عدد الزوار 255 التاريخ 15/08/2020
الكتاب: الورقاتالمؤلف: عبد الملك بن عبد الله بن يوسف بن محمد الجويني، أبو المعالي، ركن الدين، الملقب بإمام الحرمين (المتوفى: 478هـ)عدد الأجزاء: 1بِسم الله الرَّحْمَن الرَّحِيممعنى أصُول الْفِقْههَذِه وَرَقَات تشْتَمل على فُصُول من أصُول الْفِقْه وَذَلِكَ مؤلف من جزأين مفردينفَالْأَصْل مَا بني عَلَيْهِ غَيره وَالْفرع مَا يبْنى على غَيرهوَالْفِقْه معرفَة الْأَحْكَام الشَّرْعِيَّة الَّتِي طريقها الِاجْتِهَاد(1/7)أَنْوَاع الحكموَالْأَحْكَام سَبْعَة الْوَاجِب وَالْمَنْدُوب والمباح والمحظور وَالْمَكْرُوه وَالصَّحِيح وَالْبَاطِلفَالْوَاجِب مَا يُثَاب على فعله ويعاقب على تَركهوَالْمَنْدُوب مَا يُثَاب على فعله وَلَا يُعَاقب على تَركهوالمباح مَا لَا يُثَاب على فعله وَلَا يُعَاقب على تَركهوالمحظور مَا يُثَاب على تَركه ويعاقب على فعلهوَالْمَكْرُوه مَا يُثَاب على تَركه وَلَا يُعَاقب على فعلهوَالصَّحِيح مَا يتَعَلَّق بِهِ النّفُوذ ويعتد بِهِوَالْبَاطِل مَا لَا يتَعَلَّق بِهِ النّفُوذ وَلَا يعْتد بِهِ(1/8)الْفرق بَين الْفِقْه وَالْعلم وَالظَّن وَالشَّكّوَالْفِقْه أخص من الْعلم وَالْعلم معرفَة الْمَعْلُوم على مَا هُوَ بِهِ وَالْجهل تصور الشَّيْء على خلاف مَا هُوَ بِهِوَالْعلم الضَّرُورِيّ مَا لم يَقع عَن نظر واستدلال كَالْعلمِ الْوَاقِع بِإِحْدَى الْحَواس الْخمس الَّتِي هِيَ السّمع وَالْبَصَر والشم والذوق واللمس أَو التَّوَاتُروَأما الْعلم المكتسب فَهُوَ الْمَوْقُوف على النّظر وَالِاسْتِدْلَال وَالنَّظَر هُوَ الْفِكر فِي حَال المنظور فِيهِ وَالِاسْتِدْلَال طلب الدَّلِيل وَالدَّلِيل هُوَ المرشد إِلَى الْمَطْلُوب لِأَنَّهُ عَلامَة عَلَيْهِوَالظَّن تَجْوِيز أَمريْن أَحدهمَا أظهر من الآخروَالشَّكّ تَجْوِيز أَمريْن لَا مزية لأَحَدهمَا على الآخروَعلم أصُول الْفِقْه طرقه على سَبِيل الْإِجْمَال وَكَيْفِيَّة الِاسْتِدْلَال بهَا(1/9)أَبْوَاب أصُول الْفِقْهوأبواب أصُول الْفِقْه أَقسَام الْكَلَام وَالْأَمر وَالنَّهْي وَالْعَام وَالْخَاص والمجمل والمبين وَالظَّاهِر والمؤول وَالْأَفْعَال والناسخ والمنسوخ وَالْإِجْمَاع وَالْأَخْبَار وَالْقِيَاس والحظر وَالْإِبَاحَة وترتيب الْأَدِلَّة وَصفَة الْمُفْتى والمستفتى وَأَحْكَام الْمُجْتَهدين(1/10)أَقسَام الْكَلَامفَأَما أَقسَام الْكَلَام فَأَقل مَا يتركب مِنْهُ الْكَلَام اسمان أَو اسْم وَفعل أَو فعل وحرف أَو اسْم وحرفوَالْكَلَام يَنْقَسِم إِلَى أَمر وَنهي وَخبر واستخبار وينقسم أَيْضا إِلَى تمن وَعرض وَقسموَمن وَجه آخر يَنْقَسِم إِلَى حَقِيقَة ومجاز فالحقيقة مَا بَقِي فِي الِاسْتِعْمَال على مَوْضُوعه وَقيل مَا اسْتعْمل فِيمَا اصْطلحَ عَلَيْهِ من المخاطبةوَالْمجَاز مَا تجوز عَن مَوْضُوعه والحقيقة إِمَّا لغوية وَإِمَّا شَرْعِيَّة وَإِمَّا عرفيةوَالْمجَاز إِمَّا أَن يكون بِزِيَادَة أَو نُقْصَان أَو نقل أَو اسْتِعَارَة(1/11)فالمجاز بِالزِّيَادَةِ مثل قَوْله تَعَالَى {لَيْسَ كمثله شَيْء}وَالْمجَاز بِالنُّقْصَانِ مثل قَوْله تَعَالَى {واسأل الْقرْيَة}وَالْمجَاز بِالنَّقْلِ كالغائط فِيمَا يخرج من الْإِنْسَان وَالْمجَاز بالاستعارة كَقَوْلِه تَعَالَى {جدارا يُرِيد أَن ينْقض}(1/12)2 - الْأَمروَالْأَمر استدعاء الْفِعْل بالْقَوْل مِمَّن هُوَ دونه على سَبِيل الْوُجُوبوصيغته افْعَل وَهِي عِنْد الْإِطْلَاق والتجرد عَن الْقَرِينَة تحمل عَلَيْهِ إِلَّا مَا دلّ الدَّلِيل على أَن المُرَاد مِنْهُ النّدب أَو الْإِبَاحَة وَلَا تَقْتَضِي التّكْرَار على الصَّحِيح إِلَّا مَا دلّ الدَّلِيل على قصد التّكْرَار وَلَا تقتضى الْفَوْروَالْأَمر بإيجاد الْفِعْل أَمر بِهِ وَبِمَا لَا يتم الْفِعْل إِلَّا بِهِ كالأمر بِالصَّلَاةِ فَإِنَّهُ أَمر بِالطَّهَارَةِ المؤدية إِلَيْهَا وَإِذا فعل يخرج الْمَأْمُور عَن الْعهْدَة(1/13)تَنْبِيه من يدْخل فِي الْأَمر وَالنَّهْي وَمن لَا يدْخل يدْخل فِي خطاب الله تَعَالَى الْمُؤْمِنُونَ وَأما الساهي وَالصَّبِيّ وَالْمَجْنُون فهم غير داخلين فِي الْخطابوَالْكفَّار مخاطبون بِفُرُوع الشَّرِيعَة وَبِمَا لَا تصح إِلَّا بِهِ وَهُوَ الْإِسْلَام لقَوْله تَعَالَى {مَا سلككم فِي سقر قَالُوا لم نك من الْمُصَلِّين}وَالْأَمر بالشَّيْء نهي عَن ضِدّه وَالنَّهْي عَن الشَّيْء أَمر بضده(1/14)3 - النَّهْيوَالنَّهْي استدعاء التّرْك بالْقَوْل مِمَّن هُوَ دونه على سَبِيل الْوُجُوب وَيدل على فَسَاد الْمنْهِي عَنهُوَترد صِيغَة الْأَمر وَالْمرَاد بِهِ الْإِبَاحَة أَو التهديد أَو التَّسْوِيَة أَو التكوين(1/15)4 - الْعَام وَالْخَاصوَأما الْعَام فَهُوَ مَا عَم شَيْئَيْنِ فَصَاعِدا من قَوْله عممت زيدا وعمرا بالعطاء وعممت جَمِيع النَّاس بالعطاءوألفاظ أَرْبَعَة الِاسْم الْوَاحِد الْمُعَرّف بِالْألف وَاللَّام وَاسم الْجمع الْمُعَرّف بِاللَّامِ والأسماء المبهمة ك من فِيمَن يعقل وَمَا فِيمَا لَا يعقل وَأي فِي الْجَمِيع وَأَيْنَ فِي الْمَكَان وَمَتى فِي الزَّمَان وَمَا فِي الِاسْتِفْهَام وَالْجَزَاء وَغَيره وَلَا فِي النكراتوالعموم من صِفَات النُّطْق وَلَا يجوز دَعْوَى الْعُمُوم فِي غَيره من الْفِعْل وَمَا يجْرِي مجْرَاهوَالْخَاص يُقَابل الْعَام والتخصيص تَمْيِيز بعض الْجُمْلَة وَهُوَ يَنْقَسِم إِلَى مُتَّصِل ومنفصلفالمتصل الِاسْتِثْنَاء وَالتَّقْيِيد بِالشّرطِ وَالتَّقْيِيد بِالصّفةِوَالِاسْتِثْنَاء إِخْرَاج مَا لولاه لدخل فِي الْكَلَام وَإِنَّمَا يَصح بِشَرْط أَن يبْقى من المشتثنى مِنْهُ شَيْء وَمن شَرطه أَن يكون مُتَّصِلا بالْكلَاموَيجوز تَقْدِيم الِاسْتِثْنَاء على الْمُسْتَثْنى مِنْهُ وَيجوز الِاسْتِثْنَاء من الْجِنْس وَمن غَيره(1/16)وَالشّرط يجوز أَن يتَأَخَّر عَن الْمَشْرُوط وَيجوز أَن يتَقَدَّم عَن الْمَشْرُوط والمقيد بِالصّفةِ يحمل عَلَيْهِ الْمُطلق كالرقبة قيدت بِالْإِيمَان فِي بعض الْمَوَاضِع وأطلقت فِي بعض الْمَوَاضِع فَيحمل الْمُطلق على الْمُقَيدوَيجوز تَخْصِيص الْكتاب بِالْكتاب وَتَخْصِيص الْكتاب وَتَخْصِيص الْكتاب بِالسنةِ وَتَخْصِيص السّنة بِالْكتاب وَتَخْصِيص السّنة بِالسنةِ وَتَخْصِيص النُّطْق بِالْقِيَاسِ ونعني بالنطق قَول الله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى وَقَول الرَّسُول صلى الله عَلَيْهِ وَسلم(1/17)5 - الْمُجْمل والمبينوالمجمل مَا افْتقر إِلَى الْبَيَان وَالْبَيَان إِخْرَاج الشَّيْء من حيّز الْإِشْكَال إِلَى حيّز التجليوَالنَّص مَا لَا يحْتَمل إِلَّا معنى وَاحِدًا وَقيل مَا تَأْوِيله تَنْزِيله وَهُوَ مُشْتَقّ من منصة الْعَرُوس وَهُوَ الْكُرْسِيّ(1/18)6 - الظَّاهِر والمؤولوَالظَّاهِر مَا احْتمل أَمريْن أَحدهمَا أظهر من الآخر ويؤول الظَّاهِر بِالدَّلِيلِ وَيُسمى الظَّاهِر بِالدَّلِيلِ(1/19)7 - الْأَفْعَالفعل صَاحب الشَّرِيعَة لَا يَخْلُو إِمَّا أَن يكون على وَجه الْقرْبَة وَالطَّاعَة أَو غير ذَلِكفَإِن دلّ دَلِيل على الِاخْتِصَاص بِهِ يحمل على الِاخْتِصَاص وَإِن لم يدل لَا يخصص بِهِ لِأَن الله تَعَالَى يَقُول {لقد كَانَ لكم فِي رَسُول الله أُسْوَة حَسَنَة}فَيحمل على الْوُجُوب عِنْد بعض أَصْحَابنَا وَمن بعض أَصْحَابنَا من قَالَ يحمل على النّدب وَمِنْهُم من قَالَ يتَوَقَّف عَنهُفَإِن كَانَ على وَجه غير الْقرْبَة وَالطَّاعَة فَيحمل على الْإِبَاحَة فِي حَقه وحقنا وَإِقْرَار صَاحب الشَّرِيعَة على القَوْل الصَّادِر من أحد هُوَ قَول صَاحب الشَّرِيعَة وَإِقْرَاره على الْفِعْل كَفِعْلِهِوَمَا فعل فِي وقته فِي غير مَجْلِسه وَعلم بِهِ وَلم يُنكره فَحكمه حكم مَا فعل فِي مَجْلِسه(1/20)8 - النّسخوَأما النّسخ فَمَعْنَاه لُغَة الْإِزَالَة وَقيل مَعْنَاهُ النَّقْل من قَوْلهم نسخت مَا فِي هَذَا الْكتاب أَي نقلتهوَحده هُوَ الْخطاب الدَّال على رفع الحكم الثَّابِت بِالْخِطَابِ الْمُتَقَدّم على وَجه لولاه لَكَانَ ثَابتا مَعَ تراخيه عَنهُوَيجوز نسخ الرَّسْم وَبَقَاء الحكم وَنسخ الحكم وَبَقَاء الرَّسْم(1/21)والنسخ إِلَى بدل وَإِلَى غير بدل وَإِلَى مَا هُوَ أغْلظ وَإِلَى مَا هُوَ أخفوَيجوز نسخ الْكتاب بِالْكتاب وَنسخ السّنة بِالْكتاب وَنسخ السّنة بِالسنةِوَيجوز نسخ الْمُتَوَاتر بالمتواتر مِنْهُمَا وَنسخ الْآحَاد بالآحاد وبالمتواتر وَلَا يجوز نسخ الْمُتَوَاتر بالآحاد(1/22)تَنْبِيه فِي التَّعَارُض إِذا تعَارض نطقان فَلَا يَخْلُو إِمَّا أَن يَكُونَا عَاميْنِ أَو خاصين أَو أَحدهمَا عَاما وَالْآخر خَاصّا أَو كل وَاحِد مِنْهُمَا عَاما من وَجه وخاصا من وَجهفَإِن كَانَا عَاميْنِ فَإِن أمكن الْجمع بَينهمَا جمع وَإِن لم يُمكن الْجمع بَينهمَا يتَوَقَّف فيهمَا إِن لم يعلم التَّارِيخ فَإِن علم التَّارِيخ ينْسَخ الْمُتَقَدّم بالمتأخر وَكَذَا إِذا كَانَا خاصينوَإِن كَانَ أَحدهمَا عَاما وَالْآخر خَاصّا فيخصص الْعَام بالخاص وَإِن كَانَ أَحدهمَا عَاما من وَجه وخاصا من وَجه فيخص عُمُوم كل وَاحِد مِنْهُمَا بِخُصُوص الآخر(1/23)9 - الْإِجْمَاعوَإِمَّا الْإِجْمَاع فَهُوَ اتِّفَاق عُلَمَاء الْعَصْر على حكم الْحَادِثَة ونعني بالعلماء الْفُقَهَاء ونعني بالحادثة الْحَادِثَة الشَّرْعِيَّةوَإِجْمَاع هَذِه الْأمة حجَّة دون غَيرهَا لقَوْله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم لاتجتمع أمتِي على ضَلَالَة وَالشَّرْع ورد بعصمة هَذِه الْأمةوَالْإِجْمَاع حجَّة على الْعَصْر الثَّانِي وَفِي أَي عصر كَانَ وَلَا يشْتَرط انْقِرَاض الْعَصْر على الصَّحِيحفَإِن قُلْنَا انْقِرَاض الْعَصْر شَرط فَيعْتَبر قَول من ولد فِي حياتهم وتفقه وَصَارَ من أهل الِاجْتِهَاد فَلهم أَن يرجِعوا عَن ذَلِك الحكموَالْإِجْمَاع يَصح بقَوْلهمْ وبفعلهم وَبقول الْبَعْض وبفعل الْبَعْض وانتشار ذَلِك وسكوت البَاقِينَ وَقَول الْوَاحِد من الصَّحَابَة لَيْسَ بِحجَّة على غَيره على القَوْل الْجَدِيد(1/24)10 - الْأَخْبَاروَأما الْأَخْبَار فَالْخَبَر مَا يدْخلهُ الصدْق وَالْكذب وَالْخَبَر يَنْقَسِم إِلَى قسمَيْنِ آحَاد ومتواترفالمتواتر مَا يُوجب الْعلم وَهُوَ أَن يرْوى جمَاعَة لَا يَقع التواطؤ على الْكَذِب من مثلهم إِلَى أَن يَنْتَهِي إِلَى الْمخبر عَنهُ وَيكون فِي الأَصْل عَن مُشَاهدَة أَو سَماع لَا عَن اجْتِهَادوالآحاد هُوَ الَّذِي يُوجب الْعَمَل وَلَا يُوجب الْعلم وينقسم إِلَى مُرْسل ومسندفَالْمُسْنَدُ مَا اتَّصل إِسْنَاده والمرسل مَا لم يتَّصل إِسْنَاده فَإِن كَانَ من مَرَاسِيل غير الصَّحَابَة فَلَيْسَ ذَلِك حجَّة إِلَّا مَرَاسِيل سعيد بن الْمسيب فَإِنَّهَا فتشت فَوجدت مسانيد عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلموالعنعنة تدخل على الْأَسَانِيد وَإِذا قَرَأَ الشَّيْخ يجوز للراوي أَن يَقُول حَدثنِي أَو أَخْبرنِي وَإِذا قَرَأَ هُوَ على الشَّيْخ فَيَقُول أَخْبرنِي وَلَا يَقُول حَدثنِي وَإِن أجَازه الشَّيْخ من غير قِرَاءَة فَيَقُول أجازني أَو أَخْبرنِي إجَازَة(1/25)11 - الْقيَاسوَأما الْقيَاس فَهُوَ رد الْفَرْع إِلَى الأَصْل بعلة تجمعهما فِي الحكم وَهُوَ يَنْقَسِم إِلَى ثَلَاثَة أَقسَام إِلَى قِيَاس عِلّة وَقِيَاس دلَالَة وَقِيَاس شبهفَقِيَاس الْعلَّة مَا كَانَت الْعلَّة فِيهِ مُوجبَة للْحكم وَقِيَاس الدّلَالَة هُوَ الِاسْتِدْلَال بِأحد النظيرين على الآخر وَهُوَ أَن تكون الْعلَّة دَالَّة على الحكم وَلَا تكون مُوجبَة للْحكموَقِيَاس الشّبَه هُوَ الْفَرْع المتردد بَين أصلين وَلَا يُصَار إِلَيْهِ مَعَ إِمْكَان مَا قبلهوَمن شَرط الْفَرْع أَن يكون مناسبا للْأَصْل وَمن شَرط الأَصْل أَن يكون ثَابتا بِدَلِيل مُتَّفق عَلَيْهِ بَين الْخَصْمَيْنِوَمن شَرط الْعلَّة أَن تطرد فِي معلولاتها فَلَا تنتفض لفظا وَلَا معنىوَمن شَرط الحكم أَن يكون مثل الْعلَّة فِي النَّفْي وَالْإِثْبَات أَي فِي الْوُجُود والعدم فَإِن وجدت الْعلَّة وجد الحكم وَالْعلَّة هِيَ الجالبة للْحكم(1/26)12 - الْحَظْر وَالْإِبَاحَةوَأما الْحَظْر وَالْإِبَاحَة فَمن النَّاس من يَقُول إِن الْأَشْيَاء على الْحَظْر إِلَّا مَا أباحته الشَّرِيعَة فَإِن لم يُوجد فِي الشَّرِيعَة مَا يدل على الْإِبَاحَة يتَمَسَّك بِالْأَصْلِ وَهُوَ الْحَظْروَمن النَّاس من يَقُول بضده وَهُوَ أَن الأَصْل فِي الْأَشْيَاء أَنَّهَا على الْإِبَاحَة إِلَّا مَا حظره الشَّرْع وَمعنى اسْتِصْحَاب الْحَال الَّذِي يحْتَج بِهِ أَن يستصحب الأَصْل عِنْد عدم الدَّلِيل الشَّرْعِيّ(1/27)13 - تَرْتِيب الْأَدِلَّةوَأما الْأَدِلَّة فَيقدم الْجَلِيّ مِنْهَا على الْخَفي والموجب للْعلم على الْمُوجب للظن والنطق على الْقيَاس وَالْقِيَاس الْجَلِيّ على الْخَفيفَإِن وجد فِي النُّطْق مَا يُفَسر الأَصْل يعْمل بالنطق وَإِلَّا فيستصحب الْحَال(1/28)14 - شُرُوط الْمُفْتِيوَمن شَرط الْمُفْتِي أَن يكون عَالما بالفقه أصلا وفرعا خلافًا ومذهبا وَأَن يكون كَامِل الْأَدِلَّة فِي الِاجْتِهَاد عَارِفًا بِمَا يحْتَج إِلَيْهِ فِي استنباط الْأَحْكَام وَتَفْسِير الْآيَات الْوَارِدَة فِي الْأَحْكَام وَالْأَخْبَار الْوَارِدَة فِيهَا(1/29)15 - شُرُوط المستفتيوَمن شُرُوط المستفتي أَن يكون من أهل التَّقْلِيد وَلَيْسَ للْعَالم أَن يُقَلّد والتقليد قبُول قَول الْقَائِل بِلَا حجَّةفعلى هَذَا قبُول قَول النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يُسمى تقليدا وَمِنْهُم من قَالَ التَّقْلِيد قبُول قَول الْقَائِل وَأَنت لَا تَدْرِي من أَيْن قَالَهفَإِن قُلْنَا إِن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم كَانَ يَقُول بِالْقِيَاسِ فَيجوز أَن يُسمى قبُول قَوْله تقليدا(1/30)16 - الِاجْتِهَادوَأما الِاجْتِهَاد فَهُوَ بذل الوسع فِي بُلُوغ الْغَرَض فالمجتهد إِن كَانَ كَامِل الْآلَة فِي الِاجْتِهَاد فِي الْفُرُوع فَأصَاب فَلهُ أَجْرَانِ وَإِن اجْتهد وَأَخْطَأ فَلهُ أجر وَاحِدوَمِنْهُم من قَالَ كل مُجْتَهد فِي الْفُرُوع مُصِيب وَلَا يجوز كل مُجْتَهد فِي الْأُصُول الكلامية مُصِيب لِأَن ذَلِك يُؤَدِّي إِلَى تصويب أهل الضَّلَالَة وَالْمَجُوس وَالْكفَّار والملحدين 3 وَدَلِيل من قَالَ لَيْسَ كل مُجْتَهد فِي الْفُرُوع مصيبا قَوْله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم من اجْتهد وَأصَاب فَلهُ أَجْرَانِ وَمن اجْتهد وَأَخْطَأ فَلهُ أجر وَاحِدوَوجه الدَّلِيل أَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم خطأ الْمُجْتَهد تَارَة وَصَوَّبَهُ أُخْرَى(1/31)المؤلف: عبد الملك بن عبد الله بن يوسف بن محمد الجويني، أبو المعالي، ركن الدين، الملقب بإمام الحرمين (المتوفى: 478هـ)عدد الأجزاء: 1بِسم الله الرَّحْمَن الرَّحِيممعنى أصُول الْفِقْههَذِه وَرَقَات تشْتَمل على فُصُول من أصُول الْفِقْه وَذَلِكَ مؤلف من جزأين مفردينفَالْأَصْل مَا بني عَلَيْهِ غَيره وَالْفرع مَا يبْنى على غَيرهوَالْفِقْه معرفَة الْأَحْكَام الشَّرْعِيَّة الَّتِي طريقها الِاجْتِهَاد(1/7)أَنْوَاع الحكموَالْأَحْكَام سَبْعَة الْوَاجِب وَالْمَنْدُوب والمباح والمحظور وَالْمَكْرُوه وَالصَّحِيح وَالْبَاطِلفَالْوَاجِب مَا يُثَاب على فعله ويعاقب على تَركهوَالْمَنْدُوب مَا يُثَاب على فعله وَلَا يُعَاقب على تَركهوالمباح مَا لَا يُثَاب على فعله وَلَا يُعَاقب على تَركهوالمحظور مَا يُثَاب على تَركه ويعاقب على فعلهوَالْمَكْرُوه مَا يُثَاب على تَركه وَلَا يُعَاقب على فعلهوَالصَّحِيح مَا يتَعَلَّق بِهِ النّفُوذ ويعتد بِهِوَالْبَاطِل مَا لَا يتَعَلَّق بِهِ النّفُوذ وَلَا يعْتد بِهِ(1/8)الْفرق بَين الْفِقْه وَالْعلم وَالظَّن وَالشَّكّوَالْفِقْه أخص من الْعلم وَالْعلم معرفَة الْمَعْلُوم على مَا هُوَ بِهِ وَالْجهل تصور الشَّيْء على خلاف مَا هُوَ بِهِوَالْعلم الضَّرُورِيّ مَا لم يَقع عَن نظر واستدلال كَالْعلمِ الْوَاقِع بِإِحْدَى الْحَواس الْخمس الَّتِي هِيَ السّمع وَالْبَصَر والشم والذوق واللمس أَو التَّوَاتُروَأما الْعلم المكتسب فَهُوَ الْمَوْقُوف على النّظر وَالِاسْتِدْلَال وَالنَّظَر هُوَ الْفِكر فِي حَال المنظور فِيهِ وَالِاسْتِدْلَال طلب الدَّلِيل وَالدَّلِيل هُوَ المرشد إِلَى الْمَطْلُوب لِأَنَّهُ عَلامَة عَلَيْهِوَالظَّن تَجْوِيز أَمريْن أَحدهمَا أظهر من الآخروَالشَّكّ تَجْوِيز أَمريْن لَا مزية لأَحَدهمَا على الآخروَعلم أصُول الْفِقْه طرقه على سَبِيل الْإِجْمَال وَكَيْفِيَّة الِاسْتِدْلَال بهَا(1/9)أَبْوَاب أصُول الْفِقْهوأبواب أصُول الْفِقْه أَقسَام الْكَلَام وَالْأَمر وَالنَّهْي وَالْعَام وَالْخَاص والمجمل والمبين وَالظَّاهِر والمؤول وَالْأَفْعَال والناسخ والمنسوخ وَالْإِجْمَاع وَالْأَخْبَار وَالْقِيَاس والحظر وَالْإِبَاحَة وترتيب الْأَدِلَّة وَصفَة الْمُفْتى والمستفتى وَأَحْكَام الْمُجْتَهدين(1/10)أَقسَام الْكَلَامفَأَما أَقسَام الْكَلَام فَأَقل مَا يتركب مِنْهُ الْكَلَام اسمان أَو اسْم وَفعل أَو فعل وحرف أَو اسْم وحرفوَالْكَلَام يَنْقَسِم إِلَى أَمر وَنهي وَخبر واستخبار وينقسم أَيْضا إِلَى تمن وَعرض وَقسموَمن وَجه آخر يَنْقَسِم إِلَى حَقِيقَة ومجاز فالحقيقة مَا بَقِي فِي الِاسْتِعْمَال على مَوْضُوعه وَقيل مَا اسْتعْمل فِيمَا اصْطلحَ عَلَيْهِ من المخاطبةوَالْمجَاز مَا تجوز عَن مَوْضُوعه والحقيقة إِمَّا لغوية وَإِمَّا شَرْعِيَّة وَإِمَّا عرفيةوَالْمجَاز إِمَّا أَن يكون بِزِيَادَة أَو نُقْصَان أَو نقل أَو اسْتِعَارَة(1/11)فالمجاز بِالزِّيَادَةِ مثل قَوْله تَعَالَى {لَيْسَ كمثله شَيْء}وَالْمجَاز بِالنُّقْصَانِ مثل قَوْله تَعَالَى {واسأل الْقرْيَة}وَالْمجَاز بِالنَّقْلِ كالغائط فِيمَا يخرج من الْإِنْسَان وَالْمجَاز بالاستعارة كَقَوْلِه تَعَالَى {جدارا يُرِيد أَن ينْقض}(1/12)2 - الْأَمروَالْأَمر استدعاء الْفِعْل بالْقَوْل مِمَّن هُوَ دونه على سَبِيل الْوُجُوبوصيغته افْعَل وَهِي عِنْد الْإِطْلَاق والتجرد عَن الْقَرِينَة تحمل عَلَيْهِ إِلَّا مَا دلّ الدَّلِيل على أَن المُرَاد مِنْهُ النّدب أَو الْإِبَاحَة وَلَا تَقْتَضِي التّكْرَار على الصَّحِيح إِلَّا مَا دلّ الدَّلِيل على قصد التّكْرَار وَلَا تقتضى الْفَوْروَالْأَمر بإيجاد الْفِعْل أَمر بِهِ وَبِمَا لَا يتم الْفِعْل إِلَّا بِهِ كالأمر بِالصَّلَاةِ فَإِنَّهُ أَمر بِالطَّهَارَةِ المؤدية إِلَيْهَا وَإِذا فعل يخرج الْمَأْمُور عَن الْعهْدَة(1/13)تَنْبِيه من يدْخل فِي الْأَمر وَالنَّهْي وَمن لَا يدْخل يدْخل فِي خطاب الله تَعَالَى الْمُؤْمِنُونَ وَأما الساهي وَالصَّبِيّ وَالْمَجْنُون فهم غير داخلين فِي الْخطابوَالْكفَّار مخاطبون بِفُرُوع الشَّرِيعَة وَبِمَا لَا تصح إِلَّا بِهِ وَهُوَ الْإِسْلَام لقَوْله تَعَالَى {مَا سلككم فِي سقر قَالُوا لم نك من الْمُصَلِّين}وَالْأَمر بالشَّيْء نهي عَن ضِدّه وَالنَّهْي عَن الشَّيْء أَمر بضده(1/14)3 - النَّهْيوَالنَّهْي استدعاء التّرْك بالْقَوْل مِمَّن هُوَ دونه على سَبِيل الْوُجُوب وَيدل على فَسَاد الْمنْهِي عَنهُوَترد صِيغَة الْأَمر وَالْمرَاد بِهِ الْإِبَاحَة أَو التهديد أَو التَّسْوِيَة أَو التكوين(1/15)4 - الْعَام وَالْخَاصوَأما الْعَام فَهُوَ مَا عَم شَيْئَيْنِ فَصَاعِدا من قَوْله عممت زيدا وعمرا بالعطاء وعممت جَمِيع النَّاس بالعطاءوألفاظ أَرْبَعَة الِاسْم الْوَاحِد الْمُعَرّف بِالْألف وَاللَّام وَاسم الْجمع الْمُعَرّف بِاللَّامِ والأسماء المبهمة ك من فِيمَن يعقل وَمَا فِيمَا لَا يعقل وَأي فِي الْجَمِيع وَأَيْنَ فِي الْمَكَان وَمَتى فِي الزَّمَان وَمَا فِي الِاسْتِفْهَام وَالْجَزَاء وَغَيره وَلَا فِي النكراتوالعموم من صِفَات النُّطْق وَلَا يجوز دَعْوَى الْعُمُوم فِي غَيره من الْفِعْل وَمَا يجْرِي مجْرَاهوَالْخَاص يُقَابل الْعَام والتخصيص تَمْيِيز بعض الْجُمْلَة وَهُوَ يَنْقَسِم إِلَى مُتَّصِل ومنفصلفالمتصل الِاسْتِثْنَاء وَالتَّقْيِيد بِالشّرطِ وَالتَّقْيِيد بِالصّفةِوَالِاسْتِثْنَاء إِخْرَاج مَا لولاه لدخل فِي الْكَلَام وَإِنَّمَا يَصح بِشَرْط أَن يبْقى من المشتثنى مِنْهُ شَيْء وَمن شَرطه أَن يكون مُتَّصِلا بالْكلَاموَيجوز تَقْدِيم الِاسْتِثْنَاء على الْمُسْتَثْنى مِنْهُ وَيجوز الِاسْتِثْنَاء من الْجِنْس وَمن غَيره(1/16)وَالشّرط يجوز أَن يتَأَخَّر عَن الْمَشْرُوط وَيجوز أَن يتَقَدَّم عَن الْمَشْرُوط والمقيد بِالصّفةِ يحمل عَلَيْهِ الْمُطلق كالرقبة قيدت بِالْإِيمَان فِي بعض الْمَوَاضِع وأطلقت فِي بعض الْمَوَاضِع فَيحمل الْمُطلق على الْمُقَيدوَيجوز تَخْصِيص الْكتاب بِالْكتاب وَتَخْصِيص الْكتاب وَتَخْصِيص الْكتاب بِالسنةِ وَتَخْصِيص السّنة بِالْكتاب وَتَخْصِيص السّنة بِالسنةِ وَتَخْصِيص النُّطْق بِالْقِيَاسِ ونعني بالنطق قَول الله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى وَقَول الرَّسُول صلى الله عَلَيْهِ وَسلم(1/17)5 - الْمُجْمل والمبينوالمجمل مَا افْتقر إِلَى الْبَيَان وَالْبَيَان إِخْرَاج الشَّيْء من حيّز الْإِشْكَال إِلَى حيّز التجليوَالنَّص مَا لَا يحْتَمل إِلَّا معنى وَاحِدًا وَقيل مَا تَأْوِيله تَنْزِيله وَهُوَ مُشْتَقّ من منصة الْعَرُوس وَهُوَ الْكُرْسِيّ(1/18)6 - الظَّاهِر والمؤولوَالظَّاهِر مَا احْتمل أَمريْن أَحدهمَا أظهر من الآخر ويؤول الظَّاهِر بِالدَّلِيلِ وَيُسمى الظَّاهِر بِالدَّلِيلِ(1/19)7 - الْأَفْعَالفعل صَاحب الشَّرِيعَة لَا يَخْلُو إِمَّا أَن يكون على وَجه الْقرْبَة وَالطَّاعَة أَو غير ذَلِكفَإِن دلّ دَلِيل على الِاخْتِصَاص بِهِ يحمل على الِاخْتِصَاص وَإِن لم يدل لَا يخصص بِهِ لِأَن الله تَعَالَى يَقُول {لقد كَانَ لكم فِي رَسُول الله أُسْوَة حَسَنَة}فَيحمل على الْوُجُوب عِنْد بعض أَصْحَابنَا وَمن بعض أَصْحَابنَا من قَالَ يحمل على النّدب وَمِنْهُم من قَالَ يتَوَقَّف عَنهُفَإِن كَانَ على وَجه غير الْقرْبَة وَالطَّاعَة فَيحمل على الْإِبَاحَة فِي حَقه وحقنا وَإِقْرَار صَاحب الشَّرِيعَة على القَوْل الصَّادِر من أحد هُوَ قَول صَاحب الشَّرِيعَة وَإِقْرَاره على الْفِعْل كَفِعْلِهِوَمَا فعل فِي وقته فِي غير مَجْلِسه وَعلم بِهِ وَلم يُنكره فَحكمه حكم مَا فعل فِي مَجْلِسه(1/20)8 - النّسخوَأما النّسخ فَمَعْنَاه لُغَة الْإِزَالَة وَقيل مَعْنَاهُ النَّقْل من قَوْلهم نسخت مَا فِي هَذَا الْكتاب أَي نقلتهوَحده هُوَ الْخطاب الدَّال على رفع الحكم الثَّابِت بِالْخِطَابِ الْمُتَقَدّم على وَجه لولاه لَكَانَ ثَابتا مَعَ تراخيه عَنهُوَيجوز نسخ الرَّسْم وَبَقَاء الحكم وَنسخ الحكم وَبَقَاء الرَّسْم(1/21)والنسخ إِلَى بدل وَإِلَى غير بدل وَإِلَى مَا هُوَ أغْلظ وَإِلَى مَا هُوَ أخفوَيجوز نسخ الْكتاب بِالْكتاب وَنسخ السّنة بِالْكتاب وَنسخ السّنة بِالسنةِوَيجوز نسخ الْمُتَوَاتر بالمتواتر مِنْهُمَا وَنسخ الْآحَاد بالآحاد وبالمتواتر وَلَا يجوز نسخ الْمُتَوَاتر بالآحاد(1/22)تَنْبِيه فِي التَّعَارُض إِذا تعَارض نطقان فَلَا يَخْلُو إِمَّا أَن يَكُونَا عَاميْنِ أَو خاصين أَو أَحدهمَا عَاما وَالْآخر خَاصّا أَو كل وَاحِد مِنْهُمَا عَاما من وَجه وخاصا من وَجهفَإِن كَانَا عَاميْنِ فَإِن أمكن الْجمع بَينهمَا جمع وَإِن لم يُمكن الْجمع بَينهمَا يتَوَقَّف فيهمَا إِن لم يعلم التَّارِيخ فَإِن علم التَّارِيخ ينْسَخ الْمُتَقَدّم بالمتأخر وَكَذَا إِذا كَانَا خاصينوَإِن كَانَ أَحدهمَا عَاما وَالْآخر خَاصّا فيخصص الْعَام بالخاص وَإِن كَانَ أَحدهمَا عَاما من وَجه وخاصا من وَجه فيخص عُمُوم كل وَاحِد مِنْهُمَا بِخُصُوص الآخر(1/23)9 - الْإِجْمَاعوَإِمَّا الْإِجْمَاع فَهُوَ اتِّفَاق عُلَمَاء الْعَصْر على حكم الْحَادِثَة ونعني بالعلماء الْفُقَهَاء ونعني بالحادثة الْحَادِثَة الشَّرْعِيَّةوَإِجْمَاع هَذِه الْأمة حجَّة دون غَيرهَا لقَوْله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم لاتجتمع أمتِي على ضَلَالَة وَالشَّرْع ورد بعصمة هَذِه الْأمةوَالْإِجْمَاع حجَّة على الْعَصْر الثَّانِي وَفِي أَي عصر كَانَ وَلَا يشْتَرط انْقِرَاض الْعَصْر على الصَّحِيحفَإِن قُلْنَا انْقِرَاض الْعَصْر شَرط فَيعْتَبر قَول من ولد فِي حياتهم وتفقه وَصَارَ من أهل الِاجْتِهَاد فَلهم أَن يرجِعوا عَن ذَلِك الحكموَالْإِجْمَاع يَصح بقَوْلهمْ وبفعلهم وَبقول الْبَعْض وبفعل الْبَعْض وانتشار ذَلِك وسكوت البَاقِينَ وَقَول الْوَاحِد من الصَّحَابَة لَيْسَ بِحجَّة على غَيره على القَوْل الْجَدِيد(1/24)10 - الْأَخْبَاروَأما الْأَخْبَار فَالْخَبَر مَا يدْخلهُ الصدْق وَالْكذب وَالْخَبَر يَنْقَسِم إِلَى قسمَيْنِ آحَاد ومتواترفالمتواتر مَا يُوجب الْعلم وَهُوَ أَن يرْوى جمَاعَة لَا يَقع التواطؤ على الْكَذِب من مثلهم إِلَى أَن يَنْتَهِي إِلَى الْمخبر عَنهُ وَيكون فِي الأَصْل عَن مُشَاهدَة أَو سَماع لَا عَن اجْتِهَادوالآحاد هُوَ الَّذِي يُوجب الْعَمَل وَلَا يُوجب الْعلم وينقسم إِلَى مُرْسل ومسندفَالْمُسْنَدُ مَا اتَّصل إِسْنَاده والمرسل مَا لم يتَّصل إِسْنَاده فَإِن كَانَ من مَرَاسِيل غير الصَّحَابَة فَلَيْسَ ذَلِك حجَّة إِلَّا مَرَاسِيل سعيد بن الْمسيب فَإِنَّهَا فتشت فَوجدت مسانيد عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلموالعنعنة تدخل على الْأَسَانِيد وَإِذا قَرَأَ الشَّيْخ يجوز للراوي أَن يَقُول حَدثنِي أَو أَخْبرنِي وَإِذا قَرَأَ هُوَ على الشَّيْخ فَيَقُول أَخْبرنِي وَلَا يَقُول حَدثنِي وَإِن أجَازه الشَّيْخ من غير قِرَاءَة فَيَقُول أجازني أَو أَخْبرنِي إجَازَة(1/25)11 - الْقيَاسوَأما الْقيَاس فَهُوَ رد الْفَرْع إِلَى الأَصْل بعلة تجمعهما فِي الحكم وَهُوَ يَنْقَسِم إِلَى ثَلَاثَة أَقسَام إِلَى قِيَاس عِلّة وَقِيَاس دلَالَة وَقِيَاس شبهفَقِيَاس الْعلَّة مَا كَانَت الْعلَّة فِيهِ مُوجبَة للْحكم وَقِيَاس الدّلَالَة هُوَ الِاسْتِدْلَال بِأحد النظيرين على الآخر وَهُوَ أَن تكون الْعلَّة دَالَّة على الحكم وَلَا تكون مُوجبَة للْحكموَقِيَاس الشّبَه هُوَ الْفَرْع المتردد بَين أصلين وَلَا يُصَار إِلَيْهِ مَعَ إِمْكَان مَا قبلهوَمن شَرط الْفَرْع أَن يكون مناسبا للْأَصْل وَمن شَرط الأَصْل أَن يكون ثَابتا بِدَلِيل مُتَّفق عَلَيْهِ بَين الْخَصْمَيْنِوَمن شَرط الْعلَّة أَن تطرد فِي معلولاتها فَلَا تنتفض لفظا وَلَا معنىوَمن شَرط الحكم أَن يكون مثل الْعلَّة فِي النَّفْي وَالْإِثْبَات أَي فِي الْوُجُود والعدم فَإِن وجدت الْعلَّة وجد الحكم وَالْعلَّة هِيَ الجالبة للْحكم(1/26)12 - الْحَظْر وَالْإِبَاحَةوَأما الْحَظْر وَالْإِبَاحَة فَمن النَّاس من يَقُول إِن الْأَشْيَاء على الْحَظْر إِلَّا مَا أباحته الشَّرِيعَة فَإِن لم يُوجد فِي الشَّرِيعَة مَا يدل على الْإِبَاحَة يتَمَسَّك بِالْأَصْلِ وَهُوَ الْحَظْروَمن النَّاس من يَقُول بضده وَهُوَ أَن الأَصْل فِي الْأَشْيَاء أَنَّهَا على الْإِبَاحَة إِلَّا مَا حظره الشَّرْع وَمعنى اسْتِصْحَاب الْحَال الَّذِي يحْتَج بِهِ أَن يستصحب الأَصْل عِنْد عدم الدَّلِيل الشَّرْعِيّ(1/27)13 - تَرْتِيب الْأَدِلَّةوَأما الْأَدِلَّة فَيقدم الْجَلِيّ مِنْهَا على الْخَفي والموجب للْعلم على الْمُوجب للظن والنطق على الْقيَاس وَالْقِيَاس الْجَلِيّ على الْخَفيفَإِن وجد فِي النُّطْق مَا يُفَسر الأَصْل يعْمل بالنطق وَإِلَّا فيستصحب الْحَال(1/28)14 - شُرُوط الْمُفْتِيوَمن شَرط الْمُفْتِي أَن يكون عَالما بالفقه أصلا وفرعا خلافًا ومذهبا وَأَن يكون كَامِل الْأَدِلَّة فِي الِاجْتِهَاد عَارِفًا بِمَا يحْتَج إِلَيْهِ فِي استنباط الْأَحْكَام وَتَفْسِير الْآيَات الْوَارِدَة فِي الْأَحْكَام وَالْأَخْبَار الْوَارِدَة فِيهَا(1/29)15 - شُرُوط المستفتيوَمن شُرُوط المستفتي أَن يكون من أهل التَّقْلِيد وَلَيْسَ للْعَالم أَن يُقَلّد والتقليد قبُول قَول الْقَائِل بِلَا حجَّةفعلى هَذَا قبُول قَول النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يُسمى تقليدا وَمِنْهُم من قَالَ التَّقْلِيد قبُول قَول الْقَائِل وَأَنت لَا تَدْرِي من أَيْن قَالَهفَإِن قُلْنَا إِن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم كَانَ يَقُول بِالْقِيَاسِ فَيجوز أَن يُسمى قبُول قَوْله تقليدا(1/30)16 - الِاجْتِهَادوَأما الِاجْتِهَاد فَهُوَ بذل الوسع فِي بُلُوغ الْغَرَض فالمجتهد إِن كَانَ كَامِل الْآلَة فِي الِاجْتِهَاد فِي الْفُرُوع فَأصَاب فَلهُ أَجْرَانِ وَإِن اجْتهد وَأَخْطَأ فَلهُ أجر وَاحِدوَمِنْهُم من قَالَ كل مُجْتَهد فِي الْفُرُوع مُصِيب وَلَا يجوز كل مُجْتَهد فِي الْأُصُول الكلامية مُصِيب لِأَن ذَلِك يُؤَدِّي إِلَى تصويب أهل الضَّلَالَة وَالْمَجُوس وَالْكفَّار والملحدين 3 وَدَلِيل من قَالَ لَيْسَ كل مُجْتَهد فِي الْفُرُوع مصيبا قَوْله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم من اجْتهد وَأصَاب فَلهُ أَجْرَانِ وَمن اجْتهد وَأَخْطَأ فَلهُ أجر وَاحِدوَوجه الدَّلِيل أَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم خطأ الْمُجْتَهد تَارَة وَصَوَّبَهُ أُخْرَى(1/31)الكتاب: الورقاتالمؤلف: عبد الملك بن عبد الله بن يوسف بن محمد الجويني، أبو المعالي، ركن الدين، الملقب بإمام الحرمين (المتوفى: 478هـ)عدد الأجزاء: 1بِسم الله الرَّحْمَن الرَّحِيممعنى أصُول الْفِقْههَذِه وَرَقَات تشْتَمل على فُصُول من أصُول الْفِقْه وَذَلِكَ مؤلف من جزأين مفردينفَالْأَصْل مَا بني عَلَيْهِ غَيره وَالْفرع مَا يبْنى على غَيرهوَالْفِقْه معرفَة الْأَحْكَام الشَّرْعِيَّة الَّتِي طريقها الِاجْتِهَاد(1/7)أَنْوَاع الحكموَالْأَحْكَام سَبْعَة الْوَاجِب وَالْمَنْدُوب والمباح والمحظور وَالْمَكْرُوه وَالصَّحِيح وَالْبَاطِلفَالْوَاجِب مَا يُثَاب على فعله ويعاقب على تَركهوَالْمَنْدُوب مَا يُثَاب على فعله وَلَا يُعَاقب على تَركهوالمباح مَا لَا يُثَاب على فعله وَلَا يُعَاقب على تَركهوالمحظور مَا يُثَاب على تَركه ويعاقب على فعلهوَالْمَكْرُوه مَا يُثَاب على تَركه وَلَا يُعَاقب على فعلهوَالصَّحِيح مَا يتَعَلَّق بِهِ النّفُوذ ويعتد بِهِوَالْبَاطِل مَا لَا يتَعَلَّق بِهِ النّفُوذ وَلَا يعْتد بِهِ(1/8)الْفرق بَين الْفِقْه وَالْعلم وَالظَّن وَالشَّكّوَالْفِقْه أخص من الْعلم وَالْعلم معرفَة الْمَعْلُوم على مَا هُوَ بِهِ وَالْجهل تصور الشَّيْء على خلاف مَا هُوَ بِهِوَالْعلم الضَّرُورِيّ مَا لم يَقع عَن نظر واستدلال كَالْعلمِ الْوَاقِع بِإِحْدَى الْحَواس الْخمس الَّتِي هِيَ السّمع وَالْبَصَر والشم والذوق واللمس أَو التَّوَاتُروَأما الْعلم المكتسب فَهُوَ الْمَوْقُوف على النّظر وَالِاسْتِدْلَال وَالنَّظَر هُوَ الْفِكر فِي حَال المنظور فِيهِ وَالِاسْتِدْلَال طلب الدَّلِيل وَالدَّلِيل هُوَ المرشد إِلَى الْمَطْلُوب لِأَنَّهُ عَلامَة عَلَيْهِوَالظَّن تَجْوِيز أَمريْن أَحدهمَا أظهر من الآخروَالشَّكّ تَجْوِيز أَمريْن لَا مزية لأَحَدهمَا على الآخروَعلم أصُول الْفِقْه طرقه على سَبِيل الْإِجْمَال وَكَيْفِيَّة الِاسْتِدْلَال بهَا(1/9)أَبْوَاب أصُول الْفِقْهوأبواب أصُول الْفِقْه أَقسَام الْكَلَام وَالْأَمر وَالنَّهْي وَالْعَام وَالْخَاص والمجمل والمبين وَالظَّاهِر والمؤول وَالْأَفْعَال والناسخ والمنسوخ وَالْإِجْمَاع وَالْأَخْبَار وَالْقِيَاس والحظر وَالْإِبَاحَة وترتيب الْأَدِلَّة وَصفَة الْمُفْتى والمستفتى وَأَحْكَام الْمُجْتَهدين(1/10)أَقسَام الْكَلَامفَأَما أَقسَام الْكَلَام فَأَقل مَا يتركب مِنْهُ الْكَلَام اسمان أَو اسْم وَفعل أَو فعل وحرف أَو اسْم وحرفوَالْكَلَام يَنْقَسِم إِلَى أَمر وَنهي وَخبر واستخبار وينقسم أَيْضا إِلَى تمن وَعرض وَقسموَمن وَجه آخر يَنْقَسِم إِلَى حَقِيقَة ومجاز فالحقيقة مَا بَقِي فِي الِاسْتِعْمَال على مَوْضُوعه وَقيل مَا اسْتعْمل فِيمَا اصْطلحَ عَلَيْهِ من المخاطبةوَالْمجَاز مَا تجوز عَن مَوْضُوعه والحقيقة إِمَّا لغوية وَإِمَّا شَرْعِيَّة وَإِمَّا عرفيةوَالْمجَاز إِمَّا أَن يكون بِزِيَادَة أَو نُقْصَان أَو نقل أَو اسْتِعَارَة(1/11)فالمجاز بِالزِّيَادَةِ مثل قَوْله تَعَالَى {لَيْسَ كمثله شَيْء}وَالْمجَاز بِالنُّقْصَانِ مثل قَوْله تَعَالَى {واسأل الْقرْيَة}وَالْمجَاز بِالنَّقْلِ كالغائط فِيمَا يخرج من الْإِنْسَان وَالْمجَاز بالاستعارة كَقَوْلِه تَعَالَى {جدارا يُرِيد أَن ينْقض}(1/12)2 - الْأَمروَالْأَمر استدعاء الْفِعْل بالْقَوْل مِمَّن هُوَ دونه على سَبِيل الْوُجُوبوصيغته افْعَل وَهِي عِنْد الْإِطْلَاق والتجرد عَن الْقَرِينَة تحمل عَلَيْهِ إِلَّا مَا دلّ الدَّلِيل على أَن المُرَاد مِنْهُ النّدب أَو الْإِبَاحَة وَلَا تَقْتَضِي التّكْرَار على الصَّحِيح إِلَّا مَا دلّ الدَّلِيل على قصد التّكْرَار وَلَا تقتضى الْفَوْروَالْأَمر بإيجاد الْفِعْل أَمر بِهِ وَبِمَا لَا يتم الْفِعْل إِلَّا بِهِ كالأمر بِالصَّلَاةِ فَإِنَّهُ أَمر بِالطَّهَارَةِ المؤدية إِلَيْهَا وَإِذا فعل يخرج الْمَأْمُور عَن الْعهْدَة(1/13)تَنْبِيه من يدْخل فِي الْأَمر وَالنَّهْي وَمن لَا يدْخل يدْخل فِي خطاب الله تَعَالَى الْمُؤْمِنُونَ وَأما الساهي وَالصَّبِيّ وَالْمَجْنُون فهم غير داخلين فِي الْخطابوَالْكفَّار مخاطبون بِفُرُوع الشَّرِيعَة وَبِمَا لَا تصح إِلَّا بِهِ وَهُوَ الْإِسْلَام لقَوْله تَعَالَى {مَا سلككم فِي سقر قَالُوا لم نك من الْمُصَلِّين}وَالْأَمر بالشَّيْء نهي عَن ضِدّه وَالنَّهْي عَن الشَّيْء أَمر بضده(1/14)3 - النَّهْيوَالنَّهْي استدعاء التّرْك بالْقَوْل مِمَّن هُوَ دونه على سَبِيل الْوُجُوب وَيدل على فَسَاد الْمنْهِي عَنهُوَترد صِيغَة الْأَمر وَالْمرَاد بِهِ الْإِبَاحَة أَو التهديد أَو التَّسْوِيَة أَو التكوين(1/15)4 - الْعَام وَالْخَاصوَأما الْعَام فَهُوَ مَا عَم شَيْئَيْنِ فَصَاعِدا من قَوْله عممت زيدا وعمرا بالعطاء وعممت جَمِيع النَّاس بالعطاءوألفاظ أَرْبَعَة الِاسْم الْوَاحِد الْمُعَرّف بِالْألف وَاللَّام وَاسم الْجمع الْمُعَرّف بِاللَّامِ والأسماء المبهمة ك من فِيمَن يعقل وَمَا فِيمَا لَا يعقل وَأي فِي الْجَمِيع وَأَيْنَ فِي الْمَكَان وَمَتى فِي الزَّمَان وَمَا فِي الِاسْتِفْهَام وَالْجَزَاء وَغَيره وَلَا فِي النكراتوالعموم من صِفَات النُّطْق وَلَا يجوز دَعْوَى الْعُمُوم فِي غَيره من الْفِعْل وَمَا يجْرِي مجْرَاهوَالْخَاص يُقَابل الْعَام والتخصيص تَمْيِيز بعض الْجُمْلَة وَهُوَ يَنْقَسِم إِلَى مُتَّصِل ومنفصلفالمتصل الِاسْتِثْنَاء وَالتَّقْيِيد بِالشّرطِ وَالتَّقْيِيد بِالصّفةِوَالِاسْتِثْنَاء إِخْرَاج مَا لولاه لدخل فِي الْكَلَام وَإِنَّمَا يَصح بِشَرْط أَن يبْقى من المشتثنى مِنْهُ شَيْء وَمن شَرطه أَن يكون مُتَّصِلا بالْكلَاموَيجوز تَقْدِيم الِاسْتِثْنَاء على الْمُسْتَثْنى مِنْهُ وَيجوز الِاسْتِثْنَاء من الْجِنْس وَمن غَيره(1/16)وَالشّرط يجوز أَن يتَأَخَّر عَن الْمَشْرُوط وَيجوز أَن يتَقَدَّم عَن الْمَشْرُوط والمقيد بِالصّفةِ يحمل عَلَيْهِ الْمُطلق كالرقبة قيدت بِالْإِيمَان فِي بعض الْمَوَاضِع وأطلقت فِي بعض الْمَوَاضِع فَيحمل الْمُطلق على الْمُقَيدوَيجوز تَخْصِيص الْكتاب بِالْكتاب وَتَخْصِيص الْكتاب وَتَخْصِيص الْكتاب بِالسنةِ وَتَخْصِيص السّنة بِالْكتاب وَتَخْصِيص السّنة بِالسنةِ وَتَخْصِيص النُّطْق بِالْقِيَاسِ ونعني بالنطق قَول الله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى وَقَول الرَّسُول صلى الله عَلَيْهِ وَسلم(1/17)5 - الْمُجْمل والمبينوالمجمل مَا افْتقر إِلَى الْبَيَان وَالْبَيَان إِخْرَاج الشَّيْء من حيّز الْإِشْكَال إِلَى حيّز التجليوَالنَّص مَا لَا يحْتَمل إِلَّا معنى وَاحِدًا وَقيل مَا تَأْوِيله تَنْزِيله وَهُوَ مُشْتَقّ من منصة الْعَرُوس وَهُوَ الْكُرْسِيّ(1/18)6 - الظَّاهِر والمؤولوَالظَّاهِر مَا احْتمل أَمريْن أَحدهمَا أظهر من الآخر ويؤول الظَّاهِر بِالدَّلِيلِ وَيُسمى الظَّاهِر بِالدَّلِيلِ(1/19)7 - الْأَفْعَالفعل صَاحب الشَّرِيعَة لَا يَخْلُو إِمَّا أَن يكون على وَجه الْقرْبَة وَالطَّاعَة أَو غير ذَلِكفَإِن دلّ دَلِيل على الِاخْتِصَاص بِهِ يحمل على الِاخْتِصَاص وَإِن لم يدل لَا يخصص بِهِ لِأَن الله تَعَالَى يَقُول {لقد كَانَ لكم فِي رَسُول الله أُسْوَة حَسَنَة}فَيحمل على الْوُجُوب عِنْد بعض أَصْحَابنَا وَمن بعض أَصْحَابنَا من قَالَ يحمل على النّدب وَمِنْهُم من قَالَ يتَوَقَّف عَنهُفَإِن كَانَ على وَجه غير الْقرْبَة وَالطَّاعَة فَيحمل على الْإِبَاحَة فِي حَقه وحقنا وَإِقْرَار صَاحب الشَّرِيعَة على القَوْل الصَّادِر من أحد هُوَ قَول صَاحب الشَّرِيعَة وَإِقْرَاره على الْفِعْل كَفِعْلِهِوَمَا فعل فِي وقته فِي غير مَجْلِسه وَعلم بِهِ وَلم يُنكره فَحكمه حكم مَا فعل فِي مَجْلِسه(1/20)8 - النّسخوَأما النّسخ فَمَعْنَاه لُغَة الْإِزَالَة وَقيل مَعْنَاهُ النَّقْل من قَوْلهم نسخت مَا فِي هَذَا الْكتاب أَي نقلتهوَحده هُوَ الْخطاب الدَّال على رفع الحكم الثَّابِت بِالْخِطَابِ الْمُتَقَدّم على وَجه لولاه لَكَانَ ثَابتا مَعَ تراخيه عَنهُوَيجوز نسخ الرَّسْم وَبَقَاء الحكم وَنسخ الحكم وَبَقَاء الرَّسْم(1/21)والنسخ إِلَى بدل وَإِلَى غير بدل وَإِلَى مَا هُوَ أغْلظ وَإِلَى مَا هُوَ أخفوَيجوز نسخ الْكتاب بِالْكتاب وَنسخ السّنة بِالْكتاب وَنسخ السّنة بِالسنةِوَيجوز نسخ الْمُتَوَاتر بالمتواتر مِنْهُمَا وَنسخ الْآحَاد بالآحاد وبالمتواتر وَلَا يجوز نسخ الْمُتَوَاتر بالآحاد(1/22)تَنْبِيه فِي التَّعَارُض إِذا تعَارض نطقان فَلَا يَخْلُو إِمَّا أَن يَكُونَا عَاميْنِ أَو خاصين أَو أَحدهمَا عَاما وَالْآخر خَاصّا أَو كل وَاحِد مِنْهُمَا عَاما من وَجه وخاصا من وَجهفَإِن كَانَا عَاميْنِ فَإِن أمكن الْجمع بَينهمَا جمع وَإِن لم يُمكن الْجمع بَينهمَا يتَوَقَّف فيهمَا إِن لم يعلم التَّارِيخ فَإِن علم التَّارِيخ ينْسَخ الْمُتَقَدّم بالمتأخر وَكَذَا إِذا كَانَا خاصينوَإِن كَانَ أَحدهمَا عَاما وَالْآخر خَاصّا فيخصص الْعَام بالخاص وَإِن كَانَ أَحدهمَا عَاما من وَجه وخاصا من وَجه فيخص عُمُوم كل وَاحِد مِنْهُمَا بِخُصُوص الآخر(1/23)9 - الْإِجْمَاعوَإِمَّا الْإِجْمَاع فَهُوَ اتِّفَاق عُلَمَاء الْعَصْر على حكم الْحَادِثَة ونعني بالعلماء الْفُقَهَاء ونعني بالحادثة الْحَادِثَة الشَّرْعِيَّةوَإِجْمَاع هَذِه الْأمة حجَّة دون غَيرهَا لقَوْله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم لاتجتمع أمتِي على ضَلَالَة وَالشَّرْع ورد بعصمة هَذِه الْأمةوَالْإِجْمَاع حجَّة على الْعَصْر الثَّانِي وَفِي أَي عصر كَانَ وَلَا يشْتَرط انْقِرَاض الْعَصْر على الصَّحِيحفَإِن قُلْنَا انْقِرَاض الْعَصْر شَرط فَيعْتَبر قَول من ولد فِي حياتهم وتفقه وَصَارَ من أهل الِاجْتِهَاد فَلهم أَن يرجِعوا عَن ذَلِك الحكموَالْإِجْمَاع يَصح بقَوْلهمْ وبفعلهم وَبقول الْبَعْض وبفعل الْبَعْض وانتشار ذَلِك وسكوت البَاقِينَ وَقَول الْوَاحِد من الصَّحَابَة لَيْسَ بِحجَّة على غَيره على القَوْل الْجَدِيد(1/24)10 - الْأَخْبَاروَأما الْأَخْبَار فَالْخَبَر مَا يدْخلهُ الصدْق وَالْكذب وَالْخَبَر يَنْقَسِم إِلَى قسمَيْنِ آحَاد ومتواترفالمتواتر مَا يُوجب الْعلم وَهُوَ أَن يرْوى جمَاعَة لَا يَقع التواطؤ على الْكَذِب من مثلهم إِلَى أَن يَنْتَهِي إِلَى الْمخبر عَنهُ وَيكون فِي الأَصْل عَن مُشَاهدَة أَو سَماع لَا عَن اجْتِهَادوالآحاد هُوَ الَّذِي يُوجب الْعَمَل وَلَا يُوجب الْعلم وينقسم إِلَى مُرْسل ومسندفَالْمُسْنَدُ مَا اتَّصل إِسْنَاده والمرسل مَا لم يتَّصل إِسْنَاده فَإِن كَانَ من مَرَاسِيل غير الصَّحَابَة فَلَيْسَ ذَلِك حجَّة إِلَّا مَرَاسِيل سعيد بن الْمسيب فَإِنَّهَا فتشت فَوجدت مسانيد عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلموالعنعنة تدخل على الْأَسَانِيد وَإِذا قَرَأَ الشَّيْخ يجوز للراوي أَن يَقُول حَدثنِي أَو أَخْبرنِي وَإِذا قَرَأَ هُوَ على الشَّيْخ فَيَقُول أَخْبرنِي وَلَا يَقُول حَدثنِي وَإِن أجَازه الشَّيْخ من غير قِرَاءَة فَيَقُول أجازني أَو أَخْبرنِي إجَازَة(1/25)11 - الْقيَاسوَأما الْقيَاس فَهُوَ رد الْفَرْع إِلَى الأَصْل بعلة تجمعهما فِي الحكم وَهُوَ يَنْقَسِم إِلَى ثَلَاثَة أَقسَام إِلَى قِيَاس عِلّة وَقِيَاس دلَالَة وَقِيَاس شبهفَقِيَاس الْعلَّة مَا كَانَت الْعلَّة فِيهِ مُوجبَة للْحكم وَقِيَاس الدّلَالَة هُوَ الِاسْتِدْلَال بِأحد النظيرين على الآخر وَهُوَ أَن تكون الْعلَّة دَالَّة على الحكم وَلَا تكون مُوجبَة للْحكموَقِيَاس الشّبَه هُوَ الْفَرْع المتردد بَين أصلين وَلَا يُصَار إِلَيْهِ مَعَ إِمْكَان مَا قبلهوَمن شَرط الْفَرْع أَن يكون مناسبا للْأَصْل وَمن شَرط الأَصْل أَن يكون ثَابتا بِدَلِيل مُتَّفق عَلَيْهِ بَين الْخَصْمَيْنِوَمن شَرط الْعلَّة أَن تطرد فِي معلولاتها فَلَا تنتفض لفظا وَلَا معنىوَمن شَرط الحكم أَن يكون مثل الْعلَّة فِي النَّفْي وَالْإِثْبَات أَي فِي الْوُجُود والعدم فَإِن وجدت الْعلَّة وجد الحكم وَالْعلَّة هِيَ الجالبة للْحكم(1/26)12 - الْحَظْر وَالْإِبَاحَةوَأما الْحَظْر وَالْإِبَاحَة فَمن النَّاس من يَقُول إِن الْأَشْيَاء على الْحَظْر إِلَّا مَا أباحته الشَّرِيعَة فَإِن لم يُوجد فِي الشَّرِيعَة مَا يدل على الْإِبَاحَة يتَمَسَّك بِالْأَصْلِ وَهُوَ الْحَظْروَمن النَّاس من يَقُول بضده وَهُوَ أَن الأَصْل فِي الْأَشْيَاء أَنَّهَا على الْإِبَاحَة إِلَّا مَا حظره الشَّرْع وَمعنى اسْتِصْحَاب الْحَال الَّذِي يحْتَج بِهِ أَن يستصحب الأَصْل عِنْد عدم الدَّلِيل الشَّرْعِيّ(1/27)13 - تَرْتِيب الْأَدِلَّةوَأما الْأَدِلَّة فَيقدم الْجَلِيّ مِنْهَا على الْخَفي والموجب للْعلم على الْمُوجب للظن والنطق على الْقيَاس وَالْقِيَاس الْجَلِيّ على الْخَفيفَإِن وجد فِي النُّطْق مَا يُفَسر الأَصْل يعْمل بالنطق وَإِلَّا فيستصحب الْحَال(1/28)14 - شُرُوط الْمُفْتِيوَمن شَرط الْمُفْتِي أَن يكون عَالما بالفقه أصلا وفرعا خلافًا ومذهبا وَأَن يكون كَامِل الْأَدِلَّة فِي الِاجْتِهَاد عَارِفًا بِمَا يحْتَج إِلَيْهِ فِي استنباط الْأَحْكَام وَتَفْسِير الْآيَات الْوَارِدَة فِي الْأَحْكَام وَالْأَخْبَار الْوَارِدَة فِيهَا(1/29)15 - شُرُوط المستفتيوَمن شُرُوط المستفتي أَن يكون من أهل التَّقْلِيد وَلَيْسَ للْعَالم أَن يُقَلّد والتقليد قبُول قَول الْقَائِل بِلَا حجَّةفعلى هَذَا قبُول قَول النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يُسمى تقليدا وَمِنْهُم من قَالَ التَّقْلِيد قبُول قَول الْقَائِل وَأَنت لَا تَدْرِي من أَيْن قَالَهفَإِن قُلْنَا إِن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم كَانَ يَقُول بِالْقِيَاسِ فَيجوز أَن يُسمى قبُول قَوْله تقليدا(1/30)16 - الِاجْتِهَادوَأما الِاجْتِهَاد فَهُوَ بذل الوسع فِي بُلُوغ الْغَرَض فالمجتهد إِن كَانَ كَامِل الْآلَة فِي الِاجْتِهَاد فِي الْفُرُوع فَأصَاب فَلهُ أَجْرَانِ وَإِن اجْتهد وَأَخْطَأ فَلهُ أجر وَاحِدوَمِنْهُم من قَالَ كل مُجْتَهد فِي الْفُرُوع مُصِيب وَلَا يجوز كل مُجْتَهد فِي الْأُصُول الكلامية مُصِيب لِأَن ذَلِك يُؤَدِّي إِلَى تصويب أهل الضَّلَالَة وَالْمَجُوس وَالْكفَّار والملحدين 3 وَدَلِيل من قَالَ لَيْسَ كل مُجْتَهد فِي الْفُرُوع مصيبا قَوْله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم من اجْتهد وَأصَاب فَلهُ أَجْرَانِ وَمن اجْتهد وَأَخْطَأ فَلهُ أجر وَاحِدوَوجه الدَّلِيل أَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم خطأ الْمُجْتَهد تَارَة وَصَوَّبَهُ أُخْرَى(1/31)الكتاب: الورقاتالمؤلف: عبد الملك بن عبد الله بن يوسف بن محمد الجويني، أبو المعالي، ركن الدين، الملقب بإمام الحرمين (المتوفى: 478هـ)عدد الأجزاء: 1بِسم الله الرَّحْمَن الرَّحِيممعنى أصُول الْفِقْههَذِه وَرَقَات تشْتَمل على فُصُول من أصُول الْفِقْه وَذَلِكَ مؤلف من جزأين مفردينفَالْأَصْل مَا بني عَلَيْهِ غَيره وَالْفرع مَا يبْنى على غَيرهوَالْفِقْه معرفَة الْأَحْكَام الشَّرْعِيَّة الَّتِي طريقها الِاجْتِهَاد(1/7)أَنْوَاع الحكموَالْأَحْكَام سَبْعَة الْوَاجِب وَالْمَنْدُوب والمباح والمحظور وَالْمَكْرُوه وَالصَّحِيح وَالْبَاطِلفَالْوَاجِب مَا يُثَاب على فعله ويعاقب على تَركهوَالْمَنْدُوب مَا يُثَاب على فعله وَلَا يُعَاقب على تَركهوالمباح مَا لَا يُثَاب على فعله وَلَا يُعَاقب على تَركهوالمحظور مَا يُثَاب على تَركه ويعاقب على فعلهوَالْمَكْرُوه مَا يُثَاب على تَركه وَلَا يُعَاقب على فعلهوَالصَّحِيح مَا يتَعَلَّق بِهِ النّفُوذ ويعتد بِهِوَالْبَاطِل مَا لَا يتَعَلَّق بِهِ النّفُوذ وَلَا يعْتد بِهِ(1/8)الْفرق بَين الْفِقْه وَالْعلم وَالظَّن وَالشَّكّوَالْفِقْه أخص من الْعلم وَالْعلم معرفَة الْمَعْلُوم على مَا هُوَ بِهِ وَالْجهل تصور الشَّيْء على خلاف مَا هُوَ بِهِوَالْعلم الضَّرُورِيّ مَا لم يَقع عَن نظر واستدلال كَالْعلمِ الْوَاقِع بِإِحْدَى الْحَواس الْخمس الَّتِي هِيَ السّمع وَالْبَصَر والشم والذوق واللمس أَو التَّوَاتُروَأما الْعلم المكتسب فَهُوَ الْمَوْقُوف على النّظر وَالِاسْتِدْلَال وَالنَّظَر هُوَ الْفِكر فِي حَال المنظور فِيهِ وَالِاسْتِدْلَال طلب الدَّلِيل وَالدَّلِيل هُوَ المرشد إِلَى الْمَطْلُوب لِأَنَّهُ عَلامَة عَلَيْهِوَالظَّن تَجْوِيز أَمريْن أَحدهمَا أظهر من الآخروَالشَّكّ تَجْوِيز أَمريْن لَا مزية لأَحَدهمَا على الآخروَعلم أصُول الْفِقْه طرقه على سَبِيل الْإِجْمَال وَكَيْفِيَّة الِاسْتِدْلَال بهَا(1/9)أَبْوَاب أصُول الْفِقْهوأبواب أصُول الْفِقْه أَقسَام الْكَلَام وَالْأَمر وَالنَّهْي وَالْعَام وَالْخَاص والمجمل والمبين وَالظَّاهِر والمؤول وَالْأَفْعَال والناسخ والمنسوخ وَالْإِجْمَاع وَالْأَخْبَار وَالْقِيَاس والحظر وَالْإِبَاحَة وترتيب الْأَدِلَّة وَصفَة الْمُفْتى والمستفتى وَأَحْكَام الْمُجْتَهدين(1/10)أَقسَام الْكَلَامفَأَما أَقسَام الْكَلَام فَأَقل مَا يتركب مِنْهُ الْكَلَام اسمان أَو اسْم وَفعل أَو فعل وحرف أَو اسْم وحرفوَالْكَلَام يَنْقَسِم إِلَى أَمر وَنهي وَخبر واستخبار وينقسم أَيْضا إِلَى تمن وَعرض وَقسموَمن وَجه آخر يَنْقَسِم إِلَى حَقِيقَة ومجاز فالحقيقة مَا بَقِي فِي الِاسْتِعْمَال على مَوْضُوعه وَقيل مَا اسْتعْمل فِيمَا اصْطلحَ عَلَيْهِ من المخاطبةوَالْمجَاز مَا تجوز عَن مَوْضُوعه والحقيقة إِمَّا لغوية وَإِمَّا شَرْعِيَّة وَإِمَّا عرفيةوَالْمجَاز إِمَّا أَن يكون بِزِيَادَة أَو نُقْصَان أَو نقل أَو اسْتِعَارَة(1/11)فالمجاز بِالزِّيَادَةِ مثل قَوْله تَعَالَى {لَيْسَ كمثله شَيْء}وَالْمجَاز بِالنُّقْصَانِ مثل قَوْله تَعَالَى {واسأل الْقرْيَة}وَالْمجَاز بِالنَّقْلِ كالغائط فِيمَا يخرج من الْإِنْسَان وَالْمجَاز بالاستعارة كَقَوْلِه تَعَالَى {جدارا يُرِيد أَن ينْقض}(1/12)2 - الْأَمروَالْأَمر استدعاء الْفِعْل بالْقَوْل مِمَّن هُوَ دونه على سَبِيل الْوُجُوبوصيغته افْعَل وَهِي عِنْد الْإِطْلَاق والتجرد عَن الْقَرِينَة تحمل عَلَيْهِ إِلَّا مَا دلّ الدَّلِيل على أَن المُرَاد مِنْهُ النّدب أَو الْإِبَاحَة وَلَا تَقْتَضِي التّكْرَار على الصَّحِيح إِلَّا مَا دلّ الدَّلِيل على قصد التّكْرَار وَلَا تقتضى الْفَوْروَالْأَمر بإيجاد الْفِعْل أَمر بِهِ وَبِمَا لَا يتم الْفِعْل إِلَّا بِهِ كالأمر بِالصَّلَاةِ فَإِنَّهُ أَمر بِالطَّهَارَةِ المؤدية إِلَيْهَا وَإِذا فعل يخرج الْمَأْمُور عَن الْعهْدَة(1/13)تَنْبِيه من يدْخل فِي الْأَمر وَالنَّهْي وَمن لَا يدْخل يدْخل فِي خطاب الله تَعَالَى الْمُؤْمِنُونَ وَأما الساهي وَالصَّبِيّ وَالْمَجْنُون فهم غير داخلين فِي الْخطابوَالْكفَّار مخاطبون بِفُرُوع الشَّرِيعَة وَبِمَا لَا تصح إِلَّا بِهِ وَهُوَ الْإِسْلَام لقَوْله تَعَالَى {مَا سلككم فِي سقر قَالُوا لم نك من الْمُصَلِّين}وَالْأَمر بالشَّيْء نهي عَن ضِدّه وَالنَّهْي عَن الشَّيْء أَمر بضده(1/14)3 - النَّهْيوَالنَّهْي استدعاء التّرْك بالْقَوْل مِمَّن هُوَ دونه على سَبِيل الْوُجُوب وَيدل على فَسَاد الْمنْهِي عَنهُوَترد صِيغَة الْأَمر وَالْمرَاد بِهِ الْإِبَاحَة أَو التهديد أَو التَّسْوِيَة أَو التكوين(1/15)4 - الْعَام وَالْخَاصوَأما الْعَام فَهُوَ مَا عَم شَيْئَيْنِ فَصَاعِدا من قَوْله عممت زيدا وعمرا بالعطاء وعممت جَمِيع النَّاس بالعطاءوألفاظ أَرْبَعَة الِاسْم الْوَاحِد الْمُعَرّف بِالْألف وَاللَّام وَاسم الْجمع الْمُعَرّف بِاللَّامِ والأسماء المبهمة ك من فِيمَن يعقل وَمَا فِيمَا لَا يعقل وَأي فِي الْجَمِيع وَأَيْنَ فِي الْمَكَان وَمَتى فِي الزَّمَان وَمَا فِي الِاسْتِفْهَام وَالْجَزَاء وَغَيره وَلَا فِي النكراتوالعموم من صِفَات النُّطْق وَلَا يجوز دَعْوَى الْعُمُوم فِي غَيره من الْفِعْل وَمَا يجْرِي مجْرَاهوَالْخَاص يُقَابل الْعَام والتخصيص تَمْيِيز بعض الْجُمْلَة وَهُوَ يَنْقَسِم إِلَى مُتَّصِل ومنفصلفالمتصل الِاسْتِثْنَاء وَالتَّقْيِيد بِالشّرطِ وَالتَّقْيِيد بِالصّفةِوَالِاسْتِثْنَاء إِخْرَاج مَا لولاه لدخل فِي الْكَلَام وَإِنَّمَا يَصح بِشَرْط أَن يبْقى من المشتثنى مِنْهُ شَيْء وَمن شَرطه أَن يكون مُتَّصِلا بالْكلَاموَيجوز تَقْدِيم الِاسْتِثْنَاء على الْمُسْتَثْنى مِنْهُ وَيجوز الِاسْتِثْنَاء من الْجِنْس وَمن غَيره(1/16)وَالشّرط يجوز أَن يتَأَخَّر عَن الْمَشْرُوط وَيجوز أَن يتَقَدَّم عَن الْمَشْرُوط والمقيد بِالصّفةِ يحمل عَلَيْهِ الْمُطلق كالرقبة قيدت بِالْإِيمَان فِي بعض الْمَوَاضِع وأطلقت فِي بعض الْمَوَاضِع فَيحمل الْمُطلق على الْمُقَيدوَيجوز تَخْصِيص الْكتاب بِالْكتاب وَتَخْصِيص الْكتاب وَتَخْصِيص الْكتاب بِالسنةِ وَتَخْصِيص السّنة بِالْكتاب وَتَخْصِيص السّنة بِالسنةِ وَتَخْصِيص النُّطْق بِالْقِيَاسِ ونعني بالنطق قَول الله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى وَقَول الرَّسُول صلى الله عَلَيْهِ وَسلم(1/17)5 - الْمُجْمل والمبينوالمجمل مَا افْتقر إِلَى الْبَيَان وَالْبَيَان إِخْرَاج الشَّيْء من حيّز الْإِشْكَال إِلَى حيّز التجليوَالنَّص مَا لَا يحْتَمل إِلَّا معنى وَاحِدًا وَقيل مَا تَأْوِيله تَنْزِيله وَهُوَ مُشْتَقّ من منصة الْعَرُوس وَهُوَ الْكُرْسِيّ(1/18)6 - الظَّاهِر والمؤولوَالظَّاهِر مَا احْتمل أَمريْن أَحدهمَا أظهر من الآخر ويؤول الظَّاهِر بِالدَّلِيلِ وَيُسمى الظَّاهِر بِالدَّلِيلِ(1/19)7 - الْأَفْعَالفعل صَاحب الشَّرِيعَة لَا يَخْلُو إِمَّا أَن يكون على وَجه الْقرْبَة وَالطَّاعَة أَو غير ذَلِكفَإِن دلّ دَلِيل على الِاخْتِصَاص بِهِ يحمل على الِاخْتِصَاص وَإِن لم يدل لَا يخصص بِهِ لِأَن الله تَعَالَى يَقُول {لقد كَانَ لكم فِي رَسُول الله أُسْوَة حَسَنَة}فَيحمل على الْوُجُوب عِنْد بعض أَصْحَابنَا وَمن بعض أَصْحَابنَا من قَالَ يحمل على النّدب وَمِنْهُم من قَالَ يتَوَقَّف عَنهُفَإِن كَانَ على وَجه غير الْقرْبَة وَالطَّاعَة فَيحمل على الْإِبَاحَة فِي حَقه وحقنا وَإِقْرَار صَاحب الشَّرِيعَة على القَوْل الصَّادِر من أحد هُوَ قَول صَاحب الشَّرِيعَة وَإِقْرَاره على الْفِعْل كَفِعْلِهِوَمَا فعل فِي وقته فِي غير مَجْلِسه وَعلم بِهِ وَلم يُنكره فَحكمه حكم مَا فعل فِي مَجْلِسه(1/20)8 - النّسخوَأما النّسخ فَمَعْنَاه لُغَة الْإِزَالَة وَقيل مَعْنَاهُ النَّقْل من قَوْلهم نسخت مَا فِي هَذَا الْكتاب أَي نقلتهوَحده هُوَ الْخطاب الدَّال على رفع الحكم الثَّابِت بِالْخِطَابِ الْمُتَقَدّم على وَجه لولاه لَكَانَ ثَابتا مَعَ تراخيه عَنهُوَيجوز نسخ الرَّسْم وَبَقَاء الحكم وَنسخ الحكم وَبَقَاء الرَّسْم(1/21)والنسخ إِلَى بدل وَإِلَى غير بدل وَإِلَى مَا هُوَ أغْلظ وَإِلَى مَا هُوَ أخفوَيجوز نسخ الْكتاب بِالْكتاب وَنسخ السّنة بِالْكتاب وَنسخ السّنة بِالسنةِوَيجوز نسخ الْمُتَوَاتر بالمتواتر مِنْهُمَا وَنسخ الْآحَاد بالآحاد وبالمتواتر وَلَا يجوز نسخ الْمُتَوَاتر بالآحاد(1/22)تَنْبِيه فِي التَّعَارُض إِذا تعَارض نطقان فَلَا يَخْلُو إِمَّا أَن يَكُونَا عَاميْنِ أَو خاصين أَو أَحدهمَا عَاما وَالْآخر خَاصّا أَو كل وَاحِد مِنْهُمَا عَاما من وَجه وخاصا من وَجهفَإِن كَانَا عَاميْنِ فَإِن أمكن الْجمع بَينهمَا جمع وَإِن لم يُمكن الْجمع بَينهمَا يتَوَقَّف فيهمَا إِن لم يعلم التَّارِيخ فَإِن علم التَّارِيخ ينْسَخ الْمُتَقَدّم بالمتأخر وَكَذَا إِذا كَانَا خاصينوَإِن كَانَ أَحدهمَا عَاما وَالْآخر خَاصّا فيخصص الْعَام بالخاص وَإِن كَانَ أَحدهمَا عَاما من وَجه وخاصا من وَجه فيخص عُمُوم كل وَاحِد مِنْهُمَا بِخُصُوص الآخر(1/23)9 - الْإِجْمَاعوَإِمَّا الْإِجْمَاع فَهُوَ اتِّفَاق عُلَمَاء الْعَصْر على حكم الْحَادِثَة ونعني بالعلماء الْفُقَهَاء ونعني بالحادثة الْحَادِثَة الشَّرْعِيَّةوَإِجْمَاع هَذِه الْأمة حجَّة دون غَيرهَا لقَوْله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم لاتجتمع أمتِي على ضَلَالَة وَالشَّرْع ورد بعصمة هَذِه الْأمةوَالْإِجْمَاع حجَّة على الْعَصْر الثَّانِي وَفِي أَي عصر كَانَ وَلَا يشْتَرط انْقِرَاض الْعَصْر على الصَّحِيحفَإِن قُلْنَا انْقِرَاض الْعَصْر شَرط فَيعْتَبر قَول من ولد فِي حياتهم وتفقه وَصَارَ من أهل الِاجْتِهَاد فَلهم أَن يرجِعوا عَن ذَلِك الحكموَالْإِجْمَاع يَصح بقَوْلهمْ وبفعلهم وَبقول الْبَعْض وبفعل الْبَعْض وانتشار ذَلِك وسكوت البَاقِينَ وَقَول الْوَاحِد من الصَّحَابَة لَيْسَ بِحجَّة على غَيره على القَوْل الْجَدِيد(1/24)10 - الْأَخْبَاروَأما الْأَخْبَار فَالْخَبَر مَا يدْخلهُ الصدْق وَالْكذب وَالْخَبَر يَنْقَسِم إِلَى قسمَيْنِ آحَاد ومتواترفالمتواتر مَا يُوجب الْعلم وَهُوَ أَن يرْوى جمَاعَة لَا يَقع التواطؤ على الْكَذِب من مثلهم إِلَى أَن يَنْتَهِي إِلَى الْمخبر عَنهُ وَيكون فِي الأَصْل عَن مُشَاهدَة أَو سَماع لَا عَن اجْتِهَادوالآحاد هُوَ الَّذِي يُوجب الْعَمَل وَلَا يُوجب الْعلم وينقسم إِلَى مُرْسل ومسندفَالْمُسْنَدُ مَا اتَّصل إِسْنَاده والمرسل مَا لم يتَّصل إِسْنَاده فَإِن كَانَ من مَرَاسِيل غير الصَّحَابَة فَلَيْسَ ذَلِك حجَّة إِلَّا مَرَاسِيل سعيد بن الْمسيب فَإِنَّهَا فتشت فَوجدت مسانيد عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلموالعنعنة تدخل على الْأَسَانِيد وَإِذا قَرَأَ الشَّيْخ يجوز للراوي أَن يَقُول حَدثنِي أَو أَخْبرنِي وَإِذا قَرَأَ هُوَ على الشَّيْخ فَيَقُول أَخْبرنِي وَلَا يَقُول حَدثنِي وَإِن أجَازه الشَّيْخ من غير قِرَاءَة فَيَقُول أجازني أَو أَخْبرنِي إجَازَة(1/25)11 - الْقيَاسوَأما الْقيَاس فَهُوَ رد الْفَرْع إِلَى الأَصْل بعلة تجمعهما فِي الحكم وَهُوَ يَنْقَسِم إِلَى ثَلَاثَة أَقسَام إِلَى قِيَاس عِلّة وَقِيَاس دلَالَة وَقِيَاس شبهفَقِيَاس الْعلَّة مَا كَانَت الْعلَّة فِيهِ مُوجبَة للْحكم وَقِيَاس الدّلَالَة هُوَ الِاسْتِدْلَال بِأحد النظيرين على الآخر وَهُوَ أَن تكون الْعلَّة دَالَّة على الحكم وَلَا تكون مُوجبَة للْحكموَقِيَاس الشّبَه هُوَ الْفَرْع المتردد بَين أصلين وَلَا يُصَار إِلَيْهِ مَعَ إِمْكَان مَا قبلهوَمن شَرط الْفَرْع أَن يكون مناسبا للْأَصْل وَمن شَرط الأَصْل أَن يكون ثَابتا بِدَلِيل مُتَّفق عَلَيْهِ بَين الْخَصْمَيْنِوَمن شَرط الْعلَّة أَن تطرد فِي معلولاتها فَلَا تنتفض لفظا وَلَا معنىوَمن شَرط الحكم أَن يكون مثل الْعلَّة فِي النَّفْي وَالْإِثْبَات أَي فِي الْوُجُود والعدم فَإِن وجدت الْعلَّة وجد الحكم وَالْعلَّة هِيَ الجالبة للْحكم(1/26)12 - الْحَظْر وَالْإِبَاحَةوَأما الْحَظْر وَالْإِبَاحَة فَمن النَّاس من يَقُول إِن الْأَشْيَاء على الْحَظْر إِلَّا مَا أباحته الشَّرِيعَة فَإِن لم يُوجد فِي الشَّرِيعَة مَا يدل على الْإِبَاحَة يتَمَسَّك بِالْأَصْلِ وَهُوَ الْحَظْروَمن النَّاس من يَقُول بضده وَهُوَ أَن الأَصْل فِي الْأَشْيَاء أَنَّهَا على الْإِبَاحَة إِلَّا مَا حظره الشَّرْع وَمعنى اسْتِصْحَاب الْحَال الَّذِي يحْتَج بِهِ أَن يستصحب الأَصْل عِنْد عدم الدَّلِيل الشَّرْعِيّ(1/27)13 - تَرْتِيب الْأَدِلَّةوَأما الْأَدِلَّة فَيقدم الْجَلِيّ مِنْهَا على الْخَفي والموجب للْعلم على الْمُوجب للظن والنطق على الْقيَاس وَالْقِيَاس الْجَلِيّ على الْخَفيفَإِن وجد فِي النُّطْق مَا يُفَسر الأَصْل يعْمل بالنطق وَإِلَّا فيستصحب الْحَال(1/28)14 - شُرُوط الْمُفْتِيوَمن شَرط الْمُفْتِي أَن يكون عَالما بالفقه أصلا وفرعا خلافًا ومذهبا وَأَن يكون كَامِل الْأَدِلَّة فِي الِاجْتِهَاد عَارِفًا بِمَا يحْتَج إِلَيْهِ فِي استنباط الْأَحْكَام وَتَفْسِير الْآيَات الْوَارِدَة فِي الْأَحْكَام وَالْأَخْبَار الْوَارِدَة فِيهَا(1/29)15 - شُرُوط المستفتيوَمن شُرُوط المستفتي أَن يكون من أهل التَّقْلِيد وَلَيْسَ للْعَالم أَن يُقَلّد والتقليد قبُول قَول الْقَائِل بِلَا حجَّةفعلى هَذَا قبُول قَول النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يُسمى تقليدا وَمِنْهُم من قَالَ التَّقْلِيد قبُول قَول الْقَائِل وَأَنت لَا تَدْرِي من أَيْن قَالَهفَإِن قُلْنَا إِن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم كَانَ يَقُول بِالْقِيَاسِ فَيجوز أَن يُسمى قبُول قَوْله تقليدا(1/30)16 - الِاجْتِهَادوَأما الِاجْتِهَاد فَهُوَ بذل الوسع فِي بُلُوغ الْغَرَض فالمجتهد إِن كَانَ كَامِل الْآلَة فِي الِاجْتِهَاد فِي الْفُرُوع فَأصَاب فَلهُ أَجْرَانِ وَإِن اجْتهد وَأَخْطَأ فَلهُ أجر وَاحِدوَمِنْهُم من قَالَ كل مُجْتَهد فِي الْفُرُوع مُصِيب وَلَا يجوز كل مُجْتَهد فِي الْأُصُول الكلامية مُصِيب لِأَن ذَلِك يُؤَدِّي إِلَى تصويب أهل الضَّلَالَة وَالْمَجُوس وَالْكفَّار والملحدين 3 وَدَلِيل من قَالَ لَيْسَ كل مُجْتَهد فِي الْفُرُوع مصيبا قَوْله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم من اجْتهد وَأصَاب فَلهُ أَجْرَانِ وَمن اجْتهد وَأَخْطَأ فَلهُ أجر وَاحِدوَوجه الدَّلِيل أَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم خطأ الْمُجْتَهد تَارَة وَصَوَّبَهُ أُخْرَى(1/31)