المَوضُوعُ: خُطْبَةُ عِيدِ الفِطْرِ.
الخُطْبَةُ الأُولَى:
الحَمْدُ للهِ الَّذِي بِنِعْمَتِهِ تَتِمُّ الصَّالِحَاتُ، وَبِجُودِهِ تُغْفَرُ السَّيِّئَاتُ، وَبِكَرَمِهِ تُضَاعَفُ الحَسَنَاتُ، وَبِأَمْرِهِ قَامَتِ الأَرْضُ وَالسَّمَاوَاتُ.
وَأَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ، رَبُّ البَرِيَّاتِ، وَخَالِقُ الكَائِنَاتِ، وَرَازِقُ المَخْلُوقَاتِ.
وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ، الدَّاعِي إِلَى الجَنَّاتِ، بِالكَلِمَاتِ الطَّيِّبَاتِ المُبَارَكَاتِ، صَلَّى اللهُ وَسَلَّمَ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَأَصْحَابِهِ وَسَلَّمَ تَسْلِيمًا كَثِيرًا.
اللهُ أَكْبَرُ، اللهُ أَكْبَرُ، اللهُ أَكْبَرُ، اللهُ أَكْبَرُ، اللهُ أَكْبَرُ، اللهُ أَكْبَرُ، اللهُ أَكْبَرُ، اللهُ أَكْبَرُ، اللهُ أَكْبَرُ.
اللهُ أَكْبَرُ كَبِيرًا، وَالحَمْدُ للهِ كَثِيرًا، وَسُبْحَانَ اللهِ بُكْرَةً وَأَصِيلًا.
أَيُّهَا المُسْلِمُونَ، لَقَدْ وَدَّعْنَا ضَيْفَنَا وَشَهْرَنَا المُبَارَكَ بِمَا أَوْدَعْنَا فِيهِ مِنْ أَعْمَالٍ:
سَلَامٌ مِنَ الرَّحْمَنِ كُلَّ أَوَانِ ... عَلَى خَيرِ شَهْرٍ قَدْ مَضَى وَزَمَانِ
سَلَامٌ عَلَى شَهْرِ الصِّيامِ فَإنَّهُ ... أَمَانٌ مِنَ الرَّحْمَنِ أَيُّ أَمَانِ
تَرَحَّلْتَ يَا شَهْرَ الصِّيَامِ بِصَوْمِنَا ... وَقَدْ كُنْتَ أَنْوَارًا بِكُلِّ مَكَانِ
لَئِنْ فَنِيَتْ أَيَّامُكَ الزُّهْرُ بَغْتَةً ... فَمَا الحُزْنُ مِن قَلْبِي عَلَيكَ بِفَانِ
عَلَيْكَ سَلَامُ اللهِ كُنْ شَاهِدًا لَنَا ... بِخَيْرٍ رَعَاكَ اللهُ مِنْ رَمَضَانِ
رُوِيَ عَنْ عَلِيٍّ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ، أَنَّهُ كَانَ يُنَادِي فِي آخِرِ لَيْلَةٍ مِنْ شَهْرِ رَمَضَانَ: يَا لَيْتَ شِعْرِي: مَنْ هَذَا المَقْبُولُ فَنُهَنِّيَهُ؟ وَمَنْ هَذَا المَحْرُومُ فَنُعَزِّيَهُ؟
وَعَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ نَحْوُهُ، ثُمَّ قَالَ: أَيُّهَا المَقْبُولُ: هَنِيئًا لَكَ! أَيُّهَا المَرْدُودُ: جَبَرَ اللهُ مُصِيبَتَكَ!
اللهُ أَكْبَرُ، اللهُ أَكْبَرُ، لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ، وَاللهُ أَكْبَرُ، اللهُ أَكْبَرُ، وَللهِ الحَمْدُ.
إِخْوَانِي فِي اللهِ، جَاءَ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، عَنِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، قَالَ: "لِلصَّائِمِ فَرْحَتَانِ: فَرْحَةٌ حِينَ يُفْطِرُ، وَفَرْحَةٌ حِينَ يَلْقَى رَبَّهُ". مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ.
فَالفَرْحَةُ العَاجِلَةُ مِنْ أَجْلِ إِتْمَامِ العِبَادَةِ، وَالفَرْحَةُ الآجِلَةُ مِنْ أَجْلِ عَظِيمِ ثَوَابِهَا.
فَنَفْرَحُ فِي العِيدِ وَلَا نَتْرَحُ، أَوْ نَسْرَحُ، أَوْ نَمْرَحُ.
فعَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهَا، أَنَّ أَبَا بَكْرٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ، دَخَلَ عَلَيْهَا وَالنَّبِيُّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عِنْدَهَا يَوْمَ فِطْرٍ أَوْ أَضْحًى، وَعِنْدَهَا قَيْنَتَانِ تُغَنِّيَانِ بِمَا تَقَاذَفَتْ الأَنْصَارُ يَوْمَ بُعَاثٍ، فَقَالَ أَبُو بَكْرٍ: مِزْمَارُ الشَّيْطَانِ؟ مَرَّتَيْنِ، فَقَالَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «دَعْهُمَا يَا أَبَا بَكْرٍ، إِنَّ لِكُلِّ قَوْمٍ عِيدًا، وَإِنَّ عِيدَنَا هَذَا اليَوْمُ». مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ. قَالَتْ: وَكَانَ يَوْمَ عِيدٍ يَلْعَبُ السُّودَانُ بِالدَّرَقِ وَالْحِرَابِ. مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ.
قَالَ ابْنُ رَجَبٍ: "فِي هَذَا الحَدِيثِ: الرُّخْصَةُ لِلْجَوَارِي فِي يَوْمِ العِيدِ فِي اللَّعِبِ وَالغِنَاءِ بِغِنَاءِ الأَعْرَابِ - وَكَانَ غِنَاؤُهُمْ بِأَشْعَارِ أَهْلِ الجَاهِلِيَّةِ مِنْ ذِكْرِ الحُرُوبِ - وَإِنْ سَمِعَ ذَلِكَ النِّسَاءُ وَالرِّجَالُ، وَإِنْ كَانَ مَعَهُ دُفٌّ مِثْلُ دُفِّ العَرَبِ ... وَلِهَذَا كَانَ جُمْهُورُ العُلَمَاءِ عَلَى أَنَّ الضَّرْبَ بِالدُّفِّ لِلْغِنَاءِ لَا يُبَاحُ فِعْلُهُ لِلرِّجَالِ؛ فَإِنَّهُ مِنَ التَّشَبُّهِ بِالنِّسَاءِ، وَهُوَ مَمْنُوعٌ مِنْهُ ... وَأَمَّا اسْتِمَاعُ آلَاتِ المَلَاهِي المُطْرِبَةِ المُتَلَقَّاةِ مِنْ وَضْعِ الأَعَاجِمِ، فَمُحَرَّمٌ مُجْمَعٌ عَلَى تَحْرِيمِهِ، وَلَا يُعْلَمُ عَنْ أَحَدٍ مِنْهُمُ الرُّخْصَةُ فِي شَيْءٍ مِنْ ذَلِكَ، وَمَنْ نَقَلَ الرُّخْصَةَ فِيهِ عَنْ إِمَامٍ يُعْتَدُّ بِهِ فَقَدْ كَذَبَ وَافْتَرَى". انتهى.
وَفِي عِيدِنَا أَهْلَ الإِسْلَامِ نَشْكُرُ وَلَا نَكْفُرُ، وَنَأْكُلُ وَنَشْرَبُ وَنَلْبَسُ وَنَتَجَمَّلُ فِي غَيْرِ إِسْرَافٍ وَلَا مَخِيلَةٍ، وَلَا بَغْيٍ وَلَا عُدْوَانٍ وَلَا مَعْصِيَةٍ، وَنَحْمَدُ اللهَ عَلَى نِعَمِهِ الكَثِيرَةِ، وَآلَائِهِ الكَبِيرَةِ، وَنُفْشِي السَّلَامَ، وَنَصِلُ الأَرْحَامَ، وَنَسْلُكُ جَادَّةَ المُؤْمِنِينَ الشَّاكِرِينَ الذَّاكِرِينَ، لَا جَادَّةَ الأَشِرِينَ البَطِرِينَ الَّذِينَ قَالَ اللهُ تَعَالَى فِي حَقِّهِمْ: (ذَٰلِكُم بِمَا كُنتُمْ تَفْرَحُونَ فِي الْأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَبِمَا كُنتُمْ تَمْرَحُونَ (75) ادْخُلُوا أَبْوَابَ جَهَنَّمَ خَالِدِينَ فِيهَا ۖ فَبِئْسَ مَثْوَى الْمُتَكَبِّرِينَ).
اللهُ أَكْبَرُ، اللهُ أَكْبَرُ، لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ، وَاللهُ أَكْبَرُ، اللهُ أَكْبَرُ، وَللهِ الحَمْدُ.
عِبَادَ اللهِ، يَقُولُ اللهُ - جَلَّ وَعَلَا -: (فَاسْتَقِمْ كَمَا أُمِرْتَ وَمَن تَابَ مَعَكَ)، وَقَالَ تَعَالَى: (إِنَّ الَّذِينَ قَالُوا رَبُّنَا اللَّهُ ثُمَّ اسْتَقَامُوا تَتَنَزَّلُ عَلَيْهِمُ الْمَلَائِكَةُ أَلَّا تَخَافُوا وَلَا تَحْزَنُوا وَأَبْشِرُوا بِالْجَنَّةِ الَّتِي كُنتُمْ تُوعَدُونَ). قَالَ قَتَادَة: اسْتَقَامُوا عَلَى طَاعَةِ اللَّهِ.
وَقَالَ تَعَالَى: (فَاسْتَقِيمُوا إِلَيْهِ وَاسْتَغْفِرُوهُ)، وَتِلْكَ إِشَارَةٌ إِلَى أَنَّهُ لَا بُدَّ مِنْ تَقْصِيرٍ فِي الِاسْتِقَامَةِ، فَيَنْبَغِي الإِكْثَارُ مِنَ التَّوْبَةِ، وَالاسْتِغْفَارِ.
وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَقُولُ: "وَاللَّهِ إِنِّي لَأَسْتَغْفِرُ اللَّهَ وَأَتُوبُ إِلَيْهِ فِي الْيَوْمِ أَكْثَرَ مِنْ سبْعِينَ مَرَّةً". رَوَاهُ البُخَارِيُّ.
اللهُ أَكْبَرُ، اللهُ أَكْبَرُ، لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ، وَاللهُ أَكْبَرُ، اللهُ أَكْبَرُ، وَللهِ الحَمْدُ.
مَعْشَرَ المُسْلِمِينَ، إِنَّ سَلَفَنَا الصَّالِحَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمْ، كَانُوا يَجْتَهِدُونَ فِي إِتْمَامِ العَمَلِ وَإِكْمَالِهِ وَإِتْقَانِهِ، ثُمَّ يَهْتَمُّونَ بَعْدَ ذَلِكَ بِقَبُولِهِ، وَيَخَافُونَ مِنْ رَدِّهِ لِخَوْفِهِمْ أَنْ يَكُونُوا قَدْ قَصَّرُوا وَفَرَّطُوا.
وَعَنْ عَائِشَةَ، زَوْجِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، قَالَتْ: سَأَلْتُ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَنْ هَذِهِ الآيَةِ: (وَالَّذِينَ يُؤْتُونَ مَا آتَوْا وَقُلُوبُهُمْ وَجِلَةٌ)، قَالَتْ عَائِشَةُ: أَهُمُ الَّذِينَ يَشْرَبُونَ الخَمْرَ وَيَسْرِقُونَ؟ قَالَ: "لَا يَا بِنْتَ الصِّدِّيقِ، وَلَكِنَّهُمُ الَّذِينَ يَصُومُونَ وَيُصَلُّونَ وَيَتَصَدَّقُونَ، وَهُمْ يَخَافُونَ أَنْ لَا تُقْبَلَ مِنْهُمْ: (أُولَئِكَ يُسَارِعُونَ فِي الْخَيْرَاتِ وَهُمْ لَهَا سَابِقُونَ)". رَوَاهُ أَحْمَدُ، وَالتِّرْمِذِيُّ، وَقَدْ صُحِّحَ.
اللهُ أَكْبَرُ، اللهُ أَكْبَرُ، لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ، وَاللهُ أَكْبَرُ، اللهُ أَكْبَرُ، وَللهِ الحَمْدُ.
وَإِنَّ مِنْ أَعْظَمِ حِكَمِ الصِّيَامِ تَحْقِيقَ التَّقْوَى، قَالَ تَعَالَى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِن قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ).
وَتَقْوَى اللهِ هِيَ وَصِيَّتُهُ لِلْأَوَّلِينَ وَالآخِرِينَ، قَالَ تَعَالَى: (وَلَقَدْ وَصَّيْنَا الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلِكُمْ وَإِيَّاكُمْ أَنِ اتَّقُوا اللَّهَ).
وَعَنْ أَبِي ذَرٍّ وَمُعَاذِ بْنِ جَبَلٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، قَالَ: «اتَّقِ اللَّهَ حَيْثُمَا كُنْتَ، وَأَتْبِعِ السَّيِّئَةَ الْحَسَنَةَ تَمْحُهَا، وَخَالِقِ النَّاسَ بِخُلُقٍ حَسَنٍ». رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ، وَحَسَّنَهُ، أَوْ صَحَّحَهُ.
وَخَرَّجَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ، عَنْ أَبِي ذَرٍّ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ: أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، قَالَ لَهُ: (أُوصِيكَ بِتَقْوَى اللَّهِ فِي سِرِّ أَمْرِكَ وَعَلَانِيَتِهِ، وَإِذَا أَسَأْتَ فَأَحْسِنْ)، وَفِي رِوَايَةٍ: (إِذَا عَمِلْتَ سَيِّئَةً، فَاعْمَلْ حَسَنَةً، فَإِنَّهَا عَشْرُ أَمْثَالِهَا).
قَالَ عُمَرُ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ: "لَيْسَ تَقْوَى اللَّهِ بِصِيَامِ النَّهَارِ، وَلَا بِقِيَامِ اللَّيْلِ، وَالتَّخْلِيطِ فِيمَا بَيْنَ ذَلِكَ، وَلَكِنَّ تَقْوَى اللَّهِ تَرْكُ مَا حَرَّمَ اللَّهُ، وَأَدَاءُ مَا افْتَرَضَ اللَّهُ، فَمَنْ رُزِقَ بَعْدَ ذَلِكَ خَيْرًا، فَهُوَ خَيْرٌ إِلَى خَيْرٍ".
وَعَنْ أَبِي الدَّرْدَاءِ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ، قَالَ: "تَمَامُ التَّقْوَى أَنْ يَتَّقِيَ اللَّهَ الْعَبْدُ حَتَّى يَتَّقِيَهُ مِنْ مِثْقَالِ ذَرَّةٍ، وَحَتَّى يَتْرُكَ بَعْضَ مَا يَرَى أَنَّهُ حَلَالٌ خَشْيَةَ أَنْ يَكُونَ حَرَامًا يَكُونُ حِجَابًا بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْحَرَامِ، فَلَا تَحْقِرَنَّ شَيْئًا مِنَ الْخَيْرِ أَنْ تَفْعَلَهُ، وَلَا شَيْئًا مِنَ الشَّرِّ أَنْ تَتَّقِيَهُ".
وَقَالَ مَيْمُونُ بْنُ مِهْرَانَ: الْمُتَّقِي أَشَدُّ مُحَاسَبَةً لِنَفْسِهِ مِنَ الشَّرِيكِ الشَّحِيحِ لِشَرِيكِهِ.
وَقَالَ ابْنُ مَسْعُودٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: (اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ)، قَالَ: أَنْ يُطَاعَ، فَلَا يُعْصَى، وَيُذْكَرَ، فَلَا يُنْسَى، وَأَنْ يُشْكَرَ، فَلَا يُكْفَرَ.
اللهُ أَكْبَرُ، اللهُ أَكْبَرُ، لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ، وَاللهُ أَكْبَرُ، اللهُ أَكْبَرُ، وَللهِ الحَمْدُ.
وَمِنْ حِكَمِ الصِّيَامِ العَظِيمَةِ: دَوَامُ شُكْرِ اللهِ - جَلَّ وَعَلَا - عَلَى هِدَايَتِهِ، قَالَ تَعَالَى: (وَلِتُكْمِلُوا الْعِدَّةَ وَلِتُكَبِّرُوا اللَّهَ عَلَىٰ مَا هَدَاكُمْ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ). وَمِنَ الشُّكْرِ: أَنْ نَكُونَ رَبَّانِيِّينَ لَا رَمَضَانِيِّينَ.
وَعَنْ عَلْقَمَةَ، قَالَ: قُلْتُ لِعَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا: هَلْ كَانَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، يَخْتَصُّ مِنَ الأَيَّامِ شَيْئًا؟ قَالَتْ: "لَا، كَانَ عَمَلُهُ دِيمَةً". رَوَاهُ البُخَارِيُّ.
قَالَ الحَسَنُ: إِنَّ اللهَ لَمْ يَجْعَلْ لِعَمَلِ المُؤْمِنِ أَجَلًا دُونَ المَوْتِ، ثُمَّ قَرَأَ: (وَاعْبُدْ رَبَّكَ حَتَّى يَأْتِيَكَ الْيَقِينُ).
وَإِنَّ مِنْ كُفْرِ النِّعْمَةِ وَعَدَمِ شُكْرِهَا التَّضْيِيعَ وَالتَّفْرِيطَ وَمَعْصِيَةَ اللهِ فِي العِيدِ وَغَيْرِهِ.
رَأَى وَهْبُ بْنُ الوَرْدِ قَوْمًا يَضْحَكُونَ فِي يَوْمِ عِيدٍ، فَقَالَ: إِنْ كَانَ هَؤُلَاءِ تَقَبَّلَ اللهُ مِنْهُمْ صِيَامَهُمْ، فَمَا هَذَا فِعْلَ الشَّاكِرِينَ، وَإِنْ كَانَ لَمْ يَتَقَبَّلْ مِنْهُمْ صِيَامَهُمْ، فَمَا هَذَا فِعْلَ الخَائِفِينَ.
فَإِذَا كَانَ هَذَا فِي ضَحِكٍ تَجَاوَزَ الحَدَّ وَخَرَجَ عَنِ المَأْلُوفِ، فَكَيْفَ بِمَنْ يَعْصِي اللهَ وَيَقْتَرِفُ الإِثْمَ؟!
قَالَ ابْنُ رَجَبٍ: "فَأَمَّا مُقَابَلَةُ نِعْمَةِ التَّوْفِيقِ، كَصِيَامِ شَهْرِ رَمَضَانَ، بِارْتِكَابِ المَعَاصِي بَعْدَهُ؛ فَهُوَ مِنْ فِعْلِ مَنْ بَدَّلَ نِعْمَةَ اللهِ كُفْرًا".
وَقَالَ كَعْبٌ: مَنْ صَامَ رَمَضَانَ وَهُوَ يُحَدِّثُ نَفْسَهُ إِذَا أَفْطَرَ مِنْ رَمَضَانَ لَمْ يَعْصِ اللهَ؛ دَخَلَ الجَنَّةَ - يَعْنِي بِرَحْمَةِ اللهِ - بِغَيْرِ مَسْأَلَةٍ وَلَا حِسَابٍ، وَمَنْ صَامَ رَمَضَانَ وَهُوَ يُحَدِّثُ نَفْسَهُ إِذَا أَفْطَرَ عَصَى رَبَّهُ؛ فَصِيَامُهُ عَلَيْهِ مَرْدُودٌ.
فَمِسْكِينٌ يَا عِبَادَ اللهِ مَنْ حَالُهُ حَالُ ذَلِكُمُ المُبْتَلَى بِالسُّكْرِ، مَا إِنْ ذَهَبَ شَهْرُ رَمَضَانَ إِلَّا وَعَادَ إِلَى شُرْبِهِ وَسُكْرِهِ قَائِلًا:
رَمَضَانُ وَلَّى هَاتِهَا يَا سَاقِي ... مُشْتَاقَةً تَسْعَى إِلَى مُشْتَاقِ
قَالَ بَعْضُ السَّلَفِ: ثَوَابُ الحَسَنَةِ الحَسَنَةُ بَعْدَهَا، فَمَنْ عَمِلَ حَسَنَةً ثُمَّ أَتْبَعَهَا بَعْدُ بِحَسَنَةٍ؛ كَانَ ذَلِكَ عَلَامَةً عَلَى قَبُولِ الحَسَنَةِ الأُولَى، كَمَا أَنَّ مَنْ عَمِلَ حَسَنَةً ثُمَّ أَتْبَعَهَا بِسَيِّئَةٍ؛ كَانَ ذَلِكَ عَلَامَةَ رَدِّ الحَسَنَةِ وَعَدَمِ قَبُولِهَا.
اللهُ أَكْبَرُ، اللهُ أَكْبَرُ، لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ، وَاللهُ أَكْبَرُ، اللهُ أَكْبَرُ، وَللهِ الحَمْدُ.
أَقُولُ قَوْلِي هَذَا، وَأَسْتَغْفِرُ اللهَ لِي وَلَكُمْ.
الخُطْبَةُ الثَّانِيَةُ:
الحَمْدُ للهِ الَّذِي هَدَانَا لِهَذَا، وَمَا كُنَّا لِنَهْتَدِيَ لَوْلَا أَنْ هَدَانَا اللهُ.
اللهُ أَكْبَرُ، اللهُ أَكْبَرُ، اللهُ أَكْبَرُ، اللهُ أَكْبَرُ، اللهُ أَكْبَرُ، اللهُ أَكْبَرُ، اللهُ أَكْبَرُ.
اللهُ أَكْبَرُ كَبِيرًا، وَالحَمْدُ للهِ كَثِيرًا، وَسُبْحَانَ اللهِ بُكْرَةً وَأَصِيلًا، وَصَلَّى اللهُ وَسَلَّمَ عَلَى نَبِيِّنَا مُحَمَّدٍ وَسَلَّمَ تَسْلِيمًا كَثِيرًا.
أَمَّا بَعْدُ: فعَنْ جَابِرٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، قَالَ: «شَهِدْتُ مَعَ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَوْمَ الْعِيدِ - وَفِي رِوَايَةٍ: يَوْمَ الفِطْرِ -، فَبَدَأَ بِالصَّلَاةِ قَبْلَ الْخُطْبَةِ، بِغَيْرِ أَذَانٍ وَلَا إقَامَةٍ، ثُمَّ قَامَ مُتَوَكِّئًا عَلَى بِلَالٍ، فَأَمَرَ بِتَقْوَى اللَّهَ، وَحَثَّ عَلَى الطَّاعَةِ، وَوَعَظَ النَّاسَ وَذَكَّرَهُمْ، ثُمَّ مَضَى حَتَّى أَتَى النِّسَاءَ، فَوَعَظَهُنَّ وَذَكَّرَهُنَّ»، وَفِي رِوَايَةٍ، فَقَالَ: (تَصَدَّقْنَ، فَإِنَّ أَكْثَرَكُنَّ حَطَبُ جَهَنَّمَ)، فَقَامَتِ امْرَأَةٌ مِنْ سِطَةِ النِّسَاءِ سَفْعَاءُ الْخَدَّيْنِ، فَقَالَتْ: لِمَ يَا رَسُولَ اللَّهِ؟ قَالَ: (لِأَنَّكُنَّ تُكْثِرْنَ الشَّكَاةَ، وَتَكْفُرْنَ الْعَشِيرَ)، قَالَ: فَجَعَلْنَ يَتَصَدَّقْنَ مِنْ حُلِيِّهِنَّ.
وَفِي حَدِيثِ أَبِي سَعِيدٍ الخُدْرِيِّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، فَمَرَّ عَلَى النِّسَاءِ، فَقَالَ: «يَا مَعْشَرَ النِّسَاءِ، تَصَدَّقْنَ، فَإِنِّي رَأَيْتُكُنَّ أَكْثَرَ أَهْلِ النَّارِ»، فَقُلْنَ: وَبِمَ ذَلِكَ يَا رَسُولَ اللَّهِ؟ قَالَ: «تُكْثِرْنَ اللَّعْنَ، وَتَكْفُرْنَ العَشِيرَ».
وَفِي حَدِيثِ حَكِيمٍ: (وَتُسَوِّفْنَ الخَيْرَ). رَوَاهُ ابْنُ حِبَّانَ فِي صَحِيحِهِ.
وَفِي حَدِيثِ ابْنِ عَبَّاسٍ: (ويَكْفُرْنَ الإحْسَانَ).
وَفِي حَدِيثِ ابْنِ عُمَرَ: (يا مَعْشَرَ النِّساءِ، تَصَدَّقْنَ وأَكْثِرْنَ الاسْتِغْفارَ).
وَعَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا، قَالَ: شَهِدْتُ الفِطْرَ مَعَ النَّبِيِّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ... فَجَاءَ النِّسَاءَ مَعَهُ بِلاَلٌ، فَقَالَ: (يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِذَا جَاءَكَ الْمُؤْمِنَاتُ يُبَايِعْنَكَ عَلَىٰ أَن لَّا يُشْرِكْنَ بِاللَّهِ شَيْئًا وَلَا يَسْرِقْنَ وَلَا يَزْنِينَ وَلَا يَقْتُلْنَ أَوْلَادَهُنَّ وَلَا يَأْتِينَ بِبُهْتَانٍ يَفْتَرِينَهُ بَيْنَ أَيْدِيهِنَّ وَأَرْجُلِهِنَّ وَلَا يَعْصِينَكَ فِي مَعْرُوفٍ ۙ فَبَايِعْهُنَّ وَاسْتَغْفِرْ لَهُنَّ اللَّهَ ۖ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ)، ثُمَّ قَالَ حِينَ فَرَغَ مِنْهَا: «آنْتُنَّ عَلَى ذَلِكِ؟» قَالَتِ امْرَأَةٌ وَاحِدَةٌ مِنْهُنَّ، لَمْ يُجِبْهُ غَيْرُهَا: نَعَمْ.
وَهَذِهِ أَحَادِيثُ فِي الصَّحِيحَيْنِ أَوْ أَحَدِهِمَا.
فَالأَمْرُ يَا أَمَةَ اللهِ هُوَ الجَدُّ لَيْسَ بِالهَزْلِ، فَاحْذَرِي كُلَّ الحَذَرِ مِنْ مَعْصِيَةِ اللهِ، بِأَنْ تَتَعَدَّيْ حُدُودَهُ، أَوْ تَقْرَبِي مِنْهَا، أَوْ تُضَيِّعِي فَرَائِضَهُ، أَوْ تَنْتَهِكِي مَحَارِمَهُ، وَإِيَّاكِ وَالتَّبَرُّجَ وَالسُّفُورَ، وَإِخْرَاجَ المَفَاتِنِ، وَمُخَالَطَةَ الرِّجَالِ، وَالخَلْوَةَ المُحَرَّمَةَ، وَالسَّفَرَ بِلَا مَحْرَمٍ، وَغَيْرَ ذَلِكَ مِنَ المُخَالَفَاتِ الشَّرْعِيَّةِ.
اللهُ أَكْبَرُ، اللهُ أَكْبَرُ، لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ، وَاللهُ أَكْبَرُ، اللهُ أَكْبَرُ، وَللهِ الحَمْدُ.
عِبَادَ اللهِ، رَوَى مُسْلِمٌ، عَنْ أَبِي أَيُّوبَ الْأَنْصَارِيِّ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ، أَنَّ رَسُولَ اللهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، قَالَ: «مَنْ صَامَ رَمَضَانَ، ثُمَّ أَتْبَعَهُ سِتًّا مِنْ شَوَّالٍ، كَانَ كَصِيَامِ الدَّهْرِ». رَوَاهُ مُسْلِمٌ.
وَعَنْ أَبِي سَعِيدٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «أَنَّهُ كَانَ لَا يُصَلِّي قَبْلَ الْعِيدِ شَيْئًا، فَإِذَا رَجَعَ إلَى مَنْزِلِهِ صَلَّى رَكْعَتَيْنِ». رَوَاهُ ابْنُ مَاجَهْ، وَأَحْمَدُ بِمَعْنَاهُ، وَصَحَّحَهُ الحَاكِمُ، وَحَسَّنَهُ ابْنُ حَجَرٍ.
وَقَالَ ابْنُ تَيْمِيَّةَ: أَمَّا التَّهْنِئَةُ يَوْمَ الْعِيدِ يَقُولُ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ إذَا لَقِيَهُ بَعْدَ صَلاةِ الْعِيدِ: تَقَبَّلَ اللَّهُ مِنَّا وَمِنْكُمْ، وَأَحَالَهُ اللَّهُ عَلَيْك، وَنَحْوُ ذَلِكَ، فَهَذَا قَدْ رُوِيَ عَنْ طَائِفَةٍ مِنْ الصَّحَابَةِ: أَنَّهُمْ كَانُوا يَفْعَلُونَهُ، وَرَخَّصَ فِيهِ الأَئِمَّةُ، كَأَحْمَدَ وَغَيْرِهِ.
اللَّهُمَّ إِنَّا نَسْأَلُكَ الثَّبَاتَ فِي الأَمْرِ، وَالعَزِيمَةَ عَلَى الرُّشْدِ، وَنَسْأَلُكَ مُوجِبَاتِ رَحْمَتِكَ، وَعَزَائِمَ مَغْفِرَتِكَ، وَنَسْأَلُكَ شُكْرَ نِعْمَتِكَ، وَحُسْنَ عِبَادَتِكَ، وَنَسْأَلُكَ قَلْبًا سَلِيمًا، وَلِسَانًا صَادِقًا، وَنَسْأَلُكَ مِنْ خَيْرِ مَا تَعْلَمُ، وَنَعُوذُ بِكَ مِنْ شَرِّ مَا تَعْلَمُ، وَنَسْتَغْفِرُكَ لِمَا تَعْلَمُ، إِنَّكَ أَنْتَ عَلَّامُ الغُيُوبِ.
وَصَلَّى اللهُ وَسَلَّمَ عَلَى نَبِيِّنَا مُحَمَّدٍ.