عدد الزوار 255 التاريخ 15/08/2020
وَكَالْقِيَاسِ الْعَقْلِيِّ.قَالُوا: لَمْ تَعْتَبِرْ الصَّحَابَةُ سِوَى مُجَرَّدِ الشَّبَهِ.رُدَّ1 بِالْمَنْعِ اهـ."وَ" يُشْتَرَطُ مَعَ ذَلِكَ "أَنْ تُؤَثِّرَ" الْعِلَّةُ "فِي أَصْلِهَا الْمَقِيسِ عَلَيْهِ"2 عِنْدَ أَصْحَابِنَا3 وَالْحَنَفِيَّةِ4 وَالشَّافِعِيَّةِ5.وَاكْتَفَى الْحَلْوَانِيُّ وَأَبُو الطَّيِّبِ بِتَأْثِيرِهَا فِي أَصْلٍ، أَيَّ أَصْلٍ كَانَ6."وَ" مِنْ شُرُوطِ الْفَرْعِ أَيْضًا "أَنْ يُسَاوِيَ حُكْمُهُ حُكْمَ الأَصْلِ فِيمَا يُقْصَدُ كَوْنُهُ وَسِيلَةً لِلْحِكْمَةِ مِنْ عَيْنِ الْحُكْمِ" كَالْقِصَاصِ فِي النَّفْسِ بِالْمُثْقَلِ عَلَى الْمُحَدَّدِ "أَوْ جِنْسِهِ" أَيْ جِنْسِ الْحُكْمِ7، كَالْوِلايَةِ فِي نِكَاحِ الصَّغِيرَةِ عَلَى الْوِلايَةِ فِي مَالِهَا، فَإِنَّ__________1 في ع: ورد.2 في ش: عليها.3 انظر المسودة ص 421، 422، 428.4 انظر: التلويح على التوضيح 2/560، كشف الأسرار 3/352، 353.5 في ش: الشافعية والقاضي.انظر تحقيق المسألة في "اللمع ص 64، التبصرة ص 465".6 انظر الجدل لابن عقيل ص 52، المعتمد 2/772، اللمع ص 64، التبصرة ص 464.7 انظر "شرح العضد 2/233، مختصر البعلي ص 145، روضة الناظر ص 317، مختصر الطوفي ص 152، الإحكام للآمدي 3/359، تيسير التحرير 3/295، إرشاد الفحول ص 209، نشر البنود 2/125، التلويح على =(4/108)وِلايَةَ النِّكَاحِ مُسَاوِيَةٌ لِوِلايَةِ الْمَالِ فِي جِنْسِ الْوِلايَةِ لا فِي عَيْنِ تِلْكَ الْوِلايَةِ؛ فَإِنَّهَا سَبَبٌ لِنَفَاذِ1 التَّصَرُّفِ، وَلَيْسَتْ عَيْنَهَا، لاخْتِلافِ التَّصَرُّفَيْنِ2.وَأَمَّا إذَا اخْتَلَفَ الْحُكْمُ لَمْ يَصِحَّ، كَقَوْلِ الْحَنْبَلِيِّ: يُوجِبُ الظِّهَارُ الْحُرْمَةَ فِي حَقِّ الذِّمِّيِّ كَالْمُسْلِمِ.قَالَ3 الْحَنَفِيَّةُ: الْحُرْمَةُ فِي الْمُسْلِمِ مُتَنَاهِيَةٌ بِالْكَفَّارَةِ، وَالْحُرْمَةُ فِي الذِّمِّيِّ مُؤَبَّدَةٌ؛ لأَنَّهُ لَيْسَ مِنْ أَهْلِ الْكَفَّارَةِ، فَيَخْتَلِفُ الْحُكْمُ فِيهِمَا4.وَجَوَابُهُ: أَنْ يُبَيِّنَ الْمُسْتَدِلُّ5 الاتِّحَادَ، فَيَمْنَعُ كَوْنَ الذِّمِّيِّ لَيْسَ مِنْ أَهْلِ الْكَفَّارَةِ، بَلْ عَلَيْهِ الصَّوْمُ بِأَنْ يُسْلِمَ وَيَأْتِيَ بِهِ، وَيَصِحُّ إعْتَاقُهُ وَإِطْعَامُهُ مَعَ الْكُفْرِ اتِّفَاقًا، فَهُوَ مِنْ أَهْلِ الْكَفَّارَةِ، فَالْحُكْمُ مُتَّحِدٌ، وَالْقِيَاسُ صَحِيحٌ.__________= التوضيح وحاشية الجرجاني عليه 2/542، الإبهاج 3/106، كشف الأسرار 3/318، المستصفى 2/330، 348، فواتح الرحموت 2/257، مفتاح الوصول ص 152".1 في ش: لنفاذ ولاية.2 في ش: النص فيه.3 في ش ز: قالت.4 في ش: فيتخلف.5 في ع: للمستدل.(4/109)"وَ" مِنْ شُرُوطِ الْفَرْعِ أَيْضًا "أَنْ لا يَكُونَ مَنْصُوصًا عَلَى حُكْمِهِ بِمُوَافِقٍ"1.قَالَ الْكُورَانِيُّ: مِنْ شُرُوطِ الْفَرْعِ: أَنْ لا يَكُونَ حُكْمُهُ مَنْصُوصًا عَلَيْهِ بِنَصٍّ مُوَافِقٍ؛ لأَنَّ وُجُودَ النَّصِّ يُغْنِي عَنْ الْقِيَاسِ لِتَقَدُّمِهِ عَلَيْهِ، خِلافًا لِمَنْ يُجَوِّزُ قِيَامَ دَلِيلَيْنِ عَلَى مَدْلُولٍ وَاحِدٍ، فَإِنَّهُ يَجْتَمِعُ عِنْدَهُ النَّصُّ وَالْقِيَاسُ عَلَى حُكْمٍ وَاحِدٍ.فَالتَّحْقِيقُ: أَنَّهُ إنْ أَرَادَ طَائِفَةً جَوَّزَتْ قِيَامَ دَلِيلَيْنِ، بِمَعْنَى أَنَّ كُلاًّ مِنْهُمَا يُفِيدُ الْعِلْمَ بِالْمَدْلُولِ: فَهَذَا غَيْرُ مَعْقُولٍ؛ لأَنَّهُ تَحْصِيلُ__________1 ولا مخالف. قال صاحب "عمدة الحواشي": "لأن التعدية إن كانت على وفاق النص الذي في الفرع فلا فائدة فيه، لأن النص يغني عنه. وإن كانت على خالفه فهو باطل، لمناقضة حكم النص. وهذا مختار عامة المشايخ. وأما مختار مشايخ سمرقند: أنه يجوز التعليل على موافقة النص، وهو الأشبه؛ لأن فيه تأكيد النص على معنى أنه لولا النص لكان الحكم ثابتاً بالتعليل، ولا مانع في الشرع والعقل من تعاضد الأدلة، وتأكد بعضها ببعض. فإن الشرع قد ورد بآيات كثيرة وأحاديث متعددة في حكم واحد، وملأ السلفُ كتبهم بالتمسك بالنص والمعقول في حكم، ولم ينقل عن أحد نكير، فكاناً إجماعاً على جوازه".انظر تحقيق المسألة في "أصول الشاشي مع عمدة الحواشي ص 314، 315، كشف الأسرار 3/329، فواتح الرحموت 2/260، شرح العضد 2/233، مختصر البعلي ص 145، شفاء الغليل ص 675، المحصول 2/2/499، الإحكام للآمدي 3/363، تيسير التحرير 3/300، المحلي على جمع الجوامع وحاشية البناني عليه 2/228، 230، الآيات البينات 4/29، 32، فتح الغفار 3/16، إرشاد الفحول ص 209، نشر البنود 2/128، التلويح على التوضيح وحاشية الجرجاني عليه 2/542، 544، نهاية السول 3/124، المستصفى 2/331، مفتاح الوصول ص 152".(4/110)الْحَاصِلِ. وَإِنْ أَرَادَ إيضَاحًا وَاسْتِظْهَارًا: فَلَمْ يُخَالِفْ فِيهِ أَحَدٌ. أَلا تَرَاهُمْ يَقُولُونَ: الدَّلِيلُ عَلَى الْمَسْأَلَةِ1 الإِجْمَاعُ وَالنَّصُّ وَالْقِيَاسُ؟!وَأَمَّا إذَا كَانَ النَّصُّ مُخَالِفًا: فَقَدْ عَلِمْت أَنَّهُ مُقَدَّمٌ عَلَى الْقِيَاسِ.قَالَ الْحَنَفِيَّةُ2 وَالآمِدِيُّ3 وَابْنُ الْحَاجِبِ4 وَابْنُ حَمْدَانَ: "وَلا مُتَقَدِّمًا عَلَى حُكْمِ الأَصْلِ"5زَادَ الآمِدِيُّ: إلاَّ أَنْ يَذْكُرَهُ إلْزَامًا لِلْخَصْمِ6.وَقَالَ الْمُوَفَّقُ7 وَالْمَجْدُ8 وَالطُّوفِيُّ9: يُشْتَرَطُ لِقِيَاسِ الْعِلَّةِ، لا لِقِيَاسِ الدَّلالَةِ.__________1 في ع: مسألة.2 انظر تيسير التحرير 3/299.3 الإحكام في أصول الأحكام 3/299.4 مختصر ابن الحاجب مع شرحه للعضد 2/233.5 انظر "شفاء الغليل ص 673، المحصول 2/2/486، حاشية البناني 2/229، الآيات البينات 4/30، مختصر البعلي ص 145، إرشاد الفحول ص 206، 209، نشر البنود 2/129، مناهج العقول 3/118، نهاية السول 3/120، المستصفى 2/330، فواتح الرحموت 2/259، المعتمد 2/806، مفتاح الوصول ص 152".6 أي بطريق الإلزام للخصم، لا بطريق مأخذ القياس. "الإحكام للآمدي 3/363".7 روضة الناظر ص 319.8 المسودة ص 387.9 مختصر الطوفي ص 152.(4/111)قَالَ الْكُورَانِيُّ: وَمِنْ شُرُوطِهِ: أَنْ لا يَتَقَدَّمَ عَلَى حُكْمِ الأَصْلِ، كَقِيَاسِ الْوُضُوءِ عَلَى التَّيَمُّمِ فِي وُجُوبِ النِّيَّةِ، فَإِنَّ التَّيَمُّمَ مُتَأَخِّرٌ عَنْهُ، فَلَوْ ثَبَتَ بِهِ ثَبَتَ حُكْمٌ شَرْعِيٌّ بِلا دَلِيلٍ، إذْ الْفَرْضُ1 أَنَّهُ لا دَلِيلَ عَلَيْهِ سِوَى الْقِيَاسِ. نَعَمْ لَوْ قِيلَ ذَلِكَ إلْزَامًا صَحَّ، كَمَا قَالَ الشَّافِعِيُّ2 لِلْحَنَفِيَّةِ: طَهَارَتَانِ، أَنَّى يَفْتَرِقَانِ3؟هَكَذَا قِيلَ. وَفِيهِ نَظَرٌ؛ لأَنَّ الْحَنَفِيَّةَ لَيْسَ عِنْدَهُمْ فِي الْمَسْأَلَةِ قِيَاسٌ حَتَّى يُلْزَمُوا، وَلا الشَّافِعِيُّ قَائِلٌ بِالْقِيَاسِ، بَلْ وُجُوبُ النِّيَّةِ فِيهِمَا إنَّمَا4 ثَبَتَ بِقَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ "إنَّمَا الأَعْمَالُ بِالنِّيَّاتِ" 5."وَلا" يُشْتَرَطُ فِي الْفَرْعِ "ثُبُوتُ حُكْمِهِ بِنَصٍّ جُمْلَةً" أَيْ فِي الْجُمْلَةِ، خِلافًا لأَبِي هَاشِمٍ وَأَبِي زَيْدٍ6.__________1 في د ض: الغرض، وفي ع ب: الفرق2 في ض ب: الشافعية.3 أي طهارتان من حدث، لأنهما إذا كانا من جنس واحدٍ ومعناهما واحد من حيث إن كل واحد منهما طهارة حكمية، ويجبان بسبب واحد وهو الحدث، دل على أن طريقهما واحد. "الوصول إلى مسائل الأصول للشيرازي 2/251".4 ساقطة من ش.5 سبق تخريجه في ج 1 ص: 491.6 انظر "شرح العضد 2/233، المسودة ص 411، شفاء الغليل ص 675، اللمع ص 54، التبصرة ص 443، المعتمد 2/809، المحصول 2/2/ 498، الإحكام للآمدي 3/363، تيسير التحرير 3/301، المحلي على جمع الجوامع وحاشية البناني عليه 2/230، الآيات البينات 4/31، الجدل لابن عقيل ص 16، مناهج العقول 3/123، نهاية السول 3/124، الإبهاج 3/106، المستصفى 2/330، فواتح الرحموت 2/260".(4/112)مِثَالُ ذَلِكَ: إذَا قُلْنَا فِي اجْتِمَاعِ الْجَدِّ مَعَ الإِخْوَةِ: يَرِثُ مَعَهُمْ، قِيَاسًا عَلَى أَحَدِهِمْ؛ لأَنَّ كُلاًّ مِنْ الْجَدِّ وَالأَخِ يُدْلِي بِالأَبِ، فَلَوْلا دَلَّ الدَّلِيلُ عَلَى إرْثِ الْجَدِّ فِي الْجُمْلَةِ لَمَا سَاغَ الْقِيَاسُ فِي هَذِهِ الصُّورَةِ.رُدَّ بِأَنَّ الْعُلَمَاءَ قَاسُوا أَنْتِ عَلَيَّ1 حَرَامٌ: إمَّا عَلَى الطَّلاقِ، لا فِي تَحْرِيمِهَا، أَوْ2 عَلَى الظِّهَارِ فِي وُجُوبِ الْكَفَّارَةِ، أَوْ عَلَى الْيَمِينِ فِي كَوْنِهِ إيلاءً. وَلَمْ يُوجَدْ فِي ذَلِكَ نَصٌّ يَدُلُّ عَلَى الْحُكْمِ لا جُمْلَةً وَلا تَفْصِيلاً.__________1 في ش: بعليّ.2 في ش: وإما.(4/113)"مَسَالِكُ الْعِلَّةِ1"لَمَّا فَرَغَ مِنْ شُرُوطِ الْعِلَّةِ وَغَيْرِهَا مِنْ أَرْكَانِ الْقِيَاسِ شَرَعَ2 فِي بَيَانِ الطُّرُقِ الَّتِي تَدُلُّ عَلَى كَوْنِ الْوَصْفِ عِلَّةً، وَيُعَبَّرُ عَنْهَا بِمَسَالِكِ الْعِلَّةِ.الْمَسْلَكُ الأَوَّلُ "الإِجْمَاعُ"3.وَقُدِّمَ لِقُوَّتِهِ. سَوَاءٌ كَانَ قَطْعِيًّا أَوْ ظَنِّيًّا، وَأُخِّرَ النَّصُّ لِطُولِ الْكَلامِ عَلَى تَفَاصِيلِهِ4.__________1 في د ض: العلة ستة.2 في ز: وشرع.3 انظر كلام الأصوليين على هذا المسلك في "التلويح على التوضيح 2/565، مفتاح الأصول ص 148، شفاء الغليل ص 110، مختصر البعلي ص 145، مختصر الطوفي ص 159، روضة الناظر ص 301، أصول الشاشي مع عمدة الحواشي ص 333، الإحكام للآمدي 3/364، تيسير التحرير 4/39، الوصول إلى مسائل الأصول 2/283، اللمع ص 62، شرح العضد 2/233، المحلي على جمع الجوامع وحاشية البناني عليه 2/262، المستصفى 2/293، فواتح الرحموت 2/295، نشر البنود 2/154، إرشاد الفحول ص 210، نهاية السول 3/49، مناهج العقول 3/49، الإبهاج 3/38، الفقيه والمتفقه للخطيب 1/213".4 في ض: تفصيله.(4/115)وَالْمُرَادُ بِثُبُوتِ1 الْعِلَّةِ بِالإِجْمَاعِ: أَنْ تُجْمِعَ الأُمَّةُ عَلَى أَنَّ هَذَا الْحُكْمَ عِلَّتُهُ كَذَا. كَإِجْمَاعِهِمْ2 فِي قَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ "لا يَقْضِي الْقَاضِي وَهُوَ غَضْبَانُ" عَلَى أَنَّ عِلَّتَهُ شَغْلُ الْقَلْبِ، وَكَإِجْمَاعِهِمْ عَلَى تَعْلِيلِ تَقْدِيمِ الأَخِ مِنْ الأَبَوَيْنِ فِي الإِرْثِ عَلَى الأَخِ لِلأَبِ بِامْتِزَاجِ النَّسَبَيْنِ، أَيْ وُجُودِهِمَا فِيهِ، فَيُقَاسُ عَلَيْهِ تَقْدِيمُهُ فِي وِلايَةِ النِّكَاحِ، وَصَلاةِ الْجِنَازَةِ، وَتَحَمُّلِ الْعَقْلِ، وَالْوَصِيَّةِ لأَقْرَبِ الأَقَارِبِ وَالْوَقْفِ عَلَيْهِ وَنَحْوِهِ3.فَإِنْ قُلْت: إذَا أَجْمَعُوا عَلَى هَذَا التَّعْلِيلِ فَكَيْفَ يَتَّجِهُ4 الْخِلافُ فِي هَذِهِ الصُّورَةِ؟قُلْت: لَعَلَّ مَنْشَأَ الْخِلافِ التَّنَازُعُ فِي وُجُودِ الْعِلَّةِ فِي الأَصْلِ أَوْ الْفَرْعِ أَوْ فِي حُصُولِ شَرْطِهَا أَوْ مَانِعِهَا، لا فِي كَوْنِهَا عِلَّةً. قَالَهُ ابْنُ الْعِرَاقِيِّ وَغَيْرُهُ.وَكَإِجْمَاعِهِمْ عَلَى تَعْلِيلِ الْوِلايَةِ عَلَى الصَّغِيرِ بِكَوْنِهِ5 صَغِيرًا، فَيُقَاسُ عَلَيْهِ الْوِلايَةُ عَلَيْهِ6 فِي النِّكَاحِ.__________1 في ض: ثبوت.2 في ع ز ب: فاجماعهم.3 ساقطة من ش.4 في ز: يتوجه.5 في ع ز ض ب: كونه.6 ساقطة من ش.(4/116)الْمَسْلَكُ "الثَّانِي" مِنْ مَسَالِكِ الْعِلَّةِ "النَّصُّ" مِنْ كِتَابِ اللَّهِ تَعَالَى أَوْ مِنْ سُنَّةِ رَسُولِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ1."وَمِنْهُ" أَيْ مِنْ النَّصِّ مَا هُوَ "صَرِيحٌ" وَهُوَ مَا وُضِعَ لإِفَادَةِ التَّعْلِيلِ، بِحَيْثُ لا يَحْتَمِلُ غَيْرَ الْعِلَّةِ2."كَ" أَنْ يُقَالَ "لِعِلَّةِ"3 كَذَا "أَوْ سَبَبِ" كَذَا "أَوْ أَجْلِ" كَذَا "أَوْ مِنْ أَجْلِ كَذَا"4 نَحْوَ قَوْله تَعَالَى: {مِنْ أَجْلِ ذَلِكَ كَتَبْنَا عَلَى بَنِي إسْرَائِيلَ} 5 وَقَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ 6 "إنَّمَا جُعِلَ6__________1 انظر "الوصول إلى مسائل الأصول 2/280، المحصول 2/2/ 193، ارشاد الفحول ص 210، البرهان 2/806، اللمع ص 61، المسودة ص 438، المنخول ص 343، الفقيه والمتفقه 1/210، أصول الشاشي مع عمدة الحواشي ص 325 وما بعدها".2 انظر: الإحكام للآمدي 3/364، شرح تنقيح الفصول ص 390، الفقيه والمتفقه 1/210، المعتمد 2/775، مختصر البعلي ص 145، روضة الناظر ص 295، التلويح على التوضيح 2/563، مختصر الطوفي ص 157، مفتاح الوصول ص 145، شفاء الغليل ص 23، تيسير التحرير 4/39، الوصول إلى مسائل الأصول 2/281، شرح العضد 2/234، إرشاد الفحول ص 211، نشر البنود 2/155، نهاية السول 3/41، مناهج العقول 3/39، الابهاج 3/30، المستصفى 2/288، فواتح الرحموت 2/295، حاشية البناني 2/263.3 في ع: العلة، وفي ش: لعلية.4 في ع ب: ونحوه نحو.5 الآية 32 من المائدة.6 ساقطة من ش.(4/117)1الاسْتِئْذَانُ مِنْ أَجْلِ الْبَصَرِ" مُتَّفَقٌ عَلَيْه2ِ وَقَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ "إنَّمَا نَهَيْتُكُمْ - يَعْنِي3 عَنْ ادِّخَارِ لُحُومِ الأَضَاحِيِّ - مِنْ أَجْلِ الدَّافَّةِ الَّتِي دَفَّتْ فَكُلُوا وَادَّخِرُوا4" رَوَاهُ مُسْلِمٌ5. أَيْ 6لأَجْلِ التَّوْسِعَةِ عَلَى الطَّائِفَةِ الَّتِي قَدِمَتْ الْمَدِينَةَ أَيَّامَ التَّشْرِيقِ.وَالدَّافَّةُ: الْقَافِلَةُ السَّائِرَةُ، مُشْتَقَّةٌ مِنْ الدَّفِيفِ، وَهُوَ السَّيْرُ اللَّيِّنُ، وَمِنْهُ قَوْلُهُمْ: دَفَّتْ عَلَيْنَا مِنْ بَنِي فُلانٍ دَافَّةٌ7. قَالَهُ الْجَوْهَرِيُّ8."أَوْ" يُقَالَ "كَيْ" يَكُونَ كَذَا، سَوَاءٌ كَانَتْ مُجَرَّدَةً مِنْ "لا" نَحْوَ قَوْله تَعَالَى: {كَيْ تَقَرَّ عَيْنُهَا وَلا تَحْزَنَ} 9 أَوْ مَقْرُونَةً بِهَا نَحْوَ {لِكَيْ لا تَأْسَوْا عَلَى مَا فَاتَكُمْ} 10 {كَيْ لا يَكُونَ دُولَةً بَيْنَ الأَغْنِيَاءِ مِنْكُمْ} 11 فَلا يَحْصُلُ لِلْفُقَرَاءِ شَيْءٌ.__________1 ساقطة من ش.2 صحيح البخاري 7/130، صحيح مسلم 3/1698.3 ساقطة من ع.4 في ش: واخزنوا.5 صحيح مسلم 3/1561.6 ساقطة من ش.7 ساقطة من ش.8 الصحاح للجوهري ط/1360.9 الآية 40 من طه و13 من القصص.10 الآية 23 من الحديد.11 الآية 7 من الحشر(4/118)"أَوْ" يُقَالَ "إذًا"، نَحْوَ1 قَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لأُبَيِّ بْنِ كَعْبٍ وَقَدْ قَالَ لَهُ: أَجْعَلُ لَك صَلاتِي كُلَّهَا؟ قَالَ: "إذًا يَغْفِرُ اللَّهُ2 لَك ذَنْبَك كُلَّهُ" وَفِي رِوَايَةٍ "إذًا يَكْفِيَك اللَّهُ هَمَّ الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ 3"."وَكَذَا" يَكُونُ مِنْ الصَّرِيحِ "إنَّ" الْمَكْسُورَةُ الْهَمْزَةِ الْمُشَدَّدَةُ النُّونِ4 عِنْدَ الْقَاضِي أَبِي يَعْلَى وَأَبِي الْخَطَّابِ وَالآمِدِيِّ5 وَابْنِ__________1 في ش: يكون من الصريح نحو.2 ساقطة في ش.3 أخرجه الترمذي وأحمد في مسنده والطبراني والحاكم في المستدرك وصححه، ووافقه الذهبي على تصحيحه. قال الترمذي: هذا حديث حسن صحيح. وقال الهيثمي عن رواية أحمد: وإسناده جيد، وعن رواية الطبراني: واسناده حسن. "انظر عارضة الأحوذي 9/281، مسند أحمد 5/136، مجمع الزوائد 10/160، جلاء الأفهام لابن القيم ص 34، المستدرك 2/421".قال ابن القيم: وسئل شيخنا أبو العباس ابن تيمية عن تفسير هذا الحديث فقال: كان لأبي بن كعب دعاء يدعو به لنفسه، فسأل النبي صلى الله عليه وسلم: هل يجعل له منه ربعه صلاة عليه صلى الله عليه وسلم؟ فقال: "إن زدت فهو خير لك. فقال له: النصف؟ فقال: إن زدت فهو خير لك.. إلى أن قال: أجعل لك صلاتي كلها؟ أي أجعل دعائي كله صلاة عليك قال: إذاً تكفى همك، ويغفر لك ذنبك"، لأن من صلى على النبي صلى الله عليه وسلم صلاة صلى الله عليه بها عشراً، ومن صلى الله عليه كفاه همه، وغفر له ذنبه ". "جلاء الأفهام ص 35".4 في ش: عن.5 الإحكام في أصول الأحكام 3/365.(4/119)الْحَاجِبِ1 وَغَيْرِهِمْ2، نَحْوَ قَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَمَّا أَلْقَى الرَّوْثَةَ أَمَا3 "إنَّهَا رِجْسٌ4" وَقَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي الْهِرَّةِ "إنَّهَا مِنْ الطَّوَّافِينَ عَلَيْكُمْ وَالطَّوَّافَاتِ" مُعَلِّلاً طَهَارَتَهَا بِذَلِكَ5."وَهِيَ" يَعْنِي "إنَّ" الْمُشَدَّدَةَ النُّونِ حَالَ كَوْنِهَا "مُلْحَقَةً بِالْفَاءِ آكَدُ" نَحْوُ قَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي الْمُحْرِمِ الَّذِي وَقَصَتْهُ رَاحِلَتُهُ6 " فَإِنَّهُ يُبْعَثُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ مُلَبِّيًا7" وَقَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي الشُّهَدَاءِ "زَمِّلُوهُمْ بِكُلُومِهِمْ وَدِمَائِهِمْ؛ فَإِنَّهُمْ يُبْعَثُونَ يَوْمَ__________1 مختصر ابن الحاجب مع شرحه العضد 2/234.2 انظر روضة الناظر ص 297، تيسير التحرير 4/39.3 ساقطة من ش.4 أخرجه البخاري "1/47" والترمذي "عارضة الأحوذي 1/43" والنسائي "1/37" وابن ماجه "1/114" وأحمد في مسنده "1/388" عن ابن مسعود رضي الله عنه قال: أتى النبي صلى الله عليه وسلم الغائط، فأمرني أن آتيه بثلاثة أحجار، فوجدت حجرين، والتمست الثالث فلم أجده، فأخذت روثة فأتيته بها، فأخذ الحجرين وألقى الروثة وقال: هذا ركس، واللفظ للبخاري. ولفظ الترمذي وأحمد: إنها ركس، ولفظ ابن ماجة: هي ركس، ولفظ النسائي: هذه ركس.5 انظر المعتمد 2/777.6 في ش: ناقته.7 أخرجه البخاري ومسلم وأبو داود والترمذي والنسائي وابن ماجه وأحمد في مسنده والبيهقي في السنن الكبرى والشافعي في مسنده والدارقطني من حديث ابن عباس مرفوعاً. "انظر صحيح البخاري 275، صحيح مسلم 2/865، عارضة الأحوذي 4/175، بذل المجهود 14/207، سنن النسائي 5/154، مسند أحمد 1/215، سنن البيهقي 3/390، سنن ابن ماجة 2/1030، مسند الشافعي 1/205، سنن الدارقطني 2/296".(4/120)الْقِيَامَةِ وَأَوْدَاجُهُمْ تَشْخَبُ دَمًا1".وَوَجْهُ كَوْنِهَا مُلْحَقَةً بِالْفَاءِ آكَدَ2 لِدَلالَتِهَا عَلَى أَنَّ مَا بَعْدَهَا سَبَبٌ لِلْحُكْمِ قَبْلَهَا.وَعِنْدَ الْبَيْضَاوِيِّ3 وَابْنِ السُّبْكِيّ4 وَغَيْرِهِمَا: أَنَّ التَّعْلِيلَ بِـ "إنَّ" مِنْ قِسْمِ5 الظَّاهِرِ.وَعِنْدَ ابْنِ الْبَنَّاءِ وَغَيْرِهِ: أَنَّ ذَلِكَ مِنْ قِسْمِ6 الإِيمَاءِ."وَزِيدَ" أَيْ وَزَادَ بَعْضُهُمْ فِي قِسْمِ الصَّرِيحِ "الْمَفْعُولَ لَهُ" نَحْوَ قَوْله تَعَالَى: {يَجْعَلُونَ أَصَابِعَهُمْ فِي آذَانِهِمْ مِنْ الصَّوَاعِقِ حَذَرَ الْمَوْتِ} 7 لأَنَّ {حَذَرَ الْمَوْتِ} عِلَّةٌ لِلْفِعْلِ."وَ" مِنْ النَّصِّ أَيْضًا8 مَا هُوَ "ظَاهِرٌ" وَهُوَ مَا يَحْتَمِلُ غَيْرَ الْعِلِّيَّةِ9 احْتِمَالاً مَرْجُوحًا "كَاللاَّمِ".__________1 أخرجه النسائي "4/65" من حديث عبد الله بن ثعلبة مرفوعاً وأحمد في مسنده "5/431" من حديث جابر بن عبد الله مرفوعاً، وروى بعضه الشافعي في مسنده "1/205" عن عبد الله بن ثعلبة مرفوعاً، وانظر ارواء الغليل 3/168.2 ساقطة من ش.3 منهاج الوصول مع شرحه للأسنوي 3/40.4 الابهاج 3/31، جمع الجوامع مع حاشية البناني 2/265.5 في ع ز ب: قسيم.6 في ع ز: قسيم.7 الآية 19 من البقرة.8 ساقطة من ز.9 في ز ب ش: العلية.(4/121)ثُمَّ تَارَةً تَكُونُ "ظَاهِرَةً"، أَيْ مَلْفُوظًا بِهَا، نَحْوَ قَوْله تَعَالَى: {كِتَابٌ أَنْزَلْنَاهُ إلَيْك لِتُخْرِجَ النَّاسَ مِنْ الظُّلُمَاتِ إلَى النُّورِ} 1 {أَقِمْ الصَّلاةَ لِدُلُوكِ الشَّمْسِ} 2 {لِيَذُوقَ وَبَالَ أَمْرِهِ} 3 وَهُوَ كَثِيرٌ."وَ" تَارَةً تَكُونُ "مُقَدَّرَةً" نَحْوَ قَوْله تَعَالَى: {عُتُلٍّ بَعْدَ ذَلِكَ زَنِيمٍ، أَنْ كَانَ ذَا مَالٍ وَبَنِينَ} 4 أَيْ: لأَنْ كَانَ.وَمِنْهُ مَا فِي الصَّحِيحَيْنِ5 فِي قِصَّةِ الزُّبَيْرِ مِنْ قَوْلِ الأَنْصَارِيِّ6 لَمَّا خَاصَمَهُ فِي شِرَاجِ الْحَرَّةِ7 " أَنْ كَانَ ابْنَ عَمَّتِك!__________1 الآية الأولى من سورة إبراهيم.2 الآية 78 من الإسراء.3 الآية 95 من المائدة.4 الآيتان 13، 14 من القلم.5 صحيح البخاري 3/76، صحيح مسلم 4/1830،. وفي ش: الصحيح.6 اختلف العلماء في الأنصاري الذي نازع الزبير في شراج الحرة فقال الداودي: كان من الأنصار نسباً لا ديناً، لأنه كان منافقاً. وقال القرطبي: ويحتمل أن لا يكون منافقاً، لكنها بادرة وزلة من الشيطان. "إكمال إكمال المعلم 6/146" وقال النووي في تهذيب الأسماء واللغات "2/312": "قال ابن باطيش: هو حاطب بن أبي بلتعة. وقيل: ثعلبة بن حاطب. وقيل: حميد. وقوله في حاطب لا يصح، فإنه ليس أنصارياً، وقد ثبت في صحيح البخاري أن هذا الأنصاري القائل كان بدرياً".7 جاء في شرح الأبي على صحيح مسلم نقلاً عن القرطبي: "الشِراج: جمع شرجة، وهو مسيل الماء إلى الشجر. والحرّة حرة المدينة، موضع معروف بها، وأضاف الشِرَاج إليها، لأن منها جاء السيل، والمخاصمة في الماء الذي كان يسيل منها". "إكمال إكمال المعلم 6/146".(4/122)وَكَمَا يُقَالُ فِي الْكَلامِ: أَنْ كَانَ كَذَا. فَالتَّعْلِيلُ مُسْتَفَادٌ مِنْ اللاَّمِ الْمُقَدَّرَةِ لا مِنْ " أَنْ".وَيَدْخُلُ فِي هَذَا " إذَا كَانَ " الْوَاقِعُ بَعْدَ1 " أَنْ ": " كَانَ " وَحُذِفَتْ وَاسْمُهَا وَبَقِيَ خَبَرُهَا، وَعُوِّضَ عَنْ ذَلِكَ " مَا " كَقَوْلِهِ2:أَبَا خُرَاشَةَ، أَمَّا أَنْتَ ذَا نَفَرٍ ... فَإِنَّ قَوْمِي لَمْ تَأْكُلْهُمْ الضَّبُعُ3أَيْ لأَنْ كُنْت ذَا نَفَرٍ؟وَإِنَّمَا لَمْ تُجْعَلْ اللاَّمُ وَمَا سَيَأْتِي4 بَعْدَهَا مِنْ الصَّرِيحِ؛ لأَنَّ كُلاًّ مِنْهَا5 لَهُ6 مَعَانٍ غَيْرُ التَّعْلِيلِ.__________1 في ش: بعده.2 في ض: كقول الشاعر.3 البيت لعباس بن مرداس السلمي الصحابي، نسبه له ابن مالك في شرح الكافية الشافية والسيوطي في شرح شواهد المغني والبغدادي في الخزانة، وهو من شواهد سيبويه والجوهري في الصحاح. وقد قاله الشاعر مع أبيات يخاطب بها خفاف بن ندبة، أبا خراشة في ملاحاة وقعت بينهما، ومعناه: يا أبا خراشة إن كنت كثير القوم، وكنت معتزاً بجماعتك، فإن قومي موفورون كثير العدد، لم تأكلهم السنة الشديدة، ولم يضعفهم الجدب، ولم تنل منهم الأزمات. "انظر خزانة الأدب 2/81، شرح شواهد المغني للسيوطي 1/116، شرح الكافية الشافية 1/418، الكتاب لسيبويه 1/148، أوضح المسالك 1/188، الصحاح 3/1004".4 في ع: يأتي.5 في ش ب ع: منهما.6 ساقطة من ض.(4/123)"وَالْبَاءِ" عَطْفٌ عَلَى " كَاللاَّمِ1 " نَحْوَ قَوْله تَعَالَى: {فَبِمَا رَحْمَةٍ مِنْ اللَّهِ لِنْتَ لَهُمْ} 2 أَيْ بِسَبَبِ الرَّحْمَةِ وقَوْله تَعَالَى: {جَزَاءً بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ} 3.فَهِيَ - وَإِنْ كَانَ أَصْلُ مَعْنَاهَا الإِلْصَاقَ وَلَهَا مَعَانٍ غَيْرُهُ - فَقَدْ كَثُرَ اسْتِعْمَالُهَا فِي التَّعْلِيلِ.وَ4عِنْدَ الأَصْحَابِ5 وَغَيْرِهِمْ6 "إنْ قَامَ دَلِيلٌ أَنَّهُ" أَيْ إنَّ7 الْمُتَكَلِّمَ "لَمْ يَقْصِدْ" بِكَلامِهِ "التَّعْلِيلَ" فَاسْتِعْمَالُ أَدَاةِ التَّعْلِيلِ فِيمَا لا يَصْلُحُ عِلَّةً "مَجَازٌ"8.وَيُعْرَفُ ذَلِكَ بِعَدَمِ الدَّلِيلِ عَلَى عَدَمِ صَلاحِيَّتِهِ عِلَّةً "كَ" أَنْ يُقَالَ لِفَاعِلِ شَيْءٍ9 "لِمَ فَعَلْت؟ فَيَقُولُ: لأَنِّي أَرَدْت" فَإِنَّ هَذَا لا يَصْلُحُ أَنْ يَكُونَ عِلَّةً؛ لأَنَّ الْعِلَّةَ فِي الاصْطِلاحِ: هُوَ10 الْمُقْتَضِي__________1 في ز: اللام.2 الآية 159 من آل عمران.3 الآية 82 من التوبة و95 من التوبة.4 ساقطة من ض.5 انظر: روضة الناظر ص 296، مختصر البعلي ص 146، مختصر الطوفي ص 157.6 انظر: الإحكام للآمدي 3/366، المستصفى 2/288.7 ساقطة من ش.8 أي تكون مجازاً فيما قصد بها. "الإحكام للآمدي".9 في ش: شيء.10 في ش: هي.(4/124)الْخَارِجِيُّ لِلْفِعْلِ، أَيْ الْمُقْتَضِي لَهُ مِنْ خَارِجٍ. وَالإِرَادَةُ إمَّا1 مُوجِبَةٌ لِلْفِعْلِ أَوْ مُصَحِّحَةٌ لَهُ، فَيَكُونُ قَوْلُهُ "لأَنِّي أَرَدْت" اسْتِعْمَالَ اللَّفْظِ2 فِي غَيْرِ مَحَلِّهِ، فَيَكُونُ مَجَازًا."وَ" مِنْ النَّصِّ أَيْضًا "إيمَاءٌ وَتَنْبِيهٌ" يَعْنِي أَنَّ النَّصَّ يَنْقَسِمُ إلَى ثَلاثَةِ أَقْسَامٍ:الأَوَّلُ: الصَّرِيحُ، وَالثَّانِي: الظَّاهِرُ، وَالثَّالِثُ: الإِيمَاءُ وَالتَّنْبِيهُ.وَالإِيمَاءُ: هُوَ اقْتِرَانُ الْوَصْفِ بِحُكْمٍ لَوْ لَمْ يَكُنْ الْوَصْفُ - أَوْ نَظِيرُهُ - لِلتَّعْلِيلِ لَكَانَ ذَلِكَ الاقْتِرَانُ بَعِيدًا مِنْ فَصَاحَةِ كَلامِ الشَّارِعِ، وَكَانَ إتْيَانُهُ3 بِالأَلْفَاظِ4 فِي غَيْرِ مَوَاضِعِهَا، مَعَ كَوْنِ كَلامِ الشَّارِعِ مُنَزَّهًا5 عَنْ6 الْحَشْوِ الَّذِي لا فَائِدَةَ فِيهِ7.وَيَتَنَوَّعُ الإِيمَاءُ إلَى أَنْوَاعٍ أُشِيرَ إلَيْهَا بِقَوْلِهِ:"وَمِنْ أَنْوَاعِهِ: تَرَتُّبُ حُكْمٍ عَقِبَ وَصْفٍ بِالْفَاءِ، مِنْ كَلامِ الشَّارِعِ وَغَيْرِهِ"8.__________1 ساقطة من ش.2 في ض: للفظ.3 في ش: اثباته.4 في ش: الألفاظ.5 في ش ض ب: منزه.6 في ع: من.7 في ز: منه.8 انظر "مناهج العقول 3/42، نهاية السول 3/44، الابهاج 3/22، المستصفى =(4/125)"فَإِنَّهَا" أَيْ الْفَاءَ "لِلتَّعْقِيبِ ظَاهِرًا، وَيَلْزَمُ مِنْهُ السَّبَبِيَّةُ" نَحْوَ قَوْله تَعَالَى: {قُلْ هُوَ أَذًى فَاعْتَزِلُوا} 1 وقَوْله تَعَالَى: {وَالسَّارِقُ وَالسَّارِقَةُ فَاقْطَعُوا} 2 وقَوْله تَعَالَى: {الزَّانِيَةُ وَالزَّانِي فَاجْلِدُوا} 3 وَنَحْوَ قَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي الْمُحْرِمِ الَّذِي وَقَصَتْهُ رَاحِلَتُهُ4.فَالْفَاءُ فِي الآيَاتِ دَاخِلَةٌ عَلَى الْحُكْمِ، وَفِي الْحَدِيثِ دَاخِلَةٌ عَلَى الْعِلَّةِ، وَالْحُكْمُ مُتَقَدِّمٌ، وَتَقَدُّمُ الْعِلَّةِ ثُمَّ مَجِيءُ الْحُكْمِ بِالْفَاءِ أَقْوَى5 مِنْ عَكْسِهِ.وَتَارَةً تَأْتِي "الْفَاءُ" فِي غَيْرِ كَلامِ الشَّارِعِ، كَقَوْلِ عِمْرَانَ بْنِ حُصَيْنٍ6 رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ سَهَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ__________= 2/292، فواتح الرحموت 2/296، الإحكام للآمدي 3/367، المعتمد 2/776، التمهيد للآسنوي ص 456، اقتضاء الصراط المستقيم لابن تيمية ص 56، مختصر البعلي ص 146، روضة الناظر ص 297، المنخول ص 343، التلويح على التوضيح 2/563، مختصر الطوفي ص 157، مفتاح الوصول ص 148، شفاء الغليل ص 27، تيسير التحرير 4/39، اللمع ص 62، الوصول إلى مسائل الأصول 2/283، المحصول 2/2/197، شرح العضد 2/234، ارشاد الفحول ص 212، نشر البنود 2/156".1 الآية 222 من البقرة.2 الآية 38 من المائدة.3 الآية 2 من النور.4 في ش: ناقته.5 في ض: أولى.6 هو الصحابي الجليل عمران بن حصين بن عبيد بن خلف الخزاعي الكعبي، أبو =(4/126)فَسَجَدَ رَوَاهُ أَبُو دَاوُد1 وَغَيْرُهُ2. زَنَى مَاعِزٌ3 فَرُجِمَ4.وَلا فَرْقَ فِي الْعَمَلِ بِذَلِكَ بَيْنَ كَوْنِ الرَّاوِي صَحَابِيًّا أَوْ فَقِيهًا أَوْ غَيْرَهُمَا؛ لَكِنْ إذَا كَانَ صَحَابِيًّا5 فَقِيهًا كَانَ أَقْوَى.فَإِنْ قِيلَ: إذَا قَالَ الرَّاوِي: هَذَا الْحَدِيثُ مَنْسُوخٌ! أَوْ حَمَلَ__________= نُجيد، أسلم عام خيبر سنة سبع من الهجرة، وكان من فضلاء الصحابة، غزا مع النبي صلى الله عليه وسلم غزواته، وبعثه عمر بن الخطاب إلى البصرة ليفقه أهلها، ثم استقضاء عليها عبد الله بن عامر، فقضى أياماً ثم استعفى، وكان مجاب الدعوة، توفي في البصرة سنة 52هـ."انظر ترجمته في تهذيب الأسماء واللغات 2/36، طرح التثريب 1/90، مشاهير علماء الأمصار ص 37، المطلع للبعلي ص 448، العقد الثمين 6/420، الاستيعاب 3/1208، أسد الغابة 4/137، الكامل لابن الأثير 3/244، سير أعلام النبلاء 2/508، شذرات الذهب 1/58".1 سنن أبي داود مع شرحه بذل المجهود 5/424.2 أخرجه أيضاً ابن خزيمة "2/134" والبيهقي "2/355" والترمذي "عارضة الأحوذي 2/186" والنسائي "3/22".3 هو ماعز بن مالك الأسلمي الذي اعترف بالزنا فرجم في عهد النبي صلى الله عليه وسلم تائباً. قال ابن عبد البر: هو معدود في المدنيين. كتب له رسول الله صلى الله عليه وسلم كتاباً بإسلام قومه. "تهذيب الأسماء واللغات 2/75".4 أخرجه البخاري "8/22" ومسلم "3/1319" وابو داود "بذل المجهود 17/381" عن جابر بن سمرة، وأخرجه ابن ماجة "2/854" وأبو داود "بذل المجهود 17/385" والترمذي "عارضة الأحوذي 6/202" عن أبي هريرة، وقد روي أيضاً عن بريدة الأسلمي وأبي سعيد الخدري وجابر بن عبد الله ونعيم بن هزال. "انظر المراجع السابقة والمستدرك 4/362، 363، سنن البيهقي 6/83، مسند أحمد 5/217، 1/270".5 في ش: صحابياً أو.(4/127)حَدِيثًا رَوَاهُ عَلَى غَيْرِ ظَاهِرِهِ، لا يُعْمَلُ بِهِ؛ لِجَوَازِ أَنْ يَكُونَ عَنْ اجْتِهَادٍ. فَكَيْفَ إذَا قَالَ لِلرَّاوِي سَهَا فَسَجَدَ وَنَحْوُهُ يُعْمَلُ بِهِ، مَعَ احْتِمَالِ أَنْ يَكُونَ عَنْ اجْتِهَادٍ1؟!فَالْجَوَابُ2: أَنَّ هَذَا مِنْ قَبِيلِ فَهْمِ الأَلْفَاظِ مِنْ حَيْثُ اللُّغَةُ، لا أَنَّهُ3 يَرْجِعُ لِلاجْتِهَادِ، بِخِلافِ قَوْلِهِ: هَذَا مَنْسُوخٌ وَنَحْوُهُ. وَلِهَذَا لَوْ قَالَ: أَمَرَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِكَذَا، أَوْ نَهَى عَنْ كَذَا: يُعْمَلُ بِهِ، حَمْلاً عَلَى الرَّفْعِ، لا عَلَى الاجْتِهَادِ.إذَا عُلِمَ ذَلِكَ: فَإِذَا رَتَّبَ الشَّارِعُ حُكْمًا عَقِبَ وَصْفٍ بِالْفَاءِ، إذْ الْفَاءُ لِلتَّعْقِيبِ، فَتُفِيدُ تَعْقِيبَ4 حُكْمِ5 الْوَصْفِ، وَأَنَّهُ سَبَبُهُ، إذْ السَّبَبُ مَا ثَبَتَ الْحُكْمُ عَقِبَهُ. وَلِهَذَا تُفْهَمُ السَّبَبِيَّةُ - مَعَ عَدَمِ الْمُنَاسَبَةِ كَ "مَنْ مَسَّ ذَكَرَهُ فَلْيَتَوَضَّأْ".وَالصَّحِيحُ: أَنَّ هَذَا نَوْعٌ6 مِنْ الإِيمَاءِ.وَقِيلَ: مِنْ أَقْسَامِ الصَّرِيحِ.وَقِيلَ: مِنْ أَقْسَامِ الظَّاهِرِ.__________1 في ش: اجتهاده.2 في ش: والجواب.3 في ش: لأنه.4 في ز: تعقب.5 في ش: الحكم.6 في ش: النوع نوع.(4/128)"وَ" مِنْ أَنْوَاعِ الإِيمَاءِ أَيْضًا "تَرَتُّبُ حُكْمٍ عَلَى وَصْفٍ بِصِيغَةِ الْجَزَاءِ".نَحْوَ قَوْله تَعَالَى: {مَنْ يَأْتِ مِنْكُنَّ بِفَاحِشَةٍ مُبَيِّنَةٍ يُضَاعَفْ لَهَا الْعَذَابُ ضِعْفَيْنِ} 1 وقَوْله تَعَالَى: {وَمَنْ يَقْنُتْ مِنْكُنَّ لِلَّهِ وَرَسُولِهِ وَتَعْمَلْ صَالِحًا نُؤْتِهَا أَجْرَهَا مَرَّتَيْنِ} 2 وقَوْله تَعَالَى: {وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجًا} 3 أَيْ لِتَقْوَاهُ، وَقَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ4 "مَنْ اتَّخَذَ كَلْبًا - إلاَّ كَلْبَ صَيْدٍ أَوْ مَاشِيَةٍ - نَقَصَ مِنْ أَجْرِهِ كُلَّ يَوْمٍ قِيرَاطَانِ5" وَكَذَا مَا أَشْبَهَهُ. فَإِنَّ الْجَزَاءَ يَتَعَقَّبُ شَرْطَهُ وَيُلازِمُهُ، وَلا مَعْنَى لِلسَّبَبِ إلاَّ مَا يَسْتَعْقِبُ الْحُكْمَ وَيُوجَدُ بِوُجُودِهِ6."وَ" مِنْ أَنْوَاعِهِ أَيْضًا "ذِكْرُ حُكْمٍ جَوَابًا لِسُؤَالٍ لَوْ لَمْ يَكُنْ"__________1 الآية 30 من الأحزاب.2 الآية 31 من الأحزاب.3 الآية 2 من الطلاق.4 أخرجه مسلم وأبو داود والترمذي والنسائي وابن ماجة وعبد الرزاق في مصنفه وغيرهم "انظر صحيح مسلم 3/1202، بذل المجهود 13/91، عارضة الأحوذي 6/284، سنن النسائي 7/165، سنن ابن ماجة 2/1069، مصنف عبد الرزاق 10/432"5 في ض: قيراط.6 انظر: المستصفى 2/290، المعتمد 2/778، مختصر البعلي ص 146، روضة الناظر ص 298، مختصر الطوفي ص 158، ارشاد الفحول ص 213.(4/129)السُّؤَالُ "عِلَّتَهُ1" أَيْ عِلَّةَ الْحُكْمِ2 لَ "كَانَ اقْتِرَانُهُ" أَيْ السُّؤَالِ "بِهِ" أَيْ بِالْحُكْمِ "بَعِيدًا شَرْعًا وَلُغَةً" أَيْ فِي الشَّرْعِ وَاللُّغَةِ "وَلَتَأَخَّرَ الْبَيَانُ" أَيْ وَلَكَانَ يَلْزَمُ عَلَى ذَلِكَ تَأْخِيرُ3 الْبَيَانِ "عَنْ وَقْتِ الْحَاجَةِ"4."كَقَوْلِ الأَعْرَابِيِّ "وَاقَعْت أَهْلِي فِي رَمَضَانَ، فَقَالَ: أَعْتِقْ رَقَبَةً" أَخْرَجَهُ السِّتَّةُ5. وَهَذَا لَفْظُ ابْنِ مَاجَهْ6.فَكَأَنَّهُ قِيلَ: كَفِّرْ؛ لِكَوْنِك وَاقَعْت فِي نَهَارِ رَمَضَانَ، فَكَانَ الْحَذْفُ الَّذِي تَرَتَّبَ عَلَيْهِ7 الْحُكْمُ لَفْظًا مَوْجُودًا هُنَا. فَيَكُونُ__________1 في ض: علة.2 ساقطة من ش ز.3 في ش: تأخر.4 انظر: "الإحكام للآمدي 3/368، المعتمد 2/777، التمهيد للأسنوي ص 458، مختصر البعلي ص 146، روضة الناظر ص 299، التلويح على التوضيح 2/563، مختصر الطوفي ص 158، مفتاح الوصول ص 147، شفاء الغليل ص 32، تيسير التحرير 4/41، المحصول 2/2/204، شرح العضد 2/234، ارشاد الفحول ص 212، نشر البنود 2/160، نهاية السول 3/48، مناهج العقول 3/46، الابهاج 3/35، حاشية البناني 2/266، فواتح الرحموت 2/296".5 انظر صحيح البخاري 2/236، صحيح مسلم 2/782، سنن أبي داود مع شرحه بذل المجهود 11/222، سنن الترمذي مع عارضة الأحوذي 3/250، سنن الدارمي 2/11، وانظر سنن البيهقي 4/221، مسند أحمد 2/241، 516، سنن الدارقطني 2/190، الموطأ 1/296.6 سنن ابن ماجة 1/534.7 في ش ز ع: به. وفي ب: عنه.(4/130)مَوْجُودًا تَقْدِيرًا.وَأَيْضًا: لَوْ كَانَ الْمُرَادُ غَيْرَ ذَلِكَ كَانَ يَلْزَمُ خُلُوُّ السُّؤَالِ عَنْ الْجَوَابِ، وَتَأْخِيرُ الْبَيَانِ عَنْ وَقْتِ الْحَاجَةِ."وَيُسَمَّى" هَذَا النَّوْعُ "إنْ حُذِفَ" مِنْهُ "بَعْضُ الأَوْصَافِ" الْمُتَرَتِّبِ عَلَيْهَا الْجَوَابُ؛ لِكَوْنِهِ لا مَدْخَلَ لَهُ فِي الْعِلَّةِ، كَكَوْنِهِ أَعْرَابِيًّا أَوْ زَيْدًا، وَكَوْنِ الْمُجَامَعَةِ زَوْجَةً أَوْ أَمَةً، أَوْ فِي قُبُلِهَا، وَكَوْنِهِ1 شَهْرَ تِلْكَ السَّنَةِ أَوْ غَيْرِهَا "تَنْقِيحَ الْمَنَاطِ".فَالتَّنْقِيحُ2 لُغَةً: التَّخْلِيصُ3 وَالتَّهْذِيبُ. يُقَالُ: نَقَحْت الْعَظْمَ إذَا اسْتَخْرَجْت مُخَّهُ4.وَالْمَنَاطُ: مَفْعَلٌ مِنْ نَاطَ نِيَاطًا5 أَيْ عَلَّقَ6.7وَالْمُرَادُ أَنَّ الْحُكْمَ تَعَلَّقَ بِذَلِكَ الْوَصْفِ.فَمَعْنَى تَنْقِيحِ الْمَنَاطِ: الاجْتِهَادُ7 فِي تَحْصِيلِ الْمَنَاطِ الَّذِي رَبَطَ بِهِ الشَّارِعُ الْحُكْمَ، فَيَبْقَى مِنْ الأَوْصَافِ مَا يَصْلُحُ وَيُلْغَى مَا لا__________1 في ش: وكونها.2 في ع: والتنقيح.3 في ب د ض: التلخيص.4 أنظر المصباح المنير 2/760، لسان العرب 2/624، الصحاح 1/413.5 أنظر الصحاح 3/1165، لسان العرب 7/418، المصباح المنير 2/774.6 ساقطة من ش.7 ساقطة من ش.(4/131)يَصْلُحُ1.وَقَدْ أَقَرَّ بِهِ أَكْثَرُ مُنْكِرِي الْقِيَاسِ. وَأَجْرَاهُ2 أَبُو حَنِيفَةَ فِي الْكَفَّارَاتِ، مَعَ مَنْعِهِ الْقِيَاسَ فِيهَا.وَذَكَرَ جَمَاعَةٌ - كَالتَّاجِ3 السُّبْكِيّ وَالْبِرْمَاوِيِّ وَغَيْرِهِمَا - أَنَّهُ أَجْوَدُ مَسَالِكِ الْعِلَّةِ بِأَنْ يُبَيِّنَ إلْغَاءَ4 الْفَارِقِ."وَمِنْهَا" أَيْ وَ5مِنْ أَنْوَاعِ الإِيمَاءِ "تَقْدِيرُ الشَّارِعِ وَصْفًا لَوْ لَمْ يَكُنْ" ذَلِكَ الْوَصْفُ "لِلتَّعْلِيلِ كَانَ" تَقْدِيرُهُ "بَعِيدًا" إذْ "لا فَائِدَةَ فِيهِ" أَيْ فِي التَّقْدِيرِ حِينَئِذٍ6.__________1 أنظر معنى تنقيح المناط عند الأصوليين في "المسودة ص 387، مفتاح الوصول ص 147، تيسير التحرير 4/42، ارشاد الفحول ص 221، المحلي على جمع الجوامع وحاشية البناني عليه 2/292، الابهاج 3/56، فواتح الرحموت 2/298، المحصول 2/2/315، التلويح على التوضيح 2/580، شفاء الغليل ص 411، روضة الناظر ص 277، نشر البنود 2/204، نهاية السول 3/74، مناهج العقول 3/73".2 في ش: وقد أجره.3 أنظر الابهاج للتاج السبكي 3/56.4 ساقطة من ش.5 شاقطة من ع.6 أنظر "الإحكام للآمدي 3/370، شرح تنقيح الفصول ص 390، الفقيه والمتفقه للخطيب 1/211، المعتمد 2/776، 778، مختصر البعلي ص 147، روضة الناظر ص 299، التلويح على التوضيح 2/564، مختصر الطوفي ص 158، مفتاح الوصول ص 146، شفاء الغليل ص 39 وما بعدها، المحصول 2/2/206، شرح العضد 2/235، البرهان 2/807، نشر البنود 2/161، نهاية السول 3/49، مناهج العقول 3/46، الابهاج 3/36، المستصفى 2/289، فواتح الرحموت 2/298".(4/132)وَيَكُونُ ذَلِكَ التَّقْدِيرُ:"إمَّا فِي السُّؤَالِ، كَقَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَمَّا سُئِلَ عَنْ بَيْعِ الرُّطَبِ بِالتَّمْرِ – "أَيَنْقُصُ الرُّطَبُ إذَا يَبِسَ؟ " قَالُوا: نَعَمْ فَنَهَى عَنْهُ" بِأَنْ قَالَ: "فَلا إذًا" رَوَاهُ أَبُو دَاوُد1 وَالتِّرْمِذِيُّ2 وَالنَّسَائِيُّ3 وَابْنُ مَاجَهْ4 وَابْنُ خُزَيْمَةَ وَالْحَاكِمُ5.فَلَوْ لَمْ يَكُنْ تَقْدِيرُ نُقْصَانِ الرُّطَبِ بِالْجَفَافِ لأَجْلِ التَّعْلِيلِ، لَكَانَ تَقْدِيرُهُ بَعِيدًا، إذْ لا فَائِدَةَ فِيهِ، لِعَدَمِ تَوَقُّفِ الْجَوَابِ عَلَيْهِ."أَوْ" إمَّا "فِي نَظِيرِ مَحَلِّهِ" أَيْ مَحَلِّ السُّؤَالِ6."كَقَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِلسَّائِلَةِ" وَهُوَ أَنَّ امْرَأَةً مِنْ جُهَيْنَةَ جَاءَتْ إلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَالَتْ: يَا رَسُولَ اللَّهِ،__________1 سنن أبي داود مع شرحه بذل المجهود 15/17.2 سنن الترمذي مع شرحه عارضة ألأحوذي 5/233.3 سنن النسائي 7/236.4 سنن ابن ماجة 2/761.5 المستدرك 2/38.* والحديث رواه أيضاً مالك في الموطأ "2/624" وأحمد في مسنده "1/175" والبيهقي في السنن الكبرى "5/294" والشافعي في مسنده "2/159" والرسالة ص 332، وابن حزم في الإحكام "7/1008"، والخطيب في الفقيه والمتفقه "1/211" والدارقطني "3/49" وعبد الرزاق في مصنفه "8/32" وغيرهم، أنظر تخريج أحاديث المنهاج للعراقي ص 305.6 أنظر: المستصفى 2/290، شرح العضد 2/235، شفاء الغليل ص 45، روضة الناظر ص 300.(4/133)إنَّ أُمِّي نَذَرَتْ أَنْ تَحُجَّ. فَلَمْ تَحُجَّ حَتَّى مَاتَتْ، أَفَأَحُجُّ عَنْهَا؟ قَالَ: " حُجِّي1 عَنْهَا أَرَأَيْتِ لَوْ كَانَ عَلَى أُمِّك دَيْنٌ أَكُنْتِ قَاضِيَتَهُ؟ " قَالَتْ: نَعَمْ. قَالَ: "اقْضُوا اللَّهَ، فَاَللَّهُ أَحَقُّ بِالْوَفَاءِ" مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ2.وَمِنْ أَمْثِلَةِ ذَلِكَ أَيْضًا مَا رُوِيَ فِي الْكُتُبِ السِّتَّةِ3: أَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَمَّا سَأَلَتْهُ الْمَرْأَةُ الْخَثْعَمِيَّةُ:__________1 في د ز ب: فحجي.2 أخرجه البخاري "2/218" وابن خزيمة "4/343" عن ابن عباس رضي الله عنه، وهو غير موجود في صحيح مسلم، وقد روى نحوه أحمد في مسنده "1/345" والنسائي "5/87" وابن خزيمة أيضاً "4/346" عن ابن عباس رضي الله عنه أن امرأة نذرت أن تحج، فماتت، فأتى أخوها النبي صلى الله عليه وسلم فسأله عن ذلك فقال: "أرأيت لو كان على أختك دين، أكنت قاضيه؟ " قال: نعم، قال: "فاقضوا الله، فهو أحق بالوفاء".3 حديث المرأة الخثعمية رواه أصحاب الكتب الستة بغير هذا السياق الذي ذكره المصنف، ورواياتهم له لا تصلح شاهداً لما ضربه المصنف من مثال "أنظر صحيح البخاري 2/218، صحيح مسلم 3/973، عارضة الأحوذي 4/157، بذل المجهود 9/20، سنن ابن ماجة 2/971" ويؤكد ذلك قول الحافظ ابن كثير في كتابه تحفة الطالب بمعرفة أحاديث ابن الحاجب ص 384 بعد أن ساق الحديث بنفس ألفاظ المصنف: "حديث الخثعمية رواه أهل الكتب الستة ولم أره في شيء منها بهذا السياق".غير أن النسائي في المجتبى روى نحوه أحاديث تصلح أمثلة وشواهد لما ذكره المؤلف: منها حديث عبد الله بن عباس أن رجلاً سأل النبي صلى الله عليه وسلم: إن أبي أدركه الحج وهو شيخ كبير لا يثبت على راحلته، فإن شددته خشيت أن يموت! أفأحج عنه؟ قال: "أفرأيت لو كان عليه دين فقضيته أكان مجزئاً؟ " قال: نعم، قال: "فحج عن أبيك". "سنن النسائي 5/89، 8/202" وأخرج نحوه البيهقي في سننه الكبرى "4/329" والنسائي أيضاً "5/89" عن عبد الله بن الزبير. =(4/134)إنَّ أَبِي أَدْرَكَتْهُ الْوَفَاةُ وَعَلَيْهِ فَرِيضَةُ الْحَجِّ، أَيَنْفَعُهُ1 إنْ حَجَجْت عَنْهُ؟ قَالَ: "أَرَأَيْت لَوْ كَانَ عَلَى أَبِيك دَيْنٌ فَقَضَيْتِيهِ2، أَكَانَ يَنْفَعُهُ؟ " قَالَتْ: نَعَمْ.فَنَظِيرُهُ فِي الْمَسْئُولِ عَنْهُ كَذَلِكَ. وَفِيهِ تَنْبِيهٌ عَلَى الأَصْلِ الَّذِي هُوَ دَيْنُ الآدَمِيِّ عَلَى الْمَيِّتِ، وَالْفَرْعِ وَهُوَ الْحَجُّ الْوَاجِبُ عَلَيْهِ، وَالْعِلَّةِ وَهُوَ قَضَاءُ دَيْنِ الْمَيِّتِ، فَقَدْ جَمَعَ فِيهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَرْكَانَ الْقِيَاسِ كُلَّهَا."وَمِنْهَا" أَيْ وَمِنْ أَنْوَاعِ الإِيمَاءِ أَيْضًا "تَفْرِيقُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَيْنَ حُكْمَيْنِ بِصِفَةٍ مَعَ ذِكْرِهِمَا" أَيْ ذِكْرِ الْحُكْمَيْنِ3.__________= ومنها حديث الفضل بن العباس أنّ رجلاً قال: يا رسول الله أمّي عجوز كبيرة، إن حملتها لم تستمسك، وإن ربطتها خشيت أن أقتلها. فقال صلى الله عليه وسلم: " أرأيت لو كان على أمك دين، أكنت قاضيه؟ " قال: نعم، قال: "فحج عن أمك". "سنن النسائي 5/91، 8/202".ومنها حديث عبد الله بن عباس قال قال رجل: يا رسول الله، إنّ أبي مات ولم يحج، أفأحج عنه؟ قال: " أرأيت لو كان على أبيك دين، أكنت قاضيه؟ " قال: نعم، قال: "فدين الله أحق". "سنن النسائي 5/89".1 في ش: أفينفعه.2 في ش: فقضيته.3 أنظر "الإحكام للآمدي 3/374، شرح تنقيح الفصول ص 390، الفقيه والمتفقه للخطيب 1/212، المعتمد 2/778، التلويح على التوضيح 2/564، شفاء الغليل ص 46، تيسير التحرير 4/45، المحصول 2/2/210، شرح العضد 2/235، ارشاد الفحول ص 212، نشر البنود 2/161، نهاية السول 3/49، مناهج العقول 3/47، الابهاج 3/36، حاشية البناني 2/267، المستصفى 2/290، فواتح الرحموت 2/297".(4/135)"كَـ: "لِلرَّاجِلِ سَهْمٌ وَلِلْفَارِسِ سَهْمَانِ1"."أَوْ" مَعَ "ذِكْرِ أَحَدِهِمَا" أَيْ أَحَدِ الْحُكْمَيْنِ "كَ" حَدِيثِ "الْقَاتِلُ لا يَرِثُ" رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ2."أَوْ" تَفْرِيقُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَيْنَ الْحُكْمَيْنِ "بِشَرْطٍ وَجَزَاءٍ3، نَحْوَ" قَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ "فَإِذَا اخْتَلَفَتْ هَذِهِ الأَوْصَافُ4، فَبِيعُوا كَيْفَ شِئْتُمْ، إذَا كَانَ يَدًا__________1 أخرجه أبو داود "بذل المجهود 12/340" من حديث مجمع بن جارية الأنصاري وضعّفه، وهو يفيد أن للفارس سهمين، أحدهما لفرسه والثاني له، وهو مخالف لما صح عن النبي صلى الله عليه وسلم أن للفارس ثلاثة أسهم، إذ روى البخاري في صحيحه "5/79" عن نافع عن ابن عمر قال "قسم رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم خيبر للفرس سهمين وللراجل سهماً". قال نافع: إذا كان مع الرجل فرس فله ثلاثة أسهم، وإن لم يكن له فرس فله سهم، وأخرج مسلم في صحيحه "3/1383" والدارقطني "4/102" وأحمد في مسنده "2/2" عن ابن عمر أنّ رسول الله صلى الله عليه وسلم قسم في النفل للفرس سهمين وللرجل سهماً. وقد بينت روايات البيهقي "6/325" والدارقطني "4/102" وأحمد "2/41" وأبي داود "بذل المجهود 12/333" وابن ماجة "2/952" ذلك المراد إذ جاء فيها عن ابن عمر رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم أسهم يوم خيبر للفارس ثلاثة أسهم، للفرس سهمان وللرجل سهم". وانظر "إرواء الغليل 5/60".2 سنن الترمذي مع شرحه عارضة الأحوذي 8/259، وقد أخرجه أيضاً ابن ماجة "2/883" والبيهقي "6/220" والدارقطني "4/96" عن أبي هريرة مرفوعاً.3 أنظر "المعتمد 2/778، الإحكام للآمدي 3/374، التلويح على التوضيح 2/564، تيسير التحرير 4/45، المحصول 2/2/211، شرح العضد 2/235، نشر البنود 2/162، نهاية السول 3/49، الابهاج 3/36، حاشية البناني 2/367، فواتح الرحموت 2/297".4 كذا في جميع النسخ. وهو تصحيف، والصواب ما جاء في رواية مسلم والدارقطني والبيهقي: الأصناف.(4/136)بِيَدٍ1". "أَوْ" تَفْرِيقُ الشَّارِعِ بَيْنَ الْحُكْمَيْنِ "بِغَايَةٍ2 نَحْوَ" قَوْله تَعَالَى: {حَتَّى يَطْهُرْنَ3} "."أَوْ" تَفْرِيقُ الشَّارِعِ بَيْنَ الْحُكْمَيْنِ "بِاسْتِثْنَاءٍ4 نَحْوَ" قَوْله تَعَالَى: {إلاَّ أَنْ يَعْفُونَ5} "."أَوْ" تَفْرِيقُ الشَّارِعِ بَيْنَ الْحُكْمَيْنِ "بِاسْتِدْرَاكٍ6 نَحْوَ" قَوْله تَعَالَى: {وَلَكِنْ يُؤَاخِذُكُمْ بِمَا عَقَّدْتُمْ الأَيْمَانَ 7} ".__________1 أخرجه بهذا اللفظ مسلم والدارقطني والبيهقي عن عبادة بن الصامت مرفوعاً. "صحيح مسلم 3/1211، سنن البيهقي 5/282، سنن الدارقطني 3/24".2 انظر "نشر البنود 2/162، نهاية السول 3/49، مناهج العقول 3/48، الابهاج 3/36، المحلي على جمع الجوامع وحاشية البناني عليه 2/267، فواتح الرحموت 2/297، المعتمد 2/779، الإحكام للآمدي 3/374، التلويح على التوضيح 2/564، شفاء الغليل ص 48، المحصول 2/2/211، شرح العضد 2/235".3 الآية 222 من البقرة.4 انظر "الإحكام للآمدي 3/374، فواتح الرحموت 2/297، المعتمد 2/779، التلويح على التوضيح 2/564، شفاء الغليلص 48، تيسير التحرير 4/45، المحصول 2/2/211، شرح العضد 2/235، نشر البنود 2/163، نهاية السول 3/49، مناهج العقول 3/48، الابهاج 3/36، حاشية البناني 2/267".5 الآية 237 من البقرة.6 انظر "المعتمد 2/779، المحصول 2/2/212، شرح العضد 2/236، الإحكام للآمدي 3/374، نشر البنود 2/163، مناهج العقول 3/48، الابهاج 3/36، نهاية السول 3/49، فواتح الرحموت 2/297، المحلي على جمع الجوامع وحاشية البناني عليه 2/267".7 الآية 89 من المائدة.(4/137)وَوَجْهُ اسْتِفَادَةِ الْعِلَّةِ مِنْ ذَلِكَ كُلِّهِ أَنَّ التَّفْرِقَةَ لا بُدَّ لَهَا مِنْ فَائِدَةٍ، وَالأَصْلُ عَدَمُ غَيْرِ الْمُدَّعَى، وَهُوَ إفَادَةُ كَوْنِ ذَلِكَ عِلَّةً."وَمِنْهَا" أَيْ وَمِنْ أَنْوَاعِ الإِيمَاءِ أَيْضًا "تَعْقِيبُ1 الْكَلامِ" أَيْ تَعْقِيبُ الشَّارِعِ2 الْكَلامَ3 الَّذِي أَنْشَأَهُ لِبَيَانِ حُكْمٍ "أَوْ تَضْمِينُهُ" لَهُ بِ "مَا لَوْ4 لَمْ يُعَلَّلْ بِهِ" الْحُكْمُ الْمَذْكُورُ "لَمْ يَنْتَظِمْ" الْكَلامُ، وَلَمْ5 يَكُنْ لَهُ بِهِ تَعَلُّقٌ6.فَالْمُتَعَقِّبُ لِلْكَلامِ "نَحْوَ" قَوْله تَعَالَى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إذَا نُودِيَ لِلصَّلاةِ مِنْ يَوْمِ الْجُمُعَةِ "فَاسْعَوْا إلَى ذِكْرِ اللَّهِ وَذَرُوا الْبَيْعَ} 7".وَاَلَّذِي تَضَمَّنَهُ الْكَلامُ نَحْوَ قَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ__________1 في ض: تعقب.2 في ش: الكلام لشارع.3 في د ز: للكلام.4 ساقطة من ش.5 في ع ب: ولو لم.6 انظر "الإحكام للآمدي 3/375، شرح تنقيح الفصول ص 390، الفقيه والمتفقه 1/213، المعتمد 2/779، مختصر البعلي ص 147، روضة الناظر ص 300، ارشاد الفحول ص 212، نهاية السول 3/49، مناهج العقول 3/48، الابهاج 3/37، المحلي على جمع الجوامع وحاشية البناني عليه 2/267 وما بعدها، فواح الرحموت 2/296، المستصفى 2/289".7 الآية 9 من الجمعة.(4/138)"لا يَقْضِي الْقَاضِي وَهُوَ غَضْبَانُ" رَوَاهُ الشَّافِعِيُّ1 بِلَفْظِ "لا يَحْكُمُ الْحَاكِمُ، أَوْ لا يَقْضِي [الْقَاضِي2] بَيْنَ اثْنَيْنِ ... " وَرَوَاهُ أَصْحَابُ الْكُتُبِ3 بِلَفْظِ "لا يَقْضِيَنَّ حَاكِمٌ بَيْنَ اثْنَيْنِ وَهُوَ غَضْبَانُ".فَالآيَةُ إنَّمَا سِيقَتْ لِبَيَانِ أَحْكَامِ الْجُمُعَةِ، لا لِبَيَانِ أَحْكَامِ الْبَيْعِ، فَلَوْ لَمْ يُعَلَّلْ النَّهْيُ عَنْ الْبَيْعِ حِينَئِذٍ بِكَوْنِهِ شَاغِلاً عَنْ السَّعْيِ لَكَانَ ذِكْرُهُ لاغِيًا، لِكَوْنِهِ غَيْرَ مُرْتَبِطٍ بِأَحْكَامِ الْجُمُعَةِ.وَلَوْ لَمْ يُعَلَّلْ النَّهْيُ عَنْ الْقَضَاءِ عِنْدَ الْغَضَبِ بِكَوْنِهِ يَتَضَمَّنُ اضْطِرَابَ الْمِزَاجِ4 الْمُقْتَضِي تَشْوِيشَ الْفِكْرِ، الْمُفْضِيَ إلَى الْخَطَإِ فِي الْحُكْمِ غَالِبًا: لَكَانَ5 ذِكْرُهُ لاغِيًا، إذْ الْبَيْعُ وَالْقَضَاءُ لا يُمْنَعَانِ مُطْلَقًا؛ لِجَوَازِ الْبَيْعِ فِي غَيْرِ وَقْتِ النِّدَاءِ، وَالْقَضَاءِ مَعَ عَدَمِ الْغَضَبِ أَوْ مَعَ يَسِيرِهِ، فَلا بُدَّ إذًا مِنْ مَانِعٍ، وَلَيْسَ إلاَّ مَا فُهِمَ مِنْ__________1 ترتيب مسند الشافعي 2/177.2 زيادة من مسند الشافعي.3 لفظ البخاري والبيهقي: لا يقضينّ حكمُ. ولفظ مسلم والنسائي: لا يحكم أحد. ولفظ الترمذي: لا يحكم الحاكم، ولفظ الدارقطني: لا يقضين القاضي، ولفظ أبي داود: لا يقضي الحكم، ولفظ ابن ماجة ورواية للبيهقي: لا يقضي القاضي. "انظر صحيح البخاري 8/109، صحيح مسلم 3/1343، سنن ابن ماجة 2/776، سنن الدارقطني 4/206، سنن النسائي 8/209، بذل المجهود 15/266، عارضة الأحوذي 6/77، سنن البيهقي 10/105".4 في ع: المجاز.5 في ش: كان.(4/139)سِيَاقِ النَّصِّ وَمَضْمُونِهِ، مِنْ شَغْلِ الْبَيْعِ عَنْ السَّعْيِ إلَى الْجُمُعَةِ فَتَفُوتُ وَاضْطِرَابِ الْفِكْرِ1 لأَجْلِ الْغَضَبِ فَيَقَعُ الْخَطَأُ، فَوَجَبَ إضَافَةُ النَّهْيِ إلَيْهِ."وَمِنْهَا" أَيْ وَمِنْ أَنْوَاعِ الإِيمَاءِ أَيْضًا "اقْتِرَانُ الْحُكْمِ بِوَصْفٍ مُنَاسِبٍ2""كَـ "أَكْرِمْ الْعُلَمَاءَ، وَأَهِنْ الْجُهَّالَ" فَإِنَّ الإِكْرَامَ مُنَاسِبٌ لِلْعِلْمِ، وَالإِهَانَةَ مُنَاسِبَةٌ لِلْجَهْلِ؛ لأَنَّ الْمَعْلُومَ مِنْ تَصَرُّفَاتِ الْعُقَلاءِ: تَرْتِيبُ الأَحْكَامِ عَلَى الأُمُورِ الْمُنَاسِبَةِ، وَالشَّرْعُ لا يَخْرُجُ عَنْ تَصَرُّفَاتِ الْعُقَلاءِ، وَلأَنَّهُ قَدْ أُلِفَ مِنْ الشَّارِعِ اعْتِبَارُ الْمُنَاسَبَاتِ دُونَ إلْغَائِهَا. فَإِذَا قَرَنَ بِالْحُكْمِ فِي لَفْظِهِ وَصْفًا مُنَاسِبًا غَلَبَ عَلَى الظَّنِّ اعْتِبَارُهُ."فَإِنْ صَرَّحَ بِالْوَصْفِ وَالْحُكْمُ مُسْتَنْبَطٌ مِنْهُ، كَـ {أَحَلَّ اللَّهُ الْبَيْعَ3} صِحَّتَهُ4" 5أَيْ الْبَيْعِ وَهِيَ6 "مُسْتَنْبَطَةٌ مِنْ__________1 في ع ز ض ب: الفكرة.2 انظر "الإحكام للآمدي 3/375، التمهيد للأسنوي ص 455، مختصر البعلي ص 147، روضة الناظر ص 300، مختصر الطوفي ص 158، شرح العضد 2/236، نهاية السول 3/46، مناهج العقول 3/45".3 الآية 275 من البقرة.4 في ع ز ب: أي صحته.5 ساقطة من ع ب.6 ساقطة من ش ز.(4/140)حِلِّهِ1"؛ لأَنَّهُ يَلْزَمُ مِنْ حِلِّهِ صِحَّتُهُ "فَ" هُوَ "مُومًى إلَيْهِ"؛ لأَنَّ التَّلَفُّظَ بِالْوَصْفِ إيمَاءٌ إلَى تَعْلِيلِ الْحُكْمِ الْمُصَرَّحِ بِهِ."وَعَكْسُهُ بِعَكْسِهِ" وَهُوَ كَوْنُ الْحُكْمِ مَذْكُورًا، وَالْوَصْفِ مُسْتَنْبَطًا، وَهَذَا جَارٍ فِي أَكْثَرِ الْعِلَلِ الْمُسْتَنْبَطَةِ "كَحُرِّمَتْ2 الْخَمْرُ" فَ "الْوَصْفُ" هُنَا - وَهُوَ3 الإِسْكَارُ - "مُسْتَنْبَطٌ مِنْ التَّحْرِيمِ"، وَهُوَ الْحُكْمُ، وَكَعِلَّةِ الرِّبَا مُسْتَنْبَطَةٌ مِنْ حُكْمِهِ."وَلا يُشْتَرَطُ مُنَاسَبَةُ الْوَصْفِ الْمُومَى إلَيْهِ" عِنْدَ الأَكْثَرِ4، بِنَاءً عَلَى أَنَّ الْعِلَّةَ الْمُعَرِّفُ5.وَقِيلَ: بَلَى، بِنَاءً عَلَى أَنَّهَا بِمَعْنَى الْبَاعِثِ.وَاسْتُدِلَّ لِعَدَمِ الاشْتِرَاطِ6: أَنَّهُ لَوْ اُشْتُرِطَ لَمْ يُفْهَمْ التَّعْلِيلُ مِنْ تَرْتِيبِ الْحُكْمِ عَلَى وَصْفٍ غَيْرِ مُنَاسِبٍ، ك " أَهِنْ الْعَالِمَ، وَأَكْرِمْ__________1 في ش: حكمه.2 في ع: كحرمة.3 ساقطة من د.4 انظر "الإحكام للآمدي 3/377، شرح تنقيح الفصول ص 390، مختصر البعلي ص 147، مختصر الطوفي ص 157، شفاء الغليل ص 47، تيسير التحرير 4/41، المحصول 2/2/200، شرح العضد 2/236، ارشاد الفحول ص 213، البرهان 2/810، نشر البنود 2/163، نهاية السول 3/45، مناهج العقول 3/43، الإبهاج 3/34، المحلي على جمع الجوامع وحاشية البناني عليه 2/270، فواتح الرحموت 2/298".5 في ع: العرف، وفي ز: المعرفه.6 في ش: بأنه.(4/141)الْجَاهِلَ "، وَلَمْ يُلَمْ عَلَيْهِ. وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.الْمَسْلَكُ "الثَّالِثُ" مِنْ مَسَالِكِ الْعِلَّةِ1 وَهِيَ2 الطُّرُقُ الدَّالَّةُ عَلَى الْعِلِّيَّةِ "السَّبْرُ وَالتَّقْسِيمُ".وَهُوَ: حَصْرُ الأَوْصَافِ" فِي الأَصْلِ الْمَقِيسِ عَلَيْهِ "وَإِبْطَالُ مَا لا يَصْلُحُ" بِدَلِيلٍ "فَيَتَعَيَّنُ" أَنْ يَكُونَ "الْبَاقِي عِلَّةً"3.وَالسَّبْرُ فِي اللُّغَةِ: هُوَ الاخْتِبَارُ4، فَالتَّسْمِيَةُ بِمَجْمُوعِ الاسْمَيْنِ وَاضِحَةٌ. وَقَدْ يُقْتَصَرُ عَلَى " السَّبْرِ " فَقَطْ.وَالتَّقْسِيمُ مُقَدَّمٌ فِي الْوُجُودِ عَلَيْهِ؛ لأَنَّهُ تَعْدَادُ الأَوْصَافِ الَّتِي يُتَوَهَّمُ صَلاحِيَّتُهَا لِلتَّعْلِيلِ ثُمَّ يَسْبُرُهَا5، أَيْ يَخْتَبِرُهَا6 لِيُمَيِّزَ7__________1 ساقطة من ش.2 ساقطة من ش.3 انظر كلام الأصوليين على السبر والتقسيم في "التلويح على التوضيح 2/579، البرهان 2/815، الإحكام للآمدي 3/380، مختصر البعلي ص 148، مختصر الطوفي ص 161، المنخول ص 350، شرح العضد 2/236، الوصول إلى مسائل الأصول 2/286، المحصول 2/2/299، شرح تنقيح الفصول ص 397، تيسير التحرير 4/46، المحلي على جمع الجوامع وحاشية البناني عليه 2/270، المستصفى 2/295، فواتح الرحموت 2/299، نشر البنود 2/164، إرشاد الفحول ص 213، نهاية السول 3/71، مناهج العقول 3/70، الابهاج 3/54".4 انظر المصباح المنير 1/312، معجم مقاييس اللغة 3/127، الصحاح 2/675.5 في ش: تسبرها.6 في ش: تختبرها.7 في ش: لتميز.(4/142)الصَّالِحَ لِلتَّعْلِيلِ مِنْ غَيْرِهِ، فَكَانَ الأَوْلَى أَنْ يُقَالَ: التَّقْسِيمُ وَالسَّبْرُ؛ لأَنَّ الْوَاوَ - وَإِنْ لَمْ تَدُلَّ عَلَى التَّرْتِيبِ - لَكِنَّ الْبُدَاءَةَ1 بِالْمُقَدَّمِ أَجْوَدُ.وَأُجِيبُ عَنْهُ: بِأَنَّ السَّبْرَ - وَإِنْ تَأَخَّرَ عَنْ التَّقْسِيمِ - فَهُوَ مُتَقَدِّمٌ2 عَلَيْهِ3 أَيْضًا؛ لأَنَّهُ أَوَّلاً يَسْبُرُ الْمَحَلَّ، هَلْ فِيهِ أَوْصَافٌ أَمْ لا؟ ثُمَّ يُقَسِّمُ، ثُمَّ يَسْبُرُ ثَانِيًا، فَقُدِّمَ " السَّبْرُ " فِي اللَّفْظِ بِاعْتِبَارِ السَّبْرِ الأَوَّلِ.وَأُجِيبُ أَيْضًا: بِأَنَّ الْمُؤَثِّرَ فِي مَعْرِفَةِ الْعِلِّيَّةِ إنَّمَا هُوَ السَّبْرُ، وَأَمَّا التَّقْسِيمُ: فَإِنَّمَا هُوَ لاحْتِيَاجِ السَّبْرِ إلَى شَيْءٍ يُسْبَرُ.وَرُبَّمَا سُمِّيَ بِ "التَّقْسِيمِ الْحَاصِرِ4""وَيَكْفِي الْمُنَاظِرَ" فِي بَيَانِ الْحَصْرِ إذَا مُنِعَ أَنْ يَقُولَ "بَحَثْت فَلَمْ أَجِدْ غَيْرَهُ" أَيْ غَيْرَ هَذَا الْوَصْفِ "أَوْ" أَنْ يَقُولَ "الأَصْلُ عَدَمُهُ" أَيْ عَدَمُ غَيْرِ هَذَا الْوَصْفِ. وَيُقْبَلُ قَوْلُهُ؛ لأَنَّهُ ثِقَةٌ5 أَهْلٌ لِلنَّظَرِ6؛ وَلأَنَّ الأَوْصَافَ الْعَقْلِيَّةَ وَالشَّرْعِيَّةَ لَوْ كَانَتْ لَمَا خَفِيَتْ__________1 في ش: البدء.2 في ض: مقدم.3 في ز: على.4 في ش: الخاص.5 في ش: ثقة من.6 في ش: النظر.(4/143)عَلَى الْبَاحِثِ عَنْهَا1.مِثَالُهُ: أَنْ يَقُولَ فِي قِيَاسِ الذُّرَةِ عَلَى الْبُرِّ فِي الرِّبَوِيَّةِ: بَحَثْت عَنْ أَوْصَافِ الْبُرِّ، فَمَا وَجَدْت مَا يَصْلُحُ عِلَّةً2 لِلرِّبَوِيَّةِ فِي بَادِئِ الرَّأْيِ، إلاَّ الطُّعْمَ أَوْ3 الْقُوتَ أَوْ الْكَيْلَ، لَكِنَّ الطُّعْمَ وَالْقُوتَ لا يَصْلُحُ لِذَلِكَ عِنْدَ التَّأَمُّلِ، فَيَتَعَيَّنُ الْكَيْلُ4.أَوْ يَقُولَ: الأَصْلُ عَدَمُ مَا سِوَاهَا. فَإِنَّ بِذَلِكَ يَحْصُلُ الظَّنُّ الْمَقْصُودُ5."فَإِنْ بَيَّنَ الْمُعْتَرِضُ وَصْفًا آخَرَ" غَيْرَ مَا ادَّعَاهُ الْمُسْتَدِلُّ "لَزِمَ" الْمُسْتَدِلَّ "إبْطَالُهُ" إذْ لا يَثْبُتُ الْحَصْرُ الَّذِي قَدْ ادَّعَاهُ بِدُونِهِ6."وَلا يَلْزَمُ الْمُعْتَرِضَ" بِإِبْدَاءِ وَصْفٍ زَائِدٍ عَلَى الأَوْصَافِ الَّتِي ذَكَرَهَا الْمُسْتَدِلُّ "بَيَانُ صَلاحِيَّتِهِ" أَيْ الْوَصْفِ الَّذِي ذَكَرَهُ "لِلتَّعْلِيلِ"__________1 انظر: المسودة ص 426، مختصر البعلي ص 148، روضة الناظر ص 307، شرح العضد 2/236، تيسير التحرير 4/46، المحلي على جمع الجوامع مع حاشية البناني 2/271، المستصفى 2/296، نشر البنود 2/166، ارشاد الفحول ص 214، مناهج العقول 3/71.2 ساقطة من ش ع ز ب.3 في ض: و.4 شرح العضد 2/236.5 شرح العضد 2/236.6 أنظر: تيسير التحرير 4/46، فواتح الرحموت 2/299، شرح العضد 2/236، نشر البنود 2/168.(4/144)وَعَلَى الْمُسْتَدِلِّ إبْطَالُ صَلاحِيَّتِهِ لِلتَّعْلِيلِ؛ لأَنَّ دَلِيلَهُ لا يَتِمُّ إلاَّ بِذَلِكَ1."وَلا يَنْقَطِعُ الْمُسْتَدِلُّ إلاَّ بِعَجْزِهِ عَنْ إبْطَالِهِ" أَيْ إبْطَالِ مَا ذَكَرَهُ الْمُعْتَرِضُ مِنْ الْوَصْفِ، لا بِمُجَرَّدِ إبْدَاءِ الْمُعْتَرِضِ الْوَصْفَ، وَإِلاَّ كَانَ كُلُّ مَنْعٍ قَطْعًا، وَالاتِّفَاقُ عَلَى خِلافِهِ2.فَإِذَا3 أَبْطَلَ الْمُسْتَدِلُّ مَا ذَكَرَهُ الْمُعْتَرِضُ مِنْ الْوَصْفِ بَطَلَ.قَالَهُ4 الْعَضُدُ: وَالْحَقُّ أَنَّهُ إذَا أَبْطَلَهُ فَقَدْ سَلِمَ حَصْرُهُ، وَكَانَ لَهُ أَنْ يَقُولَ: هَذَا مِمَّا عَلِمْت أَنَّهُ لا يَصْلُحُ، فَلَمْ أُدْخِلْهُ فِي حَصْرِي.وَأَيْضًا فَإِنَّهُ لَمْ يَدَّعِ الْحَصْرَ قَطْعًا. بَلْ قَالَ: إنِّي مَا5 وَجَدْت، أَوْ6 أَظُنُّ الْعَدَمَ، وَهُوَ فِيهِ صَادِقٌ، فَيَكُونُ كَالْمُجْتَهِدِ7 إذَا ظَهَرَ لَهُ مَا كَانَ خَافِيًا [عَلَيْهِ] 8، وَإِنَّهُ غَيْرُ مُسْتَنْكَرٍ9 اهـ.__________1 أنظر المحلي على جمع الجوامع وحاشية البناني عليه 2/271.2 أنظر: شرح العضد 2/237، تيسير التحرير 4/46، نشر البنود 2/168، المحلي على جمع الجوامع وحاشية البناني عليه 2/271، فواتح الرحموت 2/299.3 في ض: فإذ.4 في ش: قاله.5 ساقطة من ع.6 في ش: بل.7 في ش: المجتهد.8 زيادة من شرح العضد.9 شرح العضد 2/237.(4/145)"وَالْمُجْتَهِدُ يَعْمَلُ بِظَنِّهِ" يَعْنِي أَنَّ الْمُسْتَدِلَّ إذَا كَانَ مُجْتَهِدًا فَإِنَّهُ يَجِبُ عَلَيْهِ الْعَمَلُ بِظَنِّهِ، فَيَرْجِعُ إلَيْهِ، وَيَكُونُ1 مُؤَاخَذًا بِمَا اقْتَضَاهُ ظَنُّهُ فَيَلْزَمُهُ الأَخْذُ بِهِ، وَلا يُكَابِرُ نَفْسَهُ."وَمَتَى كَانَ الْحَصْرُ"2 أَيْ حَصْرُ الأَوْصَافِ مِنْ جِهَةِ الْمُسْتَدِلِّ "وَالإِبْطَالُ" مِنْ جِهَةِ الْمُعْتَرِضِ "قَطْعِيًّا فَالتَّعْلِيلُ" بِذَلِكَ "قَطْعِيٌّ" بِلا خِلافٍ، وَلَكِنَّ هَذَا قَلِيلٌ فِي الشَّرْعِيَّاتِ."وَإِلاَّ" أَيْ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ الْحَصْرُ وَالإِبْطَالُ قَطْعِيًّا، بَلْ كَانَ أَحَدُهُمَا ظَنِّيًّا، أَوْ كِلاهُمَا وَهُوَ الأَغْلَبُ "فَ" التَّعْلِيلُ "ظَنِّيٌّ" أَيْ لا يُفِيدُ إلاَّ الظَّنَّ، وَيُعْمَلُ بِهِ فِيمَا لا يُتَعَبَّدُ فِيهِ بِالْقَطْعِ مِنْ الْعَقَائِدِ وَنَحْوِهَا3."وَمِنْ طُرُقِ الْحَذْفِ" يَعْنِي أَنَّ مِنْ طُرُقِ4 إبْطَالِ الْمُسْتَدِلِّ لِمَا5 يَدَّعِيهِ الْمُعْتَرِضُ مِنْ دَعْوَى وَصْفٍ يَصْلُحُ لِلتَّعْلِيلِ غَيْرَ مَا ذَكَرَهُ الْمُسْتَدِلُّ: بِحَذْفِهِ عَنْهُ "الإِلْغَاءُ"6.__________1 في ض: فيكون.2 في ض: للأوصاف.3 أنظر: فواتح الرحموت 2/300، نشر البنود 2/166، إرشاد الفحول ص 213، نهاية السول 3/71، الإبهاج 3/54.4 في ز ض: طرق الحذف.5 في ش: بما.6 في ش: وإلغاء.(4/146)"وَهُوَ" أَيْ الإِلْغَاءُ "إثْبَاتُ الْحُكْمِ بِ" الْوَصْفِ "الْبَاقِي فَقَطْ فِي صُورَةٍ، وَلَمْ يَثْبُتْ دُونَهُ، فَيَظْهَرُ اسْتِقْلالُهُ" وَحْدَهُ. وَيُعْلَمُ أَنَّ الْمَحْذُوفَ لا أَثَرَ لَهُ1.وَقَالَ الآمِدِيُّ: لا يَكْفِي ذَلِكَ فِي اسْتِقْلالِهِ بِدُونِ طَرِيقٍ مِنْ طُرُقِ إثْبَاتِ الْعِلَّةِ، وَإِلاَّ لَكَفَى فِي أَصْلِ الْقِيَاسِ، فَإِنْ ثَبَتَ فِي صُورَةِ الإِلْغَاءِ بِالسَّبْرِ فَالأَصْلُ الأَوَّلُ تَطْوِيلٌ بِلا فَائِدَةٍ. وَإِنْ بَيَّنَهُ بِطَرِيقٍ آخَرَ، لَزِمَ2 مَحْذُورٌ آخَرُ، وَهُوَ الانْتِقَالُ3.__________1 أنظر: شرح العضد 2/237، فواتح الرحموت 2/299، نشر البنود 2/169.2 في ع: لزمه.3 الإحكام في أصول الأحكام 3/385 باختصار وتصرف. وتمام عبارة الآمدي فيه: "لكن لقائل أن يقول: دعوى استقلال الوصف المستبقى في صورة الإلغاء بالتعليل من مجرد إثبات الحكم مع وجوده وانتفاء الوصف المحذوف غير صحيحه. فإنه لو كان مجرد ثبوت الحكم مع الوصف في صورة الإلغاء كافياً في التعليل بدون ضميمة ما يدل على استقلاله بطريق من طرق إثبات العلة لكان ذلك كافياً في أصل القياس، ولم يكن إلى البحث والسبر حاجة، وكذا غيره من الطرق. فإذاً لا بد من بيان الاستقلال ببعض طرق إثبات العلة. وعند ذلك إن شرع المستدل في بيان الاستقلال بالاستدلال ببعض طرق إثبات العلة.، فإن بيّن الاستقلال في صورة الإلغاء بالاعتبار، وأمكن أن تكون أصلاً لعلته، وتبينا أنّ الأصل الأول لا حاجة إليه، فإن المصير إلى أصل لا يمكن التمسك به في الاعتبار إلاّ بذكر صورة أخرى مستقلة بالاعتبار يكون تطويلاً بلا فائدة. وإن بين الاستقلال بطريق آخر فيلزمه مع هذا المحذور محذور آخر، وهو الانتقال في إثبات كون الوصف علة من طريقٍ إلى طريق آخر، وهو شنيع في مقام النظر". اهـ.(4/147)"وَنَفْيُ الْعَكْسِ كَالإِلْغَاءِ لا عَيْنِهِ" يَعْنِي: أَنَّ نَفْيَ الْعَكْسِ يُشْبِهُ الإِلْغَاءَ. وَلَيْسَ بِإِلْغَاءٍ1؛ لأَنَّهُ لَمْ يَقْصِدْ فِي الإِلْغَاءِ لَوْ2 كَانَ الْمَخْذُوفُ عِلَّةً لانْتَفَى عِنْدَ انْتِفَائِهِ، بَلْ قَصَدَ: لَوْ3 أَنَّ الْبَاقِيَ جُزْءُ عِلَّةٍ لَمَا اسْتَقَلَّ4."وَمِنْهَا" أَيْ وَمِنْ طُرُقِ الْحَذْفِ "طَرْدُ الْمَحْذُوفِ مُطْلَقًا" أَيْ فِي جَمِيعِ أَحْكَامِ الشَّرْعِ "كَطُولٍ وَقِصَرٍ" فَإِنَّهُمَا لَمْ يُعْتَبَرَا فِي الْقِصَاصِ، وَلا الْكَفَّارَةِ، وَلا الإِرْثِ، وَلا الْعِتْقِ، وَلا التَّقْدِيمِ فِي الصَّلاةِ وَلا غَيْرِهَا، فَلا يُعَلَّلُ بِهِمَا حُكْمٌ أَصْلاً."أَوْ" لَيْسَ مُطْلَقًا، وَلَكِنْ "بِالنِّسْبَةِ إلَى ذَلِكَ الْحُكْمِ" وَإِنْ اُعْتُبِرَ فِي غَيْرِهِ "كَالذُّكُورِيَّةِ فِي" أَحْكَامِ "الْعِتْقِ" إذْ هِيَ مُلْغَاةٌ فِيهِ، مَعَ كَوْنِهَا5 مُعْتَبَرَةً فِي الشَّهَادَةِ وَالْقَضَاءِ وَوِلايَةِ النِّكَاحِ وَالإِرْثِ، فَلا يُعَلَّلُ بِهَا شَيْءٌ مِنْ أَحْكَامِ الْعِتْقِ6."وَمِنْهَا" أَيْ وَمِنْ طُرُقِ الْحَذْفِ "عَدَمُ ظُهُورِ مُنَاسَبَةٍ" بِأَنْ لا__________1 في ش ز: بالإلغاء.2 في ع ض ب: ولو.3 في ع ز ض ب: ولو.4 أنظر شرح العضد 2/237، فواتح الرحموت 2/299.5 في ض: بكونها.6 أنظر: شرح العضد 2/238، تيسير التحرير 4/47، فواتح الرحموت 2/300، نشر البنود 2/168، حاشية البناني 2/272.(4/148)يَظْهَرَ لِلْوَصْفِ الْمَحْذُوفِ وَجْهُ مُنَاسَبَةٍ1"وَيَكْفِي الْمُنَاظِرَ" أَنْ يَقُولَ "بَحَثْت" فَلَمْ أَجِدْ بَيْنَ الْوَصْفِ وَالْحُكْمِ مُنَاسَبَةً."فَلَوْ قَالَ الْمُعْتَرِضُ: الْبَاقِي كَذَلِكَ" يَعْنِي أَنَّ الْوَصْفَ الْبَاقِيَ أَيْضًا2 لَيْسَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْحُكْمِ مُنَاسَبَةٌ. "فَإِنْ كَانَ" قَوْلُهُ3 ذَلِكَ "بَعْدَ تَسْلِيمِ مُنَاسَبَتِهِ" أَيْ تَسْلِيمِ مُنَاسَبَةِ مَا ذَكَرَهُ الْمُسْتَدِلُّ4 "لَمْ يُقْبَلْ" مِنْهُ ذَلِكَ."وَقَبْلَهُ" أَيْ وَإِنْ كَانَ قَوْلُهُ ذَلِكَ قَبْلَ تَسْلِيمِ مُنَاسَبَةِ الْوَصْفِ الَّذِي ذَكَرَهُ الْمُسْتَدِلُّ، فَ "سَبْرُ الْمُسْتَدِلِّ أَرْجَحُ" مِنْ سَبْرِ الْمُعْتَرِضِ؛ لأَنَّ سَبْرَ الْمُسْتَدِلِّ مُوَافِقٌ لِتَعْدِيَةِ الْحُكْمِ، وَسَبْرُ الْمُعْتَرِضِ، 5وَهُوَ قَوْلُهُ: إنِّي بَحَثْت فِي الْوَصْفِ الْمُسْتَبْقَى فَلَمْ أَجِدْ فِيهِ مُنَاسَبَةً قَاصِرٌ6. وَالْعِلَّةُ الْمُتَعَدِّيَةُ أَرْجَحُ مِنْ الْقَاصِرَةِ."وَلَيْسَ لَهُ" أَيْ لِلْمُسْتَدِلِّ "بَيَانُ الْمُنَاسَبَةِ" بَيْنَ الْوَصْفِ الْبَاقِي وَالْحُكْمِ؛ لأَنَّهُ حِينَئِذٍ انْتِقَالٌ مِنْ السَّبْرِ إلَى الْمُنَاسَبَةِ7.__________1 أنظر: نشر البنود 2/169، فواتح الرحموت 2/300، حاشية البناني 2/272، شرح العضد 2/238.2 ساقطة من ز.3 في ش: قولك.4 في ش: المستدل وهو قوله إني بحثت في الوصف المستبقى فلم أجد فيه مناسبة.5 ساقطة من ش.6 ساقطة من ع. وفي ض: قاصرة.7 أنظر المحلي على جمع الجوامع وحاشية البناني عليه 2/272.(4/149)"وَالسَّبْرُ الظَّنِّيُّ حُجَّةٌ مُطْلَقًا1 2أَيْ سَوَاءٌ كَانَ مِنْ نَاظِرٍ أَوْ مُنَاظَرٍ2."وَلَوْ أَفْسَدَ حَنْبَلِيٌّ عِلَّةَ شَافِعِيٍّ" فِي الرِّبَا أَوْ غَيْرِهِ "لَمْ يَدُلَّ عَلَى صِحَّةِ عِلَّتِهِ" أَيْ عِلَّةِ الْحَنْبَلِيِّ، كَتَعْلِيلِ3 بَعْضِ الْفُقَهَاءِ بِغَيْرِ الْعِلَّةِ الَّتِي عَلَّلَ بِهَا الشَّافِعِيُّ وَالْحَنْبَلِيُّ.وَلَيْسَ إجْمَاعُهُمَا دَلِيلاً عَلَى مَنْ خَالَفَهُمَا4 "لَكِنَّهُ" أَيْ لَكِنَّ إفْسَادَ عِلَّةِ الشَّافِعِيِّ الَّذِي هُوَ الْخَصْمُ "طَرِيقٌ لإِبْطَالِ مَذْهَبِ خَصْمِهِ، وَإِلْزَامٌ5 لَهُ" أَيْ لِلشَّافِعِيِّ "صِحَّةَ عِلَّتِهِ" أَيْ عِلَّةَ6 الْحَنْبَلِيِّ."وَلِكُلِّ حُكْمٍ عِلَّةٌ تَفَضُّلاً" عِنْدَ الْفُقَهَاءِ، وَوُجُوبًا عِنْدَ الْمُعْتَزِلَةِ؛ لأَنَّ الدَّلِيلَ الدَّالَّ عَلَى جَوَازِ الْعَمَلِ بِالسَّبْرِ وَتَخْرِيجِ الْمَنَاطِ__________1 أنظر كلام الأصوليين وخلافهم في حجية السبر والتقسيم الطني في "ارشاد الفحول ص 214، التلويح على التوضيح 2/579، مختصر البعلي ص 148، اللمع ص 62، الوصول إلى مسائل الأصول 2/286، شرح تنقيح الفصول ص 398، تيسير التحرير 4/48، المحلي على جمع الجوامع وحاشية البناني عليه 2/271، المستصفى 2/295، فواتح الرحموت 2/300، نشر البنود 2/167 وما بعدها".2 ساقطة من ش. وفي ع ض: أي سواء كان. وفي ز: أي سواء كان من المستدل أو المعترض.3 كذا في جميع النسخ. ولعل الصواب: لتعليل.4 أنظر روضة الناظر ص 307 وما بعدها.5 في ع: والزمه.6 ساقطة من ش.(4/150)وَغَيْرِهِمَا كَوْنُ1 الْحُكْمِ لا بُدَّ لَهُ مِنْ عِلَّةٍ2 لِقَوْلِهِ3 تَعَالَى: {وَمَا أَرْسَلْنَاك إلاَّ رَحْمَةً لِلْعَالَمِينَ} 4 وَالظَّاهِرُ مِنْهُ: تَعْمِيمُ الرَّحْمَةِ فِي جَمِيعِ5 مَا جَاءَ بِهِ، وَحِينَئِذٍ لَمْ تَخْلُ الأَحْكَامُ عَنْ فَائِدَةٍ، وَهِيَ الْعِلَّةُ6.قَالَ أَبُو الْخَطَّابِ: كُلُّهَا مُعَلَّلَةٌ وَتَخْفَى7 نَادِرًا8.__________1 في ش: لكون.2 قال ابن السبكي: "إنا استقرينا أحكام الشرع فوجدناها على وفق مصالح العباد، وذلك من فضل الله تعالى وإحسانه، لا بطريق الوجوب عليه، خلافاً للمعتزلة. فحيث ثبت حكم، وهناك وصف صالح لعليّة ذلك الحكم، ولم يوجد غيره، يحصل ظن أن ذلك الوصف علة لذلك الحكم، والعمل بالظن واجب.وقد ادّعى بعضهم الإجماع على أن الأحكام مشروعة لمصالح العباد. قال: وذلك إما بطريق الوجوب عند المعتزلة أو الإحسان عند الفقهاء من أهل السنة. وهذه الدعوى باطلة، لأن المتكلمين لم يقولوا بتعليل الأحكام بالمصالح، لا بطريق الوجوب ولا الجواز، وهو اللائق بأصولهم. وكيف ينعقد الإجماع مع مخالفة جماهير المتكلمين، والمسألة من مسائل علمهم، وقد قالوا: لا يجوز أن تعلل أفعال الله تعالى، لأنّ من فعل فعلاً لغرضٍ، كان حصوله بالنسبة إليه أولى، سواء كان ذلك الغرض يعود إليه أم إلى الغير، وإذا كان كذلك يكون ناقصاً في نفسه، مستكملاً في غيره، ويتعالى الله سبحانه عن ذلك. "الإبهاج 3/43".3 في ع ب: كقوله.4 الآية 107 من الأنبياء.5 في ش ض: كل.6 قال العضد "2/238": "وظاهر الآية التعميم، أي يفهم منه مراعاة مصالحهم فيما شرع لهم من الأحكام كلها، إذ لو أرسل بحكم لا مصلحة لهم فيه لكان إرسالاً لغير الرحمة، لأنّه تكليف بلا فائدة، مخالف ظاهر العموم".7 في ش: وتختفي.8 أي تخفى علينا العلة في النادر منها "المسودة ص 398".(4/151)قَالَ الْقَاضِي: التَّعْلِيلُ الأَصْلُ، وَ1تُرِكَ2 نَادِرًا؛ لأَنَّ تَعَقُّلَ الْعِلَّةِ أَقْرَبُ إلَى الْقَبُولِ مِنْ التَّعَبُّدِ؛ وَلأَنَّهُ3 الْمَأْلُوفُ عُرْفًا. وَالأَصْلُ مُوَافَقَةُ الشَّرْعِ لَهُ، فَيُحْمَلُ مَا نَحْنُ فِيهِ عَلَى الْغَالِبِ4."وَيَجِبُ الْعَمَلُ بِالظَّنِّ فِيهَا" أَيْ فِي عِلَلِ الأَحْكَامِ "إجْمَاعًا"5.وَقِيلَ: الأَصْلُ عَدَمُ التَّعْلِيلِ؛ لأَنَّ الْمُوجِبَ الصِّيغَةُ، وَبِالتَّعْلِيلِ يَنْتَقِلُ حُكْمُهُ إلَى مَعْنَاهُ، فَهُوَ كَالْمَجَازِ مِنْ الْحَقِيقَةِ." الرَّابِعُ " مِنْ مَسَالِكِ الْعِلَّةِ "الْمُنَاسَبَةُ، وَ" يُقَالُ "الإِخَالَةُ"6."وَاسْتِخْرَاجُهَا" أَيْ اسْتِخْرَاجُ الْعِلَّةِ بِذَلِكَ "يُسَمَّى تَخْرِيجَ الْمَنَاطِ" لِمَا فِيهِ مِنْ ابْتِدَاءِ مَا نِيطَ بِهِ الْحُكْمُ، أَيْ عُلِّقَ عَلَيْهِ."وَهُوَ" أَيْ تَخْرِيجُ7 الْمَنَاطِ "تَعْيِينُ8 عِلَّةِ الأَصْلِ بِإِبْدَاءِ__________1 ساقطة من ب ع ز.2 في د ض: تركه.3 في ز: ولأن.4 انظر المسودة ص 398.5 انظر شرح العضد 2/238، تيسير التحرير 4/49، الإبهاج 3/43.6 من خالَ بمعنى ظنّ، وقد سميت مناسبة الوصف بالإخالة، لأنه بالنظر إلى ذاتها يُخال، أي يُظَنُّ عليّة الوصف للحكم. "نشر البنود 2/170".7 في ع: تعيين تخريج.8 في ع ض: تعليل.(4/152)الْمُنَاسَبَةِ مِنْ ذَاتِ الْوَصْفِ"1 يَعْنِي أَنْ يَكُونَ الأَصْلُ مُشْتَمِلاً عَلَى وَصْفٍ مُنَاسِبٍ لِلْحُكْمِ، فَيَحْكُمُ الْعَقْلُ بِوُجُودِ تِلْكَ الْمُنَاسَبَةِ: أَنَّ ذَلِكَ الْوَصْفَ هُوَ عِلَّةُ الْحُكْمِ كَالإِسْكَارِ لِلتَّحْرِيمِ، وَالْقَتْلِ الْعَمْدِ الْعُدْوَانِ لِلْقِصَاصِ."وَالْمُنَاسَبَةُ" هُنَا "لُغَوِيَّةٌ" بِخِلافِ الْمُعَرَّفِ2، وَهُوَ الْمُنَاسَبَةُ، فَإِنَّهَا بِالْمَعْنَى الاصْطِلاحِيِّ، حَتَّى لا يَكُونَ تَعْرِيفًا لِلشَّيْءِ بِنَفْسِهِ."وَالْمُنَاسِبُ: مَا تَقَعُ الْمَصْلَحَةُ عَقِبَهُ"3.قَالَ فِي الرَّوْضَةِ: وَمَعْنَى الْمُنَاسِبِ أَنْ يَكُونَ فِي إثْبَاتِ الْحُكْمِ عَقِبَهُ4 مَصْلَحَةٌ5.__________1 انظر تعريفات الأصوليين لتخريج المناط في "المحلي على جمع الجوامع وحاشية البناني عليه 2/273، روضة الناظر ص 278، نشر البنود 2/170، تيسير التحرير 4/43، الابهاج 3/58، مختصر الطوفي ص 146، مناهج العقول 3/50، شرح العضد 2/239".2 في ع ز: العرف.3 انظر تعريف المناسب في "المحصول 2/2/218، نهاية السول 3/52، مناهج العقول 2/50، مختصر البعلي ص 148، الإبهاج 3/38، مفتاح الوصول ص 149، الإحكام للآمدي 3/388، شرح العضد 2/239، إرشاد الفحول ص 214، شرح تنقيح الفصول ص 391، نشر البنود 2/173، المحلي على جمع الجوامع وحاشية البناني عليه 2/274، التلويح على التوضيح 2/553، 565، فواتح الرحموت 2/301، كشف الأسرار 3/352".4 في الروضة: عقبيه.5 روضة النظر ص 302.(4/153)"وَزِيدَ لِرَابِطٍ مَا عَقْلِيٍّ".قَالَ الطُّوفِيُّ فِي مُخْتَصَرِهِ: الْمُنَاسِبُ: هُوَ مَا تُتَوَقَّعُ1 الْمَصْلَحَةُ عَقِبَهُ2 لِرَابِطٍ مَا3 عَقْلِيٍّ4.وَقَالَ فِي شَرْحِهِ: اُخْتُلِفَ فِي تَعْرِيفِ الْمُنَاسِبِ، وَاسْتِقْصَاءُ الْقَوْلِ فِيهِ مِنْ الْمُهِمَّاتِ؛ لأَنَّ عَلَيْهِ مَدَارَ5 الشَّرِيعَةِ، بَلْ مَدَارَ الْوُجُودِ، إذْ لا وُجُودَ إلاَّ وَهُوَ6 عَلَى وَفْقِ الْمُنَاسَبَةِ الْعَقْلِيَّةِ، لَكِنَّ أَنْوَاعَ الْمُنَاسَبَةِ تَتَفَاوَتُ فِي الْعُمُومِ وَالْخُصُوصِ، وَالْخَفَاءِ7، وَالظُّهُورِ، فَمَا خَفِيَتْ عَنَّا مُنَاسَبَتُهُ سُمِّيَ تَعَبُّدًا، وَمَا ظَهَرَتْ مُنَاسَبَتُهُ سُمِّيَ مُعَلَّلاً.فَقَوْلُنَا: الْمُنَاسِبُ8 مَا تُتَوَقَّعُ الْمَصْلَحَةُ عَقِبَهُ، أَيْ إذَا وُجِدَ أَوْ إذَا سُمِعَ: أَدْرَكَ الْعَقْلُ السَّلِيمُ كَوْنَ ذَلِكَ الْوَصْفِ سَبَبًا مُفْضِيًا إلَى مَصْلَحَةٍ مِنْ الْمَصَالِحِ لِرَابِطٍ9 مَا مِنْ الرَّوَابِطِ الْعَقْلِيَّةِ10 بَيْنَ تِلْكَ__________1 في ش ز ع ب: يتوقع.2 في مختصر الطوفي: عقبيه.3 ساقطة من ش.4 مختصر الطوفي ص 159.5 ساقطة من ض.6 في ع: فهو. وفي ز: هو.7 ساقطة من ض.8 في ز: المناسبة.9 ساقطة من ش ز.10 ساقطة من ض.(4/154)الْمَصْلَحَةِ وَذَلِكَ الْوَصْفِ، وَهُوَ مَعْنَى قَوْلِي " لِرَابِطٍ مَا عَقْلِيٍّ ".مِثَالُهُ: إذَا قِيلَ: الْمُسْكِرُ حَرَامٌ، أَدْرَكَ الْعَقْلُ أَنَّ تَحْرِيمَ السُّكْرِ1 مُفْضٍ إلَى مَصْلَحَةٍ2، وَهِيَ حِفْظُ الْعَقْلِ مِنْ الاضْطِرَابِ. وَإِذَا قِيلَ: الْقِصَاصُ مَشْرُوعٌ، أَدْرَكَ الْعَقْلُ 3أَنَّ مَشْرُوعِيَّةَ الْقِصَاصِ سَبَبٌ4 مُفْضٍ5 إلَى مَصْلَحَةٍ، وَهِيَ حِفْظُ النُّفُوسِ.ثُمَّ قَالَ قُلْت: لِرَابِطٍ6 عَقْلِيٍّ، أَخْذًا مِنْ النَّسَبِ الَّذِي هُوَ الْقَرَابَةُ، فَإِنَّ الْمُنَاسِبَ هُنَا7 مُسْتَعَارٌ وَمُشْتَقٌّ مِنْ ذَلِكَ، وَلا شَكَّ أَنَّ الْمُتَنَاسِبَيْنِ فِي بَابِ النَّسَبِ، كَالأَخَوَيْنِ وَابْنَيْ الْعَمِّ وَنَحْوِهِ، إنَّمَا8 كَانَا مُتَنَاسِبَيْنِ9 لِمَعْنًى رَابِطٍ بَيْنَهُمَا، وَهُوَ الْقَرَابَةُ. فَكَذَلِكَ الْوَصْفُ الْمُنَاسِبُ هُنَا لا بُدَّ أَنْ10 يَكُونَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ مَا يُنَاسِبُهُ مِنْ__________1 في ش: المسكر.2 في ض ب: المصلحة.3 ساقطة من ض.4 في ض: سبباً.5 في ض: مفضياً.6 في ش: الرابط.7 ساقطة من ش. وفي ض: هو.8 في ش: وانما.9 في ش: مناسبين.10 في ش ز ب: وأن.(4/155)الْمَصْلَحَةِ رَابِطٌ عَقْلِيٌّ وَهُوَ كَوْنُ الْوَصْفِ صَالِحًا لِلإِفْضَاءِ إلَى تِلْكَ الْمَصْلَحَةِ اهـ."وَيَتَحَقَّقُ الاسْتِقْلالُ" عَلَى أَنَّ الْوَصْفَ الَّذِي أَبْدَاهُ هُوَ الْعِلَّةُ "بِعَدَمِ مَا سِوَاهُ بِ" طَرِيقِ "السَّبْرِ" وَلا يَكْفِي أَنْ يَقُولَ: بَحَثْت فَلَمْ أَجِدْ غَيْرَهُ، وَإِلاَّ يَلْزَمْ الاكْتِفَاءُ بِهِ ابْتِدَاءً، وَلا قَائِلَ بِهِ، بِخِلافِ مَا سَبَقَ فِي طَرِيقِ السَّبْرِ وَالتَّقْسِيمِ، فَإِنَّهُ يُكْتَفَى بِذَلِكَ؛ لأَنَّ الْمَدَارَ1 هُنَاكَ عَلَى الْحَصْرِ، فَاكْتُفِيَ فِيهِ بِقَوْلِهِ: بَحَثْت فَلَمْ أَجِدْ غَيْرَهُ. وَهُنَا عَلَى أَنَّهُ ظَفِرَ بِوَصْفٍ مُنَاسِبٍ، فَافْتَرَقَا2."وَ" الْمَعْنَى "الْمَقْصُودُ مِنْ شَرْعِ الْحُكْمِ"3:"قَدْ يُعْلَمُ حُصُولُهُ" يَقِينًا "كَبَيْعٍ" فَإِنَّهُ إذَا كَانَ صَحِيحًا حَصَلَ مِنْهُ الْمِلْكُ4 الَّذِي هُوَ الْمَقْصُودُ."أَوْ" قَدْ "يُظَنُّ، كَقِصَاصٍ" فَإِنَّ حُصُولَ الانْزِجَارِ5 عَنْ الْقَتْلِ لَيْسَ قَطْعِيًّا، بِدَلِيلِ وُجُودِ الإِقْدَامِ مَعَ عِلْمِهِمْ بِأَنَّ__________1 في ض: الدار.2 انظر نشر البنود 2/172، المحلي على جمع الجوامع وحاشية البناني عليه 2/274.3 انظر مراتب إفضاء الحكم إلى المقصود من شرع الحكم واختلافها في "الإحكام للآمدي 3/391، شرح العضد 2/240، ارشاد الفحول ص 215، نشر البنود 2/174، المحلي على جمع الجوامع وحاشية البناني عليه 2/276".4 في ش: البيع الملك.5 في ش: الارجاء.(4/156)الْقِصَاصَ مَشْرُوعٌ."أَوْ" قَدْ "يُشَكُّ فِيهِ" بِأَنْ يَتَسَاوَى حُصُولُ الْمَقْصُودِ وَعَدَمُ حُصُولِهِ، فَلا يُوجَدُ يَقِينٌ وَلا ظَنٌّ، بَلْ يَكُونَانِ مُتَسَاوِيَيْنِ.قَالَ صَاحِبُ1 الْبَدِيعِ: وَلا مِثَالَ لَهُ عَلَى التَّحْقِيقِ2.وَيَقْرُبُ مِنْهُ مَا مَثَّلَ بِهِ ابْنُ الْحَاجِبِ3 مِنْ حَدِّ شَارِبِ الْمُسْكِرِ لِحِفْظِ الْعَقْلِ؛ فَإِنَّ الْمُقْدِمِينَ4 كَثِيرٌ، وَالْمُجْتَنَبِينَ كَثِيرٌ، فَتَسَاوَى الْمَقْصُودُ وَعَدَمُهُ فِيهِ. وَلِهَذَا مَثَّلَهُ فِي الأَصْلِ بِقَوْلِهِ "كَحَدِّ خَمْرٍ".__________1 هو أحمد بن علي بن تغلب بن أبي الضياء البعلبكي البغدادي، مظفر الدين، أبو العباس، المعروف بابن الساعاتي لكون أبيه عمل الساعات المشهورة على باب المستنصرية، من كبار فقهاء الحنفية، وأحد مدرسي المستنصرية ببغداد. قال ابن الفوطي: "كان عالماً بالفقه والأصول، عارفاً بالمنقول والمعقول". من مؤلفاته "بديع النظام الجامع بين كتابي البزدوي والإحكام" وهو كتاب مشترك بين أصول الحنفية وأصول المتكلمين، و"مجمع البحرين ولتقى النهرين" في الفروع و"شرحه" و "نهاية الوصول إلى علم الأصول" وغيرها. توفي سنة 694هـ "انظر ترجمته في الفوائد البهية للكنوي ص 26، الجواهر المضية 1/80، كشف الظنون 1/235، هدية العارفين 1/100، الفتح المبين 2/94، تاريخ علماء المستنصرية 1/91، الطبقات السنية 1/462".2 وقال الآمدي عنه: "فقلما يتفق له في الشرع مثال على التحقيق، بل على طريق التقريب، وذلك كشرع الحدّ على شرب الخمر لحفظ العقل، فإنّ إفضاءه إلى ذلك متردد، حيث انّا نجد كثرة الممتنعين عنه مقاومة لكثرة المقدمين عليه، لا على وجه الترجيح والغلبة لأحد الفريقين على الآخر في العادة". "الإحكام 3/391".3 مخصر ابن الحاجب مع شرحه للعضد 2/240.4 في ض: المتقدمين.(4/157)"أَوْ" قَدْ "يُتَوَهَّمُ" حُصُولُهُ، بِأَنْ يَكُونَ عَدَمُ حُصُولِ الْمَقْصُودِ أَرْجَحَ مِنْ حُصُولِهِ "كَنِكَاحِ آيِسَةٍ" مِنْ الْحَيْضِ "لِلتَّوَالُدِ"؛ لأَنَّهُ مَعَ إمْكَانِهِ عَقْلاً بَعِيدٌ عَادَةً.وَقِيلَ: لا يُعَلَّلُ بِمَا قَدْ يُشَكُّ فِيهِ أَوْ يُتَوَهَّمُ.وَالأَظْهَرُ: بَلَى، اتِّفَاقًا1 إنْ ظَهَرَ الْمَقْصُودُ2. فِي غَالِبِ صُوَرِ الْجِنْسِ، وَإِلاَّ فَلا. لاحْتِمَالِ3 التَّرَتُّبِ وَعَدَمِهِ سَوَاءً، أَوْ عَدَمُهُ أَرْجَحُ.وَفِي الْفُنُونِ وَغَيْرِهِ: السَّفَرُ مَشَقَّةٌ عَامَّةٌ، وَيَخْتَلِفُ قَدْرُهَا. وَلِذَا4 تَحْسُنُ التَّهْنِئَةُ بِالْقُدُومِ لِلْجَمِيعِ5، كَالْمَرْضَى6 بِالسَّلامَةِ."وَلَوْ فَاتَ" الْمَقْصُودُ "يَقِينًا، كَلُحُوقِ نَسَبِ مَشْرِقِيٍّ بِمَغْرِبِيَّةٍ وَنَحْوِهِ لَمْ يُعَلَّلْ بِهِ" عِنْدَ الْجُمْهُورِ7.__________1 انظر الإحكام للآمدي 3/392.2 ساقطة من ش.3 في ع: لاحتماله.4 في ش: وكذا.5 في ش: بالجميع لقدوم الجميع.6 في ش: كالرضى.7 قال الآمدي: "لأنّ المقصود من شرع الأحكام الحِكَم، فشرع الأحكام مع انتفاء الحكمة يقيناً لا يكون مفيداً، فلا يرد به الشرع، خلافاً لأصحاب أبي حنيفة" "الإحكام في أصول الأحكام 3/393" وانظر: شرح العضد 2/240، ارشاد الفحول ص 215، المحلي على جمع الجوامع وحاشية البناني عليه 2/278.(4/158)وَخَالَفَ فِي ذَلِكَ الْحَنَفِيَّةُ، فَيَلْحَقُ عِنْدَهُمْ النَّسَبُ لَوْ تَزَوَّجَ بِطَرِيقِ التَّوْكِيلِ مَشْرِقِيٌّ بِمَغْرِبِيَّةٍ، فَأَتَتْ بِوَلَدٍ، مَعَ الْقَطْعِ بِانْتِفَاءِ اجْتِمَاعِهِمَا؛ لاقْتِضَاءِ الزَّوَاجِ ذَلِكَ فِي الأَغْلَبِ حِفْظًا لِلنَّسَبِ1."وَالْمُنَاسِبُ" ثَلاثَةُ أَضْرُبٍ:الضَّرْبُ الأَوَّلُ "دُنْيَوِيٌّ" وَيَنْقَسِمُ إلَى ثَلاثَةِ أَقْسَامٍ:الأَوَّلُ2: "ضَرُورِيٌّ أَصْلاً، وَهُوَ أَعْلَى رُتَبِ الْمُنَاسَبَاتِ" وَهُوَ مَا كَانَتْ مَصْلَحَتُهُ فِي مَحَلِّ الضَّرُورَةِ3.وَيَتَنَوَّعُ إلَى خَمْسَةِ أَنْوَاعٍ، وَهِيَ4 الَّتِي رُوعِيَتْ5 فِي كُلِّ مِلَّةٍ، وَهِيَ "حِفْظُ الدِّينِ، فَ" حِفْظُ "النَّفْسِ، فَـ6" حِفْظُ__________1 أقول: إن مذهب الحنفية إلحاق سنب الولد بوالده في حالة تزوج مشرقي بمغربية اكتفاء بقيام الفراش دون تحقق الدخول مبني عندهم على اجتماع أصلين في المسألة "أحدهما" أن الولد لصاحب الفراش للنص. "والثاني" إمكان لقائهما واحتماله بناءً على جواز وقوع خوارق العادات على سبيل الكرامات ونحوها، لا مع القطع بانتفاء اجتماع الزوجين كما عزا المصنف للحنفية! "انظر رد المحتار 2/630، البناية على الهداية 4/818".2 في ش ز: القسم الأول.3 أي أنّه لا بد منه في قيام مصالح الدين والدني، بحيث اذا فقد لم تجز مصالح الدنيا على استقامة، بل على فساد وتهارج وفوت حياة، وفي الأخرى فوت النجاة والنعيم والرجوع بالخسران المبين. قاله الشاطبي "انظر الموافقات 2/8".4 في ش ز: وهي الخمسة.5 في ب: وعيت.6 في ش: و.(4/159)