أَفْضَلُ العِبَادَاتِ ح 1 الحَمْدُ للهِ، وَالصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ عَلَى رَسُولِ اللهِ، وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَالتَّابِعِينَ، وَسَلَّمَ تَسْلِيمًا كَثِيرًا. أَمَّا بَعْدُ: فَهَذِهِ سِلْسِلَةُ حَلَقَاتٍ فِي أَفْضَلِ العِبَادَاتِ، وَأَجَلِّ القُرُبَاتِ، فَيُرْجَى لِمَنْ قَامَ بِهَا أَعْظَمُ الحَسَنَاتِ، وَأَعْلَى الدَّرَجَاتِ، وَإِنْ سَأَلْتَ عَنْهَا، فَقَدْ سَأَلْتَ عَنْ عَظِيمٍ، فَعَنْ مُعَاذِ بْنِ جَبَلٍ - رَضِيَ اللهُ عَنْهُ - قَالَ: قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللهِ، أَخْبِرْنِي بِعَمَلٍ يُدْخِلُنِي الجَنَّةَ، وَيُبَاعِدُنِي عَنِ النَّارِ، قَالَ: ((لَقَدْ سَأَلْتَ عَنْ عَظِيمٍ، وَإِنَّهُ لَيَسِيرٌ عَلَى مَنْ يَسَّرَهُ اللهُ تَعَالَى عَلَيْهِ: تَعْبُدُ اللهَ لَا تُشْرِكُ بِهِ شَيْئًا، وَتُقِيمُ الصَّلَاةَ، وَتُؤْتِي الزَّكَاةَ، وَتَصُومُ رَمَضَانَ، وَتَحُجُّ البَيْتَ))، ثُمَّ قَالَ: ((أَلَا أَدُلُّكَ عَلَى أَبْوَابِ الخَيْرِ؟ الصَّوْمُ جُنَّةٌ، وَالصَّدَقَـةُ تُطْفِئُ الخَطِيئَةَ كَمَا يُطْفِئُ المَاءُ النَّارَ، وَصَلَاةُ الرَّجُلِ فِي جَوْفِ اللَّيْلِ، ثُمَّ تَلَا: ﴿تَتَجَافَى جُنُوبُهُمْ عَنِ الْمَضَاجِعِ﴾. [السجدة: 16]. ثُمَّ قَالَ: ((أَلَا أُخْبِرُكَ بِرَأْسِ الأَمْرِ، وَعَمُودِهِ، وَذِرْوَةِ سَنَامِهِ؟))، قُلْتُ: بَلَى يَا رَسُولَ اللهِ، قَالَ: ((رَأْسُ الأَمْرِ: الإِسْلَامُ، وَعَمُودُهُ: الصَّلَاةُ، وَذِرْوَةُ سَنَامِهِ: الجِهَادُ)). ثُمَّ قَالَ: ((أَلَا أُخْبِرُكَ بِمَلَاكِ ذَلِكَ كُلِّهِ؟))، فَقُلْتُ: بَلَى يَا رَسُولَ اللهِ، فَأَخَذَ بِلِسَانِهِ وَقَالَ: ((كُفَّ عَلَيْكَ هَذَا))، قُلْتُ: يَا نَبِيَّ اللهِ، وَإنَّا لَمُؤَاخَذُونَ بِمَا نَتَكَلَّمُ بِهِ؟! فَقَالَ: ((ثَكِلَتْكَ أُمُّكَ يَا مُعَاذُ، وَهَلْ يَكُبُّ النَّاسَ فِي النَّارِ عَلَى وُجُوهِهِمْ - أَوْ قَالَ: عَلَى مَنَاخِرِهِمْ - إِلَّا حَصَائِدُ أَلْسِنَتِهِمْ)). [رواه الترمذي، وقال: حديث حسن صحيح]. ح 2 تَأَمَّلْ؛ كَيْفَ سَأَلَ أَكْمَلُ النَّاسِ، وَأَفْضَلُهُمْ، أَعْلَى الأُمُورِ، وَأَفْضَلَ الأُجُورِ! عَنْ أُمِّ سَلَمَةَ - رَضِيَ اللهُ عَنْهَا - عَنِ النَّبِيِّ ﷺ: هَذَا مَا سَأَلَ مُحَمَّدٌ رَبَّهُ: اللَّهُمَّ إِنِّي أَسْأَلُكَ خَيْرَ المَسْأَلَةِ، وَخَيْرَ الدُّعَاءِ، وَخَيْرَ النَّجَاحِ، وَخَيْرَ العَمَلِ، وَخَيْرَ الثَّوَابِ، وَخَيْرَ الحَيَاةِ، وَخَيْرَ المَمَاتِ، وَثَبِّتْنِي وَثَقِّلْ مَوَازِينِي، وَأَحِقَّ إِيمَانِي، وَارْفَعْ دَرَجَتِي، وَتَقَبَّلْ صَلَاتِي، وَاغْفِرْ خَطِيئَتِي، وَأَسْأَلُكَ الدَّرَجَاتِ العُلَى مِنَ الجَنَّةِ، آمِينَ! اللَّهُمَّ وَنَجِّنِي مِنَ النَّارِ، وَمَغْفِرَةً بِاللَّيْلِ وَالنَّهَارِ، وَالمَنْزِلَ الصَّالحَ، آمِينَ! اللَّهُمَّ إِنِّي أَسْأَلُكَ خَلَاصًا مِنَ النَّارِ سالمًا، وَأَدْخِلْنِي الجَنَّةَ آمِنًا، اللَّهُمَّ إِنِّي أَسْأَلُكَ أَنْ تُبَارِكَ لِي فِي نَفْسِي، وَفِي سَمْعِي، وَفِي بَصَرِي، وَفِي رُوحِي، وَفِي خَلْقِي، وَفِي خَلِيقَتِي، وَأَهْلِي، وَفِي مَحْيَايَ، وَفِي مَمَاتِي، اللَّهُمَّ وَثَقِّلْ حَسَنَاتِي، وَأَسْأَلُكَ الدَّرَجَاتِ العُلَى مِنَ الجَنَّةِ، آمِينَ. رَوَاهُ الطَّبَرَانِيُّ فِي الكَبِيرِ وَالأَوْسَطِ، وَقَالَ الهَيْثَمِيُّ: رُوَاتُهُ ثِقَاتٌ، وَخَرَّجَهُ الحَاكِمُ، وَصَحَّحَ إِسْنَادَهُ. ح 3 يَنْبَغِي عَلَى المُسْلِمِ، أَنْ يَطْلُبَ أَفْضَلَ الأَعْمَالِ، وَأَشْرَفَهَا، وَأَرْفَعَهَا دَرَجَةً، وَأَعْلَاهَا مَنْزِلَةً عِنْدَ اللهِ - جَلَّ وَعَلَا -؛ لِيَنَالَ بِذَلِكَ، بَعْدَ رَحْمَةِ اللهِ تَعَالَى، الأُجُورَ العَظِيمَةَ، وَالدَّرَجَاتِ الرَّفِيعَةَ. قَالَ تَعَالَى: (وَجَعَلْنَا مِنْهُمْ أَئِمَّةً يَهْدُونَ بِأَمْرِنَا لَمَّا صَبَرُوا وَكَانُوا بِآيَاتِنَا يُوقِنُونَ). قَالَ سُفْيَانُ بْنُ عُيَيْنَةَ: لَمَّا أَخَذُوا بِرَأْسِ الأَمْرِ جَعَلْنَاهُمْ رُؤُوسًا. وَعَنْ حُسَيْنِ بْنِ عَلِيٍّ - رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا - قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ - ﷺ -: (إِنَّ اللهَ يُحِبُّ مَعَالِيَ الأُمُورِ وَأَشْرَافَهَا). رَوَاهُ الطَّبَرَانِيُّ وَالبَيْهَقِيُّ وَحَسَّنَهُ السُّيُوطِيُّ وَقَالَ العِرَاقِيُّ: رِجَالُهُ ثِقَاتٌ. فَلْيَتَّقِ اللهَ المُسْلِمُ وَلْيَحْذَرْ مِنَ المُحَرَّمَاتِ؛ فَإِنَّهَا تَحُولُ دُونَهُ وَدُونَ الدَّرَجَاتِ. فَعَنْ أَبِي الدَّرْدَاءِ - رَضِيَ اللهُ عَنْهُ - قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ - ﷺ -: «لَنْ يَنَالَ الدَّرَجَـاتِ الْعُلَى: مَنْ تَكَهَّنَ، أَوِ اسْتَقْسَمَ، أَوْ رَجَعَ مِنْ سَفَرٍ تَطَيُّرًا». قَالَ الهَيْثَمِيُّ: رَوَاهُ الطَّبَرَانِيُّ بِإِسْنَادَيْنِ، وَرِجَالُ أَحَدِهِمَا ثِقَاتٌ. وَصَحَّحَ إِسْنَادَهُ الهَيْتَمِيُّ فِي الزَّوَاجِرِ. وَعَنْ دَاوُدَ بْنِ أَبِي هِنْدٍ، عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ - رَضِيَ اللهُ عَنْهُ - عَنْ رَسُـولِ اللهِ - ﷺ - قَالَ: «إِنَّ اللهَ - - بَنَى الْفِرْدَوْسَ بِيَدِهِ، وَحَظَرَهَا عَلَى كُلِّ مُشْرِكٍ، وَكُلِّ مُدْمِنٍ لِلْخَمْرِ سِكِّيرٍ». رَوَاهُ أَبُو نُعَيْمٍ وَغَيْرُهُ، وَقَالَ: غَرِيبٌ مِنْ حَدِيثِ دَاوُدَ، عَنْ أَنَسٍ. ح 4 أَهْلُ الهِمَمِ العَالِيَةِ، يَسْأَلُونَ وَيَبْحَثُونَ عَنْ أَفْضَلِ الأَعْمَالِ، وَخَيْرِهَا؛ لِيَعْمَلُوا بِهَا. فَعَنْ عُقْبَةَ - رَضِيَ اللهُ عَنْهُ - قَالَ: لَقِيتُ رَسُولَ اللَّهِ - ﷺ - فَابْتَدَأْتُهُ، فَأَخَذْتُ بِيَدِهِ، فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ! أَخْبِرْنِي بِفَوَاضِلِ الْأَعْمَالِ؟، فَقَالَ: يَا عُقْبَةُ! صِلْ مَنْ قَطَعَكَ، وَأَعْطِ مَنْ حَرَمَكَ، وَأَعْرِضْ عَمَّنْ ظَلَمَكَ). رَوَاهُ أَحْمَدُ، وَقَدْ حُسِّنَ، وَوَثَّقَ رُوَاتِهِ المُنْذِرِيُّ. وَعَنْ أَبِي قِلَابَةَ عَنْ عَمْرِو بْنِ عَبَسَةَ - رَضِيَ اللهُ عَنْهُ - قَالَ: أَتَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ - ﷺ - فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ! أَيُّ الْإِسْلَامِ أَفْضَلُ؟، قَالَ: مَنْ سَلِمَ الْمُسْلِمُونَ مِنْ لِسَانِهِ وَيَدِهِ. قَالَ: قُلْتُ: أَيُّ الْإِيمَانِ أَفْضَلُ؟، قَالَ: خُلُقٌ حَسَنٌ، قَالَ: قُلْتُ: أَيُّ الصَّلَاةِ أَفْضَلُ؟، قَالَ: طُولُ الْقُنُوتِ، قَالَ: قُلْتُ: أَيُّ الْهِجْرَةِ أَفْضَلُ؟، قَالَ: أَنْ تَهْجُرَ مَا كَرِهَ رَبُّكَ - عَزَّ وَجَلَّ -، قَالَ: قُلْتُ: فَأَيُّ الْجِهَادِ أَفْضَلُ؟، قَالَ: مَنْ عُقِرَ جَوَادُهُ، وَأُهْرِيقَ دَمُهُ، قَالَ: قُلْتُ: أَيُّ السَّاعَاتِ أَفْضَلُ؟، قَالَ: جَوْفُ اللَّيْلِ الْآخِرُ). رَوَاهُ أَحْمَدُ، وَيُحْتَمَلُ أَنَّ رِوَايَةَ أَبِي قِلَابَةَ عَنْ عَمْرٍو مُرْسَلَةٌ، وَقَالَ الهَيْثَمِيُّ: رِجَالُهُ ثِقَاتٌ. ح 5 الصَّحَابَةُ - رَضِيَ اللهُ عَنْهُمْ - كَانُوا يَتَنَافَسُونَ عَلَى الأَعْمَالِ الصَّالِحَةِ، فَلَا الغَنِيُّ يَشْغَلُهُ غِنَاهُ، وَلَا الفَقِيرُ يَشْغَلُهُ فَقْرُهُ، وَقَدْ غَبَطَ فَقِيرُهُمْ غَنِيَّهُمْ، لَا عَلَى التَّوَسُّعِ فِي مَلَاذِّ الدُّنْيَا، وَلَكِنْ عَلَى أَعْمَالٍ صَالِحَةٍ عَمِلُوهَا؛ لِوُجُودِ المَالِ فِي أَيْدِيهِمْ. عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ - رَضِيَ اللهُ عَنْهُ - قَالَ: جَاءَ الفُقَرَاءُ إِلَى النَّبِيِّ - ﷺ - فَقَالُوا: ذَهَبَ أَهْلُ الدُّثُورِ مِنَ الأَمْوَالِ بِالدَّرَجَاتِ العُلَا، وَالنَّعِيمِ المُقِيمِ؛ يُصَلُّونَ كَمَا نُصَلِّي، وَيَصُومُونَ كَمَا نَصُومُ، وَلَهُمْ فَضْلٌ مِنْ أَمْوَالٍ، يَحُجُّونَ بِهَا، وَيَعْتَمِرُونَ، وَيُجَاهِدُونَ، وَيَتَصَدَّقُونَ. قَالَ: "أَلَا أُحَدِّثُكُمْ بِأَمْرٍ إِنْ أَخَذْتُمْ بِهِ، أَدْرَكْتُمْ مَنْ سَبَقَكُمْ، وَلَمْ يُدْرِكْكُمْ أَحَدٌ بَعْدَكُمْ، وَكُنْتُمْ خَيْرَ مَنْ أَنْتُمْ بَيْنَ ظَهْرَانَيْهِ، إِلَّا مَنْ عَمِلَ مِثْلَهُ؟: تُسَبِّحُونَ، وَتَحْمَدُونَ، وَتُكَبِّرُونَ خَلْفَ كُلِّ صَلَاةٍ ثَلَاثًا وَثَلَاثِينَ". فَاخْتَلَفْنَا بَيْنَنَا فَقَالَ بَعْضُنَا: نُسَبِّحُ ثَلَاثًا وَثَلَاثِينَ، وَنَحْمَدُ ثَلَاثًا وَثَلَاثِينَ، وَنُكَبِّرُ أَرْبَعًا وَثَلَاثِينَ. فَرَجَعْتُ إِلَيْهِ، فَقَالَ: "تَقُولُ: سُبْحَانَ اللهِ، وَالحَمْدُ للهِ، وَاللهُ أَكْبَرُ، حَتَّى يَكُونَ مِنْهُنَّ كُلِّهِنَّ ثَلَاثًا وَثَلَاثِينَ". متفق عليه. وَإِنْ تَعْجَبْ فَعَجَبٌ تَفْرِيطُ كَثِيرٍ مِنَ الأَثْرِيَاءِ فِي الأَعْمَالِ الصَّالِحَةِ التِي يَقْدِرُونَ عَلَيْهَا؛ لِكَوْنِ المَالِ فِي أَيْدِيهِمْ. وَتَفْرِيطُ كَثِيرٍ مِنَ الفُقَرَاءِ فِي الأَعْمَالِ الصَّالِحَةِ التِي لَا تَحْتَاجُ إِلَى إِنْفَاقٍ عَلَى كَثْرَتِهَا وَسُهُولَتِهَا. ح 6 الأَعْمَالُ الصَّالِحَةُ كُلُّهَا خَيْرٌ، صَغِيرُهَا وَكَبِيرُهَا، دَقِيقُهَا وَجَلِيلُهَا، كَثِيرُهَا وَقَلِيلُهَا، وَلَكِنَّ التَّفَاوُتَ فِي الفَضْلِ وَالأَجْرِ، لَا خِلَافَ فِيهِ. رَوَى الحَسَنُ عَنْ سَمُرَةَ مَرْفُوعًا: (مَنْ تَوَضَّأَ يَوْمَ الْجُمُعَةِ، فَبِهَا وَنِعْمَتْ، وَمَنِ اغْتَسَلَ، فَالغُسْلُ أَفْضَلُ). رَوَاهُ أَحْمَدُ، وَأَبُو دَاوُدَ، وَالنَّسَائِيُّ، وَالتِّرْمِذِيُّ، وَحَسَّنَهُ، وَصَحَّحَهُ ابْنُ خُزَيْمَةَ. وَطَلَبُ الأَفْضَلِ وَالأَكْمَلِ دَأْبُ الصَّالَحِينَ، لَا لِلْمَعْرِفَةِ وَالثَّقَافَةِ، وَلَكِنْ لِلْعَمَلِ بِهِ. قَالَ ابْنُ المُلَقِّنِ: السُّؤَالُ عَنْ طَلَبِ الأَفْضَلِ؛ لِتَشْتَدَّ المُحَافَظَةُ عَلَيْهِ، فَإِنَّ العَبْدَ مَأْمُورٌ بِتَنْزِيلِ الأَشْيَاءِ مَنَازِلَهَا؛ فَيُقَدِّمُ الأَفْضَلَ عَلَى الفَاضِلَ؛ طَلَبًا لِلدَّرَجَةِ العُلْيَا. وَقَالَ النُّضَيْرُ بْنُ الحَارِثِ - رَضِيَ اللهُ عَنْهُ - قُلْتُ لِرَسُولِ اللهِ - ﷺ -: يَا رَسُولَ اللهِ! أَيُّ الأَعْمَالِ أَحَبُّ إِلَى اللهِ؟، قَالَ: (الجِهَادُ وَالنَّفَقَةُ فِي سَبِيلِ اللهِ). وَقَدْ خَرَجَ النُّضَيْرُ إِلَى الشَّامِ غَازِيًا؛ فَقُتِلَ يَوْمَ اليَرْمُوكِ شَهِيدًا، رَحْمَةُ اللهِ عَلَيْهِ. فَمِثْلُ هَذَا تَكُونُ هِمَّةُ صُقُورِ البَشَرِيَّةِ، وَأُسُودِ الإِنْسَانِيَّةِ، وَالرِّجَالُ، الَّذِينَ هُمْ رِجَالٌ، يَعْتَزُّ بِهِمُ التَّارِيخُ، فَظَاهِرُ أَعْمَالِهِمْ شَاهِدٌ عَلَى صِدْقِ أَقْوَالِهِمْ. وَقَدْ طَلَبَ أَبُو القَاسِمِ المَغْرِبِيُّ مِنْ شَيْخِ الإِسْلَامِ ابْنِ تَيْمِيَةَ أَنْ يُنَبِّهَهُ عَلَى أَفْضَلِ الأَعْمَالِ الصَّالِحَةِ بَعْدَ الوَاجِبَاتِ، فَأَجَابَهُ: أَنَّ ذَلِكَ يَخْتَلِفُ بِاخْتِلَافِ النَّاسِ، فِيمَا يَقْدِرُونَ عَلَيْهِ، وَمَا يُنَاسِبُ أَوْقَاتَهُمْ، لَكِنْ مِمَّا هُوَ كَالإِجْمَاعِ بَيْنَ العُلَمَاءِ بِاللهِ وَأَمْرِهِ: أَنَّ مُلَازَمَةَ ذِكْرِ اللهِ دَائِمًا، هُوَ أَفْضَلُ مَا شَغَلَ العَبْدُ بِهِ نَفْسَهُ فِي الجُمْلَةِ. ح 7 قُلْنَا: إِنَّ الهِمَّةَ العَالِيَةَ، تَكُونُ فِي طَلَبِ أَفْضَلِ الأَعْمَالِ، وَالعَمَلِ بِهَا، وَقَدْ تَخْتَلِفُ هِمَمُ النَّاسِ مِنْ حَيْثِيَّاتٍ مُتَعَدِّدَةٍ وَمُتَنَوِّعَةٍ؛ فَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ - رَضِيَ اللهُ عَنْهُ - أَنَّ أَعْرَابِيًّا، جَاءَ إِلَى رَسُولِ اللهِ - ﷺ - فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللهِ! دُلَّنِي عَلَى عَمَلٍ إِذَا عَمِلْتُهُ دَخَلْتُ الجَنَّةَ، قَالَ: "تَعْبُدُ اللهَ لَا تُشْرِكُ بِهِ شَيْئًا، وَتُقِيمُ الصَّلَاةَ المَكْتُوبَةَ، وَتُؤَدِّي الزَّكَاةَ المَفْرُوضَةَ، وَتَصُومُ رَمَضَانَ"، قَالَ: وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ! لَا أَزِيدُ عَلَى هَذَا شَيْئًا أَبَدًا، وَلَا أَنْقُصُ مِنْهُ، فَلَمَّا وَلَّى قَالَ النَّبِيُّ - ﷺ -: "مَنْ سَرَّهُ أَنْ يَنْظُرَ إِلَى رَجُلٍ مِنْ أَهْلِ الجَنَّةِ، فَلْيَنْظُرْ إِلَى هَذَا". وَعَنْ طَلْحَةَ بْنِ عُبَيْدِ اللهِ - رَضِيَ اللهُ عَنْهُ - أَنَّ أَعْرَابِيًّا، جَاءَ إِلَى رَسُولِ اللهِ - ﷺ - ثَائِرَ الرَّأْسِ، فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللهِ، أَخْبِرْنِي مَاذَا فَرَضَ اللهُ عَلَيَّ مِنَ الصَّلَاةِ؟، فَقَالَ: "الصَّلَوَاتِ الخَمْسَ، إِلَّا أَنْ تَطَوَّعَ شَيْئًا". فَقَالَ: أَخْبِرْنِي بِمَا فَرَضَ اللهُ عَلَيَّ مِنَ الصِّيَامِ؟، فَقَالَ: "شَهْرَ رَمَضَانَ، إِلَّا أَنْ تَطَوَّعَ شَيْئًا"، فَقَالَ: أَخْبِرْنِي بِمَا فَرَضَ اللهُ عَلَيَّ مِنَ الزَّكَاةِ؟، فَقَالَ: فَأَخْبَرَهُ رَسُولُ اللهِ - ﷺ - شَرَائِعَ الإِسْلَامِ، قَالَ: وَالَّذِي أَكْرَمَكَ لَا أَتَطَوَّعُ شَيْئًا، وَلَا أَنْقُصُ مِمَّا فَرَضَ اللهُ عَلَيَّ شَيْئًا، فَقَالَ رَسُولُ اللهِ - ﷺ -: "أَفْلَحَ إِنْ صَدَقَ، أَوْ : دَخَلَ الجَنَّةَ إِنْ صَدَقَ". متفق عليه. ح 8 الهِمَّةُ العَالِيَةُ لَا يَقِفُ فِي طَرِيقِ سَيْرِهَا إِلَى اللهِ، وَدَرْبِ هِجْرَتِهَا إِلَى مَرْضَاتِهِ شَيْءٌ، فَمَنْهَجُهَا العَمَلِيُّ: (إِذَا لَمْ تَسْتَطِعْ شَيْئًا فَدَعْهُ ... وَجَاوِزْهُ إِلَى مَا تَسْتَطِيعُ) ثَبَتَ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ - رَضِيَ اللهُ عَنْهُ - أَنَّ رَجُلًا أَتَى النَّبِيَّ - ﷺ - فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ! أَيُّ الْأَعْمَالِ أَفْضَلُ؟، قَالَ: " الْإِيمَانُ بِاللَّهِ، وَالْجِهَادُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ"، قَالَ: فَإِنْ لَمْ أَسْتَطِعْ ذَلِكَ؟، قَالَ: "احْبِسْ نَفْسَكَ عَنْ الشَّرِّ؛ فَإِنَّهَا صَدَقَةٌ تَصَدَّقُ بِهَا عَلَى نَفْسِكَ". رَوَاهُ أَحْمَدُ. وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ - رَضِيَ اللهُ عَنْهُ - قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ - ﷺ -: "المُؤْمِنُ القَوِيُّ خَيْرٌ وَأَحَبُّ إِلَى اللهِ مِنَ المُؤْمِنِ الضَّعِيفِ، وَفِي كُلٍّ خَيْرٌ، احْرِصْ عَلَى مَا يَنْفَعُكَ، وَاسْتَعِنْ بِاللهِ، وَلَا تَعْجَزْ ... الحديث). رَوَاهُ مُسْلِمٌ. وَذَكَرَ ابْنُ القَيِّمِ - رَحِمَهُ اللهُ - أَنَّ لِلنَّاسِ، فِي أَفْضَلِ العِبَادَاتِ، وَأَنْفَعِهَا، أَرْبَعَ طُرُقٍ: الصِّنْفُ الأَوَّلُ: عِنْدَهُمْ أَنْفَعُ العِبَادَاتِ وَأَفْضَلُهَا؛ أَشَقُّهَا عَلَى النُّفُوسِ وَأَصْعَبُهَا. الصِّنْفُ الثَّانِي: قَالُوا: أَفْضَلُ العِبَادَاتِ التَّجَرُّدُ وَالزُّهْدُ فِي الدُّنْيَا. الصِّنْفُ الثَّالِثُ: رَأَوْا أَنْفَعَ العِبَادَاتِ وَأَفْضَلَهَا مَا كَانَ فِيهِ نَفْعٌ مُتَعَدٍّ. الصِّنْفُ الرَّابِعُ: قَالُوا: إِنَّ أَفْضَلَ العِبَادَاتِ، العَمَلُ عَلَى مَرْضَاتِ الرَّبِّ فِي كُلِّ وَقْتٍ، بِمَا هُوَ مُقْتَضَى ذَلِكَ الوَقْتِ وَوَظِيفَتِهِ. قَالَ مُقَيِّدُهُ: وَالَّذِي يَظْهَرُ - وَاللهُ أَعْلَمُ - أَنَّ أَفْضَلَ العِبَادَاتِ، وَأَنْفَعَهَا، وَأَحَقَّهَا بِالإِيثَارِ؛ مَا وَرَدَ النَّصُّ بِتَفْضِيلِهِ عَلَى غَيْرِهِ، ثُمَّ العِبَادَةُ التِي يَجِدُ العَبْدُ فِيهَا الإِخْلَاصَ، وَالمُتَابَعَةَ، وَإِقْبَالَ قَلْبِهِ، وَحَيَاتَهُ، وَصِحَّتَهُ. ح 9 عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ - رَضِيَ اللهُ عَنْهُ - قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ - ﷺ -: "المُؤْمِنُ القَوِيُّ خَيْرٌ وَأَحَبُّ إِلَى اللهِ مِنَ المُؤْمِنِ الضَّعِيفِ، وَفِي كُلٍّ خَيْرٌ، احْرِصْ عَلَى مَا يَنْفَعُكَ، وَاسْتَعِنْ بِاللهِ، وَلَا تَعْجَزْ ... الحديث). رَوَاهُ مُسْلِمٌ. وَقَدْ أَمَرَنَا اللهُ - جَلَّ وَعَلَا - فِي القُرْآنِ بِاسْتِبَاقِ الخَيْرَاتِ، وَالمُسَارَعَةِ إِلَى الجَنَّاتِ، وَالمُنَافَسَةِ عَلَى الدَّرَجَاتِ، فَقَالَ: (وَالسَّابِقُونَ السَّابِقُونَ * أُولَئِكَ المُقَرَّبُونَ). قَالَ ابْنُ رَجَبٍ - رَحِمَهُ اللهُ -: لَمَّا سَمِعَ الصَّحَابَةُ - رَضِيَ اللهُ عَنْهُمْ - قَوْلَ اللهِ - عَزَّ وَجَلَّ -: (سَابِقُوا إِلَى مَغْفِرَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا كَعَرْضِ السَّمَاءِ وَالأَرْضِ ... الآية)؛ فَهِمُوا أَنَّ المُرَادَ مِنْ ذَلِكَ أَنْ يَجْتَهِدَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ، أَنْ يَكُونَ هُوَ السَّابِقَ لِغَيْرِهِ إِلَى هَذِهِ الكَرَامَةِ، وَالمُسَارِعَ إِلَى بُلُوغِ هَذِهِ الدَّرَجَةِ العَالِيَةِ، فَكَانَ أَحَدُهُمْ إِذَا رَأَى مَنْ يَعْمَلُ عَمَلًا يَعْجَزُ عَنْهُ؛ خَشِيَ أَنْ يَكُونَ صَاحِبُ ذَلِكَ العَمَلِ هُوَ السَّابِقَ لَهُ، فَيَحْزَنَ لِفَوَاتِ سَبْقِهِ، فَكَانَ تَنَافُسُهُمْ فِي دَرَجَاتِ الآخِرَةِ، وَاسْتِبَاقُهُمْ إِلَيْهَا، كَمَا قَالَ تَعَالَى: (وَفِي ذَلِكَ فَلْيَتَنَافَسِ المُتَنَافِسُونَ). ح 10 قَالَ الحَسَنُ: إِذَا رَأَيْتَ الرَّجُلَ يُنَافِسُكَ فِي الدُّنْيَا فَنَافِسْهُ فِي الآخِرَةِ. وَقَالَ وُهَيْبُ بْنُ الوَرْدِ: إِنِ اسْتَطَعْتَ أَنْ لَا يَسْبِقَكَ إِلَى اللهِ أَحَدٌ فَافْعَلْ. وَقَالَ بَعْضُ السَّلَفِ: لَوْ أَنَّ رَجُلًا سَمِعَ بِأَحَدٍ أَطْوَعَ للهِ مِنْهُ؛ كَانَ يَنْبَغِي لَهُ أَنْ يُحْزِنَهُ ذَلِكَ. وَقَالَ غَيْرُهُ: لَوْ أَنَّ رَجُلًا سَمِعَ بِرَجُلٍ أَطْوَعَ للهِ مِنْهُ، فَانْصَدَعَ قَلْبُهُ، فَمَاتَ؛ لَمْ يَكُنْ ذَلِكَ بِعَجَبٍ. إِنَّ المُتَأَمِّلَ فِي خِطَابِ القُرْآنِ وَالحَدِيثِ، يَجِدُ أَنَّهُ يَنْبَغِي عَلَى المُؤْمِنِ أَنْ يَكُونَ قَوِيًّا، وَيَأْخُذَ الدِّينَ بِقُوَّةٍ، وَيُسَارِعَ إِلَى العَمَلِ بِشُعَبِ الإِيمَانِ، وَيُسَابِقَ عَلَيْهَا، وَيُنَافِسَ فِيهَا. وَالنَّاسُ فِي القُرْآنِ ثَلَاثَةُ أَصْنَافٍ؛ قَالَ تَعَالَى: (وَكُنْتُمْ أَزْوَاجًا ثَلَاثَةً * فَأَصْحَابُ المَيْمَنَةِ مَا أَصْحَابُ المَيْمَنَةِ * وَأَصْحَابُ المَشْأَمَةِ مَا أَصْحَابُ المَشْأَمَةِ * وَالسَّابِقُونَ السَّابِقُونَ). وَفِي الآيَةِ الأُخْرَى: (فَمِنْهُمْ ظَالِمٌ لِنَفْسِهِ، وَمِنْهُمْ مُقْتَصِدٌ، وَمِنْهُمْ سَابِقٌ بِالخَيْرَاتِ بِإِذْنِ اللهِ). ح 11 (فَمَنْ زُحْزِحَ عَنِ النَّارِ وَأُدْخِلَ الجَنَّةَ فَقَدْ فَازَ). وَالطَّمُوحُ يَهْتَمُّ وَيَعْتَنِي بِأَفْضَلِ القُرُبَاتِ؛ طَمَعًا فِي أَعْلَى الدَّرَجَاتِ. إِذَا شَارَكْتَ فِي أَمْرٍ مَرُومِ *** فَلَا تَقْنَعْ بِمَا دُونَ النُّجُومِ إِنَّهُ وَاللهِ لَعَجْزٌ وَكَسَلٌ؛ أَنْ تَسْمَعَ بِالدَّرَجَاتِ، وَمَا أَعَدَّهُ اللهُ لِأَهْلِهَا، فَلَا تَأْخُذَ بِالأَسْبَابِ إِلَيْهَا، وَهِيَ بِحَمْدِ اللهِ يَسِيرَةٌ عَلَى مَنْ يَسَّرَهَا اللهُ عَلَيْهِ. وَلَمْ أَرَ فِي عُيُوبِ النَّاسِ عَيْبًا *** كَنَقْصِ القَادِرِينَ عَلَى التَّمَامِ عَنِ المُغِيرَةِ بْنِ شُعْبَةَ - رَضِيَ اللهُ عَنْهُ - مَرْفُوعًا، قَالَ: «سَأَلَ مُوسَى - عَلَيْهِ السَّلَامُ - رَبَّهُ تَعَالَى: مَا أَدْنَى أَهْلِ الجَنَّةِ مَنْزِلَةً؟، قَالَ: هُوَ رَجُلٌ يَجِيءُ بَعْدَ مَا أُدْخِلَ أَهْلُ الجَنَّةِ الجَنَّةَ، فَيُقَـالُ لَهُ: ادْخُلِ الجَنَّةَ، فَيَقُولُ: أَيْ رَبِّ! كَيْفَ؟! وَقَدْ نَزَلَ النَّاسُ مَنَازِلَهُمْ، وَأَخَذُوا أَخَذَاتِهِمْ؟، فَيُقَالُ لَهُ: أَتَرْضَى أَنْ يَكُونَ لَكَ مِثْلُ مُلْكِ مَلِكٍ مِنْ مُلُوكِ الدُّنْيَا؟، فَيَقُولُ: رَضِيتُ رَبِّ! فَيَقُولُ: لَكَ ذَلِكَ وَمِثْلُهُ، وَمِثْلُهُ، وَمِثْلُهُ، وَمِثْلُهُ، وَمِثْلُهُ، فَقَالَ فِي الخَامِسَةِ: رَضِيتُ رَبِّ!، فَيَقُولُ: هَذَا لَكَ، وَعَشَرَةُ أَمْثَالِهِ، وَلَكَ مَا اشْتَهَتْ نَفْسُكَ، وَلَذَّتْ عَيْنُكَ، فَيَقُولُ: رَضِيتُ رَبِّ!، قَالَ: رَبِّ؛ فَأَعْلَاهُمْ مَنْزِلَةً؟، قَالَ: أُولَئِكَ الذِينَ أَرَدْتُ، غَرَسْتُ كَرَامَتَهُمْ بِيَدِي، وَخَتَمْتُ عَلَيْهَا، فَلَمْ تَرَ عَيْنٌ، وَلَمْ تَسْمَعْ أُذُنٌ، وَلَمْ يَخْطُرْ عَلَى قَلْبِ بَشَرٍ». قَالَ: وَمِصْدَاقُهُ فِي كِتَابِ اللهِ - -: فَلَا تَعْلَمُ نَفْسٌ مَا أُخْفِيَ لَهُمْ مِنْ قُرَّةِ أَعْيُنٍ الآية. رَوَاهُ مُسْلِمٌ. وَعَنِ ابْنِ عُمَرَ - رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا - قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ - ﷺ -: "إِنَّ أَدْنَى أَهْلِ الجَنَّةِ مَنْزِلَةً لَيَنْظُرُ فِي مُلْكِ أَلْفَيْ سَنَةٍ، يَرَى أَقْصَاهُ كَمَا يَرَى أَدْنَاهُ، يَنْظُرُ فِي أَزْوَاجِهِ وَخَدَمِهِ، وَإِنَّ أَفْضَلَهُمْ مَنْزِلَةً لَيَنْظُرُ فِي وَجْهِ اللهِ تَعَالَى كُلَّ يَوْمٍ مَرَّتَيْنِ". رَوَاهُ أَحْمَدُ، وَالتِّرْمِذِيُّ، وَصَحَّحَهُ الحَاكِمُ. ح 12 الدُّعَاءُ مِنْ أَعْظَمِ الوَسَائِلِ لِنَيْلِ المَطْلُوبِ، وَالسَّلَامَةِ مِنَ المَرْهُوبِ، فَأَعْظِمْ - يَا عَبْدَ اللهِ – الرَّغْبَةَ، وَأَجْزِلِ المَسْأَلَةَ؛ فَإِنَّكَ تَسْأَلُ أَكْرَمَ الأَكْرَمِينَ، وَأَجْوَدَ الأَجْوَدِينَ. عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ - رَضِيَ اللهُ عَنْهُ - عَنِ النَّبِيِّ - ﷺ - قَالَ: "مَنْ آمَنَ بِاللهِ وَرَسُولِهِ، وَأَقَامَ الصَّلَاةَ، وَصَامَ رَمَضَانَ، كَانَ حَقًّا عَلَى اللهِ أَنْ يُدْخِلَهُ الجَنَّةَ؛ هَاجَرَ فِي سَبِيلِ اللهِ، أَوْ جَلَسَ فِي أَرْضِهِ التِي وُلِدَ فِيهَا"، قَالُوا: يَا رَسُولَ اللهِ، أَفَلا نُنَبِّئُ النَّاسَ بِذَلِكَ؟، قَالَ: "إِنَّ فِي الجَنَّةِ مِائَةَ دَرَجَةٍ، أَعَدَّهَا اللهُ لِلْمُجَاهِدِينَ فِي سَبِيلِهِ، كُلُّ دَرَجَتَيْنِ مَا بَيْنَهُمَا كَمَا بَيْنَ السَّمَاءِ وَالأَرْضِ، فَإِذَا سَأَلْتُمُ اللهَ فَسَلُوهُ الفِرْدَوْسَ، فَإِنَّهُ أَوْسَطُ الجَنَّةِ، وَأَعْلَى الجَنَّةِ، وَفَوْقَهُ عَرْشُ الرَّحْمَنِ، وَمِنْهُ تَفَجَّرُ أَنْهَارُ الجَنَّةِ". متفق عليه. وَثَبَتَ عَنْ عُبَادَةَ بْنِ الصَّامِتِ - رَضِيَ اللهُ عَنْهُ - عَنِ النَّبِيِّ - ﷺ - قَالَ: (الجَنَّةُ مِائَةُ دَرَجَةٍ، مَا بَيْنَ كُلِّ دَرَجَتَيْنِ مَسِيرَةُ مِائَةِ عَامٍ، وَقَالَ عَفَّانُ: كَمَا بَيْنَ السَّمَاءِ إِلَى الأَرْضِ، وَالفِرْدَوسُ أَعْلَاهَا دَرَجَةً، وَمِنْهَا تَخْرُجُ الأَنْهَارُ الأَرْبَعَةُ، وَالعَرْشُ مِنْ فَوْقِهَا، وَإِذَا سَأَلْتُمُ اللهَ - تَبَارَكَ وَتَعَالَى - فَاسْأَلُوهُ الفِرْدَوْسَ). رَوَاهُ أَحْمَدُ، وَالتِّرْمِذِيُّ. ح 13 مِنْ أَفْضَلِ الأَعْمَالِ وَأَعْلَاهَا: كَمَالُ الإِيمَانِ، وَتَمَامُ التَّصْدِيقِ. قَالَ بَكْرُ بْنُ عَبْدِ اللهِ المُزَنِيُّ: وَاللهِ مَا سَبَقَهُمْ أَبُو بَكْرٍ بِكَثْرَةِ صَلَاةٍ وَلَا صِيَامٍ، وَلَكِنْ بِشَيءٍ وَقَرَ فِي قَلْبِهِ. وَمَنْ تَأَمَّلَ رُتْبَةَ الصِّدِّيقِينَ فِي القُرْآنِ، وَجَدَهَا تَالِيَةً لِرُتْبَةِ الأَنْبِيَاءِ، وَفَوْقَ الشُّهَدَاءِ. وَعَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ - رَضِيَ اللهُ عَنْهُ - عَنِ النَّبِيِّ - ﷺ - قَالَ: "إِنَّ أَهْلَ الْجَنَّةِ يَتَرَاءَوْنَ أَهْلَ الْغُرَفِ مِنْ فَوْقِهِمْ، كَمَا تَتَرَاءَوْنَ الْكَوْكَبَ الدُّرِّيَّ الْغَابِرَ فِي الأُفُقِ، مِنَ الْمَشْرِقِ أَوِ الْمَغْرِبِ؛ لِتَفَاضُلِ مَا بَيْنَهُمْ"، قَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ، تِلْكَ مَنَازِلُ الأَنْبِيَاءِ لَا يَبْلُغُهَا غَيْرُهُمْ؟، قَالَ: "بَلَى، وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ، رِجَالٌ آمَنُوا بِاللَّهِ، وَصَدَّقُوا الْمُرْسَلِينَ". متفق عليه. الفِرْدَوْسَ الفِرْدَوْسَ يَا عِبَادَ اللهِ! فَإِنَّهَا وَاللهِ مُلْكٌ كَبِيرٌ. عَنْ أَبِي بَكْرِ بْنِ عَبْدِ اللهِ بْنِ قَيْسٍ، عَنْ أَبِيهِ - رَضِيَ اللهُ عَنْهُ - أَنَّ النَّبِيَّ - ﷺ - قَالَ: «جِنَانُ الْفِرْدَوْسِ أَرْبَعٌ: ثِنْتَانِ مِنْ ذَهَبٍ، حِلْيَتُهُمَا وَآنِيَتُهُمَا وَمَا فِيهِمَا، وَثِنْتَانِ مِنْ فِضَّةٍ، آنِيَتُهُمَا وَحِلْيَتُهُمَا وَمَا فِيهِمَا، وَلَيْسَ بَيْنَ الْقَوْمِ وَبَيْنَ أَنْ يَنْظُرُوا إِلَى رَبِّهِمْ - - إِلاَّ رِدَاءُ الْكِبْرِيَاءِ عَلَى وَجْهِهِ فِي جَنَّةِ عَدْنٍ، وَهَذِهِ الأَنْهَارُ تَشْخَبُ مِنْ جَنَّةِ عَدْنٍ، ثُمَّ تَصْدَعُ بَعْدَ ذَلِكَ أَنْهَارًا». قَالَ الهَيْثَمِيُّ: رَوَاهُ أَحْمَدُ، وَرِجَالُهُ رِجَالُ الصَّحِيحِ. ح 14 قَالَ تَعَالَى: (وَمَنْ أَحْسَنُ دِينًا مِمَّنْ أَسْلَمَ وَجْهَهُ للهِ وَهُوَ مُحْسِنٌ وَاتَّبَعَ مِلَّةَ إِبْرَاهِيمَ حَنِيفًا). أَعْظَمُ العِبَادَاتِ وَأَفْضَلُهَا: إِخْلَاصُ العَمَلِ للهِ جَلَّ وَعَلَا، مَعَ الاتِّبَاعِ وَعَدَمِ الابْتِدَاعِ، وَتَحْقِيقُ التَّوْحِيدِ بِأَنْوَاعِهِ: تَوْحِيدِ الأُلُوهِيَّةِ، وَالرُّبُوبِيَّةِ، وَالأَسْمَاءِ وَالصِّفَاتِ، وَهَجْرُ الشِّرْكِ بِأَنْوَاعِهِ: كَبِيرِهِ، وَصَغِيرِهِ، وَجَلِيِّهِ، وَخَفِيِّهِ، وَهَجْرُ الكُفْرِ المُخْرِجِ مِنَ المِلَّةِ، وَغَيْرِ المُخْرِجِ مِنْهَا. ثَبَتَ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ - رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا - قَالَ: قِيلَ لِرَسُولِ اللَّهِ - ﷺ -: أَيُّ الْأَدْيَانِ أَحَبُّ إِلَى اللَّهِ؟، قَالَ: ((الْحَنِيفِيَّةُ السَّمْحَةُ)). رَوَاهُ أَحْمَدُ، وَالبُخَارِيُّ فِي الأَدَبِ، وَعَلَّقَهُ فِي صَحِيحِهِ جَازِمًا بِهِ، وَحَسَّنَ إِسْنَادَهُ ابْنُ حَجَرٍ. وَفِي رِوَايَةٍ: (أَيُّ الدِّينِ أَفْضَلُ؟، قَالَ: الحَنِيفِيَّةُ السَّمْحَةُ). أَخْرَجَهَا أَحْمَدُ فِي الزُّهْدِ. وَإِبْرَاهِيمُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - إِمَامُ الحُنَفَاءِ، لَمْ يَكُنْ يَهُودِيًّا، وَلَا نَصْرَانِيًّا، وَلَكِنْ كَانَ مُسْلِمًا، لَا يَعْبُدُ إِلَّا اللهَ، هَجَرَ الشِّرْكَ وَأَهْلَهُ، وَدَعَاهُمْ، وَعَادَاهُمْ، وَأَقَامَ عَلَيْهِمُ الحُجَجَ وَالبَرَاهِينَ، وَتَبَرَّأَ مِنَ البَعِيدِ وَالقَرِيبِ المُشْرِكِ، لَمْ تَأْخُذْهُ فِي اللهِ لَوْمَةُ لَائِمٍ، فَاتَّخَذَهُ اللهُ خَلِيلًا. ح 15 الإِيمَانُ: تَصْدِيقُ القَلْبِ وَاللِّسَانِ وَالجَوَارِحِ، فَهُوَ قَوْلٌ، وَعَمَلٌ، وَاعْتِقَادٌ، يَزِيدُ بِالطَّاعَةِ وَيَنْقُصُ بِالمَعْصِيَةِ. أَتَدْرِي يَا عَبْدَ اللهِ، أَنَّ الإِيمَانَ أَفْضَلُ قُرْبَةٍ إِلَى الرَّحْمَنِ؟ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ - رَضِيَ اللهُ عَنْهُ - قَالَ: سُئِلَ النَّبِيُّ - ﷺ -: أَيُّ الأَعْمَالِ أَفْضَلُ؟، قَالَ: "إِيمَانٌ بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ"، قِيلَ: ثُمَّ مَاذَا؟، قَالَ: "جِهَادٌ فِي سَبِيلِ اللَّهِ"، قِيلَ: ثُمَّ مَاذَا؟، قَالَ: "حَجٌّ مَبْرُورٌ ". متفق عليه . وَثَبَتَ عَنْ قَتَادَةَ، عَنْ رَجُلٍ مِنْ خَثْعَمَ، قَالَ: أَتَيْتُ النَّبِيَّ - ﷺ - وَهُوَ فِي نَفَرٍ مِنْ أَصْحَابِهِ، قَالَ: قُلْتُ: أَنْتَ الَّذِي تَزْعُمُ أنَّكَ رَسُولُ اللَّهِ؟ قَالَ: نَعَمْ، قَالَ: قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، أَيُّ الأَعْمَالِ أَحَبُّ إِلَى اللَّهِ؟ قَالَ: إِيمَانٌ بِاللَّهِ. قَالَ: قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، ثُمَّ مَهْ؟ قَالَ: ثُمَّ صِلَةُ الرَّحِمِ. قَالَ: قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، ثُمَّ مَهْ؟ قَالَ: ثُمَّ الأَمْرُ بِالْمَعْرُوفِ، وَالنَّهْيُ عَنِ الْمُنْكَرِ. قَالَ: قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، أَيُّ الأَعْمَالِ أَبْغَضُ إِلَى اللَّهِ؟ قَالَ: الْإِشْرَاكُ بِاللَّهِ. قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، ثُمَّ مَهْ؟ قَالَ: قَطِيعَةُ الرَّحِمِ. قَالَ: قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، ثُمَّ مَهْ؟ قَالَ: الأَمْرُ بِالْمُنْكَرِ ، وَالنَّهْيُ عَنِ الْمَعْرُوفِ. قَالَ الهَيْثَمِيُّ: رَوَاهُ أَبُو يَعْلَى، وَرِجَالُهُ رِجَالُ الصَّحِيحِ، غَيْرَ نَافِعِ بْنِ خَالِدٍ الطَّاحِيِّ، وَهُوَ ثِقَةٌ. ح 16 عَنْ أَبِي قِلَابَةَ عَنْ عَمْرِو بْنِ عَبَسَةَ - رَضِيَ اللهُ عَنْهُ - قَالَ: قَالَ رَجُلٌ: يَا رَسُولَ اللَّهِ! مَا الْإِسْلَامُ؟، قَالَ: أَنْ يُسْلِمَ قَلْبُكَ لِلَّهِ عَزَّ وَجَلَّ، وَأَنْ يَسْلَمَ الْمُسْلِمُونَ مِنْ لِسَانِكَ وَيَدِكَ. قَالَ: فَأَيُّ الْإِسْلَامِ أَفْضَلُ؟، قَالَ: الْإِيمَانُ، قَالَ: وَمَا الْإِيمَانُ؟ قَالَ: تُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَمَلَائِكَتِهِ وَكُتُبِهِ وَرُسُلِهِ وَالْبَعْثِ بَعْدَ الْمَوْتِ. قَالَ: فَأَيُّ الْإِيمَانِ أَفْضَلُ؟ قَالَ: الْهِجْرَةُ، قَالَ: فَمَا الْهِجْرَةُ؟، قَالَ: تَهْجُرُ السُّوءَ. قَالَ: فَأَيُّ الْهِجْرَةِ أَفْضَلُ؟ قَالَ: الْجِهَادُ، قَالَ: وَمَا الْجِهَادُ؟، قَالَ: أَنْ تُقَاتِلَ الْكُفَّارَ إِذَا لَقِيتَهُمْ. قَالَ: فَأَيُّ الْجِهَادِ أَفْضَلُ؟، قَالَ: مَنْ عُقِرَ جَوَادُهُ وَأُهْرِيقَ دَمُهُ. قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - ﷺ - ثُمَّ عَمَلَانِ هُمَا أَفْضَلُ الْأَعْمَالِ، إِلَّا مَنْ عَمِلَ بِمِثْلِهِمَا: حَجَّةٌ مَبْرُورَةٌ، أَوْ عُمْرَةٌ). رَوَاهُ أَحْمَدُ، رُوَاتُهُ ثِقَاتٌ، وَأَبُو قِلَابَةَ عَنْ عَمْرٍو يَحْتَمِلُ الإِرْسَالَ، وَالحَدِيثُ لَهُ شَوَاهِدُ. وَعَنْ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ - رَضِيَ اللهُ عَنْهُ - أَنَّ جِبْرِيلَ قَالَ: يَا مُحَمَّدُ! أَخْبِرْنِي عَنِ الإِسْلَامِ؟ قَالَ: "أَنْ تَشْهَدَ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ، وَأَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ اللَّهِ، وَتُقِيمَ الصَّلَاةَ، وَتُؤْتِيَ الزَّكَاةَ، وَتَصُومَ رَمَضَانَ، وَتَحُجَّ الْبَيْتَ إِنِ اسْتَطَعْتَ إِلَيْهِ سَبِيلًا". قَالَ: صَدَقْتَ . فَعَجِبْنَا إِلَيْهِ يَسْأَلُهُ وَيُصَدِّقُهُ. ثُمَّ قَالَ: أَخْبِرْنِي عَنِ الإِيمَانِ، قَالَ: "أَنْ تُؤْمِنَ بِاللَّهِ وَمَلَائِكَتِهِ وَكُتُبِهِ وَرُسُلِهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ وَالْقَدَرِ كُلِّهِ خَيْرِهِ وَشَرِّهِ". قَالَ: صَدَقْتَ. قَالَ: فَأَخْبِرْنِي عَنِ الإِحْسَانِ، قَالَ: "أَنْ تَعْبُدَ اللَّهَ كَأَنَّكَ تَرَاهُ فَإِنْ لَمْ تَكُنْ تَرَاهُ فَإِنَّهُ يَرَاكَ". رواه مسلم. أَعْلَى مَرَاتِبُ الدِّينِ وَأَفْضَلُهَا: الإِحْسَانُ ثُمَّ الإِيمَانُ ثُمَّ الإِسْلَامُ. ح 17 ثَبَتَ عَنْ أَبِي أُمَامَةَ - رَضِيَ اللهُ عَنْهُ - عَنْ رَسُولِ اللَّهِ - ﷺ - أَنَّهُ قَالَ: "مَنْ أَحَبَّ لِلَّهِ، وَأَبْغَضَ لِلَّهِ، وَأَعْطَى لِلَّهِ، وَمَنَعَ لِلَّهِ، فَقَدِ اسْتَكْمَلَ الإِيمَانَ" . رواه أبو داود. وَلِأَحْمَدَ وَالتِّرْمِذِيِّ، وَاسْتَنْكَرَهُ عَنْ مُعَاذٍ الجُهَنِيِّ، مَرْفُوعًا زِيَادَةُ (وَأَنْكَحَ للهِ)، وَصَحَّحَهُ الحَاكِمُ. وَاسْتِكْمَالُ الإِيمَانِ بِهَذِهِ الأَعْمَالِ يَدُلُّ عَلَى أَنَّهَا مِنْ أَفْضَلِ الأَعْمَالِ، وَقَدْ رُوِيَ بِإِسْنَادٍ فِيهِ مَقَالٌ بِلَفْظ: (أَوْثَقُ عُرَى الإِيمَانِ)، (وَأَفْضَلُ الأَعْمَالِ). وَقَالَ عَمَّارٌ - رَضِيَ اللهُ عَنْهُ -: (ثَلَاثٌ مَنْ جَمَعَهُنَّ فَقَدْ جَمَعَ الإِيمَانَ: الإِنْصَافُ مِنْ نَفْسِكَ، وَبَذْلُ السَّلَامِ لِلْعَالَمِ، وَالإِنْفَاقُ مِنَ الإِقْتَارِ). وَكَتَبَ عُمَرُ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ إِلَى عَدِيِّ بْنِ عَدِيٍّ: (إِنَّ لِلإِيمَانِ فَرَائِضَ وَشَرَائِعَ وَحُدُودًا وَسُنَنًا، فَمَنِ اسْتَكْمَلَهَا اسْتَكْمَلَ الإِيمَانَ، وَمَنْ لَمْ يَسْتَكْمِلْهَا لَمْ يَسْتَكْمِلِ الإِيمَانَ، فَإِنْ أَعِشْ فَسَأُبَيِّنُهَا لَكُمْ حَتَّى تَعْمَلُوا بِهَا، وَإِنْ أَمُتْ فَمَا أَنَا عَلَى صُحْبَتِكُمْ بِحَرِيصٍ). عَلَّقَهُمَا البُخَارِيُّ. ح 18 عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ - رَضِيَ اللهُ عَنْهُ - أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - ﷺ - قَالَ: "الْإِيمَانُ بِضْعٌ وَسَبْعُونَ - أَوْ بِضْعٌ وَسِتُّونَ - شُعْبَةً، فَأَفْضَلُهَا قَوْلُ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ، وَأَدْنَاهَا إِمَاطَةُ الأَذَى عَنْ الطَّرِيقِ، وَالْحَيَاءُ شُعْبَةٌ مِنْ الْإِيمَانِ). رواه مسلم. وعَنْ أَبِي ذَرٍّ - رَضِيَ اللهُ عَنْهُ - قَالَ: قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ أَوْصِنِي، قَالَ: "إِذَا عَمِلْتَ سَيِّئَةً فَأَتْبِعْهَا حَسَنَةً تَمْحُهَا"، قَالَ: قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، أَمِنَ الْحَسَنَاتِ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ؟، قَالَ: "هِيَ أَفْضَلُ الْحَسَنَاتِ". رَوَاهُ أَحْمَدُ وَقَدْ حُسِّنَ. وَعَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ - رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا - قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ - ﷺ - يَقُولُ: "أَفْضَلُ الذِّكْرِ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ، وَأَفْضَلُ الدُّعَاءِ الْحَمْدُ لِلَّهِ". رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ وَالنَّسَائِيُّ فِي الكُبْرَى وَابْنُ مَاجَهْ، وَقَالَ التِّرْمِذِيُّ: حَدِيثٌ حَسَنٌ غَرِيبٌ. وَصَحَّحَهُ الحَاكِمُ وَوَافَقَهُ الذَّهَبِيُّ. وَعَنْ أَبِي سَعِيدٍ الخُدْرِيِّ - رَضِيَ اللهُ عَنْهُ - عَنْ رَسُولِ اللهِ - ﷺ - قَالَ: (قَالَ مُوسَى: يَا رَبِّ، عَلِّمْنِي شَيْئًا أَذْكُرُكَ بِهِ، وَأَدْعُوكَ بِهِ. قَالَ: يَا مُوسَى: قُلْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ. قَالَ: يَا رَبِّ، كُلُّ عِبَادِكَ يَقُولُ هَذَا. قَالَ: قُلْ: لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ، قَالَ: لَا إِلَهَ إِلَّا أَنْتَ يَا رَبِّ، إِنَّمَا أُرِيدُ شَيْئًا تَخُصُّنِي بِهِ، قَالَ: يَا مُوسَى، لَوْ كَانَ السَّمَاوَاتُ السَّبْعُ وَعَامِرُهُنَّ غَيْرِي، وَالأَرَضِينَ السَّبْعُ فِي كَفَّةٍ، وَلَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ فِي كَفَّةٍ، مَالَتْ بِهِنَّ لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ). رَوَاهُ الحَاكِمُ وَصَحَّحَهُ وَوَافَقَهُ الذَّهَبِيُّ. ح 19 مَا أَعْظَمَ كَلِمَةَ التَّوْحِيدِ وَأَجَلَّهَا وَأَفْضَلَهَا، كَيْفَ لَا ! وَقَدْ تَضَمَّنَتْ نَفْيًا وَإِثْبَاتًا لِأَعْظَمِ حَقٍّ للهِ – جَلَّ وَعَلَا - فَلَا إِلَهَ نَفْيٌ، وَإِلَّا اللهُ إِثْبَاتٌ. وَمَعْنَاهَا لَا مَعْبُودَ بِحَقٍّ إِلَّا اللهُ. عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ - رَضِيَ اللهُ عَنْهُ - أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - ﷺ - قَالَ: "مَنْ قَالَ: لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ، وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ، لَهُ الْمُلْكُ، وَلَهُ الْحَمْدُ، وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ، فِي يَوْمٍ مِائَةَ مَرَّةٍ، كَانَتْ لَهُ عَدْلَ عَشْرِ رِقَابٍ، وَكُتِبَتْ لَهُ مِائَةُ حَسَنَةٍ، وَمُحِيَتْ عَنْهُ مِائَةُ سَيِّئَةٍ، وَكَانَتْ لَهُ حِرْزًا مِنَ الشَّيْطَانِ يَوْمَهُ ذَلِكَ حَتَّى يُمْسِيَ، وَلَمْ يَأْتِ أَحَدٌ بِأَفْضَلَ مِمَّا جَاءَ بِهِ، إِلَّا أَحَدٌ عَمِلَ أَكْثَرَ مِنْ ذَلِكَ". متفق عليه. وَعَنِ ابْنِ شِمَاسَةَ المَهْرِيِّ، قَالَ: حَضَرْنَا عَمْرَو بْنَ العَاصِ - رَضِيَ اللهُ عَنْهُ - وَهُوَ فِي سِيَاقَةِ المَوْتِ. فَبَكَى طَوِيلًا، وَحَوَّلَ وَجْهَهُ إِلَى الجِدَارِ. فَجَعَلَ ابْنُهُ يَقُولُ: يَا أَبَتَاهُ أَمَا بَشَّرَكَ رَسُولُ اللهِ - ﷺ - بِكَذَا؟ أَمَا بَشَّرَكَ رَسُولُ اللهِ - ﷺ - بِكَذَا؟ قَالَ: فَأَقْبَلَ بِوَجْهِهِ فَقَالَ: إِنَّ أَفْضَلَ مَا نُعِدُّ شَهَادَةُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ، وَأَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ اللهِ. رواه مسلم. وَعَنْ يَحْيَى بْنِ طَلْحَةَ، قَالَ: رَأَى عُمَرُ - رَضِيَ اللهُ عَنْهُ - طَلْحَةَ بْنَ عُبَيْدِ اللهِ - رَضِيَ اللهُ عَنْهُ - حَزِينًا ، فَقَالَ: مَا لَكَ؟ قَالَ: إِنِّي سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ - ﷺ - يَقُولُ: (إِنِّي لَأَعْلَمُ كَلِمَاتٍ لَا يَقُولُهُنَّ عَبْدٌ عِنْدَ الْمَوْتِ إِلَّا نُفِّسَ عَنْهُ، وَأَشْرَقَ لَهَا لَوْنُهُ، وَرَأَى مَا يَسُرُّهُ)، فَمَا يَمْنَعُنِي أَنْ أَسْأَلَهُ عَنْهَا، إِلَّا الْقُدْرَةُ عَلَيْهَا، فَقَالَ عُمَرُ : إِنِّي لَأَعْلَمُ مَا هِيَ؟ قَالَ: هَلْ تَعْلَمُ كَلِمَةً هِيَ أَفْضَلُ مِنْ كَلِمَةٍ دَعَا إِلَيْهَا رَسُولُ اللهِ - ﷺ - عَمَّهُ عِنْدَ الْمَوْتِ؟ قَالَ طَلْحَةُ: هِيَ وَاللهِ هِيَ، قَالَ عُمَرُ : لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ. رَوَاهُ أَبُو يَعْلَى، قَالَ البُوصِيرِيّ: هَذَا إِسْنَادٌ رِجَالُهُ ثِقَاتٌ. قَالَ ابْنُ عُيَيْنَةَ: مَا أَنْعَمَ اللهُ عَلَى العِبَادِ نِعْمَةً أَفْضَلَ مِنْ أَنْ عَرَّفَهُمْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ. ح 20 الإِيمَانُ عَظِيمٌ، فَقَدْ يَزُولُ أَصْلُهُ بِالكُلِّيَّةِ، حَتَّى لَا يَبْقَى مَعَ صَاحِبِهِ شَيْءٌ مِنْهُ، فَلَا يَصِحُّ لَهُ بِدُونِهِ عَمَلٌ، وَإِنْ مَاتَ عَلَى هَذِهِ الحَالِ، فَهُوَ كَافِرٌ مُخَلَّدٌ فِي النَّارِ. وَقَدْ يَزُولُ وَاجِبُهُ، وَلَكِنْ يَبْقَى مَعَ صَاحِبِهِ أَصْلُهُ، فَيَزُولُ عَنْهُ اسْمُ الإِيمَانِ، وَيَبْقَى لَهُ اسْمُ الإِسْلَامِ. وَقَدْ يَزُولُ كَمَالُهُ، فَيُقَالُ: مُؤْمِنٌ نَاقِصُ الإِيمَانِ. وَهَنِيئًا لِمَنْ حَقَّقَ الإِيمَانَ وَاسْتَكْمَلَهُ بِفِعْلِ الوَاجِبَاتِ وَالمُسْتَحَبَّاتِ وَتَرْكِ المُحَرَّمَاتِ وَالمُشْتَبِهَاتِ وَالمَكْرُوهَاتِ وَفُضُولِ المُبَاحَاتِ. وَقَالَ الحَسَنُ: لَيْسَ الإِيمَانُ بِالتَّمَنِّي وَلَا بِالتَّحَلِّي، وَلَكِنَّهُ بِمَا وَقَرَ فِي الصُّدُورِ، وَصَدَّقَتْهُ الأَعْمَالُ. وَفِي الشُّعَبِ لِلْبَيْهَقِيِّ: رُوِيَ أَنَّ رَجُلًا سَأَلَ قَتَادَةَ: أَمُؤْمِنٌ أَنْتَ؟ فَقَالَ: أَمَّا أَنَا فَأُؤْمِنُ بِاللهِ وَمَلَائِكَتِهِ وَبِكُتُبِهِ وَبِرُسُلِهِ وَبِالبَعْثِ بَعْدَ المَوْتِ وَبِالقَدَرِ خَيْرِهِ وَشَرِّهِ، أَمَّا الصِّفَةُ التِي ذَكَرَهَا اللهُ عَزَّ وَجَلَّ: {إِنَّمَا المُؤْمِنُونَ الذِينَ إِذَا ذُكِرَ اللهُ وَجِلَتْ قُلُوبُهُمْ} قَرَأَ الآيَاتِ إِلَى قَوْلِهِ: {أُولَئِكَ هُمُ المُؤْمِنُونَ حَقًّا لَهُمْ دَرَجَاتٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ وَمَغْفِرَةٌ وَرِزْقٌ كَرِيمٌ}، فَلَا أَدْرِي أَنَا مِنْهُمْ أَوْ لَا. وَعَنْ تَمَّامِ بْنِ نَجِيحٍ قَالَ: سَأَلَ رَجُلٌ الحَسَنَ البَصْرِيَّ عَنِ الإِيمَانِ، فَقَالَ: الإِيمَانُ إِيمَانَانِ، فَإِنْ كُنْتَ تَسْأَلُنِي عَنِ الإِيمَانِ بِاللهِ وَمَلَائِكَتِهِ وَكُتُبِهِ وَرُسُلِهِ وَالجَنَّةِ وَالنَّارِ وَالبَعْثِ وَالحِسَابِ، فَأَنَا مُؤْمِنٌ، وَإِنْ كُنْتَ تَسْأَلُنِي عَنْ قَوْلِ اللهِ عَزَّ وَجَلَّ: {إِنَّمَا المُؤْمِنُونَ الذِينَ إِذَا ذُكِرَ اللهُ وَجِلَتْ قُلُوبُهُمْ} الآيَات، قَرَأَ إِلَى {أُولَئِكَ هُمُ المُؤْمِنُونَ حَقًّا}، فَوَاللهِ مَا أَدْرِي أَنَا مِنْهُمْ أَوْ لَا . ح21 الإِيمَانُ هُوَ التَّصْدِيقُ بَاطِنًا وَظَاهِرًا اعْتِقَادًا وَقَوْلًا وَعَمَلًا، لَا يُخَالِطُهُ شَكٌّ وَلَا يَنْتَابُهُ رَيْبٌ، فَمَتَى كَانَ الإِيمَانُ بِهَذِهِ المَثَابَةِ كَانَ أَفْضَلَ الأَعْمَالِ عَلَى الإِطْلَاقِ. عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ - رَضِيَ اللهُ عَنْهُ - قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - ﷺ - : "أَفْضَلُ الْأَعْمَالِ عِنْدَ اللَّهِ: إِيمَانٌ لَا شَكَّ فِيهِ، وَغَزْوٌ لَا غُلُولَ فِيهِ، وَحَجٌّ مَبْرُورٌ". قَالَ أَبُو هُرَيْرَةَ - رَضِيَ اللهُ عَنْهُ -: حَجٌّ مَبْرُورٌ يُكَفِّرُ خَطَايَا تِلْكَ السَّنَةِ. رواه أحمد وصححه ابن حبان وله أصل في الصحيح. وَفِي لَفْظٍ: (أَفْضَلُ الإِيمَانِ عِنْدَ اللَّهِ: إِيمَانٌ لَا شَكَّ فِيهِ). رواه أحمد. وَعَنْ عُبَادَةَ بْنَ الصَّامِتَ - - قَالَ: إِنَّ رَجُلًا أَتَى النَّبِيَّ - ﷺ - فَقَالَ : يَا نَبِيَّ الله، أَيُّ الْعَمَلِ أَفْضَلُ؟. قَالَ: الِإِيمَانُ بِاللهِ، وَتَصْدِيقٌ بِهِ، وَجِهَادٌ فِي سَبِيلِهِ. قَالَ: أُرِيدُ أَهْوَنَ مِنْ ذَلِكَ يَا رَسُولَ اللهِ. قَالَ: السَّمَاحَةُ وَالصَّبْرُ. قَالَ : أُرِيدُ أَهْوَنَ مَنْ ذَلِكَ يَا رَسُولَ اللهِ، قَالَ : "لَا تَتَّهِمِ اللهَ - تَبَارَكَ وَتَعَالَى - فِي شَيْءٍ قَضَى لَكَ بِهِ". رَوَاهُ أَحْمَدُ وَالطَّبَرَانِيُّ وَحَسَّنَ إِسْنَادَهُ البُوصِيرِيّ. وَعَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ حُبْشِيٍّ الْخَثْعَمِيِّ - - أَنَّ النَّبِيَّ - ﷺ - سُئِلَ: أَيُّ الأَعْمَالِ أَفْضَلُ؟ . قَالَ: "طُولُ الْقِيَامِ". قِيلَ: فَأَيُّ الصَّدَقَةِ أَفْضَلُ؟ قَالَ: "جُهْدُ الْمُقِلِّ". قِيلَ: فَأَيُّ الْهِجْرَةِ أَفْضَلُ؟ قَالَ: "مَنْ هَجَرَ مَا حَرَّمَ اللَّهُ عَلَيْهِ". قِيلَ: فَأَيُّ الْجِهَادِ أَفْضَلُ؟ قَالَ: "مَنْ جَاهَدَ الْمُشْرِكِينَ بِمَالِهِ وَنَفْسِهِ" . قِيلَ: فَأَيُّ الْقَتْلِ أَشْرَفُ؟ قَال :"مَنْ أُهْرِيقَ دَمُهُ، وَعُقِرَ جَوَادُهُ". رَوَاهُ أَحْمَدُ وَأَبُو دَاوُدَ وَقَدْ صُحِّحَ. ح 22 قَالَ تَعَالَى: (خُذُوا مَا آتَيْنَاكُمْ بِقُوَّةٍ)، وَقَالَ: (يَا يَحْيَى خُذِ الكِتَابَ بِقُوَّةٍ)؛ أَيْ: بِجِدٍّ وَاجْتِهَادٍ وَطَاعَةٍ وَعَمَلٍ مِنْ غَيْرِ تَقْصِيرٍ وَلَا تَوَانٍ، فَبِهَذَا يَنَالُ العَبْدُ وِلَايَةَ اللهِ. وَلَا يَصِلُ المُسْلِمُ إِلَى هَذِهِ الدَّرَجَةِ إِلَّا بِأَنْ يَكُونَ إِيمَانُهُ قَائِمًا عَلَى يَقِينٍ تَامٍّ، قَالَ ابْنُ مَسْعُودٍ - رَضِيَ اللهُ عَنْهُ - : (الْيَقِينُ الإِيمَانُ كُلُّهُ). عَلَّقَهُ البُخَارِيُّ. وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ - رَضِيَ اللهُ عَنْهُ - قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - ﷺ - : "الْمُؤْمِنُ الْقَوِيُّ خَيْرٌ وَأَحَبُّ إِلَى اللَّهِ مِنَ الْمُؤْمِنِ الضَّعِيفِ، وَفِي كُلٍّ خَيْرٌ، احْرِصْ عَلَى مَا يَنْفَعُكَ، وَاسْتَعِنْ بِاللَّهِ، وَلَا تَعْجِزْ، وَإِنْ أَصَابَكَ شَيْءٌ فَلَا تَقُلْ: لَوْ أَنِّي فَعَلْتُ كَانَ كَذَا وَكَذَا. وَلَكِنْ قُلْ: قَدَرُ اللَّهِ، وَمَا شَاءَ فَعَلَ، فَإِنَّ لَوْ تَفْتَحُ عَمَلَ الشَّيْطَانِ". رواه مسلم. وَفِي رِوَايَةٍ لِأَحْمَدَ: "الْمُؤْمِنُ الْقَوِيُّ خَيْرٌ وَأَفْضَلُ وَأَحَبُّ إِلَى اللَّهِ - عَزَّ وَجَلَّ - مِنَ الْمُؤْمِنِ الضَّعِيفِ). قَالَ ابْنُ القَيِّمِ - رَحِمَهُ اللهُ تَعَالَى - : تَفَاضُلُ الأَعْمَالِ بِتَفَاضُلِ مَا فِي القُلُوبِ مِنْ حَقَائِقِ الإِيمَانِ، وَتَكْفِيرُ العَمَلِ لِلسَّيِّئَاتِ بِحَسَبِ كَمَالِهِ وَنُقْصَانِهِ. ح 23 قَالَ تَعَالَى: (أَلَا إِنَّ أَوْلِيَاءَ اللهِ لَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ * الذِينَ آمَنُوا وَكَانُوا يَتَّقُونَ) مَا أَجَلَّهَا مِنْ مَرْتَبَةٍ، وَمَا أَشْرَفَهَا مِنْ مَنْزِلَةٍ، وَشَرْطُهَا عَظِيمٌ، وَهُوَ الإِيمَانُ وَالتَّقْوَى. قَالَ ابْنُ تَيْمِيَةَ : وَاللهُ قَدْ جَعَلَ وَصْفَ أَوْلِيَائِهِ الإِيمَانَ وَالتَّقْوَى، فَمَنْ كَانَ نَصِيبُهُ مِنْ ذَلِكَ أَعْظَمَ، كَانَ أَفْضَلَ. انتهى. فَمَتَى يَصْدُقُ عَلَى المُسْلِمِ أَنَّهُ مُؤْمِنٌ تَقِيٌّ؟ قَالَ تَعَالَى: (إِنَّمَا المُؤْمِنُونَ الذِينَ آمَنُوا بِاللهِ وَرَسُولِهِ ثُمَّ لَمْ يَرْتَابُوا وَجَاهَدُوا بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ فِي سَبِيلِ اللهِ أُولَئِكَ هُمُ الصَّادِقُونَ). وَقَالَ تَعَالَى: (إِنَّمَا المُؤْمِنُونَ الذِينَ إِذَا ذُكِرَ اللهُ وَجِلَتْ قُلُوبُهُمْ وَإِذَا تُلِيَتْ عَلَيْهِمْ آيَاتُهُ زَادَتْهُمْ إِيمَانًا وَعَلَى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ، الذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلَاةَ وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنْفِقُونَ، أُولَئِكَ هُمُ المُؤْمِنُونَ حَقًّا). وَعَنْ أَبِي مُوسَى - رَضِيَ اللهُ عَنْهُ - عَنِ النَّبِيِّ - ﷺ - قَالَ: (مَنْ سَرَّتْهُ حَسَنَتُهُ، وَسَاءَتْهُ سَيِّئَتُهُ فَهُوَ المُؤْمِنُ). رَوَاهُ أَحْمَدُ وَالحَاكِمُ وَصَحَّحَهُ. وَقَالَ ابْنُ عُمَرَ - رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا -: (لَا يَبْلُغُ الْعَبْدُ حَقِيقَةَ التَّقْوَى حَتَّى يَدَعَ مَا حَاكَ فِي الصَّدْرِ). عَلَّقَهُ البُخَارِيُّ. فَلَا يَبْلُغُ العَبْدُ كَمَالَ التَّقْوَى إِلَّا بِالوَرَعِ التَّامِّ، وَذَلِكَ بِأَنْ يَدَعَ مَا يَرِيبُهُ إِلَى مَا لَا يَرِيبُهُ، وَيَدَعُ الصَّغِيرَةَ مَخَافَةَ الكَبِيرَةِ، وَحَتَّى يَدَعَ مَا لَا بَأْسَ بِهِ حَذَرًا مِمَّا بِهِ بَأْسٌ، وَحَتَّى يَتَّقِيَ اللهَ مِنْ مِثْقَالِ ذَرَّةٍ، فَيَتْرُكُ الشُّبُهَاتِ وَالمَكْرُوهَاتِ حِجَابًا بَيْنَهُ وَبَيْنَ المُحَرَّمَاتِ. أَمَّا التَّقْوَى الوَاجِبَةُ فَهِيَ فِعْلُ الوَاجِبَاتِ وَتَرْكُ المُحَرَّمَاتِ وَمَا زَادَ عَلَى ذَلِكَ فَهُوَ فَضْلٌ وَخَيْرٌ. ح 24 مِنْ أَفْضَلِ القُرُبَاتِ أَنْ يُخَالِقَ المُسْلِمُ المُسْلِمِينَ بِخُلُقٍ حَسَنٍ، وَيَكُفَّ يَدَهُ وَلِسَانَهُ عَنْهُمْ، فَلَا يَسْفِكَ دِمَاءَهُمْ وَلَا يَضْرِبُ أَبْشَارَهُمْ وَلَا يَسْرِقَ أَمْوَالَهُمْ وَلَا يَعْتَدِي عَلَى أَعْرَاضِهِمْ. وَعَنْ أَبِي مُوسَى - رَضِيَ اللهُ عَنْهُ - قَالَ: قَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ، أَيُّ الإِسْلَامِ أَفْضَلُ؟ قَالَ: "مَنْ سَلِمَ الْمُسْلِمُونَ مِنْ لِسَانِهِ وَيَدِهِ" متفق عليه. وَلَفْظُ مُسْلِمٍ: (سُئِلَ رَسُولُ اللهِ - ﷺ - : أَيُّ الْمُسْلِمِينَ أَفْضَلُ؟. فَذَكَرَ مِثْلَهُ. متفق عليه. وَعَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو ـ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا ـ إِنَّ رَجُلًا، سَأَلَ رَسُولَ اللَّهِ - ﷺ - : أَيُّ الْمُسْلِمِينَ خَيْرٌ؟ قَالَ: "مَنْ سَلِمَ الْمُسْلِمُونَ مِنْ لِسَانِهِ وَيَدِهِ). رواه مسلم. قَالَ ابْنُ رَجَبٍ: المُرَادُ بِذَلِكَ المُسْلِمُ كَامِلُ الإِسْلَامِ، فَمَنْ لَمْ يَسْلَمِ المُسْلِمُونَ مِنْ لِسَانِهِ وَيَدِهِ فَإِنَّهُ يَنْتَفِي عَنْهُ كَمَالُ الإِسْلَامِ الوَاجِب. فَإِنَّ سَلَامَةَ المُسْلِمِينَ مِنْ لِسَانِ العَبْدِ وَيَدِهِ وَاجِبَةٌ. وَقَالَ: فَمَنْ سَلِمَ المُسْلِمُونَ مِنْ لِسَانِهِ وَيَدِهِ، إِسْلَامُهُ أَفْضَلُ مِنْ إِسْلَامِ غَيْرِهِ مِمَّنْ لَيْسَ كَذَلِكَ؛ لِاشْتِرَاكِهِمَا فِي الإِتْيَانِ بِحُقُوقِ اللهِ فِي الإِسْلَامِ مِنَ الشَّهَادَتَيْنِ، وَإِقَامِ الصَّلَاةِ وَإِيتَاءِ الزَّكَاةِ وَنَحْوِ ذَلِكَ، وَامْتَازَ أَحَدُهُمَا بِالقِيَامِ بِحُقُوقِ المُسْلِمِينَ، فَصَارَ هَذَا الإِسْلَامُ أَفْضَلَ مِنْ ذَاكَ. وَأَمَّا المُسْلِمُ: فَيُقَالُ : هَذَا أَفْضَلُ مِنْ ذَاكَ؛ لِأَنَّ إِسْلَامَهُ أَفْضَلُ مِنْ إِسْلَامِهِ، وَيُقَالُ : هُوَ خَيْرٌ مِنْ ذَاكَ؛ لِتَرَجُّحِ خَيْرِهِ عَلَى خَيْرِ غَيْرِهِ وَزِيَادَتِهِ عَلَيْهِ. ح 25 مِنْ أَفْضَلِ الأَعْمَالِ وَأَعْظَمِهَا أَجْرًا وَثَوَابًا، الاتِّبَاعُ وَعَدَمُ الابْتِدَاعِ، فَمَتَى تَتَبَّعَ المُسْلِمُ السُّنَنَ النَّبَوِيَّةَ وَتَمَسَّكَ بِهَا عِلْمًا وَعَمَلًا فَلَمْ يُقَدِّمْ عَلَيْهَا قَوْلَ أَحَدٍ كَائِنًا مَنْ كَانَ، فَهُوَ بِأَشْرَفِ المَنَازِلِ وَأَعْلَى الدَّرَجَاتِ. عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللهِ - رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا - قَالَ : كَانَ رَسُولُ اللهِ - ﷺ - إِذَا خَطَبَ يَقُولُ : أَمَّا بَعْدُ، فَإِنَّ خَيْرَ الحَدِيثِ كِتَابُ اللهِ، وَخَيْرَ الهُدَى هُدَى مُحَمَّدٍ، وَشَرَّ الأُمُورِ مُحْدَثَاتُهَا ... الحَدِيث. رواه مسلم . وَفِي رِوَايَةٍ: (خَطَبَنَا رَسُولُ اللَّهِ - ﷺ - فَحَمِدَ اللَّهَ، وَأَثْنَى عَلَيْهِ، ثُمَّ قَالَ: إِنَّ أَفْضَلَ الْهَدْيِ هَدْيُ مُحَمَّدٍ ، وَشَرَّ الأُمُورِ مُحْدَثَاتُهَا، وَكُلَّ بِدْعَةٍ ضَلَالَةٌ. رواه الدارمي. وَقَالَ رَسُولُ اللهِ ﷺ: (عَلَيْكُمْ بِسُنَّتِي وَسُنَّةِ الخُلَفَاءِ الرَّاشِدِينَ المَهْدِيِّينَ، عَضُّوا عَلَيْهَا بِالنَّوَاجِذِ، وَإِيَّاكُمْ وَمُحْدَثَاتِ الأُمُورِ، فَإِنَّ كُلَّ بِدْعَةٍ ضَلَالَةٌ). رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ وَالتِّرْمِذِيُّ وَقَالَ: حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ. وَعَنْ عَلِيٍّ - - قَالَ: لَا تَتَّبِعُونَ شَيْئًا أَفْضَلَ مِنْ سُنَّةِ نَبِيِّكُمْ . رواه أحمد.