المَوْضُوعُ: شَهْرُ شَوَّالٍ.
الخُطْبَةُ الأُولَى:
إِنَّ الحَمْدَ للهِ نَحْمَدُهُ وَنَسْتَعِينُهُ وَنَسْتَغْفِرُهُ، وَنَعُوذُ بِاللهِ مِنْ شُرُورِ أَنْفُسِنَا وَمِنْ سَيِّئَاتِ أَعْمَالِنَا، مَنْ يَهْدِهِ اللهُ فَلَا مُضِلَّ لَهُ، وَمَنْ يُضْلِلْ فَلَا هَادِيَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ.
(يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ)، (يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا)، (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا * يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا).
أَمَّا بَعْدُ: فَإِنَّ أَحْسَنَ الحَدِيثِ كِتَابُ اللَّهِ، وَأَحْسَنَ الهَدْيِ هَدْيُ مُحَمَّدٍ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -.
أَيُّهَا المُسْلِمُونَ، إِنَّ لِشَهْرِ شَوَّالٍ مَزَايَا يَحْسُنُ بِنَا التَّعَرُّفُ عَلَيْهَا؛ مِنْ أَهَمِّهَا:
حَدِيثُ أَبِي أَيُّوبَ الْأَنْصَارِيِّ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ، أَنَّ رَسُولَ اللهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، قَالَ: «مَنْ صَامَ رَمَضَانَ ثُمَّ أَتْبَعَهُ سِتًّا مِنْ شَوَّالٍ، كَانَ كَصِيَامِ الدَّهْرِ». رَوَاهُ مُسْلِمٌ، وَأَبُو دَاوُدَ، وَالتِّرْمِذِيُّ، وَالنَّسَائِيُّ، وَابْنُ مَاجَهْ، وَالطَّبَرَانِيُّ، وَزَادَ: "قَالَ: قُلْتُ: بِكُلِّ يَوْمٍ عَشَرَةٌ؟ قَالَ: نَعَمْ. قَالَ المُنْذِرِيُّ: وَرُوَاتُهُ رُوَاةُ الصَّحِيحِ.
وَعَنْ ثَوْبَانَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ، مَوْلَى رَسُولِ اللهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، عَنْ رَسُولِ اللهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، قَالَ: "مَنْ صَامَ سِتَّةَ أَيَّامٍ بَعْدَ الْفِطْرِ كَانَ تَمَامَ السَّنَةِ، (مَنْ جَاءَ بِالْحَسَنَةِ فَلهُ عَشْرُ أَمْثَالِهَا)". رَوَاهُ ابْن مَاجَهْ، وَالنَّسَائِيُّ، وَلَفْظُهُ: "جَعَلَ اللهُ الْحَسَنَةَ بِعَشْرِ أَمْثَالِهَا، فَشَهْرٌ بِعشْرَةِ أَشْهُرٍ، وَصِيَامُ سِتَّةِ أَيَّامٍ بَعْدَ الْفِطْرِ تَمَامُ السَّنَةِ"، وَابْن خُزَيْمَةَ فِي صَحِيحِهِ، وَلَفْظُهُ - وَهُوَ رِوَايَة النَّسَائِيِّ –، قَالَ: "صِيَامُ شَهْرِ رَمَضَانَ بِعَشْرَةِ أَشْهُرٍ، وَصِيَامُ سِتَّةِ أَيَّامٍ بِشَهْرَيْنِ؛ فَذَلِكَ صِيَامُ السَّنَةِ".
وَلِاْبِن حِبَّانَ فِي صَحِيحِهِ: "مَنْ صَامَ رَمَضَانَ وَسِتًّا مِنْ شَوَّالٍ، فَقَدْ صَامَ السَّنَةَ"، وَصَحَّحَهُ أَبُو حَاتِمٍ الرَّازِيُّ، وَقَالَ الإِمَامُ أَحْمَدُ: لَيْسَ فِي أَحَادِيثِ البَابِ أَصَحُّ مِنْهُ، وَتَوَقَّفَ فِيهِ فِي رِوَايَةٍ أُخْرَى.
لَقَدِ اسْتَحَبَّ أَكْثَرُ العُلَمَاءِ صِيَامَ سِتَّةِ أَيَّامٍ مِنْ شَوَّالٍ لِهَذَا الحَدِيثِ، وَمِنْ أَيِّ الشَّهْرِ صَامَهَا المُسْلِمُ، وَسَوَاءٌ مُتَتَابِعَةً أَوْ مُتَفَرِّقَةً؛ فَإِنَّهُ يُدْرِكُ فَضْلَهَا، وَلَا يَصِحُّ مَرْفُوعًا وَلَا مَوْقُوفًا اشْتِرَاطُ التَّتَابُعِ، وَلَا المُبَادَرَةِ بِصَوْمِهَا أَوَّلَ الشَّهْرِ.
وَلَمَّا كَانَ شَهْرُ شَوَّالٍ حَرَمًا لِشَهْرِ رَمَضَانَ، وَمُقْتَرِنًا بِهِ؛ كَانَ لَهُ خَاصِيَّةُ فَضْلٍ، فَالتَّطَوُّعُ بِصَوْمِ السِّتَّةِ أَيَّامٍ مِنْ شَوَّالٍ بِمَثَابَةِ السُّنَّةِ الرَّاتِبَةِ لِلْفَرِيضَةِ، وَهَذَا يَعْنِي فَضْلَهَا عَلَى صِيَامِ التَّطَوُّعِ المُطْلَقِ.
وَعَنْ عِكْرِمَةَ بْنِ خَالِدٍ، قَالَ: حَدَّثَنِي عَرِيفٌ مِنْ عُرَفَاءِ قُرَيْشٍ، حَدَّثَنِي أَبِي، أَنَّهُ سَمِعَ مِنْ فَلْقِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «مَنْ صَامَ رَمَضَانَ وَشَوَّالًا وَالْأَرْبِعَاءَ وَالْخَمِيسَ دَخَلَ الْجَنَّةَ». قَالَ الهَيْثَمِيُّ: رَوَاهُ أَحْمَدُ، وَفِيهِ مَنْ لَمْ يُسَمَّ، وَبَقِيَّةُ رِجَالِهِ ثِقَاتٌ.
وَعَنْ عُبَيْدِ اللهِ بْنِ مُسْلِمٍ الْقُرَشِيِّ، عَنْ أَبِيهِ، قَالَ: سَأَلْتُ أَوْ سُئِلَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَنْ صِيَامِ الدَّهْرِ، فَقَالَ: (لَا، إِنَّ لِأَهْلِكَ عَلَيْكَ حَقًّا، صُمْ رَمَضَانَ وَالَّذِي يَلِيهِ، وَكُلَّ أَرْبِعَاءَ وَخَمِيسٍ، فَإِذَنْ أَنْتَ قَدْ صُمْتَ الدَّهْرَ وَأَفْطَرْتَ). قَالَ المُنْذِرِيُّ: رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ، وَالنَّسَائِيُّ، وَالتِّرْمِذِيُّ، وَقَالَ: حَدِيثٌ حَسَنٌ غَرِيبٌ. قَالَ المُنْذِرِيُّ: وَرُوَاتُهُ ثِقَاتٌ.
قَالَ ابْنُ رَجَبٍ: "أَمَّا صِيَامُ شَوَّالٍ كُلِّهِ: فَفِي حَدِيثِ رَجُلٍ مِنْ قُرَيْشٍ - وَذَكَرَ الحَدِيثَيْنِ -. قَالَ: وَخَرَّجَ ابْنُ مَاجَهْ بِإِسْنَادٍ مُنْقَطِعٍ - وَكَذَا قَالَ البُوصِيرِيُّ: إِسْنَادُهُ صَحِيحٌ إِلَّا أَنَّهُ مُنْقَطِعٌ -: أَنَّ أُسَامَةَ بْنَ زَيْدٍ كَانَ يَصُومُ الأَشْهُرَ الحُرُمَ، فَقَالَ لَهُ رَسُولُ اللهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: "صُمْ شَوَّالًا". فَتَرَكَ أَشْهُرَ الحُرُمِ، ثُمَّ لَمْ يَزَلْ يَصُومُ شَوَّالًا حَتَّى مَاتَ. وَخَرَّجَهُ أَبُو يَعْلَى المَوْصِلِيُّ بِإِسْنَادٍ مُتَّصِلٍ، عَنْ أُسَامَةَ، قَالَ: كُنْتُ أَصُومُ شَهْرًا مِنَ السَّنَةِ، فَقَالَ لِي رَسُولُ اللهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: "أَيْنَ أَنْتَ مِنْ شَوَّالٍ؟"، فَكَانَ أُسَامَةُ إِذَا أَفْطَرَ أَصْبَحَ الغَدَ صَائِمًا مِنْ شَوَّالٍ، حَتَّى يَأْتِيَ عَلَى آخِرِهِ.
وَصِيَامُ شَوَّالٍ كَصِيَامِ شَعْبَانَ؛ لِأَنَّ كِلَا الشَّهْرَيْنِ حَرِيمٌ لِشَهْرِ رَمَضَانَ، وَهُمَا يَلِيَانِهِ.
وَقَدْ ذَكَرْنَا فِي فَضْلِ صِيَامِ شَعْبَانَ: أَنَّ الأَظْهَرَ أَنَّ صِيَامَهُمَا أَفْضَلُ مِنْ صِيَامِ الأَشْهُرِ الحُرُمِ، وَالاخْتِلَافَ فِي ذَلِكَ". انْتَهَى.
وَعَنْ عِمْرَانَ بْنِ حُصَيْنٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا، أَنَّ رَسُولَ اللهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، قَالَ لَهُ - أَوْ لِآخَرَ -: «أَصُمْتَ مِنْ سُرَرِ شَعْبَانَ؟» قَالَ: لَا، قَالَ: «فَإِذَا أَفْطَرْتَ مِنْ رَمَضَانَ فَصُمْ يَوْمَيْنِ مَكَانَهُ». مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ.
وَعَنْ عَائِشَةَ، قَالَتْ: "... وَتَرَكَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - الِاعْتِكَافَ فِي شَهْرِ رَمَضَانَ - يَعْنِي لِاعْتِكَافِ أَزْوَاجِهِ -، حَتَّى اعْتَكَفَ فِي الْعَشْرِ الْأَوَاخِرِ مِنْ شَوَّالٍ". رَوَاهُ الْجَمَاعَةُ إِلَّا التِّرْمِذِيَّ.
قَالَ ابْنُ رَجَبٍ: "وَقَدْ كَانَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَقْضِي مَا فَاتَهُ مِنْ أَوْرَادِهِ فِي رَمَضَانَ فِي شَوَّالٍ ... فَمَنْ كَانَ عَلَيْهِ قَضَاءٌ مِنْ شَهْرِ رَمَضَانَ؛ فَلْيَبْدَأْ بِقَضَائِهِ فِي شَوَّالٍ؛ فَإِنَّهُ أَسْرَعُ لِبَرَاءَةِ ذِمَّتِهِ".
عِبَادَ اللهِ، إِنَّ شَهْرَ شَوَّالٍ أَوَّلُ أَشْهُرِ الحَجِّ الَّتِي قَالَ اللهُ فِيهَا: (الْحَجُّ أَشْهُرٌ مَعْلُومَاتٌ).
عَنِ ابْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا، قَالَ: "شَوَّالٌ، وَذُو الْقَعْدَةِ، وَعَشْرٌ مِنْ ذِي الْحِجَّةِ".
قَالَ ابْنُ القَيِّمِ: "وَالْمَقْصُودُ أَنَّ عُمَرَهُ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كُلَّهَا كَانَتْ فِي أَشْهُرِ الْحَجِّ؛ مُخَالِفَةً لِهَدْيِ الْمُشْرِكِينَ، فَإِنَّهُمْ كَانُوا يَكْرَهُونَ الْعُمْرَةَ فِي أَشْهُرِ الْحَجِّ، وَيَقُولُونَ: هِيَ مِنْ أَفْجَرِ الْفُجُورِ، وَهَذَا دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ الِاعْتِمَارَ فِي أَشْهُرِ الْحَجِّ أَفْضَلُ مِنْهُ فِي رَجَبٍ بِلَا شَكٍّ.
وَأَمَّا الْمُفَاضَلَةُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الِاعْتِمَارِ فِي رَمَضَانَ، فَمَوْضِعُ نَظَرٍ، فَقَدْ صَحَّ عَنْهُ، أَنَّهُ أَمَرَ أُمَّ مَعْقِلٍ لَمَّا فَاتَهَا الْحَجُّ مَعَهُ، أَنْ تَعْتَمِرَ فِي رَمَضَانَ، وَأَخْبَرَهَا أَنَّ عُمْرَةً فِي رَمَضَانَ تَعْدِلُ حِجَّةً.
وَأَيْضًا: فَقَدِ اجْتَمَعَ فِي عُمْرَةِ رَمَضَانَ أَفْضَلُ الزَّمَانِ، وَأَفْضَلُ الْبِقَاعِ، وَلَكِنَّ اللَّهَ لَمْ يَكُنْ لِيَخْتَارَ لِنَبِيِّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي عُمَرِهِ إِلَّا أَوْلَى الْأَوْقَاتِ وَأَحَقَّهَا بِهَا، فَكَانَتِ الْعُمْرَةُ فِي أَشْهُرِ الْحَجِّ نَظِيرَ وُقُوعِ الْحَجِّ فِي أَشْهُرِهِ، وَهَذِهِ الْأَشْهُرُ قَدْ خَصَّهَا اللَّهُ تَعَالَى بِهَذِهِ الْعِبَادَةِ، وَجَعَلَهَا وَقْتًا لَهَا، وَالْعُمْرَةُ حَجٌّ أَصْغَرُ، فَأَوْلَى الْأَزْمِنَةِ بِهَا أَشْهُرُ الْحَجِّ".
وَهَلِ اعْتَمَرَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي شَوَّالٍ؟
قَالَ ابْنُ القَيِّمِ - رَحِمَهُ اللهُ -: "رَوَى أَبُو دَاوُدَ فِي "سُنَنِهِ"، عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهَا، «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - اعْتَمَرَ عُمْرَتَيْنِ: عُمْرَةً فِي ذِي الْقَعْدَةِ، وَعُمْرَةً فِي شَوَّالٍ».
قَالَ: وَهَذَا الْحَدِيثُ وَهْمٌ، وَإِنْ كَانَ مَحْفُوظًا عَنْهَا، فَإِنَّ هَذَا لَمْ يَقَعْ قَطُّ ... فَمَتَى اعْتَمَرَ فِي شَوَّالٍ؟ وَلَكِنْ لَقِيَ الْعَدُوَّ فِي شَوَّالٍ، وَخَرَجَ فِيهِ مِنْ مَكَّةَ، وَقَضَى عُمْرَتَهُ لَمَّا فَرَغَ مِنْ أَمْرِ الْعَدُوِّ فِي ذِي الْقَعْدَةِ لَيْلًا، وَلَمْ يَجْمَعْ ذَلِكَ الْعَامَ بَيْنَ عُمْرَتَيْنِ، وَلَا قَبْلَهُ وَلَا بَعْدَهُ". انْتَهَى.
وَالصَّحِيحُ أَنَّ تَكْرَارَ العُمْرَةِ فِي السَّنَةِ مُسْتَحَبٌّ، وَهَذَا قَوْلُ الْجُمْهُورِ.
وَقَدِ اعْتَمَرَتْ عَائِشَةُ - رَضِيَ اللهُ عَنْهَا - مَرَّتَيْنِ فِي شَهْرٍ، وَكَانَ أَنَسٌ إِذَا حَمَّمَ رَأْسَهُ خَرَجَ فَاعْتَمَرَ.
وَيُذْكَرُ عَنْ عَلِيٍّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، أَنَّهُ كَانَ يَعْتَمِرُ فِي السَّنَةِ مِرَارًا، وَقَالَ: اعْتَمِرْ فِي الشَّهْرِ إِنْ أَطَقْتَ مِرَارًا.
وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، قَالَ: (الْعُمْرَةُ إِلَى الْعُمْرَةِ كَفَّارَةٌ لِمَا بَيْنَهُمَا). مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ.
وَعَنْ جَابِرٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «تَابِعُوا بَيْنَ الْحَجِّ وَالْعُمْرَةِ، فَإِنَّهُمَا يَنْفِيَانِ الْفَقْرَ وَالذُّنُوبَ كَمَا يَنْفِي الْكِيرُ خَبَثَ الْحَدِيدِ». رَوَاهُ البَزَّارُ.
وَفِي رِوَايَةٍ: (أَدِيمُوا الْحَجَّ وَالْعُمْرَةَ). رَوَاهُ الطَّبَرَانِيُّ، قَالَ الهَيْثَمِيُّ: وَفِيهِ عَبْدُ اللهِ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ عَقِيلٍ، وَفِيهِ كَلَامٌ، وَمَعَ ذَلِكَ فَحَدِيثُهُ حَسَنٌ.
وَمِنَ الحَوَادِثِ العَظِيمَةِ فِي شَهْرِ شَوَّالٍ مَا رَوَاهُ مُسْلِمٌ فِي صَحِيحِهِ، عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهَا، قَالَتْ: «تَزَوَّجَنِي رَسُولُ اللهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي شَوَّالٍ، وَبَنَى بِي فِي شَوَّالٍ، فَأَيُّ نِسَاءِ رَسُولِ اللهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَانَ أَحْظَى عِنْدَهُ مِنِّي؟»، قَالَ: «وَكَانَتْ عَائِشَةُ تَسْتَحِبُّ أَنْ تُدْخِلَ نِسَاءَهَا فِي شَوَّالٍ».
قَالَ النَّوَوِيُّ: "فِيهِ اسْتِحْبَابُ التَّزْوِيجِ وَالتَّزَوُّجِ وَالدُّخُولِ فِي شَوَّالٍ، وَقَدْ نَصَّ أَصْحَابُنَا عَلَى اسْتِحْبَابِهِ، وَاسْتَدَلُّوا بِهَذَا الْحَدِيثِ، وَقَصَدَتْ عَائِشَةُ بِهَذَا الْكَلَامِ رَدَّ مَا كَانَتِ الْجَاهِلِيَّةُ عَلَيْهِ، وَمَا يَتَخَيَّلُهُ بَعْضُ الْعَوَامِّ الْيَوْمَ، مِنْ كَرَاهَةِ التَّزَوُّجِ وَالتَّزْوِيجِ وَالدُّخُولِ فِي شَوَّالٍ، وَهَذَا بَاطِلٌ لَا أَصْلَ لَهُ، وَهُوَ مِنْ آثَارِ الْجَاهِلِيَّةِ، كَانُوا يَتَطَيَّرُونَ بِذَلِكَ؛ لِمَا فِي اسْمِ شَوَّالٍ مِنَ الْإِشَالَةِ والرفع".
أَقُولُ قَوْلِي هَذَا، وَأَسْتَغْفِرُ اللهَ لِي وَلَكُمْ.
الخُطْبَةُ الثَّانِيَةُ:
الحَمْدُ للهِ عَلَى إِحْسَانِهِ، وَالشُّكْرُ لَهُ عَلَى تَوْفِيقِهِ وَامْتِنَانِهِ، وَأَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ تَعْظِيمًا لِشَأْنِهِ، وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ، الدَّاعِي إِلَى رِضْوَانِهِ، صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَأَصْحَابِهِ، وَسَلَّمَ تَسْلِيمًا كَثِيرًا، أَمَّا بَعْدُ: فَقَدْ شَهِدَ شَهْرُ شَوَّالٍ وَقَائِعَ وَغَزَوَاتٍ عَظِيمَةً، عَلَى رَأْسِهَا:
غَزْوَةُ أُحُدٍ: كَانَتْ فِي شَهْرِ شَوَّالٍ، سَنَةَ ثَلَاثٍ مِنَ الهِجْرَةِ.
وَغَزْوَةُ الخَنْدَقِ، وَهِيَ غَزْوَةُ الْأَحْزَابِ: فِي شَوَّالٍ، سَنَةَ خَمْسٍ مِنَ الهِجْرَةِ.
وَغَزْوَةُ حُنَيْنٍ: فِي شَوَّالٍ، سَنَةَ ثَمَانٍ مِنَ الهِجْرَةِ.
أَمَّا غَزْوَةُ أُحُدٍ، فَفِي الصَّحِيحَيْنِ، عَنْ أَبِي مُوسَى الْأَشْعَرِيِّ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ، عَنِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، قَالَ: «رَأَيْتُ فِي الْمَنَامِ أَنِّي أُهَاجِرُ مِنْ مَكَّةَ إِلَى أَرْضٍ بِهَا نَخْلٌ، فَذَهَبَ وَهْلِي إِلَى أَنَّهَا الْيَمَامَةُ أَوْ هَجَرُ، فَإِذَا هِيَ الْمَدِينَةُ يَثْرِبُ، وَرَأَيْتُ فِي رُؤْيَايَ هَذِهِ أَنِّي هَزَزْتُ سَيْفًا فَانْقَطَعَ صَدْرُهُ، فَإِذَا هُوَ مَا أُصِيبَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ يَوْمَ أُحُدٍ، ثُمَّ هَزَزْتُهُ أُخْرَى فَعَادَ أَحْسَنَ مَا كَانَ، فَإِذَا هُوَ مَا جَاءَ اللَّهُ بِهِ مِنَ الْفَتْحِ وَاجْتِمَاعِ الْمُؤْمِنِينَ، وَرَأَيْتُ فِيهَا أَيْضًا بَقَرًا - وَاللَّهُ خَيْرٌ -، فَإِذَا هُمُ النَّفَرُ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ يَوْمَ أُحُدٍ، وَإِذَا الْخَيْرُ مَا جَاءَ اللَّهُ بِهِ مِنَ الْخَيْرِ وَثَوَابِ الصِّدْقِ الَّذِي أَتَانَا بَعْدَ يَوْمِ بَدْرٍ».
وَفِي هَذِهِ الغَزْوَةِ قُتِلَ حَمْزَةُ بْنُ عَبْدِ المُطَّلِبِ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ، عَمُّ النَّبِيِّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، وَأَصَابَ الْعَدُوُّ وَجْهَ النَّبِيِّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، فَشَجُّوا وَجْهَهُ، وَكَسَرُوا رَبَاعِيَتَهُ، وَخَرَقُوا شَفَتَهُ.
وَتَخَلَّى عَنْهُ رَأْسُ المُنَافِقِينَ عَبْدُ اللهِ بْنُ أُبِيِّ ابْنِ سَلُولٍ، فِي ثَلَاثِمِائَةِ مُنَافِقٍ مَعَهُ، وَقَدْ أَنْزَلَ اللَّهُ فِيهِمْ: (فَمَا لَكُمْ فِي الْمُنَافِقِينَ فِئَتَيْنِ وَاللَّهُ أَرْكَسَهُم بِمَا كَسَبُوا ۚ أَتُرِيدُونَ أَن تَهْدُوا مَنْ أَضَلَّ اللَّهُ ۖ وَمَن يُضْلِلِ اللَّهُ فَلَن تَجِدَ لَهُ سَبِيلًا). وَغَزْوَةُ أُحُدٍ جَدِيرَةٌ بِالدِّرَاسَةِ؛ فَفِيهَا المَوَاعِظُ وَالعِبَرُ.
وَأَمَّا غَزْوَةُ الأَحْزَابِ، فَقَدْ أَنْزَلَ اللَّهُ تَعَالَى فِيهَا صَدْرَ سُورَةِ الْأَحْزَابِ، فَقَالَ تَعَالَى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اذْكُرُوا نِعْمَةَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ جاءَتْكُمْ جُنُودٌ فَأَرْسَلْنا عَلَيْهِمْ رِيحًا وَجُنُودًا لَمْ تَرَوْهَا وَكَانَ اللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرًا - إِلَى قَوْلِهِ تَعَالَى: - وَأَوْرَثَكُمْ أَرْضَهُمْ وَدِيارَهُمْ وَأَمْوالَهُمْ وَأَرْضًا لَمْ تَطَؤُوهَا وَكَانَ اللهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرًا).
وَأَمَّا غَزْوَةُ حُنَيْنٍ، فَفِيهَا أَنْزَلَ اللهُ تَعَالَى قَوْلَهُ: (لَقَدْ نَصَرَكُمُ اللَّهُ فِي مَواطِنَ كَثِيرَةٍ وَيَوْمَ حُنَيْنٍ إِذْ أَعْجَبَتْكُمْ كَثْرَتُكُمْ فَلَمْ تُغْنِ عَنْكُمْ شَيْئًا وَضاقَتْ عَلَيْكُمُ الْأَرْضُ بِما رَحُبَتْ ثُمَّ وَلَّيْتُمْ مُدْبِرِينَ * ثُمَّ أَنْزَلَ اللَّهُ سَكِينَتَهُ عَلى رَسُولِهِ وَعَلَى الْمُؤْمِنِينَ وَأَنْزَلَ جُنُودًا لَمْ تَرَوْها وَعَذَّبَ الَّذِينَ كَفَرُوا وَذلِكَ جَزاءُ الْكافِرِينَ * ثُمَّ يَتُوبُ اللَّهُ مِنْ بَعْدِ ذَلِكَ عَلَى مَنْ يَشَاءُ وَاللهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ).
قَالَ الزُّهْرِيُّ: قَاتَلَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَوْمَ حُنَيْنٍ، وَحَاصَرَ الطَّائِفَ فِي شَوَّالٍ، سَنَةَ ثَمَانٍ.
اللَّهُمَّ إِنَّا نَسْأَلُكَ خَيْرَ المَسْأَلَةِ، وَخَيْرَ الدُّعَاءِ، وَخَيْرَ النَّجَاحِ، وَخَيْرَ العَمَلِ، وَخَيْرَ الثَّوَابِ، وَخَيْرَ الحَيَاةِ، وَخَيْرَ المَمَاتِ، وَثَبِّتْنَا، وَثَقِّلْ مَوَازِينَنَا، وَحَقِّقْ إِيمَانَنَا، وَارْفَعْ دَرَجَاتِنَا، وَتَقَبَّلْ صَلَاتَنَا، وَاغْفِرْ خَطِيئَاتِنَا، وَنَسْأَلُكَ الدَّرَجَاتِ العُلَا مِنَ الجَنَّةِ، اللَّهُمَّ إِنَّا نَسْأَلُكَ فَوَاتِحَ الخَيْرِ، وَخَوَاتِمَهُ، وَجَوَامِعَهُ، وَأَوَّلَهُ، وَظَاهِرَهُ، وَبَاطِنَهُ، وَالدَّرَجَاتِ العُلَا مِنَ الجَنَّةِ، آمِينَ! اللَّهُمَّ إِنَّا نَسْأَلُكَ خَيْرَ مَا نَأْتِي، وَخَيْرَ مَا نَفْعَلُ، وَخَيْرَ مَا نَعْمَلُ، وَخَيْرَ مَا بَطَنَ، وَخَيْرَ مَا ظَهَرَ، وَالدَّرَجَاتِ العُلَا مِنَ الجَنَّةِ، آمِينَ!
اللَّهُمَّ إِنَّا نَسْأَلُكَ أَنْ تَرْفَعَ ذِكْرَنَا، وَتَضَعَ وِزْرَنَا، وَتُصْلِحَ أَمْرَنَا، وَتُطَهِّرَ قُلُوبَنَا، وَتُحَصِّنَ فُرُوجَنَا، وَتُنَوِّرَ قُلُوبَنَا، وَتَغْفِرَ لَنَا ذُنُوبَنَا، وَنَسْأَلُكَ الدَّرَجَاتِ العُلَا مِنَ الجَنَّةِ، آمِينَ!
اللَّهُمَّ إِنَّا نَسْأَلُكَ أَنْ تُبَارِكَ فِي نُفُوسِنَا، وَفِي أَسْمَاعِنَا، وَفِي أَبْصَارِنَا، وَفِي أَرْوَاحِنَا، وَفِي خَلْقِنَا، وَفِي خُلُقِنَا، وَفِي أَهْلِنَا، وَفِي مَحْيَانَا، وَفِي مَمَاتِنَا، وَفِي عَمَلِنَا، فَتَقَبَّلْ حَسَنَاتِنَا، وَنَسْأَلُكَ الدَّرَجَاتِ العُلَا مِنَ الجَنَّةِ، آمِينَ!
وَصَلَّى اللهُ وَسَلَّمَ عَلَى نَبِيِّنَا مُحَمَّدٍ.