عدد الزوار 255 التاريخ 15/08/2020
الكتاب: التقرير والتحبيرالمؤلف: أبو عبد الله، شمس الدين محمد بن محمد بن محمد المعروف بابن أمير حاج ويقال له ابن الموقت الحنفي (المتوفى: 879هـ)عدد الأجزاء: 3
لِشَيْءٍ (فِي غَيْرِهِ) أَيْ غَيْرِ ذَلِكَ الْأَمْرِ أَيْضًا فَهُوَ مُتَعَلِّقٌ بِثَبَتَ (كَانَ) غَيْرُ ذَلِكَ الْأَمْرِ (فِي مِثْلِهِ) أَيْ ذَلِكَ الشَّيْءِ (عِلَّةً وَشَرْطًا) بِوَاسِطَةِ تَحَقُّقِ مَنَاطِهِمَا فِي غَيْرِ ذَلِكَ الْأَمْرِ (لِانْتِفَاءِ التَّحَكُّمِ) اللَّازِمِ مِنْ تَقْدِيرِ جَعْلِ بَعْضِ أَفْرَادِ مَا تَحَقَّقَ فِيهِ الْمَنَاطُ لِعِلِّيَّةِ حُكْمٍ أَوْ شَرْطِيَّتِهِ عِلَّةً أَوْ شَرْطًا دُونَ الْبَعْضِ الْآخَرِ الْمُتَحَقِّقِ فِيهِ ذَلِكَ أَيْضًا لِتَسَاوِيهِمَا فِي الصَّلَاحِيَّةِ وَارْتِفَاعِ الْمَانِعِ مِنْ ذَلِكَ وَالتَّحَكُّمُ اللَّازِمُ مِنْ جَعْلِ الْقِيَاسِ مُظْهِرًا لِثُبُوتِ حُكْمٍ شَرْعِيٍّ لَيْسَ بِعِلِّيَّةٍ وَلَا شَرْطِيَّةٍ فِي فَرْعٍ بِطَرِيقِ التَّعَدِّيَةِ إلَيْهِ مِنْ أَصْلٍ فِي الشَّرْعِ ثَابِتٍ فِيهِ ذَلِكَ بِطَرِيقِهِ غَيْرَ مُظْهِرٍ لِثُبُوتِ حُكْمٍ شَرْعِيٍّ هُوَ عِلِّيَّةُ شَيْءٍ أَوْ شَرْطِيَّتُهُ لِآخَرَ فِي مَحَلٍّ بِطَرِيقِ التَّعَدِّيَةِ إلَيْهِ مِنْ أَصْلٍ فِي الشَّرْعِ ثَابِتٍ فِيهِ ذَلِكَ بِطَرِيقِهِ لِتَسَاوِيهِمَا فِي الصَّلَاحِيَّةِ وَارْتِفَاعِ الْمَانِعِ مِنْ ذَلِكَ (وَالْخِلَافُ فِي الْمَذْهَبَيْنِ) الْحَنَفِيِّ وَالشَّافِعِيِّ (شَهِيرٌ فِيهِ) أَيْ فِي هَذَا الْأَخِيرِ (فَفَخْرُ الْإِسْلَامِ وَأَتْبَاعُهُ) وَصَدْرُ الشَّرِيعَةِ (وَصَاحِبُ الْمِيزَانِ) وَعَزَاهُ إلَى مَشَايِخِنَا أَيْضًا (وَطَائِفَةٌ مِنْ الشَّافِعِيَّةِ) بَلْ أَكْثَرُهُمْ عَلَى مَا ذَكَرَ الْآمِدِيُّ (نَعَمْ) يُعَلَّلُ لِإِثْبَاتِ الْعِلِّيَّةِ وَالشَّرْطِيَّةِ (وَوُجِدَ) ذَلِكَ أَيْضًا (وَهُوَ الْخِلَافُ فِي اشْتِرَاطِ التَّقَابُضِ فِي بَيْعِ الطَّعَامِ) الْمُعَيَّنِ (بِالطَّعَامِ الْمُعَيَّنِ لِأَنَّهُ وُجِدَ لِإِثْبَاتِهِ) أَيْ اشْتِرَاطِ التَّقَابُضِ فِي هَذَا الْبَيْعِ كَمَا ذَهَبَ إلَيْهِ أَصْحَابُنَا (أَصْلٌ هُوَ الصَّرْفُ) فَإِنَّ التَّقَابُضَ فِيهِ شَرْطٌ (بِجَامِعِ أَنَّهُمَا.) أَيْ الْبَدَلَيْنِ فِيهِمَا (مَالَانِ يَجْرِي فِيهِمَا رِبَا الْفَضْلِ وَلِنَفْيِهِ) أَيْ اشْتِرَاطِ التَّقَابُضِ فِيهِ كَمَا ذَهَبَ إلَيْهِ الشَّافِعِيُّ (أَصْلٌ) هُوَ (بَيْعُ سَائِرِ السِّلَعِ بِمِثْلِهَا أَوْ بِالدَّرَاهِمِ) لِأَنَّهُ لَا يُشْتَرَطُ فِيهِ التَّقَابُضُ (وَقِيلَ لَا) يُعَلَّلُ لِإِثْبَاتِ الْعِلِّيَّةِ وَالشَّرْطِيَّةِ وَهُوَ قَوْلُ كَثِيرٍ مِنْ الْحَنَفِيَّةِ كَالْقَاضِي أَبِي زَيْدٍ وَشَمْسِ الْأَئِمَّةِ السَّرَخْسِيِّ وَمِنْ الشَّافِعِيَّةِ كَالْآمِدِيِّ وَالْبَيْضَاوِيِّ وَفِي الْمَحْصُولِ أَنَّهُ الْمَشْهُورُ وَاخْتَارَهُ ابْنُ الْحَاجِبِ (لِأَنَّهُ لَمْ يُثْبِتْ) مَنَاطَ شَرْطِيَّةِ التَّقَابُضِ (كَذَلِكَ) أَيْ فِي الصَّرْفِ ثُمَّ وُجِدَتْ فِي بَيْعِ الطَّعَامِ (قِيلَ وَلَوْ ثَبَتَ) مَنَاطُ عِلِّيَّةِ أَمْرٍ لِحُكْمٍ فِي غَيْرِ ذَلِكَ الْأَمْرِ أَيْضًا (كَانَ السَّبَبُ) لِذَلِكَ الْحُكْمِ (ذَلِكَ الْمَنَاطُ الْمُشْتَرَكُ بَيْنَهُمَا إنْ انْضَبَطَ) وَكَانَ ظَاهِرًا (وَإِلَّا) أَيْ وَإِنْ لَمْ يَنْضَبِطْ وَلَمْ يَكُنْ ظَاهِرًا (فَمَظِنَّتُهُ) أَيْ الْوَصْفُ الظَّاهِرُ الْمُنْضَبِطُ الَّذِي ضُبِطَ هُوَ بِهِ (إنْ كَانَ) أَيْ وُجِدَ وَأَيًّا مَا كَانَ فَقَدْ اتَّحَدَ الْحُكْمُ وَالسَّبَبُ وَحِينَئِذٍ فَلَا قِيَاسَ (وَمَا يُخَالُ) أَيْ يُظَنُّ (أَصْلًا وَفَرْعًا) أَنَّهُمَا هُمَا (فَرْدَاهُ) أَيْ الْمَنَاطُ الْمَذْكُورُ (كَمَا لَوْ ثَبَتَ عِلِّيَّةُ الْوِقَاعِ) عَمْدًا مِنْ الْمُكَلَّفِ الصَّحِيحِ الْمُقِيمِ فِي نَهَارِ رَمَضَانَ (لِلْكَفَّارَةِ لِاشْتِمَالِهِ عَلَى الْجِنَايَةِ الْمُتَكَامِلَةِ عَلَى صَوْمِ رَمَضَانَ) وَهِيَ هَتْكُ حُرْمَتِهِ (فَهِيَ) أَيْ الْجِنَايَةُ الْمُتَكَامِلَةُ عَلَيْهِ (الْعِلَّةُ) لِلْكَفَّارَةِ (وَكُلٌّ مِنْ الْأَكْلِ) وَالشُّرْبِ (وَالْجِمَاعِ) فِيهِ مِنْ الْمُكَلَّفِ الصَّحِيحِ الْمُقِيمِ عَمْدًا بِلَا عُذْرٍ مُبِيحٍ لِلْفِطْرِ (صُوَرُ وُجُودِهِ) أَيْ هَذَا الْمَعْنَى الَّذِي هُوَ الْعِلَّةُ لِتَحَقُّقِ هَتْكِ حُرْمَةِ الصَّوْمِ بِكُلٍّ مِنْهَا (وَكَعِلِّيَّةِ الْقَتْلِ بِالْمُثْقَلِ عَلَيْهِ) أَيْ الْقَتْلُ (بِالسَّيْفِ) لِلْقِصَاصِ إذْ ثَبَتَ أَنَّهَا أَيْ عِلَّةَ الْقِصَاصِ الْقَتْلُ الْعَمْدُ الْعِدْوَانُ (فَالْمُثْقَلُ) أَيْ فَالْقَتْلُ بِهِ (مِنْ مَحَالِّهِ) أَيْ مِنْ مَنَاطِ الْقِصَاصِ (وَقَدْ يُخَالُ عَدَمُ التَّوَارُدِ) لِهَذَا الْخِلَافِ عَلَى مَحَلٍّ وَاحِدٍ (فَالْأَوَّلُ) أَيْ الْقَوْلُ بِجَوَازِ التَّعَدِّيَةِ فِي الْعِلِّيَّةِ مَعْنَاهُ (تَعَدِّي عِلِّيَّةِ الْوَاحِدِ لِشَيْءٍ) أَيْ الْحُكْمُ (إلَى شَيْءٍ آخَرَ) فَيَكُونُ ذَلِكَ الشَّيْءُ الْآخَرُ عِلَّةً لِذَلِكَ الْحُكْمِ كَمَا كَانَ ذَلِكَ عِلَّةً لَهُ أَيْضًا فَتَتَعَدَّدُ الْعِلَّةُ وَيَتَّحِدُ الْحُكْمُ (وَالثَّانِي) أَيْ الْقَوْلُ بِعَدَمِ جَوَازِ التَّعَدِّيَةِ فِي الْعِلِّيَّةِ مَعْنَاهُ (تَعَدِّي عِلِّيَّتِهِ) أَيْ الشَّيْءُ الْوَاحِدُ لِحُكْمٍ (إلَى) شَيْءٍ (آخَرَ لِآخَرَ) أَيْ لِحُكْمٍ آخَرَ فَيَكُونُ الشَّيْءُ الْآخَرُ الْمُعَدَّى إلَيْهِ عِلَّةً لِحُكْمٍ آخَرَ فَيَتَعَدَّدُ الْعِلَّةُ وَالْحُكْمُ هَذَا مَا يَظْهَرُ مِنْ الْعِبَارَةِ بَعْدَ التَّأَمُّلِ (وَلِقَائِلٍ أَنْ يَقُولَ) كَوْنُ مَعْنَى الْأَوَّلِ مَا ذَكَرَ ظَاهِرٌ وَأَمَّا أَنَّ مَعْنَى الثَّانِي مَا ذَكَرَ فَلَا بَلْ كُلٌّ مِنْ الْعِلَّةِ وَالْحُكْمِ فِيهِ مُتَّحِدٌ لِلِاتِّحَادِ فِي النَّوْعِ وَلَا عِبْرَةَ لِلتَّغَايُرِ بِحَسَبِ الشَّخْصِ وَمَعْلُومٌ أَنَّ هَذَا مِنْ أَفْرَادِ الْقِيَاسِ الْمُتَّفَقِ عَلَيْهِ فَلَا يَتَأَتَّى إنْكَارُهُ مِنْ قَائِلٍ بِهِ كَمَا أَنَّ الْمَعْنَى الثَّانِيَ فِي حَدِّ ذَاتِهِ لَا قَائِلَ بِهِ فِيمَا يَظْهَرُ فَالنِّزَاعُ إنَّمَا هُوَ فِي الْمَعْنَى الْأَوَّلِ فَلْيُتَأَمَّلْ (وَمِمَّنْ أَنْكَرَهُ) أَيْ جَرَيَانَ الْقِيَاسِ فِي السَّبَبِ أَيْ الْعِلَّةِ (مَنْ اعْتَرَفَ بِقِيَاسِ أَنْتِ حَرَامٌ) فِي إثْبَاتِهِ الطَّلَاقَ بَائِنًا (عَلَى طَالِقٍ بَائِنٍ وَهُوَ) أَيْ هَذَا الْقِيَاسُ قِيَاسٌ (فِي السَّبَبِ) فَهُوَ بِهَذَا(3/239)مُنَاقِضٌ نَفْسَهُ فِي الْمَنْعِ حِينَئِذٍ (وَقِيلَ لَا خِلَافَ فِي هَذَا) أَيْ فِي أَنَّهُ إذَا ثَبَتَ عِلِّيَّةُ شَيْءٍ لِحُكْمٍ بِنَاءً عَلَى مَعْنًى صَالِحٍ لِتَعْلِيلِ ذَلِكَ الْحُكْمِ بِهِ بِأَنْ يَكُونَ مُؤَثِّرًا أَوْ مُلَائِمًا وَوُجِدَ فِي غَيْرِ ذَلِكَ الشَّيْءِ ذَلِكَ الْمَعْنَى الْمُؤَثِّرُ أَوْ الْمُلَائِمُ يَكُونُ ذَلِكَ الشَّيْءُ الْآخَرُ عِلَّةً لِذَلِكَ الْحُكْمِ ثُمَّ لَا يَكُونُ هَذَا مِنْ إثْبَاتِ الْعِلَّةِ بِالْقِيَاسِ لِأَنَّ الْعِلَّةَ بِالْحَقِيقَةِ ذَلِكَ الْمَعْنَى الْمُشْتَرَكِ بَيْنَ الشَّيْئَيْنِ وَقَدْ تَثْبُتُ عِلِّيَّتُهُ بِمَا هُوَ مِنْ مَسَالِكِ الْعِلَّةِ فَتَكُونُ الْعِلَّةُ شَيْئًا وَاحِدًا لَهُ تَعَدُّدٌ بِاعْتِبَارِ الْمَحَلِّ (بَلْ) الْخِلَافُ (فِيمَا إذَا كَانَتْ) عِلِّيَّةُ ذَلِكَ الْوَصْفِ لِلْحُكْمِ (لِمُجَرَّدِ مُنَاسَبَتِهَا) أَيْ الْعِلَّةِ الْحُكْمَ فِي الْفَرْعِ فَجَعَلَ ذَلِكَ الْوَصْفَ عِلَّةً لِلْحُكْمِ لِيَحْصُلَ الْحُكْمُ فِي الْفَرْعِ (وَلَيْسَ لَهُ) أَيْ ذَلِكَ الْوَصْفُ الَّذِي هُوَ الْعِلَّةُ لِلْحُكْمِ فِي الْفَرْعِ (مَحَلٌّ آخَرُ) تَحَقَّقَتْ فِيهِ عِلِّيَّتُهُ لِذَلِكَ الْحُكْمِ مُعَلَّلًا بِاشْتِمَالِهِ عَلَى الْمَعْنَى الْمُنَاسِبِ لِذَلِكَ الْحُكْمِ (لِأَنَّا إنَّمَا نُثْبِتُ سَبَبِيَّةَ) وَصْفٍ (آخَرَ) غَيْرِ الْوَصْفِ الثَّابِتِ فِي الْأَصْلِ إذْ الْمَفْرُوضُ تَغَايُرُ الْوَصْفَيْنِ (فَلَيْسَ ذَلِكَ) أَيْ إثْبَاتُ عِلِّيَّةِ الْوَصْفِ لِلْحُكْمِ فِي الْفَرْعِ بِمُجَرَّدِ مُنَاسَبَتِهِ لَهُ مِنْ غَيْرِ أَنْ يَشْهَدَ بِاعْتِبَارِهِ أَصْلٌ (إلَّا الْمُرْسَلُ) فَيَجُوزُ عِنْدَ مَنْ يَقُولُ بِصِحَّةِ التَّعْلِيلِ بِهِ وَلَا يَجُوزُ عِنْدَ مَنْ يَشْتَرِطُ التَّأْثِيرَ أَوْ الْمُلَائَمَةَ (وَهَذَا عَلَى) قَوْلِ (الشَّافِعِيَّةِ أَمَّا مَا تَقَدَّمَ لِلْحَنَفِيَّةِ فِي سَبَبِيَّتِهِ) أَيْ الْأَوَّلِ (بِعَيْنِهِ لِآخَرَ) فِي مَسْأَلَةِ اشْتِرَاطِ التَّقَابُضِ فِي بَيْعِ الطَّعَامِ الْمُعَيَّنِ بِالطَّعَامِ الْمُعَيَّنِ (فَيَنْبَغِي كَوْنُهُ) أَيْ هَذَا التَّعْلِيلِ (الْقَرِيبَ مِنْ الْأَقْسَامِ الْأُوَلِ) مِنْ أَقْسَامِ الْمُنَاسِبِ (لِوُجُودِ أَصْلِهِ) أَيْ هَذَا الْوَصْفِ الَّذِي هُوَ شَرْطُ التَّقَابُضِ وَهُوَ الصَّرْفُ (إذَا كَانَتْ سَبَبِيَّتُهُ) أَيْ أَصْلُهُ (لِشَيْءٍ) وَهُوَ الْقَبْضُ قَبْلَ الِافْتِرَاقِ (ثَابِتَةً شَرْعًا) بِقَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «يَدًا بِيَدٍ» كَمَا فِي صَحِيحِ مُسْلِمٍ وَالسُّنَنِ إلَى غَيْرِ ذَلِكَ وَبِإِجْمَاعِ الْفُقَهَاءِ (وَهُوَ الْعَيْنُ مَعَ الْعَيْنِ فِي الْمَحَلِّ لَكِنْ لَا يَشْهَدُ لَهُ أَصْلٌ بِالِاعْتِبَارِ وَ) هَذَا هُوَ الْقَرِيبُ الْمَذْكُورُ كَمَا تَقَدَّمَ (كَانَ الظَّاهِرُ اتِّفَاقَهُمْ) أَيْ الْحَنَفِيَّةِ (عَلَى مَنْعِهِ) أَيْ هَذَا (لِأَنَّهُ بِمَنْزِلَةِ الْإِخَالَةِ إنْ لَمْ يَكُنْهَا) أَيْ الْإِخَالَةُ وَالظَّاهِرُ أَنَّهُ هِيَ فِي الْمَعْنَى (لَكِنَّ الْخِلَافَ) فِي هَذَا ثَابِتٌ (عِنْدَهُمْ) أَيْ الْحَنَفِيَّةِ (وَلَوْ سَلِمَ عَدَمُ الْإِرْسَالِ) فِي ثُبُوتِ السَّبَبِيَّةِ بِالْقِيَاسِ (لَا يُتَصَوَّرُ ذَلِكَ) أَيْ ثُبُوتُهَا بِهِ أَيْضًا (لِأَنَّ الْوَصْفَ الْأَصْلُ أَنْ تَثْبُتَ عِلِّيَّتُهُ بِمُجَرَّدِ الْمُنَاسَبَةِ عِنْدَ مَنْ يَقُولُ بِهِ) أَيْ بِثُبُوتِهَا بِمُجَرَّدِ الْمُنَاسَبَةِ (فَإِذَا وُجِدَتْ الْمُنَاسَبَةُ فِي) وَصْفٍ (آخَرَ كَانَ) الْوَصْفُ الْآخَرُ (عِلَّةً بِطَرِيقِ الْأَصَالَةِ لَا بِالْإِلْحَاقِ بِالْأَوَّلِ لِاسْتِقْلَالِهَا) أَيْ الْمُنَاسَبَةِ (بِإِثْبَاتِ) عِلِّيَّةِ (مَا تَحَقَّقَتْ فِيهِ وَإِنْ ثَبَتَتْ) عِلِّيَّتُهُ (بِالنَّصِّ ثُمَّ عَقَلَتْ مُنَاسَبَتُهَا) لِلْحُكْمِ (وَوُجِدَتْ) الْمُنَاسَبَةُ الْمَذْكُورَةُ (فِي مَا) أَيْ وَصْفٍ (لَمْ يَنُصَّ عَلَيْهِ) أَيْضًا (فَكَذَلِكَ) أَيْ كَانَ ذَلِكَ الْوَصْفُ الَّذِي لَمْ يَنُصَّ عَلَيْهِ عِلَّةٌ بِطَرِيقِ الْأَصَالَةِ (لِلِاسْتِقْلَالِ) أَيْ اسْتِقْلَالِ الْمُنَاسَبَةِ بِإِثْبَاتِ عِلِّيَّةِ مَا تَحَقَّقَتْ فِيهِ (وَحَاصِلُهُ) أَيْ هَذَا (حِينَئِذٍ) أَيْ حِينَ كَانَ الْحَالُ هَذَا (ثُبُوتُ عِلِّيَّةِ وَصْفٍ بِالنَّصِّ وَ) عِلِّيَّةِ وَصْفٍ (آخَرَ بِالْمُنَاسَبَةِ) وَلَا يَنْبَغِي أَنْ يَقَعَ فِي مِثْلِهِ خِلَافٌ (فَالْوَجْهُ أَنْ يُقْصَرَ الْخِلَافُ عَلَى مِثْلِ حَمْلِ عَلِيٍّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - وَهُوَ) أَيْ حَمْلُهُ أَيْ قِيَاسُهُ (أَنْ يَنُصَّ عَلَى عِلَّةٍ مُنْضَبِطَةٍ بِنَفْسِهَا فَيَلْحَقُ بِهَا مَا تَصْلُحُ مَظِنَّةً لَهَا فَيَثْبُتُ مَعَهَا حُكْمُ الْمَنْصُوصَةِ كَمَا أَلْحَقَ) عَلِيٌّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - (الشُّرْبَ) لِلْخَمْرِ (بِالْقَذْفِ) فِي الْحَدِّ بِهِ ثَمَانِينَ (بِجَامِعِ الِافْتِرَاءِ) بَيْنَهُمَا (لِكَوْنِهِ) أَيْ شُرْبِهَا (مَظِنَّتَهُ) أَيْ الِافْتِرَاءَ وَقَدْ أَسْلَفْنَا الْمَرْوِيَّ عَنْ عَلِيٍّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - فِي هَذَا مَخْرَجًا فِي مَسْأَلَةِ لَا إجْمَاعَ إلَّا عَنْ مُسْتَنَدٍ قُلْت ثَمَّ قَدْ يُقَالُ وَإِذَا قَصُرَ الْخِلَافُ عَلَى هَذَا هَلْ يَتَرَجَّحُ الْمُلْحَقُونَ عَلَى غَيْرِهِمْ لِإِجْمَاعِ الصَّحَابَةِ السُّكُوتِيِّ عَلَى الْإِلْحَاقِ الْمَذْكُورِ وَالْجَوَابُ يَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ عِنْدَ غَيْرِ الْحَنَفِيَّةِ مِمَّنْ يَرَى الْإِجْمَاعَ السُّكُوتِيَّ حَجَّةً، نَعَمْ وَعِنْدَهُمْ لَا كَمَا سَتَعْلَمُ فِي الْمَسْأَلَةِ الَّتِي تَلِي هَذِهِ وَلَكِنْ الشَّأْنُ فِي مُوجِبِ الْقَصْرِ عَلَيْهِ مَعَ نَقْلِ عُمُومِ الْخِلَافِ لَهُ وَلِغَيْرِهِ كَمَا تَقَدَّمَ ثَمَّ هَذَا مِنْ الْمُصَنِّفِ إعْرَاضٌ عَمَّا أَفَادَهُ ظَاهِرُ كَلَامِهِ أَوَّلًا مِنْ جَوَازِ ثُبُوتِ الْعِلِّيَّةِ وَالشَّرْطِيَّةِ بِطَرِيقِ التَّعَدِّيَةِ عَلَى الْوَجْهِ الَّذِي سَبَقَ تَقْرِيرُهُ وَيَنْدَفِعُ وَجْهُهُ الَّذِي هُوَ لُزُومُ التَّحَكُّمِ لَوْلَا جَوَازُهُ(3/240)بِأَنَّ هَذَا مِنْ الْمُرْسَلِ الْمَرْدُودِ عِنْدَ الشَّافِعِيَّةِ عَلَى اصْطِلَاحِهِمْ وَالْغَرِيبُ غَيْرُ الْمُعْتَبَرِ عِنْدَ الْحَنَفِيَّةِ عَلَى اصْطِلَاحِهِمْ فَلَا تَحَكُّمَ لَا لِمَا ذَكَرَهُ الْمَانِعُ مِنْ أَنَّهُ إذَا ثَبَتَ مَنَاطُ عِلِّيَّةِ أَمْرٍ فِي غَيْرِ ذَلِكَ الْأَمْرِ كَانَ السَّبَبُ الْمَنَاطُ الْمُشْتَرَكَ بَيْنَهُمَا إنْ انْضَبَطَ وَإِلَّا مَظِنَّتُهُ وَأَيًّا مَا كَانَ اتَّحَدَ الْحُكْمُ وَالسَّبَبُ لِأَنَّهُ لَوْ تَمَّ هَذَا انْتَفَى الْقِيَاسُ فِي الْأَحْكَامِ الشَّرْعِيَّةِ الَّتِي هِيَ غَيْرُ الْعِلِّيَّةِ وَالشَّرْطِيَّةِ لِتَأَتِّي هَذَا بِعَيْنِهِ فِيهِ لَكِنْ انْتِفَاؤُهَا فِيهِ مَمْنُوعٌ فَكَذَا فِيمَا نَحْنُ فِيهِ وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ.[مَسْأَلَةٌ قَالَ الْحَنَفِيَّةُ لَا تَثْبُتُ بِهِ أَيْ بِالْقِيَاسِ الْحُدُودُ]{مَسْأَلَةٌ} قَالَ (الْحَنَفِيَّةُ لَا تَثْبُتُ بِهِ) أَيْ بِالْقِيَاسِ (الْحُدُودُ لِاشْتِمَالِهَا عَلَى تَقْدِيرَاتٍ لَا تُعْقَلُ) كَعَدَدِ الْمِائَةِ فِي الزِّنَا وَالثَّمَانِينَ فِي الْقَذْفِ وَالْقِيَاسُ فَرْعُ تَعَقُّلِ الْمَعْنَى (وَمَا يُعْقَلُ) مِنْهَا (كَالْقَطْعِ) لِيَدِ السَّارِقِ لِكَوْنِهَا الْجَانِيَةَ بِالسَّرِقَةِ (فَلِلشُّبْهَةِ) فِي ثُبُوتِ الْحُكْمِ بِالْقِيَاسِ لِاحْتِمَالِهِ الْخَطَأَ «وَالْحُدُودُ تُدْرَأُ بِالشُّبُهَاتِ» كَمَا نَطَقَ بِهِ الْحَدِيثُ وَتَقَدَّمَ تَخْرِيجُهُ فِي مَسْأَلَةِ خَبَرِ الْوَاحِدِ فِي الْحَدِّ مَقْبُولٌ وَدَرْؤُهَا فِي عَدَمِ ثُبُوتِهَا بِهِ وَقَالَ غَيْرُ الْحَنَفِيَّةِ يَثْبُتُ بِهِ (قَالُوا أَدِلَّةُ الْقِيَاسِ) الدَّالَّةُ عَلَى حُجِّيَّتِهِ (مُعَمِّمَةٌ) لَهَا كَمَا لِغَيْرِهَا فَوَجَبَ الْعَمَلُ بِهِ فِيهِمَا (قُلْنَا) عُمُومُهَا (فِي مُسْتَكْمِلِ الشُّرُوطِ اتِّفَاقًا) وَالْحُدُودُ لَيْسَتْ بِمُسْتَكْمِلَةٍ لَهَا لِمَا ذَكَرْنَا (وَانْتِهَاضُ أَثَرِ عَلِيٍّ) السَّالِفِ (عَلَيْهِمْ) أَيْ الْحَنَفِيَّةِ كَمَا ذَكَرَهُ الْمُجِيزُونَ (مَوْقُوفٌ عَلَى إجْمَاعِ الصَّحَابَةِ عَلَى صِحَّةِ طَرِيقِهِ) الَّذِي هُوَ الْقِيَاسُ عَلَى الْقَذْفِ (وَقَوْلُهُمْ) أَيْ الْحَنَفِيَّةُ فِيهِ أَنَّ إجْمَاعَهُمْ لَيْسَ عَلَى طَرِيقِهِ بَلْ (أَنَّهُ) أَيْ إجْمَاعَهُمْ (عَلَى حُكْمِهِ) الَّذِي هُوَ وُجُوبُ جَلْدِ ثَمَانِينَ (بِاجْتِمَاعِ دَلَالَاتٍ سَمْعِيَّةٍ عَلَيْهِ) أَيْ حُكْمِهِ الْمَذْكُورِ (كَمَا ذَكَرْنَاهَا فِي الْفِقْهِ) أَيْ فِي حَدِّ الشُّرْبِ مِنْ شَرْحِ الْهِدَايَةِ وَلَمْ نَذْكُرْهَا هُنَا تَحَامِيًا مِنْ التَّطْوِيلِ مَعَ أَنَّ كُتُبَ الْفُرُوعِ بِهَا أَلْيَقُ وَفِي أُصُولِ الْفِقْهِ لِلْإِمَامِ أَبِي بَكْرٍ الرَّازِيِّ فَإِنْ قِيلَ لَا يَجُوزُ عِنْدَكُمْ إثْبَاتُ الْحُدُودِ بِالْقِيَاسَاتِ فَإِنْ كَانَتْ الصَّحَابَةُ قَدْ اتَّفَقَتْ عَلَى إثْبَاتِ حَدِّ الْخَمْرِ قِيَاسًا فَهَذَا إبْطَالٌ لِأَصْلِكُمْ فِي إثْبَاتِ الْحُدُودِ قِيَاسًا قِيلَ الَّذِي نَمْنَعُهُ أَنْ يَبْتَدِئَ إيجَابُ حَدٍّ بِقِيَاسٍ فِي غَيْرِ مَا وَرَدَ فِيهِ التَّوْقِيفُ فَأَمَّا اسْتِعْمَالُ الِاجْتِهَادِ فِي شَيْءٍ وَرَدَ فِيهِ التَّوْقِيفُ فَيُتَحَرَّى فِيهِ مَعْنَى التَّوْقِيفِ فَهَذَا جَائِزٌ عِنْدَنَا وَاسْتِعْمَالُ اجْتِهَادِ السَّلَفِ فِي حَدِّ الْخَمْرِ مِنْ هَذَا الْقَبِيلِ وَذَلِكَ لِأَنَّهُ قَدْ ثَبَتَ عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنَّهُ ضَرَبَ فِي حَدِّ الْخَمْرِ بِالْجَرِيدِ وَالنِّعَالِ وَرُوِيَ أَنَّهُ ضَرَبَهُ أَرْبَعُونَ رَجُلًا كُلُّ رَجُلٍ بِنَعْلِهِ ضَرْبَتَيْنِ فَتَحَرَّوْا فِي اجْتِهَادِهِمْ مُوَافَقَةَ أَمْرِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَجَعَلُوهُ ثَمَانِينَ مِنْ هَذَا الْوَجْهِ وَنَقَلُوا ضَرْبَهُ بِالنِّعَالِ وَالْجَرِيدِ إلَى السَّوْطِ كَمَا يَجْتَهِدُ الْجَلَّادُ فِي الضَّرْبِ وَكَمَا يَخْتَارُ السَّوْطَ الَّذِي يَصْلُحُ لِلْجِلْدِ اجْتِهَادًا[تَنْبِيهٌ] الْكَفَّارَاتُ فِي هَذَا كَالْحُدُودِ بَلْ قِيلَ الْمُرَادُ بِهَا مَا يَتَنَاوَلُهُمَا جَمِيعًا وَالْوَجْهُ ظَاهِرٌ لِلْمُتَأَمِّلِ وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ أَعْلَمُ[مَسْأَلَةٌ تَكْلِيفُ الْمُجْتَهِدِ بِطَلَبِ الْمَنَاطِ](مَسْأَلَةٌ تَكْلِيفُ الْمُجْتَهِدِ بِطَلَبِ الْمَنَاطِ) لِلْحُكْمِ الشَّرْعِيِّ (لِيَحْكُمَ فِي مَحَالِّهِ) أَيْ الْمَنَاطِ (بِحُكْمِهِ جَائِزٌ عَقْلًا) عِنْدَ الْجُمْهُورِ (وَقَوْلُهُمْ) أَيْ الْأُصُولِيِّينَ التَّكْلِيفُ أَوْ التَّعَبُّدُ (بِالْقِيَاسِ لَا يَصِحُّ عَلَى أَنَّهُ) أَيْ الْقِيَاسَ (الْمُسَاوَاةُ) بَيْنَ الْفَرْعِ وَالْأَصْلِ فِي عِلَّةِ حِكْمَةٍ لِأَنَّهَا فِعْلُ اللَّهِ تَعَالَى وَلَا تَعَبُّدَ بِفِعْلِهِ وَإِنَّمَا يَصِحُّ إذَا كَانَ فِعْلَ الْمُجْتَهِدِ وَقَدْ تَقَدَّمَ الْكَلَامُ فِي هَذَا فِي أَوَائِلِ الْقِيَاسِ (وَإِيجَابُ الْعَمَلِ بِمُوجِبِ الْقِيَاسِ) أَيْ جَعْلُ هَذَا مَوْضُوعَ الْمَسْأَلَةِ كَمَا يُفِيدُهُ كَلَامُ الْقَاضِي عَضُدُ الدِّينِ (فِيهِ قُصُورٌ عَنْ الْمَقْصُودِ) قَالَ الْمُصَنِّفُ لِأَنَّ مَعْنَى هَذَا إذَا تَمَّ الْقِيَاسُ فَاعْمَلْ بِمُقْتَضَاهُ وَمَقْصُودِ الْمَسْأَلَةِ اُنْظُرْ لِيَظْهَرَ لَك فِي الْوَاقِعِ قِيَاسٌ أَوْ لَا وَهَذَا مَحَلٌّ آخَرُ لِلْوُجُوبِ غَيْرُ الْأَوَّلِ وَإِنْ كَانَ الْغَرَضُ مِنْ اسْتِكْشَافِ الْحَالِ الْمَأْمُورِ بِهِ هُوَ الْعَمَلُ بِهِ (لَا) أَنَّ تَكْلِيفَهُ بِذَلِكَ (وَاجِبٌ) عَقْلًا (كَالْقَفَّالِ) الشَّاشِيِّ (وَأَبِي الْحُسَيْنِ) الْبَصْرِيِّ لِئَلَّا يَلْزَمَ خُلُوُّ الْوَقَائِعِ عَنْ الْأَحْكَامِ فَإِنَّ الْوَقَائِعَ غَيْرُ مُتَنَاهِيَةٍ وَالنُّصُوصَ مَحْصُورَةٌ وَالْقِيَاسَ كَافِلٌ بِهَا فَاقْتَضَى التَّعَبُّدَ بِهِ وَالْجَوَابُ بَعْدَ تَسْلِيمِ وُجُوبِ أَنْ يَكُونَ لِكُلِّ وَاقِعَةٍ حُكْمٌ بِنَاءً عَلَى امْتِنَاعِ خُلُوِّ الْوَاقِعَةِ عَنْ الْحُكْمِ مَنَعَ ذَلِكَ عَلَى تَقْدِيرِ عَدَمِ التَّعَبُّدِ بِهِ كَمَا أَشَارَ إلَيْهِ قَوْلُهُ (وَلُزُومُ خُلُوِّ وَقَائِعَ) عَنْ الْحُكْمِ (لَوْلَاهُ) أَيْ تَكْلِيفُ الْمُجْتَهِدِ بِطَلَبِ الْمَنَاطِ الْمَذْكُورِ (مُنْتَفٍ لِانْضِبَاطِ أَجْنَاسِ الْأَحْكَامِ وَالْأَفْعَالِ وَإِمْكَانِ إفَادَتِهَا) أَيْ أَجْنَاسِ الْأَحْكَامِ الْكَائِنَةِ(3/241)لِأَجْنَاسِ الْأَفْعَالِ (الْعُمُومَاتُ) بِالرَّفْعِ عَلَى أَنَّهُ فَاعِلُ إفَادَتِهَا وَهِيَ مُضَافَةٌ إلَى الْمَفْعُولِ فَتُعْلَمُ أَحْكَامُ جُزْئِيَّاتِهَا الَّتِي لَا تَنْحَصِرُ بِانْدِرَاجِهَا تَحْتَهَا مِثْلَ كُلُّ مُسْكِرٍ حَرَامٌ وَكُلُّ ذِي نَابٍ مِنْ السِّبَاعِ حَرَامٌ وَكُلُّ مَكِيلٍ أَوْ مَطْعُومٍ رِبَوِيٌّ.(وَلَوْ لَمْ تُفِدْهَا) أَيْ الْعُمُومَاتُ أَحْكَامَ أَجْنَاسِ الْأَفْعَالِ عَلَى وَجْهٍ يُعْلَمُ مِنْهُ أَحْكَامُ جَمِيعِ الْوَقَائِعِ (ثَبَتَ فِيهَا) أَيْ الْوَقَائِعِ الَّتِي لَمْ تُفِدْهَا الْعُمُومَاتُ (حُكْمُ الْأَصْلِ) وَهُوَ الْإِبَاحَةُ (فَلَا خُلُوَّ) لِوَاقِعَةٍ مِنْهَا عَنْ الْحُكْمِ (وَلَا مُمْتَنِعَ عَقْلًا) كَمَا ذَهَبَ إلَيْهِ الزَّيْدِيَّةُ وَبَعْضُ الْمُعْتَزِلَةِ مِنْهُمْ النَّظَّامُ لَكِنَّهُ قَالَ فِي شَرِيعَتِنَا خَاصَّةً عَلَى مَا فِي الْمَحْصُولِ وَغَيْرِهِ وَإِنَّمَا قُلْنَا التَّكْلِيفُ الْمَذْكُورُ جَائِزٌ (إذْ لَا يَلْزَمُ إلْزَامُهُ) أَيْ الْمُجْتَهِدِ بِطَلَبِ الْمَنَاطِ (بِحَالٍ) لَا لِنَفْسِهِ وَهُوَ ظَاهِرٌ وَلَا لِغَيْرِهِ لِأَنَّ الْأَصْلَ عَدَمُ الْغَيْرِ وَهُوَ الْمُرَادُ بِالْجَوَازِ الْعَقْلِيِّ (وَكَوْنُ الظَّنِّ مَمْنُوعًا عَقْلًا لِاحْتِمَالِهِ الْخَطَأَ) وَالْقِيَاسُ مِنْهُ لِأَنَّهُ لَا يُفِيدُ إلَّا الظَّنَّ وَالْخَطَأُ مَحْظُورٌ قَطْعًا وَالْعَقْلُ يُوجِبُ الِاحْتِرَازَ عَنْ الْمَحْذُورِ فَيَمْتَنِعُ التَّكْلِيفُ بِمَنَاطِهِ كَمَا ذَكَرَهُ الْقَائِلُونَ بِامْتِنَاعِهِ عَقْلًا (مَمْنُوعٌ) ثُبُوتُهُ فِي جَمِيعِ الصُّوَرِ وَإِنَّمَا هُوَ مُخْتَصٌّ بِمَا لَا يَغْلِبُ فِيهِ جَانِبُ الصَّوَابِ أَمَّا إذَا ظَنَّ وَكَانَ الْخَطَأُ مَرْجُوحًا فَلَا (بَلْ أَكْثَرُ تَصَرُّفَاتِ الْعُقَلَاءِ لِفَوَائِدَ غَيْرِ مُتَيَقَّنَةٍ) إذْ مَا مِنْ سَبَبٍ مِنْ الْأَسْبَابِ إلَّا وَالْمَطْلُوبُ مِنْهُ غَيْرُ مُتَيَقَّنِ الْحُصُولِ فَإِنَّ الزَّارِعَ لَا يَزْرَعُ وَهُوَ مُتَيَقِّنٌ أَنَّهُ يَأْخُذُ الرِّيعَ وَالتَّاجِرَ لَا يُسَافِرُ وَهُوَ جَازِمٌ بِأَنْ يَرْبَحَ وَالْمُتَعَلِّمَ لَا يَتْعَبُ فِي تَعَلُّمِهِ وَهُوَ قَاطِعٌ بِأَنَّهُ يَعْلَمُ وَيُثْمِرُ عَلَيْهِ مَا يَتَعَلَّمُهُ لَهُ إلَى غَيْرِ ذَلِكَ (وَبِهِ) أَيْ وَيَكُونُ أَكْثَرُ تَصَرُّفَاتِ الْعُقَلَاءِ لِفَوَائِدَ مَظْنُونَةٍ (ظَهَرَ إيجَابُهُ) أَيْ الْعَقْلُ (الْعَمَلُ عِنْدَ ظَنِّ الثَّوَابِ) وَإِنْ أَمِنَ الْخَطَأَ تَحْصِيلًا لِفَوَائِدَ لَا تَحْصُلُ إلَّا بِهِ.(وَثَبَتَ) وُجُوبُ الْعَمَلِ بِهِ (شَرْعًا بِتَتَبُّعِ مَوَارِدِهِ) أَيْ الشَّرْعِ كَمَا تَقَدَّمَ فِي خَبَرِ الْوَاحِدِ الْعَدْلِ وَكَيْفَ لَا وَالْمَظَانُّ الْأَكْثَرِيَّةُ لَا تُتْرَكُ بِالِاحْتِمَالَاتِ الْأَقَلِّيَّةِ وَإِلَّا لَتَعَطَّلَتْ الْأَسْبَابُ الدُّنْيَوِيَّةُ وَالْأُخْرَوِيَّةُ وَأَكْثَرُ الْأَحْكَامِ التَّكْلِيفِيَّةِ لِأَنَّ أَكْثَرَ أَدِلَّتِهَا ظَنِّيَّةٌ (وَثُبُوتُ الْجَمْعِ) شَرْعًا (بَيْنَ الْمُخْتَلِفَاتِ) كَالتَّسْوِيَةِ بَيْنَ قَتْلِ الْمُحْرِمِ الصَّيْدَ عَمْدًا وَخَطَأً فِي الْفِدَاءِ وَبَيْنَ زِنَا الْمُحْصَنِ وَرِدَّةِ الْمُسْلِمِ فِي الْقَتْلِ إلَى غَيْرِ ذَلِكَ (وَ) ثُبُوتُ (الْفَرْقِ) شَرْعًا (بَيْنَ الْمُتَمَاثِلَاتِ) كَقَطْعِ سَارِقِ الْقَلِيلِ دُونَ غَاصِبِ الْكَثِيرِ مَعَ أَنَّهُمَا مُتَمَاثِلَانِ فِي أَخْذِ مَالِ الْغَيْرِ وَجَلْدِ مَنْ نَسَبَ الْعَفِيفَ إلَى الزِّنَا دُونَ مَنْ نَسَبَ الْمُسْلِمَ إلَى الْكُفْرِ مَعَ أَنَّهُمَا مُتَمَاثِلَانِ فِي نِسْبَةِ الْمُحَرَّمِ إلَى الْغَيْرِ إلَى غَيْرِ ذَلِكَ (إنَّمَا يَسْتَلْزِمُهُ) أَيْ كَوْنُ التَّكْلِيفِ بِالْمَنَاطِ الْمَذْكُورِ مُسْتَحِيلًا بِنَاءً عَلَى أَنَّ حَقِيقَةَ الْقِيَاسِ ضِدُّ ذَلِكَ وَهُوَ إلْحَاقُ النَّظِيرِ بِالنَّظِيرِ فَأَنَّى يَجْتَمِعَانِ كَمَا ذَكَرَ النَّظَّامُ (لَوْ لَمْ يَكُنْ) الْجَمْعُ بَيْنَ الْمُخْتَلِفَاتِ فِي الْحُكْمِ الْوَاحِدِ (بِجَامِعٍ) اشْتَرَكَتْ فِيهِ وُجِدَ فِي الْكُلِّ يَقَعُ بِهِ (التَّمَاثُلُ) بَيْنَهَا فَإِنَّ الْمُخْتَلِفَاتِ لَا يُمْنَعُ اجْتِمَاعُهَا فِي صِفَاتٍ ثُبُوتِيَّةٍ وَأَحْكَامٍ (أَوْ) لَمْ يَكُنْ الْفَرْقُ بَيْنَ الْمُتَمَاثِلَاتِ لِوُجُودِ (فَارِقٍ) بَيْنَهَا فِي الْحُكْمِ (تَقْتَضِيهِ) أَيْ الْفَرْقُ بَيْنَهُمَا فَإِنَّ الْمُتَمَاثِلَاتِ إنَّمَا يَجِبُ اشْتِرَاكُهَا فِي الْحُكْمِ إذَا كَانَ مَا بِهِ الِاشْتِرَاكُ يَصْلُحُ عِلَّةً لِلْحُكْمِ وَلَا يَكُونُ لَهُ فِي الْأَصْلِ مُعَارِضٌ يَقْتَضِي حُكْمًا غَيْرَهُ وَلَا فِي الْفَرْعِ مُعَارِضٌ أَقْوَى يَقْتَضِي خِلَافَ ذَلِكَ الْحُكْمِ وَكُلٌّ مِنْ انْتِفَاءِ الْجَامِعِ وَالْفَارِقِ غَيْرُ مَعْلُومٍ (وَلَا) مُمْتَنِعٍ (سَمْعًا خِلَافًا لِلظَّاهِرِيَّةِ وَالْقَاسَانِيِّ) بِالسِّينِ الْمُهْمَلَةِ نِسْبَةً إلَى بَلْدَةٍ بِتُرْكِسْتَانَ (وَالنَّهْرَوَانِيّ) هَذَا عَلَى مَا فِي الْكَشْفِ وَذَكَرَ ابْنُ السَّمْعَانِيِّ وَابْنُ الْحَاجِبِ وَصَاحِبُ الْبَدِيعِ عَنْ دَاوُد وَابْنِهِ وَالْقَاسَانِيُّ وَالنَّهْرَوَانِيّ إنْكَارَ وُقُوعِهِ شَرْعًا وَمَعْلُومًا أَنَّهُ لَا يَلْزَمُ مِنْ إنْكَارِ وُقُوعِهِ شَرْعًا امْتِنَاعُهُ شَرْعًا ثُمَّ ذَكَرَ الْآمِدِيُّ أَنَّهُمْ اتَّفَقُوا عَلَى وُقُوعِ ذِي الْعِلَّةِ الْمَنْصُوصَةِ وَالْمُومِي إلَيْهَا.قَالَ السُّبْكِيُّ وَهُوَ الْأَصَحُّ فِي النَّقْلِ عَنْهُمْ وَلِذَا لَا يُنْكِرُونَ قِيَاسَ الْأَوْلَى وَلَا يَصِحُّ عِنْدَ أَحَدٍ مِنْ الْقَائِلِينَ بِالْجَوَازِ إنْكَارُ وُقُوعِ الْقِيَاسِ بِجُمْلَتِهِ إلَّا عَنْ أَبِي مُحَمَّدِ بْنِ حَزْمٍ ثُمَّ قَدْ ذَهَبَ بَعْضُ الْقِيَاسِيِّينَ إلَى أَنَّ مَا صَارَ الْقَاسَانِيُّ وَالنَّهْرَوَانِيّ وَمَنْ وَافَقَهُمَا لَيْسَ قَوْلًا بِالْقِيَاسِ بَلْ هُوَ يَتَتَبَّعُ النَّصَّ وَعَلَى هَذَا يَصِحُّ النَّقْلُ عَنْهُمْ فِي إنْكَارِهِ جُمْلَةً وَالصَّحِيحُ أَنَّ ذَلِكَ قَوْلٌ بِبَعْضِ الْقِيَاسِ انْتَهَى وَنَقَلَ الْبَيْضَاوِيُّ عَنْ الْقَاسَانِيِّ وَالنَّهْرَوَانِيّ وُجُوبَ الْعَمَلِ بِهِ فِي صُورَتَيْنِ كَوْنِ عِلَّةِ الْأَصْلِ مَنْصُوصَةً بِصَرِيحِ اللَّفْظِ أَوْ بِإِيمَائِهِ وَكَوْنِ الْفَرْعِ بِالْحُكْمِ أَوْلَى مِنْ الْأَصْلِ كَقِيَاسِ تَحْرِيمِ الضَّرْبِ عَلَى تَحْرِيمِ التَّأْفِيفِ قَالَ الْإِسْنَوِيُّ(3/242)وَاعْتَرَفَا بِأَنَّهُ لَيْسَ لِلْعَقْلِ هُنَا مَدْخَلٌ لَا فِي الْوُجُوبِ وَلَا فِي عَدَمِهِ كَمَا قَالَهُ فِي الْمَحْصُولِ وَهَذَا الثَّانِي أَبْدَلَهُ فِي الْمُسْتَصْفَى بِالْحُكْمِ الْوَارِدِ عَلَى سَبَبٍ كَرَجْمِ مَاعِزٍ وَفِي الْبُرْهَانِ بِالْحُكْمِ الَّذِي هُوَ فِي مَعْنَى الْمَنْصُوصِ عَلَيْهِ كَقِيَاسِ صَبِّ الْبَوْلِ فِي الْمَاءِ بِالْبَوْلِ فِيهِ وَجَعْلِ الثَّانِي مِنْ كَلَامِ الْبَيْضَاوِيِّ دَاخِلًا فِي الْأَوَّلِ هَذَا (وَاسْتِدْلَالُهُمْ) أَيْ الظَّاهِرِيَّةِ وَمَنْ مَعَهُمْ.وَهَذَا وَإِنْ كَانَ ظَاهِرُ شُرُوحِ أُصُولِ ابْنِ الْحَاجِبِ أَنَّهُ لِمَانِعِيهِ عَقْلًا فَالْوَجْهُ أَنْ يَكُونَ لِمَانِعِيهِ سَمْعًا إمَّا عَلَى أَنَّ هَذَا الدَّلِيلَ نَقْلِيٌّ بِنَاءً عَلَى أَنَّهُ مَا كَانَ لِلسَّمَاعِ فِيهِ مَدْخَلٌ كَمَا مَشَى عَلَيْهِ الْبَيْضَاوِيُّ وَغَيْرُهُ إذْ إحْدَى مُقَدِّمَتَيْهِ ثَابِتَةٌ بِالنَّقْلِ فَظَاهِرٌ وَإِمَّا عَلَى أَنَّهُ مُرَكَّبٌ مِنْ النَّقْلِيِّ وَالْعَقْلِيِّ بِنَاءً عَلَى أَنَّ مَا كَانَتْ مُقَدِّمَتَاهُ ثَابِتَتَيْنِ بِالنَّقْلِ كَمَا مَشَى عَلَيْهِ الْإِمَامُ الرَّازِيّ فَلِأَنَّهُ لَمْ يَتَمَحَّضْ أَنْ يَكُونَ الْمَانِعُ مِنْهُ الْعَقْلَ نَعَمْ الْعِبَارَةُ مُوهِمَةٌ نَقْلَ هَذَا عَنْ الْمَانِعِينَ سَمْعًا وَلَمْ أَقِفْ عَلَى التَّصْرِيحِ بِهِ (بِأَنَّ فِي حُكْمِهِ) أَيْ الْقِيَاسِ (اخْتِلَافًا) مِنْ الْجَوَازِ وَعَدَمِهِ وَالْإِضَافَةِ وَعَدَمِهَا (فَهُوَ) أَيْ الْقِيَاسُ حِينَئِذٍ (مَرْدُودٌ لِأَنَّهُ مِنْ عِنْدِ غَيْرِ اللَّهِ) لِقَوْلِهِ تَعَالَى {وَلَوْ كَانَ مِنْ عِنْدِ غَيْرِ اللَّهِ لَوَجَدُوا فِيهِ اخْتِلافًا كَثِيرًا} [النساء: 82] وَمَا كَانَ مِنْ عِنْدِ غَيْرِ اللَّهِ فَهُوَ مَرْدُودٌ (مَدْفُوعٌ بِمَنْعِ كَوْنِ الِاخْتِلَافِ الْمُوجِبِ لِلرَّدِّ فِي الْآيَةِ مَا فِي الْأَحْكَامِ) الشَّرْعِيَّةِ أَيْ فِي بَعْضِهَا مِنْ الِاخْتِلَافِ فَإِنَّهُ وَاقِعٌ لَا يُمْكِنُ إنْكَارُهُ.(بَلْ) الِاخْتِلَافُ الْمُوجِبُ لِلرَّدِّ فِيهَا (التَّنَاقُضُ) فِي الْمَعْنَى (وَالْقُصُورُ) عَنْ الْبَلَاغَةِ الَّتِي لِأَجْلِهَا وَقَعَ التَّحَدِّي وَالْإِلْزَامُ بِكَوْنِ الْقُرْآنِ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ أَيْ لَوْ كَانَ الْقُرْآنُ مِنْ عِنْدِ غَيْرِ اللَّهِ لَكَانَ بَعْضُ أَخْبَارِهِ مُطَابِقَةً لِلْوَاقِعِ دُونَ بَعْضٍ وَالْعَقْلُ مُوَافِقًا لِبَعْضِ أَحْكَامِهِ دُونَ بَعْضٍ وَكَانَ مُتَفَاوِتًا فِي النَّظْمِ إلَى رَكِيكٍ وَفَصِيحٍ ثُمَّ إلَى فَصِيحٍ بَالِغٍ حَدَّ الْإِعْجَازِ وَقَاصِرٍ عَنْهُ عَلَى مَا دَلَّ عَلَيْهِ الِاسْتِقْرَاءُ لِنُقْصَانِ الْقُوَّةِ الْبَشَرِيَّةِ وَأُورِدَ لِمَ قُلْتُمْ لَوْ كَانَ مِنْ عِنْدِ غَيْرِ اللَّهِ لَزِمَهُ الِاخْتِلَافُ وَكَثِيرٌ مِنْ الْكُتُبِ الْمُصَنَّفَةِ هِيَ مِنْ عِنْدِ غَيْرِ اللَّهِ وَلَا اخْتِلَافَ فِيهَا لِإِتْقَانِ مُصَنِّفِيهَا إيَّاهَا وَأُجِيبَ بِوَجْهَيْنِ أَحَدَهُمَا أَنَّ مِثْلَ الْقُرْآنِ نَظْمِهِ وَطَرِيقِ إعْجَازِهِ لَوْ قُدِّرَ أَنَّ بَشَرًا تَكَلَّفَهُ فِي مِثْلِ حَجْمِهِ لَلَزِمَهُ الِاخْتِلَافُ لِوُعُورَةِ طَرِيقِهِ عَلَى السَّالِكِ غَيْرِ الْمَعْصُومِ ثَانِيهِمَا أَنَّهُ لَوْ تَكَلَّفَهُ بَشَرٌ بِغَيْرِ إذْنٍ إلَهِيٍّ لَأَعْجَزَهُ اللَّهُ فِيهِ بِوُقُوعِ الِاخْتِلَافِ فِيهِ الدَّالِّ عَلَى كَذِبِهِ لِمَا عُرِفَ مِنْ أَنَّهُ عَزَّ وَجَلَّ لَا يُؤَيِّدُهُ بِالْمُعْجِزَةِ تَمْيِيزًا لِلصَّادِقِ مِنْ غَيْرِهِ (وَتِبْيَانًا لِكُلِّ شَيْءٍ) أَيْ وَاسْتِدْلَالُ مَانِعِيهِ سَمْعًا بِقَوْلِهِ تَعَالَى {وَنَزَّلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ تِبْيَانًا لِكُلِّ شَيْءٍ} [النحل: 89] (وَنَحْوِهِ) أَيْ وَبِقَوْلِهِ تَعَالَى {وَلا رَطْبٍ وَلا يَابِسٍ إِلا فِي كِتَابٍ مُبِينٍ} [الأنعام: 59] أَيْ عَلَى قِرَاءَةِ رَفْعِهِمَا فَإِنَّ اللَّهَ جَعَلَ كِتَابَهُ بَيَانًا لِكُلِّ شَيْءٍ وَجَمِيعَ الْأَحْكَامِ فِي الْكِتَابِ الْمُبِينِ فَلَوْ كَانَ الْقِيَاسُ حُجَّةً لَمْ يَكُنْ الْكِتَابُ بَيَانًا لِكُلِّ شَيْءٍ وَلَا كُلُّ الْأَحْكَامِ فِي الْكِتَابِ الْمُبِينِ وَهُوَ خِلَافُ النَّصِّ مَمْنُوعٌ لِأَنَّهُ بَعْدَ أَنْ يَكُونَ الْمُرَادُ بِالْكِتَابِ الْمُبِينِ الْقُرْآنُ لَا اللَّوْحُ الْمَحْفُوظُ كَمَا عُزِيَ إلَى عَامَّةِ الْمُفَسِّرِينَ أَوْ عِلْمُ اللَّهِ عَلَى مَا هُوَ قَوْلُ بَعْضِهِمْ الْعُمُومُ فِيهِمَا (مَخْصُوصٌ قَطْعًا) إذْ لَيْسَ كُلُّ الْأَشْيَاءِ كَائِنَةً مَا كَانَتْ فِي الْقُرْآنِ.(أَوْ هُوَ) أَيْ كُلُّ شَيْءٍ (فِيهِ) أَيْ فِي الْكِتَابِ (إجْمَالًا) وَلَوْ بِالْإِحَالَةِ إلَى السُّنَّةِ وَالْقِيَاسِ فَيَكُونُ مُبَيِّنًا لَهُ بِطَرِيقٍ إجْمَالِيٍّ مَعْنًى وَإِنْ لَمْ يُذْكَرْ لَفْظًا كَمَا بَعْضُ الْأَشْيَاءِ مُبَيَّنٌ فِيهِ تَفْصِيلًا (فَجَازَ فِيهِ) أَيْ الْكِتَابِ أَنْ يَكُونَ مَذْكُورًا (حُكْمُ الْقِيَاسِ) وَهُوَ ثُبُوتُ حُكْمِ الْأَصْلِ فِي الْفَرْعِ أَيْ اعْتِبَارُهُ (فَيَعْلَمُهُ الْمُجْتَهِدُ) بِطَرِيقِ الِاجْتِهَادِ (كَمَا جَازَ) أَنْ يَكُونَ (الْكُلُّ) أَيْ كُلُّ الْأَحْكَامِ (فِيهِ) أَيْ فِي الْكِتَابِ (وَيَعْلَمُهُ النَّبِيُّ) - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَمَا قِيلَ جَمِيعُ الْعِلْمِ فِي الْقُرْآنِ لَكِنْ تَقَاصَرَتْ عَنْهُ أَفْهَامُ الرِّجَالِ (مَعَ أَنَّهُ) أَيْ مُتَمَسَّكُهُمْ بِهَاتَيْنِ الْآيَتَيْنِ عَلَى الْوَجْهِ الْمَذْكُورِ (مُسْتَلْزِمٌ أَنْ لَا يَكُونَ غَيْرُ الْقُرْآنِ حَجَّةً) بِعَيْنِ مَا ذَكَرُوهُ (وَهُوَ) أَيْ انْتِفَاءُ حُجِّيَّةِ غَيْرِ الْقُرْآنِ (مُنْتَفٍ عِنْدَهُمْ) أَيْ الْمَانِعِينَ (أَيْضًا) فَمَا هُوَ جَوَابُهُمْ عَنْ هَذَا اللَّازِمِ لَهُمْ فَهُوَ جَوَابُنَا (وَبِهِ) أَيْ وَبِانْتِفَاءِ هَذَا اللَّازِمِ عِنْدَهُمْ (يَبْعُدُ نِسْبَةُ هَذَا) الِاسْتِدْلَالِ بِالْآيَتَيْنِ (لَهُمْ عَلَى الِاقْتِصَارِ) عَلَيْهِ كَمَا هُوَ ظَاهِرُ حِكَايَةِ النَّاقِلِينَ لَهُ عَنْهُمْ (وَأَمَّا) الْجَوَابُ عَنْهُ عَلَى مَا ذَكَرَهُ صَدْرُ الشَّرِيعَةِ وَهُوَ أَيْ الْقُرْآنُ تِبْيَانٌ لِلْقِيَاسِ (بِاعْتِبَارِ دَلَالَتِهِ) أَيْ الْقُرْآنِ (عَلَى حُكْمِ الْأَصْلِ نَصًّا) أَيْ لَفْظًا.(وَحُكْمِ(3/243)الْفَرْعِ دَلَالَةً) أَيْ مَعْنًى (فَلَيْسَ) كَذَلِكَ (وَإِلَّا فَكُلُّ قِيَاسٍ مَفْهُومٌ مُوَافَقَةً) لِأَنَّهُ الَّذِي شَأْنُهُ هَذَا (مَعَ أَنَّهُ) أَيْ كَوْنُ الْقُرْآنِ أَفَادَ الْأُصُولَ بِالنَّصِّ وَالْفُرُوعَ بِالدَّلَالَةِ (مَمْنُوعٌ فِي) الْأَشْيَاءِ (السِّتَّةِ) الْحِنْطَةُ بِالْحِنْطَةِ وَالشَّعِيرُ بِالشَّعِيرِ وَالتَّمْرُ بِالتَّمْرِ وَالذَّهَبُ بِالذَّهَبِ وَالْفِضَّةُ بِالْفِضَّةِ وَالْمِلْحُ بِالْمِلْحِ (أُصُولُ الرِّبَا) الْمَنْصُوصُ عَلَيْهَا فِي الْأَحَادِيثِ الصَّحِيحَةِ (وَ) فِي (كَثِيرٍ) مِنْ الْأَحْكَامِ الْمَقِيسِ عَلَيْهَا (بَلْ) بَيَانُ هَذَا وَأَشْبَاهُهُ إنَّمَا هُوَ (بِالسُّنَّةِ فَقَطْ وَحَدِيثُ) «لَمْ يَزَلْ أَمْرُ بَنِي إسْرَائِيلَ مُسْتَقِيمًا حَتَّى كَثُرَتْ فِيهِمْ أَوْلَادُ السَّبَايَا وَقَاسُوا مَا لَمْ يَكُنْ عَلَى مَا كَانَ فَضَلُّوا وَأَضَلُّوا» أَخْرَجَهُ الْبَزَّارُ مِنْ حَدِيثِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ وَفِي سَنَدِهِ قَيْسُ بْنُ الرَّبِيعِ فِيهِ مَقَالٌ وَرَوَاهُ الدَّارِمِيُّ وَأَبُو عَوَانَةَ بِإِسْنَادٍ صَحِيحٍ مِنْ قَوْلِ عُرْوَةَ (لَيْسَ مِمَّا نَحْنُ فِيهِ) وَهُوَ إظْهَارُ مَا قَدْ كَانَ وَرَدُّ مَشْرُوعٍ إلَى نَظِيرِهِ فِي حُكْمِهِ بِالْعِلَّةِ الْمُؤَثِّرَةِ الْجَامِعَةِ بَيْنَهُمَا بَلْ ظَاهِرُهُ أَنَّهُمْ كَانُوا يَقِيسُونَ فِي نَصْبِ الشَّرَائِعِ بِالْآرَاءِ مَا لَمْ يَكُنْ مَشْرُوعًا بِمَا كَانَ مَشْرُوعًا جَهْلًا مِنْهُمْ وَنَحْنُ بِحَمْدِ اللَّهِ تَعَالَى وَتَوْفِيقِهِ أَشَدُّ النَّاسِ نَكِيرًا لِذَلِكَ (قَالُوا) أَيْ الْمَانِعُونَ لَهُ سَمْعًا أَيْضًا (أَرْشَدُ إلَى تَرْكِهِ) أَيْ الْقِيَاسِ (بِإِيجَابِ الْحَمْلِ عَلَى الْأَصْلِ) وَهُوَ الْإِبَاحَةُ وَالْبَرَاءَةُ الْأَصْلِيَّةُ (فِيمَا لَمْ يُوجَدْ نَصٌّ) فِيهِ قَوْله تَعَالَى {قُلْ لا أَجِدُ فِي مَا أُوحِيَ إِلَيَّ مُحَرَّمًا عَلَى طَاعِمٍ يَطْعَمُهُ} [الأنعام: 145] الْآيَةَ فَكُلُّ مَا لَمْ يُوجَدْ فِي كِتَابِ اللَّهِ مُحَرَّمًا لَا يَكُونُ مُحَرَّمًا بَلْ يَكُونُ بَاقِيًا عَلَى الْإِبَاحَةِ الْأَصْلِيَّةِ.(الْجَوَابُ) هَذَا (إنَّمَا يُفِيدُ مَنْعَ إثْبَاتِ الْحُرْمَةِ ابْتِدَاءً بِهِ) أَيْ بِالْقِيَاسِ (وَبِهِ) أَيْ وَبِمَنْعِ إثْبَاتِهَا ابْتِدَاءً بِهِ (نَقُولُ كَمَا) نَقُولُ بِامْتِنَاعِهِ فِيمَا (لَمْ يُدْرَكْ مَنَاطُهُ قَالُوا) أَيْضًا الْقِيَاسُ (ظَنِّيٌّ) فَلَمْ يَجُزْ إثْبَاتُ حَقِّ الشَّارِعِ بِهِ وَهُوَ الْحُكْمُ الشَّرْعِيُّ لِقُدْرَتِهِ عَلَى الْبَيَانِ الْقَطْعِيِّ بِخِلَافِ حُقُوقِ الْعِبَادِ فَإِنَّهَا تَثْبُتُ بِمَا فِيهِ شُبْهَةٌ كَالشُّبُهَاتِ لِعَجْزِهِمْ عَنْ الْإِثْبَاتِ بِقَطْعِيٍّ (لَا) أَنَّهُ (كَخَبَرِ الْوَاحِدِ) فَإِنَّهُ بَيَانٌ مِنْ جِهَةِ الشَّارِعِ قَطْعِيٌّ وَإِنَّمَا تَمَكَّنَتْ الشُّبْهَةُ فِي طَرِيقِ الِانْتِقَالِ إلَيْنَا فَأَثَّرَ تَمَكُّنُهَا فِي انْتِفَاءِ الْيَقِينِ وَخَرَجَ الْخَبَرُ بِهَا مِنْ أَنْ يَكُونَ حُجَّةً مُوجِبَةً لِلْعِلْمِ كَالنَّصِّ الْمُؤَوَّلِ (وَجَوَابُهُ مَا مَرَّ فِي مَسْأَلَةِ تَقْدِيمِهِ) أَيْ خَبَرِ الْوَاحِدِ (عَلَيْهِ) أَيْ الْقِيَاسِ مِنْ أَنَّ الْمُعْتَبَرَ مِنْ الْخَبَرِ الْحَاصِلِ الْآنَ وَهُوَ مَظْنُونٌ كَالْقِيَاسِ عَلَى أَنَّ الْوَصْفَ الَّذِي هُوَ عِلَّةٌ عِنْدَنَا مُوجِبٌ لِلْعِلْمِ كَمَا أَنَّ الْخَبَرَ أَصْلُهُ مُوجِبٌ لِلْعِلْمِ لِأَنَّ الْوَصْفَ كَالْخَبَرِ وَالتَّعْلِيلَ كَالرِّوَايَةِ فَكَمَا احْتَمَلَتْ الرِّوَايَةُ الْغَلَطَ احْتَمَلَ التَّعْلِيلُ الْغَلَطَ فَلَا فَرْقَ بَيْنَهُمَا وَالْفَرْقُ الْمَذْكُورُ بَيْنَ حَقِّ اللَّهِ تَعَالَى وَحَقِّ الْعِبَادِ سَاقِطٌ لِأَنَّ جِهَةَ الْقِبْلَةِ مَحْضُ حَقِّ اللَّهِ لِأَنَّ التَّوَجُّهَ إلَيْهَا لِأَدَاءِ حَقِّ اللَّهِ سُبْحَانَهُ وَمَعَ ذَلِكَ أُطْلِقَ لَنَا الْعَمَلُ بِالرَّأْيِ فِيهِ إمَّا التَّحْقِيقُ مَعْنَى الِابْتِلَاءِ أَوْ لِأَنَّهُ لَيْسَ فِي وَسِعْنَا مَا هُوَ أَقْوَى مِنْ ذَلِكَ وَهَذَا الْمَعْنَى بِعَيْنِهِ مَوْجُودٌ فِي الْأَحْكَامِ (ثُمَّ بَعْدَ جَوَازِهِ) أَيْ تَكْلِيفِ الْمُجْتَهِدِ بِطَلَبِ مَنَاطِ الْحُكْمِ (وَقَعَ) التَّكْلِيفُ بِهِ (سَمْعًا قِيلَ ظَنًّا لِأَبِي الْحُسَيْنِ وَلِذَا) أَيْ وُقُوعِهِ ظَنًّا عِنْدَهُ (عَدَلَ) فِي إثْبَاتِهِ (إلَى مَا تَقَدَّمَ) مِنْ الدَّلِيلِ الْعَقْلِيِّ فَإِنَّ السَّمْعِيَّ يُفِيدُ ظَنَّ إيجَابِ الْقِيَاسِ حِينَئِذٍ وَإِثْبَاتُ أَصْلٍ دِينِيٍّ ثَبَتَ بِهِ الْأَحْكَامُ لَا يَكْفِي فِيهِ الظَّنُّ.(وَقِيلَ) أَيْ وَقَالَ الْأَكْثَرُ وَقَعَ (قَطْعًا لِقَوْلِهِ تَعَالَى {فَاعْتَبِرُوا يَا أُولِي الأَبْصَارِ} [الحشر: 2] فَإِنَّ الِاعْتِبَارَ رَدُّ الشَّيْءِ إلَى نَظِيرِهِ بِأَنْ يُحْكَمَ عَلَيْهِ بِحُكْمِهِ وَمِنْهُ سُمِّيَ الْأَصْلُ الَّذِي تُرَدُّ إلَيْهِ النَّظَائِرُ عِبْرَةً وَهَذَا يَشْمَلُ الِاتِّعَاظَ وَالْقِيَاسَ الْعَقْلِيَّ وَالشَّرْعِيَّ وَلَا شَكَّ أَنَّ سَوْقَ الْآيَةِ لِلِاتِّعَاظِ فَتَدُلُّ عَلَيْهِ عِبَارَةً وَعَلَى الْقِيَاسِ إشَارَةً (وَكَوْنُهُ) أَيْ اعْتَبِرُوا (مَخْصُوصًا بِمَا انْتَفَتْ شَرَائِطُهُ) أَيْ خُصَّ مِنْ مُتَعَلِّقِهِ مَا انْتَفَتْ فِيهِ شَرَائِطُ الْقِيَاسِ (وَاحْتِمَالُ كَوْنِهِ) أَيْ اعْتَبِرُوا (لِلنَّدْبِ وَ) احْتِمَالُ (كَوْنِهِ) أَيْ اعْتَبِرُوا خِطَابًا (لِلْحَاضِرِينَ) فَقَطْ (وَ) احْتِمَالُ (إرَادَةِ الْمَرَّةِ) مِنْ الِاعْتِبَارِ (وَفِي بَعْضِ الْأَحْوَالِ وَالْأَزْمِنَةِ) فَكَيْفَ يَثْبُتُ بِذَلِكَ وُجُوبُ الْعَمَلِ لِكُلِّ مُجْتَهِدٍ بِكُلِّ قِيَاسٍ صَحِيحٍ فِي كُلِّ زَمَانٍ جَوَابُهُ أَنَّ اعْتَبِرُوا فِي مَعْنَى افْعَلُوا الِاعْتِبَارَ وَهُوَ عَامٌّ وَالتَّخْصِيصُ الْمَذْكُورُ (لَا يَنْفِي الْقَطْعَ بِهِ) أَيْ بِمَا عَدَاهُ (لِأَنَّهُ تَخْصِيصٌ بِالْعَقْلِ) عَلَى أَنَّهُ عَلَى تَقْدِيرِ عَدَمِ الْعُمُومِ فَالْإِطْلَاقُ كَافٍ وَلَفْظُ {أُولِي الأَبْصَارِ} [الحشر: 2] يَعُمُّ الْمُجْتَهِدِينَ بِلَا نِزَاعٍ (وَلَيْسَ بِكُلِّ تَجْوِيزٍ عَقْلِيٍّ يَنْتَفِي الْقَطْعُ)(3/244)فَلَا عِبْرَةَ بِبَاقِي الِاحْتِمَالَاتِ (وَإِلَّا انْتَفَى) الْقَطْعُ (عَنْ السَّمْعِيَّاتِ) لِطُرُوقِهِ لَهَا بَلْ لَوْ اُعْتُبِرَ لَمْ يَصِحَّ التَّمَسُّكُ بِشَيْءٍ مِنْهَا.(وَأَمَّا ظُهُورُ كَوْنِهِ) أَيْ الِاعْتِبَارِ (فِي الِاتِّعَاظِ بِالنَّظَرِ إلَى خُصُوصِ السَّبَبِ) الَّذِي تَرَتَّبَ عَلَيْهِ هَذَا الْحُكْمُ (وَلِبُعْدِ يُخْرِبُونَ بُيُوتَهُمْ بِأَيْدِيهِمْ) وَأَيْدِي الْمُؤْمِنِينَ (فَقِيسُوا الذُّرَةَ بِالْبُرِّ) كَمَا هُوَ لَازِمُ الِاسْتِدْلَالِ لِانْتِفَاءِ الْمُنَاسَبَةِ فَلَا يُحْمَلُ كَلَامُ اللَّهِ تَعَالَى عَلَيْهِ (فَالْعِبْرَةُ لِعُمُومِ اللَّفْظِ) لَا لِخُصُوصِ السَّبَبِ فَانْتَفَى الْأَوَّلُ وَظَهَرَ كَوْنُهُ فِي الِاتِّعَاظِ (وَبِهِ) أَيْ وَبِهَذَا (انْتَفَى الثَّانِي) أَيْضًا وَهُوَ بُعْدُ تَرْتِيبِ فَاعْتَبِرُوا عَلَيْهِ (إذْ الْمُرَتَّبُ) عَلَى السَّبَبِ الْمَذْكُورِ الِاعْتِبَارُ (الْأَعَمُّ مِنْهُ) أَيْ مِنْ قِيَاسِ الذُّرَةِ عَلَى الْبُرِّ (أَيْ فَاعْتَبِرُوا الشَّيْءَ بِنَظِيرِهِ فِي مَنَاطِهِ فِي الْمَثُلَاتِ) أَيْ الْعُقُوبَاتِ جَمْعُ مَثُلَةٍ بِفَتْحِ الثَّاءِ وَضَمِّهَا (وَغَيْرِهَا وَهَذَا) الطَّرِيقُ فِي إثْبَاتِ التَّكْلِيفِ بِالْقِيَاسِ بِطَرِيقِ الْقَطْعِ مِنْ الْآيَةِ (أَيْسَرُ مِنْ إثْبَاتِهِ) أَيْ التَّكْلِيفِ بِهِ بِطَرِيقِ الْقَطْعِ مِنْهَا (دَلَالَةً) كَمَا تَنَزَّلَ إلَيْهِ صَدْرُ الشَّرِيعَةِ وَقَالَ وَطَرِيقُهَا فِي هَذِهِ الصُّورَةِ أَنَّ اللَّهَ ذَكَرَ هَلَاكَ قَوْمٍ بِنَاءً عَلَى سَبَبٍ وَهُوَ اعْتِزَازُهُمْ بِالْقُوَّةِ وَالشَّوْكَةِ ثُمَّ أَمَرَ بِالِاعْتِبَارِ لِيَكُفَّ عَنْ مِثَالِ ذَلِكَ السَّبَبِ لِئَلَّا يَتَرَتَّبَ عَلَيْهِ مِثْلُ ذَلِكَ الْجَزَاءِ فَالْحَاصِلُ أَنَّ الْعِلْمَ بِالْعِلَّةِ يُوجِبُ الْعِلْمَ بِحُكْمِهَا فَكَذَا فِي الْأَحْكَامِ الشَّرْعِيَّةِ مِنْ غَيْرِ تَفَاوُتٍ وَهَذَا الْمَعْنَى يُفْهَمُ مِنْ لَفْظِ الْفَاءِ وَهِيَ لِلتَّعْلِيلِ فَيَكُونُ مَفْهُومًا بِطَرِيقِ اللُّغَةِ مِنْ غَيْرِ اجْتِهَادٍ فَيَكُونُ دَلَالَةَ نَصٍّ لَا قِيَاسًا حَتَّى لَا يَكُونَ إثْبَاتُ الْقِيَاسِ بِالْقِيَاسِ بَلْ فِي التَّلْوِيحِ وَفِيهِ نَظَرٌ لِأَنَّ الْفَاءَ بَلْ صَرِيحُ الشَّرْطِ وَالْجَزَاءِ لَا يَقْتَضِي الْعِلَّةَ التَّامَّةَ حَتَّى يَلْزَمَ أَنْ يَكُونَ عِلَّةُ وُجُوبِ الِاتِّعَاظِ هَذِهِ الْقَضِيَّةَ السَّابِقَةَ غَايَةُ فِي الْبَابِ أَنْ يَكُونَ لَهَا دَخْلٌ فِي ذَلِكَ.وَهَذَا لَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّ كُلَّ مَنْ عَلِمَ وُجُودَ السَّبَبِ يَجِبُ عَلَيْهِ الْحُكْمُ بِوُجُودِ الْمُسَبَّبِ بَلْ مَا ذَكَرَهُ مِنْ التَّحْقِيقِ مِمَّا يَشُكُّ فِيهِ الْأَفْرَادُ مِنْ الْعُلَمَاءِ فَكَيْفَ يُجْعَلُ مِنْ دَلَالَةِ النَّصِّ وَقَدْ سَبَقَ أَنَّهُ يَجِبُ أَنْ يَكُونَ مِمَّا يَعْرِفُهُ كُلُّ مَنْ يَعْرِفُ اللُّغَةَ وَإِلَى هَذَا أَشَارَ الْمُصَنِّفُ بِقَوْلِهِ (إذْ لَا يَفْهَمُ مَنْ فَهِمَ اللُّغَةَ الْأَمْرَ بِالْقِيَاسِ فِي الْأَحْكَامِ مِنْ) الْأَمْرِ بِ (الِاتِّعَاظِ) وَقَدْ أُجِيبَ أَوَّلًا بِأَنَّ الْفَاءَ تَدُلُّ عَلَى الْعِلِّيَّةِ فِي الْجُمْلَةِ وَظَاهِرٌ أَنْ لَا عِلَّةَ هُنَا لِوُجُوبِ الِاتِّعَاظِ سِوَى الْقَضِيَّةِ السَّابِقَةِ فَتَكُونُ كُلُّ الْعِلَّةِ وَعَلَى تَقْدِيرِ التَّسْلِيمِ لِكَوْنِهَا لَهَا دَخْلٌ فِي الْعِلَّةِ تَثْبُتُ أَيْضًا أَنَّ لَهَا دَلَالَةً عَلَى الْعِلِّيَّةِ فِي الْجُمْلَةِ وَثَانِيًا بِأَنَّ التَّحْقِيقَ الَّذِي ذَكَرَهُ صَدْرُ الشَّرِيعَةِ مِمَّا لَا يَنْبَغِي أَنْ يَشُكَّ فِيهِ عَارِفٌ بِاللُّغَةِ فَلَوْ شَكَّ فِيهِ وَاحِدٌ مِنْ أَفْرَادِ الْعُلَمَاءِ فَقَدْ يَكُونُ لِعَدَمِ عِلْمِهِ بِاللُّغَةِ أَوْ مِمَّنْ يُظْهِرُ الشَّكَّ عِنَادًا، هَذَا وَالشَّرْطُ فِي دَلَالَةِ النَّصِّ أَنْ يَكُونَ الْمَعْنَى الَّذِي هُوَ مَنَاطُ الْحُكْمِ ثَابِتًا فِي الْمَنْصُوصِ عَلَيْهِ لُغَةً بِحَيْثُ يَعْرِفُهُ أَهْلُ اللِّسَانِ وَأَمَّا فِي غَيْرِهِ فَلَا يُشْتَرَطُ أَنْ يَكُونَ مَنَاطُ الْحُكْمِ مِمَّا يَعْرِفُهُ أَهْلُ اللِّسَانِ (وَأَيْضًا قَدْ تَوَاتَرَ عَنْ كَثِيرٍ مِنْ الصَّحَابَةِ الْعَمَلُ بِهِ) أَيْ الْقِيَاسِ عِنْدَ عَدَمِ النَّصِّ وَإِنْ كَانَتْ التَّفَاصِيلُ آحَادًا كَمَا تَقِفُ الْآنَ عَلَيْهِ عَنْ أَعْيَانٍ مِنْهُمْ.(وَالْعَادَةُ قَاضِيَةٌ فِي مِثْلِهِ) أَيْ الْعَمَلِ بِهِ (بِأَنَّهُ) إنَّمَا يَكُونُ (عَنْ قَاطِعٍ فِيهِ) أَيْ الْعَمَلِ بِهِ وَإِنْ لَمْ نَعْلَمْهُ عَلَى التَّعْيِينِ (وَأَيْضًا شَاعَ مُبَاحَثَتُهُمْ فِيهِ) أَيْ فِي الْعَمَلِ بِالْقِيَاسِ (وَتَرْجِيحُهُمْ) الْبَعْضَ عَلَى الْبَعْضِ (بِلَا نَكِيرٍ) لِذَلِكَ (فَكَانَ) ذَلِكَ (إجْمَاعًا مِنْهُمْ فِي حُجِّيَّتِهِ لِقَضَاءِ الْعَادَةِ بِهِ) أَيْ بِكَوْنِهِ حُجَّةً (فِي مِثْلِهِ مِنْ أُصُولِ الدِّينِ لَا سُكُوتًا) يُفِيدُ الظَّنَّ (وَحَدِيثُ مُعَاذٍ) الْمُفِيدُ حُجِّيَّةَ الْقِيَاسِ وَقَدْ سَبَقَ ذِكْرُهُ مُخَرَّجًا فِي مَسْأَلَةٍ وَلَيْسَتْ لُغَوِيَّةً مَبْدَئِيَّةُ الْأَئِمَّةِ الْأَرْبَعَةِ يَجُوزُ التَّخْصِيصُ بِالْقِيَاسِ (يُفِيدُ طُمَأْنِينَةً) وَهُوَ فَوْقَ الظَّنِّ الْمُسْتَفَادِ بِالْآحَادِ (فَإِنَّهُ) أَيْ حَدِيثَهُ (مَشْهُورٌ عَنْ الْحَنَفِيَّةِ) فَيَثْبُتُ بِهِ الْحُصُولُ فَإِنْ قِيلَ الِاجْتِهَادُ قَدْ يَكُونُ بِغَيْرِ الْقِيَاسِ الْمُتَنَازَعِ فِيهِ كَالْحُكْمِ بِالْبَرَاءَةِ الْأَصْلِيَّةِ وَالْقِيَاسُ الْمَنْصُوصُ الْعِلَّةُ وَالِاسْتِنْبَاطُ مِنْ النُّصُوصِ الْخَفِيَّةِ الدَّلَالَةِ وَلَوْ سُلِّمَ فَلَا دَلَالَةَ لَهُ عَلَى الْجَوَازِ لِغَيْرِ مُعَاذٍ فَالْجَوَابُ أَنَّ الْبَرَاءَةَ عَلَى تَقْدِيرِ تَسْلِيمِ احْتِيَاجِهَا إلَى الِاجْتِهَادِ هِيَ مَا تُوجَدُ فِي الْكِتَابِ لِقَوْلِهِ تَعَالَى {قُلْ لا أَجِدُ فِي مَا أُوحِيَ إِلَيَّ مُحَرَّمًا} [الأنعام: 145] الْآيَةَ وَلَوْ كَانَ الْمُرَادُ مَنْصُوصَ الْعِلَّةِ فَقَطْ لَمَا سَكَتَ الشَّارِعُ لِبَقَاءِ كَثِيرٍ مِنْ الْأَحْكَامِ وَهِيَ الَّتِي تَبْتَنِي عَلَى قِيَاسٍ غَيْرِ مَنْصُوصِ الْعِلَّةِ (وَكَوْنُ الِاجْتِهَادِ فِي الْمَنْصُوصِ دَاخِلًا فِي قَوْلِهِ) أَيْ مُعَاذٍ(3/245)أَقْضِي بِمَا فِي (كِتَابِ اللَّهِ وَسُنَّةِ رَسُولِ اللَّهِ) ثَابِتٌ أَيْضًا لِأَنَّ الْمُسْتَنْبَطَ مِنْهُمَا مَوْجُودٌ فِيهِمَا (فَلَمْ يَبْقَ إلَّا الْقِيَاسُ) مُطْلَقًا.(وَالْقَطْعُ بِأَنَّ إطْلَاقَهُ) أَيْ إطْلَاقَ جَوَازِهِ لِمُعَاذٍ (لَيْسَ إلَّا لِاجْتِهَادِهِ لَا لِخُصُوصِهِ) فَثَبَتَ فِي غَيْرِهِ بِدَلَالَةِ النَّصِّ (وَالْمَرْوِيُّ عَنْ جَمْعٍ مِنْ الصَّحَابَةِ كَالصِّدِّيقِ وَالْفَارُوقِ وَعَلِيٍّ وَابْنِ مَسْعُودٍ) - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ - (مِنْ ذَمِّهِ) أَيْ الْقِيَاسِ فَقَدْ ذَكَرَ غَيْرُ وَاحِدٍ عَنْ أَبِي بَكْرٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أَنَّهُ لَمَّا سُئِلَ عَنْ الْكَلَالَةِ قَالَ أَيُّ سَمَاءٍ تُظِلُّنِي وَأَيُّ أَرْضٍ تُقِلُّنِي إذَا قُلْت فِي كِتَابِ اللَّهِ بِرَأْيِي وَرَوَى الْبَيْهَقِيُّ فِي الْمَدْخَلِ عَنْ عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - اتَّقُوا الرَّأْيَ فِي دِينِكُمْ إيَّاكُمْ وَأَصْحَابَ الرَّأْيِ فَإِنَّهُمْ أَعْدَاءُ السُّنَنِ اتَّهَمُوا الرَّأْيَ عَلَى الدِّينِ.وَرَوَى أَبُو دَاوُد وَالتِّرْمِذِيُّ وَقَالَ حَسَنٌ صَحِيحٌ عَنْ عَلِيٍّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - لَوْ كَانَ الدِّينُ بِالرَّأْيِ لَكَانَ بَاطِنُ الْخُفِّ أَوْلَى بِالْمَسْحِ مِنْ أَعْلَاهُ وَرَوَى الطَّبَرَانِيُّ عَنْ ابْنِ مَسْعُودٍ لَا أَقِيسُ شَيْئًا بِشَيْءٍ فَتَزِلَّ قَدَمٌ بَعْدَ ثُبُوتِهَا وَعَنْهُ أَيْضًا إيَّاكُمْ وَأَرَأَيْت وَأَرَأَيْت فَتَزَلَّ قَدَمٌ بَعْدَ ثُبُوتِهَا وَرَوَى هُوَ أَيْضًا وَالْبَيْهَقِيُّ عَنْهُ يُحَدِّثُ قَوْمٌ يَقِيسُونَ الْأُمُورَ بِرَأْيِهِمْ فَيَنْهَدِمُ الْإِسْلَامُ وَيَنْثَلِمُ فَبَعْدَ صِحَّتِهِ عَنْهُمْ (فَالْقَطْعُ بِأَنَّهُ) أَيْ الذَّمَّ (فِي غَيْرِهِ) أَيْ الْقِيَاسِ الشَّرْعِيِّ وَإِلَّا فَمَا عَنْ أَبِي بَكْرٍ لَمْ أَقِفْ عَلَيْهِ مُخَرِّجًا بَلْ أَخْرَجَ ابْنُ أَبِي شَيْبَةَ عَنْهُ رَأَيْت فِي الْكَلَالَةِ رَأْيًا فَإِنْ يَكُ صَوَابًا فَمِنْ اللَّهِ وَإِنْ يَكُ خَطَأً فَمِنْ قِبَلِي وَالشَّيْطَانِ الْكَلَالَةُ مَا عَدَا الْوَلَدَ وَالْوَالِدَ الْبَيْهَقِيُّ بِلَفْظِ سُئِلَ أَبُو بَكْرٍ عَنْ الْكَلَالَةِ فَقَالَ أَقُولُ فِيهَا بِرَأْيِي إلَخْ وَفِي مُسْنَدِ الطَّبَرَانِيِّ جَابِرٌ الْجُعْفِيُّ ضَعِيفٌ وَفِيمَا وَافَقَهُ عَلَيْهِ الْبَيْهَقِيُّ مُجَالِدُ بْنُ سَعِيدٍ تَكَلَّمَ فِيهِ ثُمَّ إنَّمَا كَانَ مُرَادُ الذَّامِّينَ غَيْرَ مَا نَحْنُ فِيهِ (إذْ قَاسَ كَثِيرٌ) وَقَالَ الزَّرْكَشِيُّ الصَّحَابَةُ (حَرَامٌ عَلَى طَالِقٍ) وَلَمْ أَقِفْ عَلَى تَخْرِيجٍ فِيهِ بَلْ رَوَى سَعِيدُ بْنُ مَنْصُورٍ عَنْ إبْرَاهِيمَ أَنَّ عَلِيًّا - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - كَانَ يَقُولُ فِي الْحَرَامِ وَالْخِلْيَةِ وَالْبَرِّيَّةِ وَالْبَتَّةِ هِيَ ثَلَاثٌ وَعَنْ جَعْفَرِ بْنِ مُحَمَّدٍ عَنْ أَبِيهِ أَنَّ عَلِيًّا قَالَ فِي الَّذِي يُحَرِّمُ أَهْلَهُ هِيَ طَالِقٌ ثَلَاثًا قَالَ شَيْخُنَا الْحَافِظُ وَرِجَالُهُمَا ثِقَاتٌ لَكِنَّ الْأَوَّلَ مُنْقَطِعٌ بَيْنَ إبْرَاهِيمَ وَعَلِيٍّ وَالثَّانِيَ مُنْقَطِعٌ بَيْنَ مُحَمَّدٍ وَعَلِيٍّ قَالَ وَصَحَّ عَنْ ابْنِ عُمَرَ أَخْرَجَهُ سَعِيدُ بْنُ مَنْصُورٍ أَيْضًا وَبِهِ قَالَ زَيْدُ بْنُ ثَابِتٍ عَلَى خِلَافٍ عَنْهُ اهـ فَلَا جَرَمَ أَنْ ذَكَرَ ابْنُ الْمُنْذِرِ أَنَّهُ رَوَى وُقُوعَ الثَّلَاثِ بِهِ عَنْ عَلِيٍّ وَزَيْدِ بْنِ ثَابِتٍ وَابْنِ عُمَرَ.ثُمَّ هَذَا لَا يَتَأَتَّى عَلَى قَوْلِ أَصْحَابِنَا فَإِنَّهُ لَا يَقَعُ بِطَالِقٍ عِنْدَهُمْ سِوَى وَاحِدَةً رَجْعِيَّةً وَذَكَرَ بَعْضُهُمْ وُقُوعَ وَاحِدَةٍ بِهِ عَنْ ابْنِ مَسْعُودٍ وَهَذَا فِي تَمْشِيَتِهِ قِيَاسٌ عَلَى طَالِقٍ عِنْدَ أَصْحَابِنَا فِيهِ تَأَمُّلٌ فَإِنَّهُمْ وَإِنْ كَانُوا يَقُولُونَ بِوُقُوعِ الْوَاحِدَةِ بِهِ فَهُمْ يَقُولُونَ بِوُقُوعِهَا بَائِنَةً وَالْوَاقِعُ بِطَالِقٍ وَاحِدَةٌ رَجْعِيَّةٌ ثُمَّ إنَّهُمْ يَقُولُونَ بِوُقُوعِ الثَّلَاثِ بِالْحَرَامِ إذَا نَوَاهَا لَا بِطَالِقٍ (وَ) قَاسَ (عَلِيٌّ) - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - (الشَّارِبَ) لِلْخَمْرِ (عَلَى الْقَاذِفِ) فِي الْحَدِّ كَمَا تَقَدَّمَ بَيَانُهُ قَرِيبًا وَبَعِيدًا (وَ) قَاسَ (الصِّدِّيقُ) - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - (الزَّكَاةَ عَلَى الصَّلَاةِ فِي وُجُوبِ الْقِتَالِ) فِي التَّرْكِ فَفِي الْحَدِيثِ الْمُتَّفَقِ عَلَيْهِ أَنَّ عُمَرَ قَالَ لِأَبِي بَكْرٍ كَيْفَ تُقَاتِلُ النَّاسَ فَسَاقَهُ وَفِيهِ مِنْ قَوْلِ أَبِي بَكْرٍ وَاَللَّهِ لَأُقَاتِلَن مَنْ فَرَّقَ بَيْنَ الصَّلَاةِ وَالزَّكَاةِ وَمِنْ قَوْلِ عُمَرَ فَوَاَللَّهِ مَا هُوَ إلَّا أَنْ رَأَيْتُ اللَّهَ قَدْ شَرَحَ صَدْرَ أَبِي بَكْرٍ لِلْقِتَالِ فَعَرَفْت أَنَّهُ الْحَقُّ (وَفِيهِ) أَيْ قِيَاسِ أَبِي بَكْرٍ الْمَذْكُورِ (إجْمَاعُ الصَّحَابَةِ أَيْضًا) فَإِنَّهُمْ وَافَقُوهُ عَلَيْهِ (وَوَرَّثَ) أَبُو بَكْرٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - (أُمَّ الْأُمِّ لَا أُمَّ الْأَبِ) لَمَّا اجْتَمَعَتَا (فَقِيلَ لَهُ) وَالْقَائِلُ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنِ سَهْلٍ أَخُو بَنِي حَارِثَةَ كَمَا أَفَادَتْهُ رِوَايَةُ الدَّارَقُطْنِيِّ وَسَعِيدِ بْنِ مَنْصُورٍ مَا مَعْنَاهُ (تَرَكْت الَّتِي لَوْ كَانَتْ الْمَيِّتَةَ) وَهُوَ حَيٌّ (وَرِثَ الْكُلَّ) مِنْهَا إذَا انْفَرَدَ (أَيْ هِيَ) أَيْ أُمُّ الْأَبِ (أَقْرَبُ) مِنْ أُمِّ الْأُمِّ (فَشَرَكَ) أَبُو بَكْرٍ (بَيْنَهُمَا فِي السُّدُسِ) عَلَى السَّوَاءِ أَخْرَجَ مَعْنَاهُ الْبَيْهَقِيُّ عَنْ الْقَاسِمِ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ أَبِي بَكْرٍ الصِّدِّيقِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - وَرِجَالُهُ رِجَالُ الصَّحِيحِ.(وَ) وَرَّثَ (عُمَرُ الْمَبْتُوتَةَ بِالرَّأْيِ) فَأَخْرَجَ الْبَيْهَقِيُّ عَنْ النَّخَعِيِّ أَنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - قَالَ فِي الَّذِي يُطَلِّقُ امْرَأَتَهُ وَهُوَ مَرِيضٌ أَنَّهَا تَرِثُهُ فِي الْعِدَّةِ وَلَا يَرِثُهَا وَهُوَ مَشْهُورٌ عَنْ عُثْمَانَ كَمَا رَوَاهُ مَالِكٌ وَالشَّافِعِيُّ بِسَنَدٍ صَحِيحٍ (وَابْنُ مَسْعُودٍ) قَاسَ (مَوْتَ زَوْجِ الْمُفَوَّضَةِ) قَبْلَ الدُّخُولِ بِهَا فِي لُزُومِ جَمِيعِ مَهْرِ الْمِثْلِ عَلَى مَوْتِ زَوْجِ غَيْرِهَا قَبْلَ الدُّخُولِ بِهَا فِي لُزُومِ(3/246)جَمِيعِ الْمُسَمَّى لَهَا وَتَقَدَّمَ تَخْرِيجُهُ فِي مَسْأَلَةٍ بَعْدَ اشْتِرَاطِ الْحَنَفِيَّةِ الْمُقَارَنَةَ فِي التَّخْصِيصِ وَفِي التَّنْبِيهِ بِذَيْلِ مَسْأَلَةِ " عِرْفَانُ الشُّهْرَةِ مُعَرِّفٌ لِلْعَدَالَةِ " نَعَمْ لَمْ يَقَعْ فِي الرِّوَايَةِ تَصْرِيحُ ابْنِ مَسْعُودٍ بِالْقِيَاسِ وَلَا ضَيْرَ فَإِنَّهُ لَازِمُ قَوْلِهِ (وَذَلِكَ) أَيْ الْعَمَلُ بِالْقِيَاسِ لِلصَّحَابَةِ فَضْلًا عَنْ غَيْرِهِمْ (أَكْثَرُ مِنْ أَنْ يُنْقَلَ وَاخْتِلَافُهُمْ) أَيْ الصَّحَابَةُ (فِي تَوْرِيثِ الْجَدِّ مَعَ الْإِخْوَةِ) لِأَبَوَيْنِ أَوْ لِأَبٍ (كُلٌّ) مِنْهُمْ (قَالَ فِيهِ بِالتَّشْبِيهِ) فَقَدْ أَخْرَجَ طَلْحَةُ فِي مُسْنَدِ أَبِي حَنِيفَةَ عَنْهُ عَنْ جَعْفَرِ بْنِ مُحَمَّدِ الصَّادِقِ أَنَّ عُمَرَ شَاوَرَ عَلِيًّا وَزَيْدَ بْنَ ثَابِتٍ فِي الْجَدِّ مَعَ الْإِخْوَةِ فَقَالَ لَهُ عَلِيٌّ أَرَأَيْت يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ لَوْ أَنَّ شَجَرَةً انْشَعَبَ مِنْهَا غُصْنٌ ثُمَّ انْشَعَبَ مِنْ الْغُصْنِ غُصْنٌ أَيُّهُمَا أَقْرَبُ إلَى أَحَدِ الْغُصْنَيْنِ أَصَاحِبُهُ الَّذِي خَرَجَ مِنْهُ أَمْ الشَّجَرَةُ وَقَالَ زَيْدٌ لَوْ أَنَّ جَدْوَلًا انْبَعَثَ مِنْ سَاقِيَةٍ ثُمَّ انْبَعَثَ مِنْ السَّاقِيَةِ سَاقِيَتَانِ أَيُّهُمَا أَقْرَبُ إحْدَى السَّاقِيَتَيْنِ إلَى صَاحِبَتِهَا أَمْ الْجَدْوَلُ إلَى غَيْرِ ذَلِكَ مِمَّا يَطُولُ ذِكْرُهُ.[مَسْأَلَةُ النَّصِّ مِنْ الشَّارِعِ عَلَى الْعِلَّةِ لِلْحُكْمِ يَكْفِي فِي إيجَابِ تَعَدِّيَةِ الْحُكْمِ بِهَا](مَسْأَلَةُ النَّصِّ) مِنْ الشَّارِعِ (عَلَى الْعِلَّةِ) لِلْحُكْمِ (يَكْفِي فِي إيجَابِ تَعَدِّيَةِ الْحُكْمِ بِهَا) أَيْ بِالْعِلَّةِ إلَى غَيْرِ مَحَلِّ الْحُكْمِ الْمَنْصُوصِ الْمُشَارِكِ لَهُ فِيهَا (وَلَوْ لَمْ تَثْبُتْ شَرْعِيَّةُ الْقِيَاسِ وِفَاقًا لِلْحَنَفِيَّةِ وَأَحْمَدَ وَالنَّظَّامِ وَالْقَاسَانِيِّ) وَأَبِي إِسْحَاقَ الشِّيرَازِيِّ (وَأَبُو عَبْدِ اللَّهِ الْبَصْرِيُّ) قَالَ يَكْفِي فِي إيجَابِ تَعَدِّيَةِ الْحُكْمِ بِهَا (فِي التَّحْرِيمِ) أَيْ إذَا كَانَتْ عِلَّةُ التَّحْرِيمِ الْفِعْلَ دُونَ غَيْرَهُ (خِلَافًا لِلْجُمْهُورِ) فِي أَنَّهُ لَا يَكْفِي فِي إيجَابِ تَعَدِّيهِ الْحُكْمَ بِهَا مُطْلَقًا (لَهُمْ) أَيْ الْجُمْهُورِ (انْتِفَاءُ دَلِيلِ الْوُجُوبِ) لِتَعَدِّيَةِ الْحُكْمِ بِهَا ثَابِتٌ (وَهُوَ) أَيْ دَلِيلُهُ (الْأَمْرُ) بِالتَّعَدِّيَةِ بِهَا (أَوْ الْإِخْبَارُ بِهِ) أَيْ بِالْوُجُوبِ فَيَنْتَفِي الْوُجُوبُ (وَأَمَّا الِاسْتِدْلَال) لَهُمْ كَمَا ذَكَرَ ابْنُ الْحَاجِبِ وَغَيْرُهُ (بِلُزُومِ عِتْقِ كُلِّ) عَبْدٍ (أَسْوَدَ) لَهُ (لَوْ قَالَ أَعْتَقْت) عَبْدِي (غَانِمًا لِسَوَادِهِ) لِأَنَّهُ حِينَئِذٍ بِمَثَابَةِ أَعْتَقْت كُلَّ عَبْدٍ لِي أَسْوَدَ وَانْتِفَاءُ اللَّازِمِ مَقْطُوعٌ بِهِ (فَمَرْدُودٌ) كَمَا أَشَارَ إلَيْهِ عَضُدُ الدِّينِ (بِأَنَّهُمْ) أَيْ الْحَنَفِيَّةَ وَمَنْ مَعَهُمْ (لَا يَقُولُونَ بِثُبُوتِ حُكْمِ الْفَرْعِ مِنْ اللَّفْظِ لِيَلْزَمَ ذَلِكَ) اللُّزُومُ الْمَذْكُورُ (بَلْ) يَقُولُونَ (إنَّهُ) أَيْ النَّصَّ عَلَى الْعِلَّةِ (دَالٌّ عَلَى وُجُوبِ إثْبَاتِ الْحُكْمِ) بِهَا عَلَى الْمُجْتَهِدِ (أَيْنَ وُجِدَ) الْوَصْفُ الَّذِي هُوَ الْعِلَّةُ الْمَنْصُوصُ عَلَيْهَا فَذَكَرَهَا بِاعْتِبَارِ الْوَصْفِ وَهَذَا بِنَاءً عَلَى نَقْلِ الْأَكْثَرِينَ عَنْهُمْ أَنَّهُمْ جَعَلُوا التَّنْصِيصَ عَلَى الْعِلَّةِ أَمْرًا بِالْقِيَاسِ وَإِلَّا فَقَدْ نَقَلَ الْغَزَالِيُّ فِي الْمُسْتَصْفَى وَالْآمِدِيُّ عَنْ النَّظَّامِ أَنَّ التَّنْصِيصَ عَلَى الْعِلَّةِ يَقْتَضِي تَعْمِيمَ الْحُكْمِ فِي جَمِيعِ مَوَارِدِهَا بِطَرِيقِ عُمُومِ اللَّفْظِ فَيَتِمُّ اللُّزُومُ الْمَذْكُورُ عَلَيْهِ.(وَكَذَا) الِاسْتِدْلَال لِلْحَنَفِيَّةِ وَمَنْ مَعَهُمْ (بِأَنَّهُ لَا فَرْقَ بَيْنَ حَرَّمْت الْخَمْرَ لِإِسْكَارِهَا وَ) حَرَّمْت (كُلَّ مُسْكِرٍ إذَا كَانَ مِنْ وَاجِبِ الِامْتِثَالِ) وَالثَّانِي يُفِيدُ عُمُومَ الْحُرْمَةِ لِكُلِّ مُسْكِرٍ فَكَذَا الْأَوَّلُ إذْ لَا فَرْقَ بَيْنَ ذِكْرِ الْعِلَّةِ صَرِيحًا وَبَيْنَ إضَافَةِ الْحُكْمِ إلَيْهَا وَهُوَ الْمَطْلُوبُ مَرْدُودٌ (لِمَا ذَكَرْنَا) آنِفًا مِنْ أَنَّهُمْ لَا يَقُولُونَ بِثُبُوتِ حُكْمِ الْفَرْعِ مِنْ اللَّفْظِ لِيَلْزَمَ عَدَمُ الْفَرْقِ وَهَذَا إنَّمَا يَتِمُّ أَيْضًا بِالنِّسْبَةِ إلَى النَّظَّامِ عَلَى نَقْلِ غَيْرِ الْغَزَالِيِّ وَالْآمِدِيِّ (وَالْفَرْقُ) الْمُدَّعَى لِلْحَنَفِيَّةِ وَمَنْ مَعَهُمْ بَيْنَ كَوْنِ النَّصِّ عَلَى الْعِلَّةِ يُوجِبُ تَعَدِّيَةَ الْحُكْمِ بِهَا وَبَيْنَ عَدَمِ لُزُومِ الْعِتْقِ فِي الصُّورَةِ الْمَذْكُورَةِ (بِأَنَّ الْقِيَاسَ حَقُّ اللَّهِ تَعَالَى فَيَكْفِي فِيهِ الظُّهُورُ وَالْعِتْقُ زَوَالُ حَقِّ آدَمِيٍّ فَبِالصَّرِيحِ) أَيْ فَلَا يَثْبُتُ إلَّا بِهِ وَقَوْلُهُ أَعْتَقْت غَانِمًا لِسَوَادِهِ لَيْسَ بِصَرِيحٍ (مَمْنُوعٌ بِأَنَّ الْعِتْقَ كَذَلِكَ) أَيْ يَكْفِي فِيهِ الظُّهُورُ (لِتَشَوُّفِهِ) أَيْ الشَّارِعِ (إلَيْهِ) حَتَّى كَانَ أَحَبَّ الْمُبَاحَاتِ إلَيْهِ (وَلِأَنَّ فِيهِ) أَيْ الْعِتْقِ (حَقَّ اللَّهِ تَعَالَى) لِأَنَّهُ عِبَادَةٌ مِنْ جُمْلَةِ الْعِبَادَاتِ الَّتِي هِيَ حُقُوقُ اللَّهِ تَعَالَى.(وَلَنَا أَنَّ ذِكْرَ الْعِلَّةِ مَعَ الْحُكْمِ يُفِيدُ تَعْمِيمَهُ) أَيْ الْحُكْمَ (فِي مَحَالِّ وُجُودِهَا لِأَنَّهُ يَتَبَادَرُ إلَى فَهْمِ كُلِّ مَنْ سَمِعَ حُرْمَةَ الْخَمْرِ لِأَنَّهَا مُسْكِرَةٌ تَحْرِيمَ كُلِّ مَا أَسْكَرَ وَمِنْ قَوْلِ طَبِيبٍ لَا تَأْكُلْهُ) أَيْ الشَّيْءَ الْفُلَانِيَّ (لِبُرُودَتِهِ مَنَعَهُ) أَيْ الْمُخَاطَبَ (مِنْ) أَكْلِ (كُلِّ بَارِدٍ وَاحْتِمَالُ كَوْنِهِ) أَيْ النَّصِّ عَلَى الْعِلَّةِ إنَّمَا هُوَ (لِبَيَانِ حِكْمَتِهِ) أَيْ الْحُكْمِ (مَعَ مَنْعِ الْمُجْتَهِدِ مِنْ مِثْلِهِ) أَيْ الْقِيَاسِ عَلَيْهِ (أَوْ أَنَّهُ) أَيْ النَّصَّ عَلَيْهَا فِي نَحْوِ حَرَّمْت الْخَمْرَ لِإِسْكَارِهَا إنَّمَا هُوَ (لِخُصُوصِ إسْكَارِ الْخَمْرِ) أَيْ لِإِفَادَةِ أَنَّ الْعِلَّةَ(3/247)إسْكَارُ الْخَمْرِ بِحَيْثُ يَكُونُ قَيْدُ الْإِضَافَةِ إلَى الْخَمْرِ مُعْتَبَرًا فِي الْعِلَّةِ لِجَوَازِ اخْتِصَاصِ إسْكَارِهَا بِتَرَتُّبِ مَفْسَدَةٍ عَلَيْهِ دُونَ إسْكَارِ غَيْرِهَا لَا أَنَّ الْعِلَّةَ الْإِسْكَارُ مُطْلَقًا احْتِمَالٌ (لَا يَقْدَحُ فِي الظُّهُورِ كَاحْتِمَالِ خُصُوصِ الْعَامِّ بَعْدَ الْبَحْثِ عَنْ الْمُخَصِّصِ) وَعَدَمِ الْعُثُورِ عَلَيْهِ (فَإِنَّهُ) أَيْ الْعَامَّ (حِينَئِذٍ) أَيْ بَعْدَ الْبَحْثِ عَنْ الْمُخَصِّصِ وَعَدَمِ الْعُثُورِ عَلَيْهِ (ظَاهِرٌ فِي عَدَمِ التَّخْصِيصِ) فَإِنَّ الظُّهُورَ لَا يَدْفَعُ بِالِاحْتِمَالِ الْغَيْرَ الظَّاهِرَ وَكَيْفَ وَهُوَ لَازِمُهُ (فَبَطَلَ مَنْعُهُ) أَيْ كَوْنُ النَّصِّ عَلَى الْعِلَّةِ مُوجِبًا لِتَعَدِّيَةِ الْحُكْمِ بِهَا (بِتَجْوِيزِ كَوْنِهِ) أَيْ النَّصِّ عَلَى الْعِلَّةِ (لِتُعْقَلَ فَائِدَةُ شَرْعِيَّتِهِ) أَيْ الْحُكْمِ (فِي ذَلِكَ الْمَحَلِّ مَعَ قَصْرِهِ) أَيْ الْحُكْمِ (عَلَيْهِ) أَيْ ذَلِكَ الْمَحَلِّ وَإِنَّمَا بَطَلَ لِأَنَّهُ خِلَافُ الظَّاهِرِ (وَأَبْعَدُ مِنْهُ) أَيْ مِنْ التَّجْوِيزِ الْمَذْكُورِ (تَعْلِيلُ كَوْنِهِ) أَيْ تَحْرِيمِ الْخَمْرِ (بِإِسْكَارِهَا بِأَنَّ حُرْمَةَ الْخَمْرِ لَا تُعَلَّلُ بِكُلِّ إسْكَارٍ) بَلْ بِالْإِسْكَارِ الْمَنْسُوبِ إلَيْهَا كَمَا ذَكَرَهُ عَضُدُ الدِّينِ وَإِنَّمَا كَانَ أَبْعَدَ (لِأَنَّ الْمُدَّعَى ظُهُورُ) نَحْوِ (حُرْمَتِهَا لِأَنَّهَا مُسْكِرَةٌ فِي التَّعْلِيلِ بِالْإِسْكَارِ الدَّائِرِ فِي كُلِّ إسْكَارٍ دُونَ الْإِسْكَارِ الْمُقَيَّدِ بِالْإِضَافَةِ الْخَاصَّةِ) وَهِيَ الْإِضَافَةُ إلَى الْخَمْرِ (لِتَبَادُرِ الْغَايَةِ) أَيْ خُصُوصِ الْإِضَافَةِ (إلَى عَقْلِ كُلِّ مَنْ فَهِمَ مَعْنَى السُّكْرِ وَاعْتَرَفَ هَذَا الْقَائِلُ) يَعْنِي عَضُدَ الدِّينِ (بِإِفَادَةِ قَوْلِ الطَّبِيبِ لَا تَأْكُلْهُ لِبَرْدِهِ التَّعْمِيمَ) أَيْ الْمَنْعَ مِنْ أَكْلِ كُلِّ بَارِدٍ كَمَا هُوَ الظَّاهِرُ.(وَهُوَ) أَيْ وَحُرْمَةُ الْخَمْرِ لِأَنَّهَا مُسْكِرَةٌ (مِثْلُهُ) فَيَكُونُ مُفِيدًا مَنْعَ شُرْبِ كُلِّ مُسْكِرٍ (دُونَ) أَنْ يَقُولَ (إنَّ الْمَنْعَ) فِيهِ إنَّمَا هُوَ (مِنْ ذَلِكَ الْبَارِدِ) بِخُصُوصِهِ (وَلَا يُعَلَّلُ) الْمَنْعُ مِنْهُ (بِكُلِّ بُرُودَةٍ) كَمَا قَالَ فِي حُرْمَةِ الْخَمْرِ لِإِسْكَارِهَا لَا تَعْلِيلَ بِكُلِّ إسْكَارٍ بَلْ بِالْإِسْكَارِ الْمَنْسُوبِ إلَيْهَا (وَفَرَّقَ الْبَصْرِيُّ بِأَنَّ تَرْكَ الْمَنْهِيِّ مُوجِبٌ ضَرَرًا) لِأَنَّ النَّهْيَ الشَّرْعِيَّ الْمُفِيدُ لِلتَّحْرِيمِ إنَّمَا يَقَعُ عَنْ مُضِرٍّ (فَيُفِيدُ) النَّهْيُ عَنْهُ (الْعُمُومَ) فِي عِلَّتِهِ فَالنَّهْيُ عَنْ أَكْلِ شَيْءٍ لِأَذَاهُ دَالٌّ عَلَى طَلَبِ تَرْكِ أَكْلِ كُلِّ مُؤْذٍ كَقَوْلِ الطَّبِيبِ الْمَذْكُورِ (وَالْفِعْلُ لِتَحْصِيلِ مَصْلَحَةٍ) كَالتَّصَدُّقِ عَلَى فَقِيرٍ لِلْمَثُوبَةِ (لَا يُوجِبُ كُلَّ تَحْصِيلٍ) لِكُلِّ مَثُوبَةٍ (لَا يُفِيدُ) مَطْلُوبَهُ (بَعْدَ ظُهُورِ أَنَّهُ) أَيْ النَّصَّ عَلَى الْعِلَّةِ (مِنْ الشَّارِعِ يُفِيدُ إيجَابَ اعْتِبَارِ الْوَصْفِ) لِذَلِكَ الْحُكْمِ (وَيَسْتَلْزِمُ وُجُوبَ التَّرْتِيبِ) لِذَلِكَ الْحُكْمِ عَلَى ذَلِكَ الْوَصْفِ (وَإِلَّا) لَوْ لَمْ يَكُنْ مُفِيدًا لِاعْتِبَارِهِ وَمُسْتَلْزِمًا لِوُجُوبِ تَرْتِيبِ الْحُكْمِ عَلَيْهِ (لَزِمَتْ مُخَالَفَةُ اعْتِبَارِهِ) أَيْ الْوَصْفِ (وَهُوَ) أَيْ خِلَافُ اعْتِبَارِهِ (مُضِرٌّ كَالنَّهْيِ وَهَذَا) الْجَوَابُ (تَفْصِيلُ رَدِّ دَلِيلِهِمْ) أَيْ الْجُمْهُورِ وَالظَّاهِرُ رَدُّ تَفْصِيلِ دَلِيلِهِمْ (الْأَوَّلِ) وَهُوَ انْتِفَاءُ الْأَمْرِ بِالتَّعَدِّيَةِ وَالْإِخْبَارِ بِوُجُوبِهَا بِهَا فَإِنَّ إفَادَةَ اعْتِبَارِ الْوَصْفِ بِحَيْثُ يَجِبُ تَرَتُّبُ الْحُكْمِ عَلَيْهِ إخْبَارُ مَعْنَى بِوُجُوبِهَا.(وَأَمَّا مَا ذُكِرَ) فِي أُصُولِ ابْنِ الْحَاجِبِ وَغَيْرِهِ (مِنْ مَسْأَلَةٍ لَا يَجْرِي الْخِلَافُ) فِي جَرَيَانِ الْقِيَاسِ (فِي جَمِيعِ الْأَحْكَامِ) بِمَعْنَى أَنَّ ثَمَّ قَائِلًا بِجَرَيَانِهِ فِي جَمِيعِهَا وَقَائِلًا بِامْتِنَاعِهِ فِي بَعْضِهَا (فَمَعْلُومَةٌ مِنْ الشُّرُوطِ) لَهُ لِكَوْنِ حُكْمِ الْأَصْلِ مَعْقُولَ الْمَعْنَى وَكَوْنِ الْفَرْعِ لَا يَتَغَيَّرُ فِيهِ حُكْمُ نَصٍّ وَإِجْمَاعٍ عَلَى حُكْمِ الْأَصْلِ إلَى غَيْرِ ذَلِكَ فَلَا حَاجَةَ إلَى إفْرَادِ مَسْأَلَةٍ فِيهِ ثُمَّ الَّذِي فِي أُصُولِ ابْنِ الْحَاجِبِ وَشُرُوحِهِ وَغَيْرِهَا لَا يَجْرِي الْقِيَاسُ فِي جَمِيعِ الْأَحْكَامِ خِلَافًا لِشُذُوذِ الْمُرَادِ وَاحِدٌ (وَيَجِبُ الْحُكْمُ عَلَى الْخِلَافِ الْمَنْقُولِ عَلَى الْإِطْلَاقِ) فِي هَذَا (بِالْخَطَأِ) إذْ لَا خِلَافَ يُنْقَلُ بَلْ وَلَا يُعْقَلُ فِي امْتِنَاعِ جَرَيَانِ الْقِيَاسِ فِي حُكْمٍ لَا يُعْقَلُ مَعْنَاهُ وَاَلَّذِي فِي نَفْسِ الْأَمْرِ فِي امْتِنَاعِ جَرَيَانِهِ فِي بَعْضِهَا اتِّفَاقًا عَلَى مَا فِي بَعْضِهَا مِنْ خِلَافٍ تَقَدَّمَ بَيَانُهُ وَمَا حَكَى مِنْ شُبْهَةِ الْمُخَالِفِ بِأَنَّ الْأَحْكَامَ مُتَمَاثِلَةٌ لِشُمُولِ حَدِّ الْحُكْمِ الشَّرْعِيِّ لَهَا وَقَدْ جَرَى الْقِيَاسُ فِي الْبَعْضِ فَلْيَجْرِ فِي الْكُلِّ لِأَنَّ الْمُتَمَاثِلَاتِ بِحَسَبِ اشْتِرَاكِهَا فِيمَا يَجُوزُ عَلَيْهَا فَسَاقِطٌ لِأَنَّ شُمُولَ الْحَدِّ الْوَاجِبِ لَا يُوجِبُ تَمَاثُلَهَا عَلَى أَنَّ هَذَا لَوْ كَانَ مُوجِبًا التَّمَاثُلَ لَكَانَ مُسَوِّغًا لِقِيَاسِ كُلِّ شَيْءٍ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ وَهُوَ مَعْلُومُ الْبُطْلَانِ ثُمَّ هَذَا.[فَصْلٌ فِي بَيَانِ الِاعْتِرَاضَاتِ الْوَارِدَةِ عَلَى الْقِيَاسِ](فَصْلٌ فِي بَيَانِ الِاعْتِرَاضَاتِ الْوَارِدَةِ عَلَى الْقِيَاسِ) وَنَذْكُرُ فِي طَيِّهَا مَا يَرِدُ عَلَى غَيْرِهِ وَهُوَ قَلِيلٌ بِالنِّسْبَةِ إلَيْهَا (يَرِدُ عَلَى الْقِيَاسِ أَسْئِلَةٌ مَرْجِعُ مَا سِوَى الِاسْتِفْسَارِ إلَى الْمَنْعِ أَوْ الْمُعَارَضَةِ) لَا جَمِيعِهَا كَمَا أَطْلَقَ غَيْرُ وَاحِدٍ ثُمَّ هَذَا عَلَى مَا عَلَيْهِ أَكْثَرُ الْجَدَلِيِّينَ وَوَافَقَهُمْ ابْنُ الْحَاجِبِ لِأَنَّ غَرَضَ الْمُسْتَدِلِّ مِنْ إثْبَاتِ مُدَّعَاهُ(3/248)بِدَلِيلِهِ يَكُونُ بِصِحَّةِ مُقَدِّمَاتِهِ لِيَصْلُحَ لِلشَّهَادَةِ وَبِسَلَامَتِهِ عَنْ الْمُعَارِضِ لِتَنْفُذَ شَهَادَتُهُ فَيَتَرَتَّبُ عَلَيْهِ الْحُكْمُ وَغَرَضُ الْمُعْتَرِضِ مِنْ عَدَمِ إثْبَاتِهِ بِهِ بِهَدْمِ أَحَدِهِمَا يَكُونُ بِالْقَدْحِ فِي صِحَّةِ الدَّلِيلِ بِمَنْعِ مُقَدِّمَةٍ مِنْهُ أَوْ بِمُعَارَضَتِهِ بِمَا يُقَاوِمُهَا وَيَمْنَعُ ثُبُوتَ حُكْمِهَا وَمَا لَا يَكُونُ مِنْ الْقَبِيلَيْنِ لَا تَعَلُّقَ لَهُ بِمَقْصُودِ الِاعْتِرَاضِ فَلَا يُلْتَفَتُ إلَيْهِ وَمَشَى السُّبْكِيُّ عَلَى أَنَّهَا رَاجِعَةٌ إلَى الْمَنْعِ وَحْدَهُ مُوَافَقَةً لِبَعْضِ الْجَدَلِيِّينَ لِأَنَّ الْمُعَارَضَةَ مَنْعُ الْعِلَّةِ عَنْ الْجَرَيَانِ (أَوَّلُهَا) أَيْ الْأَسْئِلَةِ وَطَلِيعَتُهَا (الِاسْتِفْسَارُ) وَهُوَ طَلَبُ بَيَانِ مَعْنَى اللَّفْظِ (وَلَا يَخْتَصُّ) الْقِيَاسُ (بِهِ) بَلْ هُوَ جَارٍ فِي كُلِّ خَفِيِّ الْمُرَادِ وَهُوَ (مُتَّفَقٌ) عَلَيْهِ (وَلَمْ تَذْكُرْهُ الْحَنَفِيَّةُ لِثُبُوتِهِ بِالضَّرُورَةِ) إذْ بِالضَّرُورَةِ يُعْلَمُ أَنَّ مَا لَمْ يَفْهَمْهُ الْمُخَاطَبُ يُسْتَفْسَرُ عَنْهُ.(وَإِنَّمَا يَسْمَعُ فِي لَفْظٍ يُخْفَى مُرَادُهُ) وَمِنْ ثَمَّةَ قَالَ الْقَاضِي مَا تَمَكَّنَ فِيهِ الِاسْتِبْهَامُ حَسُنَ فِيهِ الِاسْتِفْهَامُ (وَإِلَّا) لَوْ كَانَ الْمُرَادُ مِنْهُ ظَاهِرًا (فَتَعَنُّتٌ) أَيْ فَالِاسْتِفْسَارُ تَعَنُّتٌ (مَرْدُودٌ) لِتَفْوِيتِهِ فَائِدَةَ الْمُنَاظَرَةِ إذْ يَأْتِي فِي كُلِّ لَفْظٍ يُفَسَّرُ بِهِ لَفْظٌ وَيَتَسَلْسَلُ وَفِي الصِّحَاحِ جَاءَنِي فُلَانٌ مُتَعَنِّتًا إذَا جَاءَ بِطَلَبِ زَلَّتِك (وَلَهُ) أَيْ الْمُسْتَدِلِّ (أَنْ لَا يَقْبَلَهُ) أَيْ اسْتِفْسَارَ الْمُعْتَرِضِ (حَتَّى يُبَيِّنَهُ) أَيْ الْمُعْتَرِضُ خَفَاءَ الْمُرَادِ مِنْهُ (لِأَنَّهُ) أَيْ الْخَفَاءَ (خِلَافُ الْأَصْلِ) إذْ الْأَصْلُ عَدَمُ الْخَفَاءِ لِأَنَّ الْأَصْلَ وَضْعُ الْأَلْفَاظِ لِبَيَانِ الْمُرَادِ مِنْهَا وَالْبَيِّنَةُ عَلَى مُدَّعِي خِلَافِ الْأَصْلِ (وَيَكْفِيهِ) أَيْ الْمُعْتَرِضُ فِي بَيَانِ الْخَفَاءِ (صِحَّةُ إطْلَاقِهِ) أَيْ اللَّفْظِ (لِمُتَعَدِّدٍ وَلَوْ) كَانَ إطْلَاقُهُ عَلَى الْمَعَانِي الْمُتَعَدِّدَةِ (بِلَا تَسَاوٍ لِأَنَّهُ) أَيْ الْمُعْتَرِضَ (يُخْبِرُ بِالِاسْتِبْهَامِ عَلَيْهِ لِتِلْكَ الصِّحَّةِ) أَيْ صِحَّةِ إطْلَاقِهِ لِمُتَعَدِّدٍ فَيَكْفِيهِ مَا يَدْفَعُ بِهِ ظَنَّ التَّعَنُّتِ فِي حَقِّهِ وَيَصْدُقُ لِعَدَالَتِهِ السَّالِمَةِ عَنْ الْمُعَارِضِ.(وَجَوَابُهُ) أَيْ الِاسْتِفْسَارُ (بَيَانُ ظُهُورِهِ) أَيْ اللَّفْظِ (فِي مُرَادِهِ) مِنْهُ (بِالْوَضْعِ) أَيْ بِبَيَانِ وَضْعِ اللَّفْظِ لِذَلِكَ الْمُرَادِ كَقَوْلِ الْمُسْتَدِلِّ لِانْتِهَاءِ حُرْمَةِ الْمُطَلَّقَةِ ثَلَاثًا عَلَى زَوْجِهَا الْأَوَّلِ بِوَطْءِ زَوْجٍ ثَانٍ شَرْعًا إذَا كَانَ قَائِلًا بِأَنَّ النِّكَاحَ حَقِيقَةٌ شَرْعِيَّةٌ فِي الْوَطْءِ بِقَوْلِهِ تَعَالَى {حَتَّى تَنْكِحَ زَوْجًا غَيْرَهُ} [البقرة: 230] فِي جَوَابِ قَوْلِ الْمُعْتَرِضِ مَا الْمُرَادُ بِالنِّكَاحِ فَإِنَّهُ يُقَالُ شَرْعًا عَلَى الْوَطْءِ وَالْعَقْدُ الْمُرَادُ الْوَطْءُ لِوَضْعِهِ لَهُ مَعَ عَدَمِ الْمُوجِبِ لِلْعُدُولِ عَنْهُ (أَوْ الْقَرِينَةِ) الْمُنْضَمَّةِ إلَيْهِ كَقَوْلِهِ فِي ذَلِكَ إذَا كَانَ قَائِلًا بِأَنَّ النِّكَاحَ حَقِيقَةٌ شَرْعِيَّةٌ فِي الْعَقْدِ وَالْمَرْأَةُ لَا تَصْلُحُ مُبَاشَرَتُهَا لَهُ فِي جَوَابِ الْمُعْتَرِضِ الْمَذْكُورِ الْمُرَادُ الْعَقْدُ بِقَرِينَةِ الْإِسْنَادِ إلَى الْمَرْأَةِ (أَوْ ذِكْرِ مَا أَرَادَ) بِهِ إذَا عَجَزَ عَنْ بَيَانِ ظُهُورِهِ بِأَحَدِ هَذَيْنِ الطَّرِيقَيْنِ (بِلَا مُشَاحَّةِ تَكَلُّفِ نَقْلِ اللُّغَةِ أَوْ الْعُرْفِ فِيهِ) نَعَمْ عِنْدَ طَائِفَةٍ مِنْهُمْ ابْنُ الْحَاجِبِ يَجِبُ أَنْ يُفَسِّرَهُ بِمَا يَجُوزُ اسْتِعْمَالُهُ فِيهِ كَتَفْسِيرِ يُخْرِجُ فِي صَدَقَةِ الْفِطْرِ الثَّوْرَ لِقَائِلٍ مَا الثَّوْرُ الْقِطْعَةُ مِنْ الْأَقِطِ وَإِلَّا كَانَ مِنْ جِنْسِ اللَّعِبِ فَيَخْرُجُ عَمَّا وُضِعَتْ لَهُ الْمُنَاظَرَةُ مِنْ إظْهَارِ الْحَقِّ فَلَا يَسْمَعُ وَقِيلَ يَسْمَعُ لِأَنَّ غَايَةَ الْأَمْرِ أَنَّهُ نَاظَرَهُ بِلُغَةٍ غَيْرِ مَعْلُومَةٍ وَرُدَّ بِأَنَّ فِيهِ فَتْحَ بَابٍ لَا يَنْسَدُّ.قَالَ السُّبْكِيُّ هَذَا كُلُّهُ إذَا لَمْ يَكُنْ اللَّفْظُ مَشْهُورًا فَإِنْ كَانَ مَشْهُورًا فَالْجَزْمُ تَبْكِيتُ الْمُعْتَرِضِ وَفِي مِثْلِهِ مَرَّ فَتَعَلَّمْ ثُمَّ ارْجِعْ فَتَكَلَّمْ قَالَهُ أَبُو بَكْرٍ التَّوْقَادِيُّ (وَأَمَّا) قَوْلُ الْمُسْتَدِلِّ فِي دَفْعِ خَفَاءِ الْمُرَادِ مِنْ لَفْظِهِ لِلْمُعْتَرِضِ (يَلْزَمُ ظُهُورُهُ) أَيْ اللَّفْظِ (فِي أَحَدِهِمَا) أَيْ الْمَعْنَيَيْنِ اللَّذَيْنِ يُطْلَقُ عَلَى كُلٍّ مِنْهُمَا (وَإِلَّا) لَوْ لَمْ يَكُنْ ظَاهِرًا فِي أَحَدِهِمَا (فَالْإِجْمَالُ) أَيْ فَيَلْزَمُ الْإِجْمَالُ لَهُ (وَهُوَ) أَيْ الْإِجْمَالُ (خِلَافُ الْأَصْلِ أَوْ) يَلْزَمُ ظُهُورُهُ (فِيمَا قَصَدْتَ إذْ لَيْسَ ظَاهِرًا فِي الْآخَرِ) بِمُوَافَقَتِكَ إيَّايَ عَلَى ذَلِكَ (فَالْحَقُّ نَفْيُهُ) أَيْ هَذَا الدَّفْعِ كَمَا عَلَيْهِ بَعْضُهُمْ (وَإِلَّا) لَوْ لَمْ يَكُنْ الْحَقُّ نَفْيَهُ كَمَا عَلَيْهِ آخَرُونَ بِنَاءً عَلَى ظُهُورِ وُرُودِهِ (فَاتَ الْغَرَضُ فَإِنَّهُ) أَيْ الْمُعْتَرِضَ (ذَكَرَ عَدَمَ فَهْمِهِ) مُرَادُ الْمُسْتَدِلِّ (فَلَمْ يُبَيَّنْ) لَهُ مُرَادُهُ (وَمِثْلُهُ) أَيْ سُؤَالُ الِاسْتِفْسَارِ فِي عَدَمِ الِاخْتِصَاصِ بِالْقِيَاسِ (سُؤَالُ التَّقْسِيمِ) فَإِنَّهُ جَارٍ فِي جَمِيعِ الْمُقَدِّمَاتِ الَّتِي تَقْبَلُ الْمَنْعَ وَلِذَا عَقَّبَهُ بِهِ وَهُوَ (مَنْعُ أَحَدِ مَا تَرَدَّدَ اللَّفْظُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ غَيْرِهِ) بِعَيْنِهِ (مَعَ تَسْلِيمِ الْآخَرِ) أَيْ كَوْنُهُ مُسْلِمًا فِي نَفْسِ الْأَمْرِ حَالَ كَوْنِهِ الْمَنْعَ (مُقْتَصِرًا) إنْ لَمْ يَقْرُنْ بِذِكْرِ تَسْلِيمِ الْآخَرِ بِأَنْ سَكَتَ الْمُعْتَرِضُ عَنْ ذِكْرِ كَوْنِهِ مُسْلِمًا (أَوْ) قَرَنَ (بِذِكْرِهِ) أَيْ التَّسْلِيمِ لَهُ (كَفَى الصَّحِيحَ الْمُقِيمَ)(3/249)أَيْ كَمَا يُقَالُ فِي إجَازَةِ التَّيَمُّمِ لِلصَّحِيحِ الْمُقِيمِ (فَقْدُ الْمَاءِ فَوُجِدَ سَبَبُ التَّيَمُّمِ) وَهُوَ فَقْدُ الْمَاءِ (فَيَجُوزُ) التَّيَمُّمُ (فَيُقَالُ) مِنْ قِبَلِ الْمُعْتَرِضِ (سَبَبِيَّةُ الْفَقْدِ) لِلْمَاءِ فَقْدُهُ (مُطْلَقًا أَوْ) فَقْدُهُ (فِي السَّفَرِ الْأَوَّلِ مَمْنُوعٌ) وَالثَّانِي مُسَلَّمٌ لَكِنْ لَا يَلْزَمُ مِنْهُ الْمَطْلُوبُ إذْ الْكَلَامُ فِي الصَّحِيحِ الْحَاضِرِ.(وَفِي الْمُلْتَجِئِ) أَيْ وَكَمَا يُقَالُ فِي الْقَاتِلِ عَمْدًا عُدْوَانًا إذَا لَاذَ بِالْحَرَمِ يُقْتَصُّ مِنْهُ إذْ (الْقَتْلُ) الْعَمْدُ (الْعُدْوَانُ سَبَبُهُ) أَيْ الِاقْتِصَاصُ مِنْهُ (فَيُقْتَصُّ فَيُقَالُ) الْقَتْلُ الْعَمْدُ الْعُدْوَانُ سَبَبُهُ (مُطْلَقًا) أَيْ مَعَ الِالْتِجَاءِ وَبِدُونِهِ (أَوْ) هُوَ سَبَبُهُ (مَا لَمْ يَلْتَجِ الْأَوَّلُ مَمْنُوعٌ) وَالثَّانِي مُسَلَّمٌ وَلَا يُلْزِمُ الْمَطْلُوبَ لِأَنَّ الْكَلَامَ فِي الْمُلْتَجِئِ فَقَدْ اُخْتُلِفَ فِي هَذَا السُّؤَالِ (فَقِيلَ لَا يُقْبَلُ لِعَدَمِ تَعَيُّنِ الْمَمْنُوعِ مُرَادًا) لِلْمُعْتَرِضِ وَلَا يَبْطُلُ كَلَامُ الْمُسْتَدِلِّ حَتَّى يَكُونَ الْمَمْنُوعُ مُرَادَهُ (وَلِأَنَّ حَاصِلَهُ) أَيْ هَذَا السُّؤَالِ (ادِّعَاءُ الْمُعْتَرِضِ مَانِعًا) لِلْحُكْمِ (وَبَيَانُهُ) أَيْ الْمَانِعُ (عَلَيْهِ) أَيْ الْمُعْتَرِضُ لِدَعْوَاهُ أَمْرًا عَارِضًا (وَالْمُخْتَارُ قَبُولُهُ) أَيْ هَذَا السُّؤَالُ (لِجَوَازِ عَجْزِهِ) أَيْ الْمُسْتَدِلِّ (عَنْ إثْبَاتِهِ) أَيْ الْمَمْنُوعِ وَلَهُ مَدْخَلٌ فِي هَدْمِ الدَّلِيلِ (وَاللَّفْظُ) لِلسَّائِلِ (يُفِيدُ نَفْيَ السَّبَبِيَّةِ لَا وُجُودَ الْمَانِعِ مَعَ السَّبَبِ وَأَمَّا كَوْنُهُ) أَيْ الْمُسْتَدِلُّ (بِهِ) أَيْ بِالْإِبْطَالِ (يَتَبَيَّنُ مُرَادُهُ) أَيْ الْمُسْتَدِلُّ وَرُبَّمَا لَمْ يُمْكِنْهُ تَتْمِيمُ الدَّلِيلِ مَعَ الْإِبْطَالِ كَمَا ذَكَرَهُ عَضُدُ الدِّينِ فِي تَوْجِيهِ هَذَا (فَلَيْسَ) كَذَلِكَ (بَلْ قِيَاسُهُ) أَيْ الْمُسْتَدِلُّ (يُفِيدُهُ) أَيْ تَبْيِينُ مُرَادِهِ (إذْ تَرْتِيبُهُ) أَيْ الْمُسْتَدِلِّ الْحُكْمَ إنَّمَا هُوَ (عَلَى الْفَقْدِ) لِلْمَاءِ مُطْلَقًا (وَالْقَتْلِ) الْعَمْدِ الْعُدْوَانِ (مُطْلَقًا فَهُوَ) أَيْ مُرَادُهُ (مَعْلُومٌ) بِهَذَا.(وَتَرْدِيدُ السَّائِلِ تَجَاهُلٌ أَوْ تَحْرِيرُ التَّرْتِيبِ عَلَى الْفَقْدِ الْمُقَيَّدِ) بِقَوْلِهِ فِي السَّفَرِ (مُبَالَغَةٌ فِي الِاسْتِيضَاحِ وَيَكْفِيهِ) أَيْ الْمُسْتَدِلُّ (الْأَصْلُ عَدَمُ الْمَانِعِ) وَلَا يَلْزَمُ بَيَانُهُ فَإِنَّ الدَّلِيلَ مَا لِوُجُودِ النَّظَرِ إلَيْهِ أَيْ بِلَا الْتِفَاتِ إلَى وُجُودِ الْمَانِعِ وَعَدَمِهِ أَفَادَ الظَّنَّ وَإِنَّمَا بَيَانُ كَوْنِهِ مَانِعًا عَلَى الْمُعْتَرِضِ (هَذَا وَيُقْبَلُ) هَذَا السُّؤَالُ (وَإِنْ اشْتَرَكَا) أَيْ احْتِمَالًا لِلَّفْظِ الْمُتَرَدِّدِ بَيْنَهُمَا (فِي التَّسْلِيمِ إذَا اخْتَلَفَا فِيمَا يَرِدُ عَلَيْهِمَا مِنْ) الْأَسْئِلَةِ (الْفَوَادِحِ) فِيهِمَا وَإِلَّا لَمْ يَكُنْ لِلتَّقْسِيمِ مَعْنًى كَمَا لَوْ اشْتَرَكَا فِي الْمَنْعِ وَلَيْسَ مِنْ شَرْطِهِ أَنْ يَكُونَ أَحَدُهُمَا مَمْنُوعًا وَالْآخَرُ مُسَلَّمًا هَذَا وَقَالَ الْكَرْمَانِيُّ وَعِنْدَ التَّحْقِيقِ لَيْسَ هَذَا سُؤَالًا آخَرَ بَلْ هُوَ دَاخِلٌ تَحْتَ سُؤَالِ الِاسْتِفْسَارِ فَلَا مَعْنَى لِجَعْلِهِ وَاحِدًا مُسْتَقِلًّا مِنْ الِاعْتِرَاضَاتِ.(ثُمَّ) قَالَ (الْحَنَفِيَّةُ الْعِلَلُ طَرْدِيَّةٌ وَمُؤَثِّرَةٌ) وَعَلِمْتُ أَنَّ (مِنْهَا) أَيْ الْمُؤَثِّرَةِ الْعِلَّةَ (الْمُلَائِمَةَ عِنْدَ الشَّافِعِيَّةِ وَلَيْسَ لِلسَّائِلِ فِيهَا) أَيْ الْمُؤَثِّرَةِ (إلَّا الْمَانِعَةُ) أَيْ مَنْعُ مُقَدِّمَةِ الدَّلِيلِ مَعَ السَّنَدِ أَيْ مَا الْمَنْعُ مَبْنِيٌّ عَلَيْهِ أَوَّلًا مَعَهُ وَهِيَ مَنْعُ ثُبُوتِ الْوَصْفِ فِي الْأَصْلِ أَوْ فِي الْفَرْعِ أَوْ مَنْعُ ثُبُوتِ الْحُكْمِ فِي الْأَصْلِ أَوْ فِي الْفَرْعِ أَوْ مَنْعُ صَلَاحِيَّةِ الْوَصْفِ لِلْحُكْمِ أَوْ مَنْعُ نِسْبَةِ الْحُكْمِ إلَى الْوَصْفِ (وَالْمُعَارَضَةُ) وَهِيَ لُغَةً الْمُقَابَلَةُ عَلَى سَبِيلِ الْمُمَانَعَةِ وَاصْطِلَاحًا تَسْلِيمُ دَلِيلِ الْمُعَلَّلِ دُونَ مَدْلُولِهِ وَالِاسْتِدْلَالُ عَلَى نَفْيِ مَدْلُولِهِ (لِأَنَّهُمَا لَا يَقْدَحَانِ فِي الدَّلِيلِ) كَمَا عَلِمْت (بِخِلَافِ فَسَادِ الْوَضْعِ) أَيْ كَوْنِ الْعِلَّةِ مُرَتَّبًا عَلَيْهَا نَقِيضُ مَا تَقْتَضِيهِ (وَ) فَسَادِ (الِاعْتِبَارِ) أَيْ كَوْنِ الْقِيَاسِ مُعَارَضًا بِنَصٍّ أَوْ إجْمَاعٍ كَمَا سَنَذْكُرُ (وَالْمُنَاقَضَةُ) أَيْ وُجُودُ الْعِلَّةِ فِي صُورَةٍ مَعَ تَخَلُّفِ الْحُكْمِ وَإِنَّمَا قَالَ (أَيْ النَّقْضُ) لِئَلَّا يَتَبَادَرَ بِمَعْنَى مَنْعِ مُقَدِّمَةٍ بِعَيْنِهِ كَمَا هُوَ اصْطِلَاحُ الْجَدَلِيِّينَ كَمَا سَيَأْتِي فَإِنَّ هَذِهِ الثَّلَاثَةَ لَيْسَتْ لِلسَّائِلِ فِي الْمُؤَثِّرَةِ (إذْ يُوجِبُ) كُلٌّ مِنْهَا (تَنَاقُضَ الشَّرْعِ) لِأَنَّ التَّأْثِيرَ إنَّمَا يَثْبُتُ بِالْكِتَابِ أَوْ السُّنَّةِ أَوْ الْإِجْمَاعِ وَهَذِهِ لَا تَحْتَمِلُ التَّنَاقُضَ فَكَذَا التَّأْثِيرُ الثَّابِتُ بِهَا لِأَنَّ فِي مُنَاقَضَتِهِ مُنَاقَضَتُهَا (وَهَذَا) أَيْ هَذَا النَّقْضُ إنَّمَا لَا يَكُونُ لِلسَّائِلِ فِي الْمُؤَثِّرَةِ (عَلَى مَنْعِ تَخْصِيصِ الْعِلَّةِ) .أَمَّا عَلَى الْقَوْلِ بِجَوَازِ تَخْصِيصِهَا فَلَهُ ذَلِكَ وَقَدْ تَقَدَّمَ بَيَانُ الْخِلَافِ فِي ذَلِكَ وَأَوْرَدَ هَذِهِ الْأَدِلَّةَ كَمَا لَا تَحْتَمِلُ الْمُنَاقَضَةَ لَا تَحْتَمِلُ الْمُعَارَضَةَ أَيْضًا فَلِمَ فَرَّقَ بَيْنَهُمَا أُجِيبَ بِأَنَّهَا وَإِنْ لَمْ تَحْتَمِلْ الْمُعَارَضَةُ حَقِيقَةً تَحْتَمِلُهَا بِالنِّسْبَةِ إلَيْهَا لِلْجَهْلِ بِالنَّاسِخِ بِخِلَافِ الْمُنَاقَضَةِ فَإِنَّهَا لَا تَحْتَمِلُهَا أَصْلًا لِأَنَّ التَّنَاقُضَ يُبْطِلُ نَفْسَ الدَّلِيلِ وَيَلْزَمُ مِنْهُ نِسْبَةُ الْجَهْلِ إلَى الشَّارِعِ وَهُوَ بَاطِلٌ فَافْتَرَقَا (وَأَمَّا وُجُودُ الْحُكْمِ دُونَهَا) أَيْ الْعِلَّةِ (وَهُوَ الْعَكْسُ فَعَامُّ الِانْتِفَاءِ) عَنْ(3/250)