدالله بن أبي بردة بن أبي موسى عبدالله بن قيس الأشعري، وقيل: اسمه محمد، وقيل: عبدالله، ضعَّفه الدارقطني...، وذكره ابن حبان في الثقات، فقال اسمه مرداس؛ اللسان: 7/ 24، قال ابن القطان: لا يعرف ألبتة، قلت: هو مشهور بكنيته أبو بلال من أهل الكوفة، يروي عن قيس بن الربيع، والكوفيين، روى عنه أهل العراق، قال ابن حبان في الثقات: يُغربُ ويتفرَّدُ، وليَّنه الحاكم أيضًا، وقول القطان: لا يعرف ألبتة، وَهِمَ في ذلك، فإنه معروف؛ لسان الميزان 6/ 17.
القاسم بن محمد الأسدي: ذكره ابن حبان في كتابه الثقات 5/ 305، ووثَّقه يحيى بن معين وأبو زرعة (الجرح والتعديل: 7/ 119)، ولم يُصِب الحافظ ابن حجر (التقريب: 8420) في قوله: مقبول، والله أعلم.
معروف بن خرَّبُوذ: المكي مولى عثمان، ضعَّفه يحيى بن معين، وقال أبو حاتم: يُكتَبُ حديثُه، وذكره ابن حبان في كتاب الثقات، وقال أحمد: ما أدري كيف حديثه، وذكره العقيلي في الضعفاء، وقال: لا يُتابَعُ على حديثه ولا يعرف إلا به، وقال الساجي والذهبي: صدوق، وقال ابن حجر: صدوق ربما وَهِمَ، وكان إخباريًّا علَّامة، روى له البخاري، ومسلم، وأبو داود، وابن ماجه؛ انظر: تهذيب الكمال 6086، والميزان 8655، وتهذيب التهذيب 10/ 231، والتقريب 6791، والضعفاء الكبير 1810.
ب - درجة الحديث: إسناده ضعيف، قال العراقي في محجة القرب ص 313: وأبو بلال لم أرَ مَن ذكره بجرح ولا تعديل، وباقي رجاله ثقات، وقال الهيثمي في مجمع الزوائد 6553: رواه البزار، وفيه مَن لم أعرِفهم، وفي مختصر زوائد مسند البزار لابن حجر 2050: إسناده ضعيف، وقال الهيتمي مبلغ الأرب ص56: فيه ضعف.
[29] في الإصابة: 5/ 143 عرابة بن الحكم.
[30] أ - رواة الحديث:
الزبير بن بكار صاحب الموفقيَّات: الزبير بن بكار بن عبدالله بن مصعب بن ثابت بن عبدالله بن الزبير الأسدي، المدني، أبو عبدالله بن أبي بكر قاضي المدينة، ثقة، أخطأ السليماني في تضعيفه، مِن صغار العاشرة، مات سنة ست وخمسين؛ ابن ماجه؛ التقريب: 1991، وانظر: تاريخ بغداد 4585، والميزان 2/ 66.
المدائني: علي بن محمد أبو الحسن المدائني الإخباري، صاحب التصانيف، ذكره ابن عدي في الكامل، فقال: ليس بالقوي في الحديث، وهو صاحب الأخبار، قلَّ ما له من الروايات المسندة، قال يحيى بن معين -: ثقة ثقة ثقة، قال الحافظ ابن حجر: قلت: لم أرَه في ثقات ابن حبان وهو على شرطه...، قال أبو عاصم: أبو الحسن أستاذ، وقال أبو جعفر الطبري: كان عالـمًا بأيام الناس، صدوقًا في ذلك؛ لسان الميزان: 4/ 291.
عوانة بن الحكم: ابن عوانة بن عِياض الإخباري المشهور الكوفي...، كثير الرواية عن التابعين، قلَّ أن روى حديثًا مسندًا، وأكثر المدائني عنه، وقد روى عن عبدالله بن المعتز، عن الحسن بن عليل العنزي، عن عوانة بن الحكم، أنه كان عثمانيًّا، فكان يضع الأخبار لبني أميَّة، مات سنة ثمان وخمسين ومائة؛ لسان الميزان: 4/ 446، قال الذهبي: كان صدوقًا في نقله؛ (سير أعلام النبلاء: 7/ 201).
ب - درجة الحديث: إسناده ضعيف، منقطع.
[31] أ - رواة الحديث:
زياد بن يحيى الحساني: زياد بن يحيى بن حسان، أبو الخطاب الحساني، النُّكري، بضم النون، البصري، ثقة، من العاشرة، مات سنة أربع وخمسين، روى له الجماعة؛ التقريب: 2116.
أبو عتاب: سهل بن حماد، أبو عتاب الدلال البصري، صدوق، من التاسعة، مات سنة ثمان ومائتين وقيل قبلها، روى له مسلم والأربعة، قال أحمد بن حنبل: لا بأس به، وقال أبو زرعة، وأبو حاتم: صالح الحديث شيخ، ذكره ابن عدي، ونقل عن عثمان الدارمي: سألت ابن مَعين عنه، فقال: مَن سهل؟ قلت: الذي مات قريبًا، الأزدي، قال: ما أعرفه، قال ابن عدي: وليس هو بالمعروف...، ولم يحضرني له حديث فأذكره، قال ابن حجر: أورد المِزي قول ابن معين في ترجمة أبي عتاب سهل بن حماد الدلال، ويغلب على ظني أنه غيره، والله أعلم؛ انظر: التقريب 2654، وتهذيب الكمال 2608، ولسان الميزان 3/ 140.
موسى بن عمير: القرشي مولاهم، أبو هارون الكوفي الأعمى، متروك، وقد كذبه أبو حاتم من الثامنة التقريب: 7046.
الزهري: هو محمد بن مسلم بن عبيدالله بن عبدالله بن شهاب بن عبدالله بن الحارث بن زهرة بن كلاب القرشي الزهري، وكنيته أبو بكر، الفقيه الحافظ متفقٌ على جلالته وإتقانه، وهو مِن رؤوس الطبقة الرابعة، مات سنة خمس وعشرين، وقيل قبل ذلك بسنة أو سنتين، روى له الجماعة؛ التقريب: 6296.
سعيد بن المسيِّب: ابن حزن بن أبي وهب بن عمرو بن عائذ بن عمران بن مخزوم القرشي، المخزومي، أحد العلماء الأثبات الفقهاء الكبار، من كبار الثانية، اتفقوا على أن مراسلاته أصح المراسيل، وقال ابن المديني: لا أعلم في التابعين أوسع علمًا منه، مات بعد التسعين، وقد ناهز الثمانين، روى له الجماعة؛ (التقريب: 2396).
ب - درجة الحديث: مرسل، ضعيف الإسناد جدًّا؛ مِن أجل موسى بن عمير.
[32] ابن الأثير: النهاية في غريب الحديث والأثر 4/ 214.
[33] الجوهري: الصِّحاح 4/ 1475.
[34] الفيروزابادي: القاموس المحيط ص 1513.
[35] ابن منظور: لسان العرب 12/ 625.
مزايا قبيلة بني تميم (2)
• تميزت بكونها بُرثُمَة وجُرْثُمة مضر، قال الخطابي في غريب الحديث (1/ 524) في حديث النبي صلى الله عليه وسلم: أنه سئل عن مضر، فقال: ((كنانة جوهرها، وأسد لسانها العربي، وقيس فرسان الله في الأرض، وهم أصحاب الملاحم، وتميم بُرْثُمتُها وجُرْثُمتُها))؛ أخبرناه عبدالله بن محمد بن شاذان الكراني: نا أحمد بن عمرو القطراني: نا هاشم بن القاسم الحراني: نا يعلى الأشدق، عن عمه: عبدالله بن جراد[1].
وفي الفائق[2]: سُئل عن مضر، فقال: كنانة جوهرها...، وتميم بُرْثُمتُها وجُرثمتُها.
قيل: أراد بالبُرْثُمة: البرثنة واحد البراثن، وهي المخالب والمراد شوكتها وقوتها...، والجُرثُمة: الجرثومة؛ وهي أصل الشيء ومجتمعه.
وقال أهل السن: الجراثيم التي تفرقت منها العرب[3].
• تميزت بكونها رحى العرب، قال الرَّامهُرْمُزِي في كتابه (أمثال الحديث المروية عن النبي صلى الله عليه وسلم) رقم (116): حدَّثنا موسى بن زكريا: ثنا عمرو بن الحصين: ثنا ابن علاثة: ثنا غالب بن عبدالله الجزري، عن مجاهد، عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: ذُكِرتْ بنو تميم عند النبي صلى الله عليه وسلم، فنال منها الأشعث بن قيس، فقال له النبي صلى الله عليه وسلم: ((مهلًا يا أشعث، فإن تميمًا رَحانا وقيسًا فرسانُنا، إن تميمًا صخرة صمَّاء لا تُفَلُّ، ولا يضيرُها عداوةُ مَن عاداها، وهم عظامُ الهام، رجح الأحلام، ثبت الأقدام، وهم قتلة الدجال، وأنصار الدين في آخر الزمان))[4].
وله شاهد رواه الرامهرمزي (112): حدثنا أبي: ثنا حوثرة - هو ابن أشرس -: ثنا أبو مدين: ثنا حماد بن يزيد، عن الوضين بن مسلم قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((قريش سادة العرب، وقيسٌ فرسانها، وتَميم رحاها))[5].
• تميزت بأنها أركان العرب، قال ابن عساكر في تاريخه (57/ 390): أنبأنا أبو طاهر بن الحنائي، وحدثنا أبو البركات الخضر بن شبل الفقيه عنه: أنا أبي أبو القاسم الحنائي: أنا عبدالوهاب الكلابي -إجازة -: نا إبراهيم بن عبدالرحمن بن مروان: نا أبو هبيرة: نا المستهل بن داود التميمي: نا عبدالسلام ابن مكلبة، عن عثمان بن عقال، عن ابن أبي مليكة، عن أبي ذر الغفاري رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((قريش سادة العرب، وأركانها تميم))[6].
• تميزت بعروبتها الأصلية، واستيطانها الجزيرة العربية ذات الخصائص في الإسلام، فموطنها الربع الشمالي الشرقي للجزيرة العربية، ويذكر الأصفهاني في كتابه (بلاد العرب) مواطن تَميم بشيء من التفصيل؛ إذ يقول: وعظم بلاد تميم: الوشم، والدهناء، والجواد، والصمان والدو، والسيدان، والهاه، وغر، ويبرين، وفلج، وفليج والحزن[7].
وكانت قبيلة تميم تحل أوسعَ رقعةً في الجزيرة عند ظهور الإسلام[8]، وسكن التَّميميون مع غيرهم العراقَ والشام وخراسان وغيرها، والمهم أن لهم انتشارًا شرقًا وغربًا جنوبًا وشمالًا في الجزيرة وخارجها.
• تميزت بإنجاب العلماء العاملين والأئمة المصلحين، ومما رقمه قلم الشيخ بكر أبو زيد في كتابه (المدخل)، قوله: لا أعرف قبيلةً حاضرة من قبائل العرب في قلب نجد، كثُر منها العلماء، مثل قبيلة بني تَميم[9].
• تميزت بالحِلْم، والحِلْم خصلة يحبُّها الله:
قال دغفل النسابة لمعاوية رضي الله عنه حين سأله عن تميم قال: كانوا هم أعزَّ العرب قديمًا، وأكثرها عظيمًا، وأمنعها حريمًا، وأحلمها حليمًا.
• تميزت بالحكمة ﴿ وَمَنْ يُؤْتَ الْحِكْمَةَ فَقَدْ أُوتِيَ خَيْرًا ﴾ [البقرة: 269] قال معاوية رضي الله عنه: أوتيت تميم الحكمة.
قال في اللسان: الحكمة عبارة عن معرفة أفضل الأشياء بأفضل العلوم[10].
• تميزت بما جاء عن معاوية رضي الله عنه أنه سأل جروة بنت مرة التَّميمية، وكانت من ربات الفصاحة والبلاغة عن قومها بني تميم، فقالت: هم أكثر الناس عددًا، وأوسعهم بلدًا، وأبعدهم أمدًا...، هم الذهب الأحمر والحسب الأفخر، فقال معاوية: صدقت.
• تميزت بأنها رحى من أرحاء العرب الست؛ لفضل قوتها وعددها وسَعَة حماها، وهي إحدى جماجم العرب التسع.
يقول صاحب عجالة المبتدي[11]: "فاعلم - وفقك الله - أن في العرب أرحاء وجماجم وشعوبًا وقبائل، أما الأرحاء من العرب، فستٌّ، والجماجم تسعٌ، وسائر العرب قبائل وعمائر، ليست بأرحاء ولا جماجم"، وذكر تميمًا في الأرحاء والجماجم.
• تميزت بكثرة بطونها، وقد أطلق عليهم وعلى بكر بن وائل الجفان[12]، وأشهر بطونهم موضح في قول ذي الرمة:
يعدُّ الناسِبون بني تَميمٍ ♦♦♦ بيوتَ العزِّ أربعة كِبارا
يعدُّون الربابَ لها وعمرًا ♦♦♦ وسعدًا ثم حنظلةَ الخِيارا
• تميَّزت بكثرتها المُهابة:
قال البزار (مختصر الزوائد: 2049) - ومن طريقه العراقي في محجة القرب (ص: 314) -: حدثنا محمد بن عيسى التميمي: ثنا العباس بن نجيح الدمشقي: ثنا بكر بن عبدالعزيز بن أخي إسماعيل بن عبيدالله بن المهاجر، عن سليمان بن أبي كريمة، عن حيان[13] مولى أبي الدرداء قال: سمعت أبا الدرداء - أو حدثتني أم الدرداء، عن أبي الدرداء رضي الله عنه قال -: أتيت النبي صلى الله عليه وسلم فوجدت جماعة من العربِ يتفاخرون فيما بينهم، فدخلتُ على رسول الله عليه وسلم، فقال: ((ما هذا يا أبا الدرداء الذي أسمع؟))، فقلت: يا رسول الله، هذه العرب تفاخر فيما بينها، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((يا أبا الدرداء، إذا فاخرت ففاخِر بقريش، وإذا كاثرت فكاثر بتميم...))، الحديث[14]
.
ويدل على كثرتهم أيضًا ما رواه أحمد في المسند (3/ 469 - 470): ثنا إسماعيل بن إبراهيم قال: ثنا خالد، عن عبدالله بن شقيق قال: جلست إلى رهط أنا رابعهم بإيلياء، فقال أحدهم: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: ((ليدخلَنَّ الجنةَ بشفاعة رجلٍ مِن أمتي أكثرُ من بني تميم))، قلنا: سواك يا رسول الله؟ قال: ((سواي))، قلت: أنتَ سمعته؟ قال: نعم، فلمَّا قام، قلت: مَن هذا؟ قالوا: ابن أبي الجَذْعاء[15].
ولكثرة عددهم قال دغفل النسَّابة لزيادٍ حين سأله عن العرب: كاثِر بتميم[16]، ويوحي إلى هذا المعنى قولُ جرير:
إذا غضِبَتْ عليكَ بنو تميمٍ ♦♦♦ رأيتَ الناسَ كلَّهمُ غِضابَا
وقال آخر:
يزيدُ (بنو سعدٍ) على عددِ الحصى ♦♦♦ وأثقلُ مِن وزنِ الجبالِ حلومُها
وقال آخر:
إن تميمًا لا تُبالي البَغْضا ♦♦♦ من أجلِ أنا المالئون الأَرْضا
وقال آخر مبينًا كثرة بني تميم:
ما تطلعُ الشمسُ إلَّا عندَ أوَّلِنا ♦♦♦ وَلا تغيبُ إلا عندَ آخرِنا
وقال آخر:
أبى الناسُ والأقلامُ أن يحسبوهم ♦♦♦ إذا حُصِّل الأجناسُ أو يُحسب الرَّملُ
وقد تواترت الأبيات الشِّعرية على هذا المعنى، وفي البيان والتبيين[17] ذكر مؤمل بن خاقان في خطبته تميم بنَ مر، فقال: إن تميمًا لها الشرفُ العَود (يعني القديم)، والعز الأقعَس (يعني الثابت المنيع)، والعدد الهَيْضَل (يعني: الكثير)، وهي في الجاهلية القُدَّام، والذِّروة والسَّنام، وقد قال الشاعر:
فقلتُ له وأنكَر بعضَ شأني ♦♦♦ ألم تعرِفْ رِقابَ بَني تميمِ
وقال ابن حزم: وجدنا القبائل العظام مِن عدنان ثلاثًا؛ وهم: تميم بن مر، وعامر بن صَعْصَعة، وبكر بن وائل[18]، وقال عن بني تميم: هم قاعدةٌ من أكبر قواعد العرب[19].
• تميزت بما رواه ابن حبيب في تاريخه بإسناده عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: "مات عدنان وأبوه وابنُه معد وربيعة ومضر وقيس وتميم وأسد وضبة على الإسلام على ملَّة إبراهيم[20] فلا تذكروهم إلا بما يذكر به المسلمون"[21].
وقال ابن عبد البر[22]: رُوي عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: مات تميم بن مر، وأسد بن خزيمة، وضبة بن أد، على الإسلام، فلا تذكروهم إلا بما يذكر به المسلمون، ذكره الدارقطني عن القاضي المحاملي عن عبدالله بن شبيب، قال: حدثنا إبراهيم بن يحيى، قال: حدثني أبي، عن عبدالملك بن عبدالعزيز، عن أبيه، عن ابن عباس رضي الله عنهما[23].
• تميزت بالشجاعة، ففي مصنف ابن أبي شيبة (7/ 562) - ومن طريقه ابن أبي عاصم في الآحاد والمثاني (1157) -: حدثنا هاشم بن القاسم، قال: ثنا شعبة، عن خالد الحذاء، عن ابن سيرين؛ أن أبا موسى كتب إلى عمر في ثمانية عشر تِجفافًا[24] فأصابها، فكتب إليه عمر أن ضعها في أشجع حي من العرب، قال: فوضعها في بني رباح حي من بني تميم[25].
وقد سأل معاوية بن أبي سفيان رضي الله عنه دغفلًا النسَّابة: ما تقول في بني تميم؟ قال: "حجر أخشن إن صادَمْتَه آذاك، وإن تركتَه أعفاك"[26].
ويقول الشيخ عبد اللطيف بن عبد الرحمن رحمه الله: وجمهور أهل نجد كتميمٍ، وأسد، وهوازن، وغطفان، وبني ذهل بن شيبان، صار لهم من الجهاد في سبيل الله، والمقام بالثغور، والمناقب والمآثر - لا سيما في جهاد الفرس والروم - ما لا يخفى على مَن له أدنى إلمام بشيء من العموم، ولا يُنكر فضائلهم إلا مَن لم يعرف جهادهم وبلاءهم في المواطن[27]، وهم ممن قاتل بني حَنيفة مع خالد وأبلَوا بلاءً حسنًا[28].
وفي سنة (14هـ) أمدَّ عمر بن الخطاب رضي الله عنه سعد بن أبي وقاص بثلاثة آلاف تميمي؛ حيث كانت تميم مِن أمنع قبائل العرب يومئذٍ[29].
• تميزت بأنها أشد الناس على الدجال، وقد أفصحت السنة عن هذه الميزة أجمل الإفصاح.
إن فتنة الدجال فتنةٌ عظيمة، أمرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم أن نتعوَّذ منها في كل صلاة؛ كما روى أبو هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((إذا تشهَّد أحدُكم فليستَعِذْ بالله من أربعٍ: يقول: اللهم إني أعوذ بك من عذاب جهنم، ومِن عذاب القبر، ومِن فتنة المحيا والممات، ومن شر فتنة المسيح الدجال))[30].
ولعظيم فتنتِه يهربُ الناس منه؛ كما قالت أم شريك رضي الله عنها: سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول: ((ليفرنَّ الناسُ من الدجالِ في الجبال))، قالت أم شريك: يا رسول الله، فأين العرب يومئذٍ؟ قال: ((هم قليلٌ))[31].
ولا يتصدى له إلا قوي الإيمان، ظاهر الحجة والبرهان، روى عمران بن حصين رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: ((مَن سمع بالدجال فليَنْأَ منه، فإن الرجل يأتيه وهو يحسب أنه مؤمن، فلا يزال به لما معه من الشُّبه حتى يتبعَه))[32]، ولكن مع عظم فتنتِه، وقوة شبهته، ونفوذه سلطانه، يجد شدَّة من بني تميم، وهذه منقبة خصهم الله بها:
يتقهقرُ الرجالُ عند زحوفِهم ♦♦♦ من بأسِهم حتى يعودَ محطَّما
فتميمُ هم تاجُ الشجاعةِ والنَّدى ♦♦♦ اذْكُرْ زرارةَ وابنَ قيسَ وأهتَما[33]
قال البخاري (2405): حدثنا زُهير بن حَرب: حدثنا جرير، عن عمارة بن القعقاع، عن أبي زرعة، عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: لا أزال أحب بني تميم.
وحدثني ابن سلام: أخبرنا جرير بن عبد الحميد، عن المغيرة، عن الحارث، عن أبي زرعة، عن أبي هريرة/ وعن عمارة، عن أبي زرعة، عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: ما زلتُ أحب بني تميم منذ ثلاث، سمعت من رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول فيهم، سمعتُه يقول: ((هم أشد أمتي على الدجال))، قال: وجاءت صدقاتهم، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((هذه صدقات قومِنا))، وكانت سبيَّةٌ منهم عند عائشة، فقال: ((أعتقيها؛ فإنها من ولد إسماعيل))[34]، قال الحافظ ابن حجر[35]: وفي الحديث أيضًا فضيلة ظاهرة لبني تميم.
قال مقيده - عفا الله عنه -:
يخرج الدجال في خفة من الدين وإدبار من العلم، ومعه شياطين تكلم الناس، ومعه فتنة عظيمة ليس فتنة أكبر من فتنته إلى قيام الساعة، ومع هذا كله، فإن بني تميم ذوو شدة عليه، وفي الحديث: ((ليس أحدٌ أشدَّ على الدجال من بني تَميم))[36])، وما ذلك إلا لسلامة المعتقد، وقوَّة وجلد، وفي هذا إشارة إلى شدتهم على كل دجال، وبالمثال يتبين المقال، فقد تصدى شيخ الإسلام محمد بن عبدالوهاب رحمه الله لدجاجلة عصره، وبقيت كتبه من بعده منارًا لأهل التوحيد، وغصة لكل قبوري عنيد!
فهذا السَّيلُ مِن تلك الغَوادِي ♦♦♦ وهذي السُّحْبُ مِن تلك الرِّياحِ
قال الشيخ عبداللطيف بن عبدالرحمن:
ومعلوم أن رؤساء عُبَّاد القبور الداعين إلى دعائها وعبادتها، لهم حظ وافر مما يأتي به الدجَّال، وقد تصدى رجال من تميم وأهل نجد للرد على دجاجلة عباد القبور والدعاة إلى تعظيمها مع الله، وهذا مِن أعلام نبوته صلى الله عليه وسلم إن قلنا إن (أل) في الدجال للجنس لا للعهد، وإن قلنا إنها للعهد - كما هو الظاهر - فالرد على جنس الدجال توطئةٌ وتمهيدٌ لجهاده ورد باطله، فتأمله فإنه نفيس جدًّا[37].
وقال الشيخ عبدالمحسن العباد:
وهو (أي الحديث) دالٌّ على استمرار بقاء هذه القبيلة (تميم) حتى زمن الدجال، وأنهم أشدُّ الناس عليه، وكما كانت هذه القبيلة في آخر الزمان أشدَّ الناس على الدجال الأعظم، فإن شيخ الإسلام محمد بن عبدالوهاب، وأبناءه، وأحفاده، وتلاميذه، وتلاميذهم، وتلاميذ تلاميذهم، من أشد الناس على الدجالين الذين ظهَروا في أزمانهم من أهل الزيغ والضلال[38].
وقال الحافظ ابن حجر بعد كلام سابق تحت قوله صلى الله عليه وسلم: ((هم أشد أمتي على الدجال))، قال: أوذُكِر الدجال ليدخلَ غيرُه بطريق الأولى[39].
ثم إن في بقاء بني تميم إلى زمن الدجال، وقتالهم له، إشارةً إلى بقاء ما نادَت به ودعت إليه دعوةُ الشيخ محمد بن عبدالوهاب رحمه الله إلى ذلك الزمن وانتصار معتنقيها، لا لأنها دعوةُ رجل من بني تميم، ولكن لأنها دعوة الحق دعوة الرسل، ولولا ذلك لما راح ابن عبدالوهاب ولا جاء، فعن عمران بن حصين رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((لا تزال طائفةٌ من أمتي يُقاتلون على الحق، ظاهرين على مَن ناوأهم حتى يقاتل آخرُهم المسيحَ الدجَّال))[40]، وقال القرطبي: تصريحٌ بأن نبي تميم لا ينقطعُ نسلهم إلى يوم القيامة، وبأنهم يتمسَّكون في ذلك الوقت بالحق، ويقاتلون عليه[41].
[1] أ - رواة الحديث:
أحمد بن عمرو القطراني: الشيخ، المحدث، المعمَّر، الثقة، أبو بكر، أحمد بن عمرو بن حفص بن عمر بن النعمان، القريعي البصري القطراني...، ذكره ابن حبان في ديوان [الثقات]، توفي في شوال سنة خمس وتسعين ومائتين؛ سير أعلام النبلاء: 13/ 506 - 507.
هاشم بن القاسم الحراني: هاشم بن القاسم بن شيبة الحراني، مولى قريش، أبو محمد، من كبار العاشرة روى له ابن ماجه، قال عبدالرحمن بن أبي حاتم: محله الصدق، وذكره ابن حبان في كتاب [الثقات]، وقال هو وأبو عروبة: مات في جمادى الآخرة سنة ستين ومئتين، وقد جاوز التسعين، زاد أبو عروبة: لا يخضب، كتبنا عنه قديمًا، ثم عاش بعد ذلك حتى كبِر وتغيَّر؛ انظر: تقريب التهذيب 7255، وتهذيب الكمال 6539، قال في التقريب: صدوق تغيَّر.
يعلى الأشدق: العقيلي، البدوي، المعمَّر، كنيته أبو الهيثم، قال البخاري: لا يكتب حديثه، وقال أبو زرعة: لا يصدَّق، وقال ابن حبان: لقي عبدالله بن جراد، فلما كبِر اجتمع عليه مَن لا دين له فدفعوا له شبيهًا بمائتي حديث نسخة عن عبدالله بن جراد، عن النبي صلى الله عليه وسلم وأعطوه إياها، فجعل يحدث بها وهو لا يدري...، لا يحل الرواية عنه بحال ولا الاحتجاج به بحيلة ولا كتابته إلا للخواص عند الاعتبار؛ انظر: سير أعلام النبلاء 8/ 272، والمجروحين لابن حبان 3/ 142، قال الذهبي: كان تالفًا، وقال ابن حجر في ترجمة هاشم بن القاسم: سمِع مِن يعلى بن الأشدق ذاك المتروك الذي ادَّعى أنه لقي الصحابة؛ تقريب التهذيب: 7255.
عبدالله بن جراد: ابن المنتفق بن عامر، بن عقيل العامري العقيلي...، قال البخاري، وابن حبان، وابن ماكولا: عبدالله بن جراد له صحبة، وقال ابن منده: عدادُه في أهل الطائف، وذكره يعقوب بن سفيان، وغيرهما في الصحابة، روى عنه يعلى بن الأشدق أحد الضعفاء...؛ الإصابة: 5/ 37، إسنادُه واهٍ.
[2] الزمخشري: الفائق في غريب الحديث 1/ 84، وانظر النهاية في غريب الحديث والأثر: 1/ 112، 254.
[3] ابن عبدالبر: الأنباه على قبائل الرواة ص 14.
[4] أ - رواة الحديث:
موسى بن زكريا: التستري، تكلم فيه الدارقطني، وحكى الحاكم عن الدارقطني أنه متروك؛ ميزان الاعتدال 4/ 205.
عمرو بن الحصين: البصري العقيلي، قال ابن أبي حاتم: سمِع منه أبي، وقال: تركت الرواية عنه، ولم يحدثنا بحديثه، وقال: هو ذاهب الحديث ليس بشيء، أخرج أول شيء أحاديثَ مشبهة حسانًا، ثم أخرج بعدُ لابن عُلاثَة أحاديث موضوعة، فأفسد علينا ما كتبنا عنه، فتركنا حديثه، قال عبدالرحمن: وسئل أبو زرعة عنه عند ما امتنع من التحديث عنه، فقال: ليس هو في موضع يحدث عنه، هو واهي الحديث، وقال الدارقطني: متروك؛ انظر: الجرح والتعديل 6/ 229 والضعفاء والمتروكين 390.
ابن عُلاثَة: محمد بن عبدالله بن عُلاثَة العُقَيْلي، بالتصغير، الجزري، أبو اليسر الحراني، القاضي، يقال له قاضي الجن، من السابعة، مات سنة ثمان وستين، روى له أبو داود، والنسائي، وابن ماجه، قال يحيى بن معين: ثقة، وقال أبو زرعة: صالح، وقال أبو حاتم: يكتب حديثه ولا يحتج به، وقال البخاري: في حديثه نظر، وقال أبو الفتح الأزدي: لسنا نقنع مِن البخاري بهذا، حديثه يدل على كذبه، قال الخطيب: قد أفرط الأزدي في الميل على ابن عُلاثَة، وأحسبه وقعت له روايات لعمرو بن الحصين، عن ابن عُلاثَة، فنسبه إلى الكذب لأجلها، والعلة في تلك مِن جهة عمرو بن الحصين، فإنه كان كذابًا، وأما ابن عُلاثَة، فقد وصفه يحيى بن معين بالثقة، ولم أحفظ لأحد من الأئمة في خلاف ما وصفه به يحيى، وقال محمد بن سعد: كان ثقة إن شاء الله، قال أبو أحمد بن عدي: حسن الحديث، وأرجو أنه لا بأس به، وقال الدارقطني: عمرو بن الحصين، وابن عُلاثَة جميعًا متروكان، وقال ابن حِبَّان: كان ممن يروي الموضوعات عن الثقات، ويأتي بالمُعْضَلات عن الأثبات، لا يَحِلُّ ذكره في الكتب إلا على جهة القدح فيه، ولا كتابةُ حديثه إلا على جهة التعجب؛ انظر: التقريب 6040، وتهذيب الكمال 5366، والمجروحين لابن حبان 2/ 279، قال ابن حجر: صدوق يخطئ.
غالب بن عبيدالله الجزري: غالب بن عبيدالله العقيلي الجزري، قال يحيى بن معين: ليس بثقة، وقال الدارقطني وأبو حاتم والنسائي والعجلي: متروك، وضعفه ابن المديني، وابن سعد، والساجي، وابن الجارود، وابن شاهين، وغيرهم، وقال ابن عدي: له أحاديث منكرة المتن؛ انظر: لسان الميزان 6474.
مجاهد: ابن جَبْر، بفتح الجيم وسكون الموحدة، أبو الحجاج المخزومي مولاهم، المكي، ثقة إمام في التفسير وفي العلم، من الثالثة، مات سنة إحدى - أو اثنتين أو ثلاث أو أربع - ومائة، وله ثلاث وثمانون، روى له الجماعة؛ التقريب: 6481.
ب - درجة الحديث: إسناده باطل.
[5] أ - درجة الحديث: في إسناده مَن لم أعرفه.
[6] أ - رواة الحديث:
أبو طاهر بن الحنَّائي: الشيخ الجليل الثقة، أبو طاهر محمد بن الحسين بن محمد بن إبراهيم الحنائي الدمشقي، من أهل بيت حديثٍ وعدالةٍ، وسنةٍ وصدق...، مات في ثالث جمادى الآخرة سنة عشر وخمس مائة، وله سبع وسبعون سنة؛ سير أعلام النبلاء 19/ 436 - 437.
أبو البركات الخضر بن شبل: ابن الحسين بن عبدالواحد أبو البركات بن أبي طاهر الحارثي قال ابن عساكر: كان شديد الفتوى، واسع المحفوظ، ثبتًا في روايته، نزه النفس ذا مروءة...، تاريخ مدينة دمشق: 16/ 436.
أبو القاسم الحنائي: الشيخ العالم، العدل، أبو القاسم، الحسين بن محمد بن إبراهيم بن الحسن الدمشقي، الحنائي...، وكان محدث البلد في وقته، قال النسيب: سألت الشيخ الثقة الديِّن الفاضل أبا القاسم...، وقال ابن ماكولا: كتبت عنه وكان ثقة، قال الكتاني: تُوفي في جمادى الأولى سنة تسع وخمسين وأربع مائة؛ سير أعلام النبلاء: 18/ 130 - 131.
عبدالوهاب الكلابي: المحدث الصادق المعمر، أبو الحسين، عبدالوهاب بن الحسن بن الوليد بن موسى الكلابي الدمشقي، مات في ربيع الأول سنة ست وتسعين وثلاث مائة، وله تسعون سنة قاله عبدالعزيز الكناني، وقال: كان ثقة، نبيلًا مأمونًا؛ سير أعلام النبلاء: 16/ 557.
إبراهيم بن عبدالرحمن بن مروان: الإمام الحافظ الثقة الرحال، أبو إسحاق إبراهيم بن عبدالرحمن بن عبدالملك القرشي الأموي الدمشقي...، مات في رجب سنة تسع عشرة وثلاث مائة، وقد قارب التسعين؛ سير أعلام النبلاء: 15/ 62.
أبو هُبَيْرةَ: محمد بن الوليد بن هبيرة الهاشمي، أبو هبيرة الدمشقي، القلانسي، من الحادية عشرة، مات سنة ستة وثمانين، روى له أبو داود، قال ابن أبي حاتم: هو صدوق، وقال مسلمة: لا بأس به، أحاديثه مستقيمة؛
انظر: تقريب التهذيب 6376، وتهذيب التهذيب 9/ 505، قال ابن حجر: صدوق.
المستهل بن داود التميمي: ذكره ابن عساكر، ولم يذكر فيه جرحًا ولا تعديلًا؛ تاريخ مدينة دمشق: 57/ 390.
عبدالسلام بن مكلبة: الثعلبي البيروتي، ذكر الشيخ الألباني أنه لم يجدْ مَن ذكره؛ سلسلة الأحاديث الضعيفة: 1215.
قال مقيده - عفا الله عنه -: ذكره ابن عساكر في تاريخ مدينة دمشق 36/ 221، وذكر أربعة رَوَوا عنه غير المستهل بن داود، ولم يذكر فيه جرحًا ولا تعديلًا، وذكره ابن أبي حاتم في الجرح والتعديل 7/ 47، ولم يذكر فيه جرحًا ولا تعديلًا إلا قول مروان بن محمد: أعلم الناس بالأوزاعي وبحديثه وفُتياه عشرة أنفس: وذكر الأول والثاني، قال: والثالث: عبدالسلام بن مكلبة.
عثمان بن عقال: لم أجده، وذكر الشيخ الألباني سلسلة الأحاديث الضعيفة: 1215 أنه لم يجد مَن ذكره.
ابن أبي مليكة: عبدالله بن عبيدالله بن عبدالله بن أبي مُلَيْكةَ، بالتصغير، ابن عبدالله بن جدعان، يقال اسم أبي مليكة: زهير التيمي، المدني، أدرك ثلاثين من الصحابة، ثقة فقيهٌ، من الثالثة، مات سنة سبع عشرة، روى له الجماعة؛ التقريب: 3454.
ب - درجة الحديث: إسناده ضعيف، اكتفى السيوطي في الجامع الصغير بعزوه لابن عساكر، وهذا معلم بالضعف، وسكت عنه المناوي في الفيض 4/ 401، والتيسير 2/ 160، وقال الشيخ الألباني: موضوع؛ ضعيف الجامع الصغير: 3909، وقال في سلسلة الأحاديث الضعيفة: 1215: باطل...، إسناد مظلم، واستظهر أن يكون المستهل هو آفة الحديث، فإنه تميمي.
[7] ضاحي: لغة تميم ص 32.
[8] الجاسر: جمهرة أنساب الأسر المتحضرة في نجد 1/ 67.
[9] بكر أبو زيد: المدخل المفصل إلى فقه الإمام أحمد بن حنبل 1/ 552.
[10] ابن منظور: لسان العرب 12/ 140.
[11] عجالة المبتدي: لأبي بكر محمد الحازمي: ص5.
[12] انظر: القاموس المحيط: 1029 – 1030، وجمهرة أنساب العرب: ص487.
[13] سند ابن عساكر جبَّار، وفي الآخر كما هنا حيان.
[14] أ - رواة الحديث:
محمد بن عيسى التميمي: لم أقف على ترجمته، وهكذا قال محقق البحر الزخار 3/ 311، حديث رقم 1103.
العباس بن نجيح الدمشقي: قال البزار: ليس به بأس، وفي كتاب الجرح والتعديل لابن أبي حاتم 6/ 211: عباس بن عبدالرحمن بن الوليد، ابن نجيح الدمشقي، روى عن بكر بن عبدالعزيز بن إسماعيل بن عبيدالله، سمع منه أبي بدمشق، وروى عنه، قال عبدالرحمن: سئل أبي عنه، فقال: صدوق.
بكر بن عبدالعزيز: قال البزار: ليس بالمعروف بالنقل، وإن كان معروفًا بالنسب، وفي كتاب الجرح والتعديل لابن أبي حاتم 2/ 389 - 390: بكر بن عبدالعزيز بن إسماعيل بن عبيدالله، روى عن عمه عبدالغفار بن إسماعيل بن عبيدالله، وسليمان بن أبي بكر بن أبي كريمة، روى عنه عبدالرحمن بن يحيى بن إسماعيل بن عبيدالله بن أبي المهاجر المخزومي الدمشقي، وعباس بن عبدالرحمن بن الوليد بن نجيح الدمشقي.
قال مقيده - عفا الله عنه -: يعني ارتفعت جهالة العين، لكن تبقى جهالة الحال، فهو مستور، ولم يذكر فيه ابن أبي حاتم جرحًا ولا تعديلًا، وكذا ابن عساكر تاريخ مدينة دمشق 10/ 382.
سليمان بن أبي كريمة: قال أبو حاتم: ضعيف الحديث؛ الجرح والتعديل 4/ 138، وقال ابن عدي: عامة أحاديثه مناكير؛ الكامل في الضعفاء 3/ 263، وقال العقيلي: يحدث بمناكير، ولا يتابع على كثير من حديثه؛ الضعفاء الكبير 2/ 138.
حيان: قال الذهبي: حيان عن مولاته أم الدرداء لا يدرى مَن هو؛ ميزان الاعتدال رقم 2389، ووافقه ابن حجر لسان الميزان 2/ 450.
ب - درجة الحديث: إسناده ضعيف؛ لضعف بعض رجاله، وجهالة آخرين.
قال البزار: لا نعلم يروى مرفوعًا بهذا اللفظ إلا بهذا الوجه، والعباس بن نجيح الدمشقي: ليس به بأس، وبكر بن عبدالعزيز ليس بالمعروف بالنقل، وإن كان معروفًا بالنسب، وكذلك سليمان بن أبي كريمة، لم نحفظه إلا من هذا الوجه، فأخرجناه وبينا علَّته.
وقال الهيثمي في مجمع الزوائد 16544: رواه البزار، وفيه: سليمان بن أبي كريمة، وهو ضعيف، وفي مختصر زوائد مسند البزار 2049 بعد قوله: وكذا سليمان...، وقد ذكر بالضعف، وضعفه الهيتمي ص56؛ مبلغ الأرب، وقال ابن عساكر 26/ 272: غريب جدًّا، رواه إبراهيم بن عبدالرحمن بن مروان، عن عبدالسلام، عن عتيق، عن العباس بن عبدالرحمن، فقال: عن حيان مولى أم الدرداء، عن أم الدرداء، عن أبي الدرداء، أو قال: عن حيان مولى أم الدرداء، عن أبي الدرداء، شك عباس.
ج - تخريج الحديث: رواه تمام في الفوائد الروض البسام: 1542: أخبرنا أبو الحسن أحمد بن سليمان بن أيوب بن حذلم القاضي: نا أبو القاسم يزيد بن محمد بن عبدالصمد: نا أبو الحارث العباس بن عبدالرحمن بن الوليد بن نجيح القرشي: نا بكر بن عبدالعزيز بن إسماعيل بن عبيدالله: نا سليمان بن أبي كريمة، عن حيان مولى أم الدرداء، عن أم الدرداء، قالت: سمعت أبا الدرداء وهو يقول وذكره، ورواه 1543: أخبرنا أبو عبدالله محمد بن إبراهيم بن عبدالرحمن وغيره، قالوا: نا أبو عبدالملك أحمد بن إبراهيم القرشي: نا أبو الحارث العباس بن عبدالرحمن ابن نجيح به، إلا أنه قال: عن أم الدرداء، قالت: خرج أبو الدرداء، ومن طريق تمام رواه ابن عساكر في تاريخ مدينة دمشق 26/ 272: أخبرنا أبو محمد بن حمزة: نا عبدالعزيز الصوفي: أنا تمام بن محمد: أنا أبو الحسن أحمد بن سليمان بن أيوب بن حذلم القاضي به، ورواه أيضًا في تاريخ مدينة دمشق 10/ 382: أخبرنا أبو محمد السلمي: حدثنا عبدالعزيز التميمي: أخبرنا تمام بن محمد: أخبرنا أبو عبدالله محمد بن إبراهيم بن عبدالرحمن وغيره به.
[15] أ - رواة الحديث:
إسماعيل بن إبراهيم: ابن مقسم الأسدي مولاهم، أبو بشر البصري، المعروف بابن علية، ثقة حافظ، من الثامنة، مات سنة ثلاث وتسعين، وهو ابن ثلاث وثمانين، روى له الجماعة؛ التقريب: 416.
خالد: بن مهران، أبو المنازل...، البصري، الحذاء...، وهو ثقة يرسل، من الخامسة، وقد أشار حماد بن زيد إلى أن حفظه تغير لما قدم من الشام، وعاب عليه بعضهم دخوله في عمل السلطان، روى له الجماعة؛ التقريب: 1680.
عبدالله بن شقيق: العُقيلي: بالضم، بصري، ثقة فيه نصب، من الثالثة، مات سنة ثمان ومائة، [البخاري في الأدب المفرد، ومسلم، والأربعة]؛ التقريب: 3385.
ب - درجة الحديث: إسناده صحيح.
- قال الترمذي: هذا حديث حسن صحيح غريب، وصححه الحاكم 1/ 71، ووافقه الذهبي؛ وانظر المستخرج من الكتب، تخريج أحاديث إحياء علوم الدين رقم 2981، وقال الشيخ الألباني: سنده صحيح؛ المشكاة: 5601.
ج - تخريج الحديث: تابع ابن علية عن الحذاء عددٌ كثير، ومن طريق الحذاء رواه الترمذي 2438، وابن ماجه 4316، وأبو داود الطيالسي 1283، وابن أبي شيبة 571 في مسانيدهم، والدارمي في السنن 2811، والبخاري في التاريخ الكبير 5/ 26، وابن أبي عاصم في الآحاد والمثاني 222، وابن خزيمة في كتابه التوحيد ص 313، وابن حبان الإحسان: 7376، والحاكم في المستدرك 1/ 70، 71، والبيهقي في الدلائل 6/ 378، والضياء في المختارة 9/ 139 - 14،0وابن الأثير في أسد الغابة 3/ 197، والمزي في تهذيب الكمال 3198، وعزا الحديث البوصيري في إتحاف الخيرة المهرة 10130 لمسدَّد وأبي يعلى الموصلي، وقال الحاكم 3/ 408: حدثنا أبو زكريا يحيى بن محمد العنبري: ثنا محمد بن عبدالسلام: ثنا إسحاق بن إبراهيم: ثنا عبدالوهاب الثقفي: ثنا خالد الحذاء به، وفي آخره قال الثقفي: قال هشام: سمعت الحسن يقول: إنه أويس القرني، قال الحاكم: صحيح الإسناد ولم يخرجاه، وصححه الذهبي، وفي الباب عن واثلة بن الأسقع؛ الحلية: 304 - 305، والخطيب في تاريخه 5/ 26، وأبي هريرة؛ الميزان: 1/ 181، وأبي قلابة؛ المطالب العالية - مسدد: 4662.
[16] ابن عبدربه: العقد الفريد 3/ 283
[17] الجاحظ: البيان والتبيين 1/ 118 - 119.
[18] ابن حزم: جمهرة أنساب العرب ص: 488.
[19] المرجع السابق: ص 207.
[20] ابن حجر: فتح الباري 6/ 529.
[21] ابن الملقن: التوضيح؛ قصص الأنبياء ومناقب القبائل: ص: 376 - 377، وجود إسناده بلفظٍ نحوه الصالحيُّ في سبل الهدى والرشاد 1/ 291.
[22] ابن عبدالبر: الأنباه على قبائل الرواة ص: 57.
[23] أ - رواة الحديث:
القاضي المحاملي: هو الإمام العلامة المحدِّث الثقة، مُسنِد الوقت أبو عبدالله الحسين بن إسماعيل بن محمد...، المحاملي، مُصنِّف السنن، مولده في أول سنة خمس وثلاثين ومائتين...، قال أبو بكر الخطيب: كان فاضلًا ديِّنًا...، أملى مجلسًا في ثاني عشر ربيع الآخر سنة ثلاثين وثلاثمائة، ثم مرض، فمات بعد أحد عشر يومًا؛ السير: 15/ 258 - 261.
عبدالله بن شبيب: أبو سعيد الربعي، إخباريٌّ علَّامة، لكنه واهٍ، قال أبو أحمد الحاكم: ذاهب الحديث...، قال ابن حبان: يقلب الأخبار ويسرقها، قلت: آخر مَن حدث عنه المحاملي، وأبو روق الهزاني؛ الميزان: 2/ 438 - 439.
إبراهيم بن يحيى بن محمد بن عباد بن هاني الشجري، قال أبو حاتم: ضعيف، وذكره ابن حبان في كتاب الثقات، روى له الترمذي، تهذيب الكمال: 2/ 230 - 231، وقال الذهبي: ضعفه ابن حاتم، ومشاه غيره؛ الميزان: 1/ 74.
أبوه: يحيى بن محمد الشجري، قال أبو حاتم: ضعيف الحديث، وذكره ابن حبان في كتاب الثقات روى له الترمذي. تهذيب الكمال: 31/ 521 - 522 قال الذهبي: ضعيف الكاشف: 3/ 267.
عبدالملك بن عبدالعزيز: بن جريج الأموي مولاهم المكي، ثقة فقيه فاضل، وكان يدلس ويرسل، من السادسة، مات سنة خمسين ومائة أو بعدها، وقد جاوز السبعين، وقيل جاوز المائة ولم يثبت، روى له الجماعة؛ التقريب: 4193.
أبوه: عبدالعزيز بن جريج القرشي، مولاهم، المكي...، قال البخاري: لا يتابع في حديثه، وذكره ابن حبان في كتاب الثقات...، روى له الأربعة؛ تهذيب الكمال: 18/ 117 - 118.
قال ابن حجر: لين التقريب: 4087.
ب - درجة الحديث: إسناده واهٍ من أجل عبدالله بن شبيب، وللكلام فيمَن بعده.
[24] عند ابن أبي عاصم بخفاف أصابها.
[25] أ - رواة الحديث:
هاشم بن القاسم:
ابن مسلم الليثي مولاهم، البغدادي، أبو النضر، مشهور بكنيته، ولقبه قيصر، ثقة ثبت، من التاسعة، مات سنة سبع ومائتين، وله ثلاث وسبعون، روى له الجماعة. التقريب: 7305.
شعبة:
ابن الحجاج بن الورد العتكي مولاهم، أبو بسطام الواسطي ثم البصري، ثقة حافظ متقن، وكان الثوري يقول: هو أمير المؤمنين في الحديث، وهو أول من فتش بالعراق عن الرجال وذب عن السنة، وكان عابدا، من السابعة، مات سنة ستين، روى له الجماعة التقريب: 2790.
خالد الحذاء:
خالد بن مهران، أبو المنازل البصري، الحذاء، من الخامسة، روى له الجماعة، قال الذهبي: الإمام الحافظ الثقة...، وثَّقه أحمد بن حنبل، ويحيى بن معين وجماعة. وحديثه في الصحاح، قال أبو حاتم: يكتب حديثه ولا يحتج به، وقال عباد بن عباد: أراد شعبة أن يضع من خالد الحذاء... فأمسك، قال فيه أحمد بن حنبل: ثبت، وقال النسائي: ثقة؛ انظر: التقريب 1690، وسير أعلام النبلاء 6/ 191 - 192.
ابن سيرين: محمد بن سيرين الأنصاري، أبو بكر ابن أبي عمرة البصري، ثقة ثبت عابد كبير القدر، كان لا يرى الرواية بالمعنى، من الثالثة مات سنة عشرين ومائة روى له الجماعة؛ التقريب: 5947.
ب - درجة الحديث: إسناده صحيح، وظاهره الإرسال، وقال في جامع التحصيل ص 90: حكى ابن عبدالبر عن جماعة تصحيح مرسلات محمد بن سيرين كمراسيل النخعي.
[26] ابن عبدربه: العقد الفريد 3/ 283.
[27] عبداللطيف آل الشيخ: منهاج التأسيس، ص 91 - 92.
[28] عبداللطيف آل الشيخ: مصباح الظلام، ص 238.
[29] عمر كحالة: معجم قبائل العرب 1/ 130.
[30] مسلم 588، وأحمد 2/ 237، وأبو داود 983، والنسائي 1310، وابن ماجه 909، والدارمي 1350، وابن الجارود 207، وابن خزيمة 721، وأبو عوانه في مسند 2/ 235، وابن حبان الإحسان: 1967، والآجري في الشريعة: ص 373، وأبو نعيم في مستخرجه 2/ 186، والحلية: 6/ 79، والبيهقي في الكبرى 2/ 154، والبغوي في شرح السنة 693، وابن عساكر في تاريخ دمشق 24/ 453 - 454، من طريق الأوزاعي، عن حسان بن عطية، عن محمد بن أبي عائشة، عن أبي هريرة رضي الله عنه به.
[31] مسلم 2945، وأحمد 6/ 462، والترمذي 3930، وابن حبان الإحسان: 6797، من طريق ابن جريج عن أبي الزبير عن جابر بن عبدالله رضي الله عنهما به.
[32] أحمد 4/ 431، وأبو داود 4319، والطبراني في الكبير 18/ 220 - 221، والحاكم 4/ 531، من طريق حميد بن هلال عن أبي الدهماء، عن عمران بن حصين رضي الله عنه به، قال الحاكم: صحيح الإسناد على شرط مسلم، وجود إسناده ابن كثير؛ النهاية: 1/ 163، وقال الألباني: إسناده صحيح؛ المشكاة: 5488.
[33] هذان البيتان كتبهما الشيخ عائض القرني في هذا الموضع أثناء مراجعته لهذا الجزء عام 1418هـ، فجزاه الله خيرًا.
[34] تخريج الحديث: ومن طريق أبي زرعة أخرجه الإمام مسلم 2525، وابن أبي عاصم في الآحاد والمثاني 2/ 369، وأبو يعلى 6108، والإسماعيلي فتح الباري: 5/ 172، وابن حبان الإحسان: 6808، والبيهقي في الكبرى 7/ 11، والعراقي محجة القرب 223، قال الحافظ الفتح: 5/ 172: ووقع عند الطبراني في الأوسط من طريق الشعبي، عن أبي هريرة رضي الله عنه في هذا الحديث: وأُتي النبيُّ صلى الله عليه وسلم بنَعَمٍ من صدقةِ بني سعد، فلما راعه حسنها قال: هذه صدقة قومي؛ اهـ، وبنو سعد بطنٌ كبير شهير من تميم.
[35] ابن حجر: فتح الباري 5/ 173.
[36] أخرجه أبو نعيم في الحلية 7/ 123، والخطيب في تاريخ بغداد 13/ 110 - 111، من حديث عبدالله بن مسعود رضي الله عنه، وقد حُسِّن.
[37] عبداللطيف آل الشيخ: منهاج التأسيس ص 92.
[38] العباد: منهج شيخ الإسلام ص 4.
[39] ابن حجر: فتح الباري 5/ 172.
[40] صحيح: رواه أحمد 4/ 437، وأبو داود 2484، والحاكم 4/ 450، من طريق حماد بن سلمة، عن قتادة، عن مطرف بن عبدالله بن الشِّخير، عن عمران بن حصين رضي الله عنهما به، قال الحاكم: صحيح على شرط مسلم، ووافقه الذهبي، قال الألباني الصحيحة: 1959: وهو كما قالا.
[41] القرطبي: المفهم 6/ 467.
مزايا قبيلة بني تميم (3)
مصنف ابن أبي شيبة (7/ 561) - ومن طريقه ابن أبي عاصم في الآحاد والمثاني (1152و1153) -: حدثنا الفضل بن دُكين، عن سفيان، عن واصل، عن المعرور بن سويد، عن ابن فاتك، قال: قال لي كعب: إن أشدَّ أحياء العرب على الدجال لَقومُك؛ يعني بني تميم[1].
وفي المصنف أيضًا (7/ 561) - ومن طريقه ابن أبي عاصم في الآحاد والمثاني (1154) -: حدثنا أبو نعيم، عن مسافر الجصاص، عن فضيل بن عمرو، قال: ذكروا بني تميم عند حذيفة رضي الله عنه، فقال: إنهم أشد الناس على الدجال، ورواته ثقات إلا أنه منقطع.
• تميزت بأنها قَتَلة الدجَّال، وأطول الناس رماحًا عليه، فعن ابن عباس رضي الله عنهما عن النبي صلى الله عليه وسلم قال - عن بني تميم -: ((هم قتلة الدجال))، وإسناده تالف، يأتي.
وعن عكرمة بن خالد، قال: حدثني فلان من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم عن النبي صلى الله عليه وسلم قال - عن بني تميم -: ((إنهم أطول رماحًا على الدجال))؛ حديث حسن، يأتي.
• تميزت بأنها أشد الناس قتالًا في الملاحم، قال الإمام مسلم (2525) - ومن طريقه العراقي في محجة القرب (225) -: حدثنا حامد بن عمر البكراوي: حدثنا مسلمة بن علقمة المازني، إمام مسجد داود: حدثنا داود، عن الشعبي، عن أبي هريرة رضي الله عنه، قال: ثلاثُ خصالٍ سمِعتُهن من رسول الله صلى الله عليه وسلم في بني تميم، لا أزال أحبهم بعد، وساق الحديث - بالمعنى المتقدِّم - غير أنه قال: ((هم أشد الناس قتالًا في الملاحم))[2]، ولفظ ابن أبي عاصم في الآحاد والمثاني (1147): ((هم أشد الناس بلاءً في الملاحم))؛ (الملاحم): جمع مَلْحمة، والملحمة هي الحرب وموضع القتال، وقيل: إن الملحمة اسمٌ للقتال الشديد بين المسلمين والكفار، بخلاف ما كان بين المسلمين، فإنه يسمى فتنة، قال ابن كثير[3]: وهذا الحديث يردُّ على ما ذكره صاحبُ الحماسة وغيره من شعر من ذمِّهم؛ حيث يقول:
وعلَّق الشيخ عائض القرني أثناء مراجعته لهذه الرسالة [عام 1418هـ]، بخط يده على قول قتادة هذا: كذب بل الصحيح:
تميمٌ بطُرقِ العزِّ أهدى مِنَ القطا♦♦♦ ولو سَلَكتْ طرقَ الرَّشاد لدلَّتِ
همُ القومُ إن قالُوا أصابُوا وإن دعوا ♦♦♦ أجابوا وَهُمْ دِرعٌ لأشرفِ مِلَّةِ
ومن الطرائف ما قاله بعض الجهلة لأعرابي من بني تميم يمازحه: يا أعربي، مَن الذي يقول:
تميمٌ ببطنِ اللؤمِ أهدى مِن القطا ♦♦♦ ولو سلَكتْ سُبلَ المكارِمِ ضلَّتِ
فقال: لا أعرفه، ولكن أعرف الذي يقول:
أعضَّ اللهُ مَن يهجو تميمًا ♦♦♦ ومَن يروي لها أبدًا هجاءَ[4]
• تميزت بأنها باقيةٌ إلى آخر الزمان شجًا في حلق الدجال، ومن كان على شاكلته، فعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: ذُكرت القبائل عند النبي صلى الله عليه وسلم...، وسألوه عن بني تميم، فقال - وذكر الحديث - وفيه: ((أشد الناس على الدجال في آخر الزمان))، قال في المرقاة[5]: فيه إشعارٌ بوجودهم إلى زمانه بكثرةٍ.
• تميزت بنصرتِها للحق في آخر الزمان، فعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم، وذكر بني تميم - فقال: ((... أنصار الحق في آخر الزمان)).
ويأتي تخريج هذه الأحاديث إن شاء الله تعالى.
• تميزت بأنها صاحبة راية المهدي، قال الطبراني في الأوسط (4142): حدثنا علي بن سعيد قال: حدثنا محمد بن منصور الطوسي، قال: حدثنا كثير بن جعفر، قال: حدثنا ابن لهيعة، عن عبدالله بن عمر، عن نافع، عن ابن عمر رضي الله عنهما قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم جالسًا في نفر من المهاجرين والأنصار، عليُّ بن أبي طالب عن يساره، والعباس عن يمينِه؛ إذ تلاحى العباس ورجل من الأنصار، فأغلظ الأنصاري للعباس، فأخذ رسول الله صلى الله عليه وسلم بيد العباس وبيد علي، فقال: ((سيخرج من صلب هذا حي يملأ الأرض جَورًا وظلمًا، وسيخرج من صلب هذا حي يملأ الأرض عدلًا وقسطًا، فإذا رأيتُم ذلك، فعليكم بالفتى التَّميمي؛ فإنه يُقبل مِن قِبَل المشرق، وهو صاحب راية المهدي))، قال الطبراني: لم يرو هذا الحديث عن عبدالله بن عمر إلا ابن لَهيعة، تفرد به كثير بن جعفر[6].
وقد روي موقوفًا على علي رضي الله عنه بإسناد ضعيف، قال أبو عبدالله نُعيم بن حماد المروزي في كتابه الفتن (914): حدثنا الوليد ورشدين، عن ابن لهيعة، عن أبي قبيل، عن أبي رومان، عن علي رضي الله عنه قال: "يلتقي السفياني والرايات السود - فيهم شاب من بني هاشم، في كفِّه اليسرى خال، وعلى مقدمته رجلٌ من بني تميم، يقال له شعيب بن صالح - بباب اصطخر، فتكون بينهم ملحمة عظيمة، فتظهر الرايات السود، وتهرب خليل السفياني، فعند ذلك يتمنَّى الناس المهدي ويطلبونه"، وجاء نحو هذا عن محمد بن الحنفية (894)، والحسن (897)، وأبي جعفر (913).
• تميزت برجاحة الأحلام وضخامة الهام، قال الطبراني في الأوسط (8202) - ومن طريقه العراقي في محجة القرب (212) -: حدثنا موسى، قال: حدثنا إسحاق بن راهويه، قال: أخبرنا أبو معاوية، عن سلام بن صبيح، عن منصور بن زاذان، عن محمد بن سيرين، عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: ذكرت القبائل عند النبي صلى الله عليه وسلم فسألوه عن بني عامر، فقال: ((جملٌ أزهرُ يأكل من أطراف الشجر))، وسألوه عن هوازن، فقال: ((زهر يتبَعُ ماءَهُ))، وسألوه عن بني تميم، فقال: ((ثُبَّت الأقدام، رُجَّح الأحلام، عظام الهام، أشد الناس على الدجال في آخر الزمان، هضبةٌ حمراء، لا يضرُّها مَن ناوأها))؛ قال الطبراني: لم يروِ هذا الحديث عن محمد بن سيرين إلا منصور، ولا عن منصور إلا سلام بن صبيح، تفرد به أبو معاوية[7].
وقال البزار (مختصر زوائد مسند البزار: 2056) ومن طريقه العراقي (محجة القرب: 227): حدثنا إبراهيم بن سعيد: ثنا أبو معاوية: ثنا سلام عن منصور بن زاذان، عن محمد بن سيرين، عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم وذكر بني تميم فقال: ((هم ضخام الهام ثبت الأقدام، نصار الحق في آخر الزمان، أشد قوم على الدجال))[8].
• تميزت بعلو المكانة، قال ابن أبي عاصم (الآحاد والمثاني: 1149) - ومن طريقه ابن الأثير (أسد الغابة: 4/ 223) -: حدثنا عبدالوهاب بن الضحاك: نا إسماعيل بن عيَّاش، عن بشر بن عبد الله[9]، عن عمرو بن سليمان[10] العوفي، رفعه إلى النبي صلى الله عليه وسلم قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((عُرِضت عليَّ الجدود، ورأيت جدَّ بني تميم هضبةً حمراءَ لا يضرُّها مَن وازاها))، فقال رجل من القوم: إنهم إنهم، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((مَه مَه عنهم، فإنهم عظام الهام، ثبت الأقدام، أنصار الحق في آخر الزمان))؛ ثم رواه (1224) بالسند نفسه بأطوال من هذا، وبدل ((وازاها)) ((واناها))[11].
ورواه ابن الأثير - مطولًا - وعنده ((... هضبة حمراء لا يقربها من وراءها)). فقال رجل من القوم: أيهم؟...)).
• تميَّزت بأصالة نسائها، وما أجملَ أثرِ المرأة الأصيلة العاقلة على أولادها.
وفي مصنف ابن أبي شيبة (7 / 561 - 562) - ومن طريقه ابن أبي عاصم (الآحاد والمثاني: 1155) -: حدثنا أبو نعيم، عن مندل، عن ثور، عن رجل، قال: خطب رجل من الأنصار امرأة، فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((ما يضرُّك إذا كانت ذاتَ دين وجمال ألا تكون من آل حاجب بن زُرارة))، وهذا إسناد ضعيف؛ لضعف مندل، ولوجود الرجل الذي لم يُسَمَّ.
وقال الشعبي: قال لي شريح: يا شعبي، عليك بنساء بني تميم، فإني رأيت لهن عقولًا، ثم ذكر شريح قصته مع المرأة التميمية التي تزوَّجها، واسمها (زينب بنت حدير)، قال شريح: فمكثتْ معي عشرين سنة لم أعتِبْ عليها في شيء، إلا مرة واحدة، وكنت لها ظالمًا[12].
• تميزت بمكانة لغتها وبالبيان والفصاحة والشعر، ففي مصنف ابن أبي شيبة (7 / 562) - ومن طريقه ابن أبي عاصم في الآحاد والمثاني (1156) -: حدثنا الفضل بن دُكين، عن أبي خلدة[13]، عن أبي العالية، قال: قرأ على النبي صلى الله عليه وسلم مِن كل خمسٍ[14] رجلٌ، فاختلفوا في اللغة فرَضي قراءتَهم كلهم، فكان بنو تميم أعربَ القوم[15].
[1] أ - رواة الحديث:
الفضل بن دُكين: الكوفي، واسم دكين: عمرو بن حماد بن زهير التيمي، مولاهم، الأحول، أبو نعيم المُلائي، بضم الميم، مشهور بكنيته، ثقة ثبت، من التاسعة، مات سنة ثماني عشرة، وقيل تسع عشرة، وكان مولده سنة ثلاثين، وهو من كبار شيوخ البخاري، روى له الجماعة؛ (التقريب: 5401).
سفيان: هو ابن سعيد بن مسروق، الثوري، أبو عبدالله الكوفي، ثقة حافظ، فقيه عابد، إمام حجة، من رؤوس الطبقة السابقة، وكان ربما دلَّس، مات سنة إحدى وستين، وله أربع وستون، روى له الجماعة؛ (التقريب: 2445).
واصل: هو ابن حيان الأحدب الأسدي، الكوفي...، ثقة ثبت، من السادسة، مات سنة عشرين ومائة، روى له الجماعة؛ (التقريب: 7382).
المعرور بن سويد: الأسدي، أبو أمية الكوفي، ثقة، من الثانية، عاش مائة وعشرين سنة، روى له الجماعة؛ (التقريب: 6790).
ابن فاتك: هو خُريم بالتصغير، ابن فاتك الأسدي، أبو يحيى، وهو خريم بن الأخرم بن شداد بن عمرو بن فاتك، نُسب لجد جده صحابي، شهد الحديبية، ولم يصح أنه شهد بدرًا، مات بالرقة في خلافة معاوية، روى له الأربعة؛ (التقريب: 1708).
ب - درجة الحديث: إسناده صحيح.
ج - تخريج الحديث: أخرجه ابن عساكر في تاريخ مدينة دمشق 14/353 - 354، من طريق أبي نعيم به.
[2] ومن طريق مسلمة بن علقمة المازني أخرجه ابن أبي عاصم في الآحاد والمثاني (1147)، والحاكم 4/84، والبيهقي في الكبرى 9/75.
[3] ابن كثير: البداية 5/42.
[4] ابن عبدالبر: بهجة المَجَالس وأنس المُجالس 1/102.
[5] القاري: مرقاة المفاتيح 10/339.
[6] أ - رواة الحديث:
علي بن سعيد: ابن بشير بن مهران الرازي، حافظ، رحال، جوال، قال الدارقطني: ليس بذاك، تفرد بأشياء...، قال ابن يونس: كان يفهم ويحفظ، مات سنة تسع وتسعين ومائتين؛ انتهى، وقال ابن يونس: تكلموا فيه، قلت: لعل كلامهم فيه من جهة دخوله في أعمال السلطان، وحكى حمزة بن محمد الكتاني أن عبدان بن أحمد الجواليقي كان يعظمه، وقال مسلمة بن قاسم: يعرف ببَعْلبك، وكان ثقة عالمًا بالحديث، حدثني عنه غير واحد...، وقال حمزة بن يوسف: سألت الدارقطني عنه، فقال: ليس في حديثه بذاك...، فقلت: كيف هو في الحديث؟ قال: حدَّث بأحاديث لم يُتابع عليها، ثم قال: في نفسي منه، وقد تكلم فيه أصحابنا بمصر وأشار بيده، وقال: هو كذا وكذا، ونفض بيده يقول: ليس بثقة، وقال ابن يونس في تاريخه: تكلموا فيه، وكان من المحدثين الأجلاء؛ (لسان الميزان: 4265 - 266).
محمد بن منصور الطوسي: محمد بن منصور بن داود الطوسي، نزيل بغداد، أبو جعفر العابد، من صغار العاشرة، مات سنة أربع - أو ست - وخمسين، وله ثمان وثمانون سنة، روى له أبو داود والنسائي؛ (التقريب: 6326).
كثير بن جعفر: ابن أبي كثير، أخو إسماعيل، مولى بني زريق الأنصاري المدني؛ البخاري في التاريخ الكبير (7/217)، وابن أبي حاتم في الجرح والتعديل (7/150)، ولم يذكرا فيه جرحًا ولا تعديلًا، وذكرا رجلين رويا عنه، وذكره ابن حبان في كتاب (الثقات: 9/25).
عبدالله بن لَهِيعة: بفتح اللام وكسر الهاء، ابن عقبة الحضرمي، أبو عبدالرحمن المصري، القاضي، صدوق، من السابعة، خلط بعد احتراق كتبه، وروايةُ ابن المبارك وابن وهب عنه أعدلُ من غيرهما، وله في مسلم بعض شيء مقرون، مات سنة أربع وسبعين، وقد ناف على الثمانين، روى له مسلم، وأبو داود، والترمذي، وابن ماجه؛ (التقريب: 3563).
عبدالله بن عمر: ابن حفص بن عاصم بن عمر بن الخطاب، أبو عبدالرحمن العمري المدني، ضعيف عابد، من السابعة، مات سنة إحدى وسبعين، وقيل بعدها، روى له مسلم والأربعة؛ (التقريب: 3489).
نافع: أبو عبدالله المدني، مولى ابن عمر، ثقة ثبت، فقيه مشهور، من الثالثة، مات سنة سبع عشرة ومائة، أو بعد ذلك، روى له الجماعة؛ (التقريب: 7086).
ب - درجة الحديث: إسناده ضعيف، قال الهيثمي في مجمع الزوائد (7/317 - 318): رواه الطبراني في الأوسط، وفيه ابن لهيعة، وفيه لين، ولكن الحديث منكر، فإن النبي صلى الله عليه وسلم لم يكن يستقبل أحدًا في وجهه بشيء يكرهه، وخاصة عمه العباس الذي قال فيه: إنه صِنْو أبيه، والله أعلم.
[7] أ - رواية الحديث:
موسى: هو ابن هارون بن عبدالله بن مروان، أبو عمران البزاز، المعروف والده بالحمال...، كان ثقة عالمًا حافظًا...، مات يوم الخميس لاثنتي عشرة بقيت من شعبان سنة أربع وتسعين ومائتين؛ (تاريخ بغداد: 7019).
إسحاق بن راهويه: هو إسحاق بن إبراهيم بن مخلد الحنظلي، أبو محمد ابن راهويه، المروزي، ثقة حافظ مجتهد، قرين أحمد بن حنبل، ذكر أبو داود أنه تغير قبل موته بيسير، مات سنة ثمان وثلاثين، وله اثنتان وسبعون، روى له البخاري، ومسلم، وأبو داود، والترمذي، والنسائي؛ (التقريب: 332).
أبو معاوية: هو محمد بن خازم، بمعجمتين، أبو معاوية الضرير، الكوفي، عَمِي وهو صغير، ثقة أحفظ الناس لحديث الأعمش، وقد يهم في حديث غيره، من كبار التاسعة، مات سنة خمس وتسعين، وله اثنتان وثمانون سنة، وقد رمي بالإرجاء، روى له الجماعة؛ (التقريب: 5841)، قال الإمام أحمد: أبو معاوية الضرير في غير حديث الأعمش مضطرب، لا يحفظها حفظًا جيدًا، وقال يعقوب بن شيبة: كان من الثقات وربما دلس، وقال النسائي: ثقة، وقال ابن خراش: صدوق، وهو في الأعمش ثقة، وفي غيره فيه اضطراب؛ (انظر: تهذيب الكمال: 5173).
سلام بن صبيح: شيخ، يروي عن منصور بن زاذان، روى عنه أبو معاوية الضرير...؛ (الثقات: 8/295).
منصور بن زاذان: الواسطي، أبو المغيرة الثقفي، ثقة ثبت عابد، من السادسة، مات سنة تسع وعشرين على الصحيح، روى له الجماعة؛ (التقريب: 6898).
محمد بن سيرين: تقدم.
ب - درجة الحديث: قال العراقي (محجة القرب: ص 317): هذا حديث حسن غريب، وكذا قال الهيتمي (مبلغ الأرب: ص 56)، وقال الهيثمي (مجمع الزوائد: 10/7): رواه الطبراني في الأوسط، وفيه: سلام بن صبيح، وثقه ابن حبان، وبقية رجاله رجال الصحيح، وقال الذهبي (الميزان: 3349) في ترجمة سلام بن صبيح: تفرَّد عنه أبو معاوية الضرير بإسناد قوي إليه، وساق الحديث، وأقره الحافظ في اللسان؛ (لسان الميزان: 3803)، وفي كنز العمال (38031) بعد الحديث من مسند أبي هريرة (الرامهرمزي في الأمثال، ورجاله ثقات)، وانظر الحديث الذي بعده.
ج - تخريج الحديث:ومن طريق أبي معاوية رواه الرامهرمزي في كتابه أمثال الحديث (114)، ورواه الخطيب في تاريخه 9/195، من طريق أبي الأحوص محمد بن حيان: حدثنا أبو معاوية: حدثنا سلام بن صبيح به، وفيه قال أبو الأحوص: قلت لأبي معاوية: مَن سلام؟ قال: كان يسكن المدائن.
[8] - درجة الحديث: قال البزار: سلام هذا أحسبه سلام المدائني، وهو لين الحديث، وقال العراقي: هذا حديث ليس إسناده بالقائم، أخرجه البزار في مسنده هكذا، وقال: سلام هذا، أحسبه سلام المدائني، وهو لين الحديث، قلت: هو سلام بن سلم، ويقال: ابن سليم المدائني، متروك؛ اهـ، وقد تابع سلام بن صبيح: زيد العمي، ومحمد بن شجاع النبهاني، إلا أنهما أسوأ حالًا منه.
- متابعة زيد العمي: قال الحارث بن أبي أسامة في مسنده (بغية الباحث: 1043) - ومن طريقه أبو نعيم (حلية الأولياء: 3/60 - 61) -: حدثنا أبو النضر: ثنا سلام بن سليم، عن زيد العمي، عن منصور، عن ابن سيرين، عن أبي هريرة رضي الله عنه، وذكره مرفوعًا نحوه، قال أو نعيم: غريب من حديث منصور تفرَّد به أبو النضر عن سلام، وقال البوصيري (مختصر اتحاف السادة المهرة: 7847): رواه الحارث بن أبي أسامة بسند ضعيف؛ لضعف زيد العمي؛ اهـ، وسلام بن سليم وهو الطويل، قال الحافظ: متروك؛ (التقريب: 2702).
- متابعة محمد بن شجاع النبهاني: قال العقيلي (الضعفاء الكبير: 1640) - ومن طريقه ابن الجوزي (العلل المتناهية: 481) -: ومن حديثه - يعني محمد بن شجاع النبهاني - ما حدثناه أحمد بن داود القومسي: حدثنا هدية بن عبدالوهاب: حدثنا محمد بن شجاع النبهاني: حدثنا منصور بن زاذان، عن ابن سيرين، عن أبي هريرة رضي الله عنه، وذكره مرفوعًا نحوه، قال العقيلي: الرواية في هذا الباب فيها لين وضعف، وليس فيها شيء صحيح، وقال ابن الجوزي: هذا حديث لا يصح عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، قال ابن المبارك والبخاري: محد بن شجاع ليس بشيء، وروى ابن أبي عاصم (الآحاد والمثاني: 1148): حدثنا محمد بن عوف: نا أبو المغيرة، عن سلام، عن أبي هريرة رضي الله عنه، مرفوعًا نحوه، وسلام عن أبي هريرة منقطع، وللحديث شاهدان مرفوعان؛ أحدهما: حديث عمرو بن سليمان العوفي الذي بعده، والآخر رواه الرامهرمزي (أمثال الحديث: 116) عن ابن عباس رضي الله عنهما.
[9] في أسد الغابة (قيس بن عبدالله)، وكذا في الإصابة 5853.
[10] في أسد الغابة (عمرو بن سليم العوفي)، وكذا في الإصابة 5853.
[11] أ - رواة الحديث:
عبدالوهاب بن الضحاك: ابن أبان العرضي...، أبو الحارث، الحمصي، نزيل سلمية، متروك، كذبه أبو حاتم، العاشرة، مات سنة خمس وأربعين، روى له ابن ماجه؛ (التقريب: 4257)، قال محمد بن عوف: قيل له إنه كان يأخذ فوائد أبي اليمان فيُحدِّث بها عن إسماعيل بن عياش، وحدث بأحاديث كثيرة موضوعة؛ (تهذيب التهذيب: 6/447).
إسماعيل بن عياش: ابن سليم العنسي، بالنون، أبو عتبة الحمصي، صدوق في روايته عن أهل بلده، مخلط في غيرهم، من الثامنة مات سنة إحدى - أو اثنتين - وثمانين، وله بضع وسبعون سنة، روى له البخاري في رفع اليدين والأربعة؛ (التقريب: 473).
بشر بن عبدالله: ابن يسار السلمي الحمصي، صدوق، كان من حرس عمر بن عبدالعزيز، من الخامسة، روى له أبو داود؛ (التقريب: 694).
عمرو بن سليمان العوفي: قال الحافظ (الإصابة: 5853): ذكره ابن أبي عاصم في الوحدان من الصحابة، وأخرج من طريق إسماعيل بن عياش، عن قيس بن عبدالله، عن عمرو بن سليم العوفي، رفعه إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، (وذكر الحديث)، ثم قال: وقد أخرجه ابن منده، لكن قال: عمرو بن سفيان العوفي، أخرجه ابن أبي عاصم، وذكره البخاري في التابعين، لا يعرف له صحبة، ولا رؤية.
ب - درجة الحديث: إسناده باطل، من أجل عبدالوهاب بن الضحاك.
ج - تخريج الحديث: عزاه ابن حجر (الإصابة عمرو العوفي) لابن منده، وعزاه في كنز العمال (34111) للديلمي.
[12] مجلة الشقائق، العدد الثاني عشر 1418هـ، ص 36، وقد رواها الجريري في كتابه (الجليس الصالح) 3/301 - 303: حدثنا أبو النضر العقيلي قال: حدثنا الغلابي، قال: حدثنا عبدالله بن الضحاك، قال: حدثنا الهيثم بن عدي عن الشعبي به، ولفظه: "يا شعبي، عليكم بنساء بني تميم؛ فإنهن النساء..."، وهذا إسناد ضعيف.
[13]في الآحاد (أبي خالدة).
[14]في الآحاد (جنس).
[15] أ - رواة الحديث:
• الفضل بن دكين: أبو نعيم، تقدم.
• أبو خلْدة: هو خالد بن دينار التميمي السعدي، أبو خَلْدة، بفتح المعجمة وسكون اللام، مشهور بكنيته، البصري الخياط صدوق، من الخامسة، روى له البخاري، وأبو داود، والترمذي، والنسائي؛ (التقريب: 1627).
• أبو العالية: البرَّاء، بالتشديد، البصري، اسمه زياد، وقيل كلثوم، وقيل أذينة، وقيل ابن أذينة، ثقة، من الرابعة، مات في شوال سنة تسعين، روى له البخاري، ومسلم، والنسائي؛ (التقريب: 8197).
ب - درجة الحديث: مرسل صحيح الإسناد.
اللغة التميمية لغة ذات قداسة وهي في طليعة اللغات العربية التي أخذ عنها قواعد اللغة، واتكل عليها في الغريب، والإعراب، والتصريف، ويدل على أهميتها ومكانتها: أن القرآن أنزل على سبعة أحرف، قال أبو حاتم السجستاني: نزل بلغة قريش، وهذيل، وتميم، والأزد، وربيعة وهوازن، وسعد بن بكر. ([8])
وقال أبو نصر الفارابي (ت سنة 350 هـ) في أول كتابه الألفاظ والحروف: "والذين عنهم نقلت اللغة العربية، وبهم أقتدي، وعنهم أخذ اللسان العربي من بين قبائل العرب، هم قيس، وتميم، وأسد، وقال أبو عمر بن العلاء: أفصح العرب عليا هوازن، وسفلى تميم. ([9])
وكانت مواطن تميم مقصد العلماء لأخذ اللغة التميمية.
روى ابن الانباري: أن الكسائي خرج إلى البصرة، ولقي الخليل بن أحمد، وجلس في حلقته، فقال رجل من الأعراب: تركت أسدًا وتميمًا وعندهما الفصاحة، وجئت إلى البصرة؟! وقال للخليل بن أحمد: من أين علمك هذا؟ فقال: من بوادي الحجاز، ونجد، وتهامة، فخرج وأنفذ خمس عشرة قنينة حبر في الكتابة عن العرب، سوى ما حفظه. ([10])
وقال الشيخ عبد اللطيف بن عبد الرحمن، في كتابه الحافل (مصباح الظلام): تميم قبل الإسلام وبعده، هم رؤوس نجد وسادته، ولغتهم أفصح اللغات وأفضلها بعد لغة قريش، ولا يُذكر مع لغة قريش غالبًا إلا لغة تميم، كما يذكره النحاة وغيرهم. ([11])
وقد ألف في اللغة التميمية المؤلفات، وتناولتها العديد من الدراسات، وبحثت في رسائل علمية جامعية. ([12])
وأما الفصاحة:
فبنو تميم أهل لسان وبيان، ومن أرباب الفصاحة والبلاغة.
روى مالك في الموطأ، عن زيد بن أسلم، عن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما، أنه قال: قدم رجلان من المشرق فخطبا، فعجب الناس لبيانهما، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (إن من البيان لسحرًا، أو قال: إن بعض البيان لسحر). ([13])
قال الحافظ ([14]): قوله: (قدم رجلان) لم أقف على تسميتهما صريحًا، وقد زعم جماعة أنهما الزبرقان ... وعمرو بن الأهتم، فهما تميميان، قدما في وفد بني تميم على النبي صلى الله عليه وسلم، سنة تسع من الهجرة. أهـ.
وقال ابن عبد البر: هما الزبرقان بن بدر، وعمرو بن الأهتم باتفاق العلماء ([15])
وقال: أبى جمهور أهل الأدب والعلم بلسان العرب إلا أن يجعلوا قوله صلى الله عليه وسلم: (إن من البيان لسحرًا) مدحًا وثناءً وتفضيلًا للبيان وإطراءً، وهو الذي تدل عليه سياقة الخبر، ولفظه. ([16])
وقال: كان صلى الله عليه وسلم قد أوتي جوامع الكلم، إلا أنه بإنصافه كان يعرف لكل ذي فضل فضله. ([17])
وأما الشعر، فلقبيلة تميم الحظ الأوفر، والنصيب الأكبر، وقد نبغ من هذه القبيلة عدد من فحول الشعراء، حسبك بجرير والفرزدق.
وقال السيوطي: كان شعراء الجاهلية في ربيعة .... ثم آل إلى تميم، فلم يزل فيهم إلى اليوم. ([18])
تميزت بما رواه البزار (مختصر زوائد مسند البزار: 2056)، ومن طريقه العراقي (محجة القرب: 228 لكن سقط عن أبي هريرة) قال: حدثنا يحيى بن حكيم، ثنا حرمي بن حفص، ثنا عبيدة بن عبد الرحمن السدوسي، عن يحيى بن سعيد، عن بشير بن نهيك، عن أبي هريرة رضي الله عنه، قال: ربما ضرب النبي صلى الله عليه وسلم على كتفي، وقال: (أحبوا بني تميم).
قال: لا نعلمه عن النبي صلى الله عليه وسلم إلا من هذا الوجه. ([19])
تميزت بما رواه الإمام احمد في المسند (4/ 168)، ومن طريقه العراقي (محجة القرب: 226)، ثنا عبد الصمد، ثنا عمر بن حمزة، حدثنا عكرمة بن خالد، قال: ونال رجل من بني تميم عنده، فأخذ كفًّا من حصى ليحصبه، ثم قال عكرمة: حدثني فلان من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم: أن تميمًا ذكروا عند رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال رجل: أبطا هذا الحي من تميم عن هذا الأمر، فنظر رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى مزينة، فقال: ما أبطا قوم هؤلاء منهم، وقال رجل يومًا: أبطا هؤلاء القوم من تميم بصدقاتهم، قال: فأقبلت نعم حمر وسود لبني تميم، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: (هذه نعم قومي)، ونال رجل من بني تميم عند رسول الله صلى الله عليه وسلم يومًا، فقال: (لا تقل لبني تميم إلا خيرًا، فإنهم أطول الناس رماحًا على الدجال). ([20])
تميزت بما رواه أبو هريرة رضي الله عنه، قال: سئل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن قبائل العرب ... وفيه: وسألوه عن بني تميم، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: (هضبة حمراء، لا يضرهم من عاداهم)، فقال الناس: من بني تميم؟ فقال النبي صلى الله عليه وسلم: (أبى الله لبني تميم إلا خيرًا، هم ضخام الهام ... الحديث). رواه الحارث في مسنده، والرامهرمزي، والخطيب البغدادي، وقد تقدم الكلام عليه.
تميزت بما ورد من مدح لبعض بطونها، قال الطبراني (الكبير 10/ 281 – 282): حدثنا أبو عبيدة عبد الوارث بن إبراهيم العسكري، ثنا سيف بن مسكين الأسواري، حدثنا مبارك بن فضالة، عن الحسن، عن عتي السعدي، قال عتي: خرجت في طلب العلم حتى قدمت الكوفة، فإذا بعبد الله بن مسعود بين ظهراني أهل الكوفة، فسألت عنه فأرشدت إليه، فإذا هو في مسجد الأعظم، فأتيته فقلت: أبا عبد الرحمن، إني جئت أضرب إليك أقتبس منك علمًا، لعل الله أن ينفعنا به بعدك، فقال لي: ممن الرجل؟ فقلت: رجل من أهل البصرة، فقال: ممن؟ قلت: من هذا الحي من بني سعد، فقال لي: يا سعدي، لأحدثن فيكم بحديث سمعته من رسول الله صلى الله عليه وسلم، سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم وأتاه رجل، فقال: يا رسول الله، ألا أدلك على قوم كثيرة أموالهم، كثير شوكتهم، تصيب منهم مالًا دثرًا، أو قال: كثيرًا؟ فقال: (من هم؟) فقال: هم هذا الحي من بني سعد، من أهل الرمال، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (فإن بني سعد عند الله ذو حظ عظيم ....) الحديث. ([21])
وروى الطبراني في معجمه الكبير (22/ 246)، ومن طريقه العراقي (محجة القرب: 249)، حدثنا أحمد بن عمرو الزيبقي، ثنا محمد بن مسكين اليمامي، ثنا محمد بن سليمان، ثنا موسى بن الفضل، عن أيوب بن عتبة، عن معبد بن يزيد، عن أبيه يزيد بن معبد رضي الله عنه، قال: وفدت على النبي صلى الله عليه وسلم، فسألني عن اليمامة (في من العدد - هكذا عند ابن قانع - وعند العراقي: في من العدل من أهلها؟)، فأردت أن أقول: في بني عبد الله ابن الدؤل، ثم كرهت أن أكذب نبي الله، فقلت: العدد منهم في بني عبيد. قال: (صدقت أرض نبتت على شدة ولن يهلك) قالوا: يا رسول الله، بم ذاك؟ قال: (بأنهم يعملون بأيديهم ويؤاكلون عبيدهم). ([22])
اعتراض والجواب عليه
تقدم في مستهل هذه الرسالة اعتراض بعض المناهضين لدعوة الشيخ، بأن شيخ الإسلام محمد بن عبد الوهاب - رحمه الله - وذا الخويصرة التميمي ([23]) يرجعان إلى أصل واحد، وأنه محتمل أن يكون من عقبه ونسله، وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم في حديث أبي سعيد رضي الله عنه: (إنه يخرج من ضئضئ هذا قوم يتلون كتاب الله رطبًا لا يجاوز حناجرهم، يمرقون من الدين كما يمرق السهم من الرمية - وأظنه قال - لئن أدركتهم لأقتلنهم قتل ثمود). ([24])
ولا يخفى على من عنده أدنى مسكة من علم، وأقل قليل من عقل: أن هذا الاعتراض باطل من عدة وجوه:
الأول: قال الخطابي: الضئضئ: الأصل، يريد أنه يخرج من نسله الذي هو أصلهم، أو يخرج من أصحابه وأتباعه الذين يقتدون به، ويتبنون رأيهم، ومذهبهم على أصل قوله. ([25])
قال مقيده - عفا الله عنه -: يؤيد الثاني رواية: (هذا وأصحابه يقرؤون القرآن) وفي رواية: (إن له أصحابا يحقر أحدكم).
قال ابن كثير - رحمه الله -: الخوارج الذين ذكرنا لم يكونوا من سلالة هذا، بل ولا أعلم أحدًا منهم من نسله، وإنما أراد من ضئضئ هذا؛ أي: من شكله وعلى صفته، فالله أعلم. ([26])
الثاني: يا ليت شعري! ومن أين لهم أن الحديث يدل على أن كل من كان من بني تميم داخل في هذا الحديث، ولا شك أن قبيلة بني تميم لديها رصيد كبير من كبار الصحابة وفضلائهم، ومن العلماء والفضلاء ممن جاء بعد زمن ذي الخويصرة، وقد شهد لهم أهل العلم بالعلم والفضل؟
الثالث: أن الحديث لا يدل على أن كل من كان من ضئضئ - أي: من نسل - ذي الخويصرة داخل في طائل الحديث.
ثم من المسلمات: أن الله - جل وعلا - قد يخرج من صلب الداعية إلى الضلالة من يدعو إلى الهداية، والعسل الموصوف بالشفاء قيء الزنابير؛ بل روى الأسود بن سريع رضي الله عنه، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (إن خياركم أبناء المشركين). ([27])
أليس عكرمة بن أبي جهل رضي الله عنه - أحد أفاضل الصحابة - أبوه فرعون هذه الأمة؟! وعبد الله بن عبد الله بن أبي بن سلول رضي الله عنه، الصحابي الجليل، أبوه رأس المنافقين؟! وعمارة أحد خيار المسلمين وسادات التابعين، وكان مالك لا يقدم عليه في الفضل أحدًا، أبوه ابن صياد، الذي يقال: إنه الدجال؟!
أليس هذا من أدله ربوبيته - جل وعلا -؟!
ألم يقل: (يخرج الحي من الميت ومخرج الميت من الحي ذلكم الله فأنى تؤفكون). (الأنعام: 95)
ألم يقل: (وإن لكم في الأنعام لعبرة نسقيكم مما في بطونه من بين فرث ودم لبنا خالصا سائغا للشاربين). (النحل: 66)
سبحان الله! أم هو التجاهل وإغماض الأجفان والعمل بالسفسطة؟
الرابع: كون الشيخ محمد بن عبد الوهاب - رحمه الله - من عقب ذي الخويصرة يحتاج إلى إثبات، ولا إثبات هنا.
الخامس: تقدم ذكر نسب الشيخ محمد، وتعداد آبائه إلى عدنان، وليس من آبائه ذو الخويصرة.
قال الشيخ السهسواني: ليس في حديث البخاري ولا في غيره ما يدل على أن كل من هو من تميم أو من ضئضئ ذي الخويصرة مصداق لهذا الحديث؛ بل في الحديث لفظة (من) دالة على التبعيض ... إلى أن قال: ليس كل من هو من بني تميم من عقب ذي الخويصرة. ([28])
السادس: أن في حديث أبي سعيد وسهل بن حنيف تقييد خروجهم بالمشرق، وفي حديث سهل أيضا الإشارة بيده نحو العراق، والشيخ محمد وأتباعه من اليمامة.
وأخيرا: أقول: إن الشيخ محمد بن عبد الوهاب - رحمه الله - بريء من وصمة ابن ذي الخويصره
والشيخ وأتباعه يحذرون من مذهب الخوارج، وكتبهم لا تزال شاهدة بذلك، ثم إن تصانيفهم الكثيرة زاخرة بالأقوال الصريحة والتطبيقات الجلية المخالفة لمذهب الخوارج في تكفير مرتكب الكبيرة
سارت مشرقة وسرت مغربا *** شتان بين مشرق ومغرب
من وقائع بني تميم
من مهام هذه الرسالة - لصلته القوية بالموضوع - عرضُ ما ستقف عليه من وقائع لبني تميم، قد سطرها التاريخ في صفحاته؛ وهي كالتالي:
أ- قدوم وفد بني تميم:
قال البخاري في صحيحه (فتح الباري: 8 / 83 - 84): باب وفد بني تميم:
حدثنا أبو نعيم: حدثنا سفيان، عن أبي صخرة، عن صفوان بن محرز المازني، عن عمران بن حصين رضي الله عنهما قال: أتى نفر من بني تميم النبي صلى الله عليه وسلم، فقال: ((اقبَلوا البشرى يا بني تميم))، قالوا: يا رسول الله، قد بشرتنا، فأعطنا، فرئي ذلك في وجهه، فجاء نفر من اليمن، فقال: ((اقبَلوا البشرى إذ لم يقبَلْها بنو تميم))، قالوا: قد قبلنا يا رسول الله[1].
وقال: حدثني إبراهيم بن موسى: حدثنا هشام بن يوسف، أن ابن جريج أخبرهم، عن ابن أبي مليكة، أن عبدالله بن الزبير أخبرهم أنه قدِم ركبٌ من بني تميم على النبي صلى الله عليه وسلم...، إلخ.
قال الحافظ: قوله: "فقالوا: بشَّرتنا"، القائل ذلك منهم الأقرع بن حابس؛ ذكره ابن الجوزي، قوله: "فتغير وجهه": إما للأسف عليهم كيف آثروا الدنيا، وإما لكونه لم يحضره ما يعطيهم فيتألَّفهم به، أو لكلٍّ منهما[2].
وقال في حديث ابن أبي مليكة في قدوم ركب - وفد - بني تميم على النبي صلى الله عليه وسلم: وكان قدومُهم سنة تسع بعد أن أوقع عُيَيْنة بن حصن بني العنبر، وهم بطن من بني تميم؛ ذكر ذلك أبو الحسن المدائني[3].
ب- قصة السبي:
قال البخاري (فتح الباري: 8 / 84): باب: قال ابن إسحاق: غزوة عيينة بن حصن بن حذيفة بن بدر بني العنبر من بني تميم، بعثه النبي صلى الله عليه وسلم إليهم، فأغار وأصاب منهم ناسًا، وسبى منهم سِباء، وساق بإسناده إلى أبي زُرعة عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: "لا أزال أحب بني تميم بعد ثلاث سمعتهن من رسول الله صلى الله عليه وسلم، يقولها فيهم: ((هم أشد أمتي على الدجال))، وكانت فيهم سبية عند عائشة، فقال: ((أعتقيها؛ فإنها من ولد إسماعيل))، وجاءت صدقاتهم، فقال: ((هذه صدقات قوم أو قومي)).
قال ابن حجر: وذكر الواقدي أن سبب بعث عُيَينة أن بني تميم أغاروا على ناس من خزاعة، فبعث النبي صلى الله عليه وسلم إليهم عُيَينة بن حصن في خمسين ليس فيهم أنصاري ولا مهاجري، فأسَر منهم أحد عشر رجلًا، وإحدى عشرة امرأة، وثلاثين صبيًّا، فقدم رؤساؤهم بسبب ذلك[4]؛ انتهى.
قال محرره عفا الله عنه:
قال الواقدي (المغازي: 3 / 973 - 974): حدثنا محمد بن عبدالله بن مسلم، عن الزهري، وعبدالله بن يزيد عن سعيد بن عمرو، قالا: لما رجع رسول الله صلى الله عليه وسلم من الجِعْرانة قدم المدينة يوم الجمعة في ثلاث ليالٍ بقين من ذي القعدة، فأقام بقية ذي القعدة وذي الحجة، فلما رأى هلال المحرم بعث المصدقين...، فخرج بسر بن سفيان على صدقات بني كعب، ويقال: إنما سعى عليهم نعيم بن عبدالله النحام العدوي، فجاء وقد حلَّ بنواحيهم بنو جهيم من بني تميم، وبنو عمرو بن جندب بن العتير بن عمرو بن تميم...، ثم أمر بجمع مواشي خزاعة ليأخذ منها الصدقة، قال: فحشرت خزاعة الصدقة من كل ناحية، فاستنكرت ذلك بنو تميم، وقالوا: ما هذا؟ تؤخذ أموالكم منكم بالباطل! وتجيَّشوا، وتقلَّدوا القسي، وشهروا السيوف، فقال الخزاعيون: نحن قوم ندين بدين الإسلام، وهذا من ديننا، قال التميميون: والله لا يصل إلى بعير منها أبدًا، فلما رآهم المصدق هرب منهم، وانطلق موليًا وهو يخافهم، والإسلام يومئذٍ لم يعمَّ العرب...، فقدم المصدق على النبي صلى الله عليه وسلم فأخبره الخبر، وقال: يا رسول الله، إنما كنت في ثلاثة نفر، فوثبت خزاعة على التميميين، فأخرجوهم من محالهم، وقالوا: لولا قرابتكم ما وصلتم إلى بلادكم؛ ليدخلُنَّ علينا بلاءٌ من عداوة محمد صلى الله عليه وسلم وعلى أنفسكم؛ حيث تعرضون لرسل رسول الله تردونهم عن صدقات أموالنا، فخرجوا أجمعين إلى بلادهم، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((مَن لهؤلاء القوم الذين فعلوا ما فعلوا؟))، فانتدب أول الناس عُيَينة بن حصن الفزاري، فقال: أنا والله لهم، أتبع آثارهم ولو بلغوا يبرين، حتى آتيك بهم إن شاء الله، فترى فيهم رأيَك أو يُسلمون، فبعثه رسول الله صلى الله عليه وسلم في خمسين فارسًا من العرب، ليس فيها مهاجرٌ واحد ولا أنصاري...، وأخذوا منهم أحد عشر رجلًا، ووجدوا في المحلة من النساء إحدى عشرة امرأةً وثلاثين صبيًّا، فحملهم إلى المدينة، فأمر بهم النبي صلى الله عليه وسلم فحُبِسوا في دار رملة بنت الحارث، فقدم منهم عشرة من رؤسائهم... - وذكر قصة المفاخرة - فرد رسول الله صلى الله عليه وسلم عليهم السبي والأسرى...، وذكر بقية الأحداث.
وللفرزدق أبيات ثناءٍ على الأقرع بن حابس؛ حيث أطلق له رسول الله صلى الله عليه وسلم الأسرى، ذكرها الحافظ في ترجمة الأقرع بن حابس من الإصابة، وقال الحافظ ابن حجر (الإصابة: 1 / 86): قال ابن شاهين: حدثنا أحمد بن عبدالله بن نصر القاضي، قال: حدثنا العباس بن صالح بن مساور، قال: حدثنا محمد بن سليمان، قال: حدثنا علي بن غراب الفزاري، قال: حدَّثني أبو بكر المكي، عن عمر بن محمد، عن سعيد بن جبير عن ابن عباس رضي الله عنهما، وذكر قصة بني العنبر وما وقع عليهم من السبي.
وقال أبو داود في سننه (3612): حدثني أحمد بن عبدة، حدثنا عمار بن شعيب بن عبدالله بن الزبيب العنبري، حدثني أبي، قال: سمعت جدي الزبيب يقول: بعث نبي الله صلى الله عليه وسلم جيشًا إلى بني العنبر، فأخذوهم بركبة من ناحية الطائف، فاستاقوهم إلى نبي الله صلى الله عليه وسلم فركبت، فسبقتهم إلى النبي صلى الله عليه وسلم، فقلت: السلام عليك يا نبي الله ورحمة الله وبركاته، أتانا جندك فأخذونا، وقد كنا أسلمنا وخضرمنا آذان النَّعَم، فلما قدم بلعنبر قال لي نبي الله صلى الله عليه وسلم: ((هل لكم بينة على أنكم أسلمتم قبل أن تؤخذوا في هذه الأيام؟))، قلت: نعم...، وساق الحديث[5].
ج- قصة المفاخرة:
قال الواحدي (أسباب النزول: ص 388): وكانت قصة هذه المفاخرة على ما أخبرناه أبو إسحاق أحمد بن محمد المقرئ قال: أخبرنا الحسن بن محمد ابن الحسن السدوسي قال: حدثني الحسن بن صالح بن هانئ قال: حدثنا الفضل بن محمد المسيب قال: حدثنا قاسم بن أبي شيبة قال: حدثنا معلى بن عبدالرحمن قال: حدثنا عبدالحميد بن جعفر، عن عمر بن الحكم، عن جابر بن عبدالله رضي الله عنه قال: جاءت بنو تميم إلى النبي صلى الله عليه وسلم فنادَوا على الباب: يا محمد، اخرج إلينا، فإن مدحَنا زين وإن ذمَّنا شين، فسمعهم النبي صلى الله عليه وسلم، فخرج إليهم وهو يقول: ((إنما ذلكم الله الذي مدحه زين، وذمُّه شين))، فقالوا: نحن ناس من بني تميم جئنا بشاعرنا وخطيبِنا نشاعرك ونفاخرك، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((ما بالشعر بعثت، ولا بالفخار أمرت، ولكن هاتوا))، فقال الزبرقان بن بدر لشابٍّ من شبابهم: قم فاذكر فضلك وفضل قومك، فقام فقال: الحمد لله الذي جعلنا خير خلقه، وآتانا أموالًا نفعل فيها ما نشاء، فنحن من خير أهل الأرض ومن أكثرهم عدة ومالًا وسلاحًا، فمن أنكر علينا قولنا فليأتِ بقولٍ هو أحسن من قولنا، وفعال هي خير من فعالنا، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم لثابت بن قيس بن شماس: ((قم فأجِبه))، فقام فقال: الحمد لله أحمده وأستعينه وأؤمن به، وأتوكل عليه، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله، دعا المهاجرين من بني عمه أحسن الناس وجوهًا وأعظمهم أحلامًا، فأجابوه، فالحمد لله الذي جعلنا أنصاره ووزراء رسوله وعزًّا لدينه، فنحن نقاتل الناس حتى يشهدوا أن لا إله إلا الله، فمن قالها منع منا نفسه وماله، ومن أباها قتلناه، وكان رغمه في الله تعالى علينا هينًا، أقول قولي هذا وأستغفر الله للمؤمنين والمؤمنات، فقال الزبرقان بن بدر لشاب من شبانهم: قم يا فلان، فقل أبياتًا تذكر فيها فضلك وفضل قومك، فقام الشاب، فقال:
نحن الكرامُ فلا حيٌّ يُعادِلُنا ♦♦♦فينا الرؤوسُ وفينا تُقسَمُ الرُّبعُ
ونُطعِمُ الناسَ عند القحطِ كلَّهمُ ♦♦♦من السَّديفِ إذا لم يُؤنَسِ القزعُ
إذا أبَيْنا فلا يَأْبى لنا أحدٌ♦♦♦إنَّا كذلك عندَ الفخرِ نرتَفِعُ
قال: فأرسل رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى حسان بن ثابت، فانطلق إليه الرسول فقال: وما يريد مني وقد كنت عنده؟ قال: جاءت بنو تميم بشاعرهم وخطيبهم، فأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم ثابت بن قيس، فأجابهم وتكلم شاعرهم، فأرسل إليك تجيبه، فجاء حسان، فأمره رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يجيبه، فقال حسان: يا رسول الله، مُره فليسمعني ما قال، فأنشده ما قال، فقال حسان:
نصَرْنا رسولَ اللهِ والدِّينَ عَنوةً ♦♦♦على رغمِ بادٍ مِن معدِّ وحاضرِ
ألَسْنا نخوضُ الموتَ في حومةِ الوغى ♦♦♦إذا طاب وِردُ الموتِ بينَ العساكرِ
ونضرِبُ هامَ الدَّارِعينَ وننتمي ♦♦♦إلى حسبٍ مِن جذمِ غسَّانَ قاهرِ
فلولا حياءُ اللهِ قُلْنا تكرُّمًا ♦♦♦على الناسِ بالخَيْفينِ: هل مِن منافرِ
فأحياؤنا مِن خيرِ مَن وطئ الحصى ♦♦♦وأمواتُنا مِن خيرِ أهلِ المقابرِ
قال: فقام الأقرع بن حابس فقال: إني والله لقد جئت لأمر ما جاء له هؤلاء، وقد قلت شعرًا فاسمَعْه، فقال: هاتِ، فقال:
أتَيْناك كَيْما يعرِفَ الناسُ فضلَنا♦♦♦ إذا فاخَرونا عندَ ذكرِ المكارمِ
وإنَّا رؤوسُ الناسِ في كلِّ معشرٍ ♦♦♦ وأَنْ ليس في أرضِ الحجِازِ كدَارمِ
وإنَّ لنا المِرباعَ في كلِّ غارةٍ ♦♦♦ تكون بنجدٍ أو بأرضِ التَّهائمِ
فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((قم يا حسان فأجبه))، فقام حسان، فقال:
بني دارمٍ لا تَفْخَروا إن فخرَكم ♦♦♦ يعودُ وبالًا عندَ ذِكرِ المكارمِ
هبلْتُم علينا تفخَرُون وأنتمُ ♦♦♦ لنا خَوَلٌ مِن بين ظِئرٍ وخادِمِ
وأفضَلُ ما نِلْتُم مِن المجدِ والعلا ♦♦♦ رِدَافتُنا مِن بعدِ ذكر الأكارمِ
فإنْ كنتُم جِئْتُم لحقنِ دمائكم ♦♦♦ وأموالِكم أن تُقسَموا في المقاسِمِ
فلا تجعَلوا لله ندًّا وأسلِموا ♦♦♦ ولا تفخَروا عندَ النبيِّ بدارِمِ
وإلَّا وربِّ البيتِ مالَتْ أكفُّنا ♦♦♦ على هامِكم بالمرهفاتِ الصَّوارمِ
قال: فقام الأقرع بن حابس، فقال: إن محمدًا لمؤتًى له، والله ما أدري ما هذا الأمر، تكلم خطيبنا فكان خطيبهم أحسن قولًا، وتكلم شاعرنا فكان شاعرهم أشعر، ثم دنا من النبي صلى الله عليه وسلم، فقال: أشهد أن لا إله إلا الله وأنك رسول الله، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: ((ما يضرك ما كان قبل هذا))، ثم أعطاهم رسول الله صلى الله عليه وسلم، وكساهم، وارتفعت الأصوات، وكثر اللغط عند رسول الله صلى الله عليه وسلم، فأنزل الله هذه الآية: ﴿ لَا تَرْفَعُوا أَصْوَاتَكُمْ فَوْقَ صَوْتِ النَّبِيِّ ﴾ [الحجرات: 2] إلى قوله: ﴿ وَأَجْرٌ عَظِيمٌ ﴾ [الحجرات: 3] ([6]).
[1] تخريج الحديث: رواه أحمد 4/ 426، والترمذي (3951)، والنسائي في الكبرى (تحفة الأشراف 8/ 183 مختصرًا جدًّا)، وابن أبي شيبة 7/ 561، ويعقوب الفسوي في المعرفة 3/ 195، والدارمي في الرد على الجهمية (39)، والبزار (البحر الزخار: 3598)، والطبري في التفسير 12/ 4، وتاريخ الأمم والملوك 1/ 38، وابن خزيمة في التوحيد ص 376، وابن حبان (الإحسان: 6142)، والطبراني 18/ 203، وأبو الشيخ الأصبهاني في العظمة (207)، وأبو نعيم في الحلية 2/ 216، والبيهقي في الكبرى 9/ 2، والدلائل 5/ 353، والأسماء والصفات 2/ 115، من طريق صفوان بن محرز به، والحديث عزاه في الدر المنثور 4/ 403 لابن مردويه.
[2] ابن حجر: فتح الباري 6/ 288.
[3] ابن حجر: فتح الباري 8/ 590.
[4] ابن حجر: فتح الباري 8/ 84.
[5] درجة الحديث: قال في عون المعبود 10/ 38: قال المنذري: قال الخطابي: إسناده ليس بذاك، وقال أبو عمر النمري: إنه حديث حسن؛ اهـ، وحسنه ابن القيم في تهذيب السنن 10/ 36 مع عون المعبود.
[6] أ - درجة الحديث: ضعيف جدًّا، معلى بن عبدالرحمن، قال فيه الحافظ (التقريب: 6805): متهم بالوضع، وقد رمي بالرفض، وقال ابن حبان (المجروحين 2/ 17): يروي عن عبدالحميد بن جعفر المقلوبات، لا يجوز الاحتجاج به إذا انفرد، وقال البزار (نصب الراية للزيلعي: 3/ 95): روى عن عبدالحميد بأحاديث لم يتابع عليها، قال ابن منده (تاريخ مدينة دمشق لابن عساكر: 9/ 190): هذا حديث غريب لا يعرف إلا من هذا الوجه، تفرد به المعلى، وفي فوائد الحنائي (تخريج النخشبي: 8/ 15 مصورة المخطوطة): هذا حديث غريب من حديث عبدالحميد بن جعفر الأنصاري، عن عمر بن الحكم بن رافع أبي حفص الأنصاري عن أبي عبدالله جابر بن عبدالله الأنصاري، لا نعرفه إلا من حديث المعلى بن عبدالرحمن الأنصاري عنه، وقد روي مرسلًا من حديث سلامة بن روح، عن عمه عقيل، عن الزهري، ولكنه أخصر من هذا وليس بهذا الطول، والله أعلم؛ اهـ، وقال ابن حجر (الإصابة 4/ 5) بعد أن ذكر أن ابن إسحاق ذكر القصة بطولها، قال: وذكر قصتهم ابن أبي خيثمة عن الزبير بن بكار، عن محمد بن الضحاك، عن أبيه مرسلًا بطولها، وأخرجها ابن شاهين من وجه آخر ضعيف، وذكرها أبو حاتم السجستاني في كتاب المعمَّرين، في ترجمة أكثم بن صيفي على سياق آخر؛ اهـ، وقال الحافظ في الفتح 8/ 593: وقد ساق محمد بن إسحاق قصة وَفْد بني تميم في ذلك مطوَّلة بانقطاع، وأخرجها ابن منده في ترجمة ثابت بن قيس في (المعرفة)، من طريق أخرى موصولة.
ب - تخريج الحديث: رواه أبو إسحاق أحمد بن محمد الثعلبي في تفسيره (تخريج أحاديث الكشاف: 3/ 330، وأسباب النزول للواحدي ص 388)، والحنائي في فوائده (تخريج النخشبي 8/ 15 مصورة المخطوطة)، وابن عساكر في تاريخ مدينة دمشق 9/ 187 - 190، من طريق المعلى بن عبدالرحمن به، ولحديث جابر شواهد إلا أنه لا يثبتُ منها شيء؛ انظر: الواقدي (المغازي: 3/ 973 - 980)، ابن سعد (الطبقات: 1/ 224 - 225)، الطبري (تاريخ الأمم: 3/ 356 - 361)، الأصفهاني (الأغاني: 4/ 152 - 157)، ابن مردويه وابن منده؛ (تخريج أحاديث الكشاف ومختصره: 3/ 330).
د- نزول آية الحجرات في بني تميم
تقدم شيء من ذلك، وعن يعلى بن الأشدق، عن سعد بن عبد الله؛ أن النبي صلى الله عليه وسلم سئل عن قوله تعالى: (إن الذين ينادونك من وراء الحجرات أكثرهم لا يعقلون) [الحجرات: 4]، قال: "هم الجفاة من بني تميم، لولا أنهم من أشد الناس قتالًا للأعور الدجال، لدعوت الله عليهم أن يهلكهم". ([29])
وقال الطبري في تفسيره (26/ 122): حدثنا الحسن بن أبي يحيى المقدمي، قال: ثنا عفان، قال: ثنا وهيب، قال: ثنا موسى بن عقبة، عن أبي سلمة، قال: ثني الأقرع بن حابس التميمي، أنه أتى النبي صلى الله عليه وسلم فناداه، فقال: يا محمد، إن مدحي زين، وإن شتمي شين، فخرج إليه النبي صلى الله عليه وسلم، فقال: (ويلك، ذلك الله)، فأنزل الله: (إن الذين ينادونك من وراء الحجرات ...) الآية. ([30])
والأقرع بن حابس رضي الله عنه له مواقف مع النبي صلى الله عليه وسلم؛ منها: ما نحن بصدده من مناداته للنبي صلى الله عليه وسلم، ومنها: ما تقدم من قوله: (بشرتنا فأعطنا)، ومنها: قوله في قصة هوازن ورد سبيهم عليهم: (أما أنا وبنو تميم فلا). ([31])
قال الماوردي: قوله – عز وجل -: (إن الذين ينادونك من وراء الحجرات) الآية. اختلف في سبب نزولها. ([32])
قال مقيده – عفا الله عنه -: ولو صح أن آية الحجرات نزلت في بني تميم فكان ماذا؟! قصارى ما هنالك أن نفرًا من جفاة أعراب بني تميم أساءوا الأدب فعاتبهم الله.
وقد جاء في القرآن الكريم آيات زواجر نزلت في بعض القبائل، أو في شأن أفراد من الصحابة رضي الله عنهم، ولم يقل أحد بالحط من منزلتهم، ومن ذلك ما نزل في الخليفتين أبي بكر وعمر رضي الله عنهما أجمعين، قال عبد الله بن الزبير رضي الله عنهما: قدم ركب من بني تميم على النبي صلى الله عليه وسلم، فقال أبو بكر: أمر القعقاع بن معبد، وقال عمر: بل أمر الأقرع بن حابس، فقال أبو بكر: ما أردت إلا خلافي، فقال عمر: ما أردت خلافك، فتماريا حتى ارتفعت أصواتهما، فأنزل الله تعالى: (يا أيها الذين آمنوا لا تقدموا بين يدي الله ورسوله) حتى انقضت الآية (الحجرات: 1). ([33])
وعن ابن أبي مليكة، قال: كاد الخيران أن يهلكا: أبو بكر وعمر، رفعا أصواتهما عند النبي صلى الله عليه وسلم حين قدم عليه ركب بني تميم، فأشار أحدهما بالأقرع بن حابس، وذكره، فأنزل الله تعالى: (يا أيها الذين آمنوا لا ترفعوا أصواتكم فوق صوت النبي) الآية. (الحجرات: 2). ([34])
وقد أثنى النبي صلى الله عليه وسلم على أسلم، وغفار، ومزينة، وجهينة كما تقدم، وقد ذكر أن قول الله تعالى: (وممن حولكم من الأعراب منافقون) (التوبة: 101) نزلت فيهم، ذكر ذلك الكلبي. ([35])
وقال الشيخ السهسواني: نزل هذا – يعني الآية – في جفاة بني تميم، وهذا لا يقتضي ذم بني تميم كلهم، وقد ورد في ثنائهم ما ورد. ([36])
تنبيهان:
الأول: أخرج ابن أبي حاتم في تفسيره (18612) عن مقاتل في قوله تعالى: (يا أيها الذين آمنوا لا يسخر قوم من قوم) (الحجرات: 11) قال: نزلت في قوم من بني تميم استهزؤوا من بلال وسلمان وعمار وخباب وصهيب وابن فهيرة وسالم مولى أبي حذيفة.
وإسناده ضعيف ([37]) وقد حكى مقاتل في سبب نزول الآية غير هذا، ذكره الماوردي عنه، كما أن الماوردي قال: اختلف في من نزلت فيه هذه الآية على أربعة أقاويل ([38])
الثاني: قال الحاكم في المستدرك (4/ 81): حدثنا أبو العباس محمد بن يعقوب، انبأ محمد بن عبد الله بن عبد الحكم، انبأ ابن وهب، أخبرني معاوية ابن صالح، عن عبد الرحمن بن عائذ الأزدي، عن عمرو بن عبسة السلمي رضي الله عنه، قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم وعنده عيينة بن بدر الفزاري، فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم: (أنا أعلم بالخيل منك)، فقال عيينة: وأنا أعلم بالرجال منك، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (فمن خير الرجال؟) قال: رجال يحملون سيوفهم على عواتقهم ورماحهم على مناسج خيولهم من رجال نجد، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (كذبت؛ بل خير الرجال رجال اليمن، والإيمان يمان إلى لخم وجذام، ومأكول حمير خير من أكلها، وحضرموت خير من بني الحارث، والله ما أبالي لو هلك الحارثان جميعًا، لعن الله الملوك الأربعة: جمدًا، ومخوسًا، وأبضعة، وأختهم العمردة)، ثم قال: (أمرني ربي أن ألعن قريشًا مرتين فلعنتهم، وأمرني أن أصلي عليهم فصليت عليهم مرتين مرتين)، ثم قال: (لعن الله تميم بن مرة خمسًا، وبكر بن وائل سبعًا، ولعن الله قبيلتين من قبائل بني تميم مقاعس وملادس)، ثم قال: (عصية عصت الله ورسوله، عبد قيس، وجعدة، وعصمة)، ثم قال: (أسلم وغفار ومزينة وأحلافهم من جهينة خير من بني أسد وتميم وغطفان وهوازن عند الله يوم القيامة)، ثم قال: (شر قبيلتين في العرب نجران وبنو تغلب، وأكثر القبائل في الجنة مذحج). ([39])
فائدة:
روى أبو هريرة رضي الله عنه، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (اللهم! إنما أنا بشر، فأيما رجل من المسلمين سببته، أو لعنته، أو جلدته، فاجعلها له زكاة ورحمة)، وفي رواية: (صلاة ورحمة وقربة، تقربه بها إليك يوم القيامة). ([40])
الخاتمة
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على نبينا محمد، وعلى آله وصحبه وإخوانه أجمعين، أما بعد:
فأحمد الله تعالى أن وفقني لإتمام هذه الرسالة، وأرى أن أختم بعد هذا التطواف بذكر أهم النتائج التي توصلت إليها على النحو التالي:
- كانت نجد؛ بل الجزيرة العربية قبل دعوة الشيخ محمد بن عبد الوهاب – رحمه الله – تعيش حقبة زمنية مريرة، حيث يوجد بها مظاهر الشرك بسبب مؤثرات كثيرة.
- ببركة دعوة الشيخ محمد بن عبد الوهاب – رحمه الله – انتشر التوحيد، وتقلص الشرك، وظهرت السنة، وخفيت البدعة.
- أن من دعا إلى ما دعت إليه الأنبياء والرسل يقيض الله له أعداء يحاربونه، ويشوهون سمعته بالأكاذيب والأباطيل، للصد عن دعوته، كما هي الحال مع الشيخ محمد بن عبد الوهاب.
- الشيخ محمد بن عبد الوهاب – رحمه الله – من جملة المجددين لدعوة الأنبياء والمرسلين.
- دعوة الشيخ كانت دعوة تجديدية: دينية، وسياسية، وأخلاقية، وثقافية.
- الشيخ محمد بن عبد الوهاب – رحمه الله – كان على قدر كبير من العلم والعبادة، وأسرته أسرة علمية.
- تحصيل الشيخ محمد بن عبد الوهاب العلمي كان على يد مشايخ أجلاء، وعلماء فضلاء.
- بنية الشيخ التحتية وجذوره العرقية طيبة مباركة.
- عقيدة الشيخ عقيدة الفرقة الناجية، أهل السنة والجماعة، ومنهجه في دعوته منهج السلف الصالح، ومذهبه الفقهي حنبلي، وللكل خصائص وسمات جميلة.
- الأنساب الحسنة والجذور الطيبة والبقاع الفاضلة مظنة الخير بأصحابها، مساعدة عليه، وأما الرتبة الموجبة للثناء، والصفات الموجبة للجزاء، إنما هي الأعمال. والله أعلم.
- العرب عمومًا لهم كزايا حسنة، ولهم فضل على غيرهم، وعرب الجزيرة مقدمون في الفضل على غيرهم من العرب.
- الجزيرة العربية لها خصائص إسلامية، ومزايا حصها الله بها، ونجد واليمامة – دار إقامة الشيخ – من أقاليمها.
- بنو تميم لهم مزايا سامية، ومناقب نبوية عالية.
- بنو تميم من ولد إسماعيل – عليه السلام – وهم قوم النبي صلى الله عليه وسلم.
- قبيلة بني تميم رحى من أرحاء العرب الست، وبطونهم كثيرة، وأعدادهم كبيرة، وموطنهم الربع الشمالي الشرقي من الجزيرة العربية.
- قبيلة بني تميم كاهل مضر، ورحى العرب.
- بنو تميم موصوفون بالشجاعة، وهم أشد الناس على الدجال، وباقون إلى آخر الزمان.
- بنو تميم موصوفون برجاحة الأحلام، وضخامة الهام.
- اللغة التميمية تحتل مكانة كبيرة بين اللغات العربية.
- أمر النبي صلى الله عليه وسلم بمحبة بني تميم، ونهى أن يقال لهم إلا خيرًا.
- لا تصح قصة المفاخرة، ولا نزول آية الحجرات في بني تميم.
وهناك نتائج أخرى لم أذكرها مكتفيًا بذكر أهمها.
أهم التوصيات:
وصيتي للمطلعين على هذا البحث ولعموم المسلمين:
أولًا: أن يتقوا الله – عز وجل – في أنفسهم، وأن ينشطوا في الدعوة إلى توحيد ربهم – عز وجل – خاصة توحيد الألوهية، فهو التوحيد الذي ضل فيه السواد الأعظم، ومن أجله أنزلت الكتب، وأرسلت الرسل.
والله – جل وعلا – يقول: (ومن أحسن قولًا ممن دعا إلى الله وعمل صالحًا وقال إنني من المسلمين). (فصلت: 33).
ثانيًا: أن يقفوا سدًّا منيعًا أمام هجمة الشبهات الوافدة على الأجواء الإسلامية، وأن يكونوا يقظين لكي لا تتسلل تلك الشبهات إلى مجتمعهم، مجتهدين في التصدي لأعداء الإسلام والتوحيد الخالص، وأن يدافعوا ببسالة عن أعلام السنة وأرباب الدعوة السلفية، فإن الدفاع عنهم دفاع عن الشريعة والمنهج الحق.
ثالثًا: العمل الجاد المكثف، والتخطيط المدروس المستمر في إنشاء أكبر عدد ممكن من المدارس السلفية في جميع أصقاع الأرض، ومحاولة القضاء على المدارس الفلسفية العقلانية، فقد جرت على الأمة الإسلامية الرزايا والبلايا، وذهب ضحيتها الكثير الكثير، فإنا لله وإنا إليه راجعون.
رابعًا: الالتزام بتلك المدائح والفضائل للعرب عمومًا، وعرب الجزيرة خصوصًا، وتلك الخصائص لجزيرة العرب، وأن ترعى حق الرعاية، فمن أدى حقها ازداد شرفًا ورفعة، وكانت له نعمة، ومن لم يؤد حقها وضيعها استحق الذم والتوبيخ، وكانت عليه وبالًا ونقمة.
تم الكتاب، والحمد لله رب العالمين، فما كان فيه من صواب فمن الله، وما كان فيه من خطأ فمني، وأستغفر الله.
الفهارس
- فهرس الآيات القرآنية
- فهرس الأحاديث النبوية
- فهرس الآثار
- فهرس المصادر والمراجع
- فهرس الموضوعات
فهرس الآيات
الآية |
السورة |
رقم الآية |
رقم الصفحة |
فلما جاءهم ما عرفوا كفروا به |
البقرة |
89 |
27 |
تشابهت قلوبهم |
البقرة |
118 |
28 |
والذين آمنوا أشد حبًّا لله |
البقرة |
165 |
53 |
لا تكلف نفس إلا وسعها |
البقرة |
233 |
36 |
الله ولي الذين آمنوا |
البقرة |
257 |
86 |
ومن يؤت الحكمة |
البقرة |
269 |
179 |
ومن يبتغ غير الإسلام |
آل عمران |
85 |
85 |
يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله |
آل عمران |
102 |
5 |
كنتم خير أمة أخرجت للناس |
آل عمران |
110 |
98 |
يا أيها الناس اتقوا ربكم |
النساء |
1 |
5 |
يا أيها الذين آمنوا أطيعوا الله |
النساء |
59 |
41 |
ولو كان من عند غير الله |
النساء |
82 |
36 |
يخرج الحي من الميت |
الأنعام |
95 |
215 |
الله أعلم حيث يجعل رسالته |
الأنعام |
124 |
144 |
يريدون أن يطفئوا نور الله |
التوبة |
32 |
20 |
وممن حولكم من الأعراب |
التوبة |
101 |
231 |
إن أجري إلا على الله |
هود |
29 |
14 |
إن أريد إلا الإصلاح ما استطعت |
هود |
88 |
14 |
والله غالب على أمره |
يوسف |
21 |
75 |
تؤتي أكلها كل حين بإذن ربها |
إبراهيم |
25 |
10 |
وإن لكم في الأنعام لعبرة |
النحل |
66 |
217 |
بل نقذف بالحق على الباطل |
الأنبياء |
18 |
20 |
كسراب بقيعة يحسبه الظمآن ماء |
النور |
39 |
122 |
وكذلك جعلنا لكل نبي عدوًا |
الفرقان |
31 |
19 |
وربك يخلق ما يشاء ويختار |
القصص |
68 |
131 |
وإن أوهن البيوت |
العنكبوت |
41 |
127 |
وجعلنا منهم أئمة |
السجدة |
24 |
69 |
يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله |
الأحزاب |
70 |
5 |
فنادوا ولات حين مناص |
ص |
3 |
77 |
فستذكرون ما أقول لكم |
غافر |
44 |
238 |
ومن أحسن قولًا ممن دعا إلى الله |
فصلت |
33 |
92 |
والذين اهتدوا زادهم هدى |
محمد |
17 |
137 |
وإن تتولوا يستبدل قومًا غيركم |
محمد |
38 |
231 |
يا أيها الذين آمنوا لا تقدموا |
الحجرات |
1 |
226 |
لا ترفعوا أصواتكم |
الحجرات |
2 - 3 |
227 |
إن الذين ينادونك |
الحجرات |
4 |
131 |
إنما المؤمنون إخوة |
الحجرات |
10 |
232 |
يا أيها الذين آمنوا لا يسخر قوم |
الحجرات |
11 |
132 |
يا أيها الناس إنا خلقناكم |
الحجرات |
13 |
15 |
كذلك ما أتى الذين من قبلهم |
الذاريات |
52 |
28 |
أتواصوا به |
الذاريات |
53 |
|
فاعتبروا يا أولي الأبصار |
الحشر |
2 |
70 |
هو الذي بعث في الأميين |
الجمعة |
2 - 3 |
136 |
فهرس الأحاديث
طرف الحديث |
رقم الصفحة |
أحبوا بني تميم |
209 |
إذا تشهد أحدكم |
189 |
أريت دار هجرتكم |
124 |
أسلم وغفار |
159 |
أفعن معادن العرب تسألوني؟ |
45 |
اقبلوا البشرى يا بني تميم |
219 |
اللهم إنما أنا بشر |
234 |
اللهم بارك لنا في شامنا |
113 |
أما أنا وبنو تميم - قول الأقرع في حديث مع النبي |
230 |
إن أقرب الخلق من لوائي |
149 |
إن الله اصطفى من ولد إبراهيم |
161 |
إن الله – عز وجل – خلق آدم |
42 |
إن الله خلق الخلق فجعلني في خيرهم |
142 |
إن الله – عز وجل – خلق السماوات - حاشية |
168 |
إن الله يبعث لهذه الأمة |
9 |
إن الإيمان ليأرز إلى المدينة |
106 |
إن خياركم أبناء المشركين |
115 |
إن الشيطان قد أيس |
207 |
إن الفتنة تجيء من هاهنا |
232 |
إن من البيان لسحرًا |
223 |
أنا أعلم بالخيل منك |
215 |
إنما ذلكم الله، الذي مدحه زين |
137 |
إنه يخرج من ضئضئ هذا |
167 |
إنهم من أبناء فارس |
168 |
أولئك قومنا |
19 |
ألا رجل يخبرني عن مضر؟ |
171 |
أي بني! أنت اليوم |
199 |
جمجمة هذا الحي |
141 |
جمل أزهر |
23 |
حب العرب إيمان |
197 |
رأس الكفر نحو المشرق |
202 |
سيخرج من صلب هذا |
214 |
عرضت علي الجدود |
204 |
فيمن العد؟ |
176 |
قرأ على النبي صلى الله عليه وسلم |
176 |
قريش سادة العرب، وقيس |
164 |
قريش سادة العرب، وأركانها تميم |
173 |
كل العرب من ولد إسماعيل |
170 |
كنانة جوهرها |
106 |
كيف علمك بمضر؟ |
136 |
لأخرجن اليهود والنصارى |
183 |
لو كان الإيمان عند الثريا |
191 |
ليدخلن الجنة بشفاعة رجل |
189 |
ليس أحد أشد على الدجال |
211 |
ليفرن الناس من الدجال |
189 |
ما أبطأ قوم هؤلاء منهم |
204 |
ما هذا يا أبا الدرداء؟ |
44 |
ما يضرك إذا كانت؟ |
189 |
من بطأ به عمله |
163 |
من سمع بالدجال فلينأ عنه |
221 |
من كان عليه رقبة |
212 |
من لهؤلاء القوم؟ |
174 |
من هم؟ |
42 |
مهلًا يا أشعث |
162 |
الناس معادن |
158 |
نهاني – أي: النبي صلى الله عليه وسلم – ثم جاء سبي |
166 |
هذا سيد أهل الوبر |
223 |
هذه صدقة قومي |
162 – 190 – 165 - 194 |
هل لكم بينة؟ |
162 |
هم أشد أمتي على الدجال |
37 |
هم أشد الناس بلاء – يراجع |
227 |
هم أشد الناس قتالًا – يراجع |
201 |
هم الجفاة من بني تميم |
38 |
هم ضخام الهام |
114 |
هم قتلة الدجال – يراجع |
150 |
هنا الفتنة |
116 |
والله يا معشر العرب |
228 |
وقت رسول الله – صلى الله عليه وسلم – لأهل المشرق |
192 |
ويلك، ذلك الله |
106 |
لا تزال طائفة من أمتي يقاتلون |
149 |
لا يترك بجزيرة العرب دينان |
132 |
لا يزال أهل الغرب ظاهرين |
124 |
يا أيها الناس! ألا إن ربكم واحد |
116 |
يأتي الدجال |
102 |
يخرج منه قوم يقرؤون القرآن |
|
يخرج ناس من المشرق |
|
فهرس الآثار
طرف الأثر |
القائل |
رقم الصفحة |
أمد عمر بن الخطاب سعد |
- |
188 |
إن الأرض لا تقدس أحدًا |
سلمان الفارسي |
44 |
إن أشد أحياء العرب |
كعب |
193 |
أن ضعها في أشجع حي |
عمر بن الخطاب |
187 |
إن عمر أمر ألا يقرأ |
ابن أبي مليكة |
143 |
أنتم بنو إسماعيل الأئمة |
سلمان الفارسي |
161 |
إنهم أشد الناس |
حذيفة |
194 |
أهلكتهم العجمة |
الحسن البصري |
143 |
أوتيت تميم الحكمة |
معاوية |
39 |
قدم ركب من بني تميم |
عبد الله بن الزبير |
230 |
قدمت على عبد الملك |
الزهري |
138 |
كاد الخيران أن يهلكا |
ابن أبي مليكة |
231 |
لم يأت رجل قط |
ورقة بن نوفل |
19 |
لم يزل أمر الناس |
سفيان بن عيينة |
136 |
ليس في العرب قبيلة إلا |
ابن عباس |
149 |
ما تقول في بني تميم؟ |
معاوية |
188 |
مات تميم بن مر |
ابن عباس |
186 |
مات عدنان |
ابن عباس |
185 |
مضر كاهل العرب |
معاوية |
172 |
من طاب أصله |
ابن المبارك |
28 |
نفضلكم يا معشر العرب |
سلمان الفارسي |
142 |
هم أكثر الناس عددًا |
جروة بنت مرة |
66 |
يا شعبي، عليك بنساء بني تميم |
شريح |
204 |
يلتقي السفياني |
علي بن أبي طالب |
199 |
فهرس الموضوعات
الموضوع |
الصفحة |
المقدمة |
5 – 40 |
حال نجد قبل الدعوة التجديدية |
6 |
طلوع فجر الدعوة التجديدية |
7 |
الشيخ محمد بن عبد الوهاب أحد المجددين |
9 |
لقب الوهابية من افتعال المناوئين |
14 |
دور الإمام محمد بن سعود |
17 |
ابتلاء المصلحين |
18 |
شبه المناوئين حول انتماء الشيخ |
22 |
الدواعي لكتابة هذه الرسالة |
25 |
أهمية هذه الرسالة |
29 |
مهمة هذه الرسالة |
31 |
المنهج المتبع في هذه الرسالة |
32 |
خطة السير في هذه الرسالة |
33 |
اعتذار لكل قارئ |
36 |
التمهيد |
41 - 45 |
تاثير الأصل على الإنسان |
41 |
العبرة بالأعمال |
44 |
القسم الأول: ترجمة موجزة للشيخ |
49 - 77 |
توطئة: الوسطية في الشيخ |
49 |
الفصل الأول: سيرة الشيخ الذاتية |
52 |
الفصل الثاني: سيرة الشيخ العلمية |
58 |
الفصل الثالث: سيرة الشيخ الدعوية |
66 |
القسم الثاني: انتماء الشيخ |
81 |
الفصل الأول: الانتماء المذهبي |
82 |
توطئة |
83 |
اتصاف الشيخ بالعلم وأثر ذلك على دعوته |
83 |
المبحث الأول: المذهب الاعتقادي |
85 |
خصائص عقيدة أهل السنة والجماعة |
87 |
المبحث الثاني: المذهب المنهجي |
88 |
خصائص منهج أهل السنة والجماعة |
89 |
أثر الإسلام والعقيدة الحق على المسلم |
91 |
المبحث الثالث: المذهب الفقهي |
93 |
مزايا المذهب الحنبلي |
93 |
الفصل الثاني: الانتماء الاقليمي |
99 |
توطئة |
101 |
المبحث الأول: جزيرة العرب |
103 |
المطلب الأول: تسميتها وأقاليمها وحدودها |
103 |
المطلب الثاني: خصائصها |
104 |
المبحث الثاني: نجد |
107 |
المطلب الأول: حدودها |
107 |
المطلب الثاني: أهميتها |
108 |
اعتراض بأن الشيخ من نجد والجواب عليه |
111 |
المبحث الثالث: اليمامة |
123 |
المطلب الأول: حدودها |
123 |
المطلب الثاني: أهميتها |
124 |
اعتراض بأن الشيخ من اليمامة والجواب عليه |
127 |
الفصل الثالث: الانتماء العرقي |
131 |
توطئة |
131 |
المبحث الأول: فرقة العرب |
139 |
المطلب الأول: حد العرب |
139 |
المطلب الثاني: فضل العرب |
139 |
الفرع الأول: العرب عامة |
139 |
الفرع الثاني: عرب الجزيرة |
150 |
المبحث الثاني: قبيلة بني تميم |
153 |
مقدمة الشيخ عبد الله رحماني |
153 |
توطئة |
155 |
مزايا قبيلة بني تميم |
159 |
اعتراض بأن الشيخ يحتمل أنه من عقب ذي الخويصرة والجواب عليه |
|
وقائع تعنينا |
219 |
أ. قدوم وفد بني تميم |
220 |
ب. قصة السبي |
223 |
ج. قصة المفاخرة |
227 |
نزول آيه الحجرات في بني تميم |
232 |
تنبيهان |
235 |
الخاتمة |
237 |
أهم التوصيات |
239 |
الفهارس |
239 |
فهرس الآيات القرآنية |
241 |
فهرس الأحاديث النبوية |
245 |
فهرس الآثار |
251 |
فهرس المصادر والمراجع |
253 |
فهرس الموضوعات |
269 |
[1] سبقت الإشارة إلى أن هذا المبحث كان رسالة مستقلة تحمل اسم (تميم ما لها وما عليها في حديث الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم)، وقد قدم للرسالة الشيخ عبد الله رحماني، أذكرها هنا للفائدة:
مقدمة الشيخ (عبد الله ناصر رحماني)
الحمد لله رب العالمين، والعاقبة للمتقين، والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين، وعلى آله وصحبه ومن سن بسنته إلى يوم الدين، أما بعد: لا شك أن دعوة شيخ الإسلام محمد بن عبد الوهاب التميمي – رحمه الله – هي الدعوة الصحيحة الكاملة التي ترتكز على منهج الأنبياء، وخاصة نبينا محمدًا صلى الله عليه وسلم، فالشيخ – رحمه الله – يعتبر إمامًا ومصلحًا ومجددًا للدعوة السلفية في عصره.
وأهل الحديث في بلاد باكستان يؤيدون هذه الدعوة الخالصة، ويبذلون مساعيهم وجهودهم لنشرها وإقامتها في هذا المجتمع الذي غلب عليه مرض الشك والشبهة والشهوة.
وعلماء أهل الحديث ودعاتهم يدعون إلى التوحيد الخالص، وإلى الاعتصام بكتاب الله تعالى، وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم، ولكن عارضهم أهل الشرك والبدعة بشبههم الضعيفة الواهية، أقواها عندهم طعنهم في أهل الحديث بأنهم وهابية، نسبة إلى شيخ الإسلام محمد بن عبد الوهاب – رحمه الله -، وذلك لأنهم صفر الأيدي من الأدلة.
ونحن نحتج عليهم بالكتاب والسنة، وأن دعوة الشيخ محمد بن عبد الوهاب – رحمه الله – مطابقة للكتاب والسنة.
ثم ألزمناهم واحتججنا عليهم بأسلوب آخر، حيث ذكرنا لهم الحديث الذي رواه البخاري – ونرى هذا الحديث آية ظاهرة باهرة – عن أبي هريرة رضي الله عنه، قال: (ما زلت أحب بني تميم منذ ثلاث سمعت من رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول فيهم، سمعته يقول: (هم أشد أمتي على الدجال، قال: وجاءت صدقاتهم، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: هذه صدقات قومنا، وكانت سبية منهم عند عائشة، فقال: أعتقيها فإنها من ولد إسماعيل).
والشاهد من إيراد هذا الحديث قول النبي صلى الله عليه وسلم: (هم أشد أمتي على الدجال).
فالمطلع على نص الحديث يعرف ظاهرًا بأنه يدل على وجود التميميين في عهد النبي صلى الله عليه وسلم، وعلى استمرار وجودهم وبقائهم إلى قيام الساعة.
وفي إحدى زياراتي لمدينة الرياض عام 1422 هـ، دخلت مكتبة الشيخ/ علي بن عبد الله النمي – وفقه الله – فاطلعت على رسالة له جامعة قيمة نافعة، مصفوفة بالحاسوب أسماها: (تميم ما لها وما عليها في حديث الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم)، جمع فيها الأحاديث التي وردت في بني تميم مع تحقيقها وتخريجها، والكلام عليها بما يشفي العليل، ويروي الغليل، وجمع الأخبار واللطائف والطرائف الواردة فيهم، وربط بينها وبين دعوة الشيخ محمد بن عبد الوهاب ربطًا مقنعًا.
ونحن نرى عمله هذا عملًا مشكورًا، وطلبنا من فضيلته طباعة الرسالة؛ كي نقوم بترجمتها إلى اللغة الأردية ونشرها لتعم الفائدة.
فإذا كنا كسبنا الكثير من أهل باكستان بمجرد ذكر حديث أبي هريرة رضي الله عنه، المذكور آنفًا في فضل بني تميم، ووجدنا قبولًا طيبًا للعقيدة السلفية، فماذا لو اطلعوا على هذا الكم المبارك من أحاديث رسول الله صلى الله عليه وسلم في فضلهم.
هذا، وبارك الله في حياة شيخنا علي بن عبد الله النمي، وفي علمه وعمله، وتقبل الله منه هذا الجهد المبارك القيم، ونفع به الإسلام والمسلمين، وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وهل طاعته أجمعين.
وكتبه/ عبد الله ناصر رحماني
رئيس جمعية أهل الحديث (السند - باكستان)
ورئيس وأستاذ الحديث في المعهد السلفي للتعليم والتربية
1424 هـ
[2] قال الحافظ في مقدمة التقريب ص 73 – 75: (أحكم على كل شخص منهم بحكم يشمل أصح ما قيل فيه، وأعدل ما وصف به ... وذكرت وفاة من عرفت سنة وفاته منهم، فإن كان من الأولى والثانية: فهم قبل المائة، وإن كان من الثالثة إلى آخر الثامنة: فهم بعد المائة، وإن كان من التاسعة إلى آخر الطبقات: فهم بعد المائتين، ومن ندر عن ذلك بينته).
[3] الجاحظ: البيان والتبيين (3/ 213).
(القمقام: العدد الكثير)، (الباذخ: العالي)، (الدل: الهيئة)، (الشيمة: الخلق)، (القصرة، بالتحريك – والجمع قصر -: أصل العنق)، (السقط: رديء المتاع)، (الذام: العيب، ولا يهمز).
انظر: لسان العرب (12/ 494)، (3/ 7)، (11/ 247)، (12/ 329)، (5/ 101)، (7/ 317)، (12/ 220).
[4] قال النبي صلى الله عليه وسلم لما رأى قيس بن عاصم التميمي في حديث طويل: (هذا سيد أهل الوبر).
رواه مختصرًا ومطولًا من حديث زياد الجصاص، عن الحسن، عن قيس بن عاصم به، ابن شبه في تاريخ المدينة (2/ 530)، وأبو يعلى في المفاريد (108)، وابن قانع في معجم الصحابة (1570)، وابن حبان في الثقات (6/ 320)، والطبراني في الكبير ج 18 رقم 870، والطوال (19)، والحاكم في المستدرك (3/ 612).
قال الهيثمي في مجمع الزوائد (3/ 108): رواه الطبراني في الكبير، وفي الأوسط باختصار، وفيه زياد الجصاص، وفيه كلام، وقد وثق. أهـ
وقال الذهبي في ترجمة زياد الجصاص (الميزان: 2/ 89): قال النسائي والدارقطني: متروك، وأما ابن حبان فقال في الثقات: ربما يهم.
قلت – القائل الذهبي -: بل هو مجمع على ضعفه.
ورواه الحارث بن أبي أسامة في مسنده (البغية: 470): حدثنا داود بن المحبر، ثنا أبو الأشهب، عن الحسن به.
ومن طريق داود بن المحبر رواه تمام في الفوائد (الروض البسام: 1512). وداود بن المحبر قال عنه في التقريب (1820): متروك.
وعزاه في مختصر إتحاف السادة المهرة (2118) لأبي يعلى. قال: ورواه الحارث بن أبي أسامة، عن داود بن المحبر، وهو ضعيف. ورواه البخاري في الأدب المفرد (956) من طريق القاسم بن مطيب، عن الحسن به.
والقاسم قال عنه ابن حجر في التقريب (5531): فيه لين.
وعزاه الهيثمي (مجمع الزوائد: 9/ 404) للبزار، وقال: فيه القاسم بن مطيب، وهو متروك.
ورواه ابن عبد البر في التمهيد (4/ 213) بإسناده إلى المبارك بن فضالة، قال: سمعت الحسن يحدث عن قيس بن عاصم به. وسنده ضعيف.
ورواه ابن سعد في الطبقات (7/ 36) من طريق الثوري عن رجل مرفوعًا، وهو ضعيف أيضًا. وانظر الطبقات (1/ 224 - 225)، وقد حسنه لغيره الألباني - رحمه الله - (صحيح الأدب المفرد: 730).
[5] ابن عبد ربه: العقد الفريد (2/ 196).
[6] تخريج الحديث: مسلم (2521)، وأحمد (2/ 468)، وابن عبد البر في الأنباه ص 59، والعراقي في محجة القرب (198) من طريق محمد بن جعفر: حدثنا شعبة، عن سعد بن إبراهيم، قال: سمعت أبا سلمة يحدث عن أبي هريرة رضي الله عنه، عن النبي صلى الله عليه وسلم وذكره، وللحديث طرق وشواهد بألفاظ متقاربة مخرجة في الصحيحين وغيرهما.
[7] ابن حجر: فتح الباري (6/ 543).
[8] السيوطي: الإتقان (1/ 63).
[9] السيوطي: الإتقان (1/ 63).
[10] ابن الأنباري: نزهة الألباء 43.
[11] عبد اللطيف بن عبد الرحمن بن حسن: مصباح الظلام ص 238.
[12] وللدكتور ضاحي عبد الباقي رسالة تقدم بها لنيل درجة الدكتوراة من كلية الآداب بجامعة عين شمس (لغة تميم دراسة تاريخية وصفية) فاستفد منها.
[13] مالك في الموطأ (2/ 986)، ومن طريقه البخاري (5434)، وأبو داود (5007)، وابن عبد البر في التمهيد (5/ 170)، وأخرجه أحمد (2/ 59)، والترمذي (2028) من طريق زيد بن أسلم به.
وروى الحافظ البيهقي (دلائل النبوة: 5/ 316) من طريق يعقوب بن سفيان (المعرفة والتاريخ: 3/ 459)، حدثنا سليمان بن حرب، حدثنا حماد بن زيد، عن محمد بن الزبير الحنظلي، قال: قدم على رسول الله صلى الله عليه وسلم الزبرقان بن بدر، وقيس بن عاصم، وعمرو بن الأهتم. فقال لعمرو بن الأهتم: (أخبرني عن الزبرقان، فأما هذا فلست أسالك عنه) وأراه كان قد عرف قيسا، قال: فقال: مطاع في أذنيه، شديد العارضة، مانع لما وراء ظهره.
قال: فقال الزبرقان: قد قال ما قال، وهو يعلم أني أفضل مما قال، قال: فقال عمرو: والله ما علمتك إلا زمر المروءة، ضيق العطية، أحمق الأب، لئيم الخال، ثم قال: يا رسول الله، قد صدقت فيهما جميعا، أرضاني فقلت بأحسن ما أعلم فيه، وأسخطني فقلت بأسوأ ما أعلم فيه. قال: فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (إن من البيان سحرا) قال البيهقي: هذا منقطع. وقال ابن كثير (البداية 5/ 41): مرسل من هذا الوجه. وعزاه في الإصابة (4/ 5) لأبي نعيم، قال: وإسناده حسن، إلا أن فيه انقطاعًا.
ورواه ابن شبّة (تاريخ المدينة: 2/ 524)، حدثنا محمد بن عباد بن عباد المهلبي، قال: حدثني أبي، عن محمد بن الزبير به. ورواه ابن قانع (معجم الصحابة: 1/ 242 – 243)، حدثنا إبراهيم بن إسحاق الحربي، حدثنا سليمان بن حرب، حدثنا حماد بن زيد، عن الزبير بن الخِرِّيت، قال: قدم الزبرقان بن بدر. وذكره مختصرًا، وهذا مرسل صحيح.
قال البيهقي الدلائل (5/ 316): وقد روي من وجه آخر موصولا، أخبرنا أبو جعفر كامل بن أحمد المستملي، أخبرنا محمد بن محمد بن أحمد بن عثمان البغدادي، حدثنا محمد بن عبد الله بن الحسين العلاف ببغداد، حدثنا علي بن حرب الطائي، حدثنا أبو سعد الهيثم بن محفوظ، عن أبي المقوم الأنصاري - قال أبو جعفر: أبو المقوم اسمه يحيى بن يزيد - عن الحكم بن عتيبة، عن مقسم مولى ابن عباس، عن عبد الله بن عباس، وذكر نحوه. قال ابن كثير (البداية: 5/ 42): وهذا إسناد غريب جدًّا.
وأخرجه ابن شاهين (الإصابة: 4/ 5) من طريق أبي المقدم الأنصاري به.
ورواه الحاكم (المستدرك: 3/ 613) من طريق علي بن حرب به، ثم قال: وقد روي عن أبي بكرة الأنصاري، أنه حضر هذا المجلس، أخبرنا أبو منصور محمد بن علي الفارسي، حدثنا أبو بكر محمد بن شاذان الجوهري، حدثنا سعيد بن سليمان القسيطي، ثنا عيينة بن عبد الرحمن بن جوشن، عن أبيه، عن أبي بكرة، وساقه.
وقال الهيثمي (مجمع الزوائد: 8/ 117): رواه الطبراني في الأوسط والكبير، عن محمد بن موسى الأصطخري، عن الحسن بن كثير بن يحيى بن أبي كثير، ولم أعرفهما، وبقية رجاله ثقات.
[14] ابن حجر: فتح الباري (10/ 237).
[15] الزرقاني: شرح الزرقاني على الموطأ (4/ 517)، وانظر: التمهيد (5/ 176).
[16] ابن عبد البر: التمهيد (5/ 171).
[17] ابن عبد البر: التمهيد (5/ 175 - 176).
[18] السيوطي: المزهر في علوم اللغة وأنواعها (2/ 404).
[19] أ. رواة الحديث:
يحيى بن حكيم: المقوم، بتشديد الواو المكسورة، أبو سعيد البصري، ثقة حافظ عابد مصنف، من العاشرة، مات سنة ست وخمسين، روى له أبو داود، والنسائي، وابن ماجه (التقريب: 7534).
حرمي بن حفص: ابن عمر القسملي أبو علي العتكي، من أهل البصرة، يروي عن عبد الواحد بن زياد، وخالد بن أبي عثمان، روى عنه: محمد بن يحيى الذهلي، وأهل العراق، مات سنة ثلاث وعشرين ومائتين (الثقات: 8/ 216).
وله ترجمة في التاريخ الكبير (3/ 122 - 123)، ولم يتكلم فيه بجرح ولا تعديل.
عبيدة بن عبد الرحمن السدوسي:
قال ابن حبان: أبو عمرو البجلي، اسمه عبيدة بن عبد الرحمن، وقد قيل عبيدة، يروي عن يحيى بن سعيد الأنصاري، روى عنه حرمي بن حفص، يروي الموضوعات عن الثقات، لا يحل الاحتجاج به بحال (المجروحين: 2/ 199).
يحيى بن سعيد: ابن قيس الأنصاري، المدني، أبو سعيد القاضي، ثقة ثبت، من الخامسة، مات سنة أربع وأربعين أو بعدها، روى له الجماعة (التقريب: 7559).
بشير بن نهيك: السدوسي، ويقال: السلولي، أبو الشعثاء المصري، ثقة، من الثالثة، روى له الجماعة (التقريب: 726).
وعن بشير بن نهيك: أتيت أبا هريرة بكتابي الذي كتبت عنه، فقرأته عليه، فقلت: هذا سمعته منك، قال: نعم.
ونقل الترمذي في (العلل الكبير)، عن البخاري، أنه قال: بشير بن نهيك لم يذكر سماعًا من أبي هريرة.
قال ابن حجر: وهو مردود بما تقدم (تهذيب التهذيب: 1/ 470).
ب. درجة الحديث:
قال العراقي (محجة القرب: ص 345): هذا حسن صحيح، أخرجه البزار في مسنده، وعبيدة بن عبد الرحمن السدوسي، يقال له القبائلي، روى عنه عمران بن حدير، فيما ذكره ابن ماكولا ... لم أجد من تكلم فيه، وباقي رجاله ثقات.
وقال ابن حجر (مختصر زوائد مسند البزار: 2057): إسناده حسن.
وفي مجمع الزوائد للهيثمي (16571): رواه البزار، وقال: لا يروى عن النبي صلى الله عليه وسلم إلا من هذا الوجه، وفيه: عبيدة بن عبد الرحمن، ذكره ابن أبي حاتم (الجرح والتعديل: 6/ 92) ولم يجرحه أحد، وبقية رجاله ثقات.
وضعفه الهيثمي (مبلغ الأرب: ص 62).
[20] أ. رواة الحديث:
عبد الصمد: ابن عبد الوارث بن سعيد العنبري مولاهم، التنوري ... أبو سهل البصري، صدوق ثبت في شعبة، من التاسعة، مات سنة سبع، روى له الجماعة (التقريب: 4080).
عمر بن حمزة: ليس في تعجيل المنفعة (عمر بن حمزة)، لكن في التقريب (4884): عمر بن حمزة بن عبد الله بن عمر بن الخطاب العمري، المدني، ضعيف، من السادسة، ورمز له (خت م د ت ق).
وفي التاريخ الكبير للبخاري (6/ 148): عمر بن حمزة الضبي، سمع أباه والحسن وعكرمة بن خالد ... وسكت عنه.
وفي كتاب الجرح والتعديل لابن أبي حاتم (6/ 104): عمر بن حمزة الضبي ... عن يحيى بن معين، أنه قال: عمر بن حمزة الضبي ثقة.
عكرمة بن خالد: ابن العاص بن هشام المخزومي، ثقة، من الثالثة، مات بعد عطاء، روى له البخاري، ومسلم، وأبو داود، والترمذي، والنسائي (التقريب: 4668).
ب. درجة الحديث:
صحيح. قال العراقي (محجة القرب: ص 344): هذا حديث صحيح. وصححه الهيتمي (مبلغ الأرب: ص 62)، وقال الهيثمي (مجمع الزوائد : 16573): رجاله رجال الصحيح. وقال الشيخ حمود التويجري (إتحاف الجماعة: 3/ 77) (إيضاح المحجة: ص 107): إسناده صحيح على شرط مسلم.
[21] رواة الحديث:
أبو عبيدة عبد الوارث بن إبراهيم العسكري: قال الهيثمي (مجمع الزوائد: 5/ 209): لم أعرفه. وقال الذهبي (تاريخ الإسلام: حوادث ووفيات: 281 – 290، ص 217)، قال: ... وعنه: الطبراني وابن قانع. توفي سنة تسع وثمانين ومائتين.
سيف بن مسكين الأسواري: قال الذهبي: شيخ بصري، يأتي بالمقلوبات والأشياء الموضوعة. قاله ابن حبان (الميزان: 2/ 257).
مبارك بن فضالة: أبو فضالة البصري، صدوق يدلس ويسوي، من السادسة، مات سنة ست وستين، على الصحيح، روى له البخاري تعليقًا، وأبو داود، والترمذي، وابن ماجه (التقريب: 6464).
الحسن: ابن أبي الحسن البصري، واسم أبيه: يسار، بالتحتانية والمهملة، الأنصاري مولاهم، ثقة فقيه فاضل مشهور، وكان يرسل كثيرًا ويدلس، قال البزار: كان يروي عن جماعة لم يسمع منهم، فيتجوز ويقول: حدثنا وخطبنا – يعني قومه الذين حدثوا وخطبوا بالبصرة – هو رأس أهل الطبقة الثالثة، مات سنة عشر ومائة، وقد قارب التسعين، روى له الجماعة (التقريب: 1227).
عتي السعدي: عتي، بضم أوله، مصغر، ابن ضمرة التميمي السعدي، البصري، ثقة، من الثالثة، روى له البخاري في الأدب المفرد، والترمذي، والنسائي، وابن ماجه (التقريب: 4445).
ب. درجة الحديث:
ضعيف؛ من أجل سيف بن مسكين، وعبد الوارث العسكري، وعنعنة مبارك بن فضالة.
قال الهيثمي: (مجمع الزوائد: 7/ 323): رواه الطبراني في الأوسط والكبير، وفيه سيف بن مسكين، وهو ضعيف.
[22] أ. رواة الحديث:
أحمد بن عمرو الزيبقي: أبو الحسين أحمد بن عمرو بن أحمد البصري الزيبقي، من أهل البصرة، حدث عن عبد الله الصفار، وأبي يعلى المنقري وأبيه، روى عنه محمد بن علي الكاغذي، وأحمد بن محمد الأسفاطي البصريان، وأبو القاسم الطبراني (الأنساب للسمعاني: 3/ 187).
محمد بن مسكين اليمامي: محمد بن مسكين بن نميلة، بالنون، مصغر، أبو الحسن اليمامي، نزيل بغداد، ثقة، من الحادية عشرة، روى له البخاري، ومسلم، وأبو داود، والنسائي (التقريب: 6290).
محمد بن سليمان: ابن محمد اليمامي.
موسى بن الفضل: الربعي، البصري، مقبول، من كبار العاشرة، روى له ابن ماجه (التقريب: 7001).
روى عنه: سويد بن سعيد، وعمر بن شبة النميري، ومحمد بن سليمان بن محمد اليمامي (تهذيب الكمال: 6291).
أيوب بن عتبة: اليمامي، أبو يحيى القاضي، من بني قيس بن ثعلبة، ضعيف، من السادسة، مات سنة ستين ومائة، روى له ابن ماجه (التقريب: 619).
معبد بن يزيد: لم أقف على ترجمة له.
ب. درجة الحديث: ضعيف.
قال العراقي: هذا حديث في إسناده مقال، رواه الطبراني هكذا. وأيوب بن عتبة قاضي اليمامة ضعفه ابن معين.
وقال الهيثمي (مجمع الزوائد: 10/ 52): فيه جماعة لم أعرفهم.
ج. تخريج الحديث:
رواه ابن قانع في معجم الصحابة (2218): حدثنا علي بن الحسين بن سريج: نا محمد بن مسكين به.
ورواه ابن أبي عاصم (الآحاد والمثاني: 1681): ثنا محمد بن مسكين به، وعزاه ابن منده لابن شاهين (الإصابة: 10/ 360).
[23] قال ابن تيمية رحمه الله (الصارم المسلول: ص 226، 227): وعن الزهري، عن أبي سلمة، عن أبي سعيد رضي الله عنه، قال: بينا النبي صلى الله عليه وسلم يقسم، إذ جاء عبد الله بن ذي الخويصرة التميمي ...
قال ابن تيمية: وتسمية ذي الخويصرة هو المشهور في عامة الحديث، كما رواه عامة أصحاب الزهري عنه، والأشبه أن ما انفرد به معمر وهم منه، فإن له مثل ذلك،وقد ذكروا أن اسمه حرقوص بن زهير.
[24] البخاري (4094)، مسلم (1064)، قالا: حدثنا قتيبة، حدثنا عبد الواحد، عن عمارة بن القعقاع بن شبرمة، حدثنا عبد الرحمن بن أبي نعم، قال: سمعت أبا سعيد الخدري - رضي الله عنه - به.
[25] الخطابي: معالم السنن (4/ 307).
[26] ابن كثير: البداية والنهاية (7/ 310).
[27] أحمد (الفتح الرباني: 24/ 180 مطولًا) قال الساعاتي: أورده الهيثمي في مجمع الزوائد مختصرًا، وقال: رواه أحمد بأسانيد، وبعض أسانيد أحمد رجاله رجال الصحيح، ورواه الطبراني في الكبير والأوسط بنحوه.
قال ابن القيم (شفاء العليل: 473): معناه: أن خياركم هم السابقون الأولون، وهؤلاء من أولاد المشركين، فإن آباءهم كانوا كفارًا، ثم إن البنين أسلموا بعد ذلك، فلا يضر الطفل أن يكون من أولاد المشركين إذا كان مؤمنًا، فإن الله إنما يجزيه بعمله لا بعمل أبويه، وهو سبحانه يخرج المؤمن من الكافر، والكافر من المؤمن، كما يخرج الحي من الميت، ويخرج الميت من الحي. أهـ.
[28] السهسواني: صيانة الإنسان ص 563 – 564.
[29] أ. درجة الحديث: إسناده باطل، يعلى بن الأشدق متروك.
ب. تخريج الحديث: رواه ابن منده، وابن مردويه (الدر المنثور 7/ 553)، والثعلبي (تخريج أحديث الكشاف: 3/ 331)، والأصبهاني (معرفة الصحابة: 3243) من طريق يعلى بن الأشدق به.
قال الأصبهاني في ترجمة سعد بن عبد الله: مجهول، روى عنه يعلى بن الأشدق ... غريب لا يعرف إلا من هذا الوجه.
وقد جاء من طريق ابن أبي نجيح، عن مجاهد: أنها نزلت في أعراب بني تميم.
رواه الطبري (جامع البيان: 26/ 122)، والبيهقي (شعب الإيمان: 2/ 195)، وعبد بن حميد (الدر المنثور: 7/ 553).
وجاء من طريق ابن جريج، قال: أخبرت أن سعيد بن جبير ... قال: أولها – يعني آية الحجرات – في بني تميم.
أخرجه ابن المنذر (الدر المنثور: 7/ 553)، وفي (تفسير الثعالبي: 5/ 269): وفي مصحف ابن مسعود: أكثرهم بنو تميم لا يعقلون.
[30] أ. إسناده صحيح إلى أبي سلمة.
قال السفاريني (غذاء الألباب 1/ 149): روى الإمام أحمد عن الأقرع بن حابس، وابن جرير بسند جيد، وأبو القاسم البغوي والطبراني بسند صحيح.
وقال البوصيري في مختصر إتحاف السادة (6533): رواه أبو بكر بن أبي شيبة، وأحمد بن حنبل بسند صحيح.
وصحح إسناده السيوطي في الدر المنثور (7/ 552)، وقال الهيثمي في مجمع الزوائد (7/ 108): وأحد إسنادي أحمد رجاله رجال الصحيح، إن كان أبو سلمة سمع من الأقرع، وإلا فهو مرسل كإسناد أحمد الآخر.
وفي الإصابة (1/ 91)، وانظر (فتح الباري: 8/ 592) قال ابن مندة: روي عن أبي سلمة أن الأقرع بن حابس نادى، فذكره مرسلًا، وهو الأصح,
وفي الإصابة (1/ 91) أيضًا: وقع في رواية ابن جرير التصريح بسماع أبي سلمة من الأقرع، فهذا يدل على أنه تأخر.
لكن في (تعجيل المنفعة: ص 31 رقم 61) رواية أبي سلمة عن الأقرع منقطعة.
ب – تخريج الحديث:
ومن طريق وهيب – بدون آية الحجرات – رواه:
الإمام أحمد 3/ 488، وأبو بكر بن أبي شيبة في مسنده (702)، وابن جرير (26/ 122)، وابن أبي عاصم في الآحاد والمثاني (1178)، والبغوي (1/ 91 الإصابة)، وابن بشكوال في الغوامض والمبهمات (352)، والطبراني في الكبير (1/ 200)، وأبو نعيم في معرفة الصحابة (1033)، والضياء المقدسي في المختارة (1500)، (1501)، (1502)، (1503)، وابن عساكر في تاريخ مدينة دمشق (9/ 184 - 185).
والحديث عزاه السيوطي في الدر المنثور (7/ 552) لابن مردويه.
ورواه ابن عساكر (9/ 185)، من طريق عمر بن أبي سلمة، عن أبيه به.
والروياني (الإصابة: 1/ 91)، من طريق عمرو بن أبي سلمة، قال: نادى الأقرع، فذكره مرسلًا.
ورواه ابن بشكوال (الغوامض والمبهمات: 353)، عن ابن شهاب، قال: إن الأقرع، وذكره.
وفي الباب عن غير واحد من الصحابة، وعن غير واحد من التابعين مرسلًا نحوه.
[31] النسائي (3688): أخبرنا عمرو بن زيد، قال: حدثنا ابن أبي عدي، قال: حدثنا حماد بن سلمة، عن محمد بن إسحاق، عن عمرو بن شعيب، عن أبيه، عن جده به مطولًا.
قال الهيثمي (مجمع: 6/ 187 - 188) بعده: رواه أبو داود باختصار كثير – رواه أحمد، ورجال أحد إسناديه ثقات.
[32] الماوردي: النكت والعيون (5/ 327).
[33] البخاري (4367)، والترمذي (3266)، والنسائي (5386)، والكبرى (6/ 466)، والتفسير (534)، وابن جرير (26/ 76)، والهروي في ذم الكلام (967)، والواحدي في أسباب النزول ص 385، والبغوي في معالم التنزيل (4/ 209)، وابن عساكر (9/ 191)، وعزاه في الدر المنثور (7/ 546) لابن المنذر، وابن مردويه.
[34] البخاري (4845)، وأحمد (الفتح الرباني: 18/ 278)، وابن عساكر (9/ 190)، وعزاه السيوطي في الدر المنثور (7/ 547) لابن المنذر، والطبراني.
[35] أسباب النزول للواحدي ص 257، ومعالم التنزيل للبغوي (2/ 322).
[36] السهسواني: صيانة الإنسان ص 568.
[37] مقاتل كذبوه وهجروه (التقريب: 6868). وقال إبراهيم: إنما جمع مقاتل تفسير الناس، وفسر عليه من غير سماع (تهذيب الكمال: 28/ 442)، وقال الذهبي (السير: 7/ 202): أجمعوا على تركه.
ولم يذكر الشيخ مقبل بن هادي الوادعي الآيتين المتقدمتين من سورة الحجرات في كتابه الصحيح – ويشمل الحسن – المسند من أسباب النزول، والذي قدمه للجامعة الإسلامية، وقد قال في مقدمة كتابه: هذا ومما حدا بي إلى اختيار هذا الموضوع أن أسباب النزول قد دخلها الدخيل كغيرها من سائر الفنون – إلى آخر ما قال – رحمه الله -.
وكذلك الشيخ بهاء الدين القاشي في كتابه المعتمد من المنقول فيما أوحي إلى الرسول – صلى الله عليه وسلم – لم يتعرض لذكر بني تميم ولا للأقرع بن حابس في سورة الحجرات، وإنما ذكر حديث البراء: قام رجل. والله أعلم.
[38] الماوردي: النكت والعيون (5/ 333).
[39] أ. درجة الحديث:
قال الحاكم: هذا حديث غريب المتن، صحيح الإسناد ولم يخرجاه، وقال الذهبي في التلخيص: صحيح غريب. وحسنه الهيتمي في مبلغ الأرب ص 54.
وقال الهيثمي: (مجمع الزوائد: 10/ 9): رواه الطبراني، عن شيخه بكر بن سهل الدمياطي، قال الذهبي: حمل عنه الناس، وهو مقارب الحال، وقال النسائي: ضعيف، وبقية رجاله رجال الصحيح، وقد رواه بنحوه بإسناد جيد عن شيخين آخرين. أهـ
ب- تخريج الحديث:
رواه أبو يوسف يعقوب بن سفيان البسوي (المعرفة والتاريخ: 1/ 327 - 329): حدثنا أبو سفيان، حدثنا عبد الله بن يوسف، حدثنا يحيى بن حمزة، عن أبي حمزة العنسي – من أهل حمص – أنه حدثه عن عبد الله بن جبير الحضرمي، وراشد بن سعد المقرائي، وشبيب الكلاعي، عن جبير بن نفير، عن عمرو بن عبسة نحوه، وفيه زيادة، وفي لفظه بعض الاختلاف.
ورواه الطبراني (مسند الشاميين: 969)، ومن طريقه المزي (تهذيب الكمال: 12/ 448): حدثنا أحمد بن عبد الوهاب بن نجدة، وخالد أبو يزيد – في التهذيب: أحمد بن يزيد الحوطي – قالا: ثنا أبو المغيرة، ثنا صفوان بن عمرو، حدثني شريح بن عبيد، عن عبد الرحمن بن عائذ الأزدي، عن عمرو بن عبسة السلمي الحديث بطوله.
ورواه بعضهم مختصرًا بدون لعن بني تميم، انظر: مسند الإمام أحمد (4/ 387)، وفضائل الصحابة (1650)، ومحجة القرب ص 303 فما بعد، والنسائي في الكبرى (5/ 92)، والطبراني في مسند الشاميين (2040)، والمعجم الكبير (20/ 98 - 99)، ومجمع الزوائد (10/ 8 - 9).
[40] مسلم (2601)، وأحمد (3/ 400)، والدارمي (2768)، وابن أبي شيبة (7/ 89): من طريق الأعمش، عن أبي صالح، عن أبي هريرة رضي الله عنه.