عدد الزوار 255 التاريخ 15/08/2020
بِسم الله الرَّحْمَن الرَّحِيم رب يسر بِخَيرأَخْبرنِي الشَّيْخ الإِمَام الْفَاضِل عُثْمَان بن بلبان المعالمي فِي شهر رَمَضَان سنة عشرَة قَالَ أَخْبرنِي الشَّيْخ الإِمَام الْعَلامَة قَاضِي الْقُضَاة مفتي الْمُسلمين أَبُو عبد الله مُحَمَّد بن مُحَمَّد بن بهْرَام الشَّافِعِي أثابه الله الْجنَّة بِقِرَاءَتِي عَلَيْهِ يَوْم الْأَحَد السَّادِس وَالْعِشْرين من شهر ربيع الأول سنة خمس وَسبع مئة بحلب المحروسة قلت لَهُ أخْبرك الشَّيْخ الْعَلامَة شيخ الْإِسْلَام مفتي الْفرق أَبُو مُحَمَّد عبد الْعَزِيز بن عبد السَّلَام بن أبي الْقَاسِم الشَّافِعِي بِقِرَاءَتِك عَلَيْهِ قَالَ نعم قلت لَهُ قلت (الْحَمد لله ذِي الْجُود وَالْإِحْسَان وَالْفضل والإمتنان وَصلى الله على نبيه الْمَبْعُوث بِالْأَمر وَالْعدْل وَالْإِحْسَان وبالنهي عَن الْفساد والطغيان فَلم يتْرك صلى الله عَلَيْهِ وَسلم شَيْئا يقرب من الْجنان وَيبعد من النيرَان إِلَّا أَمر بِهِ وَلم يدع شَيْئا يقرب من النيرَان ويباعد من الْجنان إِلَّا نهى عَنهُ)(1/31)فصل فِي بَيَان الْمصَالح والمفاسدأما بعد فَإِن الله تَعَالَى أرسل الرُّسُل وَأنزل الْكتب لإِقَامَة مصَالح الدُّنْيَا وَالْآخِرَة وَدفع مفاسدهماوالمصلحة لَذَّة أَو سَببهَا أَو فرحة أَو سَببهَاوالمفسدة ألم أَو سَببه أَو غم أَو سَببهوَلم يفرق الشَّرْع بَين دقها وجلها وقليلهما وكثيرهما كحبة خَرْدَل وشق تَمْرَة وزنة برة ومثقال ذرة {فَمن يعْمل مِثْقَال ذرة خيرا يره وَمن يعْمل مِثْقَال ذرة شرا يره} الزلزلة 99 / 8 - 7(1/32)فصل فِي بَيَان الْإِحْسَان الْمَأْمُور بِهِكتب الله سُبْحَانَهُ الْإِحْسَان على كل شَيْء وَأخْبر أَنه يَأْمر بِهِ على الدَّوَام والاستمرار بقوله {إِن الله يَأْمر بِالْعَدْلِ وَالْإِحْسَان} النَّحْل 16 / 90 وَرغب فِيهِ بقوله {إِن الله يحب الْمُحْسِنِينَ} الْبَقَرَة 2 / 195 وَإِن أمرا يكون سَببا لحب الله سُبْحَانَهُ لجدير بِأَن يحرص عَلَيْهِ ويتنافس فِيهِ ويبادر إِلَيْهِ وَلَا يتَقَيَّد ذَلِك الْإِحْسَان بالإنسان بل يجْرِي فِي حق الْمَلَائِكَة عَلَيْهِم السَّلَام فَإِنَّهُم يتأذون مِمَّا يتَأَذَّى مِنْهُ النَّاس بل يجْرِي فِي حق الْحَيَوَان الْمُحْتَرَم بل فِي غير الْمُحْتَرَم لقَوْله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم إِن الله كتب الْإِحْسَان على كل شَيْء فَإِذا قتلتم فَأحْسنُوا القتلة وَإِذا ذبحتم فَأحْسنُوا الذّبْح وليحد أحدكُم شفرته وليرح ذَبِيحَته وَقد جعل لمن قتل الوزغ فِي الضَّرْبَة الأولي مئة حَسَنَة وَفِي الثَّانِيَة سبعين لِأَن قَتله بضربة وَاحِدَة أَهْون عَلَيْهِ من قَتله بضربتين(1/33)وَالْإِحْسَان منحصر فِي جلب الْمصَالح ودرء الْمَفَاسِد وَهُوَ غَايَة الْوَرع أَعْلَاهَا إِحْسَان الْعِبَادَات وَهُوَ أَن تعبد الله عز وَجل كَأَنَّك ترَاهُ فَإِن لم تكن ترَاهُ فَقدر أَنه يراك وأفضلهما أَن تعبد الله عز وَجل مُقَدرا أَنَّك ترَاهُ فَإنَّك إِذا قدرت فِي عبادتك ترى المعبود فَإنَّك تعظمه غَايَة التَّعْظِيم وتجله أعظم الإجلال وَاعْتبر ذَلِك لَهَا صُورَة الأكابر والملوك فَإِن من نظر إِلَى ملك بِنَظَر إِلَيْهِ فَإِنَّهُ يعظمه أبلغ التَّعْظِيم ويهابه أتم المهابة ويتقرب إِلَيْهِ بغاية مَا يقدر عَلَيْهِ وَهَذَا مَحْكُوم بالعادات فَإِن عزفت عَن تَقْدِير رؤيتك إِيَّاه فقد ترى أَنه يراك وَينظر إِلَيْك فَإنَّك تَسْتَحي مِنْهُ وَتَأْتِي بِعِبَادَتِهِ على أتم الْوُجُوهالنَّوْع الثَّانِي الْإِحْسَان إِلَى الْخَلَائق وَذَلِكَ إِمَّا بجلب الْمَنَافِع أَو بِدفع المضار أَو بهما وَلَا فرق بَين قَلِيله وَكَثِيره وجليله وحقيره فَإِن {فَمن يعْمل مِثْقَال ذرة خيرا يره} الزلزلة 99 / 7 {وَإِن كَانَ مِثْقَال حَبَّة من خَرْدَل أَتَيْنَا بهَا وَكفى بِنَا حاسبين} الْأَنْبِيَاء 21 / 47 وَفِي الحَدِيث كل مَعْرُوف صَدَقَة وَلَو أَن تلقى أَخَاك وَأَنت منبسط إِلَيْهِ وَجهك وَفِي الحَدِيث لَا تحقرن جَارة لجارتها وَلَا فرسن شَاة وَفِي الحَدِيث(1/34)تصدقوا وَلَو بشق تَمْرَة فَإِن لم تَجدوا فبكلمة طيبَة وعَلى الْجُمْلَة فالإحسان مَكْتُوب على كل شَيْء وكل مَعْرُوف صَدَقَة كالكلمة الطّيبَة وطلاقة الْوَجْه وتبسمه وانبساطه وهداية الطَّرِيق(1/35)النَّوْع الثَّالِث إِحْسَان الْمَرْء إِلَى نَفسه بجلب مَا أَمر الله بجلبه من الْمصَالح الْوَاجِبَة والمندوبة ودرء مَا أَمر الله بدرئه عَنْهَا من الْمَفَاسِد الْمُحرمَة والمكروهة وَلَا فرق بَين قَلِيله وَكَثِيره وجليله وحقيره {فَمن يعْمل مِثْقَال ذرة خيرا يره وَمن يعْمل مِثْقَال ذرة شرا يره} الزلزلة 99 / 8 - 7 و {من يعْمل سوءا يجز بِهِ} النِّسَاء 4 / 123 {وَإِن كَانَ مِثْقَال حَبَّة من خَرْدَل أَتَيْنَا بهَا} الْأَنْبِيَاء 21 / 47فصل فِي بَيَان الْإِسَاءَة الْمنْهِي عَنْهَاالْإِسَاءَة منحصرة فِي جلب الْمَفَاسِد ودرء الْمصَالح وَهِي مُتَعَلقَة بالعبادات وبنفس الْمُكَلف وَغَيره من الأناس والحيوانات والمحترمات وعَلى الْجُمْلَة فَلَا يرجع بِشَيْء من جلب الْمصَالح ودرء الْمَفَاسِد وأسبابهما إِلَى الديَّان لاستغنائه بِهِ عَن الأكوان وَإِنَّمَا يعود نفعهما وضرهما على الانسان وَمن أحسن فلنفسه سعى وَمن أَسَاءَ فعلى نَفسه جنى(1/36)وإحسان الْمَرْء إِلَى نَفسه أَو إِلَى غَيره إِمَّا بجلب مصلحَة دنيوية أَو أخروية أَو بهما وَإِمَّا بدرء مفْسدَة دنيوية أَو أخروية أَو بهماوإساءته إِلَى نَفسه وَإِلَى غَيره إِمَّا بجلب مفْسدَة دنيوية أَو أخروية أَو بهما أَو بدرء مصلحَة دنيوية أَو أخروية أَو بهما وَلكُل من أحسن إِلَى نَفسه كَانَ أجره مَقْصُورا عَلَيْهِ وكل من أحسن إِلَى غَيره كَانَ محسنا إِلَى نَفسه وَإِلَى غَيره وكل من أَسَاءَ إِلَى نَفسه كَانَ وزره مَقْصُورا عَلَيْهِ وكل من أَسَاءَ إِلَى غَيره فقد بَدَأَ بالإساءة إِلَى نَفسه وَإِذا اتَّحد نوع الْإِسَاءَة وَالْإِحْسَان كَانَ عامهما أفضل من خاصهما وَلَيْسَ من يصلح بَين جمَاعَة كمن أصلح بَين اثْنَيْنِ وَلَيْسَ من أفسد بَين جمَاعَة كمن أفسد بَين اثْنَيْنِ وليسن من تصدق على جمَاعَة أَو علم جمَاعَة أَو ستر جمَاعَة أَو أنقذ جمَاعَة من الْهَلَاك كمن اقْتصر على وَاحِد أَو اثْنَيْنِفَائِدَة فِي الْحَث على تَحْصِيل الْمصَالح ودرء الْمَفَاسِدوَقد حث الرب سُبْحَانَهُ على تَحْصِيل مصَالح الْآخِرَة بمدحها ومدح فاعليها وَبِمَا رتب عَلَيْهَا من ثَوَاب الدُّنْيَا وَالْآخِرَة وكرامتهما وزجر سُبْحَانَهُ عَن ارْتِكَاب الْمَفَاسِد بذمها وذم فاعليها وَبِمَا رتبه عَلَيْهَا من عِقَاب الدُّنْيَا وَالْآخِرَة وإهانتهما(1/37)ويعبر عَن الْمصَالح والمفاسد بالمحبوب وَالْمَكْرُوه والحسنات والسيئات وَالْعرْف والنكر وَالْخَيْر وَالشَّر والنفع والضر وَالْحسن والقبحوَالْأَدب أَن لَا يعبر عَن مشاق الْعِبَادَات ومكارهها بِشَيْء من أَلْفَاظ الْمَفَاسِد وَأَن لَا يعبر عَن لذات الْمعاصِي وأفراحها بِشَيْء من أَلْفَاظ الْمصَالح وَإِن كَانَت الْجنَّة قد حفت بالمكاره وحفت النَّار بالشهواتوجلب الْمصَالح ودرء الْمَفَاسِد أَقسَامأَحدهَا ضَرُورِيّوَالثَّانِي حاجيوَالثَّالِث تكميليفالضروري الأخروي فِي الطَّاعَات هُوَ فعل الْوَاجِبَات وَترك الْمُحرمَات والحاجي هُوَ السّنَن المؤكدات والشعائر الظاهرات والتكميلي مَا عدا الشعائر من المندوبات والضروريات الدُّنْيَوِيَّة كالمآكل والمشارب والملابس والمناكح(1/38)والتكميلي مِنْهَا كَأَكْل الطَّيِّبَات وَشرب اللذيذات وسكنى المساكن العاليات والغرف الرفيعات والقاعات الواسعاتوالحاجي مِنْهَا مَا توَسط بَين الضرورات والتكميلاتفصل فِي تفَاوت رتب الْمصَالح والمفاسدثمَّ تَنْقَسِم الْمصَالح إِلَى الْحسن وَالْأَحْسَن والفاضل وَالْأَفْضَل كَمَا تَنْقَسِم الْمَفَاسِد إِلَى الْقَبِيح والأقبح والرذيل والأرذل وَلكُل وَاحِد مِنْهَا رتب عاليات ودانيات ومتوسطات متساويات وَغير متساوياتوَلَا نِسْبَة لمصَالح الدُّنْيَا إِلَى مصَالح الْآخِرَة لِأَنَّهَا خير مِنْهَا وَأبقى وَلَا نِسْبَة لمفاسد الدُّنْيَا إِلَى مفاسد الْآخِرَة لِأَنَّهَا شَرّ مِنْهَا وَأبقىومصالح الْإِيجَاب أفضل من مصَالح النّدب ومصالح النّدب أفضل من مصَالح الْإِبَاحَة كَمَا أَن مفاسد التَّحْرِيم أرذل من مفاسد الْكَرَاهَة(1/39)فصل فِي بَيَان مصَالح الدَّاريْنِ ومفاسدهمامصَالح الْآخِرَة ثَوَاب الْجنان ورضا الديَّان وَالنَّظَر إِلَيْهِ والأنس بجواره والتلذذ بِقُرْبِهِ وخطابه وتسليمه وتكليمهومفاسدها عَذَاب النيرَان وَسخط الديَّان والحجب عَن الرَّحْمَن وتوبيخه ولعنه وطرده وإبعاده وخسؤه وإهانتهوَلَا تقع أَسبَاب مصَالح الْآخِرَة ومفاسدها إِلَّا فِي الدُّنْيَا إِلَّا الشَّفَاعَةوَلَا قطع بِحُصُول مصَالح الْآخِرَة ومفاسدهما إِلَّا عِنْد الْمَوْت فَإِن الرجل يعْمل بِعَمَل أهل الْجنَّة حَتَّى لَا يبْقى بَينه وَبَينهَا إِلَّا بَاعَ أَو ذِرَاع فَيعْمل بِعَمَل أهل النَّار فَيدْخل النَّار وَإِن الرجل ليعْمَل بِعَمَل أهل النَّار حَتَّى لَا يبقي بَينه وَبَينهَا إِلَّا بَاعَ أَو ذِرَاع فَيعْمل بِعَمَل أهل الْجنَّة فَيدْخل الْجنَّة(1/40)وَأما مصَالح الدُّنْيَا ومفاسدها فتنقسم إِلَى مَقْطُوع ومظنون وموهوم أَمْثِلَة ذَلِك الْجُوع والشبع والري والعطش والعري والاكتساء والسلامة والعطب والعافية والأسقام والأوجاع والعز والذل والأفراح وَالْأَحْزَان وَالْخَوْف والأمن والفقر والغنى ولذات المآكل والمشارب والمناكح والملابس والمساكن والمراكب وَالرِّبْح والخسران وَسَائِر المصائب والنوائبوَلَا يعرف مصَالح الْآخِرَة ومفاسدها إِلَّا بِالشَّرْعِ وَيعرف مصَالح الدُّنْيَا ومفاسدها بالتجارب والعاداتفصل فِيمَا يبْنى عَلَيْهِ الْمصَالح والمفاسدمن الْمصَالح والمفاسد مَا يبْنى على الْعرْفَانوَمِنْهَا مَا يبْنى على الِاعْتِقَاد فِي حق الْعَوام(1/41)وأكثرها يبْنى على الظَّن والحسبان لإعواز الْيَقِين والعرفانوأقلها مَبْنِيّ على الشكوك والأوهاوم كَمَا فِي إِلْحَاق النّسَب فِي بعض الأحيانومعظم الْوَرع مَبْنِيّ على الأوهامفَمن الْمصَالح مَا لَا يتَعَلَّق بِهِ مفْسدَة وَلَا يجده إِلَّا وَاجِبا أَو مَنْدُوبًا أَو مُبَاحاوَمن الْمَفَاسِد مَا لَا يتَعَلَّق بِهِ مصلحَة وَلَا يجده إِلَّا مَكْرُوها أَو حَرَامًا(1/42)وكل كسب خلا عَن الْمصلحَة والمفسدة وَلم يكن فِي نَفسه مصلحَة وَلَا مفْسدَة فَحكمه حكم الْأَفْعَال قبل وُرُود الشَّرْعوللمصالح تعلق بالقلوب والحواس والأعضاء والأبدان وَالْأَمْوَال والأماكن والأزمان والذمم والأعيان أَو بالذمم والأعيانفصل فِي الْوَسَائِلللْمصَالح والمفاسد أَسبَاب ووسائل وللوسائل أَحْكَام الْمَقَاصِد من النّدب والإيجاب وَالتَّحْرِيم وَالْكَرَاهَة وَالْإِبَاحَةوَرب وَسِيلَة أفضل من مقصودها كالمعارف وَالْأَحْوَال وَبَعض الطَّاعَات فَإِنَّهَا أفضل من ثَوَابهَاوالإعانة على الْمُبَاح أفضل من الْمُبَاح لِأَن الْإِعَانَة عَلَيْهِ مُوجبَة لثواب الْآخِرَة وَهُوَ خير وَأبقى من مَنَافِع الْمُبَاح(1/43)ويتفاوت الثَّوَاب وَالْعِقَاب والزواجر العاجلة والآجلة بتفاوت الْمصَالح والمفاسد فِي الْغَالِبوَاعْلَم أَن فضل الْوَسَائِل مترتب على فضل الْمَقَاصِد وَالْأَمر بِالْمَعْرُوفِ وَسِيلَة إِلَى تَحْصِيل ذَلِك الْمَعْرُوف وَالنَّهْي عَن الْمُنكر وَسِيلَة إِلَى دفع مفْسدَة ذَلِك الْمُنكر فَالْأَمْر بِالْإِيمَان أفضل من كل أَمر وَالنَّهْي عَن الْكفْر أفضل من كل نهي وَالنَّهْي عَن الْكَبَائِر أفضل من النَّهْي عَن الصَّغَائِر وَالنَّهْي عَن كل كَبِيرَة أفضل من النَّهْي عَمَّا دونهَا وَكَذَلِكَ الْأَمر بِمَا تَركه كَبِيرَة أفضل من الْأَمر بِمَا تَركه صَغِيرَة ثمَّ تترتب فَضَائِل الْأَمر وَالنَّهْي على رتب الْمصَالح والمفاسد وتترتب رتب الشَّهَادَات على رتب الْمَشْهُود بِهِ من جلب الْمصَالح ودرء الْمَفَاسِد وَكَذَلِكَ الْفَتَاوَى وَكَذَلِكَ يَتَرَتَّب رتب المعونات والمساعدات على الْبر وَالتَّقوى على رتب مصالحهما كَمَا يَتَرَتَّب المعاونة على الْإِثْم والعدوان على ترتيبهما فِي الْمَفَاسِدوَبِالْجُمْلَةِ فالولايات كلهَا وَالْأَمر بِالْمَعْرُوفِ وَالنَّهْي عَن الْمُنكر وَتحمل الشَّهَادَات وأداؤها وسماعها وَالْحكم بهَا كل ذَلِك وَسِيلَة إِلَى جلب مصْلحَته المبنية عَلَيْهِ أَو دَرْء الْمفْسدَة الناشئة عَنهُ وَكَذَلِكَ التَّصَرُّفَات الشَّرْعِيَّة وَسَائِل إِلَى تَحْصِيل مفاسدهما سَوَاء كَانَت مُعَاوضَة أَو غير مُعَاوضَة وَكَذَلِكَ إِلَى جَمِيع الطَّاعَات والعبادات وَإِلَى الْمعاصِي والمخالفات وإثم وَسَائِل الْمَفَاسِد دون إِثْم(1/44)الْمَفَاسِد كَمَا أَن أجر وَسَائِل الْمصَالح دون أجر الْمصَالح وَقد يتَوَصَّل بالْقَوْل الْوَاحِد وَالْعَمَل الْوَاحِد إِلَى ألف مصلحَة وَألف مفْسدَةفصل فِي اجْتِمَاع الْمصَالحإِذا اجْتمعت مصَالح أخروية فَإِن أمكن تَحْصِيلهَا حصلناها وَإِن تعذر تَحْصِيلهَا قإن تَسَاوَت تخيرنا بَينهَا وَقد يقرع فِيمَا نقدم مِنْهَا وَإِن تفاوتت قدمنَا الْأَصْلَح فالأصلح وَلَا نبالي بِفَوَات الصَّالح وَلَا يخرج بتقويته عَن كَونه صَالحاوَإِن اجْتمعت مصَالح الْمُبَاح اقتصرنا فِي حق أَنْفُسنَا على الكفاف وَلَا ننافس فِي تَحْصِيل الْأَصْلَحوَتقدم الْأَصْلَح فالأصلح فِي حق كل من لنا عَلَيْهِ ولَايَة عَامَّة أَو خَاصَّة(1/45)إِن أمكن فَلَا نفرط فِي حق الْمولى عَلَيْهِ فِي شقّ تَمْرَة وَلَا فِي زنة برة وَلَا مِثْقَال ذرة وَيكون أجر السَّعْي فِي ذَلِكفصل فِي اجْتِمَاع الْمَفَاسِدإِذا اجْتمعت الْمَفَاسِد فَإِن أمكن درؤها درأناها وَإِن تعذر درؤها فَإِن تَسَاوَت رتبها تخيرنا وَقد يقرع وَإِن تفاوتت درأنا الأفسد فالأفسد وَلَا يخرج الْفَاسِد بارتكابه عَن كَونه مفْسدَة كَمَا فِي قطع الْيَد المتآكلة وَقلع السن الوجعة وَقتل الصَّائِل على دِرْهَم وَقطع السَّارِق فِي ربع دِينَار(1/46)فصل فِي اجْتِمَاع الْمصَالح والمفاسدإِذا اجْتمعت مصَالح ومفاسد فَإِن أمكن دفع الْمَفَاسِد وَتَحْصِيل الْمصَالح فعلنَا ذَلِك وَإِن تعذر الْجمع فَإِن رجحت الْمصَالح حصلناها وَلَا نبالي بارتكاب الْمَفَاسِد وَإِن رجحت الْمَفَاسِد دفعناها وَلَا نبالي بقوات الْمصَالحوَقد تنشأ الْمصلحَة عَن الْمفْسدَة والمفسدة عَن الْمصلحَةوَقد تنشأ الْمفْسدَة عَن الْمفْسدَة والمصلحة عَن الْمصلحَةوَقد تقترن الْمصلحَة بالمفسدة وَلَا تنشأ إِحْدَاهمَا عَن الْأُخْرَىوَإِذا ظَهرت الْمصلحَة أَو الْمفْسدَة بني على كل وَاحِدَة مِنْهُمَا حكمهَا وَإِن جهلنا اسْتدلَّ عَلَيْهِمَا بِمَا يرشد إِلَيْهِمَاوَإِذا توهمنا الْمصلحَة الْمُجَرَّدَة عَن الْمفْسدَة الْخَالِصَة أَو الراجحة احتطنا لتحصيلها(1/47)وَإِن توهمنا الْمفْسدَة الْمُجَرَّدَة عَن الْمصلحَة الْخَالِصَة أَو الراجحة احتطنا لدفعهاوَلَا فرق بَين مصَالح الدُّنْيَا وَالْآخِرَة فِي ذَاكوَأَسْبَاب مصَالح الْآخِرَة الْعرْفَان وَالطَّاعَة وَالْإِيمَانوَأَسْبَاب مفاسدها الْكفْر والفسوق والعصيان(1/48)وَالِاحْتِيَاط للأسباب والوسائل كالاحتياط للمسببات والمقاصدومصالح الدُّنْيَا لذات الْمُبَاحَات ونفعهاوَلَا ننافس لأنفسنا إِلَّا فِي مصَالح الْآخِرَةوننافس فِي مصَالح الدَّاريْنِ لكل من لنا عَلَيْهِ ولَايَةفصل فِي انقسام الْمصَالح إِلَى دُنْيَوِيّ وأخروي ومركب مِنْهُمَاالْإِحْسَان إِلَى النَّاس إِمَّا بجلب مصلحَة أَو دَرْء مفْسدَة أَو بهما وَكَذَلِكَ إحسانك إِلَى نَفسكوالإساءة إِلَى النَّاس إِمَّا بجلب مفْسدَة أَو دفع مصلحَة(1/49)أَبُو بهما وَكَذَلِكَ إساءتك إِلَى نَفسكوَلَا فرق فِي ذَلِك بَين الرُّعَاة والرعاياوَكَذَلِكَ نهى عَن الولايات من لَا يقوم بإتمامها من جلب الْمصَالح وَدفع الْمَفَاسِد وَإِنَّمَا نهي عَن الولايات فِي حق الضعفة مَعَ مَا فِيهَا من الْإِحْسَان بجلب الْمصَالح ودرء الْمَفَاسِد لما تشْتَمل عَلَيْهِ من مفاسد الْإِعْجَاب وَالْكبر والتحامل على الْأَعْدَاء والبغضاء وَالنَّظَر للأولياء والأصدقاء والأقرباءفصل فِي تبيان حَقِيقَة الْمصَالح والمفاسدكل مصلحَة أوجبهَا الله عز وَجل فَتَركهَا مفْسدَة مُحرمَةوكل مفْسدَة حرمهَا الله تَعَالَى فَتَركهَا مصلحَة وَاجِبَةوَفِي كل مفْسدَة كرهها الله فَتَركهَا مفْسدَة غير مُحرمَةوكل مصلحَة ندب الله سُبْحَانَهُ إِلَيْهَا فَتَركهَا قد يكون مفْسدَة مَكْرُوهَة وَقد لَا يكون مَكْرُوهَة(1/50)وكل مصلحَة خَالِصَة عَن الْمَفَاسِد فَهِيَ وَاجِبَة أَو مَنْدُوبَة أَو مَا دونهوكل مفْسدَة خَالِصَة من الْمصَالح فَهِيَ مُحرمَة أَو مَكْرُوهَةوكل مصلحتين متساويتين يُمكن الْجمع بَينهمَا جمع بَينهمَاوكل مصلحتين متساويتين يتَعَذَّر الْجمع بَينهمَا فَإِنَّهُ يتَخَيَّر بَينهمَاوكل مفسدتين متساويتين يُمكن درؤهما فَإِنَّهُ يتَخَيَّر بَينهمَاوكل مصلحتين إِحْدَاهمَا راجحة على الْأُخْرَى لَا يُمكن الْجمع بَينهمَا تعين أرجحهماوكل مفسدتين أَحدهمَا أقبح من الْأُخْرَى لَا يُمكن درؤهما تعين دفع أقبحهماوكل مصلحَة رجحت على مفْسدَة التزمت الْمصلحَة مَعَ ارْتِكَاب الْمفْسدَةوكل مفْسدَة رجحت على مصلحَة دفعت الْمفْسدَة بتفويت الْمصلحَةوكل مَا غم وآلم فَهِيَ مفْسدَةوكل مَا كَانَ وَسِيلَة إِلَى غم أَو إِلَى ألم دُنْيَوِيّ أَو أخروى فَهُوَ مفْسدَة لكَونه سَببا للمفسدة سَوَاء كَانَ فِي عينه مصلحَة أَو مفْسدَةوكل الدَّوَاء فَرح فَهُوَ مصلحَةوكل مَا كَانَ وَسِيلَة إِلَى فَرح أَو لَذَّة عاجلة أَو آجلة فَهُوَ مصلحَةوكل مَا كَانَ وَسِيلَة إِلَى فَرح أَو لَذَّة عاجلة أَو آجلة فَهُوَ مصلحَة وَإِن اقترنت بِهِ مفْسدَة(1/51)وكل مَا أوجبه الله من حُقُوقه أَو حُقُوق عباده فَتَركه مفْسدَة مُحرمَة إِلَّا أَن يقْتَرن بِتَرْكِهِ مصلحَة تَقْتَضِي جَوَاز تَركه أَو إِيجَابه أَو النّدب إِلَى تَركهوكل مَا حرمه الله سُبْحَانَهُ مِمَّا يتَعَلَّق بِهِ أَو بعباده فَفعله مفْسدَة إِلَّا أَن تقترن بِهِ مصلحَة تَقْتَضِي جَوَاز فعله أَو إِيجَابه أَو النّدب إِلَيْهِوَإِذا اجْتمعت مصَالح بَعْضهَا أفضل من بعض قدم الْأَفْضَل فَالْأَفْضَل وَقد يُخَيّر بالقرع بَينهمَا كالتخيير بَين الظّهْر وَالْجُمُعَة فِي حق المعذورين وكالتخيير بَين الِانْفِرَاد وَالْجَمَاعَات فِي حق الْمَعْدُودين وكالتخيير بَين خِصَال الْكَفَّارَات بَين الْفَاضِل وَالْأَفْضَل والصالح والأصلح فِي حق الْمَعْذُور وَغَيرهفَالْحَمْد لله الَّذِي دَعَانَا إِلَى مَا فِيهِ صلاحنا فِي أولانا وأخرانا ونهانا عَمَّا فِيهِ فسادنا فِي دُنْيَانَا وأخرانا وأمرنا بِكُل حسن وَاجِب أَو مَنْدُوب ونهانا عَن كل قَبِيح محرم أَو مَكْرُوه وأمرنا أَن نَدْعُوهُ بِمثل ذَلِك عطفا علينا وإحسانا إِلَيْنَا والسعيد من أطاعه واتقاه والشقي من خَالفه وَعَصَاهُ سبقت الأقدار بذلك وجفت بِهِ الأقلاموَمن رَحمته سُبْحَانَهُ أَن طلب منا الْقيام بجلب مصَالح الدُّنْيَا وَالْآخِرَة ومصالحهما الأفراح وَاللَّذَّاتوَمن رَحمته سُبْحَانَهُ أَن طلب منا الْقيام بدرء مفاسد الدُّنْيَا وَالْآخِرَة وَمن مفاسدها الغموم والآلام وَلكنه أمرنَا بالتنافس فِي الْمصَالح الأخروية وَنهى عَن التنافس فِي الْمصَالح الدُّنْيَوِيَّة الَّتِي تتَعَلَّق بِأَنْفُسِنَا وندبنا إِلَى(1/52)الاقتصاد والاقتصار على الكفاف مِنْهَا وَأذن لنا فِي كل مصلحَة مُبَاحَة رفقا بِنَا وإحسانا إِلَيْنَافَائِدَة فِي بَيَان أَن الشَّرِيعَة جَاءَت لجلب الْمصَالح ودرء الْمَفَاسِدمن مارس الشَّرِيعَة وَفهم مَقَاصِد الْكتاب وَالسّنة علم أَن جَمِيع مَا أَمر بِهِ لجلب مصلحَة أَو مصَالح أَو لدرء مفْسدَة أَو مفاسد أَو للأمرين وَأَن جَمِيع مَا نهي عَنهُ إِنَّمَا نهي عَنهُ لدفع مفْسدَة أَو مفاسد أَو جلب مصلحَة أَو مصَالح أَو للأمرينوالشريعة طافحة بذلك وَقد خفا بعض الْمصَالح وَبَعض الْمَفَاسِد على كثير من النَّاس فليبحثوا عَن ذَلِك بِطرقِهِ الموصلة إِلَيْهِوَكَذَلِكَ قد يخفى تَرْجِيح بعض الْمصَالح على بعض وترجيح بعض الْمَفَاسِد على بعضوَقد يخفى مُسَاوَاة بعض الْمصَالح لبَعض ومساواة بعض الْمَفَاسِد لبَعضوَكَذَلِكَ يخفى التَّفَاوُت بَين الْمَفَاسِد والمصالح فَيجب الْبَحْث عَن ذَلِك بِطرقِهِ الموصلة إِلَيْهِ والدالة عَلَيْهِ وَمن أصَاب ذَلِك فقد فَازَ بِقَصْدِهِ وَبِمَا ظفر بِهِ وَمن أَخطَأ أثيب على قَصده وعفي عَن خطئه رَحْمَة من الله سُبْحَانَهُ ورفقا بعباده(1/53)فصل فِي الناجز والمتوقع من الْمصَالح والمفاسدالْمصَالح والمفاسد ضَرْبَان أَحدهمَا ناجز وَالثَّانِي متوقعفَقتل المؤذيات عِنْد صيالها مفْسدَة للصائل فآخره مصلحَة للمصول عَلَيْهِ ناجزة وَلَو لم يصل لَكَانَ قَتلهَا مفْسدَة ناجزة لَهَا درءا لمفسدة متوقعة مِنْهَا والتداوي من الْأَمْرَاض دفع لمفسدة ناجزة أَو تَحْصِيل لمصْلحَة ناجزة وَشرب الْأَدْوِيَة الْمرة تَحْصِيل لمصْلحَة ناجزة أَو دَرْء لمفسدة ناجزة وقتال الْكفَّار والبغاة والممتنعين من أَدَاء الْحُقُوق دَرْء لمفسدة ناجزة وَالْأَمر بِالْمَعْرُوفِ تَارَة يكون لمصْلحَة كالأمر بالواجبات على الْفَوْر وَتارَة يكون لمصْلحَة متوقعة أَكثر من الناجزة والإمامة الْعُظْمَى وَسِيلَة إِلَى جلب الْمصَالح الناجزة والمتوقعة وَإِلَى دفع الْمَفَاسِد الناجزة والمتوقعة وَكَذَلِكَ الْقَضَاء وَالشَّهَادَة وإعانة الْأَئِمَّة والحكام على مَا يتولونه من ذَلِك ومصالح الْأَئِمَّة مِنْهَا أخروية ومصالح الْمُتَوَلِي عَلَيْهِم تَنْقَسِم إِلَى دنيوية وأخروية وَكَذَلِكَ الولايات فِي الْأُمُور الْخَاصَّة كقلع عين النَّاظر إِلَى الْحرم فِي الْبيُوت دفعا لمفسدة النّظر إِلَى الْحرم بمفسدة قلع الْعينوالعقوبات الشَّرْعِيَّة كلهَا مفْسدَة ناجزة فِي حق العاقب لِأَنَّهَا عَامَّة لَهُ موطئة مصلحَة لزجره وزجر أَمْثَاله فِي الِاسْتِقْبَال وَالْغَالِب تفَاوت الْعُقُوبَات بتفاوت الْمَفَاسِد(1/54)والنفقات مصلحَة للمنفق عَلَيْهِ عاجلة وللمنفق آجلة وَالْإِعْتَاق مصلحَة ناجزة للْمُعْتق آجلة لِلْعِتْقِ ويتوقع مِنْهُ مصلحَة الولايات بِالْإِرْثِ وَملك جَارِيَة الابْن بإحبال الْأَب مفْسدَة فِي حق الابْن مصلحَة للْأَب لَا أعرف شَاهدا لَهَا بِالِاعْتِبَارِوأبواب الْمَعْرُوف ضروب الْإِحْسَان كلهَا دقها وجلها مصَالح دنيوية أَو أخروية فِي حق المبذول لَهُ أخروية فِي حق باذلها يخْتَلف آخرهَا باخْتلَاف فَضلهَا وشرفها فأدناها مِثْقَال ذرة من الْخَيْروالمنهيات كلهَا دقها وجلها من مِثْقَال ذرة فَمَا فَوْقهَا مفاسد فِي حق مرتكبيها إِمَّا عاجلة أَو آجلة ووزرها متفاوت بتفاوت قبحها وَأَدْنَاهَا مِثْقَال ذرةوالإساءة إِلَى النَّاس دقها وجلها مفاسد فِي حق الْمسَاء إِلَيْهِ فِي العاجل مكفرة لذنوبه فِي الآجل مُوجبَة للأخذ من ثَوَاب حَسَنَات الْمُسِيء وَهَاتَانِ مصلحتان عظيمتان فَإِن رَضِي الْمُصَاب بذلك أَو جبر عَلَيْهِ حصل على أجر الصابرين والراضين وَلذَلِك فَرح الأكابر بالبلاء كَمَا يفرحون بالرخاءوَالنّذر مصلحَة للناذر فِي الآجل يتَفَاوَت أجرهَا بتفاوت شرفها فَإِن كَانَ الْمَنْذُور مُخْتَصًّا بالناذر كالأذكار وَالْحج وَالْعمْرَة وَالطّواف وَالِاعْتِكَاف كَانَ مصلحَة آجلة فَإِن تعدى نَفعه إِلَى غَيره فقد يكون فِي دين المبذول لَهُ وَقد(1/55)يكون فِي دُنْيَاهُ وَقد يكون فيهمَا وَإِن كَانَ فِي أخراه كَانَ مصلحتهما أخرويتين ويتفاوت أجر ذَلِك بتفاوت مَا يجلبه من مصلحَة أَو يدرؤه من مفْسدَةوَالْكَفَّارَات إِحْسَان جَائِز لما فَاتَ من الْمصَالح بارتكاب مهماتها فكفارات الْحَج بالأسباب الْجَائِزَة إِذْ الْوَاجِبَة جَائِزَة لما فَاتَ من تَكْمِيل الْحَج ومصلحتها آجلة للمكفرات إِن كَانَت بِالْقيامِ وَإِن كَانَت بِالْمَالِ فَهِيَ آجلة لباذلها عاجلة لمن تبذل لَهُ وَكَفَّارَة الْيَمين الْوَاجِب مِنْهَا أَو الْمُبَاح أَو الْمَنْدُوب جَائِزَة لإخلاف الْحلف وَهِي مفْسدَة مقتضية للتَّحْرِيم لَكِن الشَّرْع أَبَاحَهَا لمسيس الْحَاجة إِلَى الإخلاف بمجبر ذَلِك الإخلاف بِالْكَفَّارَةِ وَإِن كَانَ فِي الْكَفَّارَة أجر فالجبر أغلب وَلذَلِك يجب مَعَ انْتِفَاء المأثم كَمَا تجب الزكوات وأبدال الْعِبَادَاتوَالْحجر مفْسدَة فِي حق الْبَالِغ الْعَاقِل لكنه جَائِز فِي حق العَبْد وَالْمَرِيض والمفلس تَقْدِيمًا لمصْلحَة السَّيِّد وَالْوَرَثَة وغرماء الْمُفلس على مصلحَة الْمَحْجُور عَلَيْهِ وَهُوَ فِي حق السَّفِيه لمصلحتهوَحجر الصَّبِي وَالْمَجْنُون مصلحَة لَا يقْتَرن بهَا مفْسدَة وَسُقُوط الْقَضَاء عَن الْأُصُول وفروع الْفُرُوع مصلحَة لَهُم مفْسدَة فِي حق الْفُرُوعوَقتل الْمُسلم بالكافر وَالْحر بِالْعَبدِ مفاسد يأنف مِنْهَا الْعَاقِل بِخِلَاف قتل الرجل بِالنسَاء وَالصُّلْح مَعَ الْكفَّار فِيهِ مصلحَة حفظ حُقُوق الْمُسلمين وحقن دِمَائِهِمْ وَفِيه مفْسدَة الْكفْر فَيجوز فِي أَرْبَعَة أشهر وَلَا يجوز فِي أَكثر من(1/56)سنة لِكَثْرَة الْمفْسدَة وَفِيمَا بَينهمَا خلاف لتردده بَينهمَا وَيجوز عِنْد ضَرُورَة الْمُسلمين وخوفهم عشر سِنِين لفرط مصلحَة وَعظم الْمفْسدَة فِي تَركه وعقوبات الشَّرْع كلهَا مفاسد للمعاقب لأجل إيلامها لَكِن رجحت مصَالح الزّجر فِي حَقه وَحقّ غَيره فأحلت وَهِي مصَالح لَهَا من جِهَة أَنَّهَا روادع وكفارات وَكَذَا قتال الْكفَّار والبغاة والممتنعين من أَدَاء الْحُقُوق بِالْقِتَالِ درءا لمفسدةوَالْحوالَة مصلحَة للْمُحِيل بِبَرَاءَة ذمَّته فَإِن كَانَ الْمحَال عَلَيْهِ أحسن قَضَاء كَانَ ذَلِك مصلحَة للمحتال وَإِن كَانَ سيء الْقَضَاء فَإِن ذَلِك مفْسدَة جَائِزَة التَّحَمُّلوَالْوَقْف مصلحَة أخروية فَإِن شَرط النّظر لنَفسِهِ أثبت على الْوَقْف وعَلى النّظر وَإِن وصّى بِهِ إِلَى أقوم بِهِ وَأفضل وَقفه يتَفَاوَت أجر مصارفه وَقد تكون مصَالح مصارفه دنيوية وأخروية وَالْوَقْف الْمُتَّصِل أفضل من الْمُنْقَطع عِنْد من صحّح الْمُنْقَطعوَفِي الْوَصَايَا مصلحتان أَحدهمَا للْمُوصي فِي الآجل وَهِي مُخْتَلفَة باخْتلَاف رتب الْمُوصى بِهِ البائنة للْمُوصى لَهُ وَهِي ضَرْبَان أَحدهمَا مَا لم يُوقف على شَرط فمصلحته إِلَّا أَن يصرفهُ الْمُوصى لَهُ فِي شَيْء من القربات فَتكون مصْلحَته آجلة الضَّرْب الثَّانِي مَا تعلق اسْتِحْقَاقه على قربَة كَالْوَصِيَّةِ للحجاج والغزاة وَالْفُقَهَاء والقراء فَيكون مصلحَة الْمُوصى لَهُ عاجلة وآجلة(1/57)وَالدُّعَاء مصلحَة يَتَرَتَّب عَلَيْهَا مصلحَة الْإِجَابَة وَهُوَ متوقع والإجابة بجلب مصَالح أَو بدرء مفاسد أَو بهماوإفشاء السَّلَام مصلحَة يَتَرَتَّب عَلَيْهَا مصَالح الْمحبَّةوإطابة الْكَلَام مصلحَة يَتَرَتَّب عَلَيْهَا مصَالح تأليف الْقُلُوبوعيادة المرضى مصلحَة يَتَرَتَّب عَلَيْهَا جبر الْمَرِيض وإثابة الْعَائِد وَالْعَمَل والتكفيروَالْحمل والدفن مصَالح يَتَرَتَّب عَلَيْهَا إكرام الْمَيِّت وجبر قُلُوب أَهله وإثابة فَاعل ذَلِكوَالصَّلَاة على الْمَيِّت مصلحَة آجلة للْمُصَلِّي والمصلى عَلَيْهِ أما للْمُصَلِّي فبالثواب وَأما للْمُصَلِّي عَلَيْهِ فبجلب مصَالح الْآخِرَة ودرء مفاسدها لقَوْله عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام اللَّهُمَّ عافه واعف عَنهُ وَأكْرم نزله ووسع مدخله فَفِي قَوْله عافه وَأكْرم نزله ووسع مدخله جلب لمصَالح الْآخِرَة والتعزية مصلحتها للمعزي أجر الْآخِرَة لِأَن من عزى مصابا فَلهُ مثل أجره وَلأَهل الْمَيِّت بالتسلية بِحسن الصَّبْر أَو الرِّضَا بِالْقضَاءِ(1/58)وَالصَّبْر على الْبلَاء وَمَا يُرْجَى من إِجَابَة الدُّعَاء وإطعام أهل الْمَيِّت وبذل الْأَمْوَال كلهَا وَالْمَنَافِع بأسرها إِذا أُرِيد بهَا وَجه الله تَعَالَى فِيهَا مصلحتان إِحْدَاهمَا للباذل أخروية فَإِن كَانَ يرتاح إِلَى الْعَطاء فطوبى لَهُ وَإِن كَانَ مِمَّن يشح بِنَفسِهِ فَجَاهد نَفسه حَتَّى بذلها فَلهُ أَجْرَانِ إِحْدَاهمَا على جِهَاد نَفسه وَالثَّانِي على بذلها الْمصلحَة الماسة للمبذولة وَهِي مصلحَة عاجلة وَلذَلِك كَانَت الْيَد الْعليا خيرا من الْيَد السُّفْلى لِأَن مصلحتها أخروية دائمة ومصلحة الْيَد السُّفْلى دنيوية مُنْقَطِعَةوَفِي الصُّلْح فَائِدَة أخروية للمسامح ودنيوية للمسامح وللمتوسط بَينهمَا أجر الْمُسَبّب إِلَى المصلحتينوَمن توكل تَبَرعا كَانَت مصْلحَته أخروية ومصلحة الْمُوكل دنيوية وَإِن توكل بِجعْل كَانَت المصلحتان دنيويتين إِلَّا أَن سامح بِبَعْضِهَا وَمن توكل فِي طَاعَة كَالْحَجِّ وَالْعمْرَة فَإِن تبرع كَانَت الْمصلحَة أخروية ومصلحة الْوَكِيل دنيوية وَإِن شَرط عوض الْمثل وسامح فِي الْعِوَض كَانَت مصْلحَته دنيوية وأخرويةوَالْعَارِية مصلحَة أخروية للْمُعِير إِذا قصد بذلك وَجه الله سُبْحَانَهُ دنيوية للْمُسْتَعِير وَقد تكون أخروية من الطَّرفَيْنِ كاستعارة سلَاح الْجِهَاد وجننه وجمله واستعارة الْمَصَاحِف وَكتب الْعلم والْحَدِيث(1/59)وَكَذَلِكَ الْقَرْض مصلحَة أخروية للمقرض إِذا قصد بِهِ وَجه الله عز وَجل دنيوية للمقرض إِن صرفه فِي مصَالح دُنْيَاهُ وَإِن صرفه فِي مصَالح أخراه صَارَت مصلحَة الْقَرْض أخروية من الطَّرفَيْنِوالإباحات والضيافات مصالحها لباذلها أخروية إِذا قصد بهَا وَجه الله ولقابليها دنيويةوَأما إطْعَام الْمُضْطَرين وَدفع الصوال عَن الضُّعَفَاء وإنقاذ الغرقى وتخليص كل مشرف على الْهَلَاك كلهَا أخروية لمن قصد بهَا وَجه الله عز وَجل ودنيوية للمنقذ من ذَلِك الضَّرْب وأجور هَذِه الْوَسَائِل أفضل من مقاصدها دنيوية فَائِتَة وأجور وسائلها أخروية بَاقِيَةوَأما الشفاعات فمصالحها للشافعين أخروية إِذا قصدُوا بذلك وَجه الله عز وَجلوَأما الْمَشْفُوع لَهُم فَإِن كَانَت الشَّفَاعَة فِي أَمر دُنْيَوِيّ فَهِيَ دنيوية وسيلتها خير مِنْهَا وَإِن كَانَت أخروية كمن يشفع تَعْلِيم علم أَو إِعَانَة على عبَادَة من الْعِبَادَات كالجهاد وَالْحج فَهِيَ للمشفوع لَهُ أخروية وَأجر الْمَشْفُوع إِلَيْهِ أفضل من أجر الشافع لِأَن الشافع مسبب والمشفوع إِلَيْهِ مبَاشر والمقاصد أفضل من الْوَسَائِل(1/60)فصل فِي بَيَان الْحُقُوقوالحقوق أَرْبَعَةحق الله تَعَالَى على الْعبادوَحقّ لكل عبد على نَفسهوَحقّ لبَعض الْعباد على بعضوَحقّ للبهائم على الْعباد(1/61)وَهِي منقسمة إِلَىفرض عينوَفرض كِفَايَةوَسنة عينوَسنة كِفَايَةوَلَيْسَ فِي حق العَبْد على نَفسه فرض كِفَايَة وَلَا سنة كِفَايَةفَمن الْحُقُوق مَا يكون أخرويا مَحْضا كالعرفان وَالْإِيمَان والنسكين وَالطّواف وَالِاعْتِكَافوَمِنْهَا مَا يكون دنيويا مَحْضا كلذات المآكل والمشارب والملابس والمناكحوَمِنْهَا مَا يكون أخرويا لباذليه دنيويا لقابليه كالإحسان بِدفع الْمُبَاح أَو بالإعانة عَلَيْهِفصل فِي كذب الظَّن فِي الْمصَالح والمفاسدكذب الظنون نَادِر وصدقها غَالب وَلذَلِك يبْنى جلب مصَالح(1/62)الدَّاريْنِ وَدفع مفاسدهما على ظنون غالبة مُتَفَاوِتَة فِي الْقُوَّة والضعف والتوسط بَينهمَا على قدر حُرْمَة الْمصلحَة والمفسدة ومسيس الْحَاجةفَمن بنى على ظَنّه فِي الْمصَالح والمفاسد ثمَّ ظهر صدق ظَنّه وَاسْتمرّ ظَنّه بذلك فقد أدّى مَا عَلَيْهِوعَلى الْجُمْلَة فالزكوات وَالْكَفَّارَات والعمرى والرقبى والأوقاف والوصايا والهبات والعواري وَجَمِيع مَا ينفع النَّاس من أَصْنَاف التَّبَرُّعَات والمندوبات والواجبات يخْتَلف شرف ذَلِك باخْتلَاف شرف المبذول وفضلهوَمن أَتَى مصلحَة يَظُنهَا أَو يعتقدها مفْسدَة كَبِيرَة ثمَّ بَان كذب ظَنّه فقد فسق وانعزل عَن الشَّهَادَات وَالرِّوَايَات والولايات وَلَا يحد عَلَيْهَا لِأَنَّهُ لم يتَحَقَّق الْمفْسدَة وَكَذَلِكَ لَا يُعَاقب عَلَيْهَا فِي الْآخِرَة عِقَاب من حقق الْمفْسدَةوَمن أَتَى مفْسدَة يعتقدها أَو يَظُنهَا مصلحَة وَاجِبَة أَو مَنْدُوبَة أَو مُبَاحَة فَلَا إِثْم عَلَيْهِ لظَنّه وترتب على تِلْكَ الْمفْسدَة أَحْكَامهَا اللائقة بهَا من تغريم وَغَيره(1/63)فصل فِيمَا يتْرك من مصَالح النّدب والإيجاب لما يتَعَلَّق بِهِ من عذر أَو مفْسدَةفَمن ذَلِك الصَّلَاة نهى عَنْهَا فِي الْأَوْقَات الْخَمْسَة والأماكن السَّبْعَة وَيجب تَركهَا بِالْإِكْرَاهِ بِالْقَتْلِ(1/64)وَمِنْهَا الْأَذَان وَقِرَاءَة الْقُرْآن وإغاثة اللهفان وَكِسْوَة الْعُرْيَان وَسقي الظمآن وإطعام الجوعان وإكرام الضيفان وإرفاق الْجِيرَان وإرشاد الحيران يتْرك جَمِيعهَا بالأعذار وَيجب تَركهَا بِالْإِكْرَاهِ بِالْقَتْلِوَكَذَلِكَ تَأْخِير الصَّلَاة عَن الْأَوْقَات وَتَأْخِير الصّيام يجوزان بالأعذار كالأمراض والأسفار وَيجب تَركهمَا بِالْإِكْرَاهِ بِالْقَتْلِوَكَذَلِكَ الْجِهَاد يتْرك بالأعذار وَيجب تَركه بِالْإِكْرَاهِ بِالْقَتْلِ وَإِذا علم الْغَازِي أَنه يقتل من غير نكاية فِي الْكفَّار وَجب الانهزاموَمن ذَلِك تَأْخِير الزَّكَاة إِذا وَجَبت وَالشَّهَادَة إِذا طلبت والفتيا إِذا أَفْتيت وَالْحكم إِذا سُئِلَ يجوز تَأْخِيرهَا بالأعذار وَيجب تَركهَا بِالْإِكْرَاهِ بِالْقَتْلِ(1/65)وَكَذَلِكَ الْأَمر بِالْمَعْرُوفِ وَالنَّهْي عَن الْمُنكر يتركان بالأعذار وَلَا يحرمان عِنْد الْإِكْرَاه بِالْقَتْلِ إِذا كَانَ الْمَأْمُور بِهِ والمنهي عَنهُ تافهاوَكَذَلِكَ يحرم الصدْق الضار كَمَا يجب الْكَذِب النافع فِي بعض الأطوارفصل فِيمَا يرتكب من الْمَفَاسِد إِذا تعلّقت بِهِ مصلحَة إِبَاحَة أَو ندب أَو إِيجَابإِذا اقْترن بالمفاسد الْمُحرمَة مصلحَة ندب إو إِبَاحَة أَو إِيجَاب زَالَ تَحْرِيمهَا إِلَى النّدب أَو الْإِبَاحَة أَو الْإِيجَاب وَلَا تخرج بذلك عَن كَونهَا مفاسدكَمَا أَن مَا يتْرك من الْمصَالح وجوبا أَو ندبا أَو جَوَازًا لأرجح مِنْهُ أَو لما يتَعَلَّق بِهِ من مفْسدَة أَو مفاسد لَا يخرج عَن كَونه مصلحَةفَمن ذَلِك الْكفْر القولي والفعلي يباحان بِالْإِكْرَاهِ مَعَ طمأنينة الْقلب بِالْإِيمَان(1/66)وَكَذَلِكَ الْقَتْل يجب بالْكفْر الْبَغي والصيال على النُّفُوس والأبضاع وَيجوز الصيال على الْأَمْوَالوَكَذَلِكَ الْجرْح وَالْقطع يجوزان بِالْقصاصِ ويجبان بِالسَّرقَةِ والمحاربة وَفِي وَاجِب الْقِتَالوَكَذَلِكَ هتك الأستار وإفشاء الْأَسْرَار يجب بِالْجرْحِ فِي الشَّهَادَات وَالرِّوَايَات والولايات وكشف العورات وَإِظْهَار السوءات للاستمتاع والتطبب وَيجب كشف السوءات لأجل الْخِتَانوَكَذَلِكَ تخريب الديار وتحريق الْأَشْجَار وشق الْأَنْهَار جَائِز فِي حق الْكفَّاروَكَذَلِكَ التولي يَوْم الزَّحْف جَائِز بالأعذاروَكَذَلِكَ قتل النِّسَاء وَالصبيان إِذا قَاتلُوا أَو تترس بهم الْكفَّاروَكَذَلِكَ الإرقاق والإحراق والإغراق فِي حق الْكفَّار(1/67)وَكَذَلِكَ الإقتار والإملاق لوفاء دُيُون الْغُرَمَاءوَكَذَلِكَ التولي يَوْم الزَّحْف جَائِز بالأعذاروَكَذَلِكَ الْحَبْس جَائِز فِي الدُّيُون والتعزيرات وَيجب إِذا طلب الْغُرَمَاء من الْحُكَّاموَكَذَلِكَ يجب حبس الجناة إِذا غَابَ الْمُسْتَحق أَو كَانَ مَجْنُونا أَو صَغِيراوَكَذَلِكَ يجب النَّفْي فِي زنا الْبكر وَيجوز التَّعْزِيروَكَذَلِكَ يجب الرَّجْم بزنا الْمُحصن وَيجوز بِالْقصاصِوَكَذَلِكَ يجب التحريق والتغريق فِي الْقِتَال الْوَاجِب وَيجوز فِي الْقِتَال الْجَائِز كالصيالوَكَذَلِكَ يجوز الْكَذِب للإصلاح وَيجب حفظا للدماء والأمانات والأبضاع(1/68)وَكَذَلِكَ شَهَادَة الزُّور وَالْحكم بِغَيْر حق يجبان بِالْإِكْرَاهِ بِالْقَتْلِ إِذا لم يكن الْمَشْهُود بِهِ من الدِّمَاء والأبضاعوَكَذَلِكَ الْقَذْف يجوز للزَّوْج إِذا رأى امْرَأَته تَزني وَيجب إِذا علم أَن الْوَلَد الملحق بِهِ لَيْسَ مِنْهُوَكَذَلِكَ السّرقَة تجوز بِالضَّرُورَةِ وَفِي الظفر بِجِنْس الْحق وَبِغير جنسهوَكَذَلِكَ أكل مَال الْيَتِيم يجوز للضَّرُورَة بل يجب بهَا وبالإكراه بِالْقَتْلِوَكَذَلِكَ السحر يجب بِالْإِكْرَاهِ إِذا لم يُوجب هَلَاكًا فِي نفس وَلَا طرفوَكَذَلِكَ النهب وَالْغَصْب يجبان بِالضَّرُورَةِ وَالْإِكْرَاهوَكَذَلِكَ إِفْسَاد الْأَمْوَال يجوز للحاجات والضرورات وَيجب بِالْإِكْرَاهِوَكَذَلِكَ العقوق يجوز بإكراه خَفِيف وَيجب بِالْإِكْرَاهِ بِالْقَتْلِوالشريعة طافحة بِهَذَا وَأَمْثَاله(1/69)فصل فِيمَا لَا يتَعَلَّق بِهِ الطّلب والتكليف من الْمصَالح والمفاسد وَإِنَّمَا يتَعَلَّق التَّكْلِيف والطلب بآثار بعضهأما الْمصَالح فكحسن الصُّور وَكَمَال الْعُقُول ووفور الْحَواس وَشدَّة القوى والرقة والشفقة وَالرَّحْمَة والغيرة والحلم والأناة وَالْكَرم والشجاعة فَلَا يتَعَلَّق الْأَمر باكتسابها إِذْ لَا قدرَة على اكتسابها وَيتَعَلَّق الْأَمر بآثار أَكْثَرهَا فَمن أطاعها فقد أصَاب وَمن عصاها فقد خَابَوَأما الْمَفَاسِد فكقبح الصُّور وسخافة الْعُقُول أَو فقدها واختلال الْحَواس والقوى أَو فقدهما والغلظة والطيش والعجلة والجبن وَالْبخل وفقد الْغيرَة وضعفها فَهَذِهِ مفاسد لَا يتَعَلَّق التَّكْلِيف بدفعها(1/70)لعدم الْقُدْرَة على دَفعهَا وَإِنَّمَا يتَعَلَّق التَّحْرِيم بِمَا يَدْعُو إِلَيْهِ من الْمَفَاسِد فَمن أطاعها فقد خَابَ وَمن عصاها فقد أصَابفصل فِي تفَاوت الثَّوَاب وَالْعِقَاب بتفاوت الْمصَالح والمفاسدالثَّوَاب وَالْعِقَاب يتَفَاوَت فِي الْغَالِب بتفاوت الْمصَالح والمفاسد دون الْأَفْعَال الْمُشْتَملَة عَلَيْهَا فَمن أَحْيَا ألف نفس مُؤمنَة بِفعل وَاحِد أَو قَول وَاحِد أَو أَمر بِأَلف مَعْرُوف بقول وَاحِد أَو شقّ نَهرا فأغرق بِهِ ألف كَافِر أجر بِأَلف أجر مضاعف على كل وَاحِد من هَذِه الْمصَالحوَلَو أهلك ألف نفس مُؤمنَة بِفعل وَاحِد أَو أَمر بِأَلف مُنكر بقول وَاحِد أَو حرق أَمْوَالًا أَو رجَالًا بِفعل وَاحِد وزر ألف وزر على كل قَول من هَذِه الْأَقْوَال وَفعل من هَذِه الْأَفْعَال(1/71)وَمن زنا بِأُمِّهِ فِي جَوف الْكَعْبَة فِي رَمَضَان وَهُوَ صَائِم معتكف محرم أَثم سِتَّة آثام وَلَزِمَه الْعتْق والبدنة وَيحد للزِّنَا وَيُعَزر لقطع رَحمَه ولانتهاك حرمه الْكَعْبَةفصل فِي تفَاوت الْأجر مَعَ تَسَاوِي الْمصلحَةقد تتساوى الْمصَالح من كل وَجه وَيكون الْأجر على مفروضها أفضل من الْأجر على مندوبها فَمن زكى بِشَاة أَو دِرْهَم أَو بقرة أَو بعير أَو نقد أَو قوت معشر ثمَّ تصدق بنظيره فَإِن الزَّكَاة أفضل وَإِن كَانَت مصالحها(1/72)الدُّنْيَوِيَّة مُتَسَاوِيَة من كل وَجه بل لَو كَانَ الْمُتَصَدّق بِهِ أكمل من كل وَجه لَكَانَ دِرْهَم الزَّكَاة وماشيتها وأعشارها أفضل مَعَ نقص مصالحهافَائِدَة فِي مصَالح الْعبادمصَالح الْعباد قِسْمَانِأَحدهمَا أخروي مَحْض كالعرفان وَالْإِيمَان وَالْأَحْوَال والأذكار والنسكين وَالطّواف وَالِاعْتِكَافالثَّانِي دُنْيَوِيّ لقابليه أخروي لباذليه كالزكوات وَالصَّدقَات والهدايا والضحايا والوصايا والهبات والأوقاف وَكَذَلِكَ جَمِيع أَنْوَاع الْإِحْسَان إِلَى النَّاس وَالْحَيَوَان بالإرفاق العاجلة دون الْإِحْسَان فِي الْأَدْيَان فَإِن مصْلحَته أخرويتان(1/73)فصل فِيمَا يعرف بِهِ تَرْجِيح الْمصَالح والمفاسدإِذا اتَّحد نوع الْمصلحَة والمفسدة كَانَ التَّفَاوُت بالقلة وَالْكَثْرَة كالصدقة بدرهم ودرهمين وثوب وثوبين وشَاة وشاتين وكغصب دِرْهَم ودرهمين وَصَاع وصاعينوَإِن كَانَ أحد النَّوْعَيْنِ أشرف قدم عِنْد تَسَاوِي المقدارين بالشرف كالدرهم بِالنِّسْبَةِ إِلَى زنته من الذَّهَب أَو الْجَوْهَر وكثوب حَرِير وثوب كتَّان وثوب صوف وثوب قطن فَإِن تفَاوت الْمِقْدَار فقد يكون النَّوْع الْأَدْنَى مقدما على النَّوْع الْأَعْلَى بِالْكَثْرَةِ فَيقدم قِنْطَار الْفضة على دِينَار من ذهب أَو جَوْهَر وَيقدم ألف ثوب من قطن على ثوب حَرِير فحرمة الدِّمَاء آكِد من حُرْمَة الأبضاع وَحُرْمَة الأبضاع آكِد من حُرْمَة الْأَمْوَال وَحُرْمَة الْأَقَارِب آكِد من حُرْمَة الْأَجَانِب وَحُرْمَة الْآبَاء والأمهات آكِد من حُرْمَة جَمِيع الْقرَابَات وَحُرْمَة الْأَحْرَار آكِد من حُرْمَة الأرقاء وَحُرْمَة الْأَبْرَار آكِد من حُرْمَة الْفجار وَحُرْمَة الْأَنْبِيَاء آكِد من حُرْمَة الْأَوْلِيَاء(1/74)وَحُرْمَة الرُّسُل آكِد من حُرْمَة الْأَنْبِيَاء وَحُرْمَة الْعلمَاء آكِد من حُرْمَة الْجُهَّال وَحُرْمَة الرُّعَاة آكِد من حُرْمَة الرعايافصل فِي انقسام الْمصَالح إِلَى الْفَاضِل وَالْأَفْضَلفَضَائِل الْأَعْمَال مَبْنِيَّة على فَضَائِل مصالحها وَالْأَمر بِأَعْلَاهَا كالأمر بأدناها فِي حَده وَحَقِيقَته وَإِنَّمَا تخْتَلف رتب الْفَضَائِل باخْتلَاف رتب مصالحها فِي الْفضل والشرفوتترتب فَضَائِل الأجور على فَضَائِل الْأَعْمَال الْمرتبَة على مصالحها فِي أَنْفسهَا أَو فِيمَا رتب عَلَيْهَاوَإِذا شَككت فِي فضل عمل أَو فِي مرتبَة عمل فاعرض مصْلحَته على رتب مصَالح الْفَضَائِل فأيها ساوته ألحق بِهِ(1/75)فصل فِي انقسام الْمَفَاسِد إِلَى الرذل والأرذلالنَّهْي عَن أكبر الْكَبَائِر مسَاوٍ للنَّهْي عَن أَصْغَر الصَّغَائِر فِي حَده وَحَقِيقَتهوَإِنَّمَا تخْتَلف رتب الرذائل باخْتلَاف رتب الْمَفَاسِدوالذنُوب ثَلَاثَة أَقسَامأَحدهَا مَا علم كَونه كَبِيرَةوَالثَّانِي مَا علم كَونه صَغِيرَةوَالثَّالِث مَا تردد بَينهمَافاعرض مفسدته على مفاسد الْكَبَائِر والصغائر فأيها ساوته ألحقت بِهِ(1/76)وَقد تَجْتَمِع أَنْوَاع من الصَّغَائِر وَمن الْإِصْرَار على نوع من الصَّغَائِر مَا تَسَاوِي مفسدته لمفسدة بعض الْكَبَائِر فَيلْحق بِهِفرع فِي تفَاوت الْحُدُود والتعزيرات بتفاوت مفاسد الْجِنَايَاتيتَفَاوَت الْحُدُود والتعزيرات فِي إيلامها بتفاوت مفاسد الْجِنَايَات الْمُوجبَة لَهَا كَالْقَتْلِ وَالْقطع وَالرَّجم وَالْجَلد وَالنَّفْي وَالْحَبْس وَالضَّرْب والسبفَائِدَةوجوب إِقَامَة الْحُدُود على الْأَئِمَّة من فعل سَببه الْفِعْل إِلَى الْأَمر بِهِ وَإجَابَة الْأَئِمَّة إِلَى إِقَامَة الْحُدُود فرض كِفَايَة لما فِي ذَلِك من تَحْصِيل مصالحها وَقَول الْفُقَهَاء وَجب على الْجَانِي وَالزَّانِي والقاذف الْحَد وَالْقصاص يجوز بِلَا خلاف وَلِأَن مُبَاشرَة الْحَد لَا تجب على ذِي الجريمة بل الَّذِي يجب عَلَيْهِ التَّمْكِين من(1/77)الْقصاص وَهل يجب عَلَيْهِ أُجْرَة الجلاد والمقتص إِذا لم يكن هُوَ الْوَلِيّ فِيهِ خلافوَأما الْيَهُود فَلَا يجب عَلَيْهِم الشَّهَادَة بحدود الله بل إِن رَأَوْا الْمصلحَة فِي الشَّهَادَة للزجر شهدُوا وَإِن رَأَوْا الْمصلحَة فِي السّتْر ستروافصل فِيمَا يقدم من الْإِحْسَان الْقَاصِر والمتعدييقدم حفظ الْأَرْوَاح على حفظ الْأَعْضَاء وَحفظ الْأَعْضَاء على حفظ الأبضاع وَحفظ الأبضاع على حفظ الْأَمْوَال وَحفظ المَال الخطير على حفظ المَال الحقير وَحفظ الْفَرَائِض مقدم على حفظ النَّوَافِل وَحفظ أفضل الْفَرَائِض على حفظ مفضولهاوَيقدم بر الْأَبْرَار على بر الْفجار وبر الْأَقَارِب على بر الْأَجَانِب وبر الْجِيرَان على بر الأباعد وبر الْآبَاء والأمهات والبنين وَالْبَنَات على غَيرهم من سَائِر الْقرَابَات وبر الضُّعَفَاء على بر الأقوياء وبر الْعلمَاء على بر الْجُهَّال(1/78)وَيقدم حق الشَّفِيع على حق المُشْتَرِي دون حق البَائِع فَلَا يُؤْخَذ بِالشُّفْعَة إِذا كَانَ للْبَائِع الْخِيَار وَلَا تسليط عَلَيْهِوَقدم حق الله عز وَجل وَحقّ الْعتْق على حق الشَّرِيك فِي السَّرَايَة لِأَنَّهُ جمع بَين بعض الْحق وَبدل نَفسهوَقدم حق المغبون فِي الرَّد بِالْعَيْبِ والتصرية والتدليس وإخلاف الشَّرْط لِأَن كل وَاحِد مِنْهُم مغبون فَدفع الشَّرْع نَفسه بِإِثْبَات الْخِيَاروَقدم حق الْفُقَرَاء فِي الزكوات على حُقُوق الْأَنْبِيَاء لما دفعوه من الْحَاجَات والضرورات وسد الخلات والمزكون أسعد بذلك من الْفُقَرَاء لِأَن مصالحهم خير وَأبقى من مصَالح الْفُقَرَاءوَقدم وَفَاء الدُّيُون على إِرْث الْوَارِثين لِأَن الْمَوْرُوث أَحَق بِمَالِه من ورثته وَمن النَّاس أَجْمَعِينَ وَلِأَن بَقَاء الدّين فِي ذمَّته مُوجب لأخذ بدله من حَسَنَاته فَكَانَ توفير حَسَنَاته عَلَيْهِ أولى من نفع ورثته بِمَا اكْتَسبهُ وَبعد فِي تَحْصِيل أَكْثَرهوَكَذَلِكَ يقدم حُقُوق السَّادة على حُقُوق الأرقاء وَحُقُوق الأرقاء على السَّادة وَالنِّسَاء على الْأزْوَاج والأزواج على النِّسَاء فِيمَا يَلِيق بِكُل وَاحِد مِنْهُموَيقدم حُقُوق أَوْلِيَاء النِّكَاح فِي العقد والكفاءة على النِّسَاء كَمَا يقدم حقوقهن على حُقُوق الْأَوْلِيَاء إِذا دعوتهم إِلَى نزوع الْأَكفاء(1/79)وَيقدم حقهن فِي الْفَسْخ بالعيوب على حُقُوق الْأَوْلِيَاء كَمَا يقدم فسخهن بالإيلاء على حُقُوق بعولتهن فِي أبضاعهن دفعا لضررة الْإِيلَاءوَيقدم أقرب الْعَصَبَات إِلَى الْمَيِّت بِالْإِرْثِ إِن اسْتَوَت الْجِهَاتفصل فِيمَن يقدم فِي الولاياتيقدم فِي كل الْأَعْرَاف بأركانها وشرائطها وسننها وآدابها وَسَائِر مصالحها ومفاسدها مَعَ الْقُدْرَة على جلب مصالحها ودرء مفاسدها فَإِن اسْتَوَى اثْنَان فِي مَقَاصِد الولايات أَقرع بَينهمَا وَقد يقدم بِغَيْر قرعَةوَيقدم فِي إِمَامَة الصَّلَاة الْعَالم بأركانها وشرائطها وسننها وآدابها وَسَائِر مصالحها ومبطلاتها فَيقدم الْفَقِيه القارىء على غَيره وَيقدم الأفقه على الأقرأوَيقدم الأورع على الْوَرع لِأَن ورعه يحثه على تَكْمِيل الصَّلَاةوَتقدم النِّسَاء على الرِّجَال فِي الْحَضَانَة لِأَنَّهُنَّ أعرف بالتربية وأشفق على الْأَطْفَال(1/80)وَتقدم الْأُم على سَائِر الْأَقَارِب لفرط حنوها وشفقتها على طفلهاوَتقدم الْأُم الجاهلة بِأَحْكَام الْحَضَانَة على الْعمة العالمة بأحكامها لِأَن طبعها يحثها على معرفَة مصَالح الطِّفْل وعَلى الْقيام بهَا وحث الطَّبْع أقوى من حث الشَّرْعوَتقدم الْعَصَبَات فِي بَاب النِّكَاح على الْأَجَانِب لفرط حرصهم على تَحْصِيل الْأَكفاء وَدفع الْعَار عَنْهُم وَعَن نِسَائِهِموَيقدم الْآبَاء والأجداد على الْحُكَّام فِي النّظر فِي أَمْوَال الْأَطْفَال لِأَن فرط الشَّفَقَة يحثهم على الْمُبَالغَة على جلب الْمصَالح ودرء الْمَفَاسِدوَيقدم فِي ولَايَة الحروب الأشجع الأعرف بمكايد الحروب وخدع الْقِتَالوَيقدم فِي ولَايَة الْأَيْتَام الأعرف بِالْأَحْكَامِ الْمُتَعَلّقَة بالأيتام وبمصالح التَّصَرُّف لَهُم ودرء الْمَفَاسِد عَنْهُم وَعَن أَمْوَالهم مَعَ الشَّفَقَة والرأفة وَالرَّحْمَةوَيقدم فِي الْولَايَة الْعُظْمَى الأعرف بمصالح الْعَامَّة والخاصة الْقَادِر على الْقيام بجلب مصالحها ودرء مفاسدها(1/81)وَيقدم فِي كل تصرف من التَّصَرُّفَات الأعرف بجلب مَصَالِحه ودرء مفاسده الأقوم بهما كالقسمة والخرص والتقويموَلَا يشْتَرط فِي نظر الْإِنْسَان لمصَالح نَفسه الْعَدَالَة لِأَن طبعه يحثه على جلب مصَالح نَفسه ودرء الْمَفَاسِد عَنْهَاوَيشْتَرط الْعَدَالَة فِي نظره لغيره لتَكون عَدَالَته وازعة عَن التَّقْصِير فِي جلب مصَالح الْمولى عَلَيْهِ وَدفع الْمَفَاسِد عَنهُوَيسْقط شَرط الْعَدَالَة فِي الْولَايَة الْعَامَّة لتعذرها فَينفذ من تصرفهم مَا ينفذ مثله فِي الإِمَام الْعَادِل وَيرد من تصرفهم مَا يرد من تصرف الإِمَام الْعَادِل وَإِنَّمَا جَاءَ ذَلِك دفعا للمفاسد عَن الرعايا وجلبا لمصالحهموَقد يسْقط شَرط الْعَدَالَة لكَون الطَّبْع قَائِما مقَامهَا فِي جلب الْمصَالح ودرء الْمَفَاسِد كعدالة الْمولى فِي النِّكَاح والحضانة لِأَن طبع(1/82)الْمولى والحاضن يحثان على تَحْصِيل مصَالح النِّكَاح والحضانة وَدفع الْمَفَاسِد عَن الْمولى عَلَيْهِم وشفقة الْقَرَابَة تحث على الْقيام بمصالح الْأَطْفَال وَدفع الْمَفَاسِد عَنْهُموبمثل هَذَا قيل فِي إِقْرَار الْمُؤمن وَالْكَافِر لِأَن طبعهما يزجرهما عَن الْكَذِب الضار بهماوَإِن فسق الْأَب وَالْجد فَفِي انعزالهما عَن النّظر فِي المَال مقَال لِأَن طبعهما يحثهما على إِيثَار أَنفسهمَا على طفلهما فَلَا يقوى الْوَازِع عَن التَّقْصِير فِي حق الْأَطْفَال فكم من أَب أكل مَال ابْنَته ونافس فِي إنكاحهاوَيقدم فِي كل حكم خَاص الأعرف بِهِ الأقوم بمصالحه وَلَا يضرّهُ الْجَهْل بِأَحْكَام غَيره فَيقدم فِي الْجرْح وَالتَّعْدِيل وَالْقِسْمَة والتقويم الأعرف بمصالحها وأحكامها وَكَذَلِكَ الحكم فِي الْبياعَات والمناكحات(1/83)وَيقدم فِي الحكم الأعرف بِأَحْكَام الشَّرْع الأقدر على الْقيام بمصلحته الأعرف بالحجج الَّتِي يبْنى عَلَيْهَا الْقَضَاء كالأقارير والبيناتفَائِدَة فِي اخْتِيَار الْأَصْلَح للولايةلما رأى أَبُو بكر رَضِي الله عَنهُ عمر رَضِي الله عَنهُ أصلح للولاية من غَيره أوصى لَهُ بهَا وصدقت فراستهوَلما رأى عمر رَضِي الله عَنهُ فضل السِّتَّة رَضِي الله عَنْهُم على من سواهُم وَلم يظْهر لَهُ الْأَصْلَح مِنْهُم حصرها فيهموَلما رأى عبد الرَّحْمَن بن عَوْف عُثْمَان رَضِي الله عَنهُ أصلح أخرج نَفسه مِنْهَا إِذْ لَا يجوز التَّقَدُّم على الْأَصْلَح فَلَمَّا فَوضُوا أَمر التَّوْلِيَة إِلَيْهِ فوض الْخلَافَة إِلَى عُثْمَان رَضِي الله عَنْهُم أَجْمَعِينَ وَلم يتَمَكَّن عُثْمَان رَضِي الله عَنهُ من الْوَصِيَّةوَلما تمكن عَليّ رَضِي الله عَنهُ من التَّوْلِيَة ولى الْحسن رَضِي الله عَنهُوَلما رأى الْحُسَيْن نَفسه أصلح أجَاب أهل الْكُوفَة إِلَى الْبيعَة وَلَا حجَّة لمعاوية رَضِي الله عَنهُ عَنهُ فِي تَوْلِيَة يزِيد وَلَكِن الله يفعل مَا يُرِيد(1/84)وَلما رأى سُلَيْمَان عمر بن عبد الْعَزِيز رَحمَه الله يصلح للخلافة فوضها إِلَيْهِ ووفق لتوليتهوَأما الرَّسُول صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَالظَّاهِر أَنه علم بترتيب الْخُلَفَاء فَلم يُفَوض إِلَى أحد لِأَنَّهُ علم أَن الله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى لَا يَخْذُلهُ فِي أَصْحَابه وَأَنه تولى عَلَيْهِم أَصْلحهم فأصلحهمفَائِدَة فِي تَقْدِيم غير الْعدْل فِي الْولَايَةإِذا لم نجد عدلا يقوم بالولايات الْعَامَّة والخاصة قدم الْفَاجِر على الأفجر والخائن على الأخون لِأَن حفظ الْبَعْض أولى من تَضْييع الْكل وَفِي مثله فِي الشَّهَادَات نظرفَائِدَة فِي صرف مَال الْمصَالحإِذا جَار الْمُلُوك فِي مَال الْمصَالح وظفر بِهِ أحد يعرف المصارف(1/85)مقدمها ومؤخرها أَخذه وَصَرفه فِي أولى مصارفه فأولاها كَمَا يَفْعَله الإِمَام الْعَادِل وَهُوَ مأجور بذلك وَالظَّاهِر وُجُوبهفَائِدَة فِي صرف الْأَمْوَال إِلَى من لَا يَسْتَحِقهَاإِذا أخذت الْأَمْوَال بِغَيْر حَقّهَا وصرفت إِلَى من لَا يَسْتَحِقهَا أَو أخذت بِحَقِّهَا وصرفت إِلَى من لَا يَسْتَحِقهَا وَجب ضَمَانهَا على صارفها وآخذها سَوَاء علما أم جهلا فَإِن مَاتَ أحد هَؤُلَاءِ قبل أَدَاء مَا عَلَيْهِ لم ينفذ عتقه وَلَا تبرعه فِي مرض مَوته وَلَا مَا وصّى بِهِ من التَّبَرُّعَات وَلَا ينفذ تصرف ورثته فِي تركته حَتَّى يقْضى مَا لزمَه من ذَلِك وَيصرف إِلَى مُسْتَحقّه فَإِن أَخذه الإِمَام الْعَادِل ليصرفه إِلَى مُسْتَحقّه برِئ بِقَبض الإِمَام(1/86)وَكَذَلِكَ الحكم فِي ضَمَان المكوس وَالْخُمُور والبغايا وكل جِهَة مُحرمَة فَإِن ضمنُوا ذَلِك مختارين لَهُ فضمانه مَقْصُور عَلَيْهِم وعَلى كل من وضع يَده عَلَيْهِ وَأما المعينون على ذَلِك فَإِن قبضوا مِنْهُ شَيْئا طولبوا بِهِ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَة وَإِن لم يقبضوا مِنْهُ شَيْئا كَانَ عَلَيْهِم وزر المعاون على الْإِثْم والعدوانوعَلى الْجُمْلَة فإثم تضمين الْمُحرمَات كالبغايا والمكوس على ضامنيه ومضمنيه وعَلى من أعَان على ذَلِك كَمَا ذَكرْنَاهُ وَمن علم ذَلِك فَلم يُنكره مَعَ الْقُدْرَة على إِنْكَاره فَهُوَ آثم إِلَّا أَن يعلم أَن إِنْكَاره لَا يصغى إِلَيْهِ وَلَا يلْتَفت عَلَيْهِوَكَذَلِكَ الحكم فِي جَمِيع مَا يحدثه الظلمَة من الْمَظَالِموَاعْلَم أَن إِثْم الزِّنَا على الزناة والزواني وَمَا يَأْخُذهُ البغايا مَضْمُون مالم يتَصَدَّق بِهِ عَلَيْهِنَّوَأخذ الزكوات لتصرف إِلَى غير مستحقيها إِثْم ذَلِك وضمانه على كل من وضع يَده عَلَيْهِ وَإِلَّا كَانَ المستحقون للزكوات خصماءه يَوْم الْقِيَامَة وَلَا تَبرأ ذمم المزكين بِالدفع إِلَيْهِم إِلَّا أَن يصرف إِلَى مستحقيهوَصرف مَال الْمصَالح إِلَى غير مستحقيه الْخُصُوم فِيهِ يَوْم الْقِيَامَة أَكثر من الْخُصُوم فِي الزكوات فَإِن كَانَ المَال مستوعبا لجَمِيع الْمصَالح فالخصوم قد تقوم(1/87)الْقيمَة مستحقوه على قدر اسْتِحْقَاق كل وَاحِد مِنْهُم وَإِن لم يستوعب الْمصَالح كَانَت الْخُصُومَة فِيهِ من مُسْتَحقّ التَّقْوِيم بِهِوَمن أَخذ من الْغَنَائِم مَا لم يُعينهُ المقاسم غير الاستلاب إِذا أَخذهَا الْعَامِلُونَ أَثم وَضمن الْأَخْمَاس لمستحقيها وَأَرْبَعَة الْأَخْمَاس للغزاة الأصبر مَا يسْتَحقّهُ مِنْهَا بالقسم فيخاصمه فِي ذَلِك الْفُقَرَاء وَالْمَسَاكِين وَأَبْنَاء السَّبِيل وذوو قرَابَة رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَأهل الْمصَالح الْعَامَّة ويخاصمه فِي أَرْبَعَة الْأَخْمَاس من يسْتَحق ذَلِك من الغازين على قدر أنسابهموَمن مَاتَ وَعَلِيهِ دين تعدى بِسَبَبِهِ أَو بظلمه فَإِنَّهُ يُؤْخَذ من ثَوَاب حَسَنَاته بِمِقْدَار مَا ظلمه بِهِ فَإِن فنيت حَسَنَاته طرح عَلَيْهِ من عِقَاب سيئات الْمَظْلُوم ثمَّ ألقِي فِي النَّاروَمن مَاتَ وَعَلِيهِ دين وَلم يَتَعَدَّ بِسَبَبِهِ وَلَا بمظلمة فَإِنَّهُ يُؤْخَذ من ثَوَاب حَسَنَاته فِي الْآخِرَة كَمَا يُؤْخَذ أَمْوَاله فِي الدُّنْيَا حَتَّى يصير فَقِيرا لَا مَال لَهُ وَلَا يُؤْخَذ ثَوَاب إيمَانه كَمَا لَا يُؤْخَذ فِي الدُّنْيَا ثِيَاب بدنه فَإِن فنيت حَسَنَاته لم يطْرَح عَلَيْهِ من سيئات خَصمه شَيْء لِأَنَّهُ لم يعْصوَمن شهد بِمَا لَا يعلم فَإِن كَانَ كَاذِبًا أَثم ثَلَاثَة آثام إِثْم الْمعْصِيَة وإثم إِعَانَة الظَّالِم وإثم خذلان الْمَظْلُوم بتفويت حَقه وَإِن كَانَ صَادِقا أَثم إِثْم الْمعْصِيَة لَا غير لِأَنَّهُ سَبَب إِلَى برَاء ذمَّة الظَّالِم وإيصال الْمَظْلُوم إِلَى حَقه(1/88)وَمن شهد بِحَق يُعلمهُ فَإِن كَانَ صَادِقا أجر على قَصده وطاعته وعَلى إِيصَال الْحق إِلَى مستحقيه وعَلى تَخْلِيص الْمَظْلُوم من الظَّالِم وَإِن كَانَ كَاذِبًا بِسَبَب سُقُوط الْحق الَّذِي تحمل الشَّهَادَة بِهِ وَهُوَ لَا يشْعر بسقوطه أثيب على قَصده وَلَا يُثَاب على شَهَادَته لِأَنَّهَا مضرَّة بالخصمين وَفِي تعديه ورجوعه على الظَّالِم بِمَا أَخذه من الْمَظْلُوم نظر إِذْ الْخَطَأ والعمد فِي الْأَسْبَاب والمباشرات سيان فِي بَاب الضَّمَانفَائِدَةمَا يدْفع إِلَى النَّاس من أَمْوَال بَيت المَال لآخذه أَحْوَالأَحدهَا أَن يكون مِمَّن يسْتَحق ذَلِك الْقدر كالغازي فَيجوزوَإِن كَانَ مِمَّن لَا يسْتَحقّهُ فَإِن أَخذه لنَفسِهِ لم يجز لَهُ وَإِن أَخذه ليَرُدهُ على مستحقيه فَإِن كَانَ من الْعلمَاء الموثوق بفتياهم وأديانهم لم يجز لَهُ أَخذه لِأَن ذَلِك يسْقط الثِّقَة بقوله وفتياه فَيكون مأخذه مُمْتَنعا للِانْتِفَاع بتعليمه والاعتماد على فتياه ومفسدة ذَلِك رد على مصلحَة دفع ذَلِك إِلَى مُسْتَحقّه لِأَن إحْيَاء الشَّرْع فرض مُتَعَيّن وَلَا سِيمَا فِي هَذَا الزَّمَان فَإِن لم يكن من أُولَئِكَ فَإِن كَانَ عَالما بمصارفه جَازَ لَهُ أَخذه بنية صرفه فِي مصارفه وَإِن كَانَ جَاهِلا بالمصارف فَأَخذه بنية من يسْأَل عَنْهَا الْعلمَاء الموثوق بفتياهم فَإِذا أَخْبرُوهُ بمصارفه فَصَرفهُ فِيهَا أجر على ذَلِك وَكَانَ لَهُ أجر إِعَانَة أَخِيه الْمُسلم على إِيصَال(1/89)حَقه إِلَيْهِ وَالله فِي عون العَبْد مَا كَانَ العَبْد فِي عون أَخِيه وَقَالَ تَعَالَى {وتعاونوا على الْبر وَالتَّقوى} الْمَائِدَة 5 / 2 وَقَالَ تَعَالَى {إِن الله يَأْمر بِالْعَدْلِ وَالْإِحْسَان} النَّحْل 16 / 90 فَأَما مَا يُؤْخَذ من النَّاس بِغَيْر حق فعلى ولي الْأَمر إِثْم كل من ظلمهوَأما مُبَاشرَة أَخذ الظُّلم فَإِن كَانَ مُخْتَارًا لزمَه الضَّمَان والآثام وَإِن كَانَ مكْرها فَلهُ حالانأَحدهمَا أَن يُوجد الْإِكْرَاه الْمُعْتَبر بالتهديد بِاللِّسَانِ وَفِي وجوب الضَّمَان على الْمُكْره وَجْهَان فَإِنَّهُ أتلف مَالا مَعْصُوما لإنقاذ نَفسه فَصَارَ كالمضطر إِذا أتلف طَعَاما لحفظ نَفسهالْحَال الثَّانِي أَن يكره بِلِسَان الْحَال وَهُوَ يعلم من عَادَة السُّلْطَان إِذا خُولِفَ أَن يَسْطُو بِمن خَالفه سطوة يكون مثلهَا إِكْرَاها فَفِي إِلْحَاق ذَلِك بِالْإِكْرَاهِ بِاللِّسَانِ مذهبان لِأَن الْخَوْف الْحَاصِل فِي الْإِكْرَاه بِلِسَان الْحَال كحصول خوف بِالْإِكْرَاهِ بِلِسَان الْمقَال والإقدام جَائِز بِالْإِكْرَاهِ لِأَنَّهَا حَال اضطرار وَلَا يُبَاح بِالْإِكْرَاهِ قتل ولواط وَلَا زنا وَيجب على الْمُكْره إِذا عجز عَن الدّفع الصَّبْر إِلَى الْمَمَات وَكَذَلِكَ كَقَتلوَيُبَاح كفر اللِّسَان بِالْإِكْرَاهِ مَعَ طمأنينة الْقلب بِالْإِيمَان وَلَا يجب التَّلَفُّظ(1/90)بالْكفْر وَله أَن يصر إِلَى الْمَمَات لما فِي ذَلِك من إعزاز الدّين وإجلال رب الْعَالمين الَّذِي أكمل أَنْوَاع خلاف كل الميتاتوَيجوز التَّغْرِير بالنفوس والأعضاء فِي كل قتال وَاجِب لتَحْصِيل مَصَالِحه وَكَذَلِكَ التَّغْرِير بالنفوس فِي الْأَمر بِالْمَعْرُوفِ وَالنَّهْي عَن الْمُنكر عِنْد أَئِمَّة الْجور لما فِيهِ من إعزاز الدّين وَنصر رب الْعَالمين وَقد جعله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أفضل الْجِهَاد فَقَالَ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أفضل الْجِهَاد كلمة حق عِنْد سُلْطَان جَائِر لِأَن تغريره لنَفسِهِ وبذله لَهَا آلم من تغرير الْمُجَاهدين فَإِن الْمُجَاهِد يَرْجُو أَن يقتل قربَة بِخِلَاف الْآمِر والناهي للسُّلْطَان الجائر فَإِن علم من جوز بِآلَة الْقِتَال أَنه يقتل من غير تَحْصِيل شَيْء من الْمصَالح الَّتِي شرع لَهَا الْقِتَال حرم الْمقَام وَوَجَب الانهزام لِأَنَّهُ غرر بِنَفسِهِ وأعضائه من غير حُصُول مصلحَة والمفسدة الْمُجَرَّدَة عَن الْمصلحَة مُحرمَة وَلَا سِيمَا مفْسدَة فَوَات النُّفُوس والأعضاء(1/91)فَائِدَة فِيمَن مَاتَ وَعَلِيهِ دينمن مَاتَ وَعَلِيهِ دين تعدى بِسَبَبِهِ أَو بمطله فَإِنَّهُ يُؤْخَذ من ثَوَاب حَسَنَاته مِقْدَار مَا ظلم فَإِن فنيت حَسَنَاته طرح عَلَيْهِ من عِقَاب سيئات الْمَظْلُوم ثمَّ ألقِي فِي النَّاروَمن مَاتَ وَعَلِيهِ دين لم يَتَعَدَّ بِسَبَبِهِ وَلَا بمطله فَإِنَّهُ يُؤْخَذ من ثَوَاب حَسَنَاته فِي الْآخِرَة كَمَا يُؤْخَذ أَمْوَاله فِي الدُّنْيَا حَتَّى يصير فَقِيرا لَا مَال لَهُ وَلَا يُؤْخَذ ثَوَاب إيمَانه كَمَا لَا يُؤْخَذ فِي الدُّنْيَا ثِيَاب بدنه فَإِن فنيت حَسَنَاته لم يطْرَح عَلَيْهِ من سيئات خَصمه شَيْء لِأَنَّهُ لم يعْص بِهِقَاعِدَة فِي المَال الْمَعْصُوملَا تُوضَع الْأَيْدِي على مَال مَعْصُوم إِلَّا لضَرُورَة أَو حَاجَة عَامَّة كوضع الْحَاكِم يَده على أَمْوَال الْأَطْفَال والمجانين والغائبين وَجَمِيع الْأَمَانَات(1/92)الشَّرْعِيَّة وكوضع الْمُلْتَقط يَده على اللّقطَة والظافر بِجِنْس حَقه وَبِغير جنسه من مَال غَرِيمه والمضطر على مَا يدْفع بِهِ ضَرُورَة وَلَا يتَصَرَّف فِي مَال مَعْصُوم إِلَّا بِإِذن ربه وَيسْتَثْنى أَمْوَال الْأَطْفَال والمجانين وَمَا يخْشَى ضيَاعه وتلفه من الْأَمَانَات الشَّرْعِيَّة وَغير الشَّرْعِيَّةوَكَذَلِكَ تصرف الْمُلْتَقط بالتملك وَبيع مَا يسْرع فَسَادهوَكَذَلِكَ تصرف الظافر بِجِنْس حَقه وَبِغير جنسهوَكَذَلِكَ إِذا وجد مَالا يَشْتَرِي بِهِ الطَّعَام وَالشرَاب أَو مَا لَا يدْفع بِهِ ضَرُورَته من اللبَاسقَاعِدَة فِي عدم تولي أحد طرفِي التَّصَرُّفلَا يتَوَلَّى أحد طرفِي التَّصَرُّف وَيسْتَثْنى مِنْهُ تصرف الْآبَاء والأجداد فِي أَمْوَال الْأَوْلَاد والأحفاد(1/93)وَكَذَلِكَ تملك الملتقطين وَبيع الظافرين بِغَيْر جنس حُقُوقهم فَإِنَّهُم يتولون البيع وَقبض الثّمن وأقباضه من أنفسهموَكَذَلِكَ قبضهم لجنس حُقُوقهم قَامُوا فِيهِ مقَام قَابض ومقبوضفَائِدَة فِي عدم ثُبُوت الْملك للموتىلَا يثبت الْملك للموتى إِذْ لَا حَاجَة بهم إِلَيْهِ وَيثبت للأجنة فِي بطُون الْأُمَّهَات وَلَو كَانَ نُطْفَة أَو مُضْغَة أَو علقَة لأَنهم صائرون إِلَى الِاحْتِيَاج إِلَيْهِوَمن خلف تَرِكَة زَالَ ملكه عَنْهَا بِمَوْتِهِ إِلَّا أَن يكون عَلَيْهِ دين أَو وَصِيَّة فَفِي بَقَاء ملكه وزواله وَرَفعه اخْتِلَاف لأجل احْتِيَاجه إِلَيْهِ(1/94)فَائِدَة فِي الشَّرَائِطمن الشَّرَائِط مَا يعم التَّصَرُّفَات لافتقارها إِلَيْهِ ووقوف مصالحها عَلَيْهِوَمِنْهَا مَا يخْتَص بِبَعْض التَّصَرُّفَات لوقوف كَمَال مصْلحَته عَلَيْهِ وَمِنْهَا مَا يشْتَرط فِي تصرف وَيكون مُبْطلًا فِي تصرف آخر فاستقصاء الْأَوْصَاف مُبْطل للسلم لِأَنَّهُ مَانع من تَحْصِيل مَقْصُوده مصحح فِي بَاب الحكومات فِي حق الْمَحْكُوم لَهُ والمحكوم بِهِ والمحكوم عَلَيْهِ لتحصيله لمقصود الْأَحْكَاموَيجوز الْقَرَاض على عوض مَعْدُوم مَجْهُولوَيجوز الْمُزَارعَة وَالْمُسَاقَاة على عوضينأَحدهمَا مَعْدُوم مَعْلُوم وَهُوَ عمل الْعَامِلوَالْآخر مَجْهُول مَعْدُوم وَهُوَ نصِيبه من الثَّمر وَالزَّرْعوَعمل الْجعَالَة مَجْهُول من جِهَة الْعَامِل مَعْدُوم والجعل مَعْلُوم إِذْ(1/95)لَا حَاجَة إِلَى جهالته وَلَا يَصح تَمْلِيكه الْمَنَافِع إِلَّا مقدرَة بِعَمَل أَو زمَان أَو مَكَان إِلَّا فِي الْوَصَايَاوَيجوز فِي العواري بِغَيْر تَقْدِير لِأَنَّهَا إِبَاحَة كإباحة ثمار الْبُسْتَان وَأكل الضيفانوَتَقْدِير الْمَنَافِع بِالزَّمَانِوَالْعَمَل شَرط فِي الْإِجَارَة مُبْطل فِي بَاب النِّكَاح لِأَن الْأَجَل فِي النِّكَاح ممتد إِلَى موت أحد الزَّوْجَيْنِ وَلَو قدر بِأَجل مَعْلُوم لبطلوَتصرف الْمَرْء فِيمَا سيملكه وإذنه فِي التَّصَرُّف فِيهِ باطلان إِلَّا فِي بَاب الْقَرَاض فَإِن الْإِذْن فِي بيع مَا يشترى بِرَأْس المَال نَافِذ إِذْ لَا يتم مصلحَة هَذَا الْبَاب إِلَّا بذلكوَمَا خص الشَّرْع بَابا من الْأَبْوَاب بِحكم خَاص إِمَّا لمصْلحَة خَاصَّة(1/96)تتَعَلَّق بذلك الحكم أَو لدرء مفْسدَة خَاصَّة يتَعَلَّق بِهِوَقد وقف مُعظم الْعلمَاء على تِلْكَ الْمصَالح والمفاسد واختص بَعضهم بِكَثِير مِنْهَا وخفي أقلهَا عَن الْكل ويعبر عَنهُ بالتعبد(1/97)فصل فِيمَا يقبل الشُّرُوط من التَّصَرُّفَات وَمَا لَا يقبلالنِّكَاح لَا يقبل الشَّرْط وَلَا التَّعْلِيق على الشَّرْطوَالْوَصِيَّة وَالْولَايَة تقبلان الشَّرْط وَالتَّعْلِيق على الشَّرْطوَالْوَقْف يقبل الشَّرْط وَفِي تَعْلِيقه على الشَّرْط خلافوَالْبيع وَالْإِجَارَة يقبلان الشَّرْط وَلَا يقبلان التَّعْلِيق على الشَّرْطوَالطَّلَاق وَالْعتاق يقبلان التَّعْلِيق على الشَّرْط وَلَا يقبلان الشَّرْطوَالْوكَالَة تقبل الشَّرْط وَفِي قبُول التَّعْلِيق على الشَّرْط خلاف وَتَعْلِيق التَّصَرُّف بعد التَّوْكِيل جَائِز على الْأَصَحفصل فِي بَيَان الْإِسَاءَة وَالْإِحْسَانلَا يرجع شَيْء من جلب الْمصَالح ودرء الْمَفَاسِد وأشباههما إِلَى الديَّان تَعَالَى لاستغنائه عَن الأكوان وَإِنَّمَا يعود نفعهما وضرهما على الْإِنْسَان فَمن أحسن فلنفسه سعى وَمن أَسَاءَ فعلى نَفسه جنى(1/98)وإحسان الْمَرْء إِلَى نَفسه أَو إِلَى غَيره إِمَّا بجلب مصلحَة دنيوية أَو أخروية أَو بهما أَو بدرء مفْسدَة دنيوية أَو أخروية أَو بهماوإساءته إِلَى نَفسه أَو إِلَى غَيره إِمَّا بجلب مفْسدَة دنيوية أَو أخروية أَو بهما أَو بدرء مصلحَة دنيوية أَو أخروية أَو بهما فَكل من أحسن إِلَى نَفسه كَانَ أجره مَقْصُورا عَلَيْهِ وكل من أحسن إِلَى غَيره كَانَ محسنا إِلَى نَفسه وَإِلَى غَيره وكل من أَسَاءَ إِلَى نَفسه كَانَ وزره مَقْصُورا عَلَيْهِ وكل من أَسَاءَ إِلَى غَيره فقد بَدَأَ بالإساءة إِلَى نَفسهوَإِذا اتَّحد نوع الْإِسَاءَة وَالْإِحْسَان كَانَ عامهما أعظم من خاصهما فَلَيْسَ من أصلح بَين جمَاعَة كمن أصلح بَين اثْنَيْنِ وَلَيْسَ من أفسد بَين جمَاعَة كمن أفسد بَين اثْنَيْنِ وَلَيْسَ من تصدق على جمَاعَة أَو علم جمَاعَة أَو ستر جمَاعَة أَو أنقذ جمَاعَة من الْهَلَاك كمن اقْتصر على وَاحِد اثْنَيْنِفصل فِيمَا يَنْضَبِط من الْمصَالح والمفاسد وَمَا لَا يَنْضَبِط مِنْهَاالْمصَالح والمفاسد ضَرْبَان(1/99)أَحدهمَا محدد مضبوط كَالْقَتْلِ وَالْقطع والإنقاذ مِنْهُمَاوَالثَّانِي غير مضبوط كالمشاق والإغرار والمخاوف والأفراح وَاللَّذَّات والغموم والآلام كآلام الْحُدُود والتعزيراتوَأكْثر الْمصَالح والمفاسد لَا وقُوف على مقاديرها وتحديدها وَإِنَّمَا تعرف تَقْرِيبًا لعزة الْوُقُوف على تحديدها فالمشاق المبيحة للتيمم كالخوف من شدَّة الظمأ وَمن بطء الْبُرْء وَلَا ضَابِط لَهماوَكَذَلِكَ سَبَب الِانْتِقَال من قيام الصَّلَاة إِلَى قعودها وَمن قعودها إِلَى اضطجاعها وَكَذَلِكَ مَا يشوش من اختلال خشوع الصَّلَاة من الْأَعْذَار لَا ضَابِط للقدر المشوش مِنْهُوَكَذَلِكَ الْأَعْذَار المبيحة لمحظورات الْإِحْرَاموَكَذَلِكَ الْغَصْب الْمَانِع من الْإِقْدَام على الْأَحْكَام(1/100)وَكَذَلِكَ الْمَرَض الْمُبِيح للإفطار فِي الصّيام إِن ضبط بالمشقة فالمشقة فِي نَفسهَا غير مضبوطة وَإِن ضبط بِمَا يُسَاوِي مشقة الْأَسْفَار فَذَلِك غير مَحْدُودوَكَذَلِكَ مشقة الْأَعْذَار المبيحة لكشف العورات وَإِظْهَار السوءاتوَمن ضبط ذَلِك بِأَقَلّ مَا ينْطَلق عَلَيْهِ الِاسْم كَأَهل الظَّاهِر فقد خلص من هَذَا الْإِشْكَالفصل فِيمَا يفْتَقر إِلَى النياتلَا تجب النِّيَّة فِيمَا يمتاز من الْعِبَادَات والمعاملات وَإِنَّمَا تجب النِّيَّة فِي الْعِبَادَات فِيمَا دَار بَين الْعِبَادَات والعادات أَو بَين رتب الْعِبَادَات وَكَذَلِكَ لَا تجب فِي الْمُعَامَلَات فِيمَا دَار بَين الْعِبَادَات والعادات أَو بَين رتب الْعِبَادَات وَكَذَلِكَ لَا تجب فِي الْمُعَامَلَات فِيمَا تميز بصورته عَن غَيره وَإِنَّمَا تجب فِي الملتبسات المترددات كالديون وإيقاع التَّصَرُّفَات عَن الإذنين(1/101)وَفِي أَخذ جنس الْحق وَغير جنسه وَفِي التَّصَرُّف الْمُقَابل للوقوع عَن الْإِذْن والمأذون لَهُ فَإِنَّهُ وَاقع عَن الْمَأْذُون لَهُ لِأَنَّهُ الْغَالِب من أَفعاله وَفِي وَفِي الصَّيْد وَلَا يَقع عَن الْإِذْن إِلَّا بنية وَلَا نِيَّة فِي مُتَعَيّن كالعرفان وَالْإِيمَان وَالْأَذَان وَقِرَاءَة الْقُرْآن وَدفع الْأَعْيَان إِلَى مستحقيها وَإِقَامَة الْعُقُوبَات على الجناةقَاعِدَة فِي الْأَحْكَام الظَّاهِرَة والباطنةالْأَحْكَام ضَرْبَانأَحدهمَا بَاطِن وَهُوَ كل حكم جلب الْمصلحَة فِي نفس الْأَمر ودرء الْمفْسدَة الْمَقْصُود درؤها فِي نفس الْأَمر فَهَذَا هُوَ الْمَقْصُود الْأَصْلِيّالضَّرْب الثَّانِي حكم فِي الظَّاهِر وَهُوَ كل حكم ظَهرت أَسبَابه بالظهور وَله حالان(1/102)أَحدهمَا أَن يصدق الظَّن فَيكون ذَلِك الحكم هُوَ حكم الله عز وَجل ظَاهرا وَبَاطناالْحَال الثَّانِيَة أَن يكذب الظَّن فِي جلب الْمصَالح ودرء الْمَفَاسِد فَهَذَا الحكم خطأ عِنْد الله عز وَجل وَالصَّوَاب عِنْد الله عَكسه فَإِذا أخبر الْمخبر أَو أقرّ الْمقر أَو شهد الشَّاهِد أَو حكم الْحَاكِم أَو قوم الْمُقَوّم أَو ألحف الحائف أَو قسم الْقَاسِم فَإِن أَصَابُوا الحكم الْبَاطِن فقد حصل مَقْصُود الشَّرْع وحصلت الْمَقَاصِد الدُّنْيَوِيَّة والأخروية واندفعت الْمَفَاسِد الدُّنْيَوِيَّة والأخروية وَإِن لم يُصِيبُوا فِي ذَلِك عُفيَ عَن مظانهم وأثيبوا على قصدهموَكَذَلِكَ إِذا تقرب المتقرب بِمَال يَظُنّهُ حَلَالا وَهُوَ عِنْد الله سُبْحَانَهُ حرَام أَو قضى بِهِ دينه أَو كفر باعتقاد فِيهِ بظنها مسلمة فَإِذا هِيَ كَافِرَة فَإِنَّهَا لَا تَبرأ ذمَّته من الدّين وَالْكَفَّارَة وَلَا تحصل الْقرْبَة بِهِ وَلَكِن يُثَاب على قصد التَّقَرُّب فَإِن من هم بحسنة فَلم يعملها كتبت لَهُ حَسَنَةقَاعِدَةالْقُدْرَة على التَّسَبُّب إِلَى مَا وَجب كالقدرة على تَحْصِيل المَاء بِالطَّلَبِ وَالشِّرَاء وَغَيره كالقدرة على اسْتِعْمَاله مَعَ حُضُورهوَكَذَلِكَ الْقُدْرَة على تعرف مَا يجب تعرفه بِالِاجْتِهَادِ كطهارة المَاء الطَّاهِر المشتبه بِالْمَاءِ النَّجس وتعرف الْقبْلَة عِنْد التباسها(1/103)وَالْقُدْرَة على تَحْصِيل الْكسْوَة بستر الْعَوْرَة وَغَيرهَا كالقدرة على التستر بهَا مَعَ حُصُولهَا وَالْقُدْرَة على تَحْصِيل الْكَفَّارَة بِالشِّرَاءِ وَغَيره كالقدرة عَلَيْهَا نَفسهَاوَالْقُدْرَة على تَحْصِيل الذَّهَب وَالْفِضَّة بِبيع الْعرض الْعرضوَالْقُدْرَة على تَحْصِيل النَّفَقَات والديون بِالشِّرَاءِ وَغَيره كالقدرة على أَدَاء الدّين نَفسهوَالْقُدْرَة على أَدَاء الدّين نَفسه وَالْقُدْرَة على وَفَاء الدّين بالاكتساب يخْتَلف فِيهِ بَين الْعلمَاءوَكَذَلِكَ الْقُدْرَة على الْكسْب على الْعِيَالوَكَذَلِكَ من لزمَه دين وَلَا يملك مثله فَإِنَّهُ يُبَاع ملكه فِيهِوَكَذَلِكَ شِرَاء كل مَا يجب أَن يشترى ليؤدى فِي وَاجِبوَكَذَلِكَ شِرَاء الكراع وَالسِّلَاح والجنن للْجِهَاد وَأهب الْحَج وَالْعمْرَةوَكَذَلِكَ السّفر وَالتَّأَهُّب لتعلم الْعلم الْمُتَيَقن وفروض الكفاياتوَكَذَلِكَ الِاجْتِهَاد فِي طلب الحكم الْمُتَعَيّن والفتيا المتعينة وَمن تعين عَلَيْهِ الْقيام بِفَرْض من فروض الكفايات وَهُوَ خامل لَا يعرف بأهليته لذَلِك لزمَه(1/104)أَن يسْعَى فِي تَعْرِيف نَفسه لِأَنَّهُ سَبَب إِلَى وَاجِب مُتَعَيّن وَكَذَلِكَ أَهْلِيَّة الْفتياوَأما وجوب الِاكْتِسَاب لقَضَاء الدّين فَإِن كَانَ فِيهِ مشقة ظَاهِرَة فَلَا إِشْكَال فِيهِ وَإِن لم يكن فِيهِ مشقة كإلقاء شبكة وَنصب فخ وَاحِد جوهره من سَمَكَة فَفِيهِ إِشْكَال من حَيْثُ إِنَّه سَبَب إِلَى وَاجِب وَلم يُوجِبهُ إِلَّا فِي نَفَقَة الْعِيَال فَكيف لَا يلْزمه مَعَ حَقه مُؤْنَته وَمَا فِيهِ من مصْلحَته إِيرَاد مِنْهُ ومصلحة إِيصَال الْحق إِلَى مُسْتَحقّهوَاخْتلف أَصْحَابنَا فِي وجوب التكسب لنفقة الزَّوْجَات والأقارب من جِهَة تأكدها وَإِذا تبرع الْمَدِين بِمَالِه الْمسَاوِي لحقوق الغارمين فَيَنْبَغِي أَن لَا ينفذ تبرعه إِلَّا برضاهم لما عَلَيْهِم فِيهِ من الضَّرَر وَقد جعل مَالك رَضِي الله عَنهُ تبرعه مَوْقُوفا على إجَازَة الْغُرَمَاء فَإِن أَجَازُوا نفذ لأَنهم رَضوا بتأخر حُقُوقهم وَإِن ردُّوهُ بَطل لما فِي تقيده من تضررهم بتأخر حُقُوقهم إِلَى وَقت يسَاره وَهُوَ غير مضبوط وَقد يَمُوت قبل اكْتِسَاب مِقْدَار دُيُونهم فيعظم الضَّرَر وَمَا ذكره مَالك جمع بَين حق البَائِع وَالْمُشْتَرِي والغرماء وانتفى الضرار بثبت الشُّفْعَة وَنفذ تصرف المُشْتَرِي مَوْقُوفا على إِسْقَاط الشُّفْعَة(1/105)فصل فِي أمثله مَا خولفت فِيهِ قَوَاعِد الْعِبَادَات والمعاملات والولايات رَحْمَة للعباد ونظرا لجلب مصالحهم ودرء مفاسدهمفَمن ذَلِك الْعَفو عَن ملاقاة النَّجَاسَات للْمَاء الْقَلِيل مِمَّا لَا يُدْرِكهُ الطّرف وَمَا لَيْسَ لَهُ نفس سَائِلَة وَفِي تردد المَاء على مَحل التَّطْهِير فِي الْأَحْدَاث والأخباثوَمِنْهَا صَلَاة العاري الْمُحدث الْجنب النَّجس إِلَى غير الْقبْلَة تحصيلا لمصَالح الصَّلَوَاتوَمِنْهَا قصر الصَّلَوَات بالأسفار وَجَمعهَا بالأمطار والأسفاروَمِنْهَا الْأَذَان للصبح قبل الْوَقْت لحيازة فضل أول الْوَقْتوَمِنْهَا تَقْدِيم النِّيَّة على الصّيام وَالزَّكَاةوَمِنْهَا إِسْقَاط وجوب النيات عَمَّا عدا أول الْعِبَادَات لتعذر الْإِتْيَان بهَا فِي الْعِبَادَات(1/106)وَمِنْهَا بِنَاء الْأَحْكَام على الظنون لإعواز الْيَقِينوَمِنْهَا اعْتِقَاد مَا يجب عرفانه فِي حق الْعَوام لتعذر الْعرْفَانوَكَذَلِكَ بِنَاء بعض الشَّهَادَات على الظنون لتعذر الْعُلُوموَمِنْهَا منع الحكم بِالْعلمِ لما فِيهِ من الاتهاموَمِنْهَا سُقُوط اعْتِبَار المتماثل فِي أَعْضَاء الْقصاص ومنافعها لِأَنَّهُ لَو اعْتبر لأغلق بَاب الْقصاصوَمِنْهَا ضَمَان المَاء بِقِيمَتِه فِي مَحل عزته كَيْلا يضيع مَالِيَّتهوَمِنْهَا وجوب الشُّفْعَة دفعا لسوء الْمُشَاركَة أَو لمؤنة الْقِسْمَةوَمِنْهَا تحمل الإغرار فِي الْمُعَامَلَات لعسر الانفكاك عَنْهَا والا نفصال مِنْهَا(1/107)وَمِنْهَا إِفْسَاد الْأَمْوَال الَّتِي لَا تحصل مَنَافِعهَا إِلَّا بإفسادها كالأشربة والأغذية والأدوية والملابس والفراش والأحطابوَمِنْهَا ضَمَان مَا لم يجب ضَمَانه عِنْد خوف الْغَرق إِذا اغتلمت الْبحار فالتمس من صَاحب الْمَتَاع إِلْقَاء مَتَاعه فِي الْبَحْر بِشَرْط الضَّمَانوَمِنْهَا ترك الثَّمَرَة المزهية الْمَبِيعَة على أَشجَار البَائِع إِلَى أَوَان الجداد مَعَ امتصاصها لماء الْأَشْجَار وَكَذَلِكَ سقيها بِمَاء البَائِعوَمِنْهَا بيع الرطب بالرطب وتقديرهما بالخرص فِي الْعَرَايَاوَمِنْهَا جعل تخلية الثِّمَار على الْأَشْجَار قبضاوَمِنْهَا تقدم الْمَعْلُول على علته كتقدم انْفِسَاخ البيع على هَلَاك الْمَبِيع وَصرف دِيَة الْقَتِيل خطأ إِلَى ورثته لتقدم ملكه على مَوتهوَمِنْهَا جَوَاز الْأكل من الْعِنَب وَالنَّخْل بعد خرصهما(1/108)وَمِنْهَا إِجْبَار الْأَبْكَار البلغ على الْأَنْكِحَة تحصيلا لمصَالح النِّكَاحوَمِنْهَا ضَمَان الْمثل بِقِيمَتِه عِنْد تعذر مثلهوَمِنْهَا ضَمَان الْحَيْلُولَة مَعَ بَقَاء المغضوبوَمِنْهَا تملك الْمُلْتَقط اللّقطَة بِغَيْر إِذن الْمَالِكوَكَذَلِكَ جَوَاز أكل الْمُلْتَقط مَا يسْرع فَسَاده بِغَيْر إِذن الْمَالِك وَكَذَلِكَ بَيْعهوَمِنْهَا أَخذ الْمُضْطَر مَا يدْفع بِهِ ضَرُورَته من الْأَمْوَال الْمَغْصُوبَة بِغَيْر إِذن الْملاك وَكَذَلِكَ بَيْعهوَمِنْهَا تحمل الضَّرَر فِي الْمُعَامَلَات المجهولات والمعدومات لمسيس الْحَاجَات كَمَا فِي الْقَرَاض والمزارعة وَالْمُسَاقَاةوَمِنْهَا إِيهَام الْعَامِل وَالْجهل بِهِ وبعمله كَمَا فِي الجعالاتوَمِنْهَا تَأْخِير الصّيام بالأمراض والأسفاروَمِنْهَا ارْتِكَاب مَحْظُورَات الْإِحْرَام بالأمراض وَالْإِكْرَاه وَسَائِر الْأَعْذَاروَمِنْهَا إِيجَاب الْكَذِب النافع وَتَحْرِيم الصدْق الضار(1/109)وَمِنْهَا وجوب السب بالكبائر والإصرار على الصَّغَائِر فِي جرح الشُّهُود والرواة والولاةوَمِنْهَا الخدع فِي الْقِتَال وَالْحجر بِالْمرضِ والسفه والفلس وَالرّق نظرا للمحجور عَلَيْهِ وللورثة والغرماء والساداتوَمِنْهَا تَجْوِيز الْكفْر القولي والفعلي بِالْإِكْرَاهِ مَعَ طمأنينة الْقلب بِالْإِيمَان وَلَا يتَصَوَّر الْإِكْرَاه على كفر الْجنان وَلَا على شَيْء من اكتسابه إِلَّا الْإِرَادَةوَمِنْهَا جَوَاز الْغَصْب والنهب وَالسَّرِقَة بِسَبَب الْإِكْرَاه والاضطراروَمِنْهَا جَوَاز قذف الرجل امْرَأَته إِذا رَآهَا تَزني ووجوبه إِذا ألحق بِهِ ولد يعلم أَنه لَيْسَ مِنْهُوَمِنْهَا جَوَاز شرب الْخُمُور وَأكل النَّجَاسَات بِالْإِكْرَاهِ والاضطراروَمِنْهَا بذل الْقَضَاء للخائن إِذا تعين وَلم يُوجد سواهُ(1/110)وَمِنْهَا جَوَاز تصرف الْوُلَاة الفسقة والبغاة فِي أَمْوَال بَيت المَال إِذا وَافق تصرفهم الشَّرْعوَمِنْهَا تَصْحِيح تَوْلِيَة الْبُغَاة الْحُكَّام وتنفيذ أَحْكَام قضاتهم نظرا لأهل الْإِسْلَاموَمِنْهَا جَوَاز إِيدَاع الوادئع لمن لم يَأْذَن فِيهِ الْمُودع عِنْد الْخَوْف وَحُضُور الْمَوْت والعزم على الْأَسْفَاروَمِنْهَا اسْتِعْمَال الذَّهَب وَالْفِضَّة وَالْحَرِير عِنْد الضرورات ومسيس الْحَاجَاتوَمِنْهَا جَوَاز الْكَذِب للإصلاح بَين النَّاسوَمِنْهَا الْعُقُوبَات الشَّرْعِيَّة العامات المؤلمات لما فِيهَا من الزّجر عَن أَسبَاب مفاسدها المستقيماتوَمِنْهَا الْإِعَانَة على أَخذ الْحَرَام فِي فك الْأُسَارَى وافتداء الأبضاع والأرواح من الظلمَة وَالْكفَّار(1/111)وَمِنْهَا الفظاظة والإغلاظ لِلْمُنَافِقين وَالْكفَّار وَكَذَلِكَ الإخجال بِالْأَمر بِالْمَعْرُوفِ وَالنَّهْي عَن الْمُنكر وإفحام المبطلين بالجدل الْحسنوَكَذَلِكَ ذبح الْحَيَوَان الْمَأْكُول لحَاجَة التغذي وَذبح مَالا حُرْمَة لدمه من مُسلم وَكَافِر فِي حَال الْإِكْرَاه والاضطراروَكَذَلِكَ تَعْرِيض الْأَوْلَاد للإرقاق بِنِكَاح الْإِمَاء عِنْد خوف الْعَنَت وفقد مُهُور الْحَرَائِروأمثال ذَلِك كَثِيرَةفصل فِي بَيَان مَا يتدارك من المنسيات وَمَا لَا يتداركلَا يُؤثر النسْيَان فِي إِسْقَاط الْعِبَادَات لِإِمْكَان تدارك مصالحها بِالْقضَاءِ وَتسقط الْجُمُعَة وَصَلَاة الْكُسُوف بِالنِّسْيَانِ لتعذر قضائهما(1/112)وَمن لابس عبَادَة ونسيها فارتكب شَيْئا من منهياتها نَاسِيا لَهَا لم يضرّهُ ذَلِك إِذْ لَا يُمكن رفع مَا تحققفصل فِي الْإِكْرَاهلَا يتَصَوَّر الْإِكْرَاه على كفر الْقلب واكتسابه وَلَا يحل بِالْإِكْرَاهِ زنا وَلَا قتل وَلَا لواطقَاعِدَة فِي الشّبَه الدارئة للحدودوالشبه الدارئة للحدود ثَلَاثشُبْهَة فِي الْفَاعِل كظنه أَن الْمَوْطُوءَة حَلَال لَهُوشبهة فِي الْمَفْعُول بِهِ كالجارية الْمُشْتَركَة(1/113)وشبهة فِي الْفِعْل كَالنِّكَاحِ الْمُخْتَلف فِي صِحَّته وَالنِّكَاح الْفَاسِد لفَوَات شَرط من شُرُوطه مَعَ ظن الْعَاقِد توفير الشُّرُوطوَلَا يشْتَرط فِي الْعقُوبَة على دَرْء الْمَفَاسِد أَن يكون مرتكبها عَاصِيا كشرب الْحَنَفِيّ النَّبِيذ وكزنا المجانين وَالصبيان ولواطهم وصيالهم إِذا لم يُمكن دفعهم إِلَّا بالعقاب أَو الْقَتْل وَكَذَلِكَ قتال الْبُغَاةفَائِدَة فِي أَنْوَاع الْأَحْكَامالْأَحْكَام أَنْوَاع إِيجَاب وَندب وَإِبَاحَة وَتَحْرِيم وَكَرَاهَة وَنصب وَكَرَاهَة وَنصب أَسبَاب وشرائط وموانع وأركان وأوقات موسعة وَغير موسعة وَكَذَلِكَ التَّعْيِين والتخيير وَالْقَضَاء وَالْأَدَاءفصل فِيمَا يتساوى فِيهِ المكلفون وَمَا يَخْتَلِفُونَ فِيهِ