الخُطْبَةُ الأُولَى:
إِنَّ الْحَمْدَ لِلَّهِ نَحْمَدُهُ وَنَسْتَعِينُهُ وَنَسْتَغْفِرُهُ، وَنَعُوذُ بِاَللَّهِ مِنْ شُرُورِ أَنْفُسِنَا وَمِنْ سَيِّئَاتِ أَعْمَالِنَا، مَنْ يَهْدِهِ اللَّهُ فَلَا مُضِلَّ لَهُ، وَمَنْ يُضْلِلْ فَلَا هَادِيَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ.
(يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ)، (يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا)، (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا، يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا).
أَمَّا بَعْدُ: "فَإِنَّ أَصْدَقَ الْحَدِيثِ كِتَابُ اللَّهِ، وَأَحْسَنَ الْهَدْيِ هَدْيُ مُحَمَّدٍ – صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، وَشَرَّ الْأُمُورِ مُحْدَثَاتُهَا، وَكُلَّ مُحْدَثَةٍ بِدْعَةٌ، وَكُلَّ بِدْعَةٍ ضَلَالَةٌ، وَكُلَّ ضَلَالَةٍ فِي النَّارِ".
عِبَادَ اللَّهِ: لَوْ فَتَحْنَا نَافِذَةً تُطِلُّ بِنَا عَلَى الْجَاهِلِيَّةِ قَبْلَ الْإِسْلَامِ، وَنَظَرْنَا إِلَى الْوَضْعِ الِاجْتِمَاعِيِّ، لَوَجَدْنَا فُرْقَةً وَنِزَاعًا وَقِتَالًا بَيْنَهُمْ عَلَى قَدَمٍ وَسَاقٍ، مِثْلَ حَرْبِ دَاحِسَ وَالْغَبْرَاءِ، الَّتِي اسْتَمَرَّتْ عُقُودًا مِنْ الزَّمَنِ، وَحَرْبِ الْبَسُوسِ، وَحَرْبِ الْفِجَارِ، وَحَرْبِ بُعَاثَ، وَغَيْرِهَا مِنْ أَشْكَالِ الْإِحَنِ وَالْعَدَاوَاتِ وَالتَّنَاحُرِ، كَمَا قَالَ جَعْفَرُ بْنُ أَبِي طَالِبٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، لِلنَّجَاشِيِّ: أَيُّهَا الْمَلِكُ، كُنَّا قَوْمًا أَهْلَ جَاهِلِيَّةٍ، يَأْكُلُ الْقَوِيُّ مِنَّا الضَّعِيفَ، فَكُنَّا عَلَى ذَلِكَ حَتَّى بَعَثَ اللَّهُ إِلَيْنَا رَسُولًاً مِنَّا .. يَعْنِي مُحَمَّدًا - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -.
وَفِي حَدِيثِ عَبْدِ اللهِ بْنِ زَيْدٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ، أَنَّ رَسُولَ اللهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: (يَا مَعْشَرَ الْأَنْصَارِ، أَلَمْ أَجِدْكُمْ ضُلَّالًا، فَهَدَاكُمُ اللهُ بِي؟ وَعَالَةً، فَأَغْنَاكُمُ اللهُ بِي؟ وَمُتَفَرِّقِينَ، فَجَمَعَكُمُ اللهُ بِي؟» وَفِي رِوَايَةٍ: "فَأَلَّفَكُمُ اللَّهُ بِي؟" وَيَقُولُونَ: اللهُ وَرَسُولُهُ أَمَنُّ). مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ.
فَمِنْ نِعَمِ اللهِ العَظِيمَةِ وَآلَائِهِ الجَزِيلَةِ: نِعْمَةُ الأُخُوَّةِ الإِسْلَامِيَّةِ، وَالوَحْدَةِ الاجْتِمَاعِيَّةِ، قَالَ تَعَالَى: (وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعًا وَلَا تَفَرَّقُوا ۚ وَاذْكُرُوا نِعْمَتَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ كُنتُمْ أَعْدَاءً فَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِكُمْ فَأَصْبَحْتُم بِنِعْمَتِهِ إِخْوَانًا)، وَقَالَ تَعَالَى: (هُوَ الَّذِي أَيَّدَكَ بِنَصْرِهِ وَبِالْمُؤْمِنِينَ (62) وَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِهِمْ ۚ لَوْ أَنفَقْتَ مَا فِي الْأَرْضِ جَمِيعًا مَّا أَلَّفْتَ بَيْنَ قُلُوبِهِمْ وَلَٰكِنَّ اللَّهَ أَلَّفَ بَيْنَهُمْ).
فَالْإِسْلَامُ أَلَّفَ بَيْنَ الْقُلُوبِ، لَا أَنَّهُ فَقَطْ أَنْهَى الْعَصَبِيَّةَ وَالْحُرُوبَ.
فَأَصْبَحَ النَّاسُ بِرَابِطَةِ الْإِسْلَامِ عَلَى اخْتِلَافِ أَلْسِنَتِهِمْ وَأَلْوَانِهِمْ وَأَوْطَانِهِمْ مُؤْتَلِفِينَ لَا مُخْتَلِفِينَ، مُجْتَمِعِينَ لَا مُفْتَرِقِينَ، جَسَدًا وَاحِدًا، وَبُنْيَانًا مَرْصُوصًا، فَعَنْ أَبِي مُوسَى رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: "الْمُؤْمِنُ لِلْمُؤْمِنِ كَالْبُنْيَانِ يَشُدُّ بَعْضُهُ بَعْضًا"، وَشَبَّكَ بَيْنَ أَصَابِعِهِ. مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ.
وَعَنِ النُّعْمَانِ بْنِ بَشِيرٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: "مَثَلُ الْمُؤْمِنِينَ فِي تَوَادِّهِمْ وَتَرَاحُمِهِمْ وَتَعَاطُفِهِمْ، مَثَلُ الْجَسَدِ إِذَا اشْتَكَى مِنْهُ عُضْوٌ تَدَاعَى لَهُ سَائِرُ الْجَسَدِ بِالسَّهَرِ وَالْحُمَّى". مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ.
إذَا اشْتَكَى مُسْلِمٌ فِيْ الصِّيْنِ أرَّقَنِيْ *** وإنْ بَكَى مُسْلِمٌ فِيْ الْهِنْدِ أبْكَانِي
وَقَدْ آخَى النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بَيْنَ الْمُهَاجِرِينَ، قَبْلَ الْهِجْرَةِ، ثُمَّ آخَى بَيْنَ الْمُهَاجِرِينَ وَالْأَنْصَارِ بِالْمَدِينَةِ، فَكَانَ فِي تِلْكَ الْمُؤَاخَاةِ مِنْ مَعَانِي الْأُخُوَّةِ، كَالنُّصْرَةِ وَالْمُوَاسَاةِ وَالْإِيثَارِ مَا يُضْرَبُ بِهِ الْمِثْلُ، فَعَنْ أَنَسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، قَالَ: "قَدِمَ عَلَيْنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ عَوْفٍ، وَآخَى رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بَيْنَهُ وَبَيْنَ سَعْدِ بْنِ الرَّبِيعِ، وَكَانَ كَثِيرَ المَالِ، فَقَالَ سَعْدٌ: قَدْ عَلِمَتِ الأَنْصَارُ أَنِّي مِنْ أَكْثَرِهَا مَالًا، سَأَقْسِمُ مَالِي بَيْنِي وَبَيْنَكَ شَطْرَيْنِ، وَلِي امْرَأَتَانِ فَانْظُرْ أَعْجَبَهُمَا إِلَيْكَ فَأُطَلِّقُهَا، حَتَّى إِذَا حَلَّتْ تَزَوَّجْتَهَا، فَقَالَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ: بَارَكَ اللَّهُ لَكَ فِي أَهْلِكَ، فَلَمْ يَرْجِعْ يَوْمَئِذٍ حَتَّى أَفْضَلَ شَيْئًا مِنْ سَمْنٍ وَأَقِطٍ، فَلَمْ يَلْبَثْ إِلَّا يَسِيرًا حَتَّى جَاءَ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَعَلَيْهِ وَضَرٌ مِنْ صُفْرَةٍ، فَقَالَ لَهُ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: (مَهْيَمْ)، قَالَ: تَزَوَّجْتُ امْرَأَةً مِنَ الأَنْصَارِ، فَقَالَ: (مَا سُقْتَ إِلَيْهَا؟). قَالَ: وَزْنَ نَوَاةٍ مِنْ ذَهَبٍ، أَوْ نَوَاةً مِنْ ذَهَبٍ، فَقَالَ: (أَوْلِمْ وَلَوْ بِشَاةٍ)". رَوَاهُ البُخَارِيُّ.
وَالْأُخُوَّةُ الْإِسْلَامِيَّةُ لَهَا حَرَمٌ وَحِمًى، وَلَهَا حُقُوقٌ عَامَّةٌ وَخَاصَّةٌ، وَفِيهَا مِنْ التَّكَافُلِ الِاجْتِمَاعِيِّ الشَّيْءُ الْكَثِيرُ، فَعَنْ أَبِي بَكْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: (إِنَّ دِمَاءَكُمْ، وَأَمْوَالَكُمْ، وَأَعْرَاضَكُمْ، وَأَبْشَارَكُمْ، عَلَيْكُمْ حَرَامٌ). مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ.
وَعَنِ ابْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: "المُسْلِمُ أَخُو المُسْلِمِ، لَا يظْلِمُهُ، وَلَا يُسْلِمهُ، منْ كَانَ فِي حَاجَةِ أَخِيهِ كَانَ اللَّهُ فِي حَاجَتِهِ، وَمَنْ فَرَّجَ عَنْ مُسْلِمٍ كُرْبةً فَرَّجَ اللَّهُ عنْهُ بِهَا كُرْبَةً مِنْ كُرَبِ يوْمِ الْقِيامَةِ، وَمَنْ سَتَرَ مُسْلِمًا سَتَرهُ اللَّهُ يَوْم الْقِيَامَةِ". مُتَّفَقٌ عَلَيهِ.
وَعَنْ أَنَسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: "لَا تَقَاطَعُوا، وَلَا تَدَابَرُوا، وَلَا تَبَاغَضُوا، وَلَا تَحَاسَدُوا، وَكُونُوا عِبَادَ اللَّهِ إِخْوَانًا، وَلَا يَحِلُّ لِمُسْلِمٍ أَنْ يَهْجُرَ أَخَاهُ فَوقَ ثَلَاثٍ". مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ.
وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، عَنِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: (مَنْ نَفَّسَ عَنْ مُؤْمِنٍ كُرْبَةً مِنْ كُرَبِ الدُّنْيَا، نَفَّسَ اللَّهُ عَنْهُ كُرْبَةً مِنْ كُرَبِ يَوْمِ الْقِيَامَةِ، وَمَنْ يَسَّرَ عَلَى مُعْسِرٍ يَسَّرَ اللَّهُ عَلَيْهِ فِي الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ، وَمَنْ سَتَرَ مُسْلِمًا سَتَرَهُ اللَّهُ فِي الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ، وَاللَّهُ فِي عَوْنِ العَبْدِ مَا كَانَ العَبْدُ فِي عَوْنِ أَخِيهِ). رَوَاهُ مُسْلِمٌ.
وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: "المُسْلِمُ أَخُو الْمُسْلِم، لَا يَخُونُهُ وَلَا يَكْذِبُهُ وَلَا يَخْذُلُهُ، كُلُّ الْمُسْلِمِ عَلَى الْمُسْلِمِ حَرَامٌ: عِرْضُهُ، وَمَالُهُ، وَدَمُهُ، التَّقْوَى هَاهُنَا، بِحَسْبِ امْرِئٍ مِنَ الشَّرِّ أَنْ يَحْقِرَ أَخَاهُ المُسْلِمَ". رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ، وَقالَ: حَدِيثٌ حَسَنٌ.
وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: "لَا تَحَاسَدُوا، وَلَا تَنَاجَشُوا، وَلَا تَبَاغَضُوا، وَلَا تَدَابَرُوا، وَلَا يَبِعْ بَعْضُكُمْ عَلَى بَيْعِ بَعْضٍ، وَكُونُوا عِبَادَ اللَّهِ إِخْوَانًا، المُسْلِمُ أَخُو الْمُسْلِمِ، لَا يَظلِمُهُ، وَلَا يَحْقِرُهُ، وَلاَ يَخْذُلُهُ، التَّقْوَى هَاهُنَا، وَيُشِيرُ إِلَى صَدْرِهِ ثَلَاثَ مَرَّاتٍ، بِحَسْبِ امْرِئٍ مِنَ الشَّرِّ أَنْ يَحْقِرَ أَخَاهُ المُسْلِمَ، كُلُّ الْمُسْلِمِ عَلَى الْمُسْلِمِ حرامٌ: دَمُهُ، وَمَالُهُ، وَعِرْضُهُ". رَوَاهُ مُسْلِمٌ وَالبُخَارِيُّ مُخْتَصَرًا.
وَخَرَّجَ مُسْلِمٌ مِنْ حَدِيثِ عُقْبَةَ بْنِ عَامِرٍ، عَنِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، قَالَ: «الْمُؤْمِنُ أَخُو الْمُؤْمِنِ، فَلَا يَحِلُّ لِلْمُؤْمِنِ أَنْ يَبْتَاعَ عَلَى بَيْعِ أَخِيهِ، وَلَا يَخْطُبَ عَلَى خِطْبَةِ أَخِيهِ، حَتَّى يَذَرَ».
وَمِمَّا جَاءَ فِي حُقُوقِ المُسْلِمِينَ بَعْضِهِمْ عَلَى بَعْضٍ، حَدِيثُ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، أَنَّ رَسُولَ اللهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: "حَقُّ الْمُسْلِمِ عَلَى الْمُسْلِمِ خَمْسٌ: رَدُّ السَّلَامِ، وَعِيَادَةُ الْمَرِيضِ، وَاتِّبَاعُ الْجَنَائِزِ، وَإِجَابَةُ الدَّعْوَةِ، وَتَشْمِيتُ العْاطِسِ". مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ.
وَفِي رِوَايَةٍ لِمُسْلمٍ: "حَقُّ الْمُسْلِمِ سِتٌّ: إِذَا لَقِيتَهُ فَسَلِّمْ عَلَيْهِ، وَإِذَا دَعَاكَ فَأَجِبْهُ، وَإِذَا اسْتَنْصَحَكَ فَانْصَحْ لَهُ، وَإِذَا عَطَسَ فَحَمِدَ اللَّهَ فَشَمِّتْهُ، وَإِذَا مَرِضَ فَعُدْهُ، وَإِذَا مَاتَ فَاتْبَعْهُ".
وَعَنِ الْبَرَاءِ بْنِ عَازِبٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا، قَالَ: أَمَرَنَا رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِسبْعٍ: (أَمَرَنَا بِعِيَادَةِ الْمَرِيضِ، وَاتِّبَاعِ الْجَنَازَةِ، وَتَشْمِيتِ الْعَاطِسِ، وَإِبْرَارِ الْمُقْسِمِ، وَنَصْرِ المَظْلُومِ، وَإِجَابَةِ الدَّاعِي، وَإِفْشَاءِ السَّلَامِ) مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ.
وَمِنْ وَاجِبِ الأُخُوَّةِ الإِسْلَامِيَّةِ، مَا جَاءَ عَنْ أَنَسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، عَنِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: "لَا يُؤْمِنُ أَحدُكُمْ حتَّى يُحِبَّ لِأَخِيهِ مَا يُحِبُّ لِنَفْسِهِ". مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ. وَخَرَّجَهُ الْإِمَامُ أَحْمَدُ، وَلَفْظُهُ: "لَا يَبْلُغُ عَبْدٌ حَقِيقَةَ الْإِيمَانِ، حَتَّى يُحِبَّ لِلنَّاسِ مَا يُحِبُّ لِنَفْسِهِ مِنَ الْخَيْرِ".
وَفِي حَدِيثِ مُعَاذِ بْنِ أَنَسٍ: «وَأَنْ تُحِبَّ لِلنَّاسِ مَا تُحِبُّ لِنَفْسِكَ، وَتَكْرَهَ لَهُمْ مَا تَكْرَهُ لِنَفْسِكَ». رَوَاهُ أَحْمَدُ، وَضَعَّفَهُ الهَيْثَمِيُّ، وَصَحَّحَهُ لِغَيْرِهِ آخَرُونَ.
وَعَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَقُولُ: «لَيْسَ الْمُؤْمِنُ الَّذِي يَبِيتُ وَجَارُهُ إِلَى جَنْبِهِ جَائِعٌ». رَوَاهُ الْحَاكِمُ وَصَحَّحَهُ هُوَ وَالذَّهَبِيُّ.
وَحُقُوقُ الْمُسْلِمِ، وَمَا يَنْبَغِي لَهُ عَلَى أَخِيهِ الْمُسْلِمِ، مِنْ وَاجِبَاتٍ وَمُسْتَحَبَّاتٍ، كَثِيرَةٍ.
بَارَكَ اللَّهُ لِي وَلَكُمْ فِي الْقُرْآنِ الْعَظِيمِ، وَنَفَعَنِي وَإِيَّاكُمْ بِهَدْيِ سَيِّدِ الْمُرْسَلِينَ، أَقُولُ قَوْلِي هَذَا، وَأَسْتَغْفِرِ اللَّهَ لِي وَلَكُمْ.
الْخُطْبَةُ الثَّانِيَةُ:
الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي "لَهُ الْحَمْدُ فِي الْأُولَىٰ وَالْآخِرَةِ ۖ وَلَهُ الْحُكْمُ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ"، وَأَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ، صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ تَسْلِيمًا كَثِيرًا، أَمَّا بَعْدُ: فَقَدْ شَرَعَ اللَّهُ لِلْمُؤْمِنِينَ مَا يُوجِبُ بَيْنَهُمُ الْمَحَبَّةَ وَالْمَوَدَّةَ وَالْوِئَامَ، كَإِفْشَاءِ السَّلَامِ، وَطِيبِ الْكَلَامِ، وَالْمُصَافَحَةِ، وَطَلَاقَةِ الْوَجْهِ، وَتَبَادُلِ الْهَدَايَا، وَالتَّعَاوُنِ عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى، وَكَفِّ الْأَذَى، وَنَحْوِ ذَلِكَ مِمَّا يُسْهِمُ فِي سَلَامَةِ الصُّدُورِ، وَصَفَاءِ النُّفُوسِ.
وَحَرَّمَ عَلَيْهِمْ مَا يُوقِعُ بَيْنَهُمُ الْعَدَاوَةَ وَالْبَغْضَاءَ، وَالْقَطِيعَةَ وَالْهَجْرَ، فَحَرَّمَ الْحِقْدَ، وَالْحَسَدَ وَالْكِبْرَ، وَسُوءَ الظَّنِّ، وَحَرَّمَ الْخَمْرَ وَالْمَيْسِرَ، وَالْغِيْبَةَ وَالنَّمِيمَةَ، وَالْبَغْيَ وَالْعُدْوَانَ، وَغَيْرَهَا مِنْ أَعْمَالِ الْقُلُوبِ وَالْجَوَارِحِ، الَّتِي تُورِثُ الضَّغَائِنَ، وَتَبْعَثُ عَلَى الْعَدَاوَاتِ.
وَرَغَّبَ اللَّهُ فِي الْإِصْلَاحِ بَيْنَ المُسْلِمِينَ، فَقَالَ تَعَالَى: (لَا خَيْرَ فِي كَثِيرٍ مِنْ نَجْوَاهُمْ إِلَّا مَنْ أَمَرَ بِصَدَقَةٍ أَوْ مَعْرُوفٍ أَوْ إِصْلَاحٍ بَيْنَ النَّاسِ)، وَقَالَ تَعَالَى: (وَإِنْ طَائِفَتَانِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ اقْتَتَلُوا فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا)، وَقَالَ تَعَالَى: (فَاتَّقُوا اللَّهَ وَأَصْلِحُوا ذَاتَ بَيْنِكُمْ).
وَخَرَّجَ أَحْمَدُ، وَأَبُو دَاوُدَ، وَالتِّرْمِذِيُّ وَصَحَّحَهُ، وَابْنُ حِبَّانَ فِي صَحِيحِهِ، مِنْ حَدِيثِ أَبِي الدَّرْدَاءِ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ، عَنِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، قَالَ: «أَلَا أُخْبِرُكُمْ بِأَفْضَلَ مِنْ دَرَجَةِ الصَّلَاةِ وَالصِّيَامِ وَالصَّدَقَةِ؟ قَالُوا: بَلَى يَا رَسُولَ اللَّهِ، قَالَ: إِصْلَاحُ ذَاتِ الْبَيْنِ؛ فَإِنَّ فَسَادَ ذَاتِ الْبَيْنِ هِيَ الْحَالِقَةُ». وَرُوِيَ مَوْقُوفًا.
أَيُّهَا الْمُسْلِمُونَ: مَنْ كَانَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ أَخِيهِ الْمُسْلِمِ سُوءُ تَفَاهُمٍ، وَفَجْوَةُ خِلَافٍ، فَمَا عَلَيْهِ إِلَّا أَنْ يَدْحَرَ الشَّيْطَانَ، وَيُرْضِيَ الرَّحْمَنَ، فَيُبَادِرَ بِالسَّلَامِ عَلَيْهِ، وَالتَّصَافِي مَعَهُ، لِلْأَحَادِيثِ الْوَارِدَةِ فِي ذَلِكَ تَرْغِيبًا وَتَرْهِيبًا، فَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، قَالَ: قَالَ رسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: "تُعْرَضُ الأَعْمالُ فِي كُلِّ اثْنَيْنِ وخَمِيسٍ، فَيَغْفِرُ اللَّهُ لِكُلِّ امْرِئٍ لَا يُشْرِكُ بِاللَّهِ شَيْئًا، إِلَّا امْرَءًا كَانَتْ بَيْنَهُ وَبَيْنَ أَخِيهِ شَحْنَاءُ، فَيَقُولُ: اتْرُكُوا هَذَينِ حَتَّى يَصْطَلِحَا". رَوَاهُ مُسْلِمٌ.
وَعَنْ أَبِي أَيُّوبَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ، عَنِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، قَالَ: «لَا يَحِلُّ لِمُسْلِمٍ أَنْ يَهْجُرَ أَخَاهُ فَوْقَ ثَلَاثٍ، يَلْتَقِيَانِ، فَيَصُدُّ هَذَا، وَيَصُدُّ هَذَا، وَخَيْرُهُمَا الَّذِي يَبْدَأُ بِالسَّلَامِ». مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ.
وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: "لَا يَحِلُّ لِمُسْلِمٍ أَنْ يَهْجُرَ أَخَاهُ فَوْقَ ثَلَاثٍ، فَمَنْ هَجَرَ فَوْقَ ثَلَاثٍ فَمَاتَ دَخَلَ النَّارَ". قَالَ النَّوَوِيُّ: رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ بِإِسْنَادٍ عَلَى شَرْطِ البُخَارِيِّ وَمُسْلِمٍ.
وَعَنْ أَبِي خِرَاشٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، أَنَّهُ سَمِعَ النَّبِيَّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يقُولُ: "مَنْ هَجَرَ أَخَاهُ سَنَةً فَهُوَ كَسَفْكِ دَمِهِ". قَالَ النَّوَوِيُّ: رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ بِإِسْنَادٍ صَحِيحٍ.
وَعَنْ أَبِي هُرَيْرةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: "لَا يَحِلُّ لِمُؤْمِنٍ أَنْ يَهْجُرَ مُؤْمِنًا فَوْقَ ثَلَاثٍ، فَإِنْ مَرَّتْ بِهِ ثَلَاثٌ، فَلْيَلْقَهُ، وَلْيُسَلِّمْ عَلَيْهِ، فَإِنْ رَدَّ عَلَيْهِ السَّلَامَ، فَقَدِ اشْتَرَكَا فِي الأَجْرِ، وَإِنْ لَمْ يَرُدَّ عَلَيْهِ، فَقَدْ بَاءَ بِالإِثْمِ، وَخَرَجَ المُسْلِمُ مِنَ الهِجْرةِ". قَالَ النَّوَوِيُّ: رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ بِإِسْنَادٍ حَسَنٍ.
إِخْوَةَ الْإِيمَانِ: إِنَّ أُخُوَّةَ الْإِسْلَامِ وَالنَّسَبِ أَقْوَى مِنْ أُخُوَّةِ الْإِسْلَامِ وَحْدَهَا، وَإِنَّ أُخُوَّةَ الْإِسْلَامِ أَقْوَى مِنْ أُخُوَّةِ النَّسَبِ، قَالَ تَعَالَى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَتَّخِذُوا آبَاءَكُمْ وَإِخْوَانَكُمْ أَوْلِيَاءَ إِنِ اسْتَحَبُّوا الْكُفْرَ عَلَى الْإِيمَانِ وَمَنْ يَتَوَلَّهُمْ مِنْكُمْ فَأُولَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ)، وَقَالَ تَعَالَى: (لَّا تَجِدُ قَوْمًا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ يُوَادُّونَ مَنْ حَادَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَلَوْ كَانُوا آبَاءَهُمْ أَوْ أَبْنَاءَهُمْ أَوْ إِخْوَانَهُمْ أَوْ عَشِيرَتَهُمْ).
إِخْوَةُ الْإِسْلَامِ: لَقَدْ تَعَبَّدَنَا اللَّهُ بِالتَّرَضِّي عَنْ الصَّحَابَةِ وَالتَّابِعِينَ، وَالدُّعَاءِ لِإِخْوَانِنَا الْمُسْلِمِينَ، فَقَالَ تَعَالَى: (وَالَّذِينَ جَاءُوا مِن بَعْدِهِمْ يَقُولُونَ رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا وَلِإِخْوَانِنَا الَّذِينَ سَبَقُونَا بِالْإِيمَانِ وَلَا تَجْعَلْ فِي قُلُوبِنَا غِلًّا لِّلَّذِينَ آمَنُوا رَبَّنَا إِنَّكَ رَءُوفٌ رَّحِيمٌ).
وَرُوِيَ عَنْ عُبَادَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: (مَنِ اسْتَغْفَرَ لِلْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ، كَتَبَ اللَّهُ لَهُ بِكُلِّ مُؤْمِنٍ وَمُؤْمِنَةٍ حَسَنَةً). رَوَاهُ الطَّبَرَانِيُّ بِإِسْنَادٍ فِيهِ مَقَالٌ، وَقَالَ الْهَيْثَمِيُّ: إِسْنَادٌ جَيِّدٌ.
فَرَضِيَ اللَّهُ عَنِ الْخُلَفَاءِ الْأَرْبَعَةِ، وَعَنِ السِّتَّةِ بَقِيَّةِ الْعَشَرَةِ، وَعَنْ أَهْلِ بَدْرٍ، وَأَهْلِ أُحُدٍ، وَأَهْلِ بَيْعَةِ الرِّضْوَانِ أَصْحَابِ الشَّجَرَةِ، وَعَنِ السَّابِقِينَ الْأَوَّلِينَ مِنْ الْمُهَاجِرِينَ وَالْأَنْصَارِ أَجْمَعِينَ، وَعَنْ أُمَّهَاتِ الْمُؤْمِنِينَ، وَعَنْ جَمِيعِ الصَّحَابَةِ وَالتَّابِعِينَ، وَمَنْ تَبِعَهُمْ بِإِحْسَانٍ إِلَى يَوْمِ الدِّينِ، وَعَنَّا مَعَهُمْ بِفَضْلِكَ وَكَرَمِكَ وَجُودِكَ يَا أَرْحَمَ الرَّاحِمِينَ!
اللَّهُمَّ اغْفِرْ لِلْمُسْلِمِينَ وَالْمُسْلِمَاتِ، وَالْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ، الْأَحْيَاءِ مِنْهُمْ وَالْأَمْوَاتِ، (رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا ذُنُوبَنَا وَإِسْرَافَنَا فِي أَمْرِنَا وَثَبِّتْ أَقْدَامَنَا وَانصُرْنَا عَلَى الْقَوْمِ الْكَافِرِينَ)، رَبَّنَا اجْعَلْنَا مِنْ أَوْلِيَائِكَ الْمُتَّقِينَ الْمَذْكُورِينَ فِي قَوْلِكَ: (إِنَّ الْمُتَّقِينَ فِي جَنَّاتٍ وَعُيُونٍ (45) ادْخُلُوهَا بِسَلَامٍ آمِنِينَ (46) وَنَزَعْنَا مَا فِي صُدُورِهِم مِّنْ غِلٍّ إِخْوَانًا عَلَىٰ سُرُرٍ مُّتَقَابِلِينَ (47) لَا يَمَسُّهُمْ فِيهَا نَصَبٌ وَمَا هُم مِّنْهَا بِمُخْرَجِينَ)، (رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الْآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ)، وَصَلَّى اللهُ وَسَلَّمَ عَلَى نَبِيِّنَا مُحَمَّدٍ.