الموضوع: النِّعْمَةُ تُذْكَرُ فَتُشْكَرُ.
الخُطْبَةُ الأُولَى:
الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي يُطْعِمُ وَلَا يُطْعَمُ، مَنَّ عَلَيْنَا فَهَدَانَا، وَأَطْعَمَنَا وَسَقَانَا، وَكُلَّ بَلَاءٍ حَسَنٍ أَبْلَانَا، الْحَمْدُ لِلَّهِ غَيْرَ مُوَدَّعٍ وَلَا مُكَافَئٍ وَلَا مَكْفُورٍ وَلَا مُسْتَغْنًى عَنْهُ، الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي أَطْعَمَ مِنَ الطَّعَامِ، وَسَقَى مِنَ الشَّرَابِ، وَكَسَا مِنَ الْعُرْيِ، وَهَدَى مِنَ الضَّلَالَةِ، وَبَصَّرَ مِنَ الْعَمَى، وَفَضَّلَ عَلَى كَثِيرٍ مِنْ خَلْقِهِ تَفْضِيلًا، الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ، وَأَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ.
(يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ)، (يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا)، (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا * يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا).
أَمَّا بَعْدُ: "فإِنَّ أَصْدَقَ الْحَدِيثِ كِتَابُ اللَّهِ، وَأَحْسَنَ الْهَدْيِ هَدْيُ مُحَمَّدٍ – صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، وَشَرَّ الْأُمُورِ مُحْدَثَاتُهَا، وَكُلَّ مُحْدَثَةٍ بِدْعَةٌ، وَكُلَّ بِدْعَةٍ ضَلَالَةٌ، وَكُلَّ ضَلَالَةٍ فِي النَّارِ".
إِخْوَةَ الإِسْلَامِ، لَقَدْ أَنْعَمَ اللهُ عَلَيْنَا بِنِعَمٍ لَا عَدَّ لَهَا وَلَا حَصْرَ، قَالَ تَعَالَى: (وَإِن تَعُدُّوا نِعْمَةَ اللَّهِ لَا تُحْصُوهَا)، وَقَالَ تَعَالَى: (وَأَسْبَغَ عَلَيْكُمْ نِعَمَهُ ظَاهِرَةً وَبَاطِنَةً).
وَنِعَمُ اللهِ تُذْكَرُ فَتُشْكَرُ، وَتُرْوَى وَلَا تُطْوَى، قَالَ تَعَالَى: (وَأَمَّا بِنِعْمَةِ رَبِّكَ فَحَدِّثْ)، وَقَالَ تَعَالَى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اذْكُرُوا نِعْمَتَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ)، وَقَالَ تَعَالَى: (يَا أَيُّهَا النَّاسُ اذْكُرُوا نِعْمَتَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ)، وَقَالَ تَعَالَى: (يَا بَنِي إِسْرَائِيلَ اذْكُرُوا نِعْمَتِيَ الَّتِي أَنْعَمْتُ عَلَيْكُمْ)، وَقَالَ تَعَالَى: (وَإِذْ قَالَ مُوسَىٰ لِقَوْمِهِ اذْكُرُوا نِعْمَةَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ).
وَأَعْظَمُ النِّعَمِ نِعْمَةُ الإِسْلَامِ وَالتَّمَسُّكِ بِسُنَّةِ مُحَمَّدٍ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ، قَالَ تَعَالَى: (الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلَامَ دِينًا).
فَالحَمْدُ للهِ الَّذِي جَعَلَنَا عَلَى الإِسْلَامِ الَّذِي رَضِيَهُ لَنَا دِينًا، وَلَمْ يَجْعَلْنَا عَلَى مِلَّةٍ أَوْ نِحْلَةٍ عَنْهَا قَدْ نُهِينَا.
فَطَرَنَا عَلَى الإِسْلَامِ القَوِيمِ، وَهَدَانَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ، صِرَاطَ الَّذِينَ أَنْعَمَ عَلَيْهِمْ غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَلَا الضَّالِّينَ.
وَاللهِ لَوْلَا اللهُ مَا اهْتَدَيْنَا ... وَلَا تَصَدَّقْنَا وَلَا صَلَّيْنَا
فَأَيُّ نِعْمَةٍ تُوَازِي هَذِهِ النِّعْمَةَ؟ وَأَيُّ مِنَّةٍ أَعْظَمُ مِنْ هَذِهِ المِنَّةِ؟!
فَاللَّهُمَّ لَكَ الحَمْدُ عَلَى كُلِّ نِعْمَةٍ أَنْعَمْتَ بِهَا عَلَيْنَا فِي قَدِيمٍ أَوْ حَدِيثٍ، أَوْ خَاصَّةٍ أَوْ عَامَّةٍ، أَوْ سِرٍّ أَوْ عَلَانِيَةٍ، اللَّهُمَّ لَكَ الحَمْدُ حَتَّى تَرْضَى، وَلَكَ الحَمْدُ إِذَا رَضِيتَ، وَلَكَ الحَمْدُ بَعْدَ الرِّضَا، لَكَ الحَمْدُ أَنْتَ قَيُّومُ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَمَنْ فِيهِنَّ.
إِنَّ المُتَأَمِّلَ المُتَدَبِّرَ لِقَوْلِهِ تَعَالَى: (عَامِلَةٌ نَّاصِبَةٌ (3) تَصْلَىٰ نَارًا حَامِيَةً)، يَعْرِفُ قَدْرَ نِعْمَةِ الإِسْلَامِ وَالسُّنَّةِ، فَكَمْ عَامِلَةٍ فِي الدُّنْيَا عَمَلًا كَثِيرًا ، تَعِبَتْ فِيهِ، وَتَصْلَى يَوْمَ القِيَامَةِ نَارًا حَارَّةً لِشِرْكِهَا وَكُفْرِهَا وَنِفَاقِهَا وَابْتِدَاعِهَا.
قَالَ تَعَالَى: (وَقَدِمْنَا إِلَىٰ مَا عَمِلُوا مِنْ عَمَلٍ فَجَعَلْنَاهُ هَبَاءً مَّنثُورًا).
وَأَخْرَجَ البَرْقَانِيُّ أَنَّ عُمَرَ بْنَ الخَطَّابِ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ، مَرَّ بِدَيرِ رَاهِبٍ، قَالَ: فَنَادَاهُ: يَا رَاهِبُ، يَا رَاهِبُ، فَأَشْرَفَ. قَالَ: فَجَعَلَ عُمَرُ يَنْظُرُ إِلَيْهِ وَيَبْكِي. فَقِيلَ لَهُ: يَا أَمِيرَ المُؤْمِنِينَ، مَا يُبْكِيكَ مِنْ هَذَا؟ قَالَ: ذَكَرْتُ قَوْلَ اللهِ - عَزَّ وَجَلَّ - فِي كِتَابِهِ: (عَامِلَةٌ نَّاصِبَةٌ (3) تَصْلَىٰ نَارًا حَامِيَةً)؛ فَذَاكَ الَّذِي أَبْكَانِي.
وَقَالَ البُخَارِيُّ: قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: (عَامِلَةٌ نَّاصِبَةٌ): النَّصَارَى.
فَالحَمْدُ للهِ الَّذِي عَافَانَا مِمَّا ابْتَلَى الضَّالِّينَ بِهِ، وَفَضَّلَنَا عَلَى كَثِيرٍ مِنْ خَلْقِهِ تَفْضِيلًا.
وَمِنَ النِّعَمِ العَظِيمَةِ وَالآلَاءِ الجَزِيلَةِ نِعْمَةُ رَابِطَةِ الأُخُوَّةِ الإِسْلامِيَّةِ الَّتِي آخَتْ بَيْنَ الأَبْيَضِ وَالأَسْوَدِ وَالعَرَبِيِّ وَالعَجَمِيِّ، قَالَ تَعَالَى: (وَاذْكُرُوا نِعْمَتَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ كُنتُمْ أَعْدَاءً فَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِكُمْ فَأَصْبَحْتُم بِنِعْمَتِهِ إِخْوَانًا وَكُنتُمْ عَلَىٰ شَفَا حُفْرَةٍ مِّنَ النَّارِ فَأَنقَذَكُم مِّنْهَا).
وَقَالَ تَعَالَى: (هُوَ الَّذِي أَيَّدَكَ بِنَصْرِهِ وَبِالْمُؤْمِنِينَ (62) وَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِهِمْ ۚ لَوْ أَنفَقْتَ مَا فِي الْأَرْضِ جَمِيعًا مَّا أَلَّفْتَ بَيْنَ قُلُوبِهِمْ وَلَٰكِنَّ اللَّهَ أَلَّفَ بَيْنَهُمْ).
وَقَدْ جَمَعَنَا اللهُ عَلَى الأُلْفَةِ وَالمَحَبَّةِ وَالمَوَدَّةِ وَالرَّحْمَةِ، وَجَمَعَ كَلِمَتَنَا، وَوَحَّدَ صَفَّنَا كَأَنَّهُ بُنْيَانٌ مَرْصُوصٌ.
فَتَأَمَّلْ فِي صُفُوفِ المَأْمُومِينَ بِالمَسَاجِدِ عِنْدَمَا يَقُولُ الإِمَامُ: اسْتَوُوا، اللهُ أَكْبَرُ.
وَتَأَمَّلْ فِي العَالَمِ الإِسْلَامِيِّ شَرْقًا وَغَرْبًا، وَقَدِ امْتَثَلُوا حَدِيثَ أَبِي مُوسَى رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: (الْمُؤْمنُ للْمُؤْمِنِ كَالْبُنْيَانِ يَشُدُّ بَعْضُهُ بَعْضًا)، وَشَبَّكَ بَيْنَ أَصَابِعِهِ. مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ.
وَعَنِ النُّعْمَانِ بْنِ بَشِيرٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: (مَثَلُ الْمُؤْمِنِينَ فِي تَوَادِّهِمْ وتَرَاحُمِهِمْ وتَعاطُفِهِمْ، مَثَلُ الْجَسَدِ إِذَا اشْتَكَى مِنْهُ عُضْوٌ تَدَاعَى لَهُ سَائِرُ الْجَسَدِ بِالسَّهَرِ والْحُمَّى). مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ.
وَعَنْ أَبِي هُرَيْرةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: (إِيَّاكُمْ وَالظَّنَّ، فَإِنَّ الظَّنَّ أَكْذَبُ الحَدِيثِ، وَلَا تَحَسَّسُوا، وَلَا تَجَسَّسُوا، وَلَا تَنَافَسُوا، وَلَا تَحَاسَدُوا، وَلَا تَبَاغَضُوا، وَلَا تَدَابَرُوا، وَكُونُوا عِبَادَ اللَّهِ إِخْوَانًا كَمَا أَمَرَكُمْ، المُسْلِمُ أَخُو المُسْلِمِ، لَا يَظْلِمُهُ، وَلَا يَخْذُلُهُ، وَلَا يَحْقِرُهُ، التَّقْوَى هَهُنَا، التَّقوَى هَهُنَا، وَيُشِيرُ إِلَى صَدْرِهِ، بِحَسْبِ امْرِئٍ مِنَ الشَّرِّ أَنْ يَحْقِرَ أَخَاهُ المُسْلِمَ، كُلُّ المُسْلِمِ عَلَى المُسْلِمِ حَرَامٌ: دَمُهُ، وَعِرْضُهُ، ومَالُهُ، إِنَّ اللَّهَ لَا يَنْظُرُ إِلَى أَجْسَادِكُمْ، وَلَا إِلَى صُوَرِكُمْ، وَلَكِنْ يَنْظُرُ إِلَى قُلُوبِكُمْ وَأَعْمَالِكُمْ).
وَفِي رِوَايَةٍ: (لَا تَحَاسَدُوا، وَلَا تَبَاغَضُوا، وَلَا تَجَسَّسُوا، وَلَا تَحَسَّسُوا، وَلَا تَنَاجشُوا، وكُونُوا عِبَادَ اللَّهِ إِخْوَانًا).
وَفِي رِوَايَةٍ: (لَا تَقَاطَعُوا، وَلَا تَدَابَرُوا، وَلا تَبَاغَضُوا، وَلَا تحَاسدُوا، وَكُونُوا عِبَادَ اللَّهِ إخْوَانًا).
وَفِي رِوَايَةٍ: (لَا تَهَاجَرُوا، وَلَا يَبِعْ بَعْضُكُمْ عَلَى بَيْعِ بَعْضٍ). رَوَاهُ مُسْلِمٌ بِكُلِّ هذِهِ الرِّوَايَاتِ، وَرَوَى البُخَارِيُّ أَكْثَرَهَا.
وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، أَنَّ رَسُولَ اللهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: (حَقُّ الْمُسْلِمِ عَلَى الْمُسْلِمِ خَمْسٌ: رَدُّ السَّلَامِ، وَعِيَادَةُ الْمَرِيضِ، وَاتِّبَاعُ الْجَنَائِزِ، وَإِجَابَةُ الدَّعْوَةِ، وتَشْمِيتُ العْاطِسِ). مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ.
وَفِي رِوَايَةٍ لِمُسْلمٍ: (حَقُّ الْمُسْلِمِ سِتٌّ: إِذَا لَقِيتَهُ فَسَلِّمْ عَلَيْهِ، وَإِذَا دَعَاكَ فَأَجِبْهُ، وَإِذَا اسْتَنْصَحَكَ فَانْصَحْ لَهُ، وَإِذَا عَطَسَ فَحَمِدَ اللَّهَ فَشَمِّتْهُ، وَإِذَا مَرِضَ فَعُدْهُ، وَإِذَا مَاتَ فَاتْبَعْهُ).
وَغَيْر ذَلِكَ مِنْ حُقُوقِ المُسْلِمِينَ بَعْضِهِمْ عَلَى بَعْضٍ، مِمَّا جَعَلَنَا أُمَّةً وَاحِدَةً، مُجْتَمَعُنَا وَاحِدُ، وَأُسْرَتُنَا وَاحِدَةٌ، تَحْتَ شِعَارٍ وَاحِدٍ، نَدْعُو بِدَعْوَى اللهِ الَّذِي سَمَّانَا المُسْلِمِينَ المُؤمِنِينَ عِبَادَ اللهِ، وَإِنِ اخْتَلَفَتْ أَلْسِنَتُنَا وَأَلْوَانُنَا وَجِنْسِيَّاتُنَا.
وَمِنَ النِّعَمِ الإِلَهِيَّةِ وَالآلَاءِ الرَّبَّانِيَّةِ نِعْمَةُ الأَمْنِ، قَالَ تَعَالَى: (فَلْيَعْبُدُوا رَبَّ هَٰذَا الْبَيْتِ (3) الَّذِي أَطْعَمَهُم مِّن جُوعٍ وَآمَنَهُم مِّنْ خَوْفٍ)، وَقَالَ تَعَالَى: (وَاذْكُرُوا إِذْ أَنتُمْ قَلِيلٌ مُّسْتَضْعَفُونَ فِي الْأَرْضِ تَخَافُونَ أَن يَتَخَطَّفَكُمُ النَّاسُ فَآوَاكُمْ وَأَيَّدَكُم بِنَصْرِهِ وَرَزَقَكُم مِّنَ الطَّيِّبَاتِ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ).
وَمِنَ النِّعَمِ العَظِيمَةِ نِعْمَةُ الكِفَايَةِ وَالغِنَى وَالعَيْشِ الرَّغِيدِ، وَقَدْ كَانَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَشْكُرُ رَبَّهُ عَلَى هَذِهِ النِّعْمَةِ كُلَّمَا أَوَى إِلَى فِرَاشِهِ، فَعَنْ أَنَسٍ، أَنَّ رَسُولَ اللهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، كَانَ إِذَا أَوَى إِلَى فِرَاشِهِ، قَالَ: «الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي أَطْعَمَنَا وَسَقَانَا، وَكَفَانَا وَآوَانَا، فَكَمْ مِمَّنْ لَا كَافِيَ لَهُ وَلَا مُؤْوِيَ». رَوَاهُ مُسْلِمٌ.
أَقُولُ قَوْلِي هَذَا، وَأَسْتَغْفِرُ اللهَ لِي وَلَكُمْ.
الخُطْبَةُ الثَّانِيَةُ:
الحَمْدُ للهِ الَّذِي بِنِعْمَتِهِ تَتِمُّ الصَّالِحَاتُ، وَأَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ رَبُّ الأَرْضِ وَالسَّمَاوَاتِ، وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ المَبْعُوثُ بِالرَّحَمَاتِ، صَلَّى اللهُ وَسَلَّمَ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ عَدَدَ مَا فِي الوُجُودِ مِنَ الذَّرَّاتِ.
أَمَّا بَعْدُ: فَإِنَّ اللهَ تَعَالَى يَقُولُ: (وَمَا بِكُم مِّن نِّعْمَةٍ فَمِنَ اللَّهِ).
وَقَدْ أَرْشَدَنَا رَسُولُ اللهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي حَدِيثِ عَبْدِ اللهِ بْنِ غَنَّامٍ إِلَى أَنْ نَقُولَ حِينَ نصْبِحُ: اللَّهُمَّ مَا أَصْبَحَ بِي مِنْ نِعْمَةٍ أَوْ بِأَحَدٍ مِنْ خَلْقِكَ، فَمِنْكَ وَحْدَكَ لَا شَرِيكَ لَكَ، فَلَكَ الْحَمْدُ وَلَكَ الشُّكْرُ. أَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُدَ، وَالنَّسَائِيُّ، وَابْنُ حِبَّانَ فِي صَحِيحِهِ، وَجَوَّدَ إِسْنَادَهُ النَّوَوِيُّ، وَحَسَّنَهُ ابْنُ حَجَرٍ.
عِبَادَ اللهِ، قَيِّدُوا النِّعَمَ بِشُكْرِهَا، وَذَلِكَ بِطَاعَةِ اللهِ، وَعَدَمِ كُفْرِهَا بِمَعْصِيَتِهِ، قَالَ تَعَالَى: (وَإِذْ تَأَذَّنَ رَبُّكُمْ لَئِن شَكَرْتُمْ لَأَزِيدَنَّكُمْ ۖ وَلَئِن كَفَرْتُمْ إِنَّ عَذَابِي لَشَدِيدٌ)، وَقَالَ تَعَالَى: (وَضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا قَرْيَةً كَانَتْ آمِنَةً مُّطْمَئِنَّةً يَأْتِيهَا رِزْقُهَا رَغَدًا مِّن كُلِّ مَكَانٍ فَكَفَرَتْ بِأَنْعُمِ اللَّهِ فَأَذَاقَهَا اللَّهُ لِبَاسَ الْجُوعِ وَالْخَوْفِ بِمَا كَانُوا يَصْنَعُونَ)، وَقَالَ تَعَالَى: (ذَٰلِكَ بِأَنَّ اللَّهَ لَمْ يَكُ مُغَيِّرًا نِّعْمَةً أَنْعَمَهَا عَلَىٰ قَوْمٍ حَتَّىٰ يُغَيِّرُوا مَا بِأَنفُسِهِمْ).
اللَّهُمَّ إِنَّا نَعُوذُ بِكَ مِنْ زَوَالِ نِعْمَتِكَ، وَتَحَوُّلِ عَافِيَتِكَ، وَفُجَاءَةِ نِقْمَتِكَ، وَجَمِيعِ سَخَطِكَ،
اللَّهُمَّ اغْفِرْ لِأَحْيَائِنَا وَأَمْوَاتِنَا، وَأَلِّفْ بَيْنَ قُلُوبِنَا، وَأَصْلِحْ ذَاتَ بَيْنِنَا.
اللهمَّ أَصْلِحْ لَنَا دِينَنَا الَّذِي هُوَ عِصْمَةُ أَمْرِنَا، وَأَصْلِحْ لَنَا دُنْيَانَا الَّتِي فِيهَا مَعَاشُنَا، وَأَصْلِحْ لَنَا آخِرَتَنَا الَّتِي إِلَيْهَا مَعَادُنَا، اللَّهُمَّ اجْعَلِ الحَيَاةَ زِيَادَةً لَنَا فِي كُلِّ خَيْرٍ، وَاجْعَلِ المَوْتَ رَاحَةً لَنَا مِنْ كُلِّ شَرٍّ.
اللَّهُمَّ إِنَّا نَعُوذُ بِكَ مِنَ الْهَمِّ وَالْحَزَنِ، وَنعُوذُ بِكَ مِنَ الْعَجْزِ وَالْكَسَلِ، وَنعُوذُ بِكَ مِنَ الْجُبْنِ وَالْبُخْلِ، وَنعُوذُ بِكَ مِنْ غَلَبَةِ الدَّيْنِ، وَقَهْرِ الرِّجَالِ.
يَا حَيُّ يَا قَيُّومُ بِرَحْمَتِكَ نَسْتَغِيثُ، أَصْلِحْ لَنَا شَأْنَنَا كُلَّهُ، وَلَا تَكِلْنَا إِلَى أَنْفُسِنَا طَرْفَةَ عَيْنٍ،
اللَّهُمَّ رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الآخِرَةِ حَسَنَةً، وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ، وَصَلَّى اللهُ وَسَلَّمَ عَلَى نَبِيِّنَا مُحَمَّدٍ.