الموضوع: حِفْظُ الضَّرُورَاتِ الخَمْسِ.
الخُطْبَةُ الأُولَى:
إِنَّ الْحَمْدَ لِلَّهِ نَحْمَدُهُ وَنَسْتَعِينُهُ وَنَسْتَغْفِرُهُ، وَنَعُوذُ بِاَللَّهِ مِنْ شُرُورِ أَنْفُسِنَا وَمِنْ سَيِّئَاتِ أَعْمَالِنَا، مَنْ يَهْدِهِ اللَّهُ فَلَا مُضِلَّ لَهُ، وَمَنْ يُضْلِلْ فَلَا هَادِيَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ.
(يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ)، (يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا)، (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا، يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا).
أَمَّا بَعْدُ: "فإِنَّ أَصْدَقَ الْحَدِيثِ كِتَابُ اللَّهِ، وَأَحْسَنَ الْهَدْيِ هَدْيُ مُحَمَّدٍ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، وَشَرَّ الْأُمُورِ مُحْدَثَاتُهَا، وَكُلَّ مُحْدَثَةٍ بِدْعَةٌ، وَكُلَّ بِدْعَةٍ ضَلَالَةٌ، وَكُلَّ ضَلَالَةٍ فِي النَّارِ".
أَيُّهَا المُسْلِمُونَ، إِنَّ مِنْ مَقَاصِدِ الشَّرِيعَةِ الإِسْلَامِيَّةِ وَالمِلَلِ السَّمَاوِيَّةِ حِفْظَ الضَّرُورَاتِ الخَمْسِ الكُلِّيَّةِ، وَهِيَ: الدِّينُ، وَالنَّفْسُ، وَالنَّسْلُ، وَالعَقْلُ، وَالمَالُ؛ إِذْ لَا صَلَاحَ لِلْعِبَادِ وَلَا لِلْبِلَادِ إِلَّا بِحِفْظِهَا وَوَضْعِ الحَصَانَةِ المُشَدَّدَةِ لَهَا، وَلَا سَعَادَةَ فِي الدُّنْيَا وَلَا فِي الآخِرَةِ إِلَّا بِإِصْلَاحِهَا وَرِعَايَتِهَا وَالعِنَايَةِ بِهَا؛ أَوَّلًا: مِنْ جَانِبِ الوُجُودِ، وَذَلِكَ بِقِيَامِ أَرْكَانِهَا، وَبُنْيَانِهَا، وَتَثْبِيتِ قَوَاعِدِهَا وَأُسُسِهَا، وَثَانِيًا: مِنْ جَانِبِ العَدَمِ، وَذَلِكَ بِدَرْءِ مَا يُخِلُّ بِهَا وَيَتَعَرَّضُ لِحِمَاهَا.
وَقَدْ شَرَعَ اللهُ لِحِرَاسَتِهَا الحُدُودَ وَالقِصَاصَ وَالتَّعْزِيرَ، وَحَمَى حِمَاهَا بِسَدِّ الذَّرَائِعِ، وَمَنْعِ الوَسَائِلِ المُؤَدِّيَةِ إِلَى الإِضْرَارِ وَالإِخْلَالِ بِهَا، وَوَعَدَ مَنْ حَافَظَ عَلَيْهَا حُسْنَ الثَّوَابِ، وَتَوَعَّدَ مَنْ أَتْلَفَهَا سُوءَ العِقَابِ.
قَالَ تَعَالَى: ( فَمَن يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْرًا يَرَهُ (7) وَمَن يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ شَرًّا يَرَهُ).
وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «كُلُّ الْمُسْلِمِ عَلَى الْمُسْلِمِ حَرَامٌ، دَمُهُ، وَمَالُهُ، وَعِرْضُهُ». رَوَاهُ مُسْلِمٌ.
وَعَنْ أَبِي بَكْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ في خُطْبتِهِ يَوْمَ النَّحْرِ بِمنًى فِي حَجَّةِ الوَدَاعِ: (إِنَّ دِمَاءَكُمْ، وَأَمْوَالَكُمْ وَأَعْرَاضَكُمْ حَرَامٌ عَلَيْكُمْ). مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ.
وَمِنَ اهْتِمَامِ الشَّرِيعَةِ الإِسْلَامِيَّةِ بِحِفْظِ مَقَاصِدِهَا الخَمْسِ الضَّرُورِيَّةِ الَّتِي لَا بُدَّ مِنْهَا فِي قِيَامِ مَصَالِحِ الدِّينِ وَالدُّنْيَا عَلَى الاسْتِقَامَةِ: اهْتَمَّتْ بِحِفْظِ المَقَاصِدِ الحَاجِيَّةِ، وَهِيَ الرُّخَصُ الخَادِمَةُ لِلضَّرُورَاتِ الخَمْسِ، وَالمُكَمِّلَةُ لَهَا لِلتَّوْسِعَةِ وَرَفْعِ الحَرَجِ وَإِزَالَةِ المَشَقَّةِ، وَاهْتَمَّتْ بِحِفْظِ المَقَاصِدِ التَّحْسِينِيَّةِ، وَهِيَ المَنْدُوبَاتُ الخَادِمَةُ لِلْحَاجِيَّاتِ، وَالمُكَمِّلَةُ لَهَا كَالأَخْلَاقِ وَالآدَابِ وَالعَادَاتِ وَالمُرُوءَاتِ المُسْتَحَبَّةِ.
قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مَسْعُودٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ: "مَنْ سَرَّهُ أَنْ يَنْظُرَ إِلَى الصَّحِيفَةِ الَّتِي عَلَيْهَا خَاتَمُ مُحَمَّدٍ – صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَلْيَقْرَأْ هَذِهِ الآيَاتِ: (قُلْ تَعَالَوْا أَتْلُ مَا حَرَّمَ رَبُّكُمْ عَلَيْكُمْ) - الآيَةَ إِلَى قَوْلِهِ – (لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ)". رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ وَغَيْرُهُ، وَقَالَ: هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ غَرِيبٌ.
فَقَدْ جَمَعَتْ هَذِهِ الوَصِيَّةُ وُجُوبَ المُحَافَظَةِ عَلَى الضَّرُورَاتِ الخَمْسِ.
فَالضَّرُورَةُ الأُولَى: الدِّينُ.
قَالَ تَعَالَى: (هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدَىٰ وَدِينِ الْحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ وَلَوْ كَرِهَ الْمُشْرِكُونَ)، وَحَرَسَ اللهُ الدِّينَ، فَقَالَ: (وَقَاتِلُوهُمْ حَتَّىٰ لَا تَكُونَ فِتْنَةٌ وَيَكُونَ الدِّينُ كُلُّهُ لِلَّهِ).
وَعَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: (مَنْ بَدَّلَ دِينَهُ فَاقْتُلُوهُ). رَوَاهُ البُخَارِيُّ.
وَلِحِمَايَتِهِ حَرَّمَ مَا يُنَاقِضُهُ وَيُضَادُّهُ وَيَنْقُصُهُ، قَالَ تَعَالَى: (وَلَٰكِنَّ اللَّهَ حَبَّبَ إِلَيْكُمُ الْإِيمَانَ وَزَيَّنَهُ فِي قُلُوبِكُمْ وَكَرَّهَ إِلَيْكُمُ الْكُفْرَ وَالْفُسُوقَ وَالْعِصْيَانَ)، وَقَالَ تَعَالَى: (وَمَن يَبْتَغِ غَيْرَ الْإِسْلَامِ دِينًا فَلَن يُقْبَلَ مِنْهُ وَهُوَ فِي الْآخِرَةِ مِنَ الْخَاسِرِينَ)، وَقَالَ تَعَالَى: (أَمْ لَهُمْ شُرَكَاءُ شَرَعُوا لَهُم مِّنَ الدِّينِ مَا لَمْ يَأْذَن بِهِ اللَّهُ).
وَعَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا، قَالَتْ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «مَنْ أَحْدَثَ فِي أَمْرِنَا هَذَا مَا لَيْسَ مِنْهُ فَهُوَ رَدٌّ». رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ.
الضَّرُورَةُ الثَّانِيَةُ: النَّفْسُ.
قَالَ تَعَالَى: (وَلَا تَقْتُلُوا أَنفُسَكُمْ)، وَقَالَ تَعَالَى: (وَلَا تَقْتُلُوا النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلَّا بِالْحَقِّ)،
وَحَرَسَ اللهُ النَّفْسَ، فَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ، قَالَ: جَاءَ رَجُلٌ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، أَرَأَيْتَ إِنْ جَاءَ رَجُلٌ يُرِيدُ أَخْذَ مَالِي؟ قَالَ: فَلَا تُعْطِهِ مَالَكَ. قَالَ: أَرَأَيْتَ إِنْ قَاتَلَنِي؟ قَالَ: قَاتِلْهُ. قَالَ: أَرَأَيْتَ إِنْ قَتَلَنِي؟ قَالَ: فَأَنْتَ شَهِيدٌ. قَالَ: أَرَأَيْتَ إِنْ قَتَلْتُهُ؟ قَالَ: هُوَ فِي النَّارِ. رَوَاهُ مُسْلِمٌ.
وَلِحِمَايَةِ النَّفْسِ شَرَعَ اللهُ القِصَاصَ وَالدِّيَةَ، وَحَرَّمَ الخَبَائِثَ صِيَانَةً لَهَا عَنِ التَّلَفِ.
الضَّرُورَةُ الثَّالِثَةُ: النَّسْلُ.
قَالَ تَعَالَى: (وَالَّذِينَ هُمْ لِفُرُوجِهِمْ حَافِظُونَ (5) إِلَّا عَلَىٰ أَزْوَاجِهِمْ أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُمْ فَإِنَّهُمْ غَيْرُ مَلُومِينَ (6) فَمَنِ ابْتَغَىٰ وَرَاءَ ذَٰلِكَ فَأُولَٰئِكَ هُمُ الْعَادُونَ)، وَحَرَسَ اللهُ العِرْضَ، قَالَ تَعَالَى: (الزَّانِيَةُ وَالزَّانِي فَاجْلِدُوا كُلَّ وَاحِدٍ مِّنْهُمَا مِائَةَ جَلْدَةٍ ۖ وَلَا تَأْخُذْكُم بِهِمَا رَأْفَةٌ فِي دِينِ اللَّهِ)، وَشَرَعَ اللِّعَانَ، وَحَرَّمَ القَذْفَ.
وَلِحِمَايَةِ العِرْضِ قَالَ اللهُ تَعَالَى لِلنِّسَاءِ: (وَقَرْنَ فِي بُيُوتِكُنَّ وَلَا تَبَرَّجْنَ تَبَرُّجَ الْجَاهِلِيَّةِ الْأُولَىٰ)، وَنَهَى أَنْ يَدْخُلَ الرِّجَالُ الأَجَانِبُ عَلَى النِّسَاءِ، وَحَرَّمَ الخَلْوَةَ بِهِنَّ، وَالسَّفَرَ بِلَا مَحْرَمٍ، وَمَنَعَ مِنَ الاخْتِلَاطِ، وَأَمَرَهُنَّ بِالحِجَابِ، وَأَمَرَ بِغَضِّ البَصَرِ وَحِفْظِ الفَرْجِ، إِلَى غَيْرِ ذَلِكَ صِيَانَةً لِلْعِرْضِ، وَتَطْهِيرًا لِلنَّسْلِ.
الضَّرُورَةُ الرَّابِعَةُ: العَقْلُ.
قَالَ تَعَالَى: (أَفَلَا تَعْقِلُونَ)، وَقَدْ حَرَسَ اللهُ العَقْلَ، قَالَ تَعَالَى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ وَالْأَنصَابُ وَالْأَزْلَامُ رِجْسٌ مِّنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ فَاجْتَنِبُوهُ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ)، فَحَرَّمَ المُسْكِرَاتِ وَالمُخَدِّرَاتِ، وَجَلَدَ عَلَى شُرْبِ الخَمْرِ صِيَانَةً لِلْعَقْلِ.
وَلِحِمَايَةِ العَقْلِ أَمَرَ اللهُ بِالعِلْمِ وَالفِقْهِ، وَالبُعْدِ عَنِ اسْتِمَاعِ الشُّبُهَاتِ، وَحَثَّ عَلَى إِعْمَالِ العَقْلِ بِالنَّظَرِ وَالتَّأَمُّلِ وَالتَّدَبُّرِ وَالتَّذَكُّرِ وَالتَّفَكُّرِ، قَالَ تَعَالَى: (إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَاخْتِلَافِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ لَآيَاتٍ لِّأُولِي الْأَلْبَابِ ...) الآيَاتِ.
وَالقُرْآنُ مَلِيءٌ بِالآيَاتِ الحَاثَّةِ عَلَى التَّفَكُّرِ وَالاعْتِبَارِ، وَذَمِّ الَّذِينَ عَطَّلُوا عُقُولَهُمْ.
قَالَ تَعَالَى: (أَمْ تَحْسَبُ أَنَّ أَكْثَرَهُمْ يَسْمَعُونَ أَوْ يَعْقِلُونَ ۚ إِنْ هُمْ إِلَّا كَالْأَنْعَامِ ۖ بَلْ هُمْ أَضَلُّ سَبِيلًا)، وَقَالَ تَعَالَى: (وَقَالُوا لَوْ كُنَّا نَسْمَعُ أَوْ نَعْقِلُ مَا كُنَّا فِي أَصْحَابِ السَّعِيرِ).
الضَّرُورَةُ الخَامِسَةُ: المَالُ.
قَالَ تَعَالَى: (وَلَا تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُم بَيْنَكُم بِالْبَاطِلِ وَتُدْلُوا بِهَا إِلَى الْحُكَّامِ لِتَأْكُلُوا فَرِيقًا مِّنْ أَمْوَالِ النَّاسِ بِالْإِثْمِ وَأَنتُمْ تَعْلَمُونَ).
وَعَنْ أَبِي بَرْزَةَ الأَسْلَمِيِّ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «لَا تَزُولُ قَدَمَا عَبْدٍ يَوْمَ القِيَامَةِ حَتَّى يُسْأَلَ عَنْ عُمُرِهِ فِيمَا أَفْنَاهُ، وَعَنْ عِلْمِهِ فِيمَ فَعَلَ، وَعَنْ مَالِهِ مِنْ أَيْنَ اكْتَسَبَهُ وَفِيمَ أَنْفَقَهُ، وَعَنْ جِسْمِهِ فِيمَ أَبْلَاهُ». رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ، وَقَالَ: هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ.
وَحَرَسَ اللهُ المَالَ، قَالَ تَعَالَى: (وَالسَّارِقُ وَالسَّارِقَةُ فَاقْطَعُوا أَيْدِيَهُمَا)، وَحَرَّمَ المُعَامَلَاتِ الظَّالِمَةَ.
وَعَنْ أَبِي حُمَيْدٍ السَّاعِدِيِّ، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: (لَا يَحِلُّ لِمُسْلِمٍ أَنْ يَأْخُذَ مَالَ أَخِيهِ بِغَيْرِ حَقٍّ). قَالَ الهَيْثَمِيُّ: رَوَاهُ أَحْمَدُ، وَالْبَزَّارُ، وَرِجَالُ الْجَمِيعِ رِجَالُ الصَّحِيحِ.
وَلِحِمَايَةِ المَالِ قَالَ اللهُ تَعَالَى: (وَلَا تُؤْتُوا السُّفَهَاءَ أَمْوَالَكُمُ)، وَقَالَ تَعَالَى: (وَلَا تُبَذِّرْ تَبْذِيرًا)، وَقَالَ تَعَالَى: (وَالَّذِينَ إِذَا أَنفَقُوا لَمْ يُسْرِفُوا وَلَمْ يَقْتُرُوا وَكَانَ بَيْنَ ذَٰلِكَ قَوَامًا).
بَارَكَ اللهُ لِي وَلَكُمْ فِي القُرْآنِ العَظِيمِ، وَنَفَعَنِي وَإِيَّاكُمْ بِمَا فِيهِ مِنَ الآيَاتِ وَالذِّكْرِ الحَكِيمِ، أَقُولُ قَوْلِي هَذَا، وَأَسْتَغْفِرُ اللهَ لِي وَلَكُمْ.
الخُطْبَةُ الثَّانِيَةُ:
الحَمْدُ للهِ، وَالصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ عَلَى رَسُولِ اللهِ، وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَمَنْ وَالَاهُ وَاهْتَدَى بِهُدَاهُ، وَاقْتَدَى بِأَثَرِهِ إِلَى أَنْ يَلْقَاهُ، أَمَّا بَعْدُ: فَإِنَّ مَنْ يُطِعِ اللهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ رَشَدَ، وَمَنْ يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ غَوَى، وَلَا يَضُرُّ إِلَّا نَفْسَهُ، وَلَا يَضُرُّ اللهَ شَيْئًا.
مَعْشَرَ المُسْلِمِينَ، إِنَّ فِي حِفْظِ الضَّرُورَاتِ الخَمْسِ الكُلِّيَّةِ فَوَائِدَ وَآثَارًا إِيجَابِيَّةً تَعُودُ عَلَى الفَرْدِ وَالأُسْرَةِ وَالمُجْتَمَعِ، إِلَّا نُحَافِظْ عَلَيْهَا تَكُنْ فِتْنَةٌ فِي الأَرْضِ، وَفَسَادٌ عَرِيضٌ، وَذَلِكَ أَنَّ فِي حِفْظِ الدِّينِ تَخْلِيصَ العِبَادِ مِنْ عِبَادَةِ العِبَادِ إِلَى عِبَادَةِ رَبِّ العِبَادِ، وَأَنْ يَحْيَا الإِنْسَانُ الحَيَاةَ الطَّيِّبَةَ عَزِيزًا كَرِيمًا حُرًّا.
وَفِي حِفْظِ النَّفْسِ الطُّمَأْنِينَةُ الدَّاخِلِيَّةُ، وَالأَمْنُ الاجْتِمَاعِيُّ.
وَفِي حِفْظِ النَّسْلِ صِيَانَةُ الأُسْرَةِ، وَضَبْطُ الأَنْسَابِ، وَطَهَارَةُ الأَعْرَاضِ، وَدَرْءُ الفِتْنَةِ وَالفَسَادِ، وَيَعِيشُ الإِنْسَانُ الحَيَاةَ الإِنْسَانِيَّةَ لَا الحَيَاةَ الحَيَوَانِيَّةَ البَهِيمِيَّةَ.
وَفِي حِفْظِ العَقْلِ سَلَامَةُ الفِكْرِ، وَصِحَّةُ المُعْتَقَدِ، وَاسْتِقَامَةُ المَنْهَجِ، وَالتَّوْفِيقُ وَالسَّدَادُ فِي العَمَلِ.
وَفِي حِفْظِ المَالِ الاسْتِقْرَارُ النَّفْسِيُّ، وَالاكْتِفَاءُ المَعِيشِيُّ، وَالاسْتِغْنَاءُ عَنِ المَسْأَلَةِ.
وَمَنْ جَالَ بِنَظَرِهِ فِي دُوَلِ العَالَمِ الخَارِجِ عَنْ أَحْكَامِ الإِسْلَامِ يَجِدُ حَيَاةً نَاقِصَةً قَاصِرَةً مُضْطَرِبَةً مِنْ جِهَةِ الأَمْنِ النَّفْسِيِّ وَالاسْتِقْرَارِ الرُّوحِيِّ، وَالطُّمَأْنِينَةِ الوِجْدَانِيَّةِ وَالسَّعَادَةِ الحَقِيقِيَّةِ.
اللَّهُمَّ إِنَّا نَسْأَلُكَ الْجَنَّةَ، آمِينَ. اللَّهُمَّ إِنَّا نَسْأَلُكَ خَيْرَ مَا فُعِلَ، وَخَيْرَ مَا عُمِلَ، وَخَيْرَ مَا بَطَنَ، وَخَيْرَ مَا ظَهَرَ، وَالدَّرَجَاتِ الْعُلَا مِنَ الْجَنَّةِ، آمِينَ. اللَّهُمَّ إِنَّا نَسْأَلُكَ أَنْ تَرْفَعَ ذِكْرَنَا، وَتَضَعَ وِزْرَنَا، وَتُصْلِحَ أَمْرَنَا، وَتُطَهِّرَ قُلُوبَنَا، وَتَغْفِرَ ذُنُوبَنَا، وَتَحْفَظَ فُرُوجَنَا، وَتُنَوِّرَ قُلُوبَنَا، وَتَغْفِرَ ذُنُوبَنَا، وَنَسْأَلُكَ الدَّرَجَاتِ الْعُلَا مِنَ الْجَنَّةِ، آمِينَ. اللَّهُمَّ نَجِّنَا مِنَ النَّارِ.
اللَّهُمَّ رَبَّ النَّبِيِّ مُحَمَّدٍ، اغْفِرْ لَنَا ذُنُوبَنَا، وَأَذْهِبْ غَيْظَ قُلُوبِنَا، وَأَجِرْنَا مِنْ مُضِلَّاتِ الْفِتَنِ مَا أَحْيَيْتَنَا.
اللَّهُمَّ إِنَّا نَسْأَلُكَ الرِّضَا بِالْقَضَاءِ وَالْقَدَرِ، وَبَرْدَ الْعَيْشِ بَعْدَ الْمَوْتِ، وَلَذَّةَ النَّظَرِ إِلَى وَجْهِكَ، وَالشَّوْقَ إِلَى لِقَائِكَ، فِي غَيْرِ ضَرَّاءَ مُضِرَّةٍ، وَلَا فِتْنَةٍ مُضِلَّةٍ.
عِبَادَ اللهِ، يَقُولُ اللهُ تَعَالَى: (إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالْإِحْسَانِ وَإِيتَاءِ ذِي الْقُرْبَىٰ وَيَنْهَىٰ عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنكَرِ وَالْبَغْيِ ۚ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ (90) وَأَوْفُوا بِعَهْدِ اللَّهِ إِذَا عَاهَدتُّمْ وَلَا تَنقُضُوا الْأَيْمَانَ بَعْدَ تَوْكِيدِهَا وَقَدْ جَعَلْتُمُ اللَّهَ عَلَيْكُمْ كَفِيلًا ۚ إِنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ مَا تَفْعَلُونَ).
وَآخِرُ دَعْوَانَا أَنِ الحَمْدُ للهِ رَبِّ العَالَمِينَ.