رفع الحاجب عن مختصر ابن الحاجب

عدد الزوار 255 التاريخ 15/08/2020

 
الكتاب: رفع الحاجب عن مختصر ابن الحاجب
المؤلف: تاج الدين عبد الوهاب بن تقي الدين السبكي (المتوفى: 771هـ)
عدد الأجزاء: 4
 
بِسم الله الرَّحْمَن الرَّحِيم
الْحَمد لله رب الْعَالمين، وَصلى الله على سيدنَا مُحَمَّد وعَلى آل مُحَمَّد وَسلم تَسْلِيمًا، وَمَا توفيقي إِلَّا بِاللَّه عَلَيْهِ توكلت.
أما بعد: فَإِنِّي لما رَأَيْت قُصُور الهمم عَن الْإِكْثَار، وميلها إِلَى الإيجاز والاختصار، صنفت مُخْتَصرا فِي أصُول الْفِقْه، ثمَّ اختصرته على وَجه بديع، وسبيل منيع، لَا يصد اللبيب عَن تعلمه صَاد، وَلَا يرد الأريب عَن تفهمه راد، وَالله تَعَالَى أسأَل أَن ينفع بِهِ، وَهُوَ حسبي وَنعم الْوَكِيل.
هَامِش بِسم الله الرَّحْمَن الرَّحِيم وَبِه نستعين
الشَّرْح: قَالَ الشَّيْخ الإِمَام الْعَلامَة قَاضِي الْقُضَاة تَاج الدّين أَبُو نصر عبد الْوَهَّاب السُّبْكِيّ - رَحمَه الله تَعَالَى -:
الْحَمد لله الَّذِي شرع فِي الْعليا طَرِيقا مُخْتَصرا، وأطلع من سَمَاء الْكتاب وَالسّنة شمسا وقمرا، وَجمع للْأمة بإجماعها وآرائها دَلِيلا مستحسنا، وبرهانا مستصحبا وسبيلا مُعْتَبرا.
(1/229)
 
 
صفحة فارغة
هَامِش
نحمده على كَمَاله حمدا تفوه الألسن وتعمل لَهُ شكرا، تَمامًا على الَّذِي أحسن، ونسأله الْإِعَانَة على اجْتِنَاب مَا حرم أَو كره، وارتكاب مَا أوجب أَو سنّ.
ونشهد أَن لَا إِلَه إِلَّا الله وَحده لَا شريك لَهُ، وَأَن مُحَمَّدًا عَبده الْمُصْطَفى، وَخير نَبِي أرْسلهُ وَخَصه بِعُمُوم الْفضل، فَأمر وَنهى، وأوضح مَا شَرعه، وَبَين مَا أجمله، صلى الله عَلَيْهِ وعَلى آله وَأَصْحَابه الماحين بِنور الْهدى ظلم الشّرك، والقامعين من أظهر شقاقه، وَمن أسر نفَاقه، وأصر على الْإِفْك، والدافعين بِصدق الْيَقِين ظن الْجَاهِلِيَّة، وَوهم ذِي العماية، وريب ذِي الشَّك.
وَرَضي الله عَن مطلبينا، الَّذِي استخرج أصُول الْفِقْه [علما] مجموعا، وفنا على الرُّءُوس مَحْمُولا، وعَلى الْعُيُون مَوْضُوعا، ومحكما دفع بِهِ المتشابهات، وشيد بُنيان الْأَدِلَّة مظنونا ومقطوعا.
أما بعد: فَإِن لنا تَعْلِيقا على مُخْتَصر الإِمَام أبي عَمْرو بن الْحَاجِب مَبْسُوطا ومجموعا، يصبح قدر الأقران - وَإِن تَعَالَى عَنهُ - محطوطا، وكتابا لم يُغَادر لمتعنت مطلبا، وعجبا عجابا، ورد مناهل الْأُصُول وَصدر بِهَذَا النبا، وفهرستا جمع فأوعى، وفَاق كتب هَذَا الْفَنّ [جِنْسا ونوعا، جَمعنَا فِيهِ أَكثر مَا حوته كتب هَذَا الْفَنّ] ، وأودعناه مبَاحث كُنَّا نستعمل الْفِكر فِيهَا إِذا مَا اللَّيْل جن، وَذكرنَا آراءنا، وناضلنا عَلَيْهَا، وأوضحنا اختياراتنا، وَالْعين تَأمر السهد فِي كراها وتنهى، وشمرنا فِيهِ عَن سَاق الِاجْتِهَاد بِشَهَادَة النُّجُوم، وجمعنا أَقسَام الْكَوَاكِب لكلمة مِنْهَا معالم للهدى، ومصابيح تجلو الدجى، والأخريات رجوم.
بيد أَنا لم نستوعب فِيهِ مَا فِي " الْمُخْتَصر "، وَإِن كُنَّا لم نَدع [إِلَّا] وَاضحا لَا يفْتَقر إِلَى النّظر.
فبدأنا فِي شرح غَايَة فِي الِاخْتِصَار، آيَة فِي جمع الشوارد والإكثار، يَأْتِي على تَقْرِير مَا فِي الْكتاب كُله، مَعَ مبَاحث من قبلنَا، ونقول: لَا يجمع مثلهَا إِلَّا لمثله، فَلَقَد نَظرنَا عَلَيْهِ مَعَ توخينا
(1/230)
 
 
صفحة فارغة
هَامِش
الِاخْتِصَار فِيهِ كتبا شَتَّى مِنْهَا: الرسَالَة؛ للْإِمَام الشَّافِعِي - رَضِي الله عَنهُ - وَشَرحهَا؛ لأبي بكر الصَّيْرَفِي، والأستاذ أبي الْوَلِيد النَّيْسَابُورِي، وَأبي بكر الْقفال الشَّاشِي الْكَبِير، وَأبي مُحَمَّد الْجُوَيْنِيّ، و " التَّقْرِيب والإرشاد، فِي تَرْتِيب طرق الِاجْتِهَاد "؛ للْقَاضِي أبي بكر، وَهُوَ [من] أجل كتب الْأُصُول،
(1/231)
 
 
صفحة فارغة
هَامِش ومختصره الْمُسَمّى ب " التَّلْخِيص "؛ لإِمَام الْحَرَمَيْنِ، و " تعليقة " الشَّيْخ أبي حَامِد الإِسْفِرَايِينِيّ، وتعليقة الْأُسْتَاذ أبي إِسْحَاق الإِسْفِرَايِينِيّ، و " آدَاب الجدل "؛ لأبي الْحُسَيْن الْجلَال، و " معيار الجدل "؛ للأستاذ أبي مَنْصُور عبد القاهر بن طَاهِر الْبَغْدَادِيّ،
(1/232)
 
 
صفحة فارغة
هَامِش و " شرح الْكِفَايَة "؛ للْقَاضِي أبي الطّيب الطَّبَرِيّ، و " الْعمد "؛ للْقَاضِي عبد الْجَبَّار، و " الْمُعْتَمد "؛ لأبي الْحُسَيْن الْبَصْرِيّ، و " التَّقْرِيب "؛ لسليم الرَّازِيّ، وَكتاب الْأُسْتَاذ أبي بكر بن فورك، و " الْبُرْهَان "؛ لإِمَام الْحَرَمَيْنِ، وَشَرحه؛ للْإِمَام أبي عبد الله الْمَازرِيّ الْمَالِكِي، وَالْكَلَام على مشكله؛ للمازري أَيْضا، وَشَرحه أَيْضا؛ لأبي الْحسن
(1/233)
 
 
صفحة فارغة
هَامِش الأبياري الْمَالِكِي.
وَلَقَد عجبت لهَذَا " الْبُرْهَان "؛ فَإِنَّهُ من مفتخرات الشافعيين، وَلم يشرحه مِنْهُم أحد، وَإِنَّمَا انتدب لَهُ هَذَانِ المالكيان، وتبعهما شخص ثَالِث من الْمَالِكِيَّة أَيْضا يُقَال لَهُ الشريف أَبُو يحيى زَكَرِيَّا بن يحيى الْحُسَيْنِي المغربي، فَجمع بَين كلاميهما وَزَاد.
و" اللمع "، وَشَرحه؛ للشَّيْخ أبي إِسْحَاق الشِّيرَازِيّ، و " الملخص "، و " الْمعرفَة "؛ لَهُ أَيْضا فِي الجدل، و " القواطع "؛ للْإِمَام الْجَلِيل أبي المظفر مَنْصُور بن مُحَمَّد بن السَّمْعَانِيّ، وَهُوَ أَنْفَع
(1/234)
 
 
صفحة فارغة
هَامِش كتاب للشَّافِعِيَّة فِي الْأُصُول وأجله و " الْمُسْتَصْفى "، و " المنخول "؛ للْإِمَام حجَّة الْإِسْلَام، و " شِفَاء الغليل فِي بَيَان مسالك التَّعْلِيل "؛ لَهُ أَيْضا، و " عدَّة الْعَالم "؛ للشَّيْخ أبي نصر بن الصّباغ، وتعليقة ألكيا أبي الْحسن الهراس، و " الملخص "؛ للْقَاضِي عبد الْوَهَّاب، و " أصُول الْفِقْه "؛ للأستاذ أبي نصر ولد الْأُسْتَاذ أبي الْقَاسِم الْقشيرِي، و " الْوَجِيز "؛ لأبي الْفَتْح بن
(1/235)
 
 
صفحة فارغة
هَامِش برهَان، وَكتاب الإِمَام مُحَمَّد بن يحيى، و " العقيدة "؛ لتلميذه شرف شاه بن ملكداد، و " شرح اللمع "؛ لأبي عَمْرو عُثْمَان بن عِيسَى الْكرْدِي صَاحب " الِاسْتِقْصَاء "، و " مشكلات اللمع "؛ لمسعود بن عَليّ الْيَمَانِيّ، و " الْمَحْصُول "؛ للْإِمَام، وَغَيره من كتب أَتْبَاعه؛ كشرحه؛
(1/236)
 
 
صفحة فارغة
هَامِش للقرافي، وَشَرحه؛ للأصفهاني، والمؤاخذات عَلَيْهِ؛ للنقشواني، و " التَّنْقِيح "؛ للتبريزي، و " شرح المعالم " [الَّذِي " لَهُ؛ لِابْنِ التلمساني، و " النِّهَايَة "، و " الْفَائِق "؛
(1/237)
 
 
صفحة فارغة
هَامِش كِلَاهُمَا للشَّيْخ صفي الدّين الْهِنْدِيّ، وَغير ذَلِك، و " الإحكام "؛ للْإِمَام سيف الدّين الْآمِدِيّ، و " الْمُنْتَهى "؛ لَهُ، وَغير ذَلِك من كتب أَصْحَابنَا، وَكتب الْمُخَالفين من الْحَنَفِيَّة وَغَيرهم، وَطَائِفَة من شُرُوح هَذَا " الْمُخْتَصر "، مَعَ [مَا] التقطناه لَهُ من كتب الخلافيات؛ ك " الْمِنْهَاج "؛ للْقَاضِي أبي الطّيب، و " النكت "؛ للشَّيْخ أبي إِسْحَاق، و " الأساليب "؛ لإِمَام الْحَرَمَيْنِ، و " التحصين "؛ للغزالي، و " شِفَاء المسترشدين "؛ ل " إِلْكيَا " الهراسي، وتعليقة الإِمَام مُحَمَّد بن يحيى، وَالْإِمَام أسعد الميهني، وَالْقَاضِي الرشيد، والطاووسي، وَالْإِمَام فَخر الدّين، وَسيف الدّين الْآمِدِيّ، وَغَيرهم، وَمن الخلافيات للحنفية كتاب " الْأَسْرَار "؛ للْقَاضِي أبي زيد، وتعليقة ابْن مارة، وَغَيرهمَا، وَغير ذَلِك كُله مِمَّا لَو عددناه لضيعنا الأنفاس، وضيعنا القرطاس.
وَمَعَ مَا حشوناه فِيهِ من فروع الْفِقْه، وفنون الْفَوَائِد، وَمَا سمح بِهِ الخاطر من المباحث؛ [مِمَّا تضمنته تعليقتنا وَغَيرهَا، وَمَعَ تبين مَذْهَب الشَّافِعِي، على الْخُصُوص، فِي الْأُصُول، وآراء أَصْحَابه، وَالْكَلَام مَعَ مخالفيه، وَمَعَ تَخْرِيج الْفُرُوع على الْأُصُول، وَمَعَ الْكَلَام على أَحَادِيثه
(1/238)
 
 
(مَا ينْحَصر فِيهِ الْمُخْتَصر، أَو فن الْأُصُول)
 
وينحصر فِي المبادئ والأدلة السمعية وَالِاجْتِهَاد وَالتَّرْجِيح.
هَامِش مِمَّا] تَقْتَضِيه صناعَة الحَدِيث، والاعتناء بالتمثيل، لما تتشوف النَّفس إِلَى سَماع مِثَاله، مِمَّا استخرجناه من كتب الحَدِيث، وَالْفِقْه، والخلافيات، وَغَيرهَا إِلَى غير ذَلِك مِمَّا ستراه، إِن شَاءَ الله تَعَالَى - وَبِه التَّوْفِيق.
وسميته " رفع الْحَاجِب، عَن مُخْتَصر ابْن الْحَاجِب ".
الشَّرْح: " وينحصر " الْمُخْتَصر، أَو الْأُصُول " فِي: المبادئ، والأدلة السمعية، وَالِاجْتِهَاد، وَالتَّرْجِيح ".
والمبادئ: مَا لَا يكون مَقْصُودا بِالذَّاتِ، بل يتَوَقَّف عَلَيْهِ [الْمَقْصُود] ، والحصر هُنَا استقرائي.
وَقيل فِيهِ: مَا تضمنه الْكتاب؛ إِمَّا [مَقْصُود] بِالذَّاتِ، أَو لَا:
وَالثَّانِي: المبادئ.
وَالْأول: إِمَّا أَن يبْحَث فِيهِ عَن نفس استنباط الْأَحْكَام، وَهُوَ الِاجْتِهَاد، أَو عَمَّا تستنبط هِيَ مِنْهُ؛ إِمَّا بِاعْتِبَار مَا يعارضها، وَهُوَ التَّرْجِيح أَو لَا؛ وَهُوَ الْأَدِلَّة السمعية.
(1/239)
 
 
فالمبادئ: حَده، وَفَائِدَته، واستمداده "
هَامِش
وَإِنَّمَا حصرنا الثَّانِي فِيمَا ذَكرْنَاهُ؛ لِأَن الْغَرَض إِنَّمَا هُوَ استنباط الْأَحْكَام.
الشَّرْح: فالمبادئ ثَلَاثَة:
" حَده ": أَولهَا؛ لِأَن كل طَالب كَثْرَة يضبطها جِهَة وَاحِدَة، من حَقه عرفانها بِتِلْكَ الْجِهَة؛ إِذْ
(1/240)
 
 
صفحة فارغة
هَامِش لَو لم يطْلبهَا قبل ضَبطه، لم يَأْمَن فَوَات مَا يرجيه، وضياع الْوَقْت فِيمَا لَا يعنيه؛ [وبتلك] الْجِهَة يُؤْخَذ تَعْرِيفه بِالْحَدِّ أَو الرَّسْم.
" وَفَائِدَته ": ثَانِيهَا؛ ليخرج عَن الْعَبَث.
(1/241)
 
 
أما حَده لقبا: فالعلم بالقواعد الَّتِي يتَوَصَّل بهَا إِلَى استنباط ... ... ... ... ...
هَامِش
" واستمداده ": ثَالِثهَا؛ إِمَّا إِجْمَالا؛ بِبَيَان أَنه من أَي علم يستمد؛ ليرْجع إِلَيْهِ عِنْد الِاحْتِيَاج، أَو تَفْصِيلًا بإفادة شَيْء مِمَّا لَا بُد من تصَوره وتسليمه، أَو تَحْقِيقه؛ لبِنَاء الْغَرَض عَلَيْهِ.
الشَّرْح: " أما حَده لقبا "، واللقب: علم يتَضَمَّن مدحا أَو ذما.
وأصول الْفِقْه: علم لهَذَا الْعلم يشْعر بابتناء فروع الدّين عَلَيْهِ؛ وَهُوَ صفة مدح. " فالعلم بالقواعد الَّتِي يتَوَصَّل بهَا إِلَى استنباط الْأَحْكَام الشَّرْعِيَّة الفرعية عَن أدلتها التفصيلية ".
(1/242)
 
 
الْأَحْكَام الشَّرْعِيَّة الفرعية عَن أدلتها التفصيلية، وَأما حَده مُضَافا: فالأصول: الْأَدِلَّة.
هَامِش
وَالْمرَاد بِالْعلمِ هُنَا: الِاعْتِقَاد الْجَازِم المطابق الثَّابِت لموجب قَطْعِيّ. وَالْقَوَاعِد: هِيَ الْأُمُور الْكُلية المنطبقة على الجزئيات؛ لتعرف أَحْكَامهَا مِنْهَا، وَاحْترز بهَا عَن الْعلم بالأمور الْجُزْئِيَّة، وَعَن الْعلم بِبَعْض الْقَوَاعِد؛ فَإِنَّهَا لَيست نفس الْأُصُول.
وَقَوله: يتَوَصَّل بهَا إِلَى استنباط الْأَحْكَام - احْتِرَاز عَن الْقَوَاعِد الَّتِي يستنبط مِنْهَا الصَّنَائِع، وَالْعلم بالماهيات وَالصِّفَات.
والشرعية - احْتِرَاز عَن الاصطلاحية الْعَقْلِيَّة، والفرعية - احْتِرَاز عَن الْأُصُولِيَّة.
وَقَوله: " عَن أدلتها " لَا يحْتَرز بِهِ عَن شَيْء؛ لِأَن المُرَاد من الْأَحْكَام - الْفِقْهِيَّة، وَهِي لَا تكون إِلَّا كَذَلِك.
وعَلى التَّعْرِيف اعتراضات أضربت عَنْهَا؛ لِإِمْكَان دَفعهَا.
" وَأما حَده مُضَافا "، أَي: من حَيْثُ هُوَ مُضَاف، فَيتَوَقَّف على معرفَة مفرداته؛ ضَرُورَة توقف معرفَة الْمركب على معرفَة أَجْزَائِهِ.
(1/243)
 
 
وَالْفِقْه: الْعلم بِالْأَحْكَامِ الشَّرْعِيَّة الفرعية عَن أدلتها التفصيلية بالاستدلال.
هَامِش
وأصول الْفِقْه: مركب من مُضَاف، ومضاف إِلَيْهِ، وهما - الْأُصُول، وَالْفِقْه:
" فالأصول ": جمع أصل، وَهُوَ مَا يحْتَاج إِلَيْهِ الشَّيْء، أَو مَا يبتنى عَلَيْهِ الشَّيْء.
وفسرها المُصَنّف بِأَنَّهَا: " الْأَدِلَّة "، أَي: السمعية.
( [تَعْرِيف] الْفِقْه)
 
" وَالْفِقْه: الْعلم بِالْأَحْكَامِ الشَّرْعِيَّة الفرعية عَن أدلتها التفصيلية بالاستدلال ": وَخرج بِقَيْد
(1/244)
 
 
وَأورد: إِن كَانَ المُرَاد الْبَعْض، لم يطرد؛ لدُخُول الْمُقَلّد، وَإِن كَانَ الْجَمِيع، لم ينعكس؛ لثُبُوت " لَا أَدْرِي ".
هَامِش " التفصيلية ": مَا عرف بالأدلة الإجمالية.
وَبِقَوْلِهِ: " عَن أدلتها " الْمَعْرُوف؛ لَا عَن دَلِيل؛ كالمعلوم ضَرُورَة، أَو يُقَال: الْمَعْلُوم بِالضَّرُورَةِ مَعْلُوم بِدَلِيل، وَلَكِن غير تفصيلي.
وَبَقِيَّة الْقُيُود مَعْرُوفَة مِمَّا تقدم.
الشَّرْح: " وَأورد " على التَّعْرِيف: " [إِذْ كَانَ المُرَاد " بِالْأَحْكَامِ: " الْبَعْض "، أَي: لم يكن المُرَاد الْجَمِيع؛ إِذا عدم إِرَادَة الْجَمِيع أَعم من إِرَادَة الْبَعْض - " لم يطرد "] ؛ ضَرُورَة تحَققه بِدُونِ تحقق الْمَحْدُود؛ " لدُخُول الْمُقَلّد " فِي الْحَد، وَخُرُوجه من الْمَحْدُود؛ فَإِنَّهُ عَالم بِبَعْض الْأَحْكَام الَّتِي يتلقاها من [الْمُفْتِي] ؛ فَيصدق على علمه حد الْفِقْه، وَلَا يكون علمه فقها؛ لِأَن الْمُقَلّد لَا يُسمى فَقِيها، " وَإِن كَانَ " - المُرَاد بِالْأَحْكَامِ - " الْجَمِيع، لم ينعكس "؛ ضَرُورَة تحقق الْمَحْدُود بِدُونِ الْحَد؛ لِأَن الْمُجْتَهدين لَا يعلمُونَ جَمِيع الْأَحْكَام؛ " لثُبُوت " لَا أَدْرِي "؛ بِالنِّسْبَةِ إِلَيْهِم، وَصدقهمْ فِي إخبارهم بذلك.
سُئِلَ مَالك عَن أَرْبَعِينَ مَسْأَلَة، فَقَالَ فِي سِتّ وَثَلَاثِينَ: لَا أَدْرِي.
فالحد [إِذن] : إِمَّا غير مطرد، أَو غير منعكس.
(1/245)
 
 
وَأجِيب بِالْبَعْضِ، ويطرد؛ لِأَن المُرَاد بالأدلة الأمارات، وبالجميع، وينعكس؛ لِأَن المُرَاد تهيؤه للْعلم بِالْجَمِيعِ.
هَامِش
" وَأجِيب بِالْبَعْضِ، ويطرد؛ لِأَن المُرَاد بالأدلة: الأمارات "؛ وَهِي الَّتِي تفِيد الظَّن - يحْتَاج فِي الِاسْتِدْلَال بهَا إِلَى معرفَة التَّعَارُض، وَلَيْسَ ذَلِك وَلَا بعضه فِي الْمُقَلّد.
" وبالجميع، وينعكس؛ لِأَن المُرَاد - تهيؤه "، أَي: تهيؤ الْمُجْتَهد " للْعلم بِالْجَمِيعِ "، لَا نفس الْعلم بِالْجَمِيعِ، وَالْعلم " بِهَذَا الْمَعْنى " لَا يُنَافِي ثُبُوت " لَا أَدْرِي " وَلَا يخفى أَن المُرَاد بالتهيؤ: الاستعداد الْقَرِيب، لَا كاستعداد الْعَاميّ.
وَأشهر مَا اعْترض بِهِ على الْحَد: أَن " الْفِقْه " من بَاب الظنون، فَكيف قيل فِيهِ: الْعلم؟ .
وَهُوَ مُشكل، أوردهُ شيخ الْجَمَاعَة، ومقدم الأشاعرة " القَاضِي أَبُو بكر "، وَالْتزم لأَجله جمَاعَة الْعِنَايَة بِالْحَدِّ، فَقَالُوا: المُرَاد بِالْعلمِ: الْإِدْرَاك.
وَقيل: الصَّوَاب أَن يُقَال: الْعلم أَو الظَّن.
(1/246)
 
 
صفحة فارغة
هَامِش
وَالْجَوَاب عَن السُّؤَال: مَا ذكره " الإِمَام " فِي " الْمَحْصُول "؛ من أَن الْمُجْتَهد، إِذا غلب على ظَنّه مُشَاركَة صُورَة لصورة؛ فِي منَاط الحكم، قطع بِوُجُوب الْعَمَل؛ فَالْحكم مَعْلُوم، وَالظَّن وَقع فِي طَرِيقه.
وسنوضح ذَلِك بترتيب خَاص؛ فَإِن أَصْحَاب الإِمَام لم يقنعوا مِنْهُ بِهَذَا الْجَواب، وَزَعَمُوا السُّؤَال بَاقِيا، فَنَقُول: إِذا ظننا شتاء، لظننا أَيَّام الشتَاء نزُول الْمَطَر، إِذا رَأينَا الْغَيْم المطبق الرطب قد أرْخى أهدابه، فنزول الْمَطَر غَالب على عدم نُزُوله، وَهَذَا ظن، ثمَّ نَحن واجدون من أَنْفُسنَا؛ أَنا عالمون بظننا، وَهَذَا علم وجداني بِالظَّنِّ، والمطر يجوز أَن ينزل، أَو لَا ينزل حَال ظننا، وَأما نَحن، فَلَا يجوز أَن نظن حَال ظننا.
وَكَذَا إِذا قَالَ لزوجته: مَتى ظَنَنْت أَنِّي طَلقتك طَلْقَة، فَأَنت طَالِق ثَلَاثًا؛ فظنت أَنه طَلقهَا [طَلْقَة؛ طلقت] ثَلَاثًا قطعا.
فَهَذَا حكم مَعْلُوم قطعا، وَالظَّن وَقع فِي طَرِيقه.
وَكَذَلِكَ الْمُجْتَهد؛ إِذا ظن حكما من الْأَحْكَام العملية، وَجب عَلَيْهِ الْعَمَل بِمُقْتَضى ظَنّه قطعا؛ علم ذَلِك بِالضَّرُورَةِ من استقراء [الشَّرْع] ، وَالظَّن وَاقع فِي طَرِيقه كَمَا ذكرنَا فِي الْمَرْأَة.
(1/247)
 
 
صفحة فارغة
هَامِش
وَعند هَذَا نقُول: إِذا ظن الشَّافِعِي حل لعب الشطرنج، فَإِن حلّه فِي حَقه مَعْلُوم قطعا؛
(1/248)
 
 
صفحة فارغة
هَامِش لِأَنَّهُ مظنون الْحل عِنْده - وَذَلِكَ وجداني؛ وكل مَا ظن حلّه، فَهُوَ حَلَال فِي حَقه قطعا، وَالظَّن لم يكن فِي هَذَا الدَّلِيل مُقَدّمَة من المقدمتين، وَإِنَّمَا وَقع فِي طَرِيق الدَّلِيل؛ حَيْثُ كَانَ مَعْلُوما بالوجدان؛ مَا وَقع فِي حق الْمَرْأَة.
وَالَّذين ردوا الْجَواب، ظنُّوا الظَّن أحد المقدمتين، وَهُوَ غلط؛ فَإِن الظَّن لم يكن مُقَدّمَة، بل كَانَ مُتَعَلق الوجدان، وظنوا أَن مُسْتَند الْمُقدمَة الثَّانِيَة الْإِجْمَاع؛ فأوردوا على الإِمَام أَن الْإِجْمَاع عِنْده ظَنِّي.
وَالْإِمَام لم يذكر أَن مُسْتَنده الْإِجْمَاع، وَإِنَّمَا مُسْتَنده الاستقراء؛ قَالَه الشَّيْخ صدر الدّين بن المرحل؛ وَذكر أَن شيخ الْإِسْلَام سيد الْمُتَأَخِّرين " تَقِيّ الدّين بن دَقِيق الْعِيد " كَانَ مِمَّن يظنّ
(1/249)
 
 
وَأما فَائِدَته، فالعلم بِأَحْكَام الله تَعَالَى
هَامِش بطلَان الْجَواب، وَيَقُول: مُتَعَلق الظَّن مظنون قطعا؛ كَمَا أَن مُتَعَلق الْعلم مَعْلُوم قطعا؛ فيستحيل أَن يكون مَعْلُوما مظنونا.
قَالَ: وَجَوَابه: أَن نتيجة الْأَدِلَّة الْأُصُولِيَّة هُوَ الظَّن، فَفِي ذَلِك الْوَقْت - وَهُوَ الْوَقْت الأول -[هُوَ] مظنون، ثمَّ إِذا صَار مظنونا، وَجب الْعَمَل بِهِ، [وَوُجُوب الْعَمَل بِهِ] مَعْلُوم فِي الْوَقْت الثَّانِي، وهما غيران: الأول مِنْهُمَا مظنون، وَالثَّانِي مَعْلُوم.
قَالَ: وَرَأَيْت " ابْن برهَان " ذكر فِي " أُصُوله " مَسْأَلَة [عقدهَا] بَيْننَا، وَبَين الْحَنَفِيَّة، فَقَالَ: الحكم عندنَا قَطْعِيّ؛ خلافًا لأبي حنيفَة؛ فَإِنَّهُ عِنْده ظَنِّي.
قلت: وَجَوَاب الإِمَام الرَّازِيّ مَسْبُوق إِلَيْهِ؛ فَإِن إِمَام الْحَرَمَيْنِ ذكره؛ حَيْثُ قَالَ: جَوَاب السُّؤَال: لَيست الظنون فقها، إِنَّمَا الْفِقْه: الْعلم بِوُجُود الْعَمَل عِنْد قيام الظنون؛ فَأَخذه الإِمَام الرَّازِيّ، وَبسطه.
الشَّرْح: " وَأما فَائِدَته "، أَي: فَائِدَة الْأُصُول، " فالعلم بِأَحْكَام الله تَعَالَى "، " وَأما
(1/250)
 
 
وَأما استمداده، فَمن الْكَلَام؛ والعربية، وَالْأَحْكَام:
أما الْكَلَام؛ فلتوقف الْأَدِلَّة الْكُلية على معرفَة الْبَارِي - تَعَالَى - وَصدق الْمبلغ، ويتوقف على دلَالَة المعجزة.
وَأما الْعَرَبيَّة؛ فَلِأَن الْأَدِلَّة من الْكتاب وَالسّنة عَرَبِيَّة.
وَأما الْأَحْكَام، فَالْمُرَاد تصورها؛ ليمكن إِثْبَاتهَا ونفيها، وَإِلَّا جَاءَ الدّور.
هَامِش استمداده، فَمن الْكَلَام، والعربية، وَالْأَحْكَام: أما الْكَلَام؛ فلتوقف الْأَدِلَّة الْكُلية على معرفَة الْبَارِي تَعَالَى، وَصدق الْمبلغ "، وَهُوَ - أَي صدقه -: " يتَوَقَّف على دلَالَة المعجزة "، وكل ذَلِك من علم الْكَلَام.
" وَأما الْعَرَبيَّة؛ فَلِأَن الْأَدِلَّة من الْكتاب وَالسّنة عَرَبِيَّة "؛ ضَرُورَة أَنَّهُمَا عربيان.
" وَأما الْأَحْكَام، فَالْمُرَاد تصورها؛ ليمكن إِثْبَاتهَا ونفيها "، وَلَا نُرِيد الْعلم بإثباتها أَو نَفيهَا؛ " وَإِلَّا جَاءَ الدّور "؛ لِأَن ذَلِك فَائِدَة الْعلم، فَيتَأَخَّر حُصُوله عَنهُ، فَلَو توقف عَلَيْهِ الْعلم، كَانَ دورا.
(1/251)
 
 
الدَّلِيل لُغَة: المرشد، والمرشد: الناصب، والذاكر؛ وَمَا بِهِ الْإِرْشَاد.
وَفِي الِاصْطِلَاح: مَا يُمكن التَّوَصُّل بِصَحِيح النّظر فِيهِ؛ إِلَى مَطْلُوب خبري، وَقيل:
هَامِش
الشَّرْح: " الدَّلِيل لُغَة: المرشد ".
" والمرشد ": يُطلق على " الناصب " للعلامة، " والذاكر " لَهَا، " وَمَا بِهِ الْإِرْشَاد "، أَي: وَالدَّلِيل لُغَة يُقَال أَيْضا لما بِهِ الْإِرْشَاد.
وَلَو قَالَ: الدَّلِيل: المرشد، وَمَا بِهِ الْإِرْشَاد، والمرشد: الناصب والذاكر، كَانَ أوضح.
" وَفِي الِاصْطِلَاح ": الدَّلِيل: " مَا يُمكن التَّوَصُّل بِصَحِيح النّظر فِيهِ؛ إِلَى مَطْلُوب خبري ".
(1/252)
 
 
إِلَى الْعلم بِهِ؛ فَتخرج الأمارة.
وَقيل: قَولَانِ فَصَاعِدا يكون عَنهُ قَول آخر.
هَامِش
وَإِنَّمَا قَالَ: " يُمكن "؛ لِأَن الدَّلِيل لَا يخرج عَن كَونه دَلِيلا؛ بِعَدَمِ النّظر فِيهِ، وَقيد النّظر بِالصَّحِيحِ؛ لِأَن الْفَاسِد لَا يتَوَصَّل بِهِ إِلَيْهِ.
وَدخل فِي التَّعْرِيف: الأمارة؛ لِأَن الْمَطْلُوب الخبري أَعم من أَن يكون علميا أَو ظنيا، وعَلى هَذَا عَامَّة الْفُقَهَاء؛ فيطلقون الدَّلِيل على مَا أدّى إِلَى علم أَو ظن؛ وَهُوَ مَا ذكره " الشَّيْخ أَبُو إِسْحَاق الشِّيرَازِيّ "، و " أَبُو الْوَلِيد الْبَاجِيّ "، وَآخَرُونَ.
" وَقيل ": مَا يُمكن أَن يتَوَصَّل بِصَحِيح النّظر فِيهِ؛ " إِلَى الْعلم بِهِ " - وَهُوَ قَول الْمُتَكَلِّمين، وَبَعض الْفُقَهَاء -؛ " فَتخرج الأمارة ".
" وَقيل ": إِنَّه " قَولَانِ "، أَي: قضيتان " فَصَاعِدا يكون عَنهُ قَول آخر ":
وَقَوْلنَا: " يكون عَنهُ " - أَعم من أَن يكون لَازِما أَو غَيره؛ ليتناول الأمارة، وَخرج عَنهُ قضيتان، لم يحصل مِنْهُمَا شَيْء آخر.
وَعرف من قَوْله: " فَصَاعِدا "؛ أَن النتيجة قد تكون عَن مقدمتين، وَقد تكون عَن أَكثر وَهُوَ كَذَلِك -؛ وَمِنْه الحَدِيث الثَّابِت فِي " الصَّحِيحَيْنِ ": " سَتَكُون فتن؛ الْقَاعِد فِيهَا خير من
(1/253)
 
 
وَقيل: يسْتَلْزم لنَفسِهِ؛ فَتخرج الأمارة، وَلَا بُد من مُسْتَلْزم للمطلوب، حَاصِل للمحكوم عَلَيْهِ؛ فَمن ثمَّ وَجَبت مقدمتان.
هَامِش الْقَائِم، والقائم فِيهَا خير من الْمَاشِي، والماشي فِيهَا خير من السَّاعِي ... ".
فَهَذِهِ ثَلَاث مقالات تنْتج: " الْقَاعِد فِيهَا خير من السَّاعِي ".
" وَقيل " بدل " يكون عَنهُ ": " يسْتَلْزم لنَفسِهِ " قولا آخر؛ " فَتخرج الأمارة "؛ فَإِنَّهَا لَا تَسْتَلْزِم لنَفسهَا قولا آخر؛ إِذْ لَيْسَ بَينهَا وَبَين مَا تفيده ربط عَقْلِي، يَقْتَضِي لُزُوم القَوْل الآخر عَنْهُمَا.
ثمَّ سَوَاء أَكَانَ الاستلزام بَينا أم غَيره، فَيتَنَاوَل الأشكال الْأَرْبَعَة، وَالْقِيَاس الاستثنائي.
وَيخرج عَنهُ بقولنَا: " لنَفسِهِ " - قِيَاس الْمُسَاوَاة؛ مثل: " أ " مسَاوٍ ل " ب "، و " ب " مسَاوٍ ل " ج "؛ فَإِنَّهُ يلْزمه: " أ " مسَاوٍ ل " ج "، وَلَكِن لَا لنَفسِهِ؛ بل بِوَاسِطَة مُقَدّمَة أَجْنَبِيَّة، أَي: مُقَدّمَة غير لَازِمَة لإحدى مقدمتي الْقيَاس، وَهُوَ قَوْلنَا: كل مَا هُوَ مسَاوٍ ل " ب " مسَاوٍ ل " ج "؛ وَكَذَا أخرج عَنهُ القَوْل الْمُؤلف من قَوْلَيْنِ، المستلزم لقَوْل آخر؛ بِوَاسِطَة عكس نقيض إِحْدَى مقدمتيه؛ كَقَوْلِنَا: جُزْء الْجَوْهَر يُوجب ارتفاعه ارْتِفَاع الْجَوْهَر، وَمَا لَيْسَ بجوهر لَا يُوجب ارتفاعه ارْتِفَاع الْجَوْهَر؛ فَإِنَّهُ يسْتَلْزم قَوْلنَا: جُزْء الْجَوْهَر جَوْهَر، وَلَكِن لَا لنَفسِهِ؛ بل بِوَاسِطَة عكس نقيض الْمُقدمَة الثَّانِيَة؛ وَهُوَ قَوْلنَا: وَمَا يُوجب ارتفاعه ارْتِفَاع الْجَوْهَر، وَهُوَ جَوْهَر.
" وَلَا بُد " فِي الدَّلِيل " من مُسْتَلْزم للمطلوب "؛ وَإِلَّا لم ينْتَقل الذِّهْن مِنْهُ إِلَى، حَاصِل
(1/254)
 
 
وَالنَّظَر: الْفِكر الَّذِي يطْلب بِهِ علم، أَو ظن.
هَامِش
للمحكوم عَلَيْهِ، أَي: الْمَطْلُوب الخبري لَا بُد أَن يكون فِي الدَّلِيل مَا يُوجب الْعلم؛ أَو الظَّن بِهِ، وَذَلِكَ الْأَمر يُسمى الْوسط، وَالْوسط لَا بُد أَن يكون " حَاصِلا للمحكوم عَلَيْهِ "؛ فَتحصل الصُّغْرَى، والمحكوم بِهِ حَاصِلا أَو مسكوتا عَنهُ، أَو الْوسط مسكوتا عَن [هـ فِي] الْمَحْكُوم بِهِ، فَتحصل الْكُبْرَى؛ " فَمن ثمَّ وَجَبت المقدمتان ".
الشَّرْح: " وَالنَّظَر: الْفِكر الَّذِي يطْلب بِهِ علم، أَو ظن ":
وَخرج بقولنَا: " الَّذِي يطْلب بِهِ علم، أَو ظن " - الْفِكر لَا لذَلِك؛ كأكثر حَدِيث النَّفس؛ فَلَا يُسمى نظرا.
وَهَذَا قريب من قَول القَاضِي فِي " التَّقْرِيب ": فكرة الْقلب وتأمله الْمَطْلُوب بِهِ علم هَذِه الْأُمُور، يَعْنِي: عَن الْحق وَالْبَاطِل، أَو غَلَبَة الظَّن بِبَعْضِهَا.
وَعبارَة " مُخْتَصر التَّقْرِيب "؛ لإِمَام الْحَرَمَيْنِ: " الْفِكر الَّذِي يطْلب بِهِ معرفَة الْحق وَالْبَاطِل؛ فِي انْتِفَاء الْعُلُوم، وَغَلَبَة الظنون.
وَقيل عِبَارَات أخر، لَا نطيل بذكرها.
(1/255)
 
 
(حد الْعلم)
 
وَالْعلم، قيل: لَا يحد؛ فَقَالَ الإِمَام: لعسره؛ وَقيل: لِأَنَّهُ ... ... ... ...
هَامِش
" الشَّرْح: " وَالْعلم، قيل: لَا يحد "، ثمَّ اخْتلف الْقَائِلُونَ بِأَنَّهُ لَا يحد:
(1/256)
 
 
صفحة فارغة
هَامِش صفحة فارغة
(1/257)
 
 
صفحة فارغة
هَامِش
" فَقَالَ الإِمَام " أَبُو الْمَعَالِي الْجُوَيْنِيّ إِمَام الْحَرَمَيْنِ، سُلْطَان الأشاعرة، وغضنفر الْجَمَاعَة: إِنَّمَا لَا يحد " لعسره ".
وَمرَاده؛ بِأَنَّهُ لَا يحد؛ أَن الرَّأْي ذَلِك؛ لِأَن التشاغل بحده يعسر، وَلَكِن يتَوَصَّل إِلَى مَعْرفَته بطرِيق الْقِسْمَة والمثال؛ كَذَا ذكره فِي " الْبُرْهَان "؛ إِذْ قَالَ: الرَّأْي السديد ... ... ...
(1/258)
 
 
صفحة فارعة
هَامِش عندنَا: أَن يتَوَصَّل إِلَى دَرك حَقِيقَة الْعلم بمباحثها وَذكرهَا "، ثمَّ قَالَ: " فليحرك النَّاظر فكره فِي ذَلِك، فَإِن استبان لَهُ، فقد أحَاط بِحَقِيقَة الْعلم، فَإِن ساعدت عبارَة صَحِيحَة فِي الْحَد، حد بهَا، وَإِن لم تساعد، اكْتفى بدرك الْحَقِيقَة. انْتهى.
وَلَيْسَ مُرَاده؛ أَنه لَا سَبِيل إِلَى حَده؛ كَمَا عرفت؛ وَلِأَنَّهُ لَو أَرَادَ ذَلِك، لم يعتل بالعسر؛ إِذْ الْعسر إِلَيْهِ سَبِيل، لَكِن بِمَشَقَّة، فاعرف ذَلِك.
ثمَّ مُرَاده بِالْحَدِّ الَّذِي يتعسر فِيهِ: الْحَد الْحَقِيقِيّ؛ دون الرسمي؛ فَإِن التَّعْرِيف بِالْقِسْمَةِ والمثال لَا يعاند الرسوم.
(1/259)
 
 
ضَرُورِيّ من وَجْهَيْن:
هَامِش
فَإِن قلت: فغاية قَوْله إِذن: يعسر تَعْرِيفه؛ لتعسر الِاطِّلَاع على الذاتي، والخارجي فِيهِ، وَذَلِكَ غير مُخْتَصّ بِالْعلمِ، بل يَشْمَل كل الْأَشْيَاء؛ إِذْ التَّمْيِيز بَين الذاتي والخارجي فِي غَايَة الْعسر قلت: هَذَا [لَو] لم [يقل: إِنَّه] مُخْتَصّ بِالْعلمِ، وَأي شَيْء يلْزم من ذَلِك.
فَإِن قلت: فَلم خص ذَلِك فِي الْعلم؟
قلت: لِأَن الْحَد الْحَقِيقِيّ فِيهِ أعْسر وأشق مِنْهُ فِي غَيره؛ على مَا لَا يخفى، وَقد تَابعه الْغَزالِيّ، وأفصح بِأَن المُرَاد بِالْحَدِّ المتعسر: الْحَقِيقِيّ، وَأَن ذَلِك لَا يخْتَص بِالْعلمِ؛ إِذْ قَالَ: وَرُبمَا يعسر تَحْلِيله على الْوَجْه الْحَقِيقِيّ بِعِبَارَة محررة جَامِعَة للْجِنْس والفصل الذاتي؛ فَإنَّا بَينا أَن ذَلِك عسر فِي أَكثر الْأَشْيَاء. [انْتهى] .
وَكَلَام الْآمِدِيّ صَرِيح، فِي أَن الإِمَام وَالْغَزالِيّ قَالَا: لَا سَبِيل إِلَى تحديده، وَأَرَادَ بالتحديد: مَا هُوَ أَعم من الْحَد الْحَقِيقِيّ والرسمي، وَلَيْسَ بجيد.
" وَقيل ": إِنَّمَا لَا يحد؛ " لِأَنَّهُ ضَرُورِيّ "، فَكَانَ غَنِيا عَن التَّعْرِيف.
وَالْإِمَام فِي " الْمَحْصُول " ذهب إِلَى أَنه ضَرُورِيّ، لَكِن لم يقل: إِنَّه لَا يحد، بل عرفه بِأَنَّهُ حكم الذِّهْن بِأَمْر على أَمر حكما جَازِمًا مطابقا لموجب.
(1/260)
 
 
صفحة فارغة
هَامِش صفحة فارغة
(1/261)
 
 
صفحة فارغة
هَامِش صفحة فارغة
(1/262)
 
 
صفحة فارغة
هَامِش
وَكَذَلِكَ " الشَّيْخ الإِمَام الْوَالِد " - رَحمَه الله - ذهب إِلَى أَنه ضَرُورِيّ، وَأَنه يحد؛ قَالَ: لَا لتعريفه، بل للتّنْبِيه عَلَيْهِ، وَذكر مَا يضبطه.
(1/263)
 
 
أَحدهمَا: أَن غير الْعلم لَا يعلم إِلَّا بِالْعلمِ، فَلَو علم الْعلم بِغَيْرِهِ، كَانَ دورا؛ وَأجِيب بِأَن توقف تصور غير الْعلم على حُصُول الْعلم - بِغَيْرِهِ، لَا على تصَوره؛ فَلَا دور.
الثَّانِي: أَن كل أحد يعلم وجوده ضَرُورَة؛ وَأجِيب بِأَنَّهُ لَا يلْزم من حُصُول أَمر -
هَامِش
وَاخْتَارَ فِي حَده؛ أَن يُقَال: إِنَّه معرفَة الْمَعْلُوم.
قَالَ: [من زَاد على هَذَا قَوْله: " على مَا هُوَ بِهِ "، فَهُوَ تَأْكِيد لِأَن مَا لَيْسَ كَذَلِك لَيْسَ معرفَة.
[قَالَ:] وَلَا يرد عَلَيْهِ أَن الْمَعْلُوم مُشْتَقّ من الْعلم، فَيلْزم الدّور؛ كَمَا ورد مثله فِي قَول القَاضِي: الْأَمر هُوَ الْمُقْتَضِي طَاعَة الْمَأْمُور؛ وَالْفرق بَينهمَا: أَن الْكَلَام فِي الْأَمر - فِي أصُول الْفِقْه، وَهُوَ يعْتَمد الْأَلْفَاظ، وَالْكَلَام فِي الْعلم - فِي أصُول الدّين، وَهُوَ يعْتَمد الْمعَانِي، فَجعل الْمَعْلُوم اسْما لما يَشْمَل الْمَوْجُود والمعدوم؛ من غير نظر إِلَى الِاشْتِقَاق.
وَحجَّة من ادَّعَاهُ ضَرُورِيًّا " من وَجْهَيْن:
أَحدهمَا: أَن غير الْعلم لَا يعلم إِلَّا بِالْعلمِ، فَلَو علم الْعلم بِغَيْرِهِ، كَانَ دورا ".
وَالْجَوَاب: أَن توقف تصور غير الْعلم بِغَيْرِهِ؛ أَعنِي علما جزئيا مُتَعَلقا بذلك الْغَيْر، لَا على تصور حَقِيقَة الْعلم، وَالَّذِي يُرَاد حُصُوله بِالْغَيْر؛ إِنَّمَا هُوَ تصور حَقِيقَة الْعلم، لَا حُصُول جزئي مِنْهُ، فَلَا دور؛ للِاخْتِلَاف.
وَإِلَيْهِ أَشَارَ بقوله: " وَأجِيب بِأَن توقف تصور غير الْعلم على حُصُول الْعلم بِغَيْرِهِ، لَا على تصَوره؛ فَلَا دور ".
وَعبارَة " الشَّيْخ الْهِنْدِيّ " فِي الْجَواب: توقف غير الْعلم على الْعلم؛ من حَيْثُ إِنَّه إِدْرَاك [لَهُ] ، لَا من حَيْثُ إِنَّه صفة مُمَيزَة لَهُ، [وَتوقف الْعلم على غَيره؛ من حَيْثُ إِنَّه صفة مُمَيزَة لَهُ] عَمَّا سواهُ، وَإِذا تغايرت الجهتان، فَلَا دور.
" الثَّانِي "؛ وَعَلِيهِ عول الإِمَام فِي " الْمَحْصُول ": " أَن كل أحد يعلم وجوده ضَرُورَة "، وَهُوَ علم خَاص، فَإِذا كَانَ الْخَاص ضَرُورِيًّا، فالعام الَّذِي هُوَ جزؤه أولى.
" وَأجِيب " بِأَن الضَّرُورِيّ: حُصُول الْعلم لَهُ، وَهُوَ غير تصور الْعلم الْمُتَنَازع فِيهِ، وَقرر " بِأَنَّهُ
(1/264)
 
 
تصَوره أَو تقدم تصَوره، ثمَّ نقُول: لَو كَانَ ضَرُورِيًّا، لَكَانَ بسيطا؛ إِذْ هُوَ مَعْنَاهُ، وَيلْزم مِنْهُ أَن يكون كل معنى علما.
" وَأَصَح الْحُدُود: صفة توجب تمييزا، لَا يحْتَمل النقيض، ... ... ... ... ...
هَامِش لَا يلْزم من حُصُول أَمر تصَوره "؛ حَتَّى يتبع تصَوره حُصُوله، " وَلَا تقدم تصَوره "؛ حَتَّى يكون تصَوره شرطا لحصوله، وَإِذا كَانَ كَذَلِك جَازَ الانفكاك مُطلقًا؛ فتغايرا، فَلَا يلْزم من كَون أَحدهمَا ضَرُورِيًّا كَون الآخر كَذَلِك.
" ثمَّ نقُول " فِي الدّلَالَة على أَنه غير ضَرُورِيّ: " لَو كَانَ ضَرُورِيًّا لَكَانَ بسيطا؛ إِذْ هُوَ مَعْنَاهُ "، أَي: معنى الضَّرُورِيّ كَونه بسيطا؛ لِأَن الضَّرُورِيّ: مَا لَا يتَوَقَّف تصَوره على تصور غَيره؛ فَيكون بسيطا، [وَإِلَّا لَكَانَ تصَوره مَوْقُوفا على تصور جزئه الَّذِي هُوَ غَيره] ؛ " وَيلْزم من " كَونه بسيطا: " أَن يكون كل معنى علما "؛ لِأَن الْعلم يصدق عَلَيْهِ الْمَعْنى: كل معنى علما؛ لَكَانَ الْمَعْنى أَعم من الْعلم؛ فَيلْزم تركيب الْعلم من الْمَعْنى الْمُشْتَرك وَأمر اخْتصَّ بِهِ، وَقد فرض كَونه بسيطا؛ هَذَا خلف.
وَلَيْسَ كل معنى علما، وَهَذَا وَاضح؛ فَإِن الْمَعْنى قد يكون ظنا، وجهلا، وتقليدا، [وَغَيرهَا] .
الشَّرْح: " وَأَصَح الْحُدُود " للْعلم أَن يُقَال: " صفة توجب " لمحلها " تمييزا، لَا يحْتَمل
(1/265)
 
 
صفحة فارغة
هَامِش النقيض "، وَالْمرَاد ب " الْأَصَح ": الصَّحِيح؛ وَإِلَّا فَيلْزم أَن يكون هُنَاكَ أصح وصحيح؛ فَيلْزم أَن يكون للشَّيْء الْوَاحِد حدان، فالصفة - وَهِي مَا لَا يقوم بِنَفسِهِ: جنس يَشْمَل الْعلم وَغَيره، وَقَوْلنَا: توجب لمحلها تمييزا: فصل [يحْتَرز] بِهِ عَن الْحَيَاة، وَالْقُدْرَة، والإرادة، وَغَيرهَا؛ من الصِّفَات الْمَشْرُوطَة [بِالْحَيَاةِ وَغير الْمَشْرُوطَة] بهَا، و " لَا يحْتَمل النقيض ": احْتِرَازًا عَن الظَّن، وَهَذَا يَشْمَل التَّصَوُّر؛ إِذْ لَا نقيض لَهُ، والتصديق النَّفْسِيّ؛ إِذْ لَهُ نقيض، وَلَا يحْتَملهُ.
قَالَ الْوَالِد رَحمَه الله: وَهَذَا القَوْل جَامع مَانع، لَكِن الْعلم أجلى مِنْهُ، " فَيدْخل " أَي فِي
(1/266)
 
 
فَيدْخل إِدْرَاك الْحَواس؛ ... ... ... ... ... ... ...
هَامِش الْحَد " إِدْرَاك الْحَواس "؛ وَهِي خمس ظَاهِرَة: السّمع، وَالْبَصَر، والشم، والذوق،
(1/267)
 
 
كالأشعري، وَإِلَّا زيد فِي الْأُمُور المعنوية.
وَاعْترض بالعلوم العادية؛ فَإِنَّهَا تَسْتَلْزِم جَوَاز النقيض عقلا؛ ... ... ... ...
هَامِش واللمس، وَخمْس باطنة مرتبَة فِي تجويفات الدِّمَاغ؛ وَهِي: الْحس الْمُشْتَرك، والمصورة، والمتخيلة، والوهمية، والحافظة؛ " كالأشعري "، أَي: كَمَا هُوَ مَذْهَب شَيخنَا، وقدوتنا إِمَام أهل السّنة وَالْجَمَاعَة أبي الْحسن الْأَشْعَرِيّ - رَضِي الله عَنهُ - فِي جعله هَذِه الإدراكات من قبيل الْعلم؛ وَهَذَا أحد قوليه فِي الْمَسْأَلَة.
قَالَ الشَّيْخ الإِمَام: وَآخر قوليه أَنَّهَا لَيست من قبيل الْعُلُوم، وَهُوَ الَّذِي ارْتَضَاهُ القَاضِي، وَإِمَام الْحَرَمَيْنِ.
وَهنا ثَلَاثَة أُمُور:
أَحدهَا: إِدْرَاك الْحس المحسوس.
وَالثَّانِي: الْعلم بالمحسوس.
وَالثَّالِث: الْعلم بعلوم أخر، وَلَا إِشْكَال فِي أَن الثَّالِث علم.
وَأَنه، وَهل الثَّانِي مُخَالف للْأولِ، أَو هما شَيْء وَاحِد؟ هَذَا مَحل الْخلاف.
فَإِن قُلْنَا: إنَّهُمَا شَيْء وَاحِد - وَهُوَ مَذْهَب الشَّيْخ أَولا - دخلت فِي الْحَد، " وَإِلَّا " أَي: وَإِن لم نقل بِمذهب الشَّيْخ " زيد " فِي الْحَد، " فِي الْأُمُور المعنوية "، وَيُرِيد بالمعنوية: مَا عدا الحسية، ليخرج إِدْرَاك الْحَواس؛ لِأَن تمييزها فِي الْأُمُور العينية الخارجية.
الشَّرْح: " وَاعْترض " على الْحَد " بالعلوم العادية "؛ كعلمنا بِأَن الْجَبَل حجر، " فَإِنَّهَا تَسْتَلْزِم جَوَاز النقيض عقلا "، أَي: فَإِنَّهُ علم؛ وَهُوَ يحْتَمل النقيض؛ لجَوَاز انقلاب الْجَبَل ذَهَبا بقدرة الْقَادِر الْمُخْتَار.
(1/268)
 
 
صفحة فارغة
هَامِش صفحة فارغة
(1/269)
 
 
صفحة فارغة
هَامِش صفحة فارغة
(1/270)
 
 
وَأجِيب بِأَن الْجَبَل إِذا علم بِالْعَادَةِ أَنه حجر، اسْتَحَالَ أَن يكون حِينَئِذٍ ذَهَبا ضَرُورَة؛ وَهُوَ المُرَاد، وَمعنى التجويز الْعقلِيّ أَنه لَو قدر، لم يلْزم مِنْهُ محَال لنَفسِهِ، لَا أَنه مُحْتَمل.
هَامِش
" وَأجِيب؛ بِأَن الْجَبَل إِذا علم بِالْعَادَةِ أَنه حجر، اسْتَحَالَ حِينَئِذٍ "، أَي: حِين إِذْ تعلق الْعلم بِهِ " أَن يكون ذَهَبا " فِي الْخَارِج، وَفِي الْعقل " ضَرُورَة "؛ لِاسْتِحَالَة اجْتِمَاع النقيضين وهما: كَونه حجرا أَو غير حجر، " وَهُوَ المُرَاد "؛ من عدم احْتِمَال النقيض.
" وَمعنى التجويز الْعقلِيّ: أَنه لَو قدر " مُقَدّر نقيض مُتَعَلق الْعلم، " لم يلْزم مِنْهُ "، أَي: من تَقْدِيره " محَال لنَفسِهِ " لَا يُمكن لذاته، " لَا أَنه مُحْتَمل "، أَي: لَيْسَ معنى التجويز: أَن نقيض مُتَعَلق الْعلم يحْتَمل وُقُوعه بِوَجْه؛ فَحِينَئِذٍ جَازَ كَون النقيض مركبا فِي نَفسه، وَلَا يحْتَمل وُقُوعه لغيره؛ فَلَا يلْزم من التجويز الْعقلِيّ الِاحْتِمَال؛ فَتدخل الْعُلُوم العادية تَحت الْحَد.
وَلقَائِل أَن يَقُول: إِذا تعلق الْعلم بِكَوْنِهِ حجرا، فالمستحيل إِنَّمَا هُوَ تعلق الْعلم - وَالْحَالة هَذِه - بِأَنَّهُ ذهب، لَا كَونه ذَهَبا فِي نفس الْأَمر، فَرب مَعْلُوم بِالْعَادَةِ، وَقد خرقت الْعَادة فِيهِ، وَلم يعلم الْعَالم بِهِ بخرقها، وَهُوَ عَالم بِالْعَادَةِ، مَعَ وُقُوع خلَافهَا فِي نفس الْأَمر، وَهَذَا كَمَا أَن الْقَمَر، لما انْشَقَّ للنَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -، كَانَ الْحَاصِل عِنْد من لم يره فِي ذَلِك الْوَقْت، وَلم يبلغهُ انشقاقه - أَنه غير منشق، بل هُوَ على الْمُعْتَاد، فَكَانَ الْعلم العادي حَاصِلا بِأَنَّهُ غير منشق فِي ذَلِك
(1/271)
 
 
صفحة فارغة
هَامِش الْوَقْت، وَهُوَ منشق فِي نفس الْأَمر؛ على خلاف الْأَمر العادي، وَإِذا كَانَت الاستحالة إِنَّمَا هِيَ عِنْد من حصل لَهُ الْعلم العادي، فالعلم لَا يَكْفِي فِي حُصُوله كَونه يَسْتَحِيل خِلَافه عِنْد الذاكر، بل لَا بُد وَأَن يَسْتَحِيل عِنْد الذاكر وَفِي نفس الْأَمر مَعًا؛ فَلَا يحْتَمل النقيض بِوَجْه على [مَا] بَينه فِي تقسيمه الذّكر الْحكمِي، وَأَيْضًا فَمن حصل لَهُ علم عادي - وَهُوَ مَعَ ذَلِك يعْتَقد جَوَاز كَون الْوَاقِع فِي نفس الْأَمر على خلاف علمه؛ لاحْتِمَال وُقُوع خرق الْعَادة.
فَإِن قلت: المُصَنّف إِنَّمَا تكلم فِيمَا إِذا وجد الْعلم، وَالْعلم لَا يكون إِلَّا مطابقا، والمطابق يَسْتَحِيل أَن يكون الْوَاقِع بِخِلَافِهِ، وَإِذا كَانَ الْوَاقِع خلاف الْحَاصِل، كَانَ الْحَاصِل جهلا لَا علما.
قلت: لَو كَانَ كَذَلِك، لم يكن معنى لتخصيص الْكَلَام بالعلوم العادية، فَإِنَّهُ مَتى حصل الذّكر النَّفْسِيّ الَّذِي لَا يحْتَمل مُتَعَلّقه النقيض بِوَجْه، لم يحْتَمل أَن يكون الْوَاقِع بِخِلَافِهِ، لَا فرق فِي ذَلِك بَين الْعُلُوم العادية، [والوجدانية] ، والحسية، وَغَيرهَا، فَإِنَّهُ قد وجد الْجَازِم والمطابق كُله بِالْفَرْضِ.
(" فَائِدَة ")
 
إِذا عرفت أَن الْعلم مَا كَانَ عَن مُوجب، وَمَا كَانَ مطابقا؛ بِخِلَاف الظَّن، فَلَو قَالَ الآخر:
(1/272)
 
 
صفحة فارغة
هَامِش أَنْت تعلم أَن هَذَا العَبْد حر، حكم بِعِتْقِهِ.
وَلَو قَالَ: تظن، لم يحكم؛ لِأَنَّهُ لَو لم يكن حرا، لم يكن الْمَقُول لَهُ عَالما بحريَّته، وَقد اعْترف السَّيِّد بِعِلْمِهِ، وَصُورَة الظَّن بِخِلَافِهِ؛ نَقله الرَّافِعِيّ عَن خطّ الرَّوْيَانِيّ عَن بعض الْأَئِمَّة.
[قَالَ] : وَلَو قَالَ: ترى أَنه حر، احْتمل أَلا يَقع، وَاحْتمل أَن تحمل الرُّؤْيَة على الْعلم، وَيَقَع.
وَاعْلَم أَنَّك إِذا قلت: زيد قَائِم، أَو لَيْسَ بقائم، فقد ذكرت حكما وسببا؛ إِذْ لَا بُد
(1/273)
 
 
وَاعْلَم أَن مَا عَنهُ الذّكر الْحكمِي إِمَّا أَن يحْتَمل مُتَعَلّقه النقيض بِوَجْه أَو لَا:
هَامِش من سَبَب لما وَقع فِي الذِّهْن من قيام زيد، وَهِي نِسْبَة تقييدية تنشأ عَنْهَا النِّسْبَة الْحكمِيَّة، وَهَذِه النِّسْبَة التقييدية فِي الذِّهْن هِيَ الَّتِي عَنْهَا الذّكر الْحكمِي، وَهُوَ مورد التَّقْسِيم؛ وَلذَلِك مُتَعَلق هُوَ طرفاه، وَهُوَ قيام زيد فِي الْخَارِج، وَلَا نعني وجوده، بل حَقِيقَته فِي نَفسه الْقَابِلَة للوجود والعدم، وَهِي الَّتِي تقسم إِلَى احْتِمَال النقيض، وَعدم احْتِمَاله.
إِذا عرفت هَذَا، وَهُوَ الذّكر الْحكمِي، وَرُبمَا سمي الذّكر النَّفْسِيّ، وَله نقيض، فللإثبات النَّفْي، وللنفي الْإِثْبَات، فَنَقُول:
الشَّرْح: " اعْلَم أَن مَا عَنهُ الذّكر الْحكمِي "، سَوَاء أصدر عَنهُ الذّكر الْحكمِي أم لَا؟ " إِمَّا أَن يحْتَمل مُتَعَلّقه النقيض "، " أَي: نقيض مَا عَنهُ الذّكر الْحكمِي " بِوَجْه " من الْوُجُوه، " أَو لَا، وَالثَّانِي الْعلم.
(1/274)
 
 
الثَّانِي: الْعلم، وَالْأول: إِمَّا أَن يحْتَمل النقيض عِنْد الذاكر، لَو قدره أَو لَا، وَالثَّانِي: الِاعْتِقَاد، فَإِن طابق، فَصَحِيح، وَإِلَّا ففاسد، وَالْأول: إِمَّا أَن يحْتَمل النقيض، وَهُوَ رَاجِح أَو لَا، فالراجح: الظَّن، والمرجوح: الْوَهم، والمساوي: الشَّك، وَقد علم بذلك حُدُودهَا.
هَامِش
وَالْأول: إِمَّا أَن يحْتَمل النقيض عِنْد الذاكر لَو قدره "، أَي: يكون بِحَيْثُ لَو قدر الذاكر النقيض، لَكَانَ مُحْتملا عِنْده، " أَو لَا.
وَالثَّانِي: الِاعْتِقَاد، فَإِن طابق الْوَاقِع، فَصَحِيح، وَإِلَّا ففاسد.
وَالْأول: إِمَّا أَن يحْتَمل النقيض، وَهُوَ رَاجِح، أَو لَا "، بل مَرْجُوح، أَو مسَاوٍ.
" فالراجح: الظَّن، والمرجوح: الْوَهم، والمساوي: الشَّك ".
وَإِنَّمَا جعل مورد التَّقْسِيم مَا عَنهُ الذّكر الْحكمِي، دون الِاعْتِقَاد أَو الحكم؛ لتناول الْوَهم وَالشَّكّ؛ مِمَّا لَا اعْتِقَاد وَلَا حكم للذهن فِيهِ.
" وَقد علم بذلك حُدُودهَا "؛ بِأَن يُقَال: الْعلم: مَا عَنهُ الذّكر الْحكمِي الَّذِي لَا يحْتَمل مُتَعَلّقه النقيض بِوَجْه، وَالظَّن: الَّذِي يحْتَمل مُتَعَلّقه النقيض عِنْد الذاكر، لَو قدره، إِذا كَانَ راجحا، وَهَكَذَا إِلَى آخر التَّقْسِيم.
وَهَذَا اصْطِلَاح الْأُصُولِيِّينَ، وَرُبمَا أطلق الْفُقَهَاء على الظَّن الْغَالِب علما، وَلذَلِك لما ذكرُوا الْخلاف فِي أَن القَاضِي، هَل يقْضِي بِعِلْمِهِ؟ مثلُوا لَهُ؛ بِمَا إِذا ادّعى عَلَيْهِ مَالا، وَقد رَآهُ القَاضِي أقْرضهُ ذَلِك، أَو سمع الْمُدعى عَلَيْهِ أقرّ بذلك.
قَالَ الرَّافِعِيّ: وَمَعْلُوم أَن رُؤْيَة الْإِقْرَاض،
(1/275)
 
 
صفحة فارغة
هَامِش وَسَمَاع الْإِقْرَار لَا يُفِيد الْيَقِين؛ بِثُبُوت الْمَحْكُوم بِهِ وَقت الْقَضَاء.
قَالَ: فَيدل على أَن المُرَاد بِالْعلمِ لَيْسَ الْيَقِين، بل الظَّن الْمُؤَكّد.
وَرُبمَا أطْلقُوا الشَّك فِي مَوضِع لم يستو الطرفان فِيهِ.
وَقَوْلهمْ فِي الْقَاعِدَة الْمَشْهُورَة: الْيَقِين لَا يرفع بِالشَّكِّ؛ إِذا تَأَمَّلت فروعها، عرفت: أَن المُرَاد بِهِ اسْتِصْحَاب الْيَقِين، وَهُوَ فِي الْحَقِيقَة ظن لَا يرفع بِالشَّكِّ، واستثناء مَا استثنوه من
(1/276)
 
 
صفحة فارغة
هَامِش هَذِه الْقَاعِدَة، لَيْسَ فِي الْحَقِيقَة قَضَاء بالمرجوح، مَعَ وجدان الرَّاجِح؛ فَإِن ذَلِك على خلاف الْمَعْقُول والمشروع، بل عمل بأرجح الظنين.
قَالَ أَبُو الْعَبَّاس بن الْقَاص: لَا يرفع الْيَقِين بِالشَّكِّ إِلَّا فِي إِحْدَى عشرَة مَسْأَلَة - وَزَاد
(1/277)
 
 
صفحة فارغة
هَامِش عَلَيْهِ الْأَصْحَاب صورا أهملها من جنس مَا ذكره.
ثمَّ قَالَ محققوهم: إِنَّه لم يعْمل بِالشَّكِّ فِي شَيْء مِنْهَا؛ كَمَا حققنا ذَلِك فِي كتَابنَا " الْأَشْبَاه والنظائر ".
وَاعْلَم أَن الإِمَام حجَّة الْإِسْلَام أَبَا حَامِد الْغَزالِيّ - سقى الله عَهده - افْتتح كتاب
(1/278)
 
 
صفحة فارغة
هَامِش " الْمُسْتَصْفى " بقواعد منطقية، وَقَالَ: " هَذِه مُقَدّمَة الْعُلُوم كلهَا، وَمن لَا يُحِيط بهَا، فَلَا ثِقَة لَهُ بمعلومه أصلا.
وَاخْتلف أهل الْعلم وَالدّين بعدهمْ، فَذكر الشَّيْخ أَبُو عَمْرو بن الصّلاح؛ أَنه سمع الشَّيْخ الْعِمَاد بن يُونُس يَحْكِي عَن الإِمَام يُوسُف الدِّمَشْقِي؛ أَنه كَانَ يُنكر هَذَا القَوْل وَيَقُول: فَأَبُو بكر، وَعمر، وَفُلَان، وَفُلَان؛ يَعْنِي: أَن أُولَئِكَ السَّادة عظمت حظوظهم من الْعلم وَالْيَقِين،
(1/279)
 
 
صفحة فارغة
هَامِش وَلم يحيطوا بِهَذِهِ الْمُقدمَة وأشباهها، ثمَّ أفتى ابْن الصّلاح بِتَحْرِيم الِاشْتِغَال بالْمَنْطق وَقَالَ: هُوَ مدْخل الفلسفة، ومدخل الشَّرّ، وَلَيْسَ الِاشْتِغَال بتعليمه وتعلمه مِمَّا أَبَاحَهُ الشَّارِع، وَلَا استباحه أحد من الصَّحَابَة وَالتَّابِعِينَ، وَالْأَئِمَّة الْمُجْتَهدين، وَالسَّلَف الصَّالِحين، وَسَائِر من يقْتَدى بهم من أَعْلَام الْأمة وسادتها، وأركان الله وقادتها، قد برأَ الله الْجَمِيع من معرفَة ذَلِك وأدناسه، وطهرهم من أوضاره.
وَأما استعمالات الاصطلاحات المشنعة المنطقية فِي مبَاحث الْأَحْكَام الشَّرْعِيَّة، فَمن
(1/280)
 
 
صفحة فارغة
هَامِش الْمُنْكَرَات، وَلَيْسَ بِالْأَحْكَامِ الشَّرْعِيَّة - وَالْحَمْد لله - افتقار إِلَى الْمنطق أصلا، وَمَا يزعمه المنطقي للمنطق فِي أَمر الْحَد والبرهان - فقاقيع قد أغْنى الله عَنْهَا كل صَحِيح الذِّهْن؛ لَا سِيمَا من خدم نظريات الْعُلُوم الشَّرْعِيَّة، وَلَقَد تمت الشَّرِيعَة، وخاض فِي بَحر الْحَقَائِق والدقائق علماؤها، حَيْثُ لَا منطق. انْتهى، وَتَابعه غير وَاحِد مِمَّن بعده.
وَرَأَيْت فِي الْمسَائِل الَّتِي سَأَلَهَا يُوسُف بن مُحَمَّد بن مقلد الدِّمَشْقِي، الشَّيْخ الإِمَام أَبَا مَنْصُور العطاردي، الْمَعْرُوف ب " حَضْرَة ": هَل يجوز الِاشْتِغَال بالْمَنْطق، أم هُوَ دهليز الْكفْر؟ .
أجَاب: الْمنطق لَا يتَعَلَّق بِهِ كفر وَلَا إِيمَان، ثمَّ قَالَ: إِن الأولى أَلا يشْتَغل بِهِ؛ لِأَنَّهُ لَا يَأْمَن الخائض فِيهِ؛ أَن يجره إِلَى مَا لَا يَنْبَغِي، انْتهى.
وَنحن نقُول: قَول يُوسُف الدِّمَشْقِي: " أَبُو بكر، وَعمر، وَفُلَان، وَفُلَان "، الْمُتَقَدّم - كَلَام لَا حَاصِل لَهُ؛ فَإِن أَبَا بكر، وَعمر أحاطا بِهَذِهِ الْمُقدمَة إحاطة لم يصل الْغَزالِيّ وَأَمْثَاله إِلَى عشر معشارها، وَمن زعم أَنَّهُمَا لم يحيطا بهَا، فَهُوَ الْمُسِيء عَلَيْهِمَا، وَالَّذِي نقطع بِهِ أَنَّهَا كَانَت سَاكِنة فِي طباع أُولَئِكَ السادات، وسجية لَهُم، كَمَا كَانَ النَّحْو الَّذِي ندأب نَحن الْيَوْم فِي تَحْصِيله.
وَمَا ذكره الشَّيْخ أَبُو عَمْرو بن الصّلاح لَيْسَ بالخالي عَن الإفراط وَالْمُبَالغَة؛ فَإِن أحدا لم يدع افتقار الشَّرِيعَة إِلَى الْمنطق، بل قصارى الْمنطق، عصمَة الأذهان [الَّتِي] لَا يوثق بهَا؛ عَن الْغَلَط، وَهُوَ حَاصِل عِنْد كل ذِي ذهن بِمِقْدَار مَا أُوتِيَ من الْفَهم.
وَأما ترتيبه على الْوَجْه الَّذِي يذكرهُ المنطقي، فَهُوَ أَمر استحدث؛ ليرْجع إِلَيْهِ ذُو الذِّهْن، إِذا استبهمت الْأُمُور، وَهل الْمنطق للأذهان إِلَّا كالنحو للسان، وَإِنَّمَا احْتِيجَ للنحو، وَصَارَ علما بِرَأْسِهِ عِنْد اخْتِلَاط الْأَلْسِنَة، وَكَذَلِكَ الْمنطق، يَدعِي الْغَزالِيّ؛ أَن الْحَاجة اشتدت إِلَيْهِ عِنْد كلال الأذهان، واعتوار الشُّبُهَات.
وَقَوله: " لقد تمت الشَّرِيعَة حَيْثُ لَا منطق "؛ إِن أَرَادَ حَيْثُ لَا منطق مُودع فِي الْكتب على
(1/281)
 
 
صفحة فارغة
هَامِش هَذِه الأساليب، فَصَحِيح، وَلَا يُوجب تَحْرِيم هَذَا، وَلَا الغض مِنْهُ، وَإِن أَرَادَ حَيْثُ لَا منطق حَاصِل لَهُم، وَإِن لم يعبر عَنهُ بِهَذَا الْوَجْه، فَمَمْنُوع؛ كَمَا ذَكرْنَاهُ.
فَإِن قلت: مَاذَا يعنون بِهِ فِي الْمنطق؟
قلت: نَحن نَذْهَب إِلَى مَا أفتى بِهِ شيخ الْمُسلمين، وَإِمَام الْأَئِمَّة، الَّذِي خضعت لَهُ الرّقاب؛ وَهُوَ أَبى - تغمده الله برحمته - حَيْثُ قَالَ، وَقد سُئِلَ عَن ذَلِك: يَنْبَغِي أَن يقدم على الِاشْتِغَال بِهِ - الِاشْتِغَال بِالْقُرْآنِ، وَالسّنة، وَالْفِقْه؛ حَتَّى يرسخ فِي الذِّهْن تَعْظِيم الشَّرِيعَة وعلمائها، فَإِذا تمّ ذَلِك، وَعلم الْمَرْء من نَفسه صِحَة الذِّهْن؛ حَتَّى لَا تروج عَلَيْهِ الشُّبْهَة، وَلَقي شَيخا ناصحا حسن العقيدة - جَازَ لَهُ - وَالْحَالة هَذِه - الِاشْتِغَال بالْمَنْطق، وانتفع بِهِ، وأعانه على الْعُلُوم الإسلامية، قَالَ: وَهُوَ من أحسن الْعُلُوم وأنفعها فِي كل بحث، [قَالَ: وَفصل القَوْل فِيهِ؛ إِنَّه كالسيف يُجَاهد بِهِ شخص] فِي سَبِيل الله، وَيقطع [بِهِ] آخر الطَّرِيق.
(1/282)
 
 
وَالْعلم ضَرْبَان: علم بمفرد، وَيُسمى تصورا وَمَعْرِفَة وَعلم بِنِسْبَة، وَيُسمى تَصْدِيقًا وعلما، وَكِلَاهُمَا ضَرُورِيّ ومطلوب.
هَامِش وَقد اقْتدى المُصَنّف بالغزالي فِي ذكر الْقَوَاعِد المهمة من الْمنطق، فَقَالَ: " وَالْعلم ضَرْبَان: علم بمفرد "؛ مثل علمك بِمَعْنى الْإِنْسَان، وَالْكَاتِب، " وَيُسمى تصورا وَمَعْرِفَة، وَعلم بِنِسْبَة "، لَا بِمَعْنى [حُصُول] صورتهَا فِي الْعقل؛ فَإِنَّهُ من قبيل الأول؛ بل الْمَعْنى إيقاعها أَو انتزاعها؛ مثل: حكمك بِأَن الْإِنْسَان كَاتب، أَو لَيْسَ بكاتب، " وَيُسمى تَصْدِيقًا وعلما ".
وَإِنَّمَا يُسَمِّيه علما بَعضهم؛ وعَلى هَذَا، فَلَا يكون الأول عِنْده علما، " وَكِلَاهُمَا "، أَي: كل وَاحِد من التَّصَوُّر والتصديق " ضَرُورِيّ " يحصل بِلَا طلب، " ومطلوب " لَا يحصل إِلَّا
(1/283)
 
 
فالتصور الضَّرُورِيّ: مَا لَا يتقدمه تصور يتَوَقَّف عَلَيْهِ؛ لانْتِفَاء التَّرْكِيب فِي مُتَعَلّقه؛ كالوجود وَالشَّيْء، وَالْمَطْلُوب بِخِلَافِهِ، أَي: تطلب مفرداته؛ فَيحد.
والتصديق الضَّرُورِيّ: مَا لَا يتقدمه تَصْدِيق يتَوَقَّف عَلَيْهِ، وَالْمَطْلُوب بِخِلَافِهِ، أَي: يطْلب بِالدَّلِيلِ.
هَامِش بِالطَّلَبِ، فَصَارَت الْأَقْسَام أَرْبَعَة: تصور ضَرُورِيّ، ومطلوب، وتصديق ضَرُورِيّ، ومطلوب، وَوُجُود الْأَرْبَعَة وجداني.
الشَّرْح: " فالتصور الضَّرُورِيّ: مَا لَا يتقدمه، تصور يتَوَقَّف عَلَيْهِ "، أَي: لَا يتقدمه تصور تقدما طبيعيا، وَهُوَ مَا لَا يتَوَقَّف تحَققه عَلَيْهِ، وَعدم توقف التَّصَوُّر على تصور يسْبقهُ، إِنَّمَا هُوَ " لانْتِفَاء التَّرْكِيب فِي مُتَعَلّقه "؛ فَإِنَّهُ مُفْرد؛ فَلَا يطْلب لَهُ حد؛ إِذْ لَا حد لَهُ؛ لِأَن الْحَد يُمَيّز أَجزَاء الْمُفْرد، وَهَذَا مُفْرد؛ فَلَا أَجزَاء لَهُ، والمفرد الَّذِي لَا يحد، " كالوجود، وَالشَّيْء ".
والتصور " الْمَطْلُوب بِخِلَافِهِ "، وَهُوَ مَا كَانَ مُتَعَلّقه مركبا، " أَي: يطْلب مفرداته "؛ ليعرف متميزه بِالْحَدِّ.
" والتصديق الضَّرُورِيّ: مَا لَا يتقدمه تَصْدِيق يتَوَقَّف عَلَيْهِ "، وَهُوَ دَلِيله، وَطَلَبه النّظر، وَلَا بَأْس أَن يتقدمه تَصْدِيق يتَوَقَّف عَلَيْهِ، وَهُوَ دَلِيله، " فيطلب بِالدَّلِيلِ ".
وَاعْلَم أَنه لَا يلْزم من توقف التَّصَوُّر على تصور مفرداته - أَن يطْلب، بل قد يكون حَاصِلا من غير سبق طلب وَنظر.
(1/284)
 
 
وَأورد على التَّصَوُّر: إِن كَانَ حَاصِلا، فَلَا طلب، وَإِلَّا فَلَا شُعُور بِهِ، فَلَا طلب؛ وَأجِيب بِأَنَّهُ يشْعر بهَا وبغيرها، وَالْمَطْلُوب تَخْصِيص بَعْضهَا بِالتَّعْيِينِ، وَأورد ذَلِك
هَامِش
الشَّرْح: " وَأورد على التَّصَوُّر "؛ أَنه لَا مَطْلُوب مِنْهُ؛ لِأَنَّهُ " إِن كَانَ حَاصِلا، فَلَا طلب "؛ لِئَلَّا يلْزم تَحْصِيل الْحَاصِل، " وَإِلَّا فَلَا شُعُور بِهِ، فَلَا طلب "؛ لِأَن الطّلب إِنَّمَا يتَوَجَّه نَحْو المشعور بِهِ.
لَا يُقَال: إِنَّه حَاصِل من وَجه دون وَجه؛ لأَنا نقُول: يعود الْكَلَام فِيمَا يطْلب من جِهَته، فَالْحَاصِل فِي طلبه تَحْصِيل الْحَاصِل وَغَيره - لَا شُعُور بِهِ.
بل الْجَواب مَا أَشَارَ إِلَيْهِ بقوله: " وَأجِيب بِأَنَّهُ يشْعر بهَا "، أَي: بمفرداته الَّتِي ذكر أَنَّهَا تطلب لتعرف متميزة، " وبغيرها " مفصلة، " وَالْمَطْلُوب تَخْصِيص بَعْضهَا بِالتَّعْيِينِ "؛
(1/285)
 
 
على التَّصْدِيق.
وَأجِيب: بِأَنَّهُ تتَصَوَّر النِّسْبَة بِنَفْي أَو إِثْبَات، ثمَّ يطْلب تعْيين أَحدهمَا، وَلَا يلْزم من تصور النِّسْبَة حُصُولهَا، وَإِلَّا لزم النقيضان.
ومادة الْمركب: مفرداته، وَصورته: هَيئته الْخَاصَّة.
هَامِش كمن يرى أشخاصا كَثِيرَة فيهم زيد، وَلَا يعرفهُ بِعَيْنِه، فَيسْأَل عَنهُ من يعرفهُ، فَيَضَع يَده على أحدهم قَائِلا: زيد هُوَ هَذَا، أَو يعرفهُ بعلامة علمهَا [لزيد] دون غَيره مِمَّن عداهُ.
" وَأورد ذَلِك على التَّصْدِيق " [أَيْضا] ؛ فَقيل: لَا مَطْلُوب مِنْهُ؛ لِأَنَّهُ إِمَّا حَاصِل، أَو غير مشعور بِهِ؛ كَمَا تقدم.
الشَّرْح: " وَأجِيب: بِأَنَّهُ يتَصَوَّر النِّسْبَة بِنَفْي أَو إِثْبَات، ثمَّ يطْلب تعْيين أَحدهمَا "، وَذَلِكَ أَن الْعلم بِالنِّسْبَةِ من جِهَة تصورها غير الْعلم بحصولها، وَإِلَّا لزم من تصورها الْعلم بحصولها، فَإِذا تصورنا النَّفْي وَالْإِثْبَات، لزم اجْتِمَاعهمَا، فيجتمع النقيضان، وَإِلَى هَذَا أَشَارَ بقوله: " وَلَا يلْزم من تصور النِّسْبَة حُصُولهَا، وَإِلَّا لزم النقيضان ".
الشَّرْح: وَاعْلَم: أَن أَجزَاء الْمركب، إِمَّا أَن يكون مَعَه بِالْقُوَّةِ، وَهُوَ الْمَادَّة؛ كالخشب للسرير، أَو بِالْفِعْلِ، وَهُوَ الصُّورَة؛ كَهَيئَةِ السرير، " ومادة الْمركب: [مفرداته " الَّتِي يحصل هُوَ من التئامها؛ كالخشب] ، " وَصورته: هَيئته الْخَاصَّة " الْحَاصِلَة من التئامها.
ثمَّ إِن ذَلِك قد يكون زَائِدا على مَجْمُوع الْمُفْردَات؛ كالمزاج الْحَاصِل لأجزاء المعجون
(1/286)
 
 
(تَقْسِيم الْحَد)
 
وَالْحَد حَقِيقِيّ، ورسمي، ولفظي:
فالحقيقي: مَا أنبأ عَن ذاتياته الْكُلية المركبة.
هَامِش الَّذِي بِهِ تظهر آثاره؛ ويشبهه الْفَقِيه باجتماع الْجَمَاعَة على قتل الْوَاحِد، إِذا كَانَ كل مِنْهُم لَو انْفَرد لم يزهق، وَقد لَا يكون؛ كَهَيئَةِ الْعشْرَة لآحادها؛ فَإِن الْعشْرَة - وَإِن كَانَت غير كل وَاحِد - فَلَيْسَتْ إِلَّا مَجْمُوع الْآحَاد، وَلم يحصل لَهَا بعد الالتئام كَيْفيَّة زَائِدَة؛ اللَّهُمَّ إِلَّا أَن يكون بِحَسب التعقل، وأشبه مِنْهُم بِالْعشرَةِ الثَّابِتَة فِي ذمَّة [زيد] ، إِذا ضمنهَا عَمْرو؛ فَإِنَّهَا وَاحِدَة، وَإِن ثبتَتْ فِي ذمتين، وَلَيْسَت عشرتين؛ خلافًا لمن زعم ذَلِك من الْفُقَهَاء.
الشَّرْح: " وَالْحَد " وَهُوَ مَا يُمَيّز الشَّيْء عَن غَيره: " حَقِيقِيّ، ورسمي، ولفظي:
فالحقيقي: مَا أنبأ عَن ذاتياته "، أَي: ذاتيات الْمَحْدُود " [الْكُلية] المركبة "؛ وَقد خرج بقولنَا: ذاتياته - العرضيات، وب " الْكُلية " - المشخصات، وب " المركبة " - الذاتيات الَّتِي [لم] يعْتَبر تركيبها؛ على وَجه يحصل لَهَا صُورَة وجدانية مُطَابقَة للمحدود؛ فَإِنَّهَا لَا تسمى حدا حَقِيقِيًّا.
وَمثل أَكْثَرهم الْحَقِيقِيّ؛ بقولنَا فِي تَعْرِيف الْإِنْسَان: الْحَيَوَان [النَّاطِق] ، وَالْمرَاد بالناطق بِالْقُوَّةِ، وَهُوَ صَحِيح.
وَرَأَيْت الْأُسْتَاذ أَبَا مَنْصُور فِي " معيار الجدل " عزاهُ إِلَى الفلاسفة؛ ورده فَقَالَ: إِن أَرَادوا بالنطق: الْكَلَام الصَّحِيح المسموع، لَزِمَهُم أَلا يكون الْأَخْرَس إنْسَانا، وَأَن يكون الببغاء إنْسَانا؛ إِذا تعلمت النُّطْق، وَإِن أَرَادوا التَّمْيِيز، لَزِمَهُم أَن يكون كل حَيَوَان مُمَيّز إنْسَانا.
قلت: وَقد عرفت مُرَادهم؛ فَانْدفع إِيرَاده.
ثمَّ قَالَ: وَقَالَ أهل الْحق: إِن الْإِنْسَان هُوَ الْجَسَد الْمَخْصُوص بِهَذِهِ الصُّورَة الْمَخْصُوصَة، قَالَ: فَإِذا سئلوا عَن هَذَا القَوْل؛ عَن جِبْرِيل - عَلَيْهِ السَّلَام - حِين جَاءَ فِي صُورَة دحْيَة الْكَلْبِيّ - أجابوا: أَن الظَّاهِر مِنْهُ كَانَ على صُورَة ظَاهر الْإِنْسَان، وَلم يكن بَاطِنه جسدا كباطن الْإِنْسَان؛ فَلم يكن إنْسَانا.
(1/287)
 
 
والرسمي: مَا أنبأ عَن الشَّيْء بِلَازِم لَهُ؛ مثل: الْخمر: مَائِع، يقذف بالزبد.
واللفظي: مَا أنبأ عَنهُ بِلَفْظ أظهر مرادف؛ مثل: الْعقار: الْخمر.
وَشرط الْجَمِيع الاطراد والانعكاس، أَي: إِذا وجد، وجد، وَإِذا انْتَفَى انْتَفَى.
هَامِش
" والرسمي: مَا أنبأ عَن الشَّيْء بِلَازِم لَهُ "، أَي: مُخْتَصّ بِهِ دون غَيره؛ " مثل: الْخمر مَائِع، يقذف بالزبد "؛ فَإِن ذَلِك لَازم عَارض بعد تَمام حَقِيقَته.
" واللفظي: مَا أنبأ بِلَفْظ أظهر مرادف؛ مثل: الْعقار خمر.
وَشرط الْجَمِيع: الاطراد والانعكاس، أَي: إِذا وجد " الْحَد، " وجد " الْمَحْدُود؛ وَذَلِكَ هُوَ الاطراد؛ فَلَا يدْخل فِيهِ شَيْء لَيْسَ من أَفْرَاد الْمَحْدُود؛ فَيكون مَانِعا، " وَإِذا انْتَفَى " الْحَد، " انْتَفَى " الْمَحْدُود؛ وَذَلِكَ هُوَ الانعكاس، أَي: كلما وجد الْمَحْدُود، وجد الْحَد؛ وَيلْزمهُ كلما
(1/288)
 
 
والذاتي: مَا لَا يتَصَوَّر فهم الذَّات قبل فهمه؛ كاللونية للسواد، والجسمية للْإنْسَان؛
هَامِش انْتَفَى الْحَد، انْتَفَى الْمَحْدُود؛ فَلَا يخرج عَنهُ شَيْء من أَفْرَاد الْمَحْدُود؛ فَيكون جَامعا؛ فَإِذن شَرط الْحَد: أَن يكون مطردا منعكسا، وَإِن شِئْت قل: جَامعا مَانِعا.
وَكَانَ بعض مَشَايِخ " خُرَاسَان " يَقُول: الْحَد: مَا منع الوالج من الْخُرُوج، وَالْخَارِج من الولوج.
قَالَ القَاضِي أَبُو الطّيب: وَهَذَا أبرد من الثلوج.
الشَّرْح: " والذاتي: مَا لَا يتَصَوَّر "، أَي: يمْتَنع " فهم الذَّات قبل فهمه "، فَلَو قدر عَدمه فِي الْعقل، لارتفعت الذَّات؛ " كاللونية للسواد " فِي ذاتي الْعرض، " والجسمية للْإنْسَان " فِي ذاتي
(1/289)
 
 
وَمن ثمَّة لم يكن لشَيْء حدان ذاتيان.
وَقد يعرف؛ بِأَنَّهُ غير مُعَلل، وبالترتيب الْعقلِيّ.
وَتَمام الْمَاهِيّة: هُوَ الْمَقُول فِي جَوَاب: مَا هُوَ، وجزؤها ... ... ... ...
هَامِش الْجَوْهَر، " وَمن ثمَّ "، أَي: من أجل أَن فهم الذَّات لَا يتَصَوَّر قبل فهم الذاتي، " لم يكن لشَيْء " وَاحِد " حدان ذاتيان "؛ وَذَلِكَ لِأَن الْحَد الْحَقِيقِيّ بتعقل جَمِيع الذاتيات؛ وَذَلِكَ لَا يتَصَوَّر فِيهِ التَّعَدُّد، اللَّهُمَّ إِلَّا من جِهَة الْعبارَة؛ بِأَن يذكر بعض الذاتيات بالمطابقة تَارَة، وبالتضمن أُخْرَى
الشَّرْح: " وَقد يعرف " الذاتي؛ " بِأَنَّهُ غير مُعَلل "، أَي: أَنه الَّذِي لَا يثبت للذات بعلة.
فالسواد للأسود لَيْسَ بعلة، وَكَذَا اللونية؛ لتقدمها عَلَيْهِ؛ بِخِلَاف الزَّوْجِيَّة للأربعة؛ فَإِن الزَّوْجِيَّة معللة بهَا.
" وبالترتيب الْعقلِيّ "، أَي: وَقد يعرف الذاتي أَيْضا بالترتيب الْعقلِيّ، أَي هُوَ الَّذِي يتَقَدَّم على الذَّات فِي التعقل.
الشَّرْح: " وَتَمام الْمَاهِيّة: هُوَ الْمَقُول فِي جَوَاب: مَا هُوَ؟ "؛ فَإِن السُّؤَال ب " مَا هُوَ؟ " إِنَّمَا يكون عَن تَمام الْمَاهِيّة؛ ك " الْحَيَوَان النَّاطِق "؛ فِي جَوَاب السُّؤَال ب " مَا هُوَ؟ " عَن الْإِنْسَان.
(1/290)
 
 
الْمُشْتَرك: الْجِنْس، والمميز: الْفَصْل، وَالْمَجْمُوع مِنْهُمَا: النَّوْع.
وَالْجِنْس: مَا اشْتَمَل على مُخْتَلف بِالْحَقِيقَةِ، وكل من الْمُخْتَلف: النَّوْع، وَيُطلق النَّوْع على ذِي آحَاد متفقة الْحَقِيقَة، فالجنس الْوسط، نوع بِالْأولِ لَا الثَّانِي، والبسائط بِالْعَكْسِ.
هَامِش
" وجزؤها "، أَي: تَمام جزئها " الْمُشْتَرك: الْجِنْس "، كالحيوان للْإنْسَان؛ فَإِنَّهُ تَمام الْمُشْتَرك بَين الْإِنْسَان وَغَيره من الْحَيَوَانَات.
وَتَمام الْجُزْء " الْمُمَيز " لَهَا: الْفَصْل؛ كالناطق للْإنْسَان.
" وَالْمَجْمُوع " الْمركب " مِنْهُمَا "، أَي: من الْجِنْس والفصل - هُوَ " النَّوْع الإضافي.
" وَالْجِنْس: مَا اشْتَمَل: أَي: الْمَقُول فِي جَوَاب مَا هُوَ؟ الْمُشْتَمل " على مُخْتَلف بِالْحَقِيقَةِ "؛ فَخرج ب " الْمَقُول فِي جَوَاب: مَا هُوَ؟ " - الْفَصْل، والخاصة، وَالْعرض الْعَام؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ شَيْء مِنْهَا مقولا فِي جَوَاب: مَا هُوَ؟ و " بِالْحَقِيقَةِ " - النَّوْع؛ لِأَنَّهُ مقول فِي جَوَاب مَا هُوَ؟ مُشْتَمل على مُخْتَلف بِالْعدَدِ، لَا بِالْحَقِيقَةِ.
" وكل من الْمُخْتَلف " الَّذِي يُقَال عَلَيْهِ وعَلى غَيره: الْجِنْس؛ فِي جَوَاب: مَا هُوَ؟ - " النَّوْع " [الإضافي. " وَيُطلق النَّوْع] على ذِي آحَاد متفقة الْحَقِيقَة " - بِاعْتِبَار كَونهَا آحادا لَهُ، وَيُسمى [نوعا] حَقِيقِيًّا، " فالجنس الْوسط "؛ كالجسم النامي " نوع بِالْأولِ "، أَي: بِالْمَعْنَى الأول؛ [لِأَن فَوْقه جِنْسا يُقَال عَلَيْهِ وعَلى غَيره فِي جَوَاب: مَا هُوَ؟ " لَا " بِالْمَعْنَى " الثَّانِي "؛ ضَرُورَة كَونه
(1/291)
 
 
والعرضي بِخِلَافِهِ، وَهُوَ لَازم، وعارض؛ فاللازم: مَا لَا يتَصَوَّر ... ... ... ...
هَامِش مقولا فِي جَوَاب: مَا] هُوَ؟ على مُخْتَلفين بِالْحَقِيقَةِ، وَهِي الْأَنْوَاع المندرجة تَحْتَهُ.
" والبسائط "، أَعنِي: الماهيات الَّتِي لَا جُزْء لَهَا؛ كالوحدة، والنقطة، " بِالْعَكْسِ " يكون نوعا؛ بِالْمَعْنَى الثَّانِي؛ ضَرُورَة كَونهَا مقولة فِي جَوَاب: مَا هُوَ؟ على المتفقة بِالْحَقِيقَةِ الَّتِي هِيَ أفرادها، دون الْمَعْنى الأول؛ ضَرُورَة عدم اندراجها تَحت جنس، وَإِلَّا لم تكن بسائط.
الشَّرْح: " والعرضي بِخِلَافِهِ "، أَي: بِخِلَاف الذاتي؛ فَهُوَ مَا يتَصَوَّر فهم الذَّات قبل فهمه، أَو الْمُعَلل، أَو مَا لَا يتقدمه عقلا.
" وَهُوَ " قِسْمَانِ: " [لَازم، وعارض] ؛ فاللازم: مَا لَا يتَصَوَّر مُفَارقَته "، أَي: لَا يُمكن،
(1/292)
 
 
مُفَارقَته؛ وَهُوَ لَازم للماهية بعد فهمها؛ كالفردية للثَّلَاثَة، والزوجية للأربعة، ولازم للوجود خَاصَّة؛ كالحدوث للجسم، والظل لَهُ، والعارض بِخِلَافِهِ، وَقد لَا يَزُول؛ كسواد الْغُرَاب، والزنجي، وَقد يَزُول؛ كصفرة الذَّهَب.
وَصُورَة الْحَد: الْجِنْس الْأَقْرَب، ثمَّ الْفَصْل، وخلل ذَلِك نقص.
هَامِش " وَهُوَ " ضَرْبَان: " لَازم للماهية بعد فهمها "؛ بِخِلَاف الذاتي؛ فَإِنَّهُ لَازم، لَا بعد فهمها، سَوَاء أفرض وجودهَا أم لَا؛ " كالفردية للثَّلَاثَة، والزوجية للأربعة، ولازم للوجود خَاصَّة "، دون الْمَاهِيّة؛ " كالحدوث للجسم " كُله، " والظل لَهُ "، أَي: كَونه ذَا [ظلّ] فِي الشَّمْس لبعضه؛ وَذَلِكَ لَا يلْزم مَاهِيَّة الْجِسْم.
" والعارض بِخِلَافِهِ "، أَي: بِخِلَاف اللَّازِم، وَهُوَ مَا يُمكن مُفَارقَته، " وَقد لَا يَزُول؛ كسواد الْغُرَاب، والزنجي، وَقد يَزُول؛ كصفرة الذَّهَب ".
الشَّرْح: " وَصُورَة الْحَد " الْحَقِيقِيّ: " الْجِنْس الْأَقْرَب، ثمَّ الْفَصْل، وخلل ذَلِك "، أَي: الصُّورَة - " نقص " فِي الْحَد؛ كإسقاط الْجِنْس الْأَقْرَب، والاقتصار على الْأَبْعَد؛ لدلَالَة الْفَصْل
(1/293)
 
 
صفحة فارغة
هَامِش بالالتزام عَلَيْهِ؛ نَحْو: الْإِنْسَان جسم نَاطِق، [أَو إِسْقَاط الْجِنْس رَأْسا؛ ك " الْإِنْسَان نَاطِق] ؛ وكتقديم الْفَصْل؛ نَحْو: الْعِشْق: فرط الْمحبَّة؛ لإخلال ذَلِك بالصورة.
(1/294)
 
 
وخلل الْمَادَّة خطأ وَنقص؛ فالخطأ كجعل الْمَوْجُود وَالْوَاحد جِنْسا؛ وكجعل العرضي الْخَاص بِنَوْع فصلا؛ فَلَا ينعكس؛ وكترك بعض الْفُصُول؛ فَلَا يطرد؛ وكتعريفه بِنَفسِهِ؛ مثل: الْحَرَكَة: عرض نقلة، وَالْإِنْسَان: حَيَوَان بشر؛ وكجعل النَّوْع والجزء جِنْسا؛ مثل: الشَّرّ ظلم النَّاس، وَالْعشرَة خَمْسَة وَخَمْسَة، وَيخْتَص الرسمي باللازم الظَّاهِر، لَا بخفي مثله، وَلَا أخْفى، وَلَا بِمَا تتَوَقَّف عقليته عَلَيْهِ؛ مثل: الزَّوْج عدد يزِيد على الْفَرد بِوَاحِد، وَبِالْعَكْسِ؛ فَإِنَّهُمَا متساويان؛ وَمثل: النَّار جسم؛ كالنفس؛ فَإِن
هَامِش
الشَّرْح: " وخلل الْمَادَّة " قِسْمَانِ: " خطأ "؛ وَهُوَ مَا كَانَ من جِهَة الْمَعْنى، " وَنقص "؛ وَهُوَ من جِهَة اللَّفْظ؛ " فالخطأ كجعل الْوُجُود وَالْوَاحد جِنْسا " للْإنْسَان مثلا، وليسا ذاتيين لَهُ؛ إِذْ تفهم حَقِيقَته دونهمَا؛ " وكجعل العرضي الْخَاص بِنَوْع مَا فصلا لَهُ؛ فَلَا ينعكس "؛ كالضاحك بِالْفِعْلِ؛ للْإنْسَان؛ وَمثل: " ترك بعض الْفُصُول؛ فَلَا يطرد "، وَالْحَد لَا بُد فِيهِ من الاطراد، والانعكاس؛ كَمَا عرفت، " وكتعريفه بِنَفسِهِ "، وَأكْثر مَا يكون تَعْرِيف الشَّيْء بِنَفسِهِ، إِذا ذكر بِلَفْظ مرادف؛ " مثل: الْحَرَكَة عرض نقلة، وَالْإِنْسَان حَيَوَان بشر "، فَإِن النقلَة ترادف الْحَرَكَة، والبشر يرادف الْإِنْسَان.
وَالْفرق بَين المثالين أَن الْمَحْدُود فِي الأول عرض، وَفِي الثَّانِي جَوْهَر؛ " وكجعل النَّوْع والجزء جِنْسا "؛ فالنوع " [مثل] الشَّرّ ظلم النَّاس " وَالظُّلم نوع من الشَّرّ؛ إِذْ الشَّرّ وَغَيره ينْحَصر فِيهِ؛ والجزء مثل: " الْعشْرَة خَمْسَة وَخَمْسَة "؛ فَإِن الْخَمْسَة جُزْء الْعشْرَة، وَهِي غير مَحْمُولَة على الْعشْرَة، لَا وَحدهَا، وَلَا بانضمام خَمْسَة أُخْرَى إِلَيْهَا، بل الْمَحْمُول مَجْمُوع الخمستين، وَهَذَا كُله فِي الْحَد مُطلقًا.
" وَيخْتَص " الْحَد " الرسمي " من بَين الْحُدُود " باللازم الظَّاهِر "؛ فَإِذن " لَا " يجوز أَن يرسم الشَّيْء " بخفي مثله، وَلَا أخْفى " مِنْهُ؛ بطرِيق أولى، " وَلَا بِمَا تتَوَقَّف عقليته عَلَيْهِ "، أَي يتَوَقَّف تعقله على تعقله، للُزُوم الدّور؛ فتعريف الشَّيْء بِمَا يُسَاوِيه، " مثل: الزَّوْج عدد يزِيد على الْفَرد بِوَاحِد، وَبِالْعَكْسِ "؛ ك " الْفَرد " عدد يزِيد على الزَّوْج بِوَاحِد " فَإِنَّهُمَا "، أَي: الزَّوْج والفرد
(1/295)
 
 
النَّفس أخْفى؛ وَمثل: الشَّمْس كَوْكَب نهاري؛ فَإِن النَّهَار يتَوَقَّف على الشَّمْس - وَالنَّقْص كاستعمال الْأَلْفَاظ الغريبة والمشتركة والمجازية.
وَلَا يحصل الْحَد ببرهان؛ لِأَنَّهُ وسط يسْتَلْزم الحكم على ... ... ... ... ...
هَامِش " متساويان "؛ فِي الْجلاء والخفاء، فَكيف يعرف أَحدهمَا بِالْآخرِ؛ " و " تَعْرِيفه بالأخفى، " مثل: النَّار جسم؛ كالنفس؛ فَإِن النَّفس أخْفى " من النَّار؛ عِنْد الْعقل؛ فَكيف تعرف النَّار بهَا؟ ؛ " و " تَعْرِيفه بِمَا يتَوَقَّف تعقله عَلَيْهِ " مثل: الشَّمْس كَوْكَب نهاري؛ فَإِن " تعقل " النَّهَار يتَوَقَّف على " عقلية " الشَّمْس "؛ لِأَن النَّهَار وَقت طُلُوع الشَّمْس؛ فَهَذِهِ الثَّلَاثَة هِيَ الجلية فِي الرَّسْم خَاصَّة.
" وَالنَّقْص " فِي الْمَادَّة: " كاستعمال الْأَلْفَاظ الغريبة والمشتركة " بِلَا قرينَة، " [والمجازية " بِلَا قرينَة] أَيْضا.
الشَّرْح: " وَلَا يحصل الْحَد ببرهان "، أَي: لَا يُمكن إِقَامَة الْبُرْهَان على ثُبُوت الْحَد للمحدود؛ " لِأَنَّهُ " أَي: الْبُرْهَان " وسط يسْتَلْزم حكما على الْمَحْكُوم عَلَيْهِ "، أَي: الْبُرْهَان عبارَة عَن
(1/296)
 
 
الْمَحْكُوم عَلَيْهِ، فَلَو قدر فِي الْحَد، لَكَانَ مستلزما عين الْمَحْكُوم عَلَيْهِ؛ وَلِأَن الدَّلِيل يسْتَلْزم تعقل مَا يسْتَدلّ عَلَيْهِ، فَلَو دلّ عَلَيْهِ، لزم الدّور.
فَإِن قيل: فَمثله فِي التَّصْدِيق؛ قُلْنَا: دَلِيل التَّصْدِيق على حُصُول ثُبُوت النِّسْبَة أَو نَفيهَا، لَا على تعقلها؛ ... ... ... ... ... ... ... ... ... ...
هَامِش وسط يسْتَلْزم حُصُول أَمر فِي الْمَحْكُوم عَلَيْهِ؛ فَإنَّا إِذا قُلْنَا: الْعَالم حَادث؛ لِأَنَّهُ متغير، فالتغير وسط استلزم حكما على الْعَالم، مغايرا لَهُ، وَهُوَ المُرَاد بالبرهان، " فَلَو قدر فِي الْحَد " وسط، " لَكَانَ مستلزما عين الْمَحْكُوم عَلَيْهِ "، أَي: مستلزما لثُبُوت عين الْمَحْدُود لنَفسِهِ؛ فَإِن الْحَد هُوَ الْمَحْدُود.
وَلقَائِل أَن يَقُول: هَذَا إِنَّمَا يتم لَو قيل بترادف الْحَد والمحدود، وسيصحح المُصَنّف خِلَافه.
قَالَ: " وَلِأَن الدَّلِيل يسْتَلْزم تعقل مَا يسْتَدلّ عَلَيْهِ " قبل إِقَامَة الدَّلِيل عَلَيْهِ، " فَلَو دلّ عَلَيْهِ " الْحَد، " لزم الدّور "؛ لِأَنَّهُ بدلالته عَلَيْهِ يكون مُتَأَخِّرًا، وَهُوَ مُتَقَدم؛ ضَرُورَة تقدم تعقله.
الشَّرْح: " فَإِن قيل: فَمثله " جَار " فِي التَّصْدِيق "؛ فَيُقَال: لَا يسْتَدلّ على التَّصْدِيق كَمَا لَا يسْتَدلّ على الْحَد؛ لِأَن الدَّلِيل على التَّصْدِيق يتَوَقَّف على تعقل التَّصْدِيق، فَلَو اسْتُفِيدَ التَّصْدِيق من الدَّلِيل؛ لزم الدّور.
" قُلْنَا ": لَا نسلم مَجِيء الدّور؛ فَإِن " دَلِيل التَّصْدِيق على حُصُول ثُبُوت النِّسْبَة، أَو نَفيهَا "، أَعنِي: الحكم الإيجابي والسلبي، " لَا على تعقلها "، أَي: تعقل النِّسْبَة الإيجابية، أَو السلبية؛
(1/297)
 
 
وَمن ثمَّة لم يمْنَع الْحَد، وَلَكِن يُعَارض ... ... ... ... ... ... ... ... ...
هَامِش فَيكون المتوقف على الدَّلِيل الحكم من نفي أَو إِثْبَات، لَا تعقله؛ فَلَا يلْزم الدّور.
" وَمن ثمَّ "، أَي: من جِهَة امْتنَاع قيام الْبُرْهَان على الْحَد، " لم يمْنَع الْحَد ".
وَذهب بعض الْمُتَأَخِّرين إِلَى تسويغ مَنعه؛ تمسكا بِأَن الْحَد دَعْوَى؛ فَجَاز أَن تصادم بِالْمَنْعِ؛ كَغَيْرِهَا من الدَّعَاوَى.
وَلَيْسَ بِشَيْء؛ فَإِن مرجع الْمَنْع طلب الْبُرْهَان، وَقد بَينا أَنه لَا يُمكن، " وَلَكِن يُعَارض ".
قَالَ إِسْمَاعِيل الْبَغْدَادِيّ فِي " جنَّة المناظر ": مثل أَن تَقول: الْغَصْب إِثْبَات الْيَد على مَال
(1/298)
 
 
وَيبْطل بخلله.
أما إِذا قيل: الْإِنْسَان حَيَوَان نَاطِق، وَقصد مَدْلُوله لُغَة، أَو شرعا، فدليله النَّقْل؛ بِخِلَاف تَعْرِيف الْمَاهِيّة.
(مَبْحَث التصديقات)
 
وَيُسمى كل تَصْدِيق قَضِيَّة، وَتسَمى فِي الْبُرْهَان مُقَدمَات، ... ... ... ... ...
هَامِش الْغَيْر؛ فيعارض بِأَنَّهُ إِثْبَات الْيَد على مَال الْغَيْر، مَعَ إِزَالَة الْيَد المحقة.
وَمنع بَعضهم مُعَارضَة الْحَد؛ إِذْ الْمُعَارضَة تشعر بِصِحَّة الْمعَارض؛ فَيلْزم ثُبُوت حَدَّيْنِ متباينين لمحدود وَاحِد؛ وَهُوَ محَال.
" وَيبْطل بخلله "، أَي: وَيجوز إبِْطَال الْحَد أَيْضا بوجدان الْخلَل فِيهِ؛ من عدم الاطراد، أَو الانعكاس، أَو غير ذَلِك، فَإِذا قَالَ: الْعلم تَمْيِيز لَا يحْتَمل النقيض، قل: صفة توجب التَّمْيِيز؛ إِذْ التَّمْيِيز لَا يصلح جِنْسا، وَيبين ذَلِك بِوَجْهِهِ؛ هَذَا كُله، إِذا قصد إِفَادَة الْمَاهِيّة فَقَط.
الشَّرْح: " أما إِذا قيل: " الْإِنْسَان حَيَوَان نَاطِق، وَقصد مَدْلُوله " الْمَحْكُوم بِهِ " لُغَة، أَو شرعا "؛ لَا تَعْرِيفه - فدليله النَّقْل " عَن أَهله؛ لِأَنَّهُ خرج عَن كَونه حدا، وَصَارَ حكما يمْنَع، وَيطْلب عَلَيْهِ الدَّلِيل؛ " بِخِلَاف تَعْرِيف الْمَاهِيّة ".
الشَّرْح: " وَيُسمى كل تَصْدِيق "، أَعنِي: الْمركب الْمُحْتَمل للتصديق والتكذيب؛
(1/299)
 
 
صفحة فارغة
هَامِش " قَضِيَّة "، وقولا جَازِمًا، وخبرا؛ " وَتسَمى " القضايا الَّتِي هِيَ [أَجزَاء] الْبُرْهَان " فِي
(1/300)
 
 
والمحكوم عَلَيْهِ فِيهَا: إِمَّا جزئي معِين أَو لَا؛ وَالثَّانِي: إِمَّا مُبين جزئيته، أَو كليته أَو لَا؛ صَارَت أَرْبَعَة: شخصية، ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ...
هَامِش الْبُرْهَان "، أَي: القياسي: " مُقَدمَات "، فالمقدمة: قَضِيَّة جعلت جُزْء قِيَاس.
" والمحكوم عَلَيْهِ فِيهَا " كَذَا بِخَط المُصَنّف، وَفِي نسخ الشَّارِحين: " والجزء الأول مِنْهَا "، أَي: من الْقَضِيَّة الحملية - " إِمَّا جُزْء معِين "؛ كَذَا بِخَطِّهِ؛ وَفِي النّسخ " جزئي "، أَي: شخصي، ويحترز بِهِ عَن الْكُلِّي، والجزئي الإضافي، أَو لَا.
وَالثَّانِي: إِمَّا مُبين جزئيته "، أَي: كَون الحكم فِيهِ على بعض أَفْرَاده، " أَو كليته "، أَي: كَون الحكم على كل أَفْرَاده، " أَو لَا "، أَي: لَا يكون مُبينًا فِيهِ جزئيته، وَلَا كليته؛ " صَارَت " الْأَقْسَام " أَرْبَعَة.
شخصية "؛ وَهِي مَا موضوعها جزئي معِين؛ مثل: هَذَا البيع صَحِيح.
(1/301)
 
 
وجزئية محصورة، وكلية، ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ...
هَامِش
" وجزئية محصورة "؛ وَهِي مَا لَيْسَ موضوعها جزئيا معينا وَلَا مُبينًا جزئيته؛ نَحْو: بعض الْإِنْسَان عَالم.
" وكلية " محصورة؛ وَهِي مَا لَيْسَ موضوعها جزئيا معينا، وَقد ثَبت كليتها؛ نَحْو: [كل جَوْهَر متحيز.
(1/302)
 
 
ومهملة؛ كل مِنْهَا مُوجبَة، وسالبة، والمتحقق فِي الْمُهْملَة - الْجُزْئِيَّة فأهملت.
هَامِش
" ومهملة "؛ وَهِي مَا لَيْسَ موضوعها جزئيا معينا، وَلم يبين فِيهِ كليته وَلَا جزئيته؛ نَحْو] : الْإِنْسَان فِي خسر.
ثمَّ " كل مِنْهَا "، أَي: من القضايا الْأَرْبَعَة " مُوجبَة "، أَي: حكم فِيهَا بِثُبُوت أحد الطَّرفَيْنِ للْآخر، " وسالبة "، أَي: حكم بِرَفْع هَذَا الثُّبُوت؛ فَتَصِير ثَمَانِي قضايا.
" والمتحقق فِي الْمُهْملَة - الْجُزْئِيَّة "؛ [لِأَنَّهَا متحققة، سَوَاء كَانَت جزئية، أم كُلية؛ إِذْ الْجُزْئِيَّة لَا يعْتَبر فِيهَا عدم الْكُلية؛ من عدم التَّعَرُّض لَهَا؛ " فأهملت " لذَلِك] .
وَلم يذكر الْبَعْض فِيهَا؛ لِأَن ذكره يَقع مُسْتَغْنى عَنهُ؛ وَيَنْبَغِي أَن يفهم أَن من محَاسِن المُصَنّف: قَوْله: لمتحقق فِي الْمُهْملَة - الْجُزْئِيَّة؛ فَإِنَّهُ أَشَارَ بِهِ إِلَى أَنا لَا ندعي أَن الْمُهْملَة جزئية؛ بل [إِن] الْقدر المتحقق مِنْهَا ذَلِك؛ كَمَا قَرَّرْنَاهُ، وَلم يقل أحد من الْقَوْم: إِنَّهَا جزئية، وَلَو أَرَادوا ذَلِك، لخالفوا مَا قَرَّرَهُ غَيرهم؛ من أَنَّهَا مُشْتَمِلَة على صِيغَة الْعُمُوم؛ كَقَوْلِك: الْإِنْسَان حَيَوَان، بل يُرِيدُونَ أَن صلاحيتها للجزئية، والكلية؛ على حد وَاحِد، وَقد صرح بذلك ابْن سينا فِي " الإشارات "، وَقَررهُ الإِمَام فَخر الدّين، وَغَيره.
(1/303)
 
 
ومقدمات الْبُرْهَان قَطْعِيَّة؛ لتنتج قَطْعِيا؛ لِأَن لَازم الْحق حق، وتنتهي إِلَى ضَرُورِيَّة؛ وَإِلَّا لزم التسلسل.
هَامِش
الشَّرْح: " ومقدمات الْبُرْهَان قَطْعِيَّة "؛ وَحِينَئِذٍ " تنْتج قَطْعِيا؛ لِأَن لَازم الْحق حق "، والنتيجة لَازم الْمُقدمَات؛ حق؛ وَلَا بُد أَن " تَنْتَهِي " الْمُقدمَات " إِلَى ضَرُورِيَّة؛ وَإِلَّا لزم التسلسل "، أَو الدّور؛ لِأَنَّهُ حِينَئِذٍ تكون تِلْكَ الْمُقدمَات مكتسبة من مُقَدمَات أخر، وَهَكَذَا؛ فيتسلسل.
وَلما كَانَ الدّور أَيْضا تسلسلا؛ إِلَّا أَنه فِي الْأُمُور المتناهية - اسْتغنى المُصَنّف بِذكر التسلسل عَن ذكره.
(1/304)
 
 
وَأما الأمارات، فظنية، أَو اعتقادية؛ إِن لم يمْنَع مَانع؛ إِذْ لَيْسَ بَين الظَّن والاعتقاد، وَبَين أَمر - ربط عَقْلِي؛ لزوالهما مَعَ قيام موجبهما.
هَامِش
الشَّرْح: " وَأما الأمارات، فظنية "، أَي: نتائجها ظنية، " أَو اعتقادية "، لَا مُطلقًا، بل " إِن لم يمْنَع مَانع " عَن حُصُول الظَّن، أَو الِاعْتِقَاد؛ " إِذْ لَيْسَ بَين الظَّن، والاعتقاد، وَبَين أَمر - ربط
(1/305)
 
 
وَوجه الدّلَالَة فِي المقدمتين: أَن الصُّغْرَى خُصُوص، والكبرى ... ... ... ... ...
هَامِش عَقْلِي "، أَي: علاقَة طبيعية تَقْتَضِي استلزام الأمارات لنتائجها؛ بِحَيْثُ يمْنَع تخلفه عَنْهُمَا؛ " لزوالهما مَعَ قيام موجبهما "؛ كَمَا قد يكون عِنْد قيام الْمعَارض، وَظُهُور خلاف الظَّن بطرِيق من الطّرق.
الشَّرْح: " وَوجه الدّلَالَة فِي المقدمتين "؛ وَهُوَ مَا لأَجله لزمتهما النتيجة؛ " أَن الصُّغْرَى " - بِاعْتِبَار موضوعها - " خُصُوص، والكبرى " - بِاعْتِبَار موضوعها - " عُمُوم "؛ وَذَلِكَ لِأَن الحكم فِي الْكُبْرَى، على جَمِيع مَا صدق عَلَيْهِ الْأَوْسَط؛ فَيتَنَاوَل الْأَصْغَر وَغَيره، وَفِي الصُّغْرَى مَخْصُوص بِالْأَصْغَرِ فَقَط.
(1/306)
 
 
عُمُوم؛ فَيجب الاندراج؛ فيلتقي مَوْضُوع الصُّغْرَى ومحمول الْكُبْرَى.
هَامِش
وَإِذا كَانَت الصُّغْرَى خُصُوصا، والكبرى عُمُوما، " فَيجب الاندراج "؛ إِذْ الْخُصُوص مندرج فِي الْعُمُوم؛ " فيلتقي مَوْضُوع الصُّغْرَى، ومحمول الْكُبْرَى "؛ نفيا وإثباتا؛ وَهُوَ النتيجة؛ نَحْو: الْوضُوء عبَادَة، وكل عبَادَة بنية؛ فَإِن الْوضُوء أخص من الْعِبَادَة؛ فَلذَلِك نقُول:
(1/307)
 
 
وَقد تحذف إِحْدَى المقدمتين؛ للْعلم بهَا.
هَامِش " الْوضُوء عبَادَة ": حكم مؤلف خَاص بِالْوضُوءِ، و " كل عبَادَة بنية ": حكم عَام للْوُضُوء وَغَيره؛ فينتفى الْوضُوء وَغَيره.
الشَّرْح: " وَقد تحذف إِحْدَى المقدمتين؛ للْعلم بهَا "؛ فالكبرى مثل: الْوضُوء لَا يَصح بِدُونِ النِّيَّة؛ لِأَنَّهُ عبَادَة؛ وَالصُّغْرَى مثل: الْوضُوء يحْتَاج إِلَى النِّيَّة؛ لِأَن كل عبَادَة تحْتَاج إِلَيْهَا؛ وَمِنْه قَوْله - عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام - وَقد أذن زِيَاد بن الْحَارِث الصدائي للفجر، وَأَرَادَ
(1/308)
 
 
والضروريات:
مِنْهَا: المشاهدات الْبَاطِنَة؛ وَهِي مَا لَا يفْتَقر إِلَى عقل؛ كالجوع والألم.
وَمِنْهَا: الأوليات؛ وَهِي: مَا يحصل بِمُجَرَّد الْعقل؛ كعلمك بوجودك؛ وَأَن النقيضين يصدق أَحدهمَا.
وَمِنْهَا: المحسوسات؛ وَهِي: مَا تحصل بالحس.
وَمِنْهَا: التجربيات؛ وَهِي: مَا تحصل بِالْعَادَةِ؛ كإسهال المسهل، والإسكار.
هَامِش بِلَال أَن يُقيم: " يُقيم أَخُو صداء؛ فَإِن من أذن، فَهُوَ يُقيم ".
الشَّرْح: " والضروريات " كَثِيرَة، فَنَذْكُر الْأَشْهر مِنْهَا؛ لأَنا قد قُلْنَا: إِن الْمُقدمَات تَنْتَهِي إِلَيْهَا، [فَنَقُول] : " مِنْهَا: المشاهدات الْبَاطِنَة "؛ وَتسَمى الوجدانيات؛ " وَهِي: مَا لَا تفْتَقر إِلَى عقل؛ كالجوع والألم "؛ تُدْرِكهُ الْبَهَائِم.
" وَمِنْهَا: الأوليات؛ وَهِي: مَا يحصل بِمُجَرَّد الْعقل "، وَلَا يشْتَرط إِلَّا حُضُور الطَّرفَيْنِ، والالتفات إِلَى النِّسْبَة؛ " كعلمك بوجودك؛ وَأَن النقيضين يصدق أَحدهمَا "؛ فَلَا يصدقان مَعًا، وَلَا يكذبان.
" وَمِنْهَا: المحسوسات؛ وَهِي: مَا يحصل بالحس " الظَّاهِر، أَي: المشاعر الْخمس؛ كَالْعلمِ بِأَن الشَّمْس مضيئة، وَالنَّار حارة.
" وَمِنْهَا: التجريبيات؛ وَهِي: مَا يحصل بِالْعَادَةِ "، أَعنِي تكَرر الرتب من غير علاقَة
(1/309)
 
 
وَمِنْهَا المتواترات؛ وَهِي: مَا تحصل بالإخبار تواترا؛ ك " بَغْدَاد " و " مَكَّة ".
" وَصُورَة الْبُرْهَان اقتراني واستثنائي:
فالاقتراني: مَا لَا يذكر اللَّازِم وَلَا نقيضه؛ فِيهِ بِالْفِعْلِ.
و" الاستثنائي " نقيضه.
هَامِش [عقلية] ؛ وَهُوَ: إِمَّا خَاص أَو عَام؛ " كإسهال المسهل "؛ يخْتَص بِعِلْمِهِ الطَّبِيب، " والإسكار " يعم النَّاس.
" وَمِنْهَا: المتواترات؛ وَهِي: مَا يحصل بالإخبار تواترا؛ ك " بَغْدَاد " و " مَكَّة "؛ لمن لم يرهما.
الشَّرْح: " وَصُورَة الْبُرْهَان "؛ وَهُوَ: القَوْل الْمُؤلف من قضايا مَتى سلمت؛ لزم عَنهُ لذاته - قَول آخر - ضَرْبَان: أَحدهمَا: " اقتراني "، " و " الثَّانِي: " استثنائي ":
" فالاقتراني: مَا لَا يذكر اللَّازِم " عَنهُ، " وَلَا نقيضه؛ [فِيهِ بِالْفِعْلِ] ، والاستثنائي نقيضه؛ فَالْأول " قِسْمَانِ:
أَحدهمَا: مَا كَانَ بِشَرْط وتقسيم، وَيُسمى الاقترانيات الشّرطِيَّة؛ وَأَهْمَلَهُ صَاحب الْكتاب؛ لقلَّة جدواه.
(1/310)
 
 
وَالْأول بِغَيْر شَرط وَلَا تَقْسِيم، وَيُسمى " الْمُبْتَدَأ " فِيهِ مَوْضُوعا، و " الْخَبَر " مَحْمُولا، وَهِي الْحُدُود، وَالْوسط الْحَد المتكرر، وموضوعه الْأَصْغَر، ومحموله الْأَكْبَر، وَذَات الْأَصْغَر الصُّغْرَى، وَذَات الْأَكْبَر الْكُبْرَى.
وَلما كَانَ الدَّلِيل قد يقوم على إبِْطَال النقيض، وَالْمَطْلُوب نقيضه، وَقد يقوم على الشَّيْء، وَالْمَطْلُوب عَكسه - احْتِيجَ إِلَى تعريفهما؛ فالنقيضان كل ... ... ...
هَامِش
وَالثَّانِي: مَا كَانَ " بِغَيْر شَرط وَلَا تَقْسِيم "؛ وَهُوَ الاقتراني الحملي، " وَيُسمى الْمُبْتَدَأ فِيهِ "، وَهُوَ الْمَحْكُوم عَلَيْهِ " مَوْضُوعا، وَالْخَبَر "، أَي: الْمَحْكُوم بِهِ - " مَحْمُولا ".
وتسميتهما بالموضوع والمحمول؛ اصْطِلَاح للمنطقيين، وبالمبتدأ وَالْخَبَر؛ للنحاة، وبالمحكوم عَلَيْهِ وَبِه؛ للفقهاء، وبالذات وَالصّفة؛ للمتكلمين، وبالمسند والمسند إِلَيْهِ؛ للبيانيين.
" وَهِي " أَي: أَجزَاء الْمُقدمَات تسمى " الْحُدُود، فالوسط: الْحَد المتكرر، مَوْضُوعه الْأَصْغَر، ومحموله الْأَكْبَر، وَذَات الْأَصْغَر "، أَي: الْمُقدمَة الَّتِي فِيهَا الْأَصْغَر: " الصُّغْرَى، وَذَات الْأَكْبَر الْكُبْرَى ".
مِثَاله: الْعَالم متغير، وكل متغير حَادث؛ ينْتج: الْعَالم حَادث؛ فالمتغير الْأَوْسَط، والعالم الْأَصْغَر، و " الْعَالم حَادث " الصُّغْرَى، و " حَادث " الْأَكْبَر، و " كل متغير حَادث " الْكُبْرَى.
الشَّرْح: " وَلما كَانَ الدَّلِيل قد يقوم على إبِْطَال النقيض، وَالْمَطْلُوب نقيضه "؛ وَلَكِن الدَّلِيل لم يتأت قِيَامه على صدق الْمَطْلُوب ابْتِدَاء، وَيلْزم من إبِْطَال نقيضه صدقه، " وَقد يقوم على الشَّيْء، وَالْمَطْلُوب عَكسه "؛ فَيلْزم صدقه - " احْتِيجَ إِلَى تعريفهما "، أَي: تَعْرِيف النقيض،
(1/311)
 
 
قضيتين، إِذا صدقت إِحْدَاهمَا، كذبت الْأُخْرَى، وَبِالْعَكْسِ؛ فَإِن كَانَت شخصية، فشرطها أَلا يكون بَينهمَا اخْتِلَاف فِي الْمَعْنى إِلَّا النَّفْي وَالْإِثْبَات؛ فيتحد الجزآن بِالذَّاتِ وَالْإِضَافَة،
هَامِش وَالْعَكْس؛ " فالنقيضان: كل قضيتين، إِذا صدقت إِحْدَاهمَا، كذبت الْأُخْرَى، وَبِالْعَكْسِ "؛ إِذا كذبت، صدقت؛ " فَإِن كَا