عدد الزوار 255 التاريخ 15/08/2020
الكتاب: تيسير التحريرالمؤلف: محمد أمين بن محمود البخاري المعروف بأمير بادشاه الحنفي (المتوفى: 972هـ)عدد الأجزاء: 4 × 2كَون الْوَاجِب أَحدهمَا بِعَيْنِه (مَحل النزاع) فَلَا يثبت إِلَّا بدليله وَمَا ذكر لَا يصلح دَلِيلا (إِنَّمَا ذَاك) أَي وجوب أَحدهمَا بِعَيْنِه فِي الْمصلى (عِنْد التَّضْيِيق) فِي الْوَقْت بِحَيْثُ لم يبْق مِنْهُ إِلَّا مَا يَسعهَا وَلَيْسَ الْكَلَام فِيهِ (وَفِي البديع) فِي جَوَاب القَاضِي (لَو كَانَ الْعَزْم بَدَلا) عَن الصَّلَاة (سقط بِهِ) أَي الْعَزْم (الْمُبدل) وَهُوَ الصَّلَاة (كَسَائِر الأبدال) كالمسح وَغَيره وَلَيْسَ كَذَلِك (وَالْجَوَاب) عَن هَذَا (منع الْمُلَازمَة) أَي لَا نسلم سُقُوط الْمُبدل مُطلقًا بالإتيان بِالْبَدَلِ مُطلقًا لجَوَاز أَن يكون الْبَدَل بَدَلا من كل وَجه، فَلَا نقُول أَن الْعَزْم بدل عَن الصَّلَاة من كل وَجه فَلَا يلْزم سُقُوطهَا مُطلقًا (بل اللَّازِم سُقُوط وُجُوبهَا فِي ذَلِك الْوَقْت والبدلية لَيست إِلَّا فِي هَذَا الْقدر) أَي فِي سُقُوط الْوُجُوب فِي ذَلِك الْوَقْت فَيسْقط الْوُجُوب فِيهِ بالعزم فِيهِ على الْفِعْل فِي ثَانِي الْحَال كَمَا يسْقط بالإتيان بِالصَّلَاةِ فِيهِ، قيل وَأَيْضًا هُوَ لم يَجْعَل الْعَزْم وَحده بَدَلا بل الْعَزْم مَعَ الْفِعْل فِي ثَانِي الْحَال، فمجرد الْعَزْم لَا يُوجب السُّقُوط (بل الْجَواب) عَن القَاضِي (أَن الْكَلَام فِي الْوَاجِب بِالْوَقْتِ وَلَا تعلق لوُجُوب الْعَزْم بِهِ) أَي بِالْوَقْتِ (بل وجوب الْعَزْم على فعل كل وَاجِب) موسعا كَانَ أَو مضيقا إِجْمَالا عِنْد الِالْتِفَات إِلَيْهِ إِجْمَالا وتفصيلا عَن التَّفْصِيل حكم (من أَحْكَام الْإِيمَان) يثبت مَعَ ثُبُوت الْإِيمَان سَوَاء دخل الْوَقْت الْوَاجِب أَو لَا، فَهُوَ وَاجِب مُسْتَمر قبل وُجُوبه وَمَعَهُ بِحَسب الِالْتِفَات إِلَيْهِ ليتَحَقَّق التَّصْدِيق الَّذِي هُوَ الإذعان وَالْقَبُول غير مُخْتَصّ بِالصَّلَاةِ وَلَا بدلية عَنْهَا (هَذَا، وَلَا يبعد أَن مَذْهَب القَاضِي أَن الْوَاجِب بأوّل الْوَقْت الصَّلَاة أَو الْعَزْم على فعلهَا) أَي الصَّلَاة (بعده) أَي أوّل الْوَقْت (فِيهِ) أَي الْوَقْت (كَمَا هُوَ الْمَنْقُول عَن الْمُتَكَلِّمين) فِي برهَان إِمَام الْحَرَمَيْنِ وَالَّذِي أرَاهُ أَنهم لَا يوجبون تَجْدِيد الْعَزْم فِي الْجُزْء الثَّانِي، بل يحكم بِأَن الْعَزْم الأوّل ينسحب على جَمِيع الْأَزْمِنَة الْمُسْتَقْبلَة: كانسحاب النِّيَّة على الْعِبَادَة الطَّوِيلَة (إِلَّا أَن كل جُزْء يلْزم فِيهِ الْفِعْل أَو الْعَزْم المستلزم لاستصحاب الْعَزْم من أول الْوَقْت إِلَى آخِره لِأَنَّهُ بعيد) قَالَ الشَّارِح: لِأَن أحد لَا يَقُول بِأَن الْعَزْم فِي الْجُزْء الْأَخير كَاف، ثمَّ نقل عَن القَاضِي أَن هَذَا التَّخْيِير عِنْده فِي غير الْجُزْء الْأَخير، أما فِي الْجُزْء الْأَخير فَيتَعَيَّن الْفِعْل قطعا انْتهى، وَأَنت خَبِير بِأَن سَبَب الْبعد مَا أَشَارَ إِلَيْهِ بقوله لَا أَن كل جُزْء إِلَى قَوْله المستلزم إِلَى آخِره وَهُوَ ظَاهر.مسئلة(تثبت السَّبَبِيَّة لوُجُوب الْأَدَاء) فِي الْوَاجِب البدني (بأوّل الْوَقْت موسعا كَمَا ذكرنَا) إِشَارَة إِلَى مَا سبق فِي تَفْسِير سببيته للْوُجُوب الموسع من قَوْله بِمَعْنى أَنه عَلامَة على تعلق وجوب الْفِعْل مُخَيّرا فِي أَجزَاء زمَان مُقَدّر يَقع أَدَاء فِي كل مِنْهَا (عِنْد الشَّافِعِيَّة بِخِلَاف الماليّ ليثبت بالنصاب)(2/193)أَي بِملكه (وَالرَّأْس) الَّذِي يمونه ويلي عَلَيْهِ على قَول (أَو الْفطر) أَي غرُوب الشَّمْس آخر يَوْم من رَمَضَان على الصَّحِيح عِنْد الشَّافِعِيَّة (وَالدّين) الْمُؤَجل إِلَى وَقت معِين (أصل الْوُجُوب) لِلزَّكَاةِ وَصدقَة الْفطر وتفريغ الذِّمَّة (وَتَأَخر وجوب الْأَدَاء) إِلَى تَمام الْحول وطلوع فجر أول يَوْم من شَوَّال وحلول الْأَجَل (بِدَلِيل السُّقُوط) لهَذِهِ الْأَشْيَاء عَن الْمُكَلف (بالتعجيل) لَهَا (وَهُوَ) أَي سُقُوطهَا (فرع سبق الْوُجُوب) لَهَا (و) فرع (تَأَخّر وجوب الْأَدَاء عِنْد الْحَنَفِيَّة كَذَلِك) أَي قَائِلُونَ بانفصال الْوُجُوب عَن وجوب الْأَدَاء (فِي البدني أَيْضا) كَمَا فِي المالي (فَثَبت بِالْأولِ) من أَجزَاء الْوَقْت (أصل الْوُجُوب فَيعْتَبر حَال الْمُكَلف فِي) الْجُزْء (الْأَخير) من الْوَقْت (من الْحيض) بَيَان لحاله (وَالْبُلُوغ) يرد عَلَيْهِ أَن قَوْله فَيثبت بِالْأولِ أصل الْوُجُوب إِن أَرَادَ بِهِ ثُبُوته بِشَرْط أَن يكون أَهلا لَهُ لزم وجود الْبَالِغ فِي الْجُزْء الأول بِلَا معنى لاعْتِبَار حَاله فِي الْجُزْء الْأَخير من حَيْثُ الْبلُوغ، وَإِن لم يكن أَهلا لزم إِثْبَات الحكم بِدُونِ الْأَهْلِيَّة، اللَّهُمَّ إِلَّا أَن يَقُول بأهلية الصَّبِي الْمُمَيز لوُجُوب الصَّلَاة كَمَا قيل فِي حق وجوب أصل الْإِيمَان، وَفِيه تَأمل (وَالسّفر وأضدادها) أَي الطَّهَارَة وَالصبَا وَالْإِقَامَة (فَلَو كَانَت طَاهِرَة أول الْوَقْت فَلم تصل حَتَّى حَاضَت آخِره لَا قَضَاء) عَلَيْهَا سَوَاء كَانَ الْبَاقِي مَا يسع الصَّلَاة أَو تحريهما فَقَط. وَقَالَ زفر: إِن بَقِي مَا يَسعهَا لَا قَضَاء وَإِلَّا فعلَيْهَا الْقَضَاء. وَقَالَ الشَّافِعِي إِن أدْرك من عرض لَهُ أحد هَذِه الْعَوَارِض يَعْنِي الْحيض وَالنّفاس وَالْجُنُون وَنَحْوهَا قبل عروضها أخف مَا يُمكنهُ فعله وَجب وَإِلَّا فَلَا (وَفِي قلبه) أَي فِيمَا إِذا كَانَت حَائِضًا أول الْوَقْت ثمَّ طهرت آخِره (قلبه) أَي قلب نفي الْقَضَاء وَهُوَ الْقَضَاء. قَالَ الشَّارِح لَو كَانَ الْبَاقِي من الْوَقْت قدر مَا يسع التَّحْرِيمَة عِنْد عُلَمَائِنَا الثَّلَاثَة إِذا كَانَ حَيْضهَا عشرَة أَيَّام فَإِن كَانَ أقل وَالْبَاقِي قدر الْغسْل مَعَ مقدماته كالاستقاء وخلع الثَّوْب والستر عَن الْأَعْين والتحريمة فعلَيْهَا وَإِلَّا فَلَا انْتهى. وَقَالَ زفر لَا يثبت الْوُجُوب مَا لم يدْرك مَا يسع جَمِيع الْوَاجِب وعَلى هَذَا الْخلاف إِذا زَالَ الْكفْر وَالْجُنُون وَقد بَقِي من الْوَقْت قدر التَّحْرِيمَة يجب عِنْد الثَّلَاثَة وَلَا يجب عِنْد زفر. وَقَالَ الشَّافِعِي يجب إِذا زَالَت هَذِه الْعَوَارِض وَقد بَقِي من الْوَقْت قدر تَكْبِيرَة (وَلَا يُنكرُونَ) أَي الْحَنَفِيَّة (إِمْكَان ادِّعَاء الشَّافِعِيَّة) أَي أَن مَا ادَّعَاهُ الشَّافِعِيَّة من أَن الْوَقْت سَبَب لوُجُوب الْأَدَاء موسعا بِالْمَعْنَى الْمَذْكُور أَمر مُمكن يصلح للاعتبار، و (لَكِن ادعوهُ) أَي لَكِن الْحَنَفِيَّة يدعونَ كَونه (غير وَاقع بِدَلِيل وجوب الْقَضَاء على نَائِم) استغرق نَومه (كل الْوَقْت) من الْجُزْء الأول إِلَى الْجُزْء الْأَخير (وَهُوَ) أَي وجوب الْقَضَاء عَلَيْهِ (فرع وجود) أصل (الْوُجُوب) عَلَيْهِ إِذْ وجوب الْقَضَاء فرع كَون الأَصْل وَاجِبا، أَلا ترى أَن من حدث لَهُ أَهْلِيَّة بعد مُضِيّ الْوَقْت بِإِسْلَام أَو بُلُوغ لَا يجب عَلَيْهِ الْقَضَاء إِجْمَاعًا، وَقد يفرق بَينهمَا مَعَ قطع النّظر عِنْد(2/194)وجود الْوُجُوب بِوُجُوب الْأَهْلِيَّة فِي النَّائِم دونهمَا وَلَا سَبِيل إِلَى القَوْل بِوُجُوب الْأَدَاء على النَّائِم الْمَذْكُور اتِّفَاقًا، إِذْ النَّائِم لَا يصلح للخطاب فَكيف يطْلب مِنْهُ أَدَاء الْفِعْل مُنجزا أورد عَلَيْهِ أَن وجوب الْقَضَاء بِالنَّصِّ ابْتِدَاء لما صَحَّ عَنهُ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم " فَإِذا نسى أحدكُم صَلَاة أَو نَام عَنْهَا فليصلها إِذا ذكرهَا " وَأجِيب بِأَنَّهُ لَو كَانَ كَذَا مَا روى فِيهِ شَرَائِط الْقَضَاء كنية الْقَضَاء وَغَيرهَا وَدفع بِأَن عِنْد الحضم لَا فرق بَين الْأَدَاء وَالْقَضَاء فِي النِّيَّة لَا فِي الصَّلَاة وَلَا فِي الصَّوْم بل يحْتَاج إِلَى أَن يَنْوِي مَا عَلَيْهِ فيهمَا (وَلَا اعْتِبَار بقول من جعله) أَي الْقَضَاء الْمَذْكُور (أَدَاء مِنْهُم) أَي الْحَنَفِيَّة. قَالَ فَخر الْإِسْلَام: النَّائِم والمغمى عَلَيْهِ إِذا مر عَلَيْهِمَا جَمِيع وَقت الصَّلَاة وَجب الأَصْل وتراخى وجوب الْأَدَاء وَالْخطاب انْتهى، فَإِذا لم يجب الْأَدَاء فِي الْوَقْت لَا يتَحَقَّق بعده الْقَضَاء إِذْ هُوَ فرع وجوب الْأَدَاء فِيهِ (والاتفاق على انْتِفَاء وجوب الْأَدَاء عَلَيْهِ) أَي النَّائِم الْمَذْكُور، وَفِي الْكَشْف الْأَدَاء نَوْعَانِ: أَحدهمَا مَا يكون الْمَطْلُوب فِيهِ نفس الْفِعْل فيأثم بِتَرْكِهِ وَلَا بُد فِيهِ من سَلامَة الْآلَات والأسباب، وَالثَّانِي مَا يكون الْمَطْلُوب فِيهِ خَلفه لَا نَفسه، وَهُوَ الْقَضَاء مَبْنِيّ على وجوب الْأَدَاء بِالْمَعْنَى الثَّانِي والمتفق على انتفائه وُجُوبه بِالْمَعْنَى الأول وَلَا يخفى عَلَيْك أَن أصل الْوُجُوب غير هَذَا: إِذْ لَيْسَ فِيهِ تعرض للْأَدَاء بِأحد النَّوْعَيْنِ فَتَأمل. وَفِي التَّلْوِيح لقَائِل أَن يمْنَع عدم الْخطاب، وَإِنَّمَا يلْزم اللَّغْو لَو كَانَ مُخَاطبا بِأَن يفعل فِي حَالَة النّوم مثلا وَلَيْسَ كَذَلِك بل هُوَ مُخَاطب بِأَن يفعل بعد الانتباه، وَالْعجب أَنهم جوزوا خطاب الْمَعْدُوم بِنَاء على أَن الْمَطْلُوب صُدُور الْفِعْل حَالَة الْوُجُوب. وَقَالَ شمس الْأَئِمَّة من شَرط وجوب الْأَدَاء الْقُدْرَة الممكنة إِلَّا أَنه لَا يشْتَرط وجودهَا عِنْد الْأَمر: بل عِنْد الْأَدَاء فَإِن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم كَانَ مَبْعُوثًا إِلَى النَّاس كَافَّة، وَصَحَّ أمره فِي حق من وجد بعده ويلزمهم الْأَدَاء بِشَرْط أَن يبلغهم ويتمكنوا من الْأَدَاء انْتهى. وَهَذَا لَا يُنَافِي الِاتِّفَاق الْمَذْكُور، لِأَن المُرَاد مِنْهُ انْتِفَاء وجوب الْأَدَاء تنجيزا، وجوازه إِنَّمَا هُوَ وُجُوبه تَعْلِيقا فَإِن قلت الْمَعْدُوم والنائم مَعَ قطع النّظر عَن عدم قابليتهما بالإتيان بالمأمور بِهِ لَا يفهمان الْخطاب، فَلَا يخاطبان بِالْخِطَابِ التعليقي أَيْضا قلت يفهمان فِيمَا بعد، وَإِن لم يفهما فِي زمن الْخطاب فَتَأمل، وَفِي الْخُلَاصَة وَالْمُخْتَار أَن النَّائِم الْمَذْكُور عَلَيْهِ الْقَضَاء وَنَقله عَن أبي حنيفَة (وَإِلَّا) أَي وَإِن لم يكن قَول من جعله أَدَاء غير مُعْتَبر بِأَن يَجْعَل وُجُوبه ابْتِدَاء (كَانَ الْوُجُوب مُطلقًا لَا موقتا) وَقد قَالَ تَعَالَى - {إِن الصَّلَاة كَانَت على الْمُؤمنِينَ كتابا موقوتا} -، وَيحْتَمل أَن يكون الْمَعْنى وَإِن لم ينتف وجوب الْأَدَاء بِأَن يجب الْأَدَاء فِي أول الْوَقْت كَانَ ذَلِك الْوُجُوب غير موقت، لِأَن الْمَفْرُوض استغراق النّوم الْوَقْت، وَكَانَ مُقْتَضَاهُ وجوب الْأَدَاء فِي وَقت مَا فَتدبر (وَكَذَا صِحَة صَوْم الْمُسَافِر عَن الْعرض) أَي فرض رَمَضَان(2/195)(فرع الْوُجُوب عَلَيْهِ) أَي على الْمُسَافِر لعدم وُقُوع مَا لَيْسَ بِفَرْض عَن الْفَرْض، وعَلى تقدري عدم الْوُجُوب يلْزم عدم فرضيته (وَعدم إثمه) أَي الْمُسَافِر (لَو مَاتَ بِلَا أَدَاء) الصَّوْم (فِي سَفَره) الَّذِي أفطر فِيهِ، وَقَوله عدم إثمه مُبْتَدأ خَبره مَحْذُوف: أَعنِي دَلِيل عدم وجوب الْأَدَاء عَلَيْهِ والقرينة قَوْله وَكَذَا، تَوْضِيحه انه ذكر فِيمَا سبق أَمريْن: أَحدهمَا دَلِيل سبق الْوُجُوب وَهُوَ وجوب الْقَضَاء على النَّائِم الْمَذْكُور، وَالثَّانِي دَلِيل انْتِفَاء وجوب الْأَدَاء وَهُوَ الِاتِّفَاق، أَو كَونه موقتا على مَا ذكر، وَهَهُنَا ذكر أَمريْن: أَحدهمَا دَلِيل سبق الْوُجُوب وَهُوَ صِحَة صَوْمه عَن الْفَرْض، وَالثَّانِي دَلِيل عدم وجوب الْأَدَاء، وَهُوَ عدم الْإِثْم فالمشبه والمشبه بِهِ الْمشَار إِلَيْهِ بقوله، وَكَذَا مَجْمُوع الْأَمريْنِ (وصرحوا) أَي الْحَنَفِيَّة (بِأَن لَا طلب فِي اصل الْوُجُوب، بل هُوَ) أَي أصل الْوُجُوب (مُجَرّد اعْتِبَار من الشَّارِع أَن فِي ذمَّته) أَي الْمُكَلف (جبرا الْفِعْل) فَقَوله الْفِعْل اسْم أَن، وَفِي ذمَّة خَبَرهَا وَهِي مَعَ اسْمهَا وخبرها مفعول اعْتِبَار، وجبرا نصب على الْمصدر: أَي جبر الْمُكَلف على شغل الذِّمَّة جبرا (كالشغل بِالدّينِ) أَي شغل ذمَّته كشغلها بدين النَّاس فِي أَن كلا مِنْهُمَا اعْتِبَار شَرْعِي (وَهُوَ) أَي الدّين (فعل عِنْد أبي حنيفَة) هُوَ تمْلِيك المَال أَو تَسْلِيمه: إِذْ يُوصف بِالْوُجُوب وَهُوَ صفة الْأَفْعَال، وَمعنى أَو فِي الدّين، أَتَى بِهَذَا الْفِعْل: أَي تمْلِيك المَال أَو تَسْلِيمه، وَمعنى قَوْله عَليّ ألف وَاجِبَة وَاجِب أَدَاؤُهَا (وَقد يشكل المذهبان) مَذْهَب الْحَنَفِيَّة وَالشَّافِعِيَّة (بِأَن الْفِعْل) أَي فعل الْمُكَلف لقصد أَدَاء مَا فِي الذِّمَّة بعد أصل الْوُجُوب قبل وجوب الْأَدَاء (بِلَا) سبق (طلب كَيفَ يسْقط الْوَاجِب وَهُوَ) أَي الْوَاجِب إِنَّمَا يكون وَاجِبا (بِالطَّلَبِ والسقوط) إِنَّمَا يكون (بتقدمه) أَي الطّلب أَيْضا (وَقصد الِامْتِثَال) وَهُوَ إِنَّمَا يكون (بِالْعلمِ بِهِ) أَي بِالطَّلَبِ، فإسقاط الْوَاجِب يستدعى سبق الطّلب من الْوُجُوه الثَّلَاثَة فَكيف تثبته الْحَنَفِيَّة بِمُجَرَّد سبق الْوُجُوب الْخَالِي عَن الطّلب 0 وَالشَّافِعِيَّة إِن أرادوه) أَي أَرَادوا نفس الْوُجُوب فِي مَحل أثبتوه مَا أَرَادَ الْحَنَفِيَّة بِهِ (فَكَذَلِك) أَي ورد عَلَيْهِم مَا ورد على الْحَنَفِيَّة من أَنه إِسْقَاط قبل الطّلب (وَإِن دخله) أَي أصل الْوُجُوب (طلب) لأصل الْفِعْل، وَالْجُمْلَة معطوفة على قَوْله وصرحوا بِهِ إِلَى آخِره: فَهَذَا فرض لما يُقَابل مَا صَرَّحُوا بِهِ، وَمَا بَينهَا مُتَعَلق بالشق الأول (قُلْنَا لَا يعقل طلب فعل بِلَا طلب) أَدَائِهِ (و) بِلَا طلب (قَضَائِهِ لِأَنَّهُ) أَي الْفِعْل (إِمَّا مُطلق عَن الْوَقْت وَهُوَ) أَي الْمُطلق عَنهُ (مَطْلُوب الْأَدَاء فِي الْعُمر، أَو مُقَيّد بِهِ) أَي الْوَقْت (فَهُوَ مَطْلُوب الْأَدَاء فِيهِ) أى فى وقته الْمَحْدُود لَهُ (مُخَيّرا فِي الْأَجْزَاء) أى فِي ايقاعه فِي أى جُزْء من أَجزَاء ذَلِك الْوَقْت (وَهُوَ) أَي الْوَاجِب (الموسع) فِيهِ وَهَذَا التَّوَسُّع قبل أَن يتضيق الْوَقْت (ثمَّ) يجب (مضيقا) بِغَيْر تَخْيِير مُوجب للسلعة وَذَلِكَ عِنْد ضيق الْوَقْت (وَقَول(2/196)الْحَنَفِيَّة يتضيق) الْوُجُوب (عِنْد الشُّرُوع) فِي الْفِعْل (وتقرر السَّبَبِيَّة للَّذي يَلِيهِ) الشُّرُوع (يلْزمه) أَي القَوْل الْمَذْكُور (كَون الْمُسَبّب هُوَ الْمُعَرّف للسبب، وَهُوَ) أَي كَون الْمُسَبّب هُوَ الْمُعَرّف للسبب (عكس) فِي (وَضعه) أَي الْمُسَبّب لِأَن شَأْنه أَن يكون مُعَرفا لَا مُعَرفا (و) عكس (وضع الْعَلامَة) لِأَن الْعَلامَة هِيَ الْمعرفَة لما هِيَ عَلامَة لَهُ كَمَا أَن السَّبَب هُوَ مَا يعرف للمسبب. وَفِي بعض النّسخ (ومفوتا لمقصودها) وَهِي مَا عَلَيْهِ الشَّارِح، وَقَالَ الظَّاهِر ومفوت وَلَيْسَ فِي النُّسْخَة الَّتِي اعتمادي عَلَيْهَا هَذِه الزِّيَادَة، وَهُوَ أولى إِذْ لَيْسَ فِي تِلْكَ النُّسْخَة زِيَادَة فَائِدَة، أَو فسر مقصد الْعَلامَة بالتعريف لما هِيَ عَلامَة لَهُ، وَهَذَا الْمَعْنى يفهم بِدُونِ تِلْكَ الزِّيَادَة (وَبِه) أَي بِكَوْن الْمُسَبّب هُنَا هُوَ الْمُعَرّف للسبب (يصير) هَذَا القَوْل (أبعد من الْمَذْهَب المرذول) رذل ككرم وَعلم بِمَعْنى ذل، ورذله غَيره وأرذله عدَّة رذلة وَهُوَ (أَن التَّكْلِيف مَعَ الْفِعْل) لَا قبله (لقَولهم) أَي الْحَنَفِيَّة تَعْلِيل لبَيَان وجوب الْمَذْهَب المرذول (أَن الطّلب) الَّذِي هُوَ التَّكْلِيف (لم يسْبقهُ) أَي الْفِعْل (إِذْ لَا طلب فِي أصل الْوُجُوب كَمَا ذكرنَا) على مَا مر فِي قَوْله وصرحوا الخ (فَهُوَ) أَي أصل الْوُجُوب (السَّابِق) على الْفِعْل لَا طلبه إِذْ هُوَ مَعَ الْمُبَاشرَة، وَإِنَّمَا كَانَ أبعد لتَضَمّنه كَون التَّكْلِيف مَعَ الْفِعْل لُزُوم عكس وضع السَّبَب والعلامة (وَالْوَجْه أَن مَا أمكن فِيهِ اعْتِبَار وجوب الْأَدَاء بِالسَّبَبِ موسعا اعْتبر) وجوب أَدَائِهِ بذلك السَّبَب على الْوَجْه الْمَذْكُور (كَالدّين الْمُؤَجل يثبت بِالشغلِ) أَي شغل ذمَّة الْمَدْيُون بذلك الدّين (وجوب الْأَدَاء موسعا: أَي مُخَيّرا) فِي أَدَاء الدّين فِي أَي جُزْء شَاءَ من الْمدَّة المحدودة (إِلَى الْحُلُول) أَي حُلُول الْأَجَل (أَو) إِلَى (الطّلب بعده) أَي الْحُلُول (فيتضيق) فَإِن قلت أَن وجوب الْأَدَاء قد انْتقل عَن التَّوَسُّع إِلَى التَّضْيِيق بِمُجَرَّد حُلُول الْأَجَل فَمَا معنى حُدُوث التَّضْيِيق بعده الْمُسْتَفَاد من عطف الطّلب على الْحُلُول قلت هَذَا على تَقْدِير رضَا الدَّائِن بِالتَّأْخِيرِ عَن الْأَجَل (وكالثوب المطار) أَي الَّذِي أطارته الرّيح (إِلَى إِنْسَان يجب) أَدَاؤُهُ بِمَعْنى تَسْلِيمه للْمَالِك (كَذَلِك) أَي وجوبا موسعا (إِلَى طلب مَالِكه) فيتضيق حِينَئِذٍ (ومالا) يُمكن فِيهِ اعْتِبَار وجوب الْأَدَاء بِالسَّبَبِ موسعا (كَالزَّكَاةِ عِنْد الْحَنَفِيَّة فَإِنَّهُ لَو وَجب الْأَدَاء بِملك النّصاب موسعا، فَأَما إِلَى الْحول فيتضيق، وَأما إِلَى آخر الْعُمر، وَالْأول) أَي وجوب الْأَدَاء بِملك النّصاب موسعا إِلَى الْحُلُول (فيتضيق مُنْتَفٍ لِأَنَّهُ) أَي وجوب الْأَدَاء (بعد الْحول على التَّرَاخِي على مَا اختاروه، وَكَذَا الثَّانِي) أَي وجوب الْأَدَاء بِملك النّصاب موسعا إِلَى آخر الْعُمر (لِأَن حَاصِلَة) أَنه (وَاجِب موسع من حِين الْملك إِلَى آخر الْعُمر فيضيع معنى اشْتِرَاط الْحول، نعم يتم) كَون الزِّيَادَة وَاجِبَة الْأَدَاء بِملك النّصاب موسعا إِلَى الْحول (على) قَول (الْمضيق) للْوُجُوب (بالحول والمصرف) ثمَّ قَوْله(2/197)وَمَا لَا مُبْتَدأ أَو مَعْطُوف على مَا أمكن، خَبره (فَيجب أَن يعْتَبر فِيهِ) أَي فِي هَذَا (إِقَامَة السَّبَب مقَام الْوُجُوب شرعا فِي حق التَّعْجِيل فَلَو لم يعجل لَا يتَحَقَّق هَذَا الِاعْتِبَار) وَهُوَ أَن السَّبَب أقيم مقَام الْوُجُوب شرعا (أَو) يعْتَبر فِيهِ (أَنه بالمبادرة الْمَأْذُون فِيهَا شرعا إِلَى سد خلة أَخِيه) الْفَقِير (دفع عَنهُ) أَي الْمُعَجل (الطّلب أَن يتَعَلَّق بِهِ) أَي بِفِعْلِهِ وَهُوَ أَدَاء الزَّكَاة (شرعا) وَإِنَّمَا قُلْنَا ذَلِك لِأَنَّهُ (ألزم) علينا اعْتِبَار هَذَا التَّأْوِيل (ذَلِك الدَّلِيل) الْمَذْكُور (وَكَذَا) أقيم السَّبَب مقَام وجوب الْأَدَاء (فِي مُسْتَغْرق الْوَقْت يَوْمًا) أَي فِي حق من استغرق أَوْقَات صلواته مَا أخرجه عَن صَلَاحِية طلب الْفِعْل مِنْهُ كنوم أَو إِغْمَاء وَنَحْوهمَا ليظْهر أَثَره فِي ثُبُوت وجوب الْقَضَاء (وَلَو أَرَادَ الْحَنَفِيَّة هَذَا) الَّذِي ذكرنَا بِمَا أجمله المتقدمون مِنْهُم فِي هَذَا الْمقَام (لم يَفْتَقِرُوا إِلَى اعْتِبَار شَيْء يُسمى بِالْوُجُوب وَلَا طلب فِيهِ وَلَا تكلّف كَلَام زَائِد) لم يحْتَج إِلَيْهِ فِي تَوْجِيه مَا تكلفوا لَهُ من الْمسَائِل (وَلَا يَسْتَقِيم مَا ذكرُوا إِلَّا على ذَلِك) لما عرفت مِمَّا أوردنا عَلَيْهِ.مسئلة(الْأَدَاء فعل الْوَاجِب) بِفَتْح الْفَاء وَهُوَ إِيقَاعه (فِي وقته الْمُقَيد) أَي الَّذِي هُوَ قيد الْوَاجِب (بِهِ شرعا) أَي فِي الشَّرْع فَهُوَ ظرف للتَّقْيِيد، وَالْمرَاد بتقييده بِهِ شرعا جعله ظرفا لإيقاعه لَا تَخْصِيصه بِوَقْت معِين من بَين الْأَوْقَات فَإِنَّهُ يخرج مَا جعل الْعُمر وقتا لَهُ، وَإِلَيْهِ أَشَارَ بقوله (الْعُمر) فَهُوَ بدل الْبَعْض من وقته الْمُقَيد بِهِ (وَغَيره) أَي الْعُمر من الْأَوْقَات المحدودة فاندرج فِيهِ الْوَاجِب الْمُطلق والموقت فِي الِاصْطِلَاح الْمَشْهُور، وَفِي الشَّرْح العضدي الْأَدَاء مَا فعل فِي وقته الْمُقدر لَهُ شرعا، وَإِلَّا فَخرج مَا لم يقدر لَهُ وَقت كالنوافل أَو قدر لَا شرعا كَالزَّكَاةِ يعين لَهُ الإِمَام شرعا، وَمَا وَقع فِي وقته الْمُقدر لَهُ ثَانِيًا كالناسي إِذا ذكر الصَّلَاة بعد خُرُوج وَقتهَا فَإِن وَقت التَّذْكِرَة قدر لَهَا شرعا لَكِن الْوَاقِع فِيهِ قَضَاء (وَهُوَ) أَي اعْتِبَار اشْتِرَاط إِيقَاع الْفِعْل فِي الْوَقْت الْمَذْكُور على وَجه يُوهم اشْتِرَاط استغراق الْوَقْت جَمِيع أَجزَاء الْفِعْل (تساهل) فِي الْعبارَة إِذا استغراقه كَذَلِك لَيْسَ بِشَرْط (بل) الشَّرْط أَن يَقع (ابتداؤه) أَي الْفِعْل (فِي غير الْعُمر) أَي فِيمَا عدا الْعُمر من الْأَوْقَات المحدودة لأَدَاء الْوَاجِبَات، ثمَّ مثل ذَلِك الِابْتِدَاء الْوَاجِب إِيقَاعه فِي الْوَقْت بقوله (كالتحريمة) ثمَّ التَّقْدِير فِي ابْتِدَاء الصَّلَاة بهَا والاكتفاء بِوُقُوع هَذَا الْقدر مِنْهَا فِي الْوَقْت إِنَّمَا هُوَ (للحنفية) فِي غير صَلَاة الْفجْر فَإِن بإدراكها فِي الْوَقْت يكون مدْركا للصَّلَاة وَإِن وَقع مَا سواهُ خَارجه وَهُوَ وَجه عِنْد الشَّافِعِيَّة تبعا لما فِي الْوَقْت (وركعة للشَّافِعِيَّة) وَهُوَ أصح الْأَوْجه عِنْدهم لقَوْله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم " من أدْرك رَكْعَة من الصَّلَاة فقد أدْرك الصَّلَاة " مُتَّفق عَلَيْهِ، وَفِي الْمُحِيط الصَّلَاة الْوَاحِدَة يجوز أَن يكون بَعْضهَا أَدَاء وَبَعضهَا قَضَاء كَمَا إِذا غربت الشَّمْس فِي(2/198)خلال صَلَاة الْعَصْر وَسَبقه إِلَى هَذَا الناطفي، وَقيل هُوَ قَول عَامَّة الشَّافِعِيَّة اعْتِبَار الْكل جُزْء بِزَمَانِهِ (والإعادة فعل مثله) أَي الْوَاجِب (فِيهِ) أَي فِي الْوَقْت، فَخرج بِهِ الْقَضَاء لِأَنَّهُ فعل الْمثل فِي غير وقته فَإِن قلت مَا يَأْتِي بِهِ ثَانِيًا غير الأول فَمَا معنى الْإِعَادَة قلت بتنزيل الثَّانِي منزلَة عين الأول لمماثلته (لخلل غير الْفساد) كَتَرْكِ ركن (و) غير (عدم صِحَة الشُّرُوع) لفقد شَرط مُقَدّر من طَهَارَة أَو غَيرهَا، إِذْ الأول فِي الصُّورَتَيْنِ لَا وجود لَهُ فالخلل مَا يُؤثر نقصا فِي الصَّلَاة. قَالَ الشَّارِح: وَحِينَئِذٍ فَهَل تكون الْإِعَادَة وَاجِبَة فَصرحَ غير وَاحِد من شرَّاح أصُول فَخر الْإِسْلَام بِأَنَّهَا لَيست بواجبة، وَإِن كَانَ بِالْأولِ يخرج عَن الْعهْدَة وَإِن كَانَ على وَجه الْكَرَاهَة على الْأَصَح، وَأَن الثَّانِي بِمَنْزِلَة الْجَبْر كالجبر بسجود السَّهْو، وَالْأَوْجه الْوُجُوب كَمَا أَشَارَ إِلَيْهِ فِي الْهِدَايَة، وَصرح بِهِ بَعضهم، وَيُوَافِقهُ مَا عَنى السَّرخسِيّ وَأَبُو الْيُسْر من ترك الِاعْتِدَال يلْزمه الْإِعَادَة زَاد أَبُو الْيُسْر وَيكون الْفَرْض هُوَ الثَّانِي، ثمَّ نقل عَن المُصَنّف أَنه لَا إِشْكَال فِي وجوب الْإِعَادَة إِذْ هُوَ الحكم فِي كل صَلَاة أدّيت مَعَ كَرَاهَة التَّحْرِيم وَيكون جَابِرا للْأولِ لِأَن الْفَرْض لَا يتَكَرَّر، وَجعله الثَّانِي يَقْتَضِي عدم سُقُوطه بِالْأولِ وَهُوَ لَازم ترك الرُّكْن لَا الْوَاجِب، إِلَّا أَن يُقَال المُرَاد أَن ذَلِك امتنان من الله تَعَالَى إِذْ يحْتَسب الْكَامِل وَإِن تَأَخّر عَن الْفَرْض لما علم سُبْحَانَهُ أَنه سيوفقه انْتهى، ثمَّ أَنه أطنب الْكَلَام فِي أَن الْإِعَادَة هَل هِيَ أَدَاء أَو قَضَاء أَو غَيرهمَا، وَكَلَام المُصَنّف ظَاهر فِي الثَّالِث لجعلها مُقَابلا للأولين، وَلما نقل عَنهُ من أَن الْفَرْض هُوَ الأول فَلَا يكون الثَّانِي فعل الْوَاجِب فِي الْوَقْت غير أَن قَوْله إِلَّا أَن يُقَال إِلَى آخِره تَجْوِيز لكَونه أَدَاء وَالصَّلَاة المفعولة جمَاعَة بعد فعلهَا على الِانْفِرَاد إِعَادَة إِن عَمها الْخلَل بِحَيْثُ يعم مَا لَيْسَ وَاقعا على الْوَجْه الْأَكْمَل (وَالْقَضَاء) تَعْرِيفه بِنَاء (على أَنه) وَاجِب (بِسَبَبِهِ) أَي الأول إِذْ لَو كَانَ وُجُوبه بِسَبَب آخر لَا يصدق عَلَيْهِ التَّعْرِيف لِأَن الْوَاجِب بِسَبَب آخر لَا يكون غير الأول (فعله) أَي الْوَاجِب (بعده) أَي الْوَقْت (فَفعل مثله) أَي الْوَاجِب (بعده) أَي الْوَقْت لخلل وَقع فِي أَدَائِهِ (خَارج) عَن تَعْرِيف الْقَضَاء لِأَنَّهُ فعل عين الْوَاجِب لَا مثله، وَفسّر الشَّارِح بِأَنَّهُ خَارج عَن الْأَقْسَام الثَّلَاثَة وَكَأَنَّهُ دَعَاهُ إِلَيْهِ قَوْله (كَفعل غير الْمُقَيد) بِوَقْت (من السّنَن) إِذْ خُرُوجه لَا يخص تَعْرِيف الْقَضَاء، وَأَنت خَبِير بِأَن مَا فسرنا بِهِ مُقْتَضى السِّيَاق والتفريع، وَلَا بعد فِي قَوْلنَا هَذَا خَارج عَن هَذَا الْقسم كَمَا أَن ذَلِك خَارج عَن الْأَقْسَام، على أَن خُرُوجه من الْقَضَاء مُسْتَلْزم لِخُرُوجِهِ عَنْهَا، إِذْ من الْمَعْلُوم أَنه لَيْسَ بِالْأَدَاءِ وَلَا إِعَادَة (والمقيد) مِنْهَا بِوَقْت (كَصَلَاة الْكُسُوف) والخسوف بوقتيهما وَالْمعْنَى على مَا ذكرنَا فعل مثل الْوَاجِب بعد الْوَقْت خَارج عَن تَعْرِيف الْقَضَاء كَمَا أَن فعل غير الْمُقَيد إِلَى آخِره خَارج عَن تَعْرِيف كل مِنْهُمَا، وَبَعْضهمْ جعل الْأَدَاء نَوْعَيْنِ(2/199)وَاجِب وَنفل وَلم يَأْخُذ فِيهِ قيد للْوُجُوب، وَإِلَيْهِ أَشَارَ بقوله (وَمن يُحَقّق الْقَضَاء فِي غير الْوَاجِب) مثل سنة الْفجْر كَمَا ذكر أَصْحَابنَا وَغَيرهم (يُبدل الْوَاجِب بِالْعبَادَة) فَيَقُول فعل الْعِبَادَة بعد وَقتهَا (فتسمية الْحَج) الصَّحِيح (بعد) الْحَج (الْفَاسِد قَضَاء) كَمَا وَقع فِي عبارَة مَشَايِخنَا وَغَيرهم (مجَاز) لِأَنَّهُ فِي وقته وَهُوَ الْعُمر (وتضييقه) أَي وَقت الْحَج (بِالشُّرُوعِ) فَلَا يجوز لَهُ الْخُرُوج مِنْهُ وتأخيره إِلَى عَام آخر (لَا يُوجِبهُ) أَي كَونه قَضَاء بعد الْإِفْسَاد لفَوَات وَقت الْإِحْرَام كَمَا زَعَمُوا (كَالصَّلَاةِ فِي الْوَقْت) ثَانِيًا (بعد إفسادها، والتزام بعض الشَّافِعِيَّة) قَالَ الشَّارِح: أَي القَاضِي حُسَيْن وَالْمُتوَلِّيّ وَالرُّويَانِيّ (أَنَّهَا) أَي الصَّلَاة الْمَذْكُورَة (قَضَاء) لِأَنَّهُ يتضيق عَلَيْهِ وَقتهَا بِدُخُولِهِ ففات وَقت إِحْرَامه بهَا (بعيد إِذْ لَا يَنْوِي) الْقَضَاء بهَا اتِّفَاقًا وَلَو كَانَت قَضَاء لَوَجَبَتْ نِيَّته، وَمَا قيل أَنه لَا يشْتَرط نِيَّة الْقَضَاء فِي الْقَضَاء خلال لِلْجُمْهُورِ، نعم صححوا نِيَّة جَاهِل الْوَقْت لغيم أَو نَحوه وَمن ظن خُرُوج الْوَقْت أَو بَقَاءَهُ حَتَّى تبين خلاف ظَنّه، وَأما الْعَالم بِالْحَال فَلَا تَنْعَقِد صلَاته إِلَّا بنية الْأَدَاء أَو الْقَضَاء، ثمَّ المتضيق بِالشُّرُوعِ بِفِعْلِهِ لَا بِأَمْر الشَّرْع وَالنَّظَر فِي الْأَدَاء وَالْقَضَاء إِلَى أَمر الشَّارِع (وَبَعْضهمْ) أَي الشَّافِعِيَّة قَالَ: هِيَ (إِعَادَة) فَلَا يعْتَبر فِي تَعْرِيفهَا كَونهَا لخلل غير الْفساد (واستبعاد قَول القَاضِي) أبي بكر من ابْن الْحَاجِب وَغَيره (فِيمَن) أدْرك وَقت الْفِعْل ثمَّ (أخر) الْفِعْل (عَن جُزْء مِنْهُ مَعَ ظن مَوته قبله) أَي الْفِعْل (حَتَّى أَثم) بِالتَّأْخِيرِ (اتِّفَاقًا) ومقول قَوْله (أَنه) أَي فعله بعد ذَلِك الْوَقْت (قَضَاء) خلافًا لِلْجُمْهُورِ فِي كَونه أَدَاء (إِن أَرَادَ) بِهِ مَا يسْتَلْزم صِحَّته (نِيَّة الْقَضَاء) فَهُوَ فِي موقعه، فالشرطية خبر استبعاد، حذف الْجَزَاء للْعلم بِهِ، وَقد عرفت وَجه الْبعد بقوله آنِفا إِذْ لَا يَنْوِي (وَإِلَّا) أَي وَإِن لم يرد بِهِ ذَلِك وَلم يشْتَرط فِيهِ نِيَّة الْقَضَاء (فلفظي) أَي فالنزاع لَفْظِي يرجع إِلَى التَّسْمِيَة بِلَفْظ الْقَضَاء لِأَنَّهُ حِينَئِذٍ يُوَافق الْجُمْهُور فِي أَنه فعل وَقع فِي وَقت كَانَ مُقَدرا لَهُ أَولا، وهم يوافقونه فِي وُقُوعه خَارج مَا تعين لَهُ من الْوَقْت ثَانِيًا بِحَسب ظَنّه فَلَا نزاع فِي الْمَعْنى (وتعريفه) أَي الْقَضَاء (بِفعل مثله) أَي الْوَاجِب كَمَا ذكره الْحَنَفِيَّة (إِنَّمَا يتَّجه على أَنه) أَي الْقَضَاء وُجُوبه (بآخر) أَي بِسَبَب آخر غير سَبَب الْأَدَاء فَلَا وَجه لاعتباره مثل الْوَاجِب الأول، بل هُوَ عينه غير أَنه أوقع فِي غير وقته الْمُقدر لَهُ ابْتِدَاء (وَاخْتلف فِيهِ) أَي فِي الْقَضَاء (بِمثل مَعْقُول) أَي مَعْلُوم لِلْعَقْلِ مماثلته للفائت كَالصَّلَاةِ للصَّلَاة، وَالصَّوْم للصَّوْم هَل يجب بِمَا يجب بِهِ الْأَدَاء أَو بِأَمْر آخر (فَأكْثر (بِأَمْر آخر، وَالْمُخْتَار للحنفية) كَالْقَاضِي أبي زيد وشمس الْأَئِمَّة وفخر الْإِسْلَام أَنه يجب (بِهِ) أَي بِمَا يجب بِهِ الْأَدَاء، وَبِه قَالَ كثير من الشَّافِعِيَّة والحنابلة وَعَامة أهل الحَدِيث، وَإِنَّمَا قيد الْمثل(2/200)بالمعقول لِأَنَّهُ بِمثل غير مدرك لِلْعَقْلِ مماثلته للفائت لعَجزه كالفدية للصَّوْم لَا يجب إِلَّا بِأَمْر آخر بالِاتِّفَاقِ (للْأَكْثَر الْقطع بِعَدَمِ اقْتِضَاء صم يَوْم الْخَمِيس صم) يَوْم (الْجُمُعَة) فِي الشَّرْح العضدي لَو وَجب الْقَضَاء بِالْأَمر الأول لَكَانَ مقتضيا للْقَضَاء وَاللَّازِم مُنْتَفٍ، أما الْمُلَازمَة فَبَيِّنَة إِذْ الْوُجُوب أخص من الِاقْتِضَاء وَثُبُوت الْأَخَص يسْتَلْزم ثُبُوت الْأَعَمّ، وَأما انْتِفَاء اللَّازِم فلأنا قاطعون بِأَن قَول الْقَائِل صم يَوْم الْخَمِيس لَا يَقْتَضِي صَوْم يَوْم الْجُمُعَة بِوَجْه من وُجُوه الِاقْتِضَاء وَأَيْضًا لَو اقْتَضَاهُ لَكَانَ أَدَاء وَكَانَ بِمَثَابَة صم إِمَّا يَوْم الْخَمِيس وَإِمَّا يَوْم الْجُمُعَة وَهُوَ تَخْيِير بَينهمَا. وَالثَّانِي أَدَاء بِرَأْسِهِ لَا قَضَاء للْأولِ وَأَيْضًا يلْزم أَن يَكُونَا سَوَاء فَلَا يقْضِي بِالتَّأْخِيرِ، وَإِلَيْهِ أَشَارَ بقوله (وَإِلَّا) أَي وَإِن لم يكن كَذَلِك بل اقْتَضَاهُ (كَانَ) أَي صَوْم يَوْم الْخَمِيس وَصَوْم يَوْم الْجُمُعَة (سَوَاء) فِي كَونهمَا أَدَاء بِمَنْزِلَة صم إِمَّا يَوْم الْجُمُعَة وَإِمَّا يَوْم الْخَمِيس (وَالْجَوَاب) عَن هَذَا الِاسْتِدْلَال أَن يُقَال (مُقْتَضَاهُ) أَي صَوْم يَوْم الْخَمِيس (أَمْرَانِ) : أَحدهمَا (إِلْزَام) أصل (الصَّوْم. و) الثَّانِي (كَونه) أَي الصَّوْم (فِيهِ) أَي يَوْم الْخَمِيس (فَإِذا عجز عَن الثَّانِي) وَهُوَ كَونه فِيهِ الَّذِي بِهِ كَمَال الْمَأْمُور بِهِ (لفواته بَقِي قَضَاؤُهُ الصَّوْم لَا فِي) خُصُوص (الْجُمُعَة وَلَا) فِي خُصُوص (غَيرهَا وَإِنَّمَا يلْزم مَا ذكر) من الْمُسَاوَاة (لَو اقْتِضَاء) أَي صَوْم يَوْم الْخَمِيس الصَّوْم (فِي) يَوْم (معِين) غَيره كَيَوْم الْجُمُعَة وَلَيْسَ كَذَلِك (نعم لَو اقْتضى فَوَاته) أَي الْأَدَاء (ظُهُور بطلَان مصلحَة الْوَاجِب ومفسدته) إِمَّا بِالنّصب عطفا على ظُهُور وَإِمَّا بِالْجَرِّ عطفا على بطلَان (سقط) الْوَاجِب بِالْكُلِّيَّةِ لِأَنَّهُ لَا يتَحَقَّق بِلَا مصلحَة مَعَ ظُهُور فَسَاده (للمعارض الرَّاجِح) وَهُوَ ظُهُور بطلَان الْمصلحَة والمفسدة (وَهُوَ) أَي اقْتِضَاء فَوَاته ذَلِك (بعيد، إِذْ عقلية حسن الصَّلَاة ومصلحتها بعد الْوَقْت كقبله) أَي كعقلية حسنها ومصلحتها قبل الْوَقْت: إِذْ الْمَقْصُود بهَا تَعْظِيم الله لفظا وَمُخَالفَة الْهوى وَذَلِكَ لَا يخْتَلف باخْتلَاف الْأَوْقَات، وَإِنَّمَا امْتنع التَّقْدِيم على الْوَقْت لِامْتِنَاع تَقْدِيم الحكم على السَّبَب كَمَا سَيَجِيءُ (وَغَايَة تَقْيِيده) أَي الْوَاجِب (بِهِ) أَي بِالْوَقْتِ أَنه (لزِيَادَة الْمصلحَة فِيهِ) أَي فِي الْوَقْت لشرفه، وكل من الْفَوات والتفويت غير مسْقط لَهُ (وَقَوْلهمْ) أَي الْقَائِلين بِأَنَّهُ لَا يجب بِمَا يجب بِهِ الْأَدَاء (لَو لم يكن) الْوَقْت (قيدا فِيهِ) أَي فعل الْوَاجِب (دَاخِلا فِي الْمَأْمُور بِهِ جَازَ تَقْدِيمه) أَي الْمَأْمُور بِهِ على الْوَقْت الْمُقَيد بِهِ (مندفع بِأَن الْكَلَام فِي الْوَاجِب وَلَا وَاجِب قبل التَّعَلُّق) أَي قبل تعلق الْوُجُوب بِهِ وَلَا يتَعَلَّق الْوُجُوب إِلَّا عِنْد دُخُول الْوَقْت فِي الْوَاجِب الْمُؤَقت (ثمَّ قيل ثَمَرَته) أَي الْخلاف تظهر (فِي الصّيام الْمَنْذُور الْمعِين) إِذا فَاتَ وقته (يجب قَضَاؤُهُ على) القَوْل (الثَّانِي) وَهُوَ أَنه يجب بِمَا يجب بِهِ الْأَدَاء (وَلَا) يجب (على الأول) وَهُوَ أَنه يجب بِأَمْر آخر لعدم وُرُود مَا يدل عَلَيْهِ (وَقيل الْقَضَاء) فِيهِ (اتِّفَاق فَلَا ثَمَرَة)(2/201)لهَذَا الْخلاف (ويطالبون) أَي الْقَائِلُونَ بِأَنَّهُ يجب بِالْأَمر الآخر (بِالْأَمر الْجَدِيد) غير النّذر فِي هَذِه الصُّورَة الدَّال على وجوب قَضَاء الصَّوْم الْمَذْكُور والإتيان بِهِ مُتَعَذر فِيمَا يظْهر (وَلَو قيل) بدل بِأَمْر جَدِيد (بِسَبَب آخر) كَمَا هُوَ عبارَة السَّرخسِيّ وَغَيره (شَمل الْقيَاس فَيمكن) أَن يجيبوا بِأَن السَّبَب الآخر هُوَ الْقيَاس (على الصَّلَاة) الْمَفْرُوضَة فِي الصَّلَاة الْمَنْذُورَة، وعَلى الصَّوْم الْمَفْرُوض فِي الصَّوْم الْمَنْذُور فَإِنَّهُ قَالَ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم " فَإِذا نسى أحدكُم صَلَاة أَو نَام عَنْهَا فليصلها إِذا ذكرهَا ". وَقَالَ تَعَالَى - {فَمن كَانَ مِنْكُم مَرِيضا أَو على سفر فَعدَّة من أَيَّام أخر} - اعْتِبَارا بِمَا هُوَ وَاجِب بِإِيجَاب العَبْد بِمَا هُوَ وَاجِب بِإِيجَاب الله تَعَالَى ابْتِدَاء (ونوقض) الْمُخْتَار عِنْد الْحَنَفِيَّة وَهُوَ أَنه يجب بِمَا يجب بِهِ الْأَدَاء (بِنذر اعْتِكَاف رَمَضَان إِذا لم يعتكفه) أَي رَمَضَان حَيْثُ (يجب) فِي ظَاهر الرِّوَايَة قَضَاؤُهُ (بِصَوْم جَدِيد وَلم يُوجِبهُ) أَي نذر اعْتِكَافه صَوْمه لوُجُوبه بِدُونِ النّذر (فَكَانَ) وجوب الْقَضَاء (بِغَيْرِهِ) أَي غير مَا يحب بِهِ الْأَدَاء (وَيبْطل) النّذر بعد انْتِفَاء الِاعْتِكَاف: أَي لَا يبْقى لَهُ مُوجب (كَأبي يُوسُف وَالْحسن) أَي كَمَا قَالَا، إِذْ لَا يُمكن إِيجَاب الْقَضَاء بِدُونِ الصَّوْم لِأَنَّهُ لَا اعْتِكَاف إِلَّا بِالصَّوْمِ، وَلَا إِيجَابه بِالصَّوْمِ وَإِلَّا يلْزم إِلْزَام الزِّيَادَة على مَا الْتَزمهُ، وَفِيه أَن هَذَا كُله فرع كَون الصَّوْم الْجَدِيد قَضَاء، وَهُوَ غير لَازم لكَون الِاعْتِكَاف قَضَاء لجَوَاز كَون الصَّوْم أَدَاء تَابعا للاعتكاف من حَيْثُ التحقق لَا من حَيْثُ كَونه قَضَاء (أُجِيب بِأَنَّهُ) أَي نذر الِاعْتِكَاف (مُوجب) للصَّوْم، لِأَنَّهُ شَرط صِحَة الِاعْتِكَاف وَشرط الشَّيْء يجب بتبعية وُجُوبه إِلَّا أَنه (امْتنع) إِيجَابا لَهُ (فِي خُصُوص ذَلِك) أَي نذر اعْتِكَافه رَمَضَان لمَانع هُوَ وُجُوبه قبل النّذر فَإِن إِضَافَته إِلَى رَمَضَان وَشرف الْوَقْت مَعَ حُصُول الْمَقْصد بِصَوْم الشَّهْر، لِأَن الشَّرْط من حَيْثُ هُوَ شَرط يعْتَبر وجوده تبعا يمْنَع إِيجَاب اعْتِكَاف بِصَوْم فِي غير رَمَضَان عِنْد الْأَدَاء (فَعِنْدَ عَدمه) أَي الْمَانِع، وَهُوَ رَمَضَان إِذا لم يعتكفه وَلزِمَ الْقَضَاء (ظهر أَثَره) أَي نذر الِاعْتِكَاف فِي إِيجَاب الصَّوْم كمظهر نذر أَن يُصَلِّي رَكْعَتَيْنِ فَإِنَّهُ يُصليهَا بِتِلْكَ الطَّهَارَة، وَإِذا انْقَضتْ لَزِمته لأدائها بذلك النّذر لَا بِسَبَب آخر (وَلزِمَ أَن لَا يقْضِي فِي رَمَضَان آخر، وَلَا وَاجِب) آخر لِأَن الصَّوْم وَإِن كَانَ شرطا لكنه مِمَّا يلْزم بِالنذرِ لكَونه عبَادَة مَقْصُودَة فِي نَفسه، فَإِذا ظهر أثر النّذر فِي إِيجَابه لَا يتَأَدَّى بِوَاجِب آخر كَمَا لَو نَذره مُطلقًا أَو مُضَافا إِلَى غير رَمَضَان (سوى قَضَاء) رَمَضَان (الأول) فَإِنَّهُ يجوز فِيهِ (للخلفية) أَي لخلفية صَوْم الشَّهْر الْمقْضِي عَن صَوْم الْمَنْذُور: إِذْ الْخلف فِي حكم الأَصْل وَقد اكْتفى بِالصَّوْمِ الْوَاجِب أَصَالَة لَا من قبل النّذر بتبعية الِاعْتِكَاف فِي الأَصْل فَكَذَلِك فِي الْخلف.(2/202)تذنيبمُتَعَلق بِالْأَدَاءِ وَالْقَضَاء يشْتَمل على أَقسَام لَهما باعتبارات مُخْتَلفَة (قسم الْحَنَفِيَّة الْأَدَاء) حَال كَونهم (معممين) التَّقْسِيم لَهُ (فِي الْمُعَامَلَات) كَمَا فِي الْعِبَادَات إِلَى مَا لَيْسَ فِي معنى الْقَضَاء، وَهُوَ يَنْقَسِم (إِلَى كَامِل) مستجمع لجَمِيع الْأَوْصَاف المشروعية فِيهِ (كَالصَّلَاةِ) الْمَشْرُوع فِيهَا الْجَمَاعَة كالمكتوبة والعيد وَالْوتر فِي رَمَضَان والتراويح (بِجَمَاعَة، وقاصر) غير مستجمع لما ذكر (كالمكتوبة) إِذْ صلاهَا (مُنْفَردا) . وَفِي الصَّحِيحَيْنِ عَنهُ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم " صَلَاة الْجَمَاعَة أفضل من صَلَاة الْفَذ بِسبع وَعشْرين ضعفا ". (و) إِلَى (مَا) أَي أَدَاء (فِي معنى الْقَضَاء كَفعل اللَّاحِق) وَهُوَ من فَاتَهُ بعد مَا دخل مَعَ الإِمَام بعض صَلَاة الإِمَام لنوم أَو سبق حدث فَمَا فَاتَهُ من صَلَاة الإِمَام (بعد فرَاغ الإِمَام) فَهُوَ أَدَاء بِاعْتِبَار كَونه فِي الْوَقْت قَضَاء بِاعْتِبَار فَوَاته مَعَ الإِمَام، ثمَّ لما كَانَ أَدَاء بِاعْتِبَار الأَصْل قَضَاء بِاعْتِبَار الْوَصْف جعل أَدَاء شَبِيها بِالْقضَاءِ لَا الْعَكْس (وَلذَا) أَي كَونه فِي معنى الْقَضَاء (لَا يقْرَأ فِيهِ وَلَا يسْجد لسَهْوه وَلَا يتَغَيَّر فَرْضه) من الثنائية إِلَى الرّبَاعِيّة لَو كَانَ مُسَافِرًا (بنية الْإِقَامَة) فِيهِ فِي مَوضِع صَالح لَهَا وَالْوَقْت بَاقٍ لِأَن الْقَضَاء لَا يتَغَيَّر بِالْغَيْر لِأَنَّهُ مَبْنِيّ على الأَصْل وَهُوَ لم يتَغَيَّر لانقضائه، فَكَذَا مَا فِي معنى الْقَضَاء خلافًا لزفَر فِي هَذَا، هَذَا كُله فِي حق الله تَعَالَى (و) أما (فِي حُقُوق الْعباد) فالكامل مِثَاله (رد عين الْمَغْصُوب سالما) أَي على الْوَجْه الَّذِي غصبه (و) الْقَاصِر مِثَاله (رده) أَي عين الْمَغْصُوب (مَشْغُولًا بِجِنَايَة) لَزِمت فِي يَد الْغَاصِب يسْتَحق بهَا رقبته أَو طرفه أَو بدين استهلاكه مَال إِنْسَان فَإِنَّهُ حِينَئِذٍ لَا يَقع الرَّد على الْوَجْه الَّذِي غصبه، ولكونه أَدَاء لَو هلك فِي يَد الْمَالِك قبل الدّفع إِلَى الْمَجْنِي عَلَيْهِ أَو البيع فِي الدّين برِئ الْغَاصِب، ولقصوره إِذا دفع أَو قتل بذلك السَّبَب أَو بيع فِي ذَلِك الدّين رَجَعَ الْمَالِك على الْغَاصِب بِالْقيمَةِ كَأَن الرَّد لم يُوجد (و) مَا فِي معنى الْقَضَاء مِثَاله (تَسْلِيم عب د غَيره الْمُسَمّى مهْرا بعد شِرَائِهِ) لزوجته الَّتِي سَمَّاهُ لَهَا مهْرا: فكونه أَدَاء لكَونه عين الْمُسَمّى مهْرا (فتجبر) الزَّوْجَة (عَلَيْهِ) أَي على قبُوله كَمَا لَو كَانَ فِي ملك عِنْد العقد وَلَا يملك الزَّوْج منعهَا مِنْهُ (وَيُشبه الْقَضَاء لِأَنَّهُ) أَي الزَّوْج (بعد الشِّرَاء ملكه حَتَّى نفذ عتقه) وَبيعه وَغَيرهمَا من التَّصَرُّفَات فِيهِ (مِنْهُ) أَي الزَّوْج (لَا مِنْهَا) أَي الزَّوْجَة، لِأَن تبدل الْملك بِمَنْزِلَة تبدل الْعين شرعا فَإِنَّهُ صَحَّ عَنهُ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَنه أكل من لحم تصدق بِهِ على بَرِيرَة، وَقَالَ هُوَ عَلَيْهَا صَدَقَة وَمِنْهَا لنا هَدِيَّة (و) قسموا (الْقَضَاء إِلَى مَا) أَي قَضَاء (بِمثل مَعْقُول، و) بِمثل (غير مَعْقُول كَالصَّوْمِ للصَّوْم والفدية لَهُ) أَي للصَّوْم، وَهِي الصَّدَقَة بِنصْف صَاع من بر أَو صَاع من شعير أَو تمر بَدَلا عَنهُ عِنْد(2/203)الْعَجز المستدام مِنْهُ: فَالْأول مِثَال الْمَعْقُول، وَالثَّانِي مِثَال غير الْمَعْقُول (وَمَا) أَي وَإِلَى قَضَاء (يشبه الْأَدَاء كقضاء تَكْبِيرَات الْعِيد فِي الرُّكُوع) عِنْد أبي حنيفَة وَمُحَمّد إِذا أدْرك الإِمَام وَخَافَ أَن يرفع رَأسه مِنْهُ لَو اشْتغل بهَا فَكبر للافتتاح ثمَّ للرُّكُوع ثمَّ أَتَى فِيهِ بهَا (خلافًا لأبي يُوسُف) حَيْثُ قَالَ: لَا يَأْتِي بهَا فِيهِ لفواتها عِنْد محلهَا، وَهُوَ الْقيام وَعدم قدرته على مثل من عِنْده قربَة فِي الرُّكُوع كَمَا لَو نسي الْفَاتِحَة أَو السُّورَة أَو الْقُنُوت ثمَّ ركع، وَوجه ظَاهر الرِّوَايَة أَن الرُّكُوع لما أشبه الْقيام حَقِيقَة من حَيْثُ بَقَاء الانتصاب والاستواء فِي النّصْف الْأَسْفَل من الْبدن وَحكما لِأَن الْمدْرك المشارك للْإِمَام فِي الرُّكُوع مدرك لتِلْك الرَّكْعَة لم يتَحَقَّق الْفَوات لبَقَاء مَحل الْأَدَاء من وَجه، وَقد شرع مَا هُوَ من جِنْسهَا وَهُوَ تَكْبِيرَة الرُّكُوع فِيمَا لَهُ شبه الْقيام فَإِن الْأَصَح أَن الْإِتْيَان بهَا فِي حَالَة الانحطاط وَهِي محتسبة فِي الرَّكْعَة الثَّانِيَة من تكبيراتها، وَالتَّكْبِير عبَادَة، وَهِي تثبت بِالشُّبْهَةِ فَكَانَ الِاحْتِيَاط فِي فعلهَا لبَقَاء جِهَة الْأَدَاء بِبَقَاء الْمحل من وَجه بِخِلَاف الْقِرَاءَة والقنوت فَإِن كلا مِنْهُمَا لم يشرع فِيمَا لَهُ شبه الْقيام بِوَجْه ثمَّ لَا يرفع يَدَيْهِ فِيهَا لِأَنَّهُ وَوضع الْكَفّ سنتَانِ إِلَّا أَن الرّفْع فَاتَ عَن مَحَله فِي الْجُمْلَة والوضع لم يفت فَكَانَ أولى، هَذَا فِي حق الله تَعَالَى (وَفِي حُقُوق الْعباد ضَمَان الْمَغْصُوب) المثلى من مَكِيل أَو مَوْزُون أَو مَعْدُود مُتَقَارب (بِالْمثلِ صُورَة) ويتبعها الْمَعْنى ضَرُورَة كالحنطة بِالْحِنْطَةِ وَالزَّيْت بالزيت والبيضة بالبيضة قَضَاء كَامِل بِمثل مَعْقُول (ثمَّ) ضَمَانه بِالْمثلِ (معنى بِالْقيمَةِ) بدل من قَوْله بِالْمثلِ معنى (للعجز) عَن الْمثل صُورَة وَمعنى تَعْلِيل للاكتفاء بِالْمثلِ معنى بِالضَّمَانِ، وَذَلِكَ عِنْد انْقِطَاعه بِأَن لَا يُوجد فِي الْأَسْوَاق قَضَاء قَاصِر بِمثل مَعْقُول أما كَونه قَضَاء فَظَاهر، وَأما كَونه قاصرا فلانتفاء الصُّورَة، وَأما كَونه بِمثل مَعْقُول فللمساواة فِي الْمَالِيَّة (وَبِغير مَعْقُول) أَي وَالْقَضَاء بِمثل قَاصِر غير مَعْقُول (ضَمَان النَّفس والأطراف بِالْمَالِ فِي) الْقَتْل وَالْقطع (الْخَطَأ) إِذْ لَا مماثلة بَين شَيْء مِنْهُمَا وَالْمَال صُورَة وَهُوَ ظَاهر، وَلَا معنى لِأَن الْآدَمِيّ مَالك غير مبتذل، وَالْمَال مَمْلُوك متبذل وللقصور لم يشرع إِلَّا عِنْد تعذر الْمثل الْكَامِل الْمَعْقُول وَهُوَ الْقصاص، وَذَلِكَ لعدم قَصده (وَإِعْطَاء قيمَة عبد سَمَّاهُ مهْرا بِغَيْر عينه) قَضَاء يشبه الْأَدَاء (حَتَّى أجبرت) الزَّوْجَة (عَلَيْهَا) أَي على قبُول قيمَة عبد وسط إِذا أَتَاهَا بهَا كَمَا يجْبر على قبُول عبد وسط إِذا أَتَاهَا بِهِ لكَونه عين الْوَاجِب (وَإِن كَانَت) الْقيمَة (قَضَاء لشبهه) أَي هَذَا الْقَضَاء (بِالْأَدَاءِ لمزاحمتها) أَي الْقيمَة (الْمُسَمّى، إِذْ لَا يعرف) هَذَا الْمُسَمّى لجهالته وَصفا (إِلَّا بهَا) أَي بِالْقيمَةِ: إِذْ لَا يُمكن تَعْيِينه بِدُونِهَا ثمَّ هِيَ لَا تتَعَيَّن إِلَّا بالتقويم فَصَارَت الْقيمَة أصلا من هَذَا الْوَجْه مزاحما للمسمى فَأَيّهمَا أَتَى بِهِ يجْبر بِهِ على الْقبُول بِخِلَاف الْمعِين فَإِنَّهُ مَعْلُوم بِدُونِ التَّقْوِيم فَكَانَت قِيمَته قَضَاء مَحْضا فَلم يجْبر عَلَيْهَا عِنْد الْقُدْرَة عَلَيْهِ (وَفِيه)(2/204)أَي فِي حكم هَذِه المسئلة بِاعْتِبَار تعليلها الْمَذْكُور (نظر) لِأَن الْمُسَمّى مَعْلُوم الْجِنْس مَجْهُول الْوَصْف وَفِي نَظَائِره يعْتَبر الْوسط نظرا إِلَى الْجَانِبَيْنِ، وَبِه ترْتَفع الْجَهَالَة فَيلْزمهُ تَسْلِيم عبد وسط فَلَا نسلم الْمُزَاحمَة الْمَذْكُورَة (وَعَن سبق المماثل صُورَة) وَمعنى فِي التَّضْمِين من حَيْثُ الِاعْتِبَار شرعا على المماثل معنى فَقَط (قَالَ أَبُو حنيفَة فِيمَن قطع) يَد إِنْسَان عمدا (ثمَّ قتل) الْقَاطِع الْمَقْطُوع أَيْضا (عمدا قبل الْبُرْء) أَي برْء الْقطع (للْوَلِيّ كَذَلِك) أَي أَن يقطع يَده ثمَّ يقْتله كَمَا لَهُ أَن يقْتله من غير قطع، إِذْ الأول مثل كَامِل بِاعْتِبَار الصُّورَة وَالْمعْنَى، وَهُوَ إزهاق الرّوح بِخِلَاف الثَّانِي فَإِنَّهُ قَاصِر لفَوَات الصُّورَة فِيهِ والكامل سَابق فِي الِاعْتِبَار غير أَنه لَهُ الِاقْتِصَار لِأَنَّهُ حَقه كَمَا أَن لَهُ الْعَفو، وَقيل هَذَا يَقْتَضِي أَن هَذَا لَو كَانَ بَين صَغِير وكبير هُوَ وليه لم يتَمَكَّن الْكَبِير من الِاقْتِصَار على الْقَتْل عِنْده، لِأَن حق الصَّغِير فِي الْكَامِل وَهُوَ مُمكن (خلافًا لَهما) حَيْثُ قَالَا لَيْسَ لَهُ سوى الْقَتْل (بِنَاء على أَنَّهَا) أَي هَذِه الْأَفْعَال جِنَايَة (وَاحِدَة) معنى عِنْدهمَا وَهِي الْقَتْل (لِأَن بِالْقَتْلِ ظهر أَنه) أَي الْجَانِي (قَصده) أَي بِالْقَتْلِ (بِالْقطعِ) فَصَارَ كَمَا لَو قَتله بضربات يحْتَمل آخرهَا أَن يكون ماحيا لأثر الأول فَإِنَّهُ لَا يتَصَوَّر أَن يحكم بِالسّرَايَةِ بعد فَوت الْمحل بِهِ فيضاف الحكم إِلَيْهِ. قَالَ تَعَالَى - {وَمَا أكل السَّبع إِذا مَا ذكيتم} - جعل التذكية ماحيا أثر جراحه من السَّبع، كَذَا ذكره الشَّارِح وَفِيه مَا فِيهِ (وجنايتان عِنْده) أَي أبي حنفية وهما الْقطع وَالْقَتْل (وَمَا ذكرا) أَي صَاحِبَاه من ظُهُور أَنه قصد الْقَتْل بِالْقطعِ (لَيْسَ بِلَازِم) لجَوَاز حُدُوث دَاعِيَة الْقَتْل بعد الْقطع، بِخِلَاف مَا لَو تخَلّل الْبُرْء بَينهمَا فَإِن الِاتِّفَاق على أَن لَهُ أَن يقطع ثمَّ يقتل لِأَن الأولى قد انْتَهَت وَاسْتقر حكمهَا بالبرء (وَعنهُ) أَي سبق المماثل صُورَة وَمعنى على الْقَاصِر فِي الِاعْتِبَار أَيْضا (قَالَ) أَبُو حنيفَة (لَا يضمن) الْغَاصِب الْمَغْصُوب (الْمثْلِيّ بِالْقيمَةِ إِذا انْقَطع الْمثل) من أَيدي النَّاس (إِلَّا يَوْم الْخُصُومَة) وَالْقَضَاء بهَا (لِأَن التضيق) لوُجُوب أَدَائِهِ الْمثل الْكَامِل الْوَاجِب فِي ذمَّته (بِالْقضَاءِ) بِهِ عَلَيْهِ (فَعنده) أَي الْقَضَاء بِهِ عَلَيْهِ (بتحقق الْعَجز) عَنهُ فيتحول إِلَى الْقَاصِر (بِخِلَاف) الْمَغْصُوب (القيمي) حَيْثُ تجب قِيمَته يَوْم الْغَصْب اتِّفَاقًا (لِأَن وجوب قِيمَته) أَي القيمى (بِأَصْل السَّبَب) الَّذِي هُوَ الْغَصْب (فَيعْتَبر) الْوُجُوب (يَوْم الْغَصْب، وَلأبي يُوسُف) أَنه يجب قيمَة المثلى (يَوْم الْغَصْب لِأَنَّهُ لما الْتحق) المثلى (بِمَا لَا مثل لَهُ بالانقطاع وَجب الْخلف) وَهُوَ الْقيمَة (ووجوبه) أَي الْخلف (بسب الأَصْل) أَي الْمثل صُورَة، وَمعنى (وَهُوَ) أَي سَبَب الأَصْل (الْغَصْب، وَمُحَمّد) قَالَ (الْقيمَة للعجز) عَن الْمثل صُورَة وَمعنى (وَهُوَ) أَي الْعَجز (بالانقطاع فَيعْتَبر يَوْمه) أَي الِانْقِطَاع وَفِي التُّحْفَة الصَّحِيح قَول أبي حنيفَة (وَاتَّفَقُوا) أَي أَصْحَابنَا على (أَن بِإِتْلَاف الْمَنَافِع) للأعيان كاستخدام(2/205)العَبْد وركوب الدَّابَّة وسكنى الدَّار (لَا ضَمَان لعدم الْمثل الْقَاصِر) لِأَن الْمَنْفَعَة لَا تماثل الْعين صُورَة وَهُوَ ظَاهر، وَلَا معنى لِأَن الْعين مَال مُتَقَوّم، بِخِلَاف الْمَنْفَعَة، لِأَن المَال مَا يصان ويدخر لوقت الضَّرُورَة وَالْحَاجة، وَالْمَنَافِع لَا تبقى بل كَمَا تُوجد تتلاشى، والتقوم الَّذِي هُوَ شَرط الضَّمَان لَا يثبت بِدُونِ الْوُجُود والبقاء (والاتفاق) وَاقع (على نفي الْقَضَاء بالكامل) أَي على أَن الْمَنَافِع لَا تضمن بِمِثْلِهَا فِي الْمَنَافِع، هَذَا على تَقْدِير رفع الِاتِّفَاق، وَأما على تَقْدِير جَرّه فالتقدير والاتفاق الْوَاقِع الخ (لَو وَقع) أَي لَو وجد الْمثل الْكَامِل (كالحجر على كميات مُتَسَاوِيَة) الْحجر كصرد جمع الْحُجْرَة للغرفة: يَعْنِي كإتلاف مَنْفَعَة حجرَة من الْحجر الكائنة على كميات مُتَسَاوِيَة الْمُمَاثلَة مَنَافِعهَا صُورَة وَمعنى فَإِنَّهَا لَا تضمن بِمَنْفَعَة حجرَة أُخْرَى مِنْهَا فَلِأَن لَا تضمن بالأعيان مَعَ أَنه لَا مماثلة بَينهمَا صُورَة وَمعنى أولى، وَلما ذهب الشَّافِعِي إِلَى ضَمَانهَا بِنَاء على أَنَّهَا مَال متقوّم كَالْعَيْنِ بِدَلِيل وُرُود العقد عَلَيْهَا فَأَشَارَ إِلَى دَفعه بقوله (وورود العقد عَلَيْهَا لتحَقّق الْحَاجة) أَي يثبت تقومّها فِي العقد على خلاف الْقيَاس بِقِيَام الْعين مقَامهَا لضَرُورَة حَاجَة النَّاس إِلَى عقد الْإِجَارَة وَخلاف الْقيَاس مقتصر على قدر الضَّرُورَة فَإِن قيل الْحَاجة ماسة إِلَى ضَمَانهَا أَيْضا لِأَن فِي القَوْل بِعَدَمِ وُجُوبه انفتاح بَاب الظُّلم قُلْنَا نهى الشَّارِع يَدْفَعهُ (وَلم ينْحَصر دَفعهَا) أَي حَاجَة دفع الْعدوان (فِي التَّضْمِين بل الضَّرْب وَالْحَبْس أدفَع) للعدوان من التَّضْمِين وَنحن أوجبناهما أَو أَحدهمَا على المتعدّي، وَفِي الْمُجْتَبى وأصحابنا الْمُتَأَخّرُونَ يفتون بقول الشَّافِعِي فِي المسبلات والأوقاف وأموال الْيَتَامَى ويوجبون أجر مَنَافِعهَا على الغصبة، وَفِي الْفَتَاوَى وَغَيرهَا مَنَافِع الْعقار الْمَوْقُوفَة مَضْمُونَة سَوَاء كَانَ معدّا للِاسْتِغْلَال أَو لَا بِكُل حَال، وَحكى بَعضهم الْإِجْمَاع على هَذَا وَسَيذكر فِي كَلَام المُصَنّف مَا يُؤَيّد هَذَا (و) لَا يضمن (الْقصاص بقتل الْمُسْتَحق عَلَيْهِ) الْقصاص بقصاص ولادية (وَلَا) يضمن أَيْضا (ملك النِّكَاح بِشَهَادَة الطَّلَاق بعد الدُّخُول إِذا رجعُوا) أَي الشُّهُود بِالطَّلَاق بِشَيْء (خلافًا للشَّافِعِيّ فيهمَا) أَي فِي هَاتين المسئلتين إِذْ عِنْده الْقَاتِل يضمن الدِّيَة لِأَن الْقصاص ملك متقوّم للوليّ. وَقد أتلف ذَلِك عَلَيْهِ بقتْله فَيضمن، وَالشُّهُود يضمنُون للزَّوْج مهر الْمثل، لِأَن ملك النِّكَاح متقوّم على الزَّوْج ثبوتا فَيكون متقوّما عَلَيْهِ زوالا، وَإِنَّمَا قُلْنَا لَا يضمن الْقصاص بِالدِّيَةِ وَملك النِّكَاح بعد الدُّخُول بِالْمهْرِ (لِأَن الدِّيَة وَمهر الْمثل لَا يماثلانهما) أَي الْقصاص وَملك النِّكَاح صُورَة وَهُوَ ظَاهر، وَلَا معنى لِأَن الْمَقْصُود من الْقصاص الانتقام والتشفي بإعدام الْحَيَاة، وَمن ملك النِّكَاح السكن والازدواج وإبقاء النَّسْل فَلَيْسَ بِمَال متقوّم (والتقوّم) بِالْمَالِ فِي بَاب الْقَتْل وَملك النِّكَاح (شَرْعِي للزجر) كَمَا فِي قتل الْأَب ابْنه عمدا (أَو الْجَبْر) كَمَا فِي قتل الْخَطَأ (وللخطر) أَي لشرف الْمحل فيهمَا أَيْضا صِيَانة للدم عَن الهدر(2/206)ولشرف بضع الْمَرْأَة حَالَة ثُبُوته تَعْظِيمًا لَهُ احْتِرَازًا عَن ملكه مجَّانا للنسل (لَا للتقوّم المالي) وَفِي تَهْذِيب الْبَغَوِيّ الْقَاتِل لَا يضمن الدِّيَة كمذهبنا.الْقسم الثَّانِي(كَون الْوَقْت سَببا للْوُجُوب مُسَاوِيا للْوَاجِب) بِأَن يُوجد بِإِزَاءِ كل جُزْء من الْوَقْت جُزْء من الْوَاجِب (وكل مُؤَقّت فالوقت شَرط أَدَائِهِ) إِذْ لَا يتَحَقَّق بِدُونِهِ وَهُوَ غير مُؤثر فِي وجوده. وَكَانَ مُقْتَضى الظَّاهِر أَن يذكر هَذَا عِنْد تَقْسِيم الْوَاجِب إِلَى الموقت وَغَيره، وَكَأَنَّهُ أَرَادَ بَيَان كَون هَذَا الْقسم جَامعا للأوصاف الثَّلَاثَة (ويسمونه) أَي الْحَنَفِيَّة هَذَا الْوَقْت (معيارا) لتقديره الْوَاجِب إِذْ يزْدَاد بِزِيَادَتِهِ وَينْقص بنقصه فَيعلم بِهِ مِقْدَاره كَمَا يعرف مقادير الموزونات بالمعيار (وَهُوَ رَمَضَان عين شرعا لفرض الصَّوْم، فَانْتفى شَرْعِيَّة غَيره من الصّيام فِيهِ فَلم يشرطوا) أَي الْحَنَفِيَّة (نِيَّة التَّعْيِين) أَي تعْيين كَونه الصَّوْم الْفَرْض عِنْد الْعَزْم على أَدَائِهِ (فأصيب) صَوْم رَمَضَان (بنية مباينة) لنِيَّة صَوْم رَمَضَان ومباينتها بِاعْتِبَار متعلقها وَهُوَ المنويّ (كالنذر وَالْكَفَّارَة بِنَاء على لَغْو الْجِهَة) الَّتِي عينهَا الناوي لِأَن تعْيين الشَّارِع الْوَقْت لرمضان لَا يخلي لما عينه العَبْد اعْتِبَارا فَيلْغُو (فيقى) الصَّوْم (الْمُطلق) بعد طرح خُصُوصِيَّة النفلية وَالْكَفَّارَة (وَبِه) أَي بالمطلق (يصاب) الصَّوْم الْفَرْض الرمضاني أَدَاء (كالأخص) مثل (زيد يصاب بالأعم) مثل (إِنْسَان) وَمعنى مصابية زيد بالإنسان أَنه إِذا قَالَ الْمُتَكَلّم رَأَيْت إنْسَانا مثلا وَفِي نفس الْأَمر نِيَّة زيد يكون مصداق هَذَا الحكم وَمحله خُصُوصِيَّة زيد. وَإِن كَانَ آلَة مُلَاحظَة مُتَعَلق الرُّؤْيَة ذَلِك الْمَفْهُوم الْكُلِّي، وَلَا شكّ أَن الْكُلِّي من حَيْثُ هُوَ كلي لَا يصلح لِأَن يصير طرفا لنسبة خارجية فالمتكلم والمخاطب يعلمَانِ إِجْمَالا أَن طرفها فِي نفس الْأَمر فَرد مِنْهُ. وَإِذا انحصر تحَققه بِاعْتِبَار تِلْكَ النِّسْبَة فِي خُصُوص فَرد يصير ذَلِك الْكُلِّي فِي نفس الْأَمر عبارَة عَنهُ ضَرُورَة، وَلذَلِك تحكم بِأَنَّهُ رَأْي زيدا إِذا لم يكن هُنَاكَ غَيره (وَالْجُمْهُور على نَفْيه) أَي نفي وُقُوعه عَن رَمَضَان بِهَذِهِ النِّيَّة (وَهُوَ) أَي نفي وُقُوعه عَنهُ (الْحق، لِأَن نفي شَرْعِيَّة غَيره) أَي غير صَوْم رَمَضَان (إِنَّمَا يُوجب نفي صِحَّته) أَي الْغَيْر (إِذا نَوَاه وَنفى صِحَة مَا نَوَاه من الْغَيْر لَا يُوجب وجود نِيَّة مَا يَصح) أَن يَنْوِي، يَعْنِي فرض رَمَضَان (وَهُوَ) أَي وَالْحَال أَن الناوي (يُنَادي) وَيَقُول (لم أرده) لِأَن تعين غَيره فِي النِّيَّة تنصيص على نفي إِرَادَته (بل لَو ثَبت) وُقُوعه عَن فرض رَمَضَان بِهَذِهِ النِّيَّة (كَانَ) وُقُوعه (جبرا) وَهُوَ يُنَافِي الصِّحَّة إِذْ لَا بدّ من أَدَاء الْفَرْض من الِاخْتِيَار. وَلَيْسَ إِصَابَة الْأَخَص بالأعم بمجرّد إِرَادَة الْأَعَمّ، لِأَن الْمَطْلُوب(2/207)إِصَابَة الْأَخَص من حَيْثُ هُوَ أخص بِاعْتِبَار النِّيَّة وَالْقَصْد وَلم يحصل. وَإِلَيْهِ أَشَارَ بقوله (وإصابة الْأَخَص بالأعم) إِنَّمَا يكون (بإرادته) أَي الْأَخَص (بِهِ) أَي بالأعم (ونقول لَو أَرَادَ نِيَّة صَوْم الْفَرْض للصَّوْم) أَي لَو قصد نِيَّة الصَّوْم الْمُطلق فِي الذّكر نِيَّة صَوْم الْفَرْض (صَحَّ) صَوْمه عَن رَمَضَان (لِأَنَّهُ) أَي الناوي (أَرَادَهُ) أَي نَوَاه لِأَن الْمُعْتَبر فِي النِّيَّة قصد الْقلب. وَقد تحقق (وارتفع الْخلاف، وَأما كَون التَّعْيِين) أَي تعْيين الْوَقْت الَّذِي هُوَ رَمَضَان لصومه شرعا (يُوجب الْإِصَابَة) أَي إِصَابَة فرض رَمَضَان بالإمساك (بِلَا نِيَّة) أَي بِلَا إِرَادَة صَوْم (كَرِوَايَة عَن زفر) أَي كَمَا روى عَنهُ. قَالَ الشَّارِح وَذكره النَّوَوِيّ عَن عَطاء وَمُجاهد أَيْضا (فَعجب) لِأَن ذَلِك إِنَّمَا يتَّجه لَو لم يكن الِاخْتِيَار شرطا لصِحَّة الْفِعْل الْمَطْلُوب من الْمُكَلف شرعا، لكنه شَرط بِالنَّصِّ وَالْإِجْمَاع، وَأنكر الْكَرْخِي حِكَايَة هَذَا عَن زفر. وَقَالَ: إِنَّمَا قَالَ زفر أَنه يجوز بنية وَاحِدَة (وَاسْتثنى أَبُو حنيفَة) من وُقُوع نِيَّة غير رَمَضَان عَن رَمَضَان (نِيَّة الْمُسَافِر غَيره) أَي غير رَمَضَان فِي رَمَضَان بِأَن يَنْوِي وَاجِبا آخر من نذر أَو كَفَّارَة أَو قَضَاء فَقَالَ (يَقع) ذَلِك المنويّ (عَن الْغَيْر) بانفاق الرِّوَايَات عَنهُ ذكره فِي الْأَجْنَاس (لإِثْبَات الشَّارِع التَّرَخُّص لَهُ) أَي الْمُسَافِر بترك الصَّوْم فِي وقته الْمعِين لَهُ تَخْفِيفًا لمَشَقَّة السّفر (وَهُوَ) أَي التَّرَخُّص إِنَّمَا يتَحَقَّق (فِي الْميل إِلَى الأخف) عِنْده من مَشْرُوع الْوَقْت وَغَيره من الْوَاجِبَات، وَمن الْفطر (وَهُوَ) أَي الأخف (صَوْم الْوَاجِب المغاير) لمشروع الْوَقْت فَإِنَّهُ إِذا اخْتَارَهُ بِنَاء على أَن إِسْقَاطه من ذمَّته أهمّ عِنْده لِأَنَّهُ لَو لم يدْرك عدّة من أَيَّام أخر لم يُؤَاخذ بِفَرْض الْوَقْت ويؤاخذ بذلك الْوَاجِب، ومصلحة الدّين أهم من مصلحَة الْبدن: يَعْنِي كَونه أخف (وعَلى هَذَا) التَّوْجِيه (يَقع) المنويّ (بنية النَّفْل عَن رَمَضَان) إِذْ لَا ترخص لَهُ فِيهِ، لِأَن الْفَائِدَة الْمَطْلُوبَة وَهُوَ الثَّوَاب فِي الْفَرْض أَكثر فَكَانَ هَذَا ميلًا إِلَى الأثقل فَيلْغُو وصف النفلية وَيبقى مُطلق الصَّوْم فَيَقَع عَن فرض الْوَقْت (وَهُوَ رِوَايَة) لِابْنِ سَمَّاعَة (عَنهُ) أَي أبي حنيفَة. وَفِي الْكَشْف وَغَيره وَهُوَ الْأَصَح، وَفِي نَوَادِر أبي يُوسُف رِوَايَة عَن ابْن سَمَّاعَة يكون عَن التطوّع. وَكَذَا فِي مُخْتَصر الْكَرْخِي (وَلِأَن انْتِفَاء غَيره) أَي غير فرض الْوَقْت لَيْسَ حكم الْوُجُوب، فَإِن الْوُجُوب مَوْجُود فِي الْوَاجِب الموسع بل هُوَ (حكم التَّعْيِين) أَي تعْيين هَذَا الزَّمَان لأَدَاء الْفَرْض (وَلَا تعْيين عَلَيْهِ) أَي الْمُسَافِر فَصَارَ هَذَا الْوَقْت فِي حَقه (كشعبان فَيصح نفله) كَمَا يَصح وَاجِب آخر عَلَيْهِ كَمَا فِي شعْبَان، وَقَوله وَلِأَن إِلَى آخِره مَعْطُوف على قَوْله لإِثْبَات الشَّارِع فَهُوَ تَعْلِيل آخر لوُقُوع مَا نَوَاه الْمُسَافِر من غير رَمَضَان، وَإِن اخْتلفَا بِاعْتِبَار مَا يتَفَرَّع عَلَيْهِمَا من وُقُوع مَا نَوَاه بِوَصْف النفلية عَن رَمَضَان أَو النَّفْل (وَهُوَ رِوَايَة) لِلْحسنِ عَن أبي حنيفَة أَيْضا (وَهُوَ(2/208)أَي هَذَا التَّوْجِيه (مغلطة لِأَن التَّعْيِين عَلَيْهِ) أَي الْمُكَلف: يَعْنِي التَّعْيِين الَّذِي نَفَاهُ عَن الْمُسَافِر بقوله وَلَا تعْيين عَلَيْهِ كشعبان (لَيْسَ تعْيين الْوَقْت) على مَا سنفسره (ليندرج) تعْيين الْوَقْت (فِيهِ) أَي فِي نفي مَا نفيناه: يَعْنِي لَو كَانَ تعْيين الْوَقْت مِمَّا نفيناه لَكَانَ يَشْمَلهُ النَّفْي (وينتفي بانتفائه) لكنه لَيْسَ مِنْهُ، ثمَّ فسرهما على وَجه يُمَيّز أَحدهمَا عَن الآخر بقوله (بل مَعْنَاهُ) أَي التَّعْيِين الَّذِي أَثْبَتْنَاهُ (فِي حَقه) أَي الْمُكَلف إِن لم يكن مُسَافِرًا، ونفيناه عَنهُ إِن كَانَ مُسَافِرًا (إِلْزَامه صَوْم الْوَقْت) على وَجه لَا مخلص لَهُ عَنهُ إِن لم يكن مُسَافِرًا أَو مَرِيضا (وَعَدَمه) أَي عدم إِلْزَامه إِيَّاه الَّذِي شرع فِي حَقه عِنْد السّفر (يصدق بتجويز الْفطر) يَعْنِي عدم الْإِلْزَام الْمَذْكُور يتَحَقَّق بِمُجَرَّد تجويزنا لَهُ الْفطر من غير أَن نجوز لَهُ صوما آخر (وَتَعْيِين الْوَقْت) أَي نَفينَا عَن التَّعْيِين الْمَذْكُور مَعْنَاهُ (أَن لَا يَصح فِيهِ) أَي فِي الْوَقْت (صَوْم آخر) وَلَا شكّ أَن إِلْزَام صَوْم الْوَقْت مُسْتَلْزم عدم صِحَة صَوْم آخر من غير عكس: إِذْ يجوز أَن لَا يجوز فِي الْوَقْت صَوْم آخر وَيجوز الْفطر، وَإِلَيْهِ أَشَارَ بقوله (فَجَاز اجْتِمَاع عدم التَّعْيِين) بِمَعْنى الْإِلْزَام الْمَذْكُور (عَلَيْهِ بتجويز الْفطر مَعَ) وجود (تعْيين الْوَقْت بِأَن لَا يَصح فِيهِ) أَي فِي الْوَقْت (صَوْم غَيره) أَي غير فرض الْوَقْت (لَو صَامَهُ) أَي لَو نوى صِيَام ذَلِك الْغَيْر (فَلم يلْزم من نفي التَّعْيِين عَلَيْهِ) بِمَعْنى الْإِلْزَام (نفي تعْيين الْوَقْت) بِالْمَعْنَى الْمَذْكُور (وحقق فِي الْمَرِيض تَفْصِيل بَين أَن يضرّه) الصَّوْم ككون مَرضه حمى مطبقة، أَو وجع الرَّأْس، أَو الْعين: كَذَا ذكره الشَّارِح (فَتعلق الرُّخْصَة) بتجويز الْفطر فِي حَقه (بخوف الزِّيَادَة) للمرض (فكالمسافر) فَهَذَا الْمَرِيض كالمسافر فِي تعلق الرُّخْصَة فِي حَقه بعجز مُقَدّر لَا بِحَقِيقَة الْعَجز، وَفِي قوع صَوْمه عَمَّا نَوَاه. قَالَ الشَّارِح: وعَلى هَذَا يحمل مَا مَشى عَلَيْهِ صَاحب الْهِدَايَة وَأكْثر مَشَايِخ بُخَارى من أَن الْمَرِيض إِذا نوى وَاجِبا آخر أَو النَّفْل يَقع عَمَّا نَوَاه كَمَا هُوَ رِوَايَة الْحسن عَن أبي حنيفَة (و) بَين (أَن لَا) يضرّهُ الصَّوْم (كفساد الهضم) والأمراض الرطوبية (فبحقيقتها) أَي فَتعلق الرُّخْصَة بِحَقِيقَة الْمَشَقَّة الَّتِي هِيَ الْعَجز (فَيَقَع) مَا نَوَاه هَذَا الْمَرِيض من الْغَيْر (عَن فرض الْوَقْت) إِذْ لم يهْلك بِهِ لِأَنَّهُ حِينَئِذٍ يظْهر أَنه لم يكن عَاجِزا فَلم يثبت لَهُ التَّرَخُّص فَكَانَ كَالصَّحِيحِ، هَذَا وَنقل الشَّارِح إِجْمَاع من يعتدّ بإجماعه على أَن الْمَرَض الْمُبِيح للفطر مَا يضر بِسَبَبِهِ الصَّوْم على اخْتِلَاف فِيهِ، وَأَدْنَاهُ الازدياد والامتداد، وَأَعلاهُ الْهَلَاك، فَالَّذِي لَا يضرّ بِسَبَبِهِ الصَّوْم لَا يُبِيح الْفطر إِجْمَاعًا.(2/209)الْقسم الثَّالِثمن أَقسَام الْوَاجِب الْمُقَيد بِالْوَقْتِ وَاجِب، وَفِيه (معيار لَا سَبَب كالنذر الْمعِين) أَي نذر صَوْم يَوْم معِين فَإِن السَّبَب فِيهِ النّذر لَا الْوَقْت (فإدراج) النّذر (الْمُطلق وَالْكَفَّارَة وَالْقَضَاء فِيهِ) أَي فِي هَذَا الْقسم كَمَا فعل الْبَزْدَوِيّ والسرخسي (غير صَحِيح، لِأَن الْأَمر فِيهَا مُطلق لَا مُقَيّد بِالْوَقْتِ فَلَا يشْتَرط نِيَّة التَّعْيِين) لَهُ فالخروج عَن عُهْدَة النّذر (للتعين) أَي لتعيين الْوَقْت لَهُ (شرعا) فيتأدّى بِمُطلق النِّيَّة، وَنِيَّة النَّفْل إِلَّا فِي رِوَايَة الْحسن عَن أبي حنيفَة رَحمَه الله على مَا فِي الْمُحِيط وَلَا يتأدّى بنية وَاجِب آخر، بل يَقع فِيهِ عَمَّا نوى بِلَا خلاف، بِخِلَاف رَمَضَان لِأَن ولَايَة العَبْد قَاصِرَة فَلهُ إبِْطَال مَاله وَهُوَ صلاحيته للنفل، وَلَيْسَ لَهُ إبِْطَال مَا عَلَيْهِ وَهُوَ صلاحيته للواجبات وَللَّه تَعَالَى الْولَايَة الْكَامِلَة فَلهُ إبِْطَال مَا للْعَبد وَمَا عَلَيْهِ، فَأبْطل صلاحيته لغير فرض رَمَضَان نفلا وواجبا. وَفِي الشَّرْح هَهُنَا مناقشات وأجوبة طويناها (بِخِلَاف مَا أدرجوه) من النّذر الْمُطلق وَالْكَفَّارَة وَالْقَضَاء فَإِنَّهُ لَا بُد فِيهِ من التَّعْيِين لَيْلًا قبل طُلُوع الْفجْر لعدم تعين الزَّمَان.الْقسم الرَّابِعمن أَقسَام الْوَاجِب الْمَذْكُور وَاجِب وقته (ذُو شبهين) شبه (بالمعيار والظرف) أَي وَشبه بالظرف، وَهُوَ (وَقت الْحَج لَا يسع فِي عَام سوى) حج (وَاحِد) فَمن هَذِه الْحَيْثِيَّة يشبه المعيار كالنهار للصَّوْم فَإِنَّهُ لَا يسع إِلَّا صوما وَاحِدًا (وَلَا يسْتَغْرق فعله) أَي الْحَج (وقته) أَي جَمِيع أَجزَاء وقته كاستغراق الصَّوْم النَّهَار، وَمن هَذِه الْحَيْثِيَّة يشبه الظّرْف (وَالْخلاف فِي تَعْيِينه) أَي تعْيين وجوب أَدَائِهِ (من أول سني الْإِمْكَان) أَي إِمْكَان أَدَائِهِ بِحُصُول شَرَائِط وجوب أَدَائِهِ من الزَّاد وَالرَّاحِلَة وَغَيرهمَا (عِنْد أبي يُوسُف) فَيجب على الْفَوْر عِنْده، وَكَذَا عِنْد أبي حنيفَة رَحمَه الله، كَذَا ذكره الشَّارِح. وَكَأن المُصَنّف رَحمَه الله لم يجد نقلا صَرِيحًا عَنهُ فَلهَذَا لم يعز إِلَيْهِ (خلافًا لمُحَمد) رَحمَه الله حَيْثُ قَالَ: يجب على التَّرَاخِي إِلَّا إِذا غلب على ظَنّه الْفَوات إِذا أخر، فَحِينَئِذٍ لَا يحل لَهُ التَّأْخِير وَيصير مضيقا عَلَيْهِ، وَلَيْسَ هَذَا الْخلاف مَبْنِيا على اخْتِلَافهمَا وَأَن الْأَمر الْمُطلق عَن الْوَقْت يُوجب الْفَوْر عِنْد أبي يُوسُف فَأوجب الْحَج مضيقا وَلَا يُوجِبهُ عِنْد مُحَمَّد فأوجبه موسعا كَمَا ذهب إِلَيْهِ بعض الْمَشَايِخ كالكرخي فَإِن الصَّحِيح الَّذِي عَلَيْهِ عَامَّة الْمَشَايِخ اتِّفَاقهمَا على أَن الْأَمر الْمُطلق لَا يُوجب الْفَوْر، بل الْخلاف بَينهمَا فِي الْحَج (ابتدائي) فَأَبُو يُوسُف قَالَ على الْفَوْر (للِاحْتِيَاط عِنْده) لِأَن الْعَام الأول مَوْجُود يَقِينا، وَالْعَام الثَّانِي وجوده مَشْكُوك فِيهِ فالتأخير يَجعله فِي معرض الْفَوات، وَهُوَ غير جَائِز، ثمَّ أكد هَذَا(2/210)الشَّك بقوله (لِأَن الْمَوْت فِي سنة غير نَادِر) والمشكوك لَا يزاحم الْمُتَيَقن فَيتَعَيَّن الْعَام الأول للْأَدَاء تَحَرُّزًا عَن الْفَوات (فيأثم) بِالتَّأْخِيرِ عَنهُ (وَإِلَّا) أَي وَإِن لم يكن للِاحْتِيَاط (فموجبه) أَي الْحَج أَمر (مُطلق) عَن خُصُوصِيَّة الْوَقْت فَلَا مُوجب للفور (وَلذَا) أَي الِاحْتِيَاط (عِنْده اتفقَا) أَي أَبُو يُوسُف وَمُحَمّد (على أَنه لَو فعل) الْحَج (بعده) أَي أول سني الْإِمْكَان (وَقع أَدَاء) وَإِنَّمَا قُلْنَا لتعيينه للْأَدَاء بِلَا شكّ فِي إِدْرَاك الْعَام الثَّانِي لَا لِأَنَّهُ خَارج عَن وقته فَإِذا أدْرك زَالَ الشَّك وَحصل الْيَقِين بِكَوْنِهِ من عمره وَوَقع الْأَمْن من الْفَوات وَتعين الثَّانِي للْأَدَاء، وَكَذَا الحكم فِي كل عَام (وتأدى فَرْضه) أَي الْحَج (بِإِطْلَاق النِّيَّة) لِلْحَجِّ (لظَاهِر الْحَال) أَي حَال من يجب عَلَيْهِ الْحَج: إِذْ الظَّاهِر مِنْهُ أَنه لَا يتَحَمَّل المشاق الْكَثِيرَة لغيره مَعَ شغل ذمَّته بِالْفَرْضِ الرُّكْن فِي الْإِسْلَام، وَكَثْرَة ثَوَاب أَدَاء الْفَرْض، وَبَرَاءَة الذِّمَّة، وَلَيْسَ التأدى الْمَذْكُور لتعين الْوَقْت كَمَا فِي رَمَضَان (لَا من حكم الأشكال) إِمَّا جمع شكل بِمَعْنى الْمثل والشبيه، وَإِمَّا مصدر، يُقَال أشكل الْأَمر: أَي الْتبس، وَالْمعْنَى لِأَن تأديه بِمُطلق النِّيَّة من حكم كَون الْوَقْت شَبِيها بالظرف وبالمعيار، فباعتبار شبهه بالمعيار تأدى بالمطلق (وَلذَا) أَي وَلكَون التأدى بِهِ لظَاهِر الْحَال (يَقع) حجه (عَن النَّفْل إِذا نَوَاه) أَي النَّفْل (لانْتِفَاء الظَّاهِر) بالتصريح بِخِلَافِهِ، (وَقد يبنيان) أَي تأدى فَرْضه بِمُطلق النِّيَّة، ووقوعه عَن النَّفْل إِذا نَوَاه (على الشبهين) شبه المعيار، وَشبه الظّرْف (فَالْأول) أَي التأدي الْمَذْكُور (لشبه المعيار) كَمَا أَن فرض الصَّوْم يتَأَدَّى بالمطلق (وَالنَّفْل) أَي ووقوعه عَن النَّفْل (للظرف) أَي لشبه الظّرْف كوقوع الْمَنوِي عَن الصَّلَاة النَّافِلَة إِذا نَوَاهَا فِي وَقت الصَّلَاة (وَلَا يخفى عدم وُرُود الدَّلِيل، وَهُوَ ظَاهر الْحَال على الدَّعْوَى) وَهِي (تأديه بنية الْمُطلق) بِإِسْقَاط الْفَرْض عَن ذمَّته (وَإِنَّمَا يسْتَلْزم) الدَّلِيل الْمَذْكُور (حكم الْخَارِج) أَي غير الناوي لِخُرُوجِهِ عَن دَائِرَة الِاطِّلَاع على مَا فِي ضَمِيره (عَلَيْهِ) أَي الْخَارِج الناوي مُطلقًا مُتَعَلق بالحكم (بِأَنَّهُ) أَي الْخَارِج (نوى الْفَرْض لَا) أَنه يسْتَلْزم (سُقُوطه) أَي الْفَرْض (عَنهُ) أَي الْخَارِج (عِنْد الله إِذا نوى الْحَج مُطلقًا فِي الْوَاقِع) وَلَيْسَ الْكَلَام إِلَّا فِي هَذَا.مَبْحَث الْوَاجِب الْمُخَير(مسئلة: الْأَمر بِوَاحِد) أَي إِيجَاب وَاحِد مُبْهَم (من أُمُور مَعْلُومَة صَحِيح) عِنْد جُمْهُور الْفُقَهَاء والأشاعرة، وَاخْتَارَهُ الْآمِدِيّ وَابْن الْحَاجِب، وَيعرف بِالْوَاجِبِ الْمُخَير (كخصال الْكَفَّارَة) أَي كَفَّارَة الْيَمين فَإِن قَوْله تَعَالَى - {فكفارته إطْعَام عشرَة مَسَاكِين} - فِي قُوَّة الْأَمر بِالْإِطْعَامِ(2/211)وَقد عطف عَلَيْهِ الْكسْوَة والتحرير فَكل وَاحِد مِنْهَا وَاجِب على الْبَدَل لَا الْجمع على مَا يَقْتَضِيهِ كلمة أَو (وَقيل) وَالْقَائِل بعض الْمُعْتَزلَة هُوَ (أَمر بِالْجَمِيعِ وَيسْقط) وجوب الْجَمِيع (بِفعل الْبَعْض، وَقيل) وَالْقَائِل مِنْهُم أَيْضا أَمر (بِوَاحِد معِين عِنْده تَعَالَى) دون الْمُكَلّفين (وَهُوَ) أَي الْوَاحِد الْمعِين (مَا يَفْعَله كل) من الْمُكَلّفين بِهِ (فيختلف) الْمَأْمُور بِهِ بِالنِّسْبَةِ إِلَيْهِم ضَرُورَة أَن الْوَاجِب فِي حق كل وَاحِد مَا يختاره وَهُوَ يخْتَلف (وَقيل لَا يخْتَلف) الْمَأْمُور بِهِ باخْتلَاف الْمَفْعُول لَهُم (وَيسْقط) ذَلِك الْوَاجِب الْمعِين (بِهِ) أَي بالإتيان بالمأمور بِهِ (و) بالإتيان (بِغَيْرِهِ) أَي غير الْمَأْمُور بِهِ مِنْهَا، وَيُسمى هَذَا قَول التزاحم، لِأَن الأشاعرة ترويه عَن الْمُعْتَزلَة والمعتزلة عَن الأشاعرة، فاتفق الْفَرِيقَانِ على فَسَاده، وَعَن السُّبْكِيّ أَنه لَا يسوغ نَقله عَن أَحدهمَا. وَقَالَ وَالِده لم يقل بِهِ قَائِل (وَنقل) وجوب (الْجَمِيع على الْبَدَل لَا يعرف وَلَا معنى لَهُ إِلَّا أَن يكون) مَعْنَاهُ هُوَ الْمَذْهَب (الْمُخْتَار) بِنَاء على اعترافهم بِأَن تاركها جَمِيعًا لَا يَأْثَم إِثْم من ترك وَاجِبَات ومقيمها جَمِيعًا لم يثب ثَوَاب وَاجِبَات (لنا الْقطع بِصِحَّة أوجبت أحد هَذِه) الْأُمُور (فَإِنَّهُ) أَي قَوْله هَذَا (لَا يُوجب جَهَالَة مَانِعَة من الِامْتِثَال لحُصُول التَّعْيِين بِالْفِعْلِ) يَعْنِي إِذا اخْتَار وَاحِدًا مِنْهَا بِعَيْنِه فَفعله تعين كَونه الْوَاجِب لتحَقّق الْوَاحِد الْمُبْهم فِي ضمنه، وَعدم احْتِمَال تحَققه بعد ذَلِك فِي ضمن معِين آخر، وَهَذَا بِالنِّسْبَةِ إِلَى العَبْد، وَأما بِالنِّسْبَةِ إِلَيْهِ سُبْحَانَهُ فَمَا يَفْعَله العَبْد مُتَعَيّن قبل أَن يفعل، ثمَّ أجَاب عَن القَوْل بِأَنَّهُ أَمر بِوَاحِد معِين عِنْده تَعَالَى إِلَى آخِره فَقَالَ (وَتعلق علمه تَعَالَى بِمَا يفعل كل) من الْمُكَلّفين (لَا يُوجِبهُ) أَي مفعول كل (عبنا على فَاعله، بل) يُوجب تعين (مَا يسْقط) بِهِ الْوُجُوب من مفعول كل من الْأُمُور الْمُخَير فِيهَا، على أَن تعلق الْعلم بِمَا ذكر مَخْصُوص بِصُورَة تحقق الْفِعْل امتثالا، وَأما إِذا لم يتَحَقَّق فَمَا الَّذِي يُوجب تعين ذَلِك الْمُبْهم؟ فالدليل لَا يَفِي بِتمَام الْمُدَّعِي، وَلما كَانَ هَهُنَا مَظَنَّة سُؤال، وَهُوَ أَن كل وَاحِد مِنْهَا بِعَيْنِه خير فِيهِ الْمُكَلف بَين الْفِعْل وَالتّرْك، وَلَا يتَحَقَّق لأحد هَذِه الْأُمُور إِلَّا فِي ضمن وَاحِد مِنْهَا بِعَيْنِه، فَيلْزم أَن يكون الْوَاجِب وَهُوَ أحد هَذِه الْأُمُور خير فِيهِ بَين الْفِعْل وَالتّرْك، وَهَذَا يُنَافِي الْوُجُوب أجَاب عَنهُ بقوله (وَلَا يلْزم اتِّحَاد الْوَاجِب والمخير فِيهِ بَين الْفِعْل وَالتّرْك، لِأَن الْوَاجِب) إِنَّمَا هُوَ الْوَاحِد (الْمُبْهم) والمخير فِيهِ بَين الْفِعْل وَالتّرْك إِنَّمَا هُوَ كل وَاحِد بِعَيْنِه، والمبهم وَإِن لم يكن لَهُ تحقق إِلَّا فِي الْوَاحِد مِنْهَا بِعَيْنِه: لَكِن التَّخْيِير فِيهِ بَين الْفِعْل وَالتّرْك لَا يكون تخييرا فِي الْمُبْهم، إِذْ ترك الْوَاحِد مِنْهَا بِعَيْنِه لَا يسْتَلْزم ترك الْكل بِخِلَاف ترك الْمُبْهم فَإِنَّهُ يسْتَلْزم: إِذْ نفي الْأَعَمّ يسْتَلْزم نفي الْأَخَص، ثمَّ لما كَانَ قَوْله الْوَاجِب الْمُبْهم يُوهم أَن يكون بِشَرْط الْإِبْهَام دفع ذَلِك بقوله (لَا على معنى) أَنه الْمُبْهم مأخوذا (بِشَرْط الْإِبْهَام) بل بِمَعْنى أَنه (لَا يُعينهُ الْمُوجب) تَعَالَى بِأَن يطْلب من الْمُكَلف إِيقَاع ذَلِك الْوَاحِد فِي ضمن وَاحِد(2/212)بِعَيْنِه كَيفَ وَلَو كَانَ مأخوذا بِشَرْط الْإِبْهَام لما كَانَ لَهُ تحقق فِي الْخَارِج لما علم من أَن الْمَاهِيّة بِشَرْط عدم التَّعْيِين لَا يُمكن تحققها، بل الْمُعْتَبر إِنَّمَا هِيَ الْمَاهِيّة لَا بِشَرْط شَيْء (فَلِذَا) أَي لكَون الْمُعْتَبر الْمَاهِيّة الْمُطلقَة لَا بِشَرْط الْإِبْهَام (سقط) الْوَاجِب عَن ذمَّة الْمُكَلف (بالمعين) بالإتيان بِوَاحِد مِنْهَا بِعَيْنِه: إِذْ الْمُطلق فِي ضمن الْفَرد الْخَاص (لتَضَمّنه) أَي الْمعِين (مَفْهُوم الْوَاحِد) الْمُبْهم، ثمَّ على قَول الْجُمْهُور إِذا كَانَ فِي الْكل مَا هُوَ أَعلَى ثَوابًا وَفعل الْكل فَقيل المثاب عَلَيْهِ الْأَعْلَى سَوَاء فعله مُرَتبا أَو مَعًا، وَإِن ترك الْكل عُوقِبَ على أدناها، وَقيل غير ذَلِك أطنب فِيهِ الشَّرْح، وطويناه لعدم الْحَاجة إِلَيْهِ فِي الْبَحْث.مسئلة(الْوَاجِب على) سَبِيل (الْكِفَايَة) وَهُوَ مُهِمّ متحتم قصد حُصُوله من غير نظر إِلَى فَاعله: أما ديني كَصَلَاة الْجِنَازَة، وَأما دُنْيَوِيّ كالصنائع الْمُحْتَاج إِلَيْهَا، فَخرج الْمسنون لِأَنَّهُ غير متحتم، وَفرض الْعين لِأَن فَاعله مَنْظُور أما خُصُوص شخصه كالمفروض على النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم دون أمته أَو كل وَاحِد وَاحِد من الْمُكَلّفين (على الْكل، وَيسْقط) الْوُجُوب عَنْهُم (بِفعل الْبَعْض) وَهَذَا قَول الْجُمْهُور، وَالْمرَاد الْكل الإفرادي، وَقيل المجموعي: إِذْ لَو تعين على كل وَاحِد كَانَ سُقُوطه عَن البَاقِينَ بعد تحَققه نسخا، وَلَا نسخ اتِّفَاقًا، بِخِلَاف الْإِيجَاب على الْمَجْمُوع من حَيْثُ هُوَ فَإِنَّهُ لَا يسْتَلْزم الْإِيجَاب على وَاحِد، وَيكون التأثيم على الْجَمِيع بِالذَّاتِ، وعَلى كل وَاحِد بِالْعرضِ وَأجِيب بِمَنْع لُزُوم النّسخ، إِذْ قد يسْقط بعد التحقق بِانْتِفَاء عِلّة الْوُجُوب، فحصول الْمَقْصُود هَهُنَا على أَنه يلْزم النّسخ على هَذَا الْقَائِل أَيْضا، لِأَن فعل الْبَعْض لَيْسَ فعل الْمَجْمُوع قطعا، وَقد سقط عَن الْمَجْمُوع من غير أَن يَقع مِنْهُم الْفِعْل: هَذَا وَنحن لَا نفهم طلب الْفِعْل من الْمَجْمُوع من حَيْثُ هُوَ إِلَّا فِي مثل حمل جسم عَظِيم لَا يقدر الْبَعْض على حمله، وَمَعَ ذَلِك يلْزم على كل وَاحِد الْمُشَاركَة فِي الْحمل لَا الِاسْتِقْلَال (وَقيل) وَاجِب (على الْبَعْض) وَهُوَ قَول الإِمَام الرَّازِيّ، وَاخْتَارَهُ السُّبْكِيّ ثمَّ الْمُخْتَار على هَذَا أَي بعض كَانَ، إِذْ لَا معِين، فَمن قَامَ بِهِ سقط الْوُجُوب بِفِعْلِهِ وبفعل غَيره كَمَا يسْقط الدّين بأَدَاء غَيره عَنهُ (لنا) على الْمُخْتَار (إِثْم الْكل بِتَرْكِهِ) اتِّفَاقًا، وَلَو لم يجب على كل وَاحِد لما أَثم (قَالُوا) أَي الْقَائِلُونَ بِأَنَّهُ على الْبَعْض (سقط) الْوُجُوب (بِفعل الْبَعْض) وَلَو كَانَ على الْكل لما سقط: إِذْ لَا يسْقط عَن شخص بِفعل غَيره (قُلْنَا) لَا يستبعد هَذَا (لِأَن الْمَقْصُود وجود الْفِعْل لَا ابتلاء كل مُكَلّف) كَمَا فِي فرض الْعين، وَقد وجد (كسقوط مَا على زيد) من الدّين (بِفعل عَمْرو) لحُصُول الْغَرَض بِهِ، وَقيد الشَّارِح بِمَا إِذا كَانَ زيد ضَامِنا عَنهُ عَمْرو فِيهِ(2/213)لِأَن فِيهِ أَدَاء مَا فِي ذمَّة الْمُؤَدِّي، وَإِسْقَاط مَا فِي ذمَّة غَيره كَمَا فِي مَحل النزاع.وَأَنت خَبِير بِأَن الاستبعاد، إِنَّمَا جَاءَ من قبل إِسْقَاط مَا فِي ذمَّة شخص بِفعل غَيره، فَمَا ذكره المُصَنّف كَاف فِي الْمَقْصُود من غير هَذَا الْقَيْد (قَالُوا) أَي الْقَائِلُونَ المذكورون لإِثْبَات صِحَة (أَمر وَاحِد مُبْهَم كبواحد مُبْهَم) أَي كالأمر بِوَاحِد مُبْهَم من الْخِصَال الْمَذْكُورَة فَكَمَا جَازَ ذَلِك جَازَ هَذَا (أُجِيب بِأَن الْفرق بِأَن إِثْم) مُكَلّف (مُبْهَم غير مَعْقُول) بِخِلَاف إِثْم الْمُكَلف بترك أحد أُمُور مُعينَة مُبْهما فَإِنَّهُ مَعْقُول: إِذْ ترك الْمُبْهم بترك جَمِيع مَا يتَحَقَّق فِيهِ من الْأُمُور الْمعينَة (قيل) وَالْقَائِل الْمُحَقق التَّفْتَازَانِيّ وَهَذَا إِنَّمَا يَصح لَو لم يكن (مَذْهَبهم) أَي الْقَائِلين بِالْوُجُوب على الْبَعْض أَن مُوجب عدم قيام بعض (إِثْم الْكل) بِسَبَب ترك الْبَعْض (لَكِن قَول قَائِله) أَي الْوُجُوب على الْبَعْض (أَنه) أَي الْإِثْم (يتَعَلَّق بِمن غلب على ظَنّه أَنه) أَي الْوَاجِب (لن يَفْعَله غَيره فَإِن ظَنّه) أَي عدم الْفِعْل (الْكل عمهم) الْإِثْم (وَإِن خص) ظن عدم الْفِعْل الْبَعْض (خصّه) أَي ذَلِك الْبَعْض الظَّان (الْإِثْم) على تَقْدِير التّرْك، وَحِينَئِذٍ (فَالْمَعْنى) الْمُكَلف بِالْوُجُوب بعض (غير معِين وَقت الْخطاب لِأَنَّهُ) أَي الْمُكَلف (لَا يتَعَيَّن) للْوُجُوب عَلَيْهِ (إِلَّا بذلك الظَّن) وَهُوَ ظن أَن لن يَفْعَله غَيره (وَلَو لم يظنّ) هَذَا الظَّن أحد (لَا يَأْثَم أحد، وَيشكل) هَذَا حِينَئِذٍ (بِبُطْلَان معنى الْوُجُوب) فَإِن لَازمه الْإِثْم على تَقْدِير التّرْك، فَإِذا انْتَفَى انْتَفَى الْمَلْزُوم (وَقد يُقَال) فِي الْجَواب عَن هَذَا (إِنَّمَا يبطل) الْوُجُوب (لَو كلف) الْمُكَلف بِالْوَاجِبِ الْمَذْكُور (مُطلقًا) أَي سَوَاء ظن أَن لَا يَفْعَله غَيره أَو لَا (أما) لَو كلف (الظَّان) أَن لن يَفْعَله غَيره فَقَط (فَلَا) يبطل معنى الْوُجُوب: إِذْ لَا تَكْلِيف حِينَئِذٍ فَلَا وجوب (وَالْحق أَنه) أَي القَوْل بِوُجُوبِهِ على الْبَعْض (عدُول عَن مُقْتَضى الدَّلِيل) الدَّال على وُجُوبه على الْكل (كقاتلوا الَّذين لَا يُؤمنُونَ وَنَحْوه) لعُمُوم الْخطاب على من يَتَأَتَّى مِنْهُ الْقِتَال (بِلَا ملجئ) للعدول عَنهُ (لما حققناه) من أَنه مَا يتَوَهَّم كَونه صارفا من السُّقُوط بِفعل الْبَعْض لَيْسَ بصارف: إِذْ لَا مَحْذُور فِيهِ (قَالُوا) ثَالِثا (قَالَ تَعَالَى {فلولا نفر من كل فرقة مِنْهُم طَائِفَة} فَإِن تَحْصِيل الْعُلُوم الدِّينِيَّة فَوق مَا يحْتَاج إِلَيْهِ كل أحد مِمَّا يتَعَلَّق بِالْعَمَلِ الْوَاجِب عَلَيْهِ عينا وَاجِب على الْكِفَايَة، وَقد صرح بِوُجُوبِهِ على طَائِفَة غير مُعينَة من كل فرقة من الْمُسلمين بلولا الدَّاخِلَة على الْمَاضِي الدَّالَّة على التنديم واللوم الَّذِي لَا يكون إِلَّا عِنْد ترك الْوَاجِب (قُلْنَا) هَذَا مؤول (بالسقوط بِفِعْلِهَا) أَي الطَّائِفَة من الْفرْقَة: يَعْنِي لما كَانَ قيام الْبَعْض بذلك مسْقطًا عَن الْكل نسب اللوم إِلَى الْبَعْض نظرا إِلَى ذَلِك وَإِن كَانَ الْكل مُسْتَحقّا لَهُ، وَفِي الْعرف يسْتَعْمل فِي توبيخ أهل الْبَلَد جَمِيعًا لم يقم بَعْضكُم بِهَذَا الْأَمر وَيفهم مِنْهُ عرفا لوم الْكل، وَإِنَّمَا صرنا إِلَى التَّأْوِيل (جمعا بَين الدَّلِيلَيْنِ) . وَفِي نُسْخَة جمعا للدليلين: يَعْنِي(2/214)هَذِه الْآيَة بِاعْتِبَار ظَاهرهَا، وَدَلِيلنَا الدَّال على الْوُجُوب على الْجَمِيع فَإِن هَذِه تحْتَمل التَّأْوِيل بِخِلَاف ذَلِك، فَلَو حملناها على ظَاهرهَا لزم إِلْغَاء ذَلِك وَهُوَ أقوى. (وَاعْلَم أَنه إِذا قيل صَلَاة الْجِنَازَة وَاجِبَة) أَي فرض (على الْكِفَايَة) كَمَا صرح بِهِ بعض الْحَنَفِيَّة وَالشَّافِعِيَّة وحكوا الْإِجْمَاع عَلَيْهِ (فقد يسْتَشْكل) بسقوطها (بِفعل الصَّبِي) الْمُمَيز كَمَا هُوَ الْأَصَح عِنْد الشَّافِعِيَّة (وَالْجَوَاب) عَن هَذَا الْإِشْكَال (بِمَا تقدم) من أَن الْمَقْصُود الْفِعْل، وَقد وجد (لَا يدْفع الْوَارِد من لفظ الْوُجُوب) يَعْنِي لَو لم يُوصف الْفِعْل بِالْوُجُوب كَذَا نقُول قد تحقق الْفِعْل، وَإِن لم يكن مَوْصُوفا بِالْوُجُوب لكنه ورد فِي الشَّرْع أَن الْمَطْلُوب فعل مَوْصُوف بِهِ، وَفعل الصَّبِي لَيْسَ كَذَلِك فَلم يتَحَقَّق الْمَطْلُوب.مسئلة