عدد الزوار 255 التاريخ 15/08/2020
الكتاب: إيثار الإنصاف في آثار الخلافالمؤلف: يوسف بن قزأوغلي - أو قزغلي - ابن عبد الله، أبو المظفر، شمس الدين، سبط أبي الفرج ابن الجوزي (المتوفى: 654هـ)عدد الأجزاء: 1
بِسم الله الرَّحْمَن الرَّحِيم(وَبِه نستعين) وَمَا توفيقي إِلَّا بِاللَّهالْحَمد لله الَّذِي أنعم على الْعلمَاء بالإسعاد والإسعاف وَمن عَلَيْهِم بالإتحاف والألطاف وشرفهم بالفضائل وَبهَا يحصل الشّرف والإشراف ذلت الموجودات لهيبته وأقرت عَن اعْتِرَاف وانقادت الأفئدة خاضعة لعظمته وَهِي فِي انقيادها تخَافأَحْمَده على ستر الْخَطَايَا والاقتراف وأصلي على رَسُوله مُحَمَّد مَا لبّى محرم وسعى ساع وَطَاف وعَلى آله وَصَحبه الْفُضَلَاء الْأَشْرَافوَبعد فَإِن جمَاعَة من إخْوَان الْفُقَهَاء كثر الله عَددهمْ ووفر مددهم كَانُوا يسألونني جمع أَحَادِيث التَّعْلِيق و (بَيَان) مَا صَحَّ مِنْهَا وَمَا لم يَصح لكل فريق وَكنت اقتنع من ذَلِك لشيئينأَحدهمَا لِأَنِّي ذكرت جَمِيع الْأَحَادِيث المختصة بِالْأَحْكَامِ فِي كتابي الْمُسَمّى ب الْمُخْتَصر اللامع على شرح الْمُخْتَصر وَالْجَامِعوَالثَّانِي ظَنِّي أَن مَا فِي الطّرق من ذَلِك يَكْفِي وَيحصل المُرَاد ويشفي فَلَمَّا نظرت فِي عَامَّة التَّعَالِيق رَأَيْت بضَاعَة أَكْثَرهم فِي هَذَا الْفَنّ مزجاة وَرُبمَا اعْتمد الْمُسْتَدلّ على حَدِيث وَلَا يدْرِي من رَوَاهُ وَكَيف يحسن بفقيه لَا يعرف صَحِيح حَدِيث الرَّسُول عَلَيْهِ(1/33)الصَّلَاة وَالسَّلَام من سقيمه وَلَا سالمه من سليمه وَكَثِيرًا مَا أسمع الْعَجَائِب فِي المناظرات فَمن قَائِل عَن الحَدِيث الصَّحِيح هَذَا لَا يعرف وَإِنَّمَا هُوَ لَا يعرفهُ ومحتج بالواهي ويظنه ثَابتا وَرُبمَا جَاءَ حَدِيث ضَعِيف يُخَالف مذْهبه (فيبين) وَجه الطعْن فِيهِ وَإِن كَانَ مُوَافقا سكت عَن ذَلِك سكُوت غير فَقِيهفاستخرت الله تَعَالَى فِي إِجَابَة سُؤَالهمْ بتقرير مَذْهَبنَا وَمذهب الْمُخَالف وكشف الغوامض من دقائق الْأَحَادِيث الَّتِي يهتدى بِصِحَّتِهَا إِلَى المعارف وَمَتى ورد حَدِيث فِيهِ نظر بيّنت مَا جَاءَ فِي علته وأظهرت فَسَاده من صِحَّته وَلَا فرق بَين أَن يكون حجَّة لنا أَو يلْزمنَا الْخصم بِهِ إلزاما لِأَنِّي أعتقد العصبية فِي مثل هَذَا حَرَامًا ونادر (مُصَنف) منصفوعزيت أَحَادِيث الْأَحْكَام إِلَى أَئِمَّة النَّقْل الْأَعْلَامفلأحمد (حد) وللبخاري (خَ) وَلمُسلم (م) وَلأبي دَاوُد (د) وللترمذي (ت) وَلابْن مَاجَه (جه) وللنسائي (نس) وللدار قطني (ق)وسميته إِيثَار الْإِنْصَاف فِي آثَار الْخلاف واقتصرت على أَحَادِيث الْمسَائِل الْمَشْهُورَة إِجَابَة لسؤالهم وتبليغا لآمالهم فَمن رام الْوُقُوف على بَاقِي الْمسَائِل وَإِدْرَاك بسط الْأَدِلَّة فَعَلَيهِ بطريقتنا الخلافية فَفِيهَا مقنع وَمَتى طلبنا التَّرْجِيح اقتبسناه من إِجْمَاع الصَّحَابَة وَإِلَى الله سُبْحَانَهُ الإنايةوَرُبمَا استدللنا فِي بعض الْمسَائِل بعمومات الْكتاب لعدم المنقولات فِي الْبَاب وَالله الْمُوفق للصَّوَاب(1/34)= كتاب الطَّهَارَة =مَسْأَلَة الْخَارِج النَّجس من غير السَّبِيلَيْنِ ينْقض الْوضُوء عِنْد عُلَمَائِنَا وَهُوَ قَول الْعشْرَة المبشرين بِالْجنَّةِ وَابْن مَسْعُود وَابْن عمر وَزيد بن ثَابت وَأبي مُوسَى الْأَشْعَرِيّ وَأبي الدَّرْدَاء وثوبان وصدور التَّابِعينوَقَالَ مَالك وَالشَّافِعِيّ رحمهمَا الله لاينقض وَفرق أَحْمد بَين الْقَلِيل وَالْكثير 2لنا مَا رُوِيَ أَن فَاطِمَة بنت أبي حُبَيْش سَأَلت النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَقَالَت إِنِّي أسْتَحَاض فَلَا أطهر أفأدع الصَّلَاة فَقَالَ لَا إِنَّمَا ذَلِك عرق وَلَيْسَ بالحيضة فَإِذا أَقبلت فدى الصَّلَاة وَإِذا أَدْبَرت فاغسلي عَنْك الدَّم وتوضئي لَك صَلَاة خَ 0 م 0 ت وَصلي وروى زيد بن عَليّ عَن أَبِيه عَن جده قَالَ قَالَ لرَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم القلس حدث 0 ق 0وروى 8 ابْن أبي مليكَة عَن عَائِشَة رَضِي الله عنهاقالت قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم إِذا قاء أحدكُم فِي صلَاته أَو قلس فلينصرف وليتوضأ وليبن على مَا مضى من صلَاته مَا لم يتَكَلَّم 0 ق 0(1/35)وَفِي رِوَايَة أبي سعيد أَو أحدث 0 ق 0وَفِي رِوَايَة ابْن عَبَّاس كَانَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم إِذا رعف فِي صلَاته تَوَضَّأ ثمَّ بنى على صلَاته 0 ق 0وروى تَمِيم الدَّارِيّ أَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ الْوضُوء من كل دم سَائلوروى سلمَان قَالَ سَالَ من أنفي دم فَقَالَ لي النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أحدث لما حدث لَك وضُوءًا 0 ق 0وروى أَبُو هُرَيْرَة قَالَ قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم لَيْسَ فِي القطرة وَلَا القطرتين من الدَّم وضوء وَإِلَّا أَن يكون سَائِلًا 0 ق 0وروى معدان بن أبي طَلْحَة عَن أبي الدَّرْدَاء أَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قاء فَتَوَضَّأ(قَالَ معدان) فَلَقِيت ثَوْبَان فِي مَسْجِد دمشق فَذكرت لَهُ ذَلِك فَقَالَ صدق أَنا صببت لَهُ وضُوءًا حد(1/36)فَإِن قيل فِي إِسْنَاد حَدِيث زيد بن عَليّ سوار بن مُصعب قَالَ الدَّارَقُطْنِيّ إِنَّه مَتْرُوكوَفِي حَدِيث ابْن أبي مليكَة اسماعيل بن عَيَّاش ضَعِيف ثمَّ هُوَ مُرْسلوَفِي رِوَايَة أبي سعيد أَبُو بكر (الداهريء) قَالَ ابْن معِين لَيْسَ بِشَيْءوَفِي إِسْنَاد حَدِيث ابْن عَبَّاس عمر بن ريَاح وَسليمَان بن أَرقم ضعفهما الدَّارَقُطْنِيّ(1/37)وَحَدِيث تَمِيم مُرْسلوَحَدِيث سلمَان فِيهِ (عَمْرو) الْقرشِي ضعفه أَحْمدوَحَدِيث أبي هُرَيْرَة فِيهِ مُحَمَّد بن الْفضل وَهُوَ ضَعِيفوَحَدِيث ثَوْبَان مُرْسلفَالْجَوَاب أما حَدِيث زيد فقد رَوَاهُ عَن آبَائِهِ الطاهرين وَزيد غير مُتَّهم واضطراب سوار لَا يقْدَح فِي عَدَالَة زيد وَقد احْتج بِهِ أَبُو بكر الْخلال وَغَيره وَقد قيل إِن اضطرابه من حَيْثُ الْإِرْسَال وَذَلِكَ حجَّة عندنَاوَأما ابْن عَيَّاش فقد وَثَّقَهُ يحيى بن معِين(1/38)وَأما حَدِيث ثَوْبَان فقد قَالَ أَحْمد وَالتِّرْمِذِيّ هُوَ أصح شَيْء فِي هَذَا الْبَابوَأما مُحَمَّد بن الْفضل فَإِنَّمَا تكلم فِيهِ لِأَنَّهُ رَوَاهُ عَن أَبِيه عَن مَيْمُون بن مهْرَان عَن أبي هُرَيْرَة وَابْن الْمسيب بَين مَيْمُون وَأبي هُرَيْرَة وَلم يذكرهُ وَهَذِه صفة الْإِرْسَالوَبَاقِي الْأَحَادِيث إِنَّمَا طعنوا فِيهَا من جِهَة الْإِرْسَال والمراسيل عندنَا حجَّة لما عرف من أصولنااحْتَجُّوا بِأَحَادِيث مِنْهَامَا رُوِيَ عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَنه قاء فَغسل فَمه فَقيل لَهُ أَلا تتوضأ وضوءك للصَّلَاة فَقَالَ هَكَذَا الْوضُوء من الْقَيْءوروى أَنه عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام قَالَ لَا وضوء إِلَّا من حدث قيل وَمَا الْحَدث قَالَ الْخَارِج من السَّبِيلَيْنِ 0 (ت)وروى أَبُو هُرَيْرَة أَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ لَا وضوء إِلَّا من صَوت أَو ريح 0 ت 0وروى أَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم احْتجم وَلم يتَوَضَّأ وَلم يزدْ على غسل محاجمه قوَفِي رِوَايَة ثَوْبَان فَسَكَبت لَهُ وضُوءًا قلت من هَذَا وضوء فَقَالَ لَو(1/39)كَانَ لوجدته فِي كتاب الله تَعَالَى 0 ق 0وَعَن جَابر أَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم خرج من غزَاة ذَات الرّقاع فَقَالَ من يكلؤنا فِي اللَّيْل فَقَالَ رجل من الْأَنْصَار وَرجل من الْمُهَاجِرين نَحن بِفَم الشّعب فَنَامَ الْأنْصَارِيّ وحرس الْمُهَاجِرِي فجَاء رجل من الْمُشْركين فَرَمَاهُ بِسَهْم فَنَزَعَهُ فَرَمَاهُ بآخر حَتَّى رَمَاه بِثَلَاثَة أسْهم فَلَمَّا خَافَ على نَفسه أيقظ صَاحبه فَلَمَّا رأى الدَّم يسيل مِنْهُ قَالَ هلا أيقظتني من الأول فَقَالَ كنت أتلو سُورَة فَوَقَعت فِي روضات دمثات وَلَوْلَا أَنِّي أَخَاف أَن أضيع ثغرا أَمرنِي رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم بحفظه لما أيقظتك وَبلغ ذَلِك النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَدَعَا لَهما 0 د 0(1/40)وَلم يَأْمُرهُ بِالْوضُوءِ وَلَا إِعَادَة الصَّلَاةفَالْجَوَاب أما الحَدِيث الأول فَغَرِيب فَلَا يُعَارض الْمَشْهُوروَأما الثَّانِي فَلَا يعرف أصلاوَأما الثَّالِث فمتروك الظَّاهِر لِأَن الْوضُوء يجب من غير الصَّوْت وَالرِّيح بالِاتِّفَاقِ وَأما حَدِيث ثَوْبَان فَفِي إِسْنَاده عتبَة بن السكن قَالَ الدَّارَقُطْنِيّ هُوَ مَتْرُوكوَأما الرَّابِع فَيحْتَمل أَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم لم يعلم بِحَالهِ على الْفَوْر ثمَّ علم بعد ذَلِك فَأمره بِالْإِعَادَةِ بِغَيْر علم الرَّاوِي وَلَو وَقع التَّعَارُض طلبنا التَّرْجِيح وَذَلِكَ من وَجْهَيْنأَحدهمَا إِجْمَاع الصَّحَابَة على مثل مَذْهَبنَا وَلَو كَانَت الْأَخْبَار غير ثَابِتَة لما أَجمعُواوَالثَّانِي أَن أخبارنا مثبة وأخبارهم نَافِيَة والمثبت مقدموَأحمد رَحمَه الله يفرق بَين الْقَلِيل وَالْكثير بِمَا روى ابْن عَبَّاس أَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم رخص فِي دم (الحبون) 0 ق 0 يَعْنِي الدماميلقُلْنَا فِي إِسْنَاده بَقِيَّة قَالَ الدَّارَقُطْنِيّ كَانَ يُدَلس إِلَّا أَنه قد أخرج عَنهُ مُسلم(1/41)فِي الصَّحِيح فَيحمل على الْقَلِيل إِذا لم يسلمَسْأَلَة النِّيَّة لَيست بِشَرْط فِي الْوضُوء وَالْغسْل عندنَاقَالَ مَالك وَالشَّافِعِيّ وَأحمد رَحِمهم الله هِيَ شَرطلنا مَا رُوِيَ أَن أم سَلمَة رَضِي الله عَنْهَا سَأَلت النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَقَالَت يَا رَسُول الله إِنِّي امْرَأَة أَشد ضفر رَأْسِي أفأنقضه فِي الْجَنَابَة فَقَالَ لَا إِنَّمَا يَكْفِيك أَن تحثي على رَأسك ثَلَاث حثيات من مَاء فتطهرين م حدوَفِي رِوَايَة أما أَنا فأحثي على رَأْسِي ثَلَاث حثيات من مَاء فَإِذا أَنا قد طهرتوَلَو كَانَت النِّيَّة وَاجِبَة لذكرهاوَعلم النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم الْأَعرَابِي الْوضُوء وَلم يذكر لَهُ النِّيَّة خَ م مَعَ جَهله بِالْأَحْكَامِ(1/42)احْتَجُّوا بِأَحَادِيث مِنْهَامَا روى عمر رَضِي الله عَنهُ أَنه قَالَ قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم إِنَّمَا الْأَعْمَال بِالنِّيَّاتِ وَلكُل امرىء مَا نوى فَمن كَانَت هجرته إِلَى الله وَرَسُوله فَهجرَته إِلَى الله وَرَسُوله وَمن كَانَت هجرته إِلَى دنيا يُصِيبهَا أَو امْرَأَة يَتَزَوَّجهَا فَهجرَته إِلَى مَا هَاجر إِلَيْهِ خَ موروى أَبُو مَالك الْأَشْعَرِيّ قَالَ قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم الطّهُور شطر الْإِيمَان وَالْحَمْد لله تملأ الْمِيزَان موَفِي رِوَايَة وَلَيْسَ لِلْمُؤمنِ من عمله إِلَّا مَا نَوَاهوروى أَنه صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ لاصلاة لمن لَا وضوء لَهُ وَلَا وضوء لمن لم ينود وَهُوَ قَول ابْن عمر وَابْن مَسْعُود(1/43)وَالْجَوَاب أما الحَدِيث الأول فمتروك الظَّاهِر لِأَن الْعَمَل يُوجد من غير نِيَّة لما عرف ثمَّ هُوَ ورد على سَبَب فَكَانَ خطابا لرجل هَاجر لذَلِك السَّبَب وَكَذَا الثَّانِي لِأَن الْإِيمَان عبارَة عَن التَّصْدِيق وَالْوُضُوء لَيْسَ من التَّصْدِيق فِي شَيْءوَأما الثَّالِث فَيحمل على الِاسْتِحْبَاب تَوْفِيقًا بَين الدَّلَائِلمَسْأَلَة التَّرْتِيب لَيْسَ بِشَرْط فِي الْوضُوء عندنَا وَهُوَ قَول عَليّ وَابْن عَبَّاس وَابْن مَسْعُود وَبِه قَالَ مَالك إِلَّا أَنه يشْتَرط الدَّلْك وَقَالَ الشَّافِعِي وَأحمد رحمهمَا الله هُوَ شَرطلنا مَا روى أَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم مسح رَأسه بِمَا فضل من وضوئِهِقلت وَالَّذِي روينَاهُ على غير هَذَا وَهُوَ مَا رَوَت الرّبيع بنت معوذ بن عفراء قَالَت كَانَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يأتينا فيكثر فَأَتَانَا فَوَضَعْنَا لَهُ الميضأة فَتَوَضَّأ فَغسل كفيه وتمضمض واستنشق وَغسل وَجهه وذراعيه وَمسح رَأسه بِمَا بَقِي من وضوئِهِ فِي يَدَيْهِ ثمَّ غسل رجلَيْهِ حدوَقد احْتج الإِمَام الرضي فِي طَرِيقَته فَقَالَ روى أَبُو دَاوُد أَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم تيَمّم فَبَدَأَ بذراعيهقلت وَلم أَجِدهُ فِي سنَنه(1/44)احْتَجُّوا بِمَا روى خَلاد بن السَّائِب عَن أيه أَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ لَا يقبل الله تَعَالَى صَلَاة امرىء حَتَّى يضع الطّهُور موَاضعه فَيغسل وَجهه ثمَّ ذِرَاعَيْهِ ثمَّ يمسح بِرَأْسِهِ ثمَّ يغسل رجلَيْهِ قوَهَذَا هُوَ التَّرْتِيب وَكَانَ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يتَوَضَّأ مُرَتبا حد م وَقَالَ صلوا كَمَا رَأَيْتُمُونِي أُصَلِّيفَالْجَوَاب أما الحَدِيث الأول فقد ضعفه الرَّازِيّ فِي أَحْكَام الْقُرْآن وَلَو سلم(1/45)فكلمة ثمَّ تذكر بِمَعْنى الْوَاو كَقَوْلِه تَعَالَى {ثمَّ الله شَهِيد} {ثمَّ كَانَ من الَّذين آمنُوا}وَأما مَا فعله عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام فَيحمل على الِاسْتِحْبَاب لِئَلَّا ترد النُّصُوص الدَّالَّة على جَوَاز الطَّهَارَة بِغَيْر تَرْتِيب كَقَوْلِه تَعَالَى {وأنزلنا من السَّمَاء مَاء طهُورا} وَنَحْوه وَالْمَاء مطهر بطبعه فَلَا يتَوَقَّف على صنع العَبْدمَسْأَلَة تجوز إِزَالَة النَّجَاسَة الْحَقِيقِيَّة بِغَيْر المَاء من الْمَائِعَات الطاهرات كالخل وَنَحْوهوَقَالَ مُحَمَّد رَحمَه الله لَا تجوز وَهُوَ قَول زفر رَحمَه الله وَمَالك وَالشَّافِعِيّ وَأحمد رَحِمهم اللهلنا مَا روى عَليّ أَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ إِذا ولغَ الْكَلْب فِي إِنَاء أحدكُم فليغسله سبعا 0 خَ 0 م 0وَفِي رِوَايَة الدَّارَقُطْنِيّ ثَلَاثًا أَمر بِالْغسْلِ مُطلقًا فتقييده بِالْمَاءِ يحْتَاج إِلَى دَلِيل وَكَذَا الْأَحَادِيث الْمُطلقَة فِي الْبَاب(1/46)وَعَن عَائِشَة رَضِي الله عَنْهَا قَالَت كُنَّا نقرض الدَّم على عهد رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم ثمَّ نبله بالريقوَالظَّاهِر أَنه صلى الله عَلَيْهِ وَسلم علم بذلكاحْتَجُّوا بقوله عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام لأسماء وَقد سَأَلته عَن دم الْحيض يُصِيب الثَّوْب حتيه ثمَّ اقرضيه ثمَّ اغسليه بِالْمَاءِ 0 خَ 0 م 0أَمر بِالْغسْلِ بِالْمَاءِ فَلَمَّا لم يغسلهُ بِهِ لَا يخرج عَن الْعهْدَةوثبث أَن صلى الله عَلَيْهِ وَسلم نهى عَن قيل وَقَالَ وإضاعة المَال وَغسل هَذِه الْأَشْيَاء بالخل وَنَحْوه إِضَاعَةفَالْجَوَاب أَنه لَيْسَ فِيهِ نفي الْغسْل بِغَيْر المَاء وَذكر المَاء إِنَّمَا كَانَ على الْأَعَمّ الْأَغْلَب كَقَوْلِه تَعَالَى {وَلَا طَائِر يطير بجناحيه}وَأما الحَدِيث الثَّانِي فإنفاق المَال لغَرَض صَحِيح يجوز فَإِن من الْآثَار مَا لَا يَزُول إِلَّا بالخلمَسْأَلَة جُلُود الْميتَة تطهر بالدباغ عندنَا(1/47)وَقَالَ مَالك وَأحمد لَا تطهرووافقنا الشَّافِعِي رَضِي الله عَنهُ إِلَّا فِي جلد الْكَلْب فَإِنَّهُ نجس الْعين عِنْده كالخنزير وَهُوَ رِوَايَة عَن أبي حنيفَة رَحمَه اللهلنا مَا روى ابْن عَبَّاس أَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم مر بِشَاة لميمونة ميتَة فَقَالَ هلا انتفعتم بإهابها فَقَالُوا إِنَّهَا ميتَة فَقَالَ إِنَّمَا حرم من الْميتَة أكلهَا 0 خَ 0 م 0وروى ابْن عَبَّاس أَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ إِذا دبغ الإهاب فقد طهر م وَهَذِه نُصُوص فِي مَحل النزاعاحتجا بِمَا روى عبد الله بن عكيم قَالَ أَتَانَا كتاب رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قبل مَوته كنت رخصت لكم فِي جُلُود الْميتَة فَإِذا أَتَاكُم كتابي هَذَا فَلَا تنتفعوا مِنْهَا بإهاب وَلَا عصب حدوَقَوله كنت دَلِيل على نسخ مَا تقدمهوَالْجَوَاب من وُجُوه(1/48)أَحدهَا أَنه كتاب لَا يعرف حاملهوَالثَّانِي أَن أَلْفَاظه مضطربه فَتَارَة يَقُول وَأَنا شَاب وَتارَة يَقُول وَأَنا صبي وَتارَة قبل مَوته بِشَهْر وَتارَة بشهرينوَقد قَالَ ابْن الْمَدِينِيّ مَاتَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَلابْن عكيم سنة وَإِنَّمَا يرويهِ عَن مشيخة من جُهَيْنَةوَالثَّالِث أَن حديثنا فِي الصَّحِيحَيْنِ وحديثهما مُضْطَرب فَلَا يقاومه وَلَو سلم لم يكن فِيهِ دَلِيل على مَوضِع الْخلاف لِأَن الإهاب فِي اللُّغَة اسْم للجلد مَا لم يدبغ فَإِذا دبغ فَهُوَ أَدِيموَالشَّافِعِيّ رَحمَه الله يحْتَج بِمَا روى أَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم دَعَاهُ بعض الْأَنْصَار إِلَى دَار فَلم يجب وَدعَاهُ آخر فَأجَاب فَسئلَ عَن ذَلِك فَقَالَ كَانَ فِي الأولي كلب وَفِي الثَّانِيَة هرة وَإِنَّهَا لَيست نَجِسَة إِنَّهَا من الطوافين عَلَيْكُم أَو الطوافات وَهَذَا الْجَواب وَقع فِي معرض الْفرق تمهيدا لعذره صلى الله عَلَيْهِ وَسلموَالْجَوَاب أَنه غَرِيب فَلَا يُعَارض الْمَشْهُور وَلَو اشْتهر لم يكن حجَّة لِأَنَّهُ لَا يدل بالمنطوق لِأَنَّهُ مسكوت عَنهُ وَلَا بِالْمَفْهُومِ لِأَنَّهُمَا عينان مُخْتَلِفَانِ وَيحْتَمل أَنه صلى الله عَلَيْهِ وَسلم لم يجبهُ لِمَعْنى آخر لَا لماقال وَمَتى احْتمل بَطل الِاحْتِجَاج بِهِ(1/49)= كتاب الصَّلَاة =مَسْأَلَة العَاصِي بِسَفَرِهِ يترخص برخص الْمُسَافِرين عندنَا وَقَالَ أَحْمد وَالشَّافِعِيّ لَا يترخص وَاتَّفَقُوا على العَاصِي فِي سَفَره يترخصلنا إِجْمَاع الصَّحَابَة فَإِن عمر وَابْن عَبَّاس رَضِي الله عَنْهُمَا قَالَا صَلَاة الْمُسَافِر رَكْعَتَانِ على لِسَان نَبِيكُم وَقد خَابَ من افترى فَيجب الْعَمَل بِالْعُمُومِلَهما أَن الرُّخْصَة مُقَيّدَة بالاضطرار وَكَونه غير بَاغ وَلَا عَاد لقَوْله تَعَالَى {فَمن اضْطر غير بَاغ وَلَا عَاد فَلَا إِثْم عَلَيْهِ} فَكَانَ الْمُسَافِر العَاصِي مَنْصُوصا عَلَيْهِ فِيمَا تمسكنا بِهِ ومسكوتا عَنهُ فِيمَا تمسكتم بِهِ وَالْمَنْصُوص عَلَيْهِ مقدم على الْمَسْكُوت عَنهُوَالْجَوَاب لَا خلاف أَن الْإِثْم مَرْفُوع عَن الْمُضْطَر غير الْبَاغِي العادي وَإِنَّمَا الْخلاف فِي الْبَاغِي العادي إِذا تحقق الِاضْطِرَار فِي حَقه وَالْآيَة ساكتة عَن حكمهمَسْأَلَة تَارِك الصَّلَاة لَا يجب قَتله عندنَا وَيحبس ويستتاب وَقَالَ مَالك وَالشَّافِعِيّ وَأحمد يُسْتَتَاب فَإِن تَابَ وَإِلَّا قتللنا قَوْله عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام لَا يحل دم امرىء مُسلم إِلَّا بِإِحْدَى ثَلَاث كفر(1/50)بعد إِيمَان وزنى بعد إِحْصَان وَقتل نفس بِغَيْر حق حدوَلَفظ الصَّحِيحَيْنِ فِي رِوَايَة ابْن مَسْعُود لَا يحل دم امرىء مُسلم يشْهد أَن لَا إِلَه إِلَّا الله وَأَنِّي رَسُول الله إِلَّا بِإِحْدَى ثَلَاث الثّيّب الزَّانِي وَالنَّفس بِالنَّفسِ والتارك لدينِهِ المفارق للْجَمَاعَةوَرِوَايَة الْمسند قَالَهَا عُثْمَان يَوْم الدَّار عَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَهَذَا لم يَأْتِ بِأحد هَذِه الْأَشْيَاء فَلَا يُبَاح دَمهوَقَالَ عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام أرت أَن أقَاتل النَّاس حَتَّى يَقُولُوا لَا إِلَه إِلَّا الله الحَدِيثفاقتضي عصمَة مَاله وَدَمه عملا بِعُمُومِهِفَإِن قيل ظَاهره مَتْرُوك فَإِنَّهُ لَو بغى أُبِيح دَمهوَأما الحَدِيث الثَّانِي فَفِي سِيَاقه إِلَّا بِحَقِّهَا وَالصَّلَاة من حَقّهَا وبتركها زَالَت الْعِصْمَةقُلْنَا الْبَغي أَيْضا مَحْمُول على (إصراره) أَو بدايته بِالْقِتَالِ وَلَا نسلم أَن بِتَرْكِهَا زَالَت الْعِصْمَة وَالْخلاف فِيهِ(1/51)احْتَجُّوا بقوله عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام بَين العَبْد وَالْكفْر ترك الصَّلَاة م إِلَى غير ذَلِك من الْأَخْبَار المستفيضة وَحكم الْكفْر الْقَتْللنا الحَدِيث مَحْمُول على مَا إِذا تَركهَا اعتقادا وَلم يرهَا فرضا أَو يحمل على المتهاون بهَا فقاله عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام مُبَالغَة فِي الزّجر كَمَا قَالَ شَارِب الْخمر عَابِد وثن(1/52)= كتاب الزَّكَاة =مَسْأَلَة تجب الزَّكَاة فِي حلي النِّسَاء عندنَا وَهُوَ قَول عمر وَابْن مَسْعُود وَابْن عمر وَابْن عَبَّاس وَعَائِشَة رَضِي الله عَنْهُموَقَالَ الشَّافِعِي رَضِي الله عَنهُ لَا تجب وَعَن أَحْمد كالمذهبين لنا أَحَادِيث عَامَّة وخاصة فالعامة أَرْبَعَة مِنْهَا مَا روى أَبُو سعيد أَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ لَيْسَ فِيمَا دون خمس أَوَاقٍ صَدَقَة م وَرُوِيَ عَن عَليّ رَضِي الله عَنهُ قَالَ قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم هاتوا صَدَقَة الرقة ت قَالَ ابْن قُتَيْبَة الرقة الْفضة دَرَاهِم كَانَت أَو غَيرهَاوروى عمر بن شُعَيْب عَن أَبِيه عَن جده قَالَ قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم لَيْسَ فِي أقل من عشْرين مِثْقَالا من الذَّهَب شَيْء وَلَا فِي أقل من مِائَتي دِرْهَم شَيْء ق وروى أَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ لعَلي رَضِي الله عَنهُ لَيْسَ عَلَيْك فِي الذَّهَب شَيْء حَتَّى(1/53)يبلغ عشْرين مِثْقَالانفى الْوُجُوب إِلَى غَايَة بُلُوغه عشْرين مِثْقَالا فَإِذا بلغ هَذَا الْقدر ثَبت الْوُجُوب وَكَذَا مَا ذكرنَا من الْأَحَادِيثأما الْخَاصَّة فثمانية مِنْهَارُوِيَ عَمْرو بن شُعَيْب عَن أَبِيه عَن جده قَالَ أَتَت النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم امْرَأَتَانِ فِي أَيْدِيهِمَا أساور من ذهب فَقَالَ عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام أتحبان أَن يسوركما الله يَوْم الْقِيَامَة أساور من نَار قَالَتَا لَا قَالَ فأديا حق الله فِيمَا فِي أيديكما حدوَفِي رِوَايَة جَاءَت امْرَأَة وابنتها من أهل الْيمن إِلَى رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَفِي يَدهَا مسكتان غليظتان من ذهب قَالَ هَل تعطين زَكَاة هَذَا قَالَت لَا قَالَ فيسرك أَن يسورك الله بسوارين من نَار قَالَ فخلعتهما وَقَالَت هما لله وَلِرَسُولِهِ قالحَدِيث الثَّانِي عَن أَسمَاء بنت يزِيد قَالَت دخلت أَنا وخالتي على النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وعلينا أسورة من ذهب فَقَالَ لنا أتعطيان زَكَاته فَقُلْنَا لَا فَقَالَ أما تخافان أَن يسوركما الله تَعَالَى أسورة من نَار أديا زَكَاته حد(1/54)(الحَدِيث) الثَّالِث عَن أم سَلمَة أَنَّهَا كَانَت تلبس أَوْضَاحًا من ذهب فَسَأَلت النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم عَن ذَلِك فَقَالَت أكنز هُوَ قَالَ إِذا أدّيت زَكَاته فَلَيْسَ بكنز قالرَّابِع عَن عَائِشَة قَالَ دخلت على رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَرَأى فِي يَدي فتخات من ورق فَقَالَ مَا هَذَا يَا عَائِشَة فَقلت صنعتهن أتزين لَك بِهن قَالَ أتؤدين زكاتهن قلت لَا قَالَ هن حَسبك من النَّار قالْخَامِس عَن فَاطِمَة بنت قيس قَالَت أتيت رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم بطوق فِيهِ سَبْعُونَ مِثْقَالا من ذهب فَقلت يَا رَسُول الله خُذ مِنْهُ الْفَرِيضَة فَأخذ مِنْهُ مِثْقَالا وَثَلَاثَة أَربَاع مِثْقَال قالسَّادِس عَن فَاطِمَة بنت قيس أَيْضا أَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ فِي الْحلِيّ زَكَّاهُ قالسَّابِع عَن ابْن مَسْعُود قَالَ قلت يارسول الله إِن لامرأتي جليا من عشْرين مِثْقَالا قَالَ فأد زَكَاته نصف مِثْقَال ق(1/55)الثَّامِن عَن ابْن مَسْعُود أَيْضا أَن امْرَأَة جَاءَت النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَقَالَت إِن لي حليا وَإِن زَوجي خَفِيف ذَات الْيَد وَإِن لي بني أَخ أفيجزيني أَن أجعَل زَكَاة الْحلِيّ فيهم قَالَ نعم قفَإِن قيل أما حَدِيث عَليّ فَالْمُرَاد مِنْهُ الْمُسْتَخْرج من الْمَعْدن لَا مُطلق الذَّهَب وَأما الْأَحَادِيث الْخَاصَّة فَفِيهَا مقَالأما الأول فَفِيهِ الْحجَّاج بن أَرْطَاة قَالَ أَحْمد كَانَ يرْوى عَمَّن لم يلقه وَفِي طَرِيق الْمَرْأَة الَّتِي جاءن من الْيمن الْمثنى بن الصَّباح ضعفه أَحْمدوَأما الثَّانِي ففه شهر بن حَوْشَب ضعفه ابْن عدي(1/56)وَأما الثَّالِث فَفِيهِ مُحَمَّد بن مهَاجر ضَعِيف وَأما الرَّابِع فَفِيهِ مُحَمَّد بن عَطاء قَالَ الدَّارَقُطْنِيّ هُوَ مَجْهُول أما الْخَامِس فَفِيهِ الْهُذلِيّ قَالَ الدَّارَقُطْنِيّ اسْمه ابو بكر لم يَأْتِ بِهِ غَيره أما السَّادِس فَفِيهِ مَيْمُون قَالَ أَحْمد مَتْرُوك(1/57)وَأما السَّابِع فَفِيهِ يحيى بن أبي أنيسَة ضعفه أَحْمد قَالَ الدَّارَقُطْنِيّ وَالصَّوَاب أَنه مُرْسل مَوْقُوف وَأما الثَّامِن فَقَالَ الدَّارَقُطْنِيّ أَيْضا إِنَّه مُرْسل مَوْقُوف وَلَو سلمت كَانَت الأول مجملة فافتقرت إِلَى الْبَيَانالْجَواب أما حَدِيث عَليّ فَلَا يُمكن حمله على الْمَعْدن لِأَن الْوَظِيفَة فِيهِ الْخمس بِالْحَدِيثِ الْمَشْهُور فَمن أوجب فِيهِ ربع الْعشْر فقد خَالف الحَدِيثوَأما الْحجَّاج بن أَرْطَاة فمشهور بِصِحَّة الرِّوَايَة وَمَا ذكره أَحْمد عَنهُ فَهُوَ صفة الْإِرْسَال وَأما شهر بن حَوْشَب فقد وَثَّقَهُ أَحْمد وروى عَنهُ فِي غير مَوضِع وَأما بَاقِي الأجاديث فطريقة الْفُقَهَاء فِي قبُول الْأَحَادِيث غير طَريقَة الْمُحدثين والمراسيل عندنَا حجَّة وَالَّذِي يدل على أحاديثنا إِجْمَاع الصَّحَابَة على مثل مَذْهَبنَا وَلَو لم تكن ثَابِتَة لما ذَهَبُوا إِلَى ذَلِك احْتَجُّوا بِمَا روى جَابر أَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ لَيْسَ فِي الْحلِيّ زَكَاة(1/58)وَعَن ابْن عمر مَوْقُوفا وَمَرْفُوعًا زَكَاة الْحلِيّ إعارته وَكَذَا روى جَابر وَأنس وَعَائِشَة رَضِي الله عَنْهُم وَالْجَوَاب أما الحَدِيث الأول فَعَنْهُ أجوبة أَحدهَا إِن فِي إِسْنَاده عَافِيَة بن أَيُّوب ضَعِيف وَالثَّانِي أَنه مَوْقُوف عَليّ جَابر وَالثَّالِث أَن التِّرْمِذِيّ قَالَ لَا يَصح فِي هَذَا الْبَاب شَيْء عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يُشِير(1/59)إِلَى مَذْهَب الْخصم فَإِن ادعوا أَنه أَشَارَ إِلَى أَحَادِيث مَذْهَبنَا لم يَصح لوَجْهَيْنِ أَحدهمَا للأحاديث الْعَامَّة لِأَنَّهُ لَا مطْعن فِيهَا وَالثَّانِي لإِجْمَاع الصَّحَابَة فَلم تبْق الْإِشَارَة إِلَّا إِلَى جانبهم وَلَو سلم حمل على الْجَوَاهِر لِأَنَّهَا حلي بِالنَّصِّ مَسْأَلَة لَا زَكَاة فِي مَال الضمار عِنْد عُلَمَائِنَا الثَّلَاثَة وَقَالَ زفر فِيهِ الزَّكَاة وَهُوَ قَول الشَّافِعِيوَتَفْسِير الضمار أَن يكون المَال قَائِما وينسد طَرِيق الْوُصُول إِلَيْهِ كَالْعَبْدِ الْآبِق والضال وَالْمَال السَّاقِط فِي الْبَحْر وَالَّذِي أَخذ مصادرة وَالدّين المجحود إِذا لم تكن لَهُ بَيِّنَة ثمَّ صَار بِأَن أقرّ عِنْد النَّاس والمدفون فِي الصَّحرَاء إِذا خفى على الْمَالِك مَكَانَهُ وَاتَّفَقُوا على انْعِقَادهَا فِي المدفون فِي الْبَيْت وَفِي المدفون فِي الْكَرم اخْتِلَاف الْمَشَايِخ لنا مَا روى أَبُو هُرَيْرَة أَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ لَيْسَ على الْمُسلم فِي عَبده وَلَا فِي فرسه صَدَقَة حد وَالْعَبْد الْآبِق من مَحل النزاع(1/60)وروى عَن عُثْمَان وَعلي وَابْن عمر رَضِي الله عَنْهُم أَنهم قَالُوا لَا زَكَاة فِي مَال الضمار وَهُوَ مَأْخُوذ من الْبَعِير الضامر الَّذِي لَا ينْتَفع بِهِ لشدَّة هزاله وَقَالَ الرَّاعِيوأنضاء أنخن إِلَى سعيدطروقا ثمَّ عجلن ابتكارا ... حمدن مزاره فأصبن مِنْهُعَطاء لم يكن عدَّة ضماراوَعَن عمر بن عبد الْعَزِيز أَنه رد مَا وجده فِي بَيت المَال مِمَّا أَخذه بَنو أُميَّة من أَمْوَال الْمُسلمين على أَهله وَقَالَ لَا زَكَاة فِي مَال الضماراحتجا بالعمومات الْوَارِدَة فِي الْبَاب مثل قَوْله عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام فِي عشْرين مثقالامن الذَّهَب نصف مِثْقَال (وَفِي مِائَتي دِرْهَم خَمْسَة دَرَاهِم) من غير فصل بَين الضمار وَغَيرهفَالْجَوَاب أَن النُّصُوص كلهَا مَخْصُوصَة بثبات البذلة والمهنة وَنَحْوهمَا فيخص(1/61)الْمُتَنَازع فِيهِ بِالْقِيَاسِ مَسْأَلَة كل دين لَهُ مطَالب من جِهَة الْعباد يمْنَع وجوب الزَّكَاة عندنَا وَهُوَ قَول أَحْمد وَقَالَ مَالك لَا يمْنَع وَعَن الشَّافِعِي كالمذهبينوَاتَّفَقُوا على أَن الدُّيُون الَّتِي لَا مطَالب لَهَا من جِهَة الْعباد لَا تمنع الزَّكَاة كالنذور وَالْكَفَّارَات لنا مَا روى أَبُو نضر الْمَالِكِي عَن ابْن عمر قَالَ قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم إِذا كَانَ للرجل ألف دِرْهَم وَعَلِيهِ ألف دِرْهَم فَلَا زَكَاة عَلَيْهِ وَهُوَ صَرِيح فِي مَحل النزاعوروى الزُّهْرِيّ أَن عُثْمَان خطب فَقَالَ هَذَا شهر زَكَاتكُمْ فَمن كَانَ عَلَيْهِ دين فليقضه وزكوا بَقِيَّة أَمْوَالكُم بِمحضر من الضحابة من غير نَكِير فَكَانَ إِجْمَاعًا مِنْهُم على أَنه لَا زَكَاة فِي المَال المشغول بِالدّينِاحْتَجُّوا بالخطابات الْوَارِدَة فِي الْبَاب لإِيجَاب الزَّكَاة من غير فصل بَين مَال وَمَال مثل قَوْله عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام لِمعَاذ خُذْهَا من أغنيائهم وردهَا على فقرائهم خَ م ت(1/62)وروى أَبُو سعيد الْخُدْرِيّ رَضِي الله عَنهُ قَالَ قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم لَا تحل الصَّدَقَة إِلَّا لخمسة غاز فِي سَبِيل الله تَعَالَى وَالْعَامِل عَلَيْهَا والغارم أَو رجل اشْترى بِمَالِه أَو مِسْكين تصدق عَلَيْهِ فأهدى لَغَنِيّ د ق اسْتثْنِي الْغَنِيّوَالْجَوَاب أَن الخطابات مُقَيّدَة أَو خصوصة فِي المَال الَّذِي يحْتَاج إِلَيْهِ حَاجَة أَصْلِيَّة وَمَال الْمَدْيُون كَذَلِك فَلم يكن غَنِيا فَلَا تتناوله الخطاباتمَسْأَلَة الْمُسْتَفَاد من جنس النّصاب يضم إِلَى مَا عِنْده من النّصاب فِي حكم الْحول وَهُوَ قَول مَالك وَقَالَ الشَّافِعِي وَاحْمَدْ لَا يضم وَاتَّفَقُوا على الْأَوْلَاد والأرباح وعَلى خلاف الْجِنْس لنا قَوْله عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام فِي مِائَتي دِرْهَم خَمْسَة دَرَاهِم من غير فصلوروى أَنه عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام قَالَ إِن من السّنة شهرا تؤدون فِيهِ زَكَاة أَمْوَالكُم فَمَا حدث بعد ذَلِك فَلَا زَكَاة فِيهِ حَتَّى يَجِيء رَأس الشَّهْر ت بِمَعْنَاهُ وَقيل إِنَّه مَوْقُوف على عُثْمَان وَهُوَ قَول ابْن عَبَّاس(1/63)احْتَجُّوا بِمَا روى ابْن عمر وَأنس وَعَائِشَة أَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ لَا زَكَاة فِي مَال حَتَّى يحول عَلَيْهِ الْحول ت وَهَذَا مَا لم يحل عَلَيْهِ الْحول وَالْجَوَاب أَنه لَا يَصح لِأَن فِي إِسْنَاد ابْن عمر عبد الرحمن بن زيد(1/64)ضعفه التِّرْمِذِيّ وَالْجَمَاعَة وَقَالَ الدَّارَقُطْنِيّ الصَّحِيح أَنه عَن مَالك مَوْقُوف وَفِي إِسْنَاده (اسحق بن) إِبْرَاهِيم الحنيني لَيْسَ بمرضي قَالَ التِّرْمِذِيّ الْأَصَح أَن هَذَا الحَدِيث مَوْقُوف على ابْن عمر وَفِي إِسْنَاد أنس حسان بن سياه قَالَ الدَّارَقُطْنِيّ ضَعِيفوَفِي إِسْنَاد عَائِشَة (حَارِثَة) قَالَ أَحْمد (حَارِثَة) لَيْسَ بِشَيْء وَقَالَ يحيى لَيْسَ بِثِقَة وَلَو سلم فَهُوَ ناف وَمَا روينَا مُثبت لِأَن معنى الضَّم أَن تجب الزَّكَاة فِيهِ عِنْد تَمام الْحول وَعند الْخُصُوم يعْتَبر للْوُجُوب حول كَامِل(1/65)مَسْأَلَة أَثمَان الْإِبِل المزكاة لَا تضم إِلَى مَا عِنْده من النّصاب فِي حكم الْحول عِنْد أبي حنيفَة رَحمَه الله وَقَالا يضم وَصورته إِذا كَانَ لَهُ خمس من الْإِبِل وَمِائَتَا دِرْهَم فتم حول الْإِبِل فزكاها ثمَّ بَاعهَا بِدَرَاهِم لَا تضم إِلَى الْمِائَتَيْنِ بل يُرَاعى لَهَا حول على حِدة عِنْده وَعِنْدَهُمَا يزكّى الْجَمِيع عِنْد عَام حول الدَّرَاهِم لَهُ مَا روى أَنه عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام قَالَ لَا ثنى فِي الصَّدَقَة حد وَقَوله عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام إِن الله حرم عَلَيْكُم الرِّبَا أفيأخذه مِنْكُموَلَهُمَا مَا رُوِيَ أَن النَّبِي عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام قَالَ إِن من السّنة شهرا تؤدون فِيهِ زَكَاة أَمْوَالكُم فَمَا حدث بعد ذَلِك فَلَا زَكَاة فِيهِ حَتَّى يَجِيء رَأس ذَلِك الشَّهْر من غير فصل بَينهمَا إِذا كَانَت السّنة حائلة على جَمِيعهَا أَو على بَعْضهَاوَالْجَوَاب أَنه لَا يَصح مَرْفُوعا وَإِنَّمَا رَوَاهُ الزُّهْرِيّ مَوْقُوفا على عُثْمَان وَلَو سلم فقد خص عَنهُ المستفادات الْمُخْتَلفَة (بالحول)(1/66)مَسْأَلَة من عَلَيْهِ الزَّكَاة إِذا فرط فِي أَدَاء الزَّكَاة حَتَّى هلك النّصاب سَقَطت عَنهُ الزَّكَاة وَقَالَ مَالك وَالشَّافِعِيّ وَأحمد لَا تسْقط وعَلى هَذَا الْعشْر وَالْخَرَاج لنا قَوْله عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام فِي كل أَرْبَعِينَ شَاة شَاة وَفِي مِائَتي دِرْهَم خَمْسَة دَرَاهِم وَفِي للظريفة وَلم تبْق فَلَو كلفناه بِالْأَدَاءِ لَكَانَ تَكْلِيف الْعَاجِز وَإنَّهُ لَا يجوزاحْتَجُّوا بالعمومات الْوَارِدَة فِي الْبَاب إِلَّا أَن الْمحل قد فَاتَ وَله ولَايَة الدّفع إِلَى من يخْتَار فالتأخير لم يفوت على الْفَقِير حَقًامَسْأَلَة يجوز دفع الْقيم فِي الزَّكَاة وَهُوَ قَول عمر وَابْن عمر وَابْن مَسْعُود وَابْن عَبَّاس وَقَالَ مَالك وَالشَّافِعِيّ لَا يجوز وَعَن أَحْمد كالمذهبين وعَلى هَذَا الْخلاف الْعشْر وَالْخَرَاج وَصدقَة الْفطر وَالنُّذُور وَالْكَفَّارَات(1/67)لنا مَا روى الصنَابحِي أَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم خرج يَوْمًا إِلَى إبل الصَّدَقَة فَرَأى فِيهَا نَاقَة كوماء فَغَضب فَقَالَ ألم أنهاكم عَن كرائم أَمْوَال النَّاس فَقَالَ ارتجعتها ببعيرين فَسكت حدقَالَ أَبُو عبيد الارتجاع أَن يَأْخُذ سنا مَكَان سِنِين وَتلك تسمى رَجْعَة بِكَسْر الرَّاء وَمَعْنَاهُ إِذا وَجب على رب المَال أَسْنَان من الْإِبِل فَأخذ الْمُصدق مَكَانهَا أسنانا فَوْقهَا أَو دونهَا فَتلك رَجْعَة لِأَنَّهُ ارتجعها من الَّتِي وَجَبت على رَبهَا وَهَذَا عين الْبَدَل وَالنَّبِيّ عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام أقره على ذَلِك(1/68)وروى طَاوس أَن معَاذًا قَالَ لأهل الْيمن ائْتُونِي بِكُل خَمِيس أَو لبيس آخذه مِنْكُم مَكَان الذّرة وَالشعِير فَإِنَّهُ أَهْون عَلَيْكُم وأنفع لمن بِالْمَدِينَةِ من الْمُهَاجِرين ق وَلم يخف فعله على النَّبِي عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام وَلَا على الصَّحَابَةوروى مَسْرُوق عَن معَاذ قَالَ بَعثه النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم إِلَى الْيمن فَأمره أَن يَأْخُذ من كل ثَلَاثِينَ بقرة تبيعا أَو تبيعة وَمن كل أَرْبَعِينَ مُسِنَّة وَمن كل حالم دِينَارا أَو عدله معافر حدوروى البُخَارِيّ أَن أَبَا بكر رَضِي الله عَنهُ كتب كتاب الصَّدقَات إِلَى أنس وَكَانَ اسْتَخْلَفَهُ على الْبَحْرين هَذِه فَرِيضَة الصَّدَقَة الَّتِي فرض رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم على الْمُسلمين إِلَى أَن قَالَ فِي سِيَاقه وَمن بلغت صدقته الْجَذعَة وَلَيْسَ عِنْده جَذَعَة(1/69)وَعِنْده حقة فَإِنَّهَا تقبل مِنْهُ الحقة وَيجْعَل مَعهَا شَاتين إِن استيسرتا لَهُ أَو عشْرين درهما وَمن بلغت صدقته الحقة وَلَيْسَت عِنْده الحقة وَعِنْده الْجَذعَة فَإِنَّهَا تقبل مِنْهُ الجزعة وَيُعْطِيه الْمُصدق عشْرين درهما أَو شَاتين وَهَذَا دَلِيل على التعادل فِي الْقيمَة فَإِن قيل حَدِيث النَّاقة مُرْسل لِأَن طاوسا لم يلق معَاذًا وَلَعَلَّ السَّاعِي اشْتَرَاهَا ببعيرين بعد أَن قبضهماوروى عَن أبي عبيد أَن الارتجاع أَن يقدم الرجل الْمصر بإبله فيبيعها وَيَشْتَرِي بِثمنِهَا مثلهَا أَو غَيرهَا وَحَدِيث معَاذ مُرْسل أَيْضاأَو يحمل على الْجِزْيَة لِأَن مَذْهَب معَاذ لَا يرى نقل الزَّكَاة من بلد إِلَى بلد فسماها صَدَقَة مجَازًا قُلْنَا الْمُرْسل حجَّة عندنَا(1/70)وَلَو فسر الارتجاع بِمَا قَالُوا لَكَانَ على خلاف تَفْسِير أهل اللُّغَة فَكَانَ تعطيلا لَا تَأْوِيلا والساعي لَا يملك التَّصَرُّف على الْوَجْه الَّذِي قَالُوا وَلَا يَصح حمل حَدِيث معَاذ على الْجِزْيَة فَإِنَّهُ صَرِيح فَلَا يُعَارضهُ الِاحْتِمَالاحْتَجُّوا بقوله عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام وَفِي خمس وَعشْرين بنت مَخَاض خَ نَص على بنت مَخَاض فَلَا يجوز الْعُدُول إِلَى الْقيَاس مَعَ تَقْدِير الشَّرْعوَرُوِيَ أَنه عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام قَالَ لِمعَاذ لما بَعثه إِلَى الْيمن خُذ الْحبّ من الْحبّ وَالشَّاة من الْغنم وَالْبَعِير من الْإِبِل وَالْبَقَرَة من الْبَقر قالْجَواب أما الحَدِيث الأول ف فِي للظرفية وَقد لَا يكون فِي خمس وَعشْرين بنت مَخَاض فيتقدر بمالية بنت مَخَاضوَأما حَدِيث معَاذ فَظَاهره مَتْرُوك فَإِنَّهُ تُؤْخَذ الشَّاة من الْإِبِل فَكَانَ المُرَاد مِنْهُ الْأَوْلَوِيَّةومعاذ بعث إِلَى سكان المفاوز غَالِبا وهم كَانُوا أهل الْمَوَاشِي فَكَأَنَّهُ أمره أَن يَأْخُذ مِمَّن أَخذ الْإِبِل وَنَحْوهَا (أيسروا) أسهل عَلَيْهِ(1/71)مَسْأَلَة لَا تجب الزَّكَاة فِي مَال الصَّبِي وَالْمَجْنُون وَحكى عَن الْحسن الْبَصْرِيّ إِجْمَاع الصَّحَابَة على مثل مَذْهَبنَا وَقَالَ الشَّافِعِي وَاحْمَدْ تجب لنا مَا روى أَبُو عبيد أَن النَّبِي عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام كتب كتابا الى الْبَحْرين إِلَى الْعَلَاء بن الْحَضْرَمِيّ أما الْعِبَادَة فالصيام وَالْقِيَام وَالصَّدَََقَة النَّافِلَة بعد الزَّكَاة سَمَّاهَا عبَادَة وَالصَّبِيّ وَالْمَجْنُون ليسَا من أهل الْعِبَادَةوروت عَائِشَة رَضِي الله عَنهُ قَالَت قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم رفع الْقَلَم عَن ثَلَاثَة عَن الصَّبِي حَتَّى يَحْتَلِم وَعَن النَّائِم حَتَّى يَسْتَيْقِظ وَعَن الْمَجْنُون حَتَّى يعقل (حد)احْتَجُّوا بِمَا روى عَمْرو بن شُعَيْب عَن أَبِيه عَن جده أَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم خطب فَقَالَ ابْتَغوا فِي أَمْوَال الْيَتَامَى خيرا لِئَلَّا تأكلها الزَّكَاة ق وَفِي رِوَايَة عَمْرو أَيْضا لِئَلَّا تأكلها الصَّدَقَة وَفِي رِوَايَة عَمْرو أَيْضا وَمن ولي يَتِيما لَهُ مَال فليتجر لَهُ وَلَا يتْركهُ حَتَّى تَأْكُله الصَّدَقَة(1/72)وروى عَمْرو أَيْضا عَن أَبِيه عَن جده أَن النَّبِي عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام قَالَ فِي مَال الْيَتِيم زَكَاة قوَالْجَوَاب أما الرِّوَايَة الأولى فَفِيهَا مُحَمَّد بن عبيد الله الْعَرْزَمِي ضعفه الدَّارَقُطْنِيّ وَفِي الرِّوَايَة الثَّانِيَة المثني بن الصَّباح قَالَ أَحْمد لَا يُسَاوِي شَيْئا وَأما الرِّوَايَة الثَّالِثَة فَفِيهَا منْدَل قَالَ ابْن حبَان كَانَ يرفع الْمَرَاسِيل ويسند الْمَوْقُوفَات من سوء حفظه فَلَمَّا فحش ذَلِك مِنْهُ اسْتحق التّرْك وَقَالَ الدَّارَقُطْنِيّ الْأَصَح أَنه من كَلَام عَمْرو وَأما الرِّوَايَة الرَّابِعَة فَفِي إسنادها من ذكرنَا من الضُّعَفَاءعلى أَن أَحَادِيث عَمْرو بن شُعَيْب عَن أَبِيه عَن جده لَا تصح عِنْد الحذاق من أهل الصَّنْعَة(1/73)قَالَ أَبُو حَاتِم الْحَافِظ لَا يجوز الِاحْتِجَاج بِأَحَادِيث عَمْرو لِأَنَّهَا لَا تَخْلُو من أَن تكون مُرْسلَة أَو مُنْقَطِعَة لِأَن عَمْرو بن شُعَيْب بن مُحَمَّد بن عبد الله بن عَمْرو بن الْعَاصِ فَإِذا روى عَن أَبِيه عَن جده وَأَرَادَ بجده مُحَمَّدًا فمحمد لَا صُحْبَة لَهُ وَإِن أَرَادَ عبد الله فأبوه شُعَيْب لم يلق عبد الله فَلم يبْق إِلَّا مُنْقَطِعًا والمنقطع لَيْسَ بِحجَّةفَإِن قَالُوا قد كَانَ يحيى بن معِين يكْتب حَدِيث المثني والعرزمي روى عَنهُ سُفْيَانقُلْنَا قَالَ يحيى بن سعيد إِن المثني اخْتَلَط وَالْجرْح مقدم ثمَّ مَدَاره على عَائِشَة وَالأَصَح من مذهبها مثل قَوْلنَا وَذَلِكَ يُوجب وَهنا فِي الرِّوَايَة والعرزمي(1/74)ضَعِيف باتفاقهم وَلَو سلمت كَانَت أَخْبَار آحَاد وَردت فِيمَا (تعم) بِهِ الْبلوىوَالْمَسْأَلَة مُخْتَلف فِيهَا بَين الصَّحَابَة وَلَو كَانَت ثَابِتَة لما اخْتلفُوا وَلَو سلمت حملت على النَّفَقَة لِأَن اسْم الصَّدَقَة ينْطَلق عَلَيْهَا قَالَ عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام نَفَقَة الرجل على نَفسه وَعِيَاله صَدَقَةوَفِيه أَيْضا دَلِيل عَلَيْهِ فَإِنَّهُ أضَاف الْأكل إِلَى جَمِيع المَال وَالنَّفقَة هِيَ الَّتِي تَأْكُله لَا الزَّكَاة أَو يحمل قَوْله فيلزك مَاله أَي يتَصَرَّف فِيهِ لينمو لِأَن التَّزْكِيَة هِيَ التنمية وَالله أعلم(1/75)= كتاب الصَّوْم =مَسْأَلَة يَصح صَوْم رَمَضَان من الصَّحِيح الْمُقِيم (فِي الْمصر) بِمُطلق النِّيَّة وبنية النَّفْل وبنية وَاجِب آخروَقَالَ الشَّافِعِي وَاحْمَدْ لَا يَصحلنا قَوْله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم الصَّوْم لي وَأَنا أجزي بِهِ خَ م فَدلَّ على أَن جملَة الصّيام يَقع لله تَعَالَىاحْتَجُّوا بِمَا روينَا من قَوْله عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام وَلكُل امرىءما نوى وَهَذَا لم ينْو الْفَرْض وَلَا غَيره فَيكون عابثاوَالْجَوَاب أَنه نوى عبَادَة الصَّوْم (فِي هذااليوم) فَحصل لَهُ ذَلِكمَسْأَلَة إِذا صَامَ رَمَضَان بنية قبل انتصاف النَّهَار جَازَ وَقَالَ الشَّافِعِي وَاحْمَدْ لَا يجوزوَاتَّفَقُوا على أَن صَوْم النَّفْل يتَأَدَّى بنيته قبل الزَّوَال وَإِن كَانَ صوما مَا لم ينْعَقد بعد الزَّوَالوَعند مَالك لَا يَصح التَّطَوُّع إِلَّا بنية من اللَّيْل(1/76)لنا مَا روى سَلمَة بن الْأَكْوَع قَالَ أَمر النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم رجلا من أسلم أَن أذن فِي النَّاس من كَانَ أكل فليصم بَقِيَّة يَوْمه وَمن لم يكن أكل فليصم فَإِن الْيَوْم يَوْم عَاشُورَاء خَ م فَدلَّ على جَوَاز الصَّوْم فِي أثنار النَّهَارفَإِن قيل كَانَ ذَلِك الصَّوْم نفلا وَلَا كَلَام فِيهِ إِنَّمَا الْكَلَام فِي الْفَرْض وَإِنَّمَا كَانُوا يَصُومُونَ عَاشُورَاء بطرِيق الشُّكْر وَالصَّوْم على هَذَا الْوَجْه لَا يكون فرضاوَلما خطب مُعَاوِيَة بِالْمَدِينَةِ قَالَ يَا أهل الْمَدِينَة أَيْن عُلَمَاؤُكُمْ سَمِعت النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يَقُول هَذَا يَوْم عَاشُورَاء وَلم يفْرض علينا صِيَامه فَمن شَاءَ مِنْكُم أَن يَصُوم فليصم فَإِنِّي صَائِم فصَام النَّاس حد فَالْجَوَاب قد ثَبت أَن صَوْم عَاشُورَاء كَانَ هُوَ الْفَرْض وَإِنَّمَا نسخ برمضانوَالدَّلِيل عَلَيْهِ أَنه ص فصل بَين من أكل وَبَين من لم يَأْكُل فأمربالصيام من لم يَأْكُل وبالتشبه من أكلوالتشبه إِنَّمَا يكون فِي الْفَرْض دون النَّفْل ثمَّ هُوَ أَمر وَمُقْتَضَاهُ الْوُجُوب وصومه(1/77)بطرِيق الشُّكْر لَا يَنْفِي الْوُجُوب قِيَاسا على سَائِر الْعِبَادَات فَإِنَّهَا وَجَبت شكرا لله تَعَالَىوَمَا رُوِيَ عَن مُعَاوِيَة لَا حجَّة فِيهِ لِاتِّفَاق الْعلمَاء على نسخه بِشَهْر رَمَضَان ثمَّ هُوَ ناف وحديثنا مُثبت فَيقدماحْتَجُّوا بِمَا رَوَت عَائِشَة رَضِي الله عنهاأن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ من لم يبيت الصّيام قبل طُلُوع الْفجْر فَلَا صِيَام لَهُ ق وروت حَفْصَة عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَنه قَالَ من لم يجمع الصّيام من اللَّيْل فَلَا صِيَام لَهُ قوروت ميمونه بنت سعد قَالَت سَمِعت رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يَقُول من أجمع الصَّوْم من اللَّيْل فليصم وَمن أصبح وَلم يجمعه فَلَا يصم ق وَفِي رِوَايَة من لم يبيت وَفِي رِوَايَة أُخْرَى من لم يعزم(1/78)وكل هَذِه الرِّوَايَات تدل على اشْتِرَاط التبييت والتقديم وَالْجَوَاب أما حَدِيث عَائِشَة رَضِي الله عَنْهَا فَيحمل على نفي الْكَمَال وَقد خص مِنْهُ صَوْم النَّفْل وَأما حَدِيث حَفْصَة فموقوف عَلَيْهَا وَأما حَدِيث مَيْمُونَة فَفِيهِ الْوَاقِدِيّ اتَّفقُوا على تَضْعِيفه وَلَو سلما حملا على مَا قُلْنَا تَوْفِيقًا بَين الدَّلَائِلوَقد احْتج أَصْحَابنَا بِمَا روى أَن أَعْرَابِيًا شهد عِنْد النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فِي رَمَضَان بعد طُلُوع الشَّمْس بِرُؤْيَة الْهلَال فَأمر مناديه أَن يُنَادي من أكل فليمسك وَمن لم يَأْكُل فليصمقلت وَهَذَا اللَّفْظ لَا يعرف وَإِنَّمَا الْمَشْهُور الَّذِي رَوَاهُ الدَّارَقُطْنِيّ أَن أَعْرَابِيًا(1/79)شهد عِنْد النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم لَيْلَة رَمَضَان بِرُؤْيَة الْهلَال وذكرالحديث مَسْأَلَة إِذا نذر صَوْم يَوْم النَّحْر وَأَيَّام التَّشْرِيق صَحَّ نَذرهوَقَالَ زفر لَا يَصح وَهُوَ قَول مَالك وَالشَّافِعِيّ وَأحمد وَرِوَايَة ابْن الْمُبَارك عَن أبي حنيفَة رَحمَه الله وَالْأولَى أَن يَصُوم يَوْمًا آخر مَكَانَهُ وَلَو صَامَ فِي هَذَا خرج عَن عُهْدَة النّذر خلافًا لَهُم وَلَا يلْزمه الْمُضِيّ بِالشُّرُوعِ وَلَا الْقَضَاء بالإفساد عِنْد أبي حنيفَة وَمُحَمّد رحمهمَا الله وَعند أبي يُوسُف رَحمَه الله يلْزمه الْمُضِيّ وَالْقَضَاء لنا مَا روى عمر وَأَبُو سعيد وَأَبُو هُرَيْرَة رَضِي الله عَنْهُم أَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم نهى عَن صِيَام يَوْمَيْنِ يَوْم الْفطر وَيَوْم النَّحْر خَ م(1/80)وروى عَليّ رَضِي الله عَنهُ قَالَ قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم إِن هَذِه أَيَّام أكل وَشرب قُم فَأذن عني لَا صَوْم فِيهَا حدوَالنَّهْي يَقْتَضِي تصور المنهى عَنهُ لِأَنَّهُ عَمَّا لَا يتَصَوَّر لَغْو لِأَنَّك لَا تَقول (للأكمه) لَا تنظر وَلَا للأعمى لَا تبصر فَكَانَ الْمنْهِي عَنهُ غير الصَّوْموروت عَائِشَة رَضِي الله عَنْهَا أَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ من صَامَ ثَلَاثَة أَيَّام من كل شهر فَكَأَنَّمَا صَامَ الدَّهْر الثَّالِث عشر وَالرَّابِع عشر وَالْخَامِس عشر خَ م فقد تنَاول آخر أَيَّام التَّشْرِيق وَفِي رِوَايَة لم يكن النَّبِي عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام يُبَالِي من أَي الشَّهْر يَصُوم خَ م احْتَجُّوا بِهَذِهِ الْأَحَادِيث وَوجه الْحجَّة أَنَّهَا صَرِيحَة فِي النَّهْي وَذَلِكَ دَلِيل الْحُرْمَة وَكَذَا أَشَارَ فِي الحَدِيث بقوله عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام إِنَّهَا أَيَّام أكل وَشرب فَمَتَى(1/81)وجد الصَّوْم كَانَ أمرا بضدهوروت عَائِشَة رَضِي الله عَنْهَا قَالَت قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم من نذر أَن يُطِيع الله فليطعه وَمن نذر أَن يعصيه فَلَا يَعْصِهِ خَ م وروى عمرَان بن حُصَيْن رَضِي الله عَنهُ قَالَ قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم لانذر فِي مَعْصِيّة الله تَعَالَى موَالْجَوَاب قد بَينا أَن الْمعْصِيَة صَوْم يَوْم النَّحْر لَا نفس الصَّوْم وَنحن لَا ندعي وجود النّذر بِصَوْم يَوْم النَّحْر وَإِنَّمَا ندعي وجود النّذر بِنَفس الصَّوْم وَأَنه مَوْجُود وَقد يتَصَوَّر ان لَا يُوجد معنى الدعْوَة بِأَن تقدم القرابين أَو لَا يُوجد من هُوَ من أَهلهَا فَتبْطل الدعْوَة لِأَنَّهَا بلحوم القرابين مَسْأَلَة الْمَجْنُون إِذا أَفَاق فِي شهر رَمَضَان يلْزمه قَضَاء مَا مضى وَقَالَ زفر لَا يلْزمه وَهُوَ قَول الشَّافِعِي وَاحْمَدْلنا عمومات الْكتاب الْمُوجبَة للصَّوْم كَقَوْلِه تَعَالَى {فَمن كَانَ مِنْكُم مَرِيضا أَو على سفر فَعدَّة من أَيَّام أخر} ومعنا فليصم عدَّة(1/82)احْتَجُّوا بِمَا روينَا من قَوْله عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام رفع الْقَلَم عَن ثَلَاثَة الحَدِيث نفى الْخطاب عَن الْمَجْنُون قبل الْإِفَاقَة فَإِذا خُوطِبَ بِالْوُجُوب يتَضَرَّروَالْجَوَاب أَن المُرَاد مِنْهُ رفع الْقَلَم من حق الْأَدَاء لَا فِي حق الْوُجُوب ثمَّ هُوَ خبر (آحَاد) ورد على مُخَالفَة الْكتاب فَلَا يقبل أَو يحمل على مَا أولناه تَوْفِيقًا بَين الْأَدِلَّةمَسْأَلَة الْمُنْفَرد بِرُؤْيَة الْهلَال إِذا رد القَاضِي شَهَادَته صَامَ بالِاتِّفَاقِ وَلَو أفطر بِالْجِمَاعِ لَا كَفَّارَة عَلَيْهِ عندنَا وَقَالَ الشَّافِعِي وَاحْمَدْ عَلَيْهِ الْكَفَّارَةوَلَو أفطر قبل أَن يرد الإِمَام شَهَادَته أَو بعد أَدَائِهَا قبل الرَّد لَا رِوَايَة فِيهِ عَن أَصْحَابنَا وَاخْتلف الْمَشَايِخ فِيهِلنا مَا روى أَبُو هُرَيْرَة رَضِي الله عَنهُ أَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ من أفطر فِي رَمَضَان فَعَلَيهِ مَا على الْمظَاهر ق علق وجوب الْكَفَّارَة (بالإفطار) فِي نَهَار رَمَضَان فَلَا يجب عَلَيْهِ لفَوَات شَرطهوروى أَن رجلا أخبر عمر رَضِي الله عَنهُ بِرُؤْيَة الْهلَال فَمسح عمر على حَاجِبه ثمَّ قَالَ أَيْن الْهلَال فَقَالَ فقدته يَا أَمِير الْمُؤمنِينَ فَعلم أَن شَعْرَة من حَاجِبه تقوست فظنها هلالا فَاحْتمل أَن لَا يكون من رَمَضَان فَلَا تتَعَلَّق بِهِ الْكَفَّارَة(1/83)احْتَجُّوا بِمَا روى أَبُو هُرَيْرَة رَضِي الله عَنهُ أَن رجلا جَاءَ إِلَى النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَقَالَ هَلَكت فَقَالَ مَا أهْلكك قَالَ واقعت أَهلِي فِي رَمَضَان فَقَالَ أتجد رَقَبَة تعتقها قَالَ لَا قَالَ أتستطيع أَن تَصُوم شَهْرَيْن مُتَتَابعين قَالَ لَا قَالَ أتستطيع أتطعم سِتِّينَ مِسْكينا قَالَ لَا قَالَ فاجلس فَأتي النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم بعرق من تمر والعرق المكتل الضخم فَقَالَ لَهُ تصدق بِهَذَا فَقَالَ مَا بَين لابتيها أهل بَيت أفقر منا فَضَحِك رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَقَالَ أطْعمهُ أهلك خَ م وَالْمُنْفَرد هَكَذَا نقُول وَالْجَوَاب لم يثبت كَون هَذَا الْيَوْم من رَمَضَان أَو تمكنت فِيهِ الشُّبْهَةوَقد احْتج بعض أَصْحَابنَا بِمَا روى أَبُو هُرَيْرَة رَضِي الله عَنهُ أَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ صومكم يَوْم تصومون وفطركم يَوْم تفطرون ت ق إِلَّا أَن التِّرْمِذِيّ قَالَ هُوَ غَرِيب وَفِي إِسْنَاد الدَّارَقُطْنِيّ مُحَمَّد بن عمر الْوَاقِدِيّ ضَعِيف(1/84)مَسْأَلَة الْإِفْطَار بِالْأَكْلِ وَالشرب فِي نَهَار رَمَضَان مُتَعَمدا يُوجب الْكَفَّارَة عندنَا وَهُوَ قَول مَالك وَقَالَ الشَّافِعِي وَاحْمَدْ لَا يُوجب وَاتَّفَقُوا على وُجُوبهَا بالوقاعلنا مَا روى أَن رجلا جَاءَ إِلَى النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَقَالَ أفطرت يَوْمًا من رَمَضَان فَقَالَ أعتق رَقَبَة أَو صم شَهْرَيْن مُتَتَابعين أَو أطْعم سِتِّينَ مِسْكينا قوَفِي روايه أبي هُرَيْرَة أَن رجلا أكل فِي رَمَضَان فَأمره النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم بِأَن يعْتق رَقَبَة أَو يَصُوم شَهْرَيْن مُتَتَابعين أَو يطعم سِتِّينَ مِسْكينا ق وَفِي رِوَايَة أبي هُرَيْرَة أَيْضا أَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَمر الَّذِي أفطر يَوْمًا من رَمَضَان بكفارة الظِّهَار قفَإِن قيل هَذَا حَدِيث الْأَعرَابِي الَّذِي وَاقع أَهله فِي رَمَضَان بِعَيْنِه وَإِنَّمَا عبر بعض الروَاة عَن الْجِمَاع بِالْفطرِ والجم الْغَفِير على لَفْظَة الْجِمَاع وَأما الحَدِيث الثَّانِي وَهُوَ لَفْظَة الْأكل فَفِي إِسْنَاده أَبُو معشر ضَعِيف واسْمه نجيح(1/85)وَأما الثَّالِث فَفِي إِسْنَاده يحيى الْحمانِي تكلم فِيهِ أَحْمد قُلْنَا قد روى لَفْظَة الْفطر خلق كثير مِنْهُم مَالك وَيحيى بن سعيد وَابْن(1/86)جريج وَأَبُو أويس وفليح بن سُلَيْمَان وَعمر بن عُثْمَان المَخْزُومِي وَيزِيد(1/87)بن عِيَاض وشبل بن عباد وَاللَّيْث بن سعد وَابْن عُيَيْنَة وَإِبْرَاهِيم بن سعد عَن الزُّهْرِيّ رَضِي الله عَنْهُم أرجلا أفطر وَلنْ يجْتَمع هَؤُلَاءِ عل الضَّلَالَةاحْتَجُّوا بِحَدِيث الْأَعرَابِي وَوجه الْحجَّة مِنْهُ أَنه علق الْكَفَّارَة بِالْجِمَاعِ وَالْكَفَّارَات لَا تثبت قِيَاسا بل نصا(1/88)وَالْجَوَاب أَنه معَارض بِمَا روينَا وَمَا روينَاهُ مُثبت فيترجح مَسْأَلَة الكفارتان تتداخلان وَقَالَ الشَّافِعِي لَا تتداخلان وَصورته أَن يُجَامع فِي نَهَار رَمَضَان مُتَعَمدا فِي يَوْم ثمَّ يُجَامع فِي الْيَوْم الثَّانِي ثمَّ فِي الثَّالِث وَلم يكفر فَعَلَيهِ لذَلِك كَفَّارَة واحده عندنَا وَعِنْدهم لكل يَوْم كَفَّارَة وَأَجْمعُوا على أَنه لَو أفطر بِالْجِمَاعِ ثمَّ كفر ثمَّ أفطر (أَنه) تجب كفارتان وروى عَن أبي حنيفَة رَحمَه الله أَنه لَا تجب إِلَّا كَفَّارَة وَاحِدَة لنا مَا رَوَت عَائِشَة رَضِي الله عَنْهَا أَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ ادرأوا الْحُدُود بِالشُّبُهَاتِ وَفِي رِوَايَة أبي دَاوُد ادرءوا الْحُدُود عَن الْمُسلمين(1/89)والشبهة متمكنة فِي حق وجوب الْكَفَّارَة لِأَنَّهُ يحْتَمل أَن يحصل الانزجار ومحو الذَّنب بِالْإِعْتَاقِ الأولواحتجو بِمَا روينَا من قَوْله عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام من أفطر فِي رَمَضَان فَعَلَيهِ مَا على الْمظهر وَبِحَدِيث الْأَعرَابِي وَهَذَا يتَنَاوَل الْيَوْم الثَّانِي كَمَا يتَنَاوَل الْيَوْم الأول وَالْجَوَاب لَا حجَّة فِيهِ لِأَنَّهُ لَا يَقْتَضِي التّكْرَار وَالْكَلَام فِيهِ وَأما حَدِيث الْأَعرَابِي فالنبي عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام لم يستفسره فيكتفي بكفارة وَاحِدَةمَسْأَلَة إِذا شرع فِي صَوْم التَّطَوُّع أَو صَلَاة التَّطَوُّع لزمَه الْمُضِيّ وَلَو أفطر لزمَه الْقَضَاء وَهُوَ قَول أبي بكر وَابْن عَبَّاس وَمَالك وَقَالَ الشَّافِعِي وَاحْمَدْ لَا يلْزمه الْمُضِيّ وَلَو أفسد لَا قَضَاء عَلَيْهِ لنا على الأول قَوْله تَعَالَى {وَلَا تُبْطِلُوا أَعمالكُم}وعَلى الثَّانِي مَا رَوَت عَائِشَة رَضِي الله عَنْهَا قَالَت أَصبَحت أَنا وَحَفْصَة صائمتين فأهديت لنا شَاة فأكلنا فَدخل علينا النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَأَخْبَرنَاهُ فَقَالَ صوما يَوْمًا(1/90)مَكَانَهُ حد وَفِي لفظ آخر أبدلا أَمر بِالْقضَاءِ والأمرللوجوبوَفِي رِوَايَة كنت أَنا وَحَفْصَة صائمتين فَعرض لنا طَعَام فاشتهيناه فأكلنا مِنْهُ فجَاء النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فبدرتني إِلَيْهِ حَفْصَة وَكَانَت ابْنة أَبِيهَا فَأَخْبَرته فَقَالَ اقضيا يَوْمًا آخر مَكَانَهُوَعَن عَائِشَة رَضِي الله عَنْهَا قَالَت دخل عَليّ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَقَالَ إِنِّي أُرِيد الصَّوْم فأهدي لَهُ حيس فَقَالَ إِنِّي آكل وَأَصُوم يَوْمًا مَكَانَهُ قوَعَن إِبْرَاهِيم بن عبيد قَالَ صنع أَبُو سعيد الْخُدْرِيّ طَعَاما فَدَعَا النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَأَصْحَابه فَقَالَ رجل من الْقَوْم إِنِّي صَائِم فَقَالَ لَهُ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم صنع لَك أَخُوك وتكلف لَك أفطر وصم يَوْمًا مَكَانَهُ قوَعَن ثَوْبَان قَالَ كَانَ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم صَائِما فِي غير رَمَضَان فَأَصَابَهُ غم فآذاه فقاء فَدَعَا بِوضُوء فَتَوَضَّأ ثمَّ أفطر فَقلت يَا رَسُول الله أفريضة الْوضُوء من الْقَيْء(1/91)قَالَ لَو كَانَ فَرِيضَة لوجدته فِي الْقُرْآن قَالَ ثمَّ صَامَ من الْغَد فَسَمعته يَقُول هَذَا مَكَان إفطاري أمس ق وَعَن أم سَلمَة انها صَامت يَوْمًا تَطَوّعا فأفطرت فَأمرهَا النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَن تقضي يَوْمًا مَكَانَهُ ق فَإِن قيل فقد قَالَ الدَّارَقُطْنِيّ فِي الحَدِيث الأول وَالثَّانِي إنَّهُمَا لَا يثبتانوَأما الثَّالِث فقد قَالَ الدَّارَقُطْنِيّ لم يروه بِهَذَا اللَّفْظ عَن ابْن عُيَيْنَة غير الْبَاهِلِيّ وَلم يُتَابع على قَوْله وَأَصُوم يَوْمًا مَكَانَهُ وَلَعَلَّه شبه عَلَيْهِ لِكَثْرَة من خَالفه عَن ابْن عُيَيْنَةوَأما الرَّابِع فَقَالَ الدَّارَقُطْنِيّ هُوَ مُرْسل وَفِي إِسْنَاده مُحَمَّد بن أبي حميد ضعفه سعيد وَالنَّسَائِيّ وَابْن حبَان وَأما الْخَامِس فَفِي إِسْنَاده عتبَة بن السكن قَالَ الدَّارَقُطْنِيّ مَتْرُوك(1/92)وَأما السَّادِس فَفِي طَرِيقه الضَّحَّاك بن حمرَة ضعفه ابْن معِين وَأَبُو زرْعَة قُلْنَا أما الأول وَالثَّانِي فَقَالَ التِّرْمِذِيّ رَوَاهُمَا مَالك بن أنس وَمعمر وَعبيد الله بن عمر وَزِيَاد بن سعد وَغير وَاحِد من الْحفاظ عَن الزُّهْرِيّ عَن عَائِشَة رَضِي الله عَنْهَا مُرْسلا وَلم يذكرُوا فِيهِ عَن عُرْوَة والمراسيل حجَّة عندنَاوَأما طعن الدَّارَقُطْنِيّ فَلَا يقبل إِذا انْفَرد لما عرف من عصبيته فِي الْمسَائِل الَّتِي يعْتَمد عَلَيْهَا أَصْحَابنَا وَقد روى الْحَدِيثين الْأَوَّلين المتصلين أبوداود(1/93)احْتَجُّوا بِمَا رَوَت جوَيْرِية أَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم دخل عَلَيْهَا فِي يَوْم الْجُمُعَة هِيَ صَائِمَة فَقَالَ لَهَا أصمت أمس قَالَت لَا قَالَ اتصومين غَدا قَالَت لَا قَالَ فافطري ح وَفِي رِوَايَة الْمسند فافطري إِذاوَعَن عَائِشَة رَضِي الله عَنْهَا أَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم كَانَ يَأْتِيهَا وَهُوَ صَائِم فَيَقُول أصبح عنْدكُمْ شَيْء تطعمونيه فَتَقول لَا مَا أصبح عندنَا شَيْء فَيَقُول إِنِّي صَائِم ثمَّ جاءها بعد ذَلِك فَقَالَت أهديت لنا هَدِيَّة (وَقد خبأت لَك شَيْئا) قَالَ ماهو قَالَت حيس قَالَ قد أَصبَحت صَائِما فَأكل م وَفِي رِوَايَة الدَّارَقُطْنِيّ أَنه صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ لَهَا إِذن أطْعم وَإِن كنت قد فرضت الصَّوْموروت أم سَلمَة رَضِي الله عَنْهَا أَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم كَانَ يصبح من اللَّيْل وَهُوَ يُرِيد الصَّوْم فَيَقُول أعندكم شَيْء أَتَاكُم شَيْء قَالَت (فَنَقُول أَو لم تصبح(1/94)صَائِما فَيَقُول) بلَى وَلَكِن لَا بَأْس أَن أفطر مَا لم يكن نذرا أَو قَضَاء من رَمَضَان قوَعَن أم هانىء قَالَت كنت قَاعِدَة عِنْد النَّبِي عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام فَأتى بشراب فَشرب مِنْهُ ثمَّ ناولني فَشَرِبت فَقلت إِنِّي أذنبت فَاسْتَغْفر لي فَقَالَ وَمَا ذَاك قلت كنت صَائِمَة فأفطرت فَقَالَ أَمن قَضَاء كنت تقضينه قلت لَا قَالَ فَلَا يَضرك توَفِي رِوَايَة الْمسند أَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم دخل على أم هانىء فَدَعَا بشراب فَشرب مِنْهُ ثمَّ ناولها فَشَرِبت وَقَالَت يَا رَسُول الله أما إِنِّي كنت صَائِمَة فَقَالَ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم إِن الصَّائِم المتطوع أَمِير نَفسه إِن شَاءَ صَامَ وَإِن شَاءَ أفطروَفِي لفظ الْمسند أَيْضا فَشرب ثمَّ ناولني فَقلت إِنِّي صَائِمَة فَقَالَ إِن المتطوع أَمِير نَفسه فَإِن شِئْت فصومي وَإِن شِئْت فأفطريوَفِي رِوَايَة الْمسند أَيْضا فناولها لتشرب فالت إِنِّي صَائِمَة وَلَكِنِّي كرهت أَن أرد سؤرك فَقَالَ إِن كَانَ قَضَاء من رَمَضَان فاقضي يَوْمًا مَكَانَهُ وَإِن كَانَ تَطَوّعا فَإِن شِئْت فاقضي وَإِن شِئْت فَلَا تقضي(1/95)وَرُوِيَ أَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ الصَّائِم المتطوع أَمِير نَفسه إِن شَاءَ صَامَ وَإِن شَاءَ أفطر حدوَالْجَوَاب أما حَدِيث جوَيْرِية فَإِنَّمَا أمرهَا بالإفطار عِنْد تَحْقِيق وَاحِد من الْأَعْذَار كالضيافة وَكَذَا حَدِيث عَائِشَة رَضِي الله عَنْهَا مَحْمُول على هَذَا وَأما حَدِيث أم سَلمَة رَضِي الله عَنْهَا فَفِيهِ مُحَمَّد بن عبيد الله الْعَرْزَمِيوَأما حَدِيث أم هانىء فمطلق الْإِفْطَار غير مُوجب للْقَضَاء بل الْمُوجب الْإِفْطَار فِي الصَّوْم الْمَشْرُوع فَلم قُلْتُمْ إِنَّه كَانَ مَشْرُوعا لِأَنَّهُ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم لما دَعَاهَا صَار الصَّوْم عَلَيْهَا حَرَامًاوَأما الحَدِيث الْأَخير فَمَحْمُول على الصَّائِم المتردد وَلِهَذَا روى مَا لم تزل الشَّمْس مد الْخيرَة إِلَى الزَّوَال فَكَانَت خيرة الشُّرُوع لَا خيرة الْإِبْطَال على أَنَّهَا أَخْبَار آحَاد وَردت على مُخَالفَة الْكتاب وَهُوَ مَا تلونا فَترد وَلَو وَقع التَّعَارُض بَين الْأَخْبَار فالترجيح مَعنا لثَلَاثَة أوجه أَحدهَا إِجْمَاع الصَّحَابَة وَالثَّانِي إِن أحاديثنا مثبتة وأحاديثهم نَافِيَة والمثبت مقدم وَالثَّالِث أَنه احْتِيَاط فِي الْعِبَادَة مَسْأَلَة المطاوعة فِي الوقاع فِي نَهَار رَمَضَان يجب عَلَيْهَا الْكَفَّارَة عندنَا وَهُوَ قَول أَحْمد(1/96)وَقَالَ الشَّافِعِي لَا كَفَّارَة عَلَيْهَا لنا مَا روينَا من قَوْله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم من أفطر فِي نَهَار رَمَضَان فَعَلَيهِ مَا على الْمظَاهر من غير فصل بَين مفطر ومفطرة وَهَذِه مفطرة فيتناولها الحَدِيثاحْتج بِحَدِيث الْأَعرَابِي الَّذِي وَاقع اهله فِي رَمَضَان وَالْحجّة مِنْهُ أَنه صلى الله عَلَيْهِ وَسلم لم يَأْمُرهُ فِي حق الْمَرْأَة بِشَيْء وَالْجَوَاب من وُجُوه أَحدهمَا أَنه يحتم أَنه ذكر حكمهَا وَلم ينْقل وَالثَّانِي أَنه اسْتِدْلَال بِعَدَمِ والعدم لَا صِيغَة لَهُ وَالثَّالِث أَن فِي سِيَاق الحَدِيث هَلَكت وأهلكت وَفِيه إِشَارَة إِلَى أَنه(1/97)أكرهها والمكرهة لَا تجب عَلَيْهَا الْكَفَّارَة وَبَاقِي الْأَجْوِبَة (ذَكرنَاهَا) فِي الخلافيات(1/98)= كتاب الْحَج =مَسْأَلَة الْحَج وَاجِب على الْفَوْر عِنْد أبي حنيفَة رَحمَه الله فِي الْأَصَح وَهُوَ قَول أبي يُوسُف حَتَّى يَأْثَم بِالتَّأْخِيرِ عَن أول وَقت الْإِمْكَان وَهُوَ السّنة الأولى عِنْد اجْتِمَاع الشَّرَائِط وَهُوَ قَول مَالك وَأحمد وَقَالَ أَحْمد على التَّرَاخِي وَهُوَ قَول الشَّافِعِي وَهُوَ رِوَايَة عَن أبي حنيفَة رَحمَه الله لنا مَا روى أَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ من ملك زادا وراحلة تبلغه الْبَيْت الْحَرَام فَلم يحجّ فليمت إِن شَاءَ يَهُودِيّا أَو نَصْرَانِيّا ت وَالْفَاء للتعقيب أَي عقيب ملك الزَّاد وَالرَّاحِلَةوَعَن عمر رَضِي الله عَنهُ لقد هَمَمْت بِأَقْوَام وجدوا الزَّاد وَالرَّاحِلَة وَلم يحجوا أَن اخرب عَلَيْهِم بُيُوتهم بِمحضر من الصَّحَابَة من غير نَكِير فَإِن قيل فِي إِسْنَاده هِلَال والْحَارث ضعيفان(1/99)وَلَو سلم حمل على الِاعْتِقَاد بِدَلِيل قَوْله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فليمت إِن شَاءَ يَهُودِيّا أَو نَصْرَانِيّا قُلْنَا لَيْسَ فِي الْبَاب حَدِيث يُعَارضهُ وَحمله على الِاعْتِقَاد إِثْبَات زِيَادَة لَا يتَعَرَّض لَهَا الحَدِيث احْتَجُّوا بعفله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَإِنَّهُ حج سنة عشر من الْهِجْرَة وَالْحج فرض سنة خمس وَمَكَّة فتحت سنة ثَمَان فقد أخر صلى الله عَلَيْهِ وَسلم مَعَ الِاسْتِطَاعَة وَلَو كَانَ على الْفَوْر لما أَخّرهُ وَالْجَوَاب أَنه قد روى أَن الْحَج فرض سنة تسع وَلَئِن ثبتَتْ الرِّوَايَة الْأُخْرَى فعنها اجوبة أَحدهَا أَن الله تَعَالَى أعلمهُ أَنه لَا يَمُوت حَتَّى يحجّ بِدَلِيل قَوْله تَعَالَى {لتدخلن الْمَسْجِد الْحَرَام} فَكَانَ على يَقِين من الْإِدْرَاك الثَّانِي خَوفه على الْمَدِينَة وعَلى نَفسه وَلِهَذَا كَانَ يحترس حَتَّى نزل قَوْله تَعَالَى {وَالله يَعْصِمك من النَّاس} فأزال الحرس وَالثَّالِث اشْتِغَاله بتمهيد قَوَاعِد الدّين وَتَعْلِيم الْعِبَادَات وَالْجهَاد الرَّابِع ظُهُور الْمُشْركين على مَكَّة فَلَمَّا نَادَى لَا يحجّ الْبَيْت بعد الْعَام مُشْرك حج(1/100)مَسْأَلَة (الصرورة) إِذا حج بنية النَّفْل أَو النّذر أَو عَن الْغَيْر وَقع حجه (عَمَّا) نَوَاه وَهُوَ قَول مَالك وَقَالَ الشَّافِعِي يَقع عَن فَرْضه وَعَن احْمَد كالمذهبين لنا مَا روى أَن امْرَأَة من خثعم قَالَت يَا رَسُول الله إِن أبي أَدْرَكته فَرِيضَة الْحَج وَإنَّهُ شيخ كَبِير لَا يسْتَمْسك على الرَّاحِلَة أفأحج عَنهُ قَالَ نعم حجي عَن أَبِيك خَ موَفِي لفظ لوكان على أَبِيك دين فقضيته عَنهُ أَكَانَ يُجزئهُ قَالَت نعم قَالَ فحجي عَن أَبِيك حد من غير استفسار هَل حجت أم لَا احْتَجُّوا بِمَا روى أَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم سمع رجلا يُلَبِّي عَن شبْرمَة فَقَالَ أحججت(1/101)عَن نَفسك قَالَ لَا قَالَ حج عَن نَفسك ثمَّ حج عَن شبْرمَة (ق) د قُلْنَا قَالَ الدَّارَقُطْنِيّ الصَّحِيح من الرِّوَايَة اجْعَلْهَا فِي نَفسك ثمَّ حج عَن شبْرمَة قَالُوا كَيفَ يَأْمُرهُ بذلك وَالْإِحْرَام وَقع عَن الأولقُلْنَا يحْتَمل إِنَّه كَانَ فِي ابْتِدَاء الْإِسْلَام حِين لم يكن الْإِحْرَام لَازِما على ماروى عَن بعض الصَّحَابَة أَنه تحلل فِي حجَّة الْوَدَاع عَن الْحَج بِأَفْعَال الْعمرَة فَكَانَ يُمكنهُ فسخ الأول وَتَقْدِيم حج نَفسه ثمَّ حديثنا فِي الصَّحِيحَيْنِ وحديثهم لَيْسَ كَذَلِك وَالله أعلم(1/102)= كتاب النِّكَاح =مَسْأَلَة الِاشْتِغَال بِالنِّكَاحِ أفضل من التخلي لنوافل الْعِبَادَة وَهُوَ قَول عَامَّة الصَّحَابَة وَالتَّابِعِينَ وَمَالك وَأحمدوَقَالَ الشَّافِعِي التخلي أفضلوَاتَّفَقُوا على أَنه أفضل حَالَة التوقانلنا مَا روى ابْن مَسْعُود قَالَ كُنَّا مَعَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم (شبَابًا) لَيْسَ لنا شئ فَقَالَ يَا معشر الشَّبَاب من اسْتَطَاعَ مِنْكُم الْبَاءَة فليتزوج فانه أَغضّ لِلْبَصَرِ وَأحْصن لِلْفَرجِ وَمن لم يسْتَطع فَعَلَيهِ بِالصَّوْمِ فانه لَهُ وَجَاء حد أوجب النِّكَاح وَقدمه على الصَّوْموروى أنس عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَنه قَالَ لكني أَصوم وَأفْطر وأتزوج النِّسَاء فَمن رغب عَن سنتي فَلَيْسَ مني خَ م(1/103)وَعَن أنس قَالَ كَانَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يَأْمر بِالْبَاءَةِ (وَينْهى) عَن التبتل نهيا شَدِيدا وَيَقُول تزوجوا الْوَدُود الْوَلُود (إِنِّي) مُكَاثِر بكم الْأَنْبِيَاء يَوْم الْقِيَامَة حدوَعَن أبي ذَر أَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ لِعَكَّافِ بن (بشر) هَل لَك زَوْجَة قَالَ لَا قَالَ وَلَا جَارِيَة قَالَ لَا قَالَ وَأَنت مُوسر قَالَ وَأَنا مُوسر قَالَ أَنْت إِذا من إخْوَان الشَّيَاطِين إِن من سنتنا النِّكَاح شِرَاركُمْ عُزَّابُكُمْ (وأراذل) مَوْتَاكُم عُزَّابُكُمْ إِن الشَّيَاطِين يتمرسون حداحْتج الشَّافِعِي بِمَا روى أَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ أحب الْمُبَاحَات الى الله تَعَالَى النِّكَاح والمباح مَا اعتدل طرفاه فِي الثَّوَاب وَالْعِقَابوَقَوله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم إِخْبَارًا عَن ربه تَعَالَى الصَّوْم لي وَأَنا أجزي بِهِوَقَوله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم خير أَعمالكُم الصَّلَاة رَوَاهُ أَحْمد عَن ثَوْبَان(1/104)وَقَوله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فِي رِوَايَة أبي هُرَيْرَة أَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ إِخْبَارًا عَن ربه تَعَالَى لَا يزَال العَبْد يتَقرَّب إِلَيّ بالنوافل حَتَّى أحبه الحَدِيث خَ وَمَا ورد فِي هَذَا الْبَاب يدل على أَن التخلي لنفل الْعِبَادَة أفضل وَالْجَوَاب أما الحَدِيث الأول فَغَرِيب وَمَا روينَاهُ مَشْهُور وأحاديثنا تدل على الْوُجُوب وَمَا روى الشَّافِعِي يدل على التَّرْغِيب فِي الْعِبَادَات وَبَينهمَا تناف على أَن النِّكَاح لَا يُنَافِي الْعِبَادَات والمباح عبارَة عَمَّا لَا حرج فِيهِ فيتقرب على هَذَا الْوَضع لُغَةمَسْأَلَة الزِّنَا يُوجب حُرْمَة الْمُصَاهَرَة عندنَا وَهُوَ قَول عمر وَأبي بن كَعْب وَعمْرَان بن الْحصين وَعَائِشَة وَابْن عَبَّاس وَفِي الْأَصَح من مذْهبه وَمَالك وَأحمد رَضِي الله عَنْهُم وَقَالَ الشَّافِعِي رَضِي الله عَنهُ لايوجب لنا مَا روى وهب بن مُنَبّه أَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ مَلْعُون من نظر إِلَى فرج امْرَأَة وابنتها فَذكر ذَلِك لسَعِيد بن الْمسيب فأعجبه وَإِذا ثبتَتْ الْحُرْمَة بِالنّظرِ فبالوطء أولى وَفِي رِوَايَة من مس امْرَأَة بِشَهْوَة حرمت عَلَيْهِ أمهَا وابنتها وَالأَصَح أَنه(1/105)مَوْقُوف على عمر رَضِي الله عَنهُاحْتج الشَّافِعِي بِمَا رَوَت عَائِشَة رَضِي الله عَنْهَا قَالَت قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم الْحَلَال لَا يفْسد بالحرام قوَفِي رِوَايَة الدَّارَقُطْنِيّ أَيْضا سُئِلَ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم عَن الرجل يتبع الْمَرْأَة حَرَامًا ثمَّ ينْكح ابْنَتهَا أَو يتبع الِابْنَة ثمَّ ينْكح امها قَالَ لَا يحرم الْحَرَام الْحَلَالوَفِي رِوَايَة الدَّارَقُطْنِيّ أَيْضا عَن ابْن عمر قَالَ قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم لَا يحرم الْحَرَام والحلالوَهَذِه نُصُوص صَرِيحَة فِي نفي حُرْمَة الْمُصَاهَرَة لِأَنَّهُ نفى أَن يكون الْحَرَام محرما للْحَلَالوَالْجَوَاب أما الرِّوَايَة الأولى فَفِي إسنادها عُثْمَان بن عبد الرحمن الوقاصي قَالَ ابْن معِين كَانَ يكذب وَضَعفه ابْن الْمَدِينِيّ جدا وَقَالَ البُخَارِيّ وَالنَّسَائِيّ والرازي وَأَبُو دَاوُد لَيْسَ بِشَيْء وَقَالَ الدَّارَقُطْنِيّ مَتْرُوك وَقَالَ ابْن حبَان يروي الموضوعات عَن الثِّقَات لَا يجوز الِاحْتِجَاج بِهِوَفِي الرِّوَايَة الثَّانِيَة عبد الله بن عمر أَخُو عبيد الله قَالَ ابْن حبَان فحش(1/106)خَطؤُهُ فَاسْتحقَّ التّرْك وَفِيه إِسْحَاق الْفَروِي كذبه البُخَارِيّ وَابْن معِين وَكَذَا هُوَ فِي الرِّوَايَة الثَّالِثَة وَلَو سلمت لَكَانَ السُّؤَال وَاقعا عَن الابتغاء اَوْ الِاتِّبَاع وهما لَا يحرمان شَيْئا ثمَّ هِيَ أَخْبَار آحَاد وَردت على مُخَالفَة قَوْله تَعَالَى {وَلَا تنْكِحُوا مَا نكح آباؤكم} وَالنِّكَاح حَقِيقَة فِي الْوَطْء وَقد عضد هَذَا إِجْمَاع الصَّحَابَة مَسْأَلَة الْبِنْت المخلوقة من مَاء الزِّنَى يحرم على الزَّانِي نِكَاحهَا وَهُوَ قَول أَحْمد وَقَالَ مَالك وَالشَّافِعِيّ لَا يحرم وعَلى هَذَا الْخلاف إِذا ملكهَا تعْتق عَلَيْهِ عندنَا لنا مَا روينَا من النُّصُوص فِي الْمَسْأَلَة الْمَاضِيَة وفيهَا دَلِيل على حُرْمَة النِّكَاح فِي هَذِه الْمَسْأَلَة بل أولي لِأَنَّهَا بنته بِالنَّصِّ(1/107)وَلَهُمَا العمومات وَقَوله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم الْوَلَد للْفراش وللعاهر الْحجر وَمَعْنَاهُ قطع الْإِضَافَة عَن الزَّانِي شرعا فَيقطع عرفا وَالْجَوَاب أَن هَذِه بنته بِالنَّصِّ فَتحرم عَلَيْهِ وَإِذا حرمت عَلَيْهِ لم تدخل تَحت العمومات وَأما الحَدِيث فخبر آحَاد ورد على مُخَالفَة الْكتاب وَلَا نسلم أَنه لقطع الْإِضَافَة بل لقطع الْأَحْكَام التابعة كالملك وَنَحْوه مَسْأَلَة يجوز للْأَب أَن يتَزَوَّج جَارِيَة ابْنه عندنَا وَقَالَ الشَّافِعِي وَاحْمَدْ لَا يجوز لنا العمومات الْمُطلقَة لجَوَاز النِّكَاح وَلَهُمَا مَا روى عَمْرو بن شُعَيْب عَن أَبِيه عَن جده أَن أَعْرَابِيًا أَتَى النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَقَالَ يَا رَسُول الله إِن أبي يُرِيد أَن يجتاح مَالِي فَقَالَ انت وَمَالك لأَبِيك حد وَفِي رِوَايَة اطيب مَا أكلْتُم من كسبكم وَإِن أَمْوَال أَوْلَادكُم من كسبكم فَكُلُوا(1/108)هَنِيئًا خَ أضَاف مَاله إِلَى الْأَب بلام التَّمْلِيك فَيثبت لَهُ الْملك فِيهَا وَالْجَوَاب لَا نسلم أَن اللَّام فِيهِ للتَّمْلِيك بل للاختصاص لِأَنَّهُ لَو حمل على الْملك لتعارض إِضَافَة المَال إِلَى الابْن أَيْضا فَلَا يَصح مَسْأَلَة الْمولى يملك إِجْبَار عَبده على النِّكَاح وَهُوَ قَول مَالك وَقَالَ الشَّافِعِي وَاحْمَدْ لَا يملك وَهُوَ رِوَايَة التسترِي عَن أبي حنيفَة وَاتَّفَقُوا على إِجْبَار أمته لنا قَوْله تَعَالَى {وَأنْكحُوا الْأَيَامَى مِنْكُم وَالصَّالِحِينَ من عبادكُمْ وَإِمَائِكُمْ} وَمُقْتَضَاهُ الْإِجْبَار إِذا أَبى لِأَن الْأَمر مُقْتَضَاهُ التَّمَكُّن فَلَو كَانَ عَاجِزا لَكَانَ خلاف ذَلِك احْتَجُّوا بقوله تَعَالَى {لَا إِكْرَاه فِي الدّين} وَبِمَا روى فِي الْبَاب من هَذَا الْقَبِيل وَنحن نعارضه بِمَا تلونا (ونمنع) أَن هَذَا الْفِعْل إِكْرَاه لِأَن الْإِكْرَاه إخافة وَهَذَا مَنْفَعَة(1/109)مَسْأَلَة الْأَب لَا يملك إِجْبَار الْبكر الْبَالِغَة على النِّكَاح وَهُوَ قَول عمر وَابْن عَبَّاس وَأبي مُوسَى وَأبي هُرَيْرَة وَجَابِر وَابْن عمر وَمَالك رَضِي الله عَنْهُم وَقَالَ الشَّافِعِي يملك وَعَن أَحْمد كالمذهبين لنا سَبْعَة أَحَادِيث أَحدهَا مَا روى ابْن عَبَّاس أَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ الثّيّب أَحَق بِنَفسِهَا من وَليهَا وَالْبكْر تستأمر وإذنا صماتها حد قفالنبي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَمر بالاستئمار وَجعل سكُوتهَا إِذْنا مِنْهَا فَمن جوز نِكَاحهَا من غير استئمار مِنْهَا وَلَا إِذن فقد خَالف النَّصوروى ابْن عَبَّاس أَن جَارِيَة بكرا أَتَت النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَذكرت لَهُ أَن أَبَاهَا زَوجهَا وَهِي كارهة فَخَيرهَا النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم حدوروى ابْن عَبَّاس أَن خذاما أَبَا وَدِيعَة أنكح ابْنَته رجلا فَأَتَت النَّبِي عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام فاشتكت إِلَيْهِ أَنَّهَا أنكحت وَهِي كارهة فانتزعها النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم من زَوجهَا وَقَالَ لَا تكرهوهن حدوَعَن عَائِشَة رَضِي الله عَنْهَا قَالَت جَاءَت فتاة إِلَى النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَقَالَت يَا رَسُول الله إِن أبي وَنعم الْأَب هُوَ زَوجنِي ابْن أَخِيه ليرْفَع بِي خسيسته قَالَ فَجعل الْأَمر إِلَيْهَا(1/110)فَقَالَت إِنِّي قد أجزت مَا صنع أبي وَلَكِنِّي أردْت أَن تعلم النِّسَاء أَن لَيْسَ للآباء من أُمُور بناتهم شَيْء حد وَعَن ابْن عَبَّاس أَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم رد نِكَاح بكر وثيب أنكحهما أَبوهُمَا وهما كارهتان ق وَعَن ابْن عمر أَن رجلا زوج ابْنَته بكرا فَكرِهت ذَلِك فَرد النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم نِكَاحهَا ق وَفِي رِوَايَة عَن ابْن عمر قَالَ كَانَ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم ينْزع النِّسَاء من أَزوَاجهنَّ ثيبات وأبكارا بعد أَن يزوجهنوَعَن جَابر رَضِي الله عَنهُ أَن رجلا زوج ابْنَته وَهِي بكر من غير أمرهَا فَأَتَت النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَفرق بَينهمَا ق فَإِن قيل أما استئمار الْبكر فلتطييب قَلبهَا وَجُمْهُور الْأَحَادِيث مَحْمُولَة إِمَّا على(1/111)الِاسْتِحْبَاب أَو على التَّزَوُّج من غير كُفْءوَأما أَحَادِيث ابْن عَبَّاس وَجَابِر وَعَائِشَة فَقَالَ الدَّارَقُطْنِيّ إِنَّهَا مَرَاسِيل وَحَدِيث ابْن عمر طعن فِيهِ أَحْمد وَلَو سلمت حملت على مَا قُلْنَا فَالْجَوَاب أما الحَدِيث الأول فصيغته وَإِن كَانَت إِخْبَارًا لَكِن المُرَاد مِنْهَا الْأَمر لِأَنَّهُ يرد (الْأَمر بِصِيغَة الْإِخْبَار) فَيحمل على الْوُجُوب لِأَنَّهُ مُقْتَضَاهُ أَلا ترى أَنه حمل على الْوُجُوب فِي حق الثّيّب وَالْبكْر فِي غير الْأَب وَالْجد بِالْإِجْمَاع وَخرج الْجَواب عَن حملهَا على الِاسْتِحْبَاب وَحملهَا على التَّزْوِيج من غير كُفْء بِأَن ذَلِك لَا يَصح لِأَنَّهَا مُطلقَة فَلَا تتقيد إِلَّا بِدَلِيلوَأما قَول الدَّارَقُطْنِيّ إِن سلم من عصبيته أَو قبلناه بِانْفِرَادِهِ فالمراسيل عندنَا حجَّة وَطعن احْمَد فِي حَدِيث ابْن عمر من حَيْثُ إِن ابْن أبي ذِئْب لم يسمعهُ من نَافِع وَإِنَّمَا سَمعه من عمر بن حُسَيْن وَهَذَا وصف الْإِرْسَال(1/112)احْتج الشَّافِعِي بِمَا روى أَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ وَالثَّيِّب تشَاور قوَهُوَ الحَدِيث الَّذِي روينَاهُ إِلَّا أَن الدَّارَقُطْنِيّ رَوَاهُ تشَاور فَلَو كَانَت الْبكر تشَاور لم يكن لتخصيص الثّيّب بِالذكر فَائِدَةوَلما روى الْحسن أَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ تستأمر الْأَبْكَار فِي أبضاعهن فَإِن أبين أجبرن وَالْجَوَاب أما الأول فاللفظ الصَّحِيح الأيم أَحَق بِنَفسِهَا من وَليهَا وَهِي الَّتِي لَا زوج لَهَا بكرا كَانَت أَو ثَيِّبًا بِمَنْزِلَة العزب من الرِّجَال كَذَا نقل الْكَرْخِي عَن أَصْحَابنَا وَهُوَ مَذْهَب أهل اللُّغَةوَلَا اعْتِبَار بقول الدَّارَقُطْنِيّ قد رَوَاهُ جمَاعَة الثّيّب لِأَن قَوْله لَا يُعَارض لفظ الصَّحِيح وَهُوَ أَيْضا روى الأيم ثمَّ هُوَ حجَّة عَلَيْهِم لأَنهم لَا يجْعَلُونَ الثّيّب أَحَق بِنَفسِهَا من وَليهَا وَأما الثَّانِي فَفِي إِسْنَاده عبد الكريم الْبَصْرِيّ أَجمعُوا على الطعْن فِيهِ وَلَو سلم(1/113)كَانَ مُرْسلا والمرسل عِنْدهم لَيْسَ بِحجَّة أَو يحمل هَذَا على الِاسْتِحْبَاب تَوْفِيقًا بَين الدَّلَائِلمَسْأَلَة الْحرَّة الْبَالِغَة الْعَاقِلَة إِذا زوجت نَفسهَا من كُفْء بِدُونِ الْوَلِيّ ينْعَقد نَافِذا عِنْد أبي حنيفَة وَأبي يُوسُفوَعند مُحَمَّد ينْعَقد مَوْقُوفا على إجَازَة الْوَلِيّ فَإِن زوجت نَفسهَا من كُفْء وَأَجَازَ جَازَ وَإِن أبي فَعَنْهُ رِوَايَتَانِ إِحْدَاهمَا يجْبرهُ الْحَاكِم وَالثَّانيَِة يسْتَأْنف الْحَاكِم النِّكَاحوَلَو زوجت نَفسهَا من غير كُفْء فموضعه الأَصْل وَفِي رِوَايَة كتاب الْحِيَل أَنه رَجَعَ إِلَى قَوْلهمَا وَقَالَ الشَّافِعِي وَاحْمَدْ لَا ينْعَقد النِّكَاح بِعِبَارَة النِّسَاء أصلا وَقَالَ ملك لَا تلِي وَهل لَهَا أَن تَأذن لرجل أَن يَتَزَوَّجهَا فِيهِ ثَلَاث رِوَايَات إِحْدَاهَا الْجَوَاز وَالثَّانيَِة عَدمه وَالثَّالِثَة إِن كَانَت شريفة لم يجز وَإِن كَانَت دنية جَازَ لنا مَا روى من قَوْله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم الأيم أَحَق بِنَفسِهَا من وَليهَا وَالْبكْر تستأمر شَارك بَينهَا وَبَين الْوَلِيّ ثمَّ قدمهَا بقوله أَحَق وَقد صَحَّ(1/114)العقد مِنْهُ فَوَجَبَ أَن يَصح مِنْهَاوروى الْحَافِظ الْأنمَاطِي عَن أبي سَلمَة بن عبد الرحمن قَالَ جَاءَت امْرَأَة إِلَى رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَقَالَت إِن أبي أنكحني رجلا وَأَنا كارهة فَقَالَ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم لأَبِيهَا لَا نِكَاح لَك اذهبي فَانْكِحِي من شِئْت أمرهَا النَّبِي بإنكاح من شَاءَت وَهَذَا آيَة الْقُدْرَةفَإِن قيل (قد رده) مَا أخرج فِي الصَّحِيح فَرد رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم نِكَاحهَا وَقَوله انكحي من شِئْت رَوَاهُ أَبُو سَلمَة مُرْسلا قُلْنَا الزِّيَادَة من الثِّقَة مَقْبُولَة (والمرسل عندنَا حجَّة مَقْبُولَة)احْتَجُّوا بِمَا رَوَت عَائِشَة رَضِي الله عَنهُ أَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ أَيّمَا امْرَأَة نكحت بِغَيْر إِذن وَليهَا فنكاحها بَاطِل فنكاحها بَاطِل فنكاحها بَاطِل (فَإِن دخل بهَا فلهَا الْمهْر بِمَا اسْتحلَّ من فرجهَا) فَإِن اشتجروا فالسلطان ولي من لَا(1/115)ولي لَهُ توروت عَائِشَة رَضِي الله عَنْهَا أَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ لَا نِكَاح إِلَّا بولِي وَالسُّلْطَان ولي من لَا ولي لَهُ حد وَعَن عَائِشَة أَيْضا قَالَت قَالَ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم لَا نِكَاح إِلَّا بولِي وشاهدي عدل حد قوَعَن عَائِشَة رَضِي الله عَنْهَا قَالَت قَالَ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم لَا بُد فِي النِّكَاح من أَرْبَعَة الْوَلِيّ وَالزَّوْج والشاهدين (ق)وَعَن أبي بردة عَن أَبِيه قَالَ قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم لَا نِكَاح إِلَّا بولِي حد وَكَذَا روى ابْن عَبَّاس حدوروى الْأنمَاطِي عَن ابْن عَبَّاس قَالَ قَالَ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم البغايا اللَّاتِي ينكحن أَنْفسهنَّ لَا يجوز النِّكَاح إِلَّا بولِي وشاهدين وَمهر قل أَو كثر(1/116)وَعَن ابْن مَسْعُود قَالَ قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم لَا نِكَاح إِلَّا بولِي وشاهدي عدل ق وَعَن ابْن عمر قَالَ قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم لَا نِكَاح إِلَّا بولِي وشاهدي عدل قوَعَن أبي هُرَيْرَة رَضِي الله عَنهُ قَالَ قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم لَا تزوج الْمَرْأَة الْمَرْأَة وَلَا تزوج الْمَرْأَة نَفسهَا فَإِن الزَّانِيَة هِيَ الَّتِي تزوج نَفسهَا ق