عدد الزوار 255 التاريخ 15/08/2020
الكتاب: المعونة في الجدلالمؤلف: أبو اسحاق إبراهيم بن علي بن يوسف الشيرازي (المتوفى: 476هـ)عدد الأجزاء: 1
الْحَمد لله حق حَمده وَصلى الله على مُحَمَّد خير خلقه وعَلى اصحابه واهل بَيتهلما رَأَيْت حَاجَة من يتفقه ماسة الى معرفَة مَا يعْتَرض بِهِ من الادلة وَمَا يُجَاب بِهِ عَن الاعتراضات وَوجدت مَا عملت من الملخص فِي الجدل مَبْسُوطا صنفت هَذِه الْمُقدمَة لتَكون مَعُونَة للمبتدئين وَتَذْكِرَة للمنتهيين مجزية فِي الجدل كَافِيَة لاهل النّظر وقدمت على ذَلِك بَابا فِي بَيَان الادلة ليَكُون مَا بعده من الاعتراضات والاجوبة على ترتيبهوَمَا توفيقي الا بِاللَّه عَلَيْهِ توكلت وَهُوَ حسبي وَنعم الْوَكِيل واياه أسأَل أَن ينفع بِهِ فِي الدُّنْيَا والاخرة انه قريب مُجيب - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - بَاب بَيَان وُجُوه ادلة الشَّرْع - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -وادلة الشَّرْع ثَلَاثَة اصل ومعقول اصل واستصحاب حَالفالاصل ثَلَاثَة الْكتاب وَالسّنة والاجماع واضاف اليه الشَّافِعِي(1/26)رَحمَه الله فِي الْقَدِيم قَول الْوَاحِد من الصَّحَابَة فَجعله اربعةفاما الْكتاب فدلالته ثَلَاثَة النَّص وَالظَّاهِر والعمومفالنص هُوَ اللَّفْظ الَّذِي لَا يحْتَمل الا معنى وَاحِد كَقَوْلِه تَعَالَى {الزَّانِيَة وَالزَّانِي فاجلدوا كل وَاحِد مِنْهُمَا مائَة جلدَة} {وَلَا تقتلُوا النَّفس الَّتِي حرم الله إِلَّا بِالْحَقِّ} وَمَا اشبه ذَلِك مِمَّا لَا يحْتَمل الا معنى وَاحِدًاوَحكمه ان يُصَار اليه وَلَا يتْرك الا بِنَصّ يُعَارضهُوَالظَّاهِر كل لفظ احْتمل امرين وَهُوَ فِي احدهما اظهروَهُوَ ضَرْبَان ظَاهر بِوَضْع اللُّغَة كالامر يحْتَمل الايجاب وَيحْتَمل النوب إِلَّا انه فِي الايجاب اظهر وكالنهي يحْتَمل التَّحْرِيم وَيحْتَمل الْكَرَاهَة والتنزيه الا انه فِي التَّحْرِيم اظهر وكسائر الالفاظ المحتملة لمعنيين وَهُوَ فِي احدهما اظهر(1/27)وَحكمه ان يحمل على اظهر الْمَعْنيين وَلَا يحمل على غَيره الا بِدَلِيلوَظَاهر بِوَضْع الشَّرْع كالاسماء المنقولة من اللُّغَة الى الشَّرْع كَالصَّلَاةِ فِي اللُّغَة اسْم للدُّعَاء وَفِي الشَّرْع اسْم لهَذِهِ الافعال الْمَعْرُوفَة وَالْحج فِي اللُّغَة اسْم للقصد وَفِي الشَّرْع اسْم لهَذِهِ الافعال الْمَعْرُوفَة وَغير ذَلِك من الاسماء المنقولة من اللُّغَة الى الشَّرْعوَحكمه ان يحمل على مَا نقل اليه فِي الشَّرْع وَلَا يحمل على غَيره الا بِدَلِيلوَمن اصحابنا من قَالَ لَيْسَ فِي الاسماء شَيْء مَنْقُول بل الصَّلَاة هِيَ الدُّعَاء وَالْحج هُوَ الْقَصْد وانما هَذِه الافعال زيادات اضيفت اليهاوليست مِنْهَا كَمَا اضيفت الطَّهَارَة الى الصَّلَاة وَلَيْسَت مِنْهَا فعلى هَذَا تحمل هَذِه الالفاظ على موضوعها فِي اللُّغَة وَلَا تحمل على غَيره الا بِدَلِيلوالعموم كل لفظ عَم شَيْئَيْنِ اثْنَيْنِ فَصَاعِدا على وَجه وَاحِد لَا مزية لاحدهما على الاخروالفاظه اربعة اسماء الجموع كالمسلمين وَالْمُشْرِكين والابرار والفجار(1/28)وَالِاسْم الْمُفْرد اذا عرف بالالف وَاللَّام كَالرّجلِ وَالْمَرْأَة وَالْمُسلم والمشركوَمن اصحابنا من قَالَ لَيْسَ هَذَا من الفاظ الْعُمُوموالاول اصحوالاسماء المبهمة ك من فِيمَن يعقل وَمَا فِي مَا لَا يعقل وَأي فِي الْجَمِيع وَحَيْثُ وَأَيْنَ فِي الْمَكَان وَمَتى فِي الزَّمَانوَالنَّفْي فِي النكرات كَقَوْلِه عَلَيْهِ السَّلَاملَا يقتل مُسلم بِكَافِر وَمَا رَأَيْت رجلا وَمَا اشبههفَحكم هَذِه الالفاظ ان تحمل على الْعُمُوم وَلَا يخص مِنْهُ شَيْء الا بِدَلِيلواما السّنة فدلالتها ثَلَاثَة قَول وَفعل واقرارفَالْقَوْل على ضَرْبَيْنِ مُبْتَدأ وخارج على سَبَبفالمبتدأ يَنْقَسِم الى مَا يَنْقَسِم اليه الْكتاب من النَّص وَالظَّاهِر والعموم(1/29)فالنص كَقَوْلِه عَلَيْهِ السَّلَام فِي اربعين شَاة شَاة وَمَا أشبهه // أخرجه التِّرْمِذِيّ فِي الزَّكَاةفَحكمه ان يُصَار اليه وَلَا يتْرك الا بِنَصّ يُعَارضهُوَالظَّاهِر كَقَوْلِه عَلَيْهِ السَّلَام حتيه ثمَّ اقرصيه ثمَّ اغسليه بِالْمَاءِ فَيحمل // أخرجه أَبُو داودد فِي كتاب الطَّهَارَة على الْوُجُوب وَلَا يصرف الى الِاسْتِحْبَاب الا بِدَلِيلوالعموم كَقَوْلِه عَلَيْهِ السَّلَام من بدل دينه فَاقْتُلُوهُ فَيحمل على الْعُمُوم // أخرجه البُخَارِيّ فِي كتاب الْجِهَاد فِي الرِّجَال وَالنِّسَاء وَلَا يخص الا بِدَلِيلوَالْخَارِج على سَبَب ضَرْبَان مُسْتَقل دون السَّبَب كَمَا رُوِيَ انه قيل لَهُ عَلَيْهِ السَّلَام انك تتوضأ من بِئْر بضَاعَة وانما يطْرَح فِيهَا دم المحايض وَلُحُوم الْكلاب وَمَا يُنجي النَّاس فَقَالَ عَلَيْهِ السَّلَام المَاء طهُور لَا يُنجسهُ شَيْءفَحكمه حكم القَوْل والمبتدأ(1/30)وَمن اصحابنا من قَالَ يقصر على السَّبَب الَّذِي ورد فِيهِ وَلَيْسَ بِشَيْء // أخرجه التِّرْمِذِيّ وَغَيرهوَضرب لَا يسْتَقلّ دون السَّبَب كَمَا رُوِيَ ان اعرابيا قَالَ لَهُ جامعت فِي شهر رَمَضَان بِالنَّهَارِ فَقَالَ اعْتِقْ رَقَبَة فَيصير قَول الرَّسُول مَعَ السَّبَب كالجملة // أخرجه البُخَارِيّ وَغَيره الْوَاحِدَة كَأَنَّهُ قَالَ عَلَيْهِ السَّلَام اذا جامعت فاعتقواما الْفِعْل فضرباناحدهما مَا فعله على غير وَجه الْقرْبَة فَهُوَ كالمشي والاكل وَغَيرهمَا فَيدل على الْجَوَازوَالثَّانِي مَا فعله على وَجه الْقرْبَة فَهُوَ على ثَلَاثَة اضراباحدها ان يكون امتثالا لامر فَتعْتَبر بذلك الامر ان كَانَ وَاجِبا فَهُوَ وَاجِب وان كَانَ ندبا فَهُوَ ندبوَالثَّانِي ان يكون بَيَانا لمجمل فَتعْتَبر بالمبين ان كَانَ وَاجِبا فَهُوَ وَاجِب وان كَانَ ندبا فَهُوَ ندب(1/31)وَالثَّالِث ان يكون مُبْتَدأ فَفِيهِ ثَلَاثَة اوجهاحدهما انه يَقْتَضِي الْوُجُوب وَلَا يصرف الى غَيره الا بِدَلِيلوَالثَّانِي انه يَقْتَضِي النّدب وَلَا يصرف الى غَيره الا بِدَلِيلوَالثَّالِث انه على الْوَقْف فَلَا يحمل على وَاحِد مِنْهُمَا الا بِدَلِيلواما الاقرار فضرباناحدهما ان يسمع قولا فَيقر عَلَيْهِ كَمَا رُوِيَ انه سمع رجلا يَقُول الرجل يجد مَعَ امْرَأَته رجلا ان قتل قَتَلْتُمُوهُ وان تكلم جلدتموه وان سكت سكت على غيظ ام كَيفَ يصنع // أخرجه البُخَارِيّ فِي اللّعانفَحكمه حكم قَوْله عَلَيْهِ السَّلَام وَقد بَيناهُوَالثَّانِي ان يرى رجلا يفعل فعلا فيقره عَلَيْهِ كَمَا رُوِيَ انه رأى(1/32)أَي الرَّاوِي قيس بن فَهد يُصَلِّي رَكْعَتي الْفجْر بعد الصُّبْح // أخرجه أَبُو دَاوُد وَغَيرهفَحكمه حكم فعله وَقد بَيناهُواما الاجماع فَهُوَ اتِّفَاق عُلَمَاء الْعَصْر على حكم الْحَادِثَة فَذَلِك ضَرْبَاناحدهما مَا ثَبت بقول جَمِيعهم كاجماعهم على جَوَاز البيع وَالشَّرِكَة وَالْمُضَاربَة وَغير ذَلِك من الاحكامفَحكمه ان يُصَار اليه وَيعْمل بِهِ وَلَا يجوز تَركه بِحَالوَالثَّانِي مَا ثَبت بقول بَعضهم اَوْ فعله وسكوت البَاقِينَ مَعَ انتشار ذَلِك فيهم(1/33)فَذَلِك حجَّة وَهل يُسمى اجماعا فِيهِ وَجْهَانوَقَالَ ابو عَليّ بن ابي هُرَيْرَة ان كَانَ ذَلِك حكما من امام اَوْ قَاض لم يكن حجَّة وان كَانَ فتيا من فَقِيه فَهُوَ حجَّةوالاول اصحواما قَول الْوَاحِد من الصَّحَابَة اذا لم ينتشر فَفِيهِ قَولَانِقَالَ فِي الْجَدِيد لَيْسَ بِحجَّة فعلى هَذَا لَا يحْتَج بِهِ وَلَكِن يرجح بِهِوَقَالَ بعض اصحابنا يحْتَج بِهِ مَعَ قِيَاس ضَعِيف وَلَيْسَ بِشَيْءوَقَالَ فِي الْقَدِيم هُوَ حجَّة فعلى هَذَا يحْتَج بِهِ وَيقدم على الْقيَاس وَهل يخص بِهِ الْعُمُوم فِيهِ وَجْهَان(1/34)واما ادلة الْمَعْقُول فَثَلَاثَة فحوى الْخطاب وَدَلِيل الْخطاب وَمعنى الْخطابفاما فحوى الْخطاب فَهُوَ ان ينص على الاعلى وينبه على الادنى اَوْ ينص على الادنى فينبه على الاعلى وَذَلِكَ مثل قَوْله تَعَالَى {وَمن أهل الْكتاب من إِن تأمنه بقنطار يؤده إِلَيْك وَمِنْهُم من إِن تأمنه بِدِينَار لَا يؤده إِلَيْك} وَنَهْيه عَن التَّضْحِيَة بالعوراء وَنبهَ بِهِ على العمياء // أخرجه مَالك وَغَيرهفَحكم هَذَا حكم النَّصواما دَلِيل الْخطاب فَهُوَ ان يعلق الحكم على اُحْدُ وصفي الشَّيْء كَقَوْلِه تَعَالَى {وَإِن كن أولات حمل فأنفقوا عَلَيْهِنَّ} وَقَوله عَلَيْهِ السَّلَام(1/35)فِي سَائِمَة الْغنم زَكَاة فَدلَّ على ان غير الْحَامِل لَا نَفَقَة لَهَا وَغير السَّائِمَة لَا زَكَاة فِيهَاوَقَالَ ابو الْعَبَّاس بن سُرَيج لَا يدل على حكم مَا عدا الْمَذْكُوروَالْمذهب الاولفاما معنى الْخطاب فَهُوَ الْقيَاس وَهُوَ حمل فرع على اصل بعلة جَامِعَة بَينهمَا واجراء حكم الاصل على الْفَرْعوَهُوَ ضَرْبَاناحدهما قِيَاس الْعلَّة وَهُوَ ان يحمل الْفَرْع على الاصل بِالْمَعْنَى(1/36)الَّذِي يتَعَلَّق الحكم بِهِ فِي الشَّرْع وَذَلِكَ مثل قِيَاس النَّبِيذ على الْخمر بعلة انه شراب فِيهِ شدَّة مطربة وَقِيَاس الارز على الْبر بعلة انه مطعوم جنسوَالثَّانِي قِيَاس الدّلَالَة وَهُوَ ثَلَاثَة اضْرِباحدها ان يسْتَدلّ بخصيصة من خَصَائِص الشَّيْء عَلَيْهِكَقَوْلِنَا فِي سُجُود التِّلَاوَة انه لَا يجب لانه سُجُود يجوز فعله على الرَّاحِلَة فِي غير عذر فاشبه سُجُود النَّفْل وان جَوَاز فعله على الرَّاحِلَة من خَصَائِص النَّوَافِل فيستدل بِهِ على انه نفلوَالثَّانِي ان يسْتَدلّ بالنظير على النظيركَقَوْلِنَا فِي الزَّكَاة فِي مَال الصَّبِي ان من وَجب الْعشْر فِي زرعه وَجب ربع الْعشْر فِي مَاله كَالْبَالِغِ(1/37)وكقولنا فِي ظِهَار الذِّمِّيّ من صَحَّ طَلَاقه صَحَّ ظِهَاره كَالْمُسلمِ وان الْعشْر نَظِير ربع الْعشْر وَالظِّهَار نَظِير الطَّلَاق فَيدل احدهما على الاخروَالثَّالِث ان يسْتَدلّ بِضَرْب من الشّبَه مثل ان يَقُول فِي ايجاب التَّرْتِيب فِي الْوضُوء انه عبَادَة يُبْطِلهَا النّوم فَوَجَبَ فِيهَا التَّرْتِيب كَالصَّلَاةِ فَفِيهِ وَجْهَانمن اصحابنا من قَالَ انه دَلِيلوَمِنْهُم من قَالَ لَيْسَ بِدَلِيل وانما يرجح بِهِ غَيره وَهُوَ الاصح(1/38)فصل فِي اسْتِصْحَاب الْحَالواما اسْتِصْحَاب الْحَال فضرباناسْتِصْحَاب حَال الْعقل فِي بَرَاءَة الذِّمَّة كَقَوْلِنَا فِي اسقاط دِيَة الْمُسلم اذا قتل فِي دَار الْحَرْب اَوْ فِي اسقاط مَا زَاد على ثلث الدِّيَة فِي قتل الْيَهُودِيّ ان الاصل بَرَاءَة الذِّمَّة وفراغ الساحة وَطَرِيق اشتغالها بِالشَّرْعِ وَلم نجد فِي الشَّرْع مَا يدل على الِاشْتِغَال فِي قتل الْمُسلم فِي دَار الْحَرْب وَلَا على الِاشْتِغَال فِيمَا زَاد على الثُّلُث فِي قتل الْيَهُود فَبَقيَ على الاصلفَهَذَا دَلِيل يفزع اليه الْمُجْتَهد عِنْد عدم الادلةوَالثَّانِي اسْتِصْحَاب حَال الاجماع وَذَلِكَ مثل ان يَقُول فِي الْمُتَيَمم اذا رأى المَاء فِي صلَاته انه يمْضِي فِي صلَاته انْعَقَدت بالاجماع فَلَا يَزُول عَن ذَلِك الا بِدَلِيلفَهَذَا فِيهِ وَجْهَانمن اصحابنا من قَالَ هُوَ دَلِيلوَمِنْهُم من قَالَ لَيْسَ بِدَلِيل وَهُوَ الاصح(1/39)- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - بَاب وُجُوه الْكَلَام على الِاسْتِدْلَال بِالْكتاب - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -وَذَلِكَ من ثَمَانِيَة اوجهاحدهما ان يسْتَدلّ مِنْهُ بطرِيق من الاصول لَا يَقُول بِهِ وَذَلِكَ مثل ان يسْتَدلّ الْحَنَفِيّ فِي اسقاط الْمُتْعَة للمدخول بهَا بقوله تَعَالَى {لَا جنَاح عَلَيْكُم إِن طلّقْتُم النِّسَاء مَا لم تمَسُّوهُنَّ أَو تفرضوا لَهُنَّ فَرِيضَة ومتعوهن} فَشرط فِي ايجاب الْمُتْعَة ان لَا يكون قد مَسهَافَيَقُول الشَّافِعِي هَذَا اسْتِدْلَال بِدَلِيل الْخطاب وانت لَا تَقول بِهِفَالْجَوَاب ان يَقُول ان هَذَا بِلَفْظ الشَّرْط لانه قَالَ {إِن طلّقْتُم النِّسَاء} وان من امهات حُرُوف الشَّرْط وانا اقول بِدَلِيل الْخطاب اذا كَانَ بِلَفْظ الشَّرْطاَوْ يَقُول ان هَذَا من مسَائِل الاصول وانا مِمَّن يَقُول بِهِوَالثَّانِي ان لَا يَقُول بِهِ فِي الْموضع الَّذِي تنَاولهكاستدلال الْحَنَفِيّ فِي شَهَادَة اهل الذِّمَّة بقوله تَعَالَى {أَو آخرَانِ من غَيْركُمْ} أَي من اهل ملتكم(1/40)فَيَقُول الشَّافِعِي هَذَا كَانَ فِي قصَّة بَين الْمُسلمين وَالْكفَّار وعندك لَا تقبل شَهَادَة اهل الذِّمَّة على الْمُسلمينوتكلف بَعضهم الْجَواب عَنهُ فَقَالَ انه لما قبل شَهَادَتهم على الْمُسلمين دلّ على ان شَهَادَتهم على الْكفَّار اولى بِالْقبُولِ ثمَّ دلّ الدَّلِيل على ان شَهَادَتهم لَا تقبل على الْمُسلمين فَبَقيَ فِي حق الْكفَّار على مَا اقْتَضَاهُفَقَالَ الامام رَحمَه الله هَذَا لَيْسَ بِشَيْء لانه تعلق بفحوى الْخطاب وَقد ذكر ان الْخطاب قد ارْتَفع فَكيف يبْقى حكم فحواهوالاعتراض الثَّانِي ان يَقُول بموجبها وَذَلِكَ على ضَرْبَيْنِاحدهما ان يحْتَج من الْآيَة بِأحد الوضعين فَيَقُول السَّائِل بِمُوجبِه بَان يحملهُ على الْوَضع الاخركاستدلال الْحَنَفِيّ فِي تَحْرِيم الْمُصَاهَرَة بِالزِّنَا بقوله تَعَالَى {وَلَا تنْكِحُوا مَا نكح آباؤكم} وَالْمرَاد لَا تطؤوا مَا وطىء آباؤكم(1/41)فَيَقُول الشَّافِعِي النِّكَاح فِي الشَّرْع هُوَ العقد فَيكون مَعْنَاهُ لَا تتزوجوا من تزوج بهَا آباؤكموَالْجَوَاب ان تسلك طَريقَة من يَقُول ان الاسماء غير منقولة وان الْخطاب بلغَة الْعَرَب وَالنِّكَاح فِي عرف اللُّغَة هُوَ الْوَطْءوَالضَّرْب الثَّانِي ان يَقُول بِمُوجبِه فِي الْموضع الَّذِي احْتج بِهِ وَذَلِكَ مثل ان يسْتَدلّ الشَّافِعِي فِي الْعَفو عَن الْقصاص الى الدِّيَة من غير رضى الْجَانِي بقوله {فَمن عُفيَ لَهُ من أَخِيه شَيْء فاتباع بِالْمَعْرُوفِ} وَالْعَفو هُوَ الصفح وَالتّرْكفَيَقُول الْحَنَفِيّ بل الْعَفو هَا هُنَا هُوَ الْبَذْل وَمَعْنَاهُ اذا بذل الْجَانِي للْوَلِيّ الدِّيَة اتبع الْمَعْرُوفوَالْجَوَاب عَنهُ من وَجْهَيْناحدهما ان يبين ان الْعَفو فِي الصفح وَالتّرْك اظهر فِي اللُّغَةوَالثَّانِي ان يبين بِالدَّلِيلِ من سِيَاق الاية اَوْ غَيره على ان المُرَاد بِهِ الصفحوالاعتراض الثَّالِث ان يدعى اجمال الاية اما فِي الشَّرْع واما فِي اللُّغَةفاما فِي الشَّرْع فَمثل ان يسْتَدلّ الْحَنَفِيّ فِي نِيَّة صَوْم رَمَضَان بقوله تَعَالَى {فَمن شهد مِنْكُم الشَّهْر فليصمه} وَهَذَا قد صَامَ(1/42)فَيَقُول الشَّافِعِي هَذَا مُجمل لَان المُرَاد صَوْم شَرْعِي وَنحن لَا نسلم ان هَذَا صَوْم شَرْعِيوَالْجَوَاب عَنهُ ان يبين ان الْخطاب بلغَة الْعَرَب ويسلك طَريقَة من يَقُول لَيْسَ فِي الاسماء شَيْء مَنْقُول وَالصَّوْم فِي اللُّغَة هُوَ الامساك فَوَجَبَ ان يجزىء كل امساك الا مَا خصّه الدَّلِيلواما فِي اللُّغَة فَهُوَ مثل ان يسْتَدلّ الشَّافِعِي فِي ان الاحرام بِالْحَجِّ لَا يَصح فِي غير اشهره بقوله تَعَالَى {الْحَج أشهر مَعْلُومَات فَمن فرض فِيهِنَّ الْحَج فَلَا رفث وَلَا فسوق}فَيَقُول الْمُخَالف هَذَا مُجمل لَان الْحَج لَيْسَ باشهر فَلَا بُد فِي معرفَة المُرَاد مِنْهُ من اضمار وَيجوز ان يكون مَعْنَاهُ وَقت احرام الْحَج اشهر مَعْلُومَات وَيجوز ان يكون مَعْنَاهُ وَقت افعال الْحَج اشهر مَعْلُومَات فَوَجَبَ التَّوَقُّف فِيهِوَالْجَوَاب ان يبين بِالدَّلِيلِ ان المُرَاد بِهِ وَقت احرام الْحَج لَان الافعال لَا تفْتَقر الى اشهر ولانه قَالَ {فَمن فرض فِيهِنَّ الْحَج فَلَا رفث} وَالْفَرْض هُوَ الاحراموالاعتراض الرَّابِع الْمُشَاركَة فِي الدَّلِيلكاستدلال الشَّافِعِي فِي النِّكَاح بِغَيْر ولي بقوله تَعَالَى {فَلَا تعضلوهن أَن ينكحن أَزوَاجهنَّ}(1/43)فَلَو لم يكن تَزْوِيجهَا اليه لما صَحَّ العضلفَيَقُول الْحَنَفِيّ هَذَا حجَّة لنا لانه قَالَ {أَن ينكحن} فاضاف النِّكَاح اليهن فَدلَّ على ان لَهُنَّ ان يعقدنوَالْجَوَاب ان يسْقط دَلِيل السَّائِل ليسلم لَهُ مَا تعلق بِهِوالاعتراض الْخَامِس اخْتِلَاف الْقِرَاءَةوَذَلِكَ مثل ان يسْتَدلّ الشَّافِعِي فِي ايجاب الْوضُوء من اللَّمْس بقوله تَعَالَى {أَو لامستم النِّسَاء فَلم تَجدوا مَاء فَتَيَمَّمُوا}فَيَقُول الْمُخَالف قد قرىء {أَو لامستم} وَهَذَا يَقْتَضِي الْجِمَاعوَالْجَوَاب ان يَقُول القراءتان كالايتين فيستعملهماوالاعتراض السَّادِس النّسخ وَهُوَ من ثَلَاثَة اوجهاحدها ان يفصل النّسخ صَرِيحًا كاستدلال الشَّافِعِي فِي ايجاب الْفِدْيَة على الْحَامِل بقوله تَعَالَى {وعَلى الَّذين يطيقُونَهُ فديَة}(1/44)فَيَقُول الْحَنَفِيّ قد قَالَ سَلمَة بن الاكوع انها مَنْسُوخَة بقوله تَعَالَى {فَمن شهد مِنْكُم الشَّهْر فليصمه}وَالْجَوَاب ان يبين انها نسخت الا فِي الْحَامِل والمرضعوَالثَّانِي ان يدعى نسخهَا بِآيَة مُتَأَخِّرَة مثل ان يسْتَدلّ الشَّافِعِي فِي الْمَنّ وَالْفِدَاء بقوله تَعَالَى {فإمَّا منا بعد وَإِمَّا فدَاء}فَيَقُول الْحَنَفِيّ قد نسخ بقوله تَعَالَى {فَاقْتُلُوا الْمُشْركين} لانها مُتَأَخِّرَةوَالْجَوَاب ان يجمع بَين الايتين فيستعمل كل وَاحِدَة فِي مَوضِع واذا امكن الْجمع لم يجز دَعْوَى النّسخوَالثَّالِث ان يدعى نسخهَا بِأَن ذَلِك شرع من قبلنَا كاستدلال الشَّافِعِي فِي وجوب الْقصاص فِي الطّرف بَين الرجل وَالْمَرْأَة بقوله تَعَالَى {والجروح قصاص}(1/45)// أخرجه البُخَارِيّ فِي الريات وَغَيرهفَيَقُول الْحَنَفِيّ هَذَا اخبار عَن شرع من قبلنَا وَقد نسخ ذَلِك بشرعنافَالْجَوَاب ان شرع من قبلنَا شرع لنا اَوْ يدل على ان ذَلِك شرع لنا ايضا لَان النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ فِي امْرَأَة قلعت سنّ امْرَأَة كتاب الله الْقصاص واراد بِهِ هَذِه الايةوالاعتراض السَّابِع التَّأْوِيل وَذَلِكَ ضَرْبَانتَأْوِيل الظَّاهِر كاستدلال الشَّافِعِي فِي ايجاب الابتاء بقوله تَعَالَى {فكاتبوهم إِن علمْتُم فيهم خيرا وَآتُوهُمْ من مَال الله الَّذِي آتَاكُم} فيحمله الْحَنَفِيّ على الِاسْتِحْبَاب بِدَلِيلوَالثَّانِي تَخْصِيص الْعُمُوم كاستدلال الشَّافِعِي فِي قتل شُيُوخ الْمُشْركين بقوله تَعَالَى {فَاقْتُلُوا الْمُشْركين} فيخصصها الْحَنَفِيّ فِي الشُّيُوخ بِدَلِيل(1/46)وَالْجَوَاب ان يتَكَلَّم على الدَّلِيل الَّذِي تَأَول بِهِ اَوْ خص بِهِ ليسلم لَهُ الظَّاهِر والعموموالاعتراض الثَّامِن الْمُعَارضَة وَهُوَ ضَرْبَان مُعَارضَة بالنطق ومعارضة بِالْعِلَّةِفالمعارضة بالنطق مثل ان يسْتَدلّ الشَّافِعِي فِي تَحْرِيم شعر الْميتَة بقوله تَعَالَى {حرمت عَلَيْكُم الْميتَة}فيعارضه الْحَنَفِيّ بقوله تَعَالَى {وَمن أصوافها وأوبارها وَأَشْعَارهَا أثاثا ومتاعا إِلَى حِين}الْجَواب عَنهُ من وَجْهَيْناحدهما ان يتَكَلَّم على الْمُعَارضَة بِمَا يعْتَرض بِهِاَوْ يسْتَدلّ بِهِ ابْتِدَاء ويرجح دَلِيله على الْمُعَارضَة وان كَانَت الْمُعَارضَة بعلة تكلم عَلَيْهَا بِمَا تكلم على الْعِلَل ليسلم دَلِيله(1/47)- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - بَاب الْكَلَام على الِاسْتِدْلَال بِالسنةِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -وَذَلِكَ من ثَلَاثَة اوجهاحدها الرَّدوَالثَّانِي الْكَلَام على الاسنادوَالثَّالِث الْكَلَام على الْمَتْنفاما الرَّد فَمن وُجُوهاحدها رد الرافضة وَذَلِكَ ردهم اخبارنا فِي الْمسْح عل الْخُفَّيْنِ وايجاب غسل الرجلَيْن قَالُوا هَذِه اخبار احاد وَنحن لَا نقُول بِهِفَالْجَوَاب من ثَلَاثَة اوجهاحدها ان يَقُول اخبار الاحاد اصل من اصول الدّين فان لم يسلمُوا نقلنا الْكَلَام اليهوَالثَّانِي ان يُقَال ان هَذَا تَوَاتر من طَرِيق الْمَعْنى فان الْجَمِيع مُتَّفق على الدّلَالَة على الْمسْح على الْخُف وايجاب غسل الرجلَيْن وان كَانَ فِي كل(1/48)قصَّة مِنْهَا خبر الْوَاحِد فَوَقع الْعلم بهَا كالاخبار عَن شجاعة عَليّ وسخاء حَاتِموَالثَّالِث ان يناقضوا فِيمَا خالفونا فِيهِ فانهم اثبتوها باخبار الاحادوَالثَّانِي رد اصحاب ابي حنيفَة فِيمَا يعم بِهِ الْبلوى كردهم خبرنَا فِي مس الذّكر قَالُوا مَا يعم بِهِ الْبلوى لَا يقبل فِيهِ خبر الْوَاحِدوَالْجَوَاب ان عندنَا يقبل فان لم يسلمُوا دللنا عَلَيْهِ ولانهم عمِلُوا بِهِ فِي الْمَنْع من بيع دور مَكَّة وايجاب الْوتر(1/49)وَالْمَشْي خلف الْجِنَازَةوَالثَّالِث رد اصحاب مَالك فِيمَا خَالف الْقيَاس كردهم خبرنَا فِي طَهَارَة جُلُود الْميتَة فانه مُخَالف للْقِيَاس فَلَا يقبلوَالْجَوَاب ان خبر الْوَاحِد عندنَا مقدم على الْقيَاس فان لم يسلمُوا دللنا عَلَيْهِ اَوْ تناقضوا بِمَا قبلوا فِيهِ خبر الْوَاحِد وقدموه على الْقيَاسوَالرَّابِع رد اصحاب ابي حنيفَة فِيمَا خَالف قِيَاس الاصول كردهم خبرنَا فِي الْمُصراة والقرعة(1/50)وَغَيرهمَافَالْجَوَاب ان قِيَاس الاصول هُوَ الْقيَاس على مَا ثَبت بالاصول وَقد بَينا الْجَواب عَنهُ ولانهم ناقضوا فعملوا بِخَبَر الْوَاحِد فِي نَبِيذ التَّمْر وقهقهة الْمُصَلِّي واكل النَّاسِي فِي الصَّوْموَالْخَامِس رد اصحاب ابي حنيفَة فِيمَا يُوجب زِيَادَة فِي نَص الْقُرْآن وان ذَلِك نسخ كخبرنا فِي ايجاب التَّغْرِيب فَقَالُوا هَذَا يُوجب زِيَادَة فِي نَص الْقُرْآن وَذَلِكَ نسخ وَلَا يقبل فِيهِ خبر الْوَاحِد(1/51)وَالْجَوَاب ان ذَلِك لَيْسَ بنسخ عندنَا لَان النّسخ هُوَ الرّفْع والازالة وَنحن لم نرفع مَا فِي الاية ولانهم ناقضوا فزادوا النَّبِيذ فِي اية التَّيَمُّم بِخَبَر الْوَاحِدواما الاسناد فَالْكَلَام فييه من وَجْهَيْناحدهما الْمُطَالبَة باثباته فَهَذَا يكون فِي الاخبار الَّتِي لم توقف فِي السّنَن وَلم تسمع الا من الْمُخَالفين كاستدلال الْحَنَفِيّ فِي صَدَقَة الْبَقر بِأَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَفِي اربعين مُسِنَّة وَفِيمَا زَاد فبحسابهوَالْجَوَاب ان يبين اسناده أَو يحيله الى كتاب مُعْتَمدوَالثَّانِي الْقدح فِي الاسناد وَهُوَ من ثَلَاثَة اوجهاحدها ان يذكر فِي الرَّاوِي سَببا يُوجب الرَّد مثل ان يَقُول انه كَذَّاب اَوْ مُبْتَدع اَوْ مُغفلفَالْجَوَاب ان يبين للْحَدِيث طَرِيقا اخروَالثَّانِي ان يذكر انه مَجْهُولفَالْجَوَاب ان يبين للْحَدِيث طَرِيقا اخر اَوْ يزِيل جهالته بِرِوَايَة(1/52)الثِّقَات عَنهُ اَوْ ثَنَاء اصحاب الحَدِيث عَلَيْهِوَالثَّالِث ان يذكر انه مُرْسلفَالْجَوَاب ان يبين انه مُسْند اَوْ يَقُول الْمُرْسل كالمسند ان كَانَ مِمَّن يعْتَقد قبُول الْمَرَاسِيلواضاف اصحاب ابي حنيفَة الى هَذَا وُجُوهًا اخرمِنْهَا ان يَقُول السّلف ردُّوهُ كَمَا قَالُوا فِي حَدِيث الْقسَامَة ان عَمْرو بن شُعَيْب قَالَ وَالله مَا كَانَ الحَدِيث كَمَا حدث سهل // أخرجه البُخَارِيّفَالْجَوَاب انه اذا كَانَ الرَّاوِي ثِقَة لم يرد حَدِيثه بانكار غَيره لَان الْمُنكر يَنْفِي والراوي يثبت والاثبات مقدم على النَّفْي لَان مَعَ الْمُثبت زِيَادَة علموَمِنْهَا ان يَقُول الرَّاوِي انكر الحَدِيث كَمَا قَالُوا فِي قَوْله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم(1/53)ايما امْرَأَة نكحت بِغَيْر اذن وَليهَا فنكاحها بَاطِل رَاوِيه الزُّهْرِيّ وَقد قَالَ لَا اعرفهفَالْجَوَاب ان انكار الرَّاوِي لَا يقْدَح فِي الحَدِيث لجَوَاز ان يكون نَسيَهوَمِنْهَا ان يَقُول رَاوِيه لم يعْمل بِهِ كَمَا قَالُوا فِي حَدِيث الْغسْل من ولوغ الْكَلْب سبعا ان رَاوِيه ابو هُرَيْرَة وَقد افتى بِثَلَاث مَرَّات // كَمَا أخرجه الطَّحَاوِيّ(1/54)فَالْجَوَاب ان الرَّاوِي يجوز ان يكون قد نسي فِي حَال الْفتيا اَوْ أَخطَأ فِي تَأْوِيله فَلَا يتْرك سنة ثَابِتَة بِتَرْكِهِوَمِنْهَا ان يَقُول هَذِه الزِّيَادَة لم تنقل نقل الاصل كَمَا قَالُوا فِي قَوْله عَلَيْهِ السَّلَام فِيمَا سقت السَّمَاء الْعشْر وَفِيمَا سقِِي بنضح اَوْ غرب نصف الْعشْر اذا بلغ خَمْسَة اوسقفَقَالُوا هَذَا الحَدِيث رَوَاهُ جمَاعَة فَلم يذكرُوا الا وسْقا فَدلَّ على انه لَا اصل لَهَاوَالْجَوَاب انه يجوز ان يكون قد ذكر هَذِه الزِّيَادَة فِي وَقت لم يحضر الْجَمَاعَة اَوْ كَانَ هُوَ اقْربْ اليه سمع الزِّيَادَة وَلم يسمعوا فَلم يجز رد خبر الثِّقَةواما الْمَتْن فَهُوَ ثَلَاثَة قَول وَفعل واقرارفاما القَوْل فضربان مُبْتَدأ وخارج على السَّبَب(1/55)فالمبتدأ كالكتاب يتَوَجَّه عَلَيْهِ مَا يتَوَجَّه على الْكتاب وَقد بَيناهُ الا اني أُعِيد القَوْل فِي السّنة لانه اوضح امثلة وَرُبمَا اتّفق فِيهِ زِيَادَة لم تذكر فِي الْكتابوالاعتراض على الْمَتْن من ثَمَانِيَة اوجهاحدها ان يسْتَدلّ بِمَا لَا يَقُول بِهِ وَذَلِكَ من ثَلَاثَة اوجهفَمِنْهَا ان يسْتَدلّ بِحَدِيث وَهُوَ مِمَّن لَا يقبل مثل ذَلِك الحَدِيث كاستدلالهم بِخَبَر الْوَاحِد فِيمَا يعم بِهِ البلوة اَوْ فِيمَا يُخَالِفهُ الْقيَاس وَمَا اشبه ذَلِك مِمَّا لَا يقل فِيهِ بِخَبَر الْوَاحِدوَالْجَوَاب ان يَقُول ان كنت انا لَا اقول بِهِ الا انك تَقول بِهِ وَهُوَ حجَّة عنْدك فلزمك الْعَمَل بِهِوَالثَّانِي ان يسْتَدلّ فِيهِ بطرِيق لَا يَقُول بِهِ مثل ان يسْتَدلّ بِدَلِيل الْخطاب وَهُوَ لَا يَقُول بِهِ كاستدلاله فِي ابطال خِيَار الْمجْلس بِمَا رُوِيَ ان النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم نهى عَن بيع الطَّعَام حَتَّى يقبض فَدلَّ على انه // أخرجه البُخَارِيّ فِي صَحِيحه وَمُسلم غَيرهم(1/56)اذا قبض جَازَ بَيْعه وان كَانَ فِي الْمجْلسفَيُقَال لَهُ هَذَا اسْتِدْلَال بِدَلِيل الْخطاب وانت لَا تَقول بِهِوَالْجَوَاب ان يَقُول هَذِه طَريقَة لبَعض اصحابنا وانا مِمَّن اقول بِهِ اَوْ ان يَقُول ان هَذَا بِلَفْظ الْغَايَة وانا اقول بِهِ فِيمَا علق الحكم فِيهِ على الْغَايَةوَالثَّالِث ان لَا يَقُول بِهِ فِي الْموضع الَّذِي ورد فِيهِ كاستدلالهم على ان الْحر يقتل بِالْعَبدِ بقوله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم من قتل عَبده قَتَلْنَاهُ // أخرجه سعيد بن مَنْصُور فِي سنَنه وَأخرجه الإِمَام أَحْمد فِي الْمسند وَغَيرهمفَيُقَال مَا تنَاوله الْخَبَر لَا نقُول بِهِ فَإِنَّهُ لَا خلاف انه لَا يقتل بِعَبْدِهِوَقد تكلّف بَعضهم الْجَواب عَنهُ بِأَنَّهُ لما وَجب الْقَتْل على الْحر بقتل عَبده دلّ على انه يقتل بِعَبْد غَيره اولا ثمَّ دلّ الدَّلِيل على انه لَا يقتل بِعَبْدِهِ فَبَقيَ قَتله بِعَبْد غَيره على مَا اقْتَضَاهُوالاعتراض الثَّانِي ان يَقُول بِمُوجبِه وَذَلِكَ على وَجْهَيْناحدهما ان يحْتَج الْمُسْتَدلّ باحد الوضعين فَيَقُول السَّائِل بِمُوجبِه(1/57)بِالْحملِ على الْوَضع الآخر مثل ان يسْتَدلّ الشَّافِعِي فِي نِكَاح الْمحرم بقوله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم لَا ينْكح الْمحرم وَلَا ينْكح // اخرجه الإِمَام مَالك فِي الْمُوَطَّأ وَغَيرهفَيَقُول الْحَنَفِيّ النِّكَاح فِي اللُّغَة هُوَ الْوَطْء فَكَأَنَّهُ قَالَ لَا يطَأ الْمحرموَالْجَوَاب من وَجْهَيْناحدهما ان يَقُول النِّكَاح فِي عرف الشَّرْع هُوَ العقد وَفِي عرف اللُّغَة هُوَ وَطْء وَاللَّفْظ اذا كَانَ لَهُ عرفان عرف فِي اللُّغَة وَعرف فِي الشَّرْع حمل على عرف الشَّرْع وَلَا يحمل على عرف اللُّغَة الا بِدَلِيلوَالثَّانِي ان يبين بِالدَّلِيلِ من سِيَاق الْخَبَر اَوْ غَيره ان المُرَاد بِهِ العقدوَالضَّرْب الثَّانِي ان يَقُول بِمُوجبِه فِي الْموضع الَّذِي احْتج بِهِ كاستدلال أَصْحَابنَا فِي خِيَار الْمجْلس بقوله عَلَيْهِ السَّلَام الْمُتَبَايعَانِ بِالْخِيَارِ مَا لم يَتَفَرَّقَا // أخرجه البُخَارِيّ فِي كتاب الْبيُوع وَمُسلم فِي كتاب الْبيُوع وَغَيرهمفَيَقُول الْمُخَالف الْمُتَبَايعَانِ هما المتشاغلان بِالْبيعِ قبل الْفَرَاغ وهما بِالْخِيَارِ عِنْدِي(1/58)وَالْجَوَاب من وَجْهَيْناحدهما ان يبين ان اللَّفْظ فِي اللُّغَة حَقِيقَة فِيمَا ادَّعَاهُوَالثَّانِي ان يبين بِالدَّلِيلِ من سِيَاق الْخَبَر اَوْ غَيره ان المُرَاد بِهِ مَا قَالَهوالاعتراض الثَّالِث ان يَدعِي الاجمال اما فِي الشَّرْع اَوْ فِي اللُّغَةفاما فِي الشَّرْع فَهُوَ مثل ان يحْتَج الْحَنَفِيّ فِي جَوَاز الصَّلَاة بِغَيْر اعْتِدَال بقوله صلوا خمسكم وَهَذَا قد صلي // أخرجه أَحْمد فِي الْمسندفَيَقُول الشَّافِعِي هَذَا مُجمل لَان المُرَاد بِالصَّلَاةِ هُوَ الصَّلَاة الشَّرْعِيَّة وَذَلِكَ لَا يعلم من لَفظه بل يفْتَقر فِي مَعْرفَته الى غَيره فَلم يحْتَج بِهِ الا بِدَلِيل على ان ذَلِك صَلَاةوَالْجَوَاب ان يسْلك طَريقَة من يَقُول ان الْخطاب بلغت الْعَرَب وَالصَّلَاة فِي اللُّغَة هِيَ الدُّعَاء فَوَجَبَ انه اذا فعل مَا يُسمى صَلَاة فِي اللُّغَة يكون ممتثلاواما الْمُجْمل فِي اللُّغَة فَمثل ان يسْتَدلّ الْحَنَفِيّ فِي تضمين الرَّهْن بقوله(1/59)صلى الله عَلَيْهِ وَسلم الرَّهْن بِمَا فِيهِفَيَقُول لَهُ الشَّافِعِي هَذَا مُجمل لِأَنَّهُ يفْتَقر الى تَقْدِير مضمن فَيحْتَمل ان يكون مَعْنَاهُ الرَّهْن مَضْمُون بِمَا فِيهِ وَيحْتَمل ان يكون مَعْنَاهُ مَحْبُوس بِمَا فِيهِ فَوَجَبَ ان يتَوَقَّف فِيهِوَالْجَوَاب ان يدل على ان المُرَاد بِهِ مَا ذَكرُوهُ اما من جِهَة الْوَضع اَوْ من جِهَة الدَّلِيلوالاعتراض الرَّابِع الْمُشَاركَة فِي الدَّلِيل وَذَلِكَ مثل ان يسْتَدلّ الْحَنَفِيّ فِي مَسْأَلَة الساجة بقوله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم لَا ضَرَر وَلَا ضرار فِي نقض // أخرجه الإِمَام أَحْمد وَغَيره دَار الْغَاصِب ورد الساجة اضرار فَوَجَبَ ان لَا يجوزفَيَقُول الشَّافِعِي هَذَا حجَّة لنا لَان فِيهِ اسقاط حق الْمَالِك من عين مَاله والإحالة على ذمَّة الْغَاصِب اضرارا بِهِ فَوَجَبَ ان لَا يجوز ذَلِكوَالْجَوَاب ان يبين الْمُسْتَدلّ انه لَا اضرار على الْمَالِك فَإِنَّهُ يدْفع اليه(1/60)الْقيمَة فيزول عَنهُ الضَّرَروالاعتراض الْخَامِس باخْتلَاف الرِّوَايَةمثل ان يسْتَدلّ الشَّافِعِي فِي جَوَاز الْعَفو عَن الْقصاص من غير رضَا الْجَانِي بقوله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَمن قتل بعد ذَلِك فاهله بَين خيرتين ان // أخرجه الإِمَام أَحْمد فِي الْمسند وَالْبُخَارِيّ فِي الدِّيات وَغَيرهم احبوا قتلوا وان احبوا اخذوا الْعقلفَيَقُول الْمُخَالف قد رُوِيَ ان احبوا فادوا والمناداة مفاعلة وَلَا يكون // أخرجه النَّسَائِيّ ذَلِك بِالتَّرَاضِي وَالْخَبَر خبر وَاحِد فَيجب التَّوَقُّف فِيهِ حَتَّى يعلم اصل الحَدِيثالْجَواب انه قد رُوِيَ الْجَمِيع وَالظَّاهِر مِنْهُمَا الصِّحَّة فِيهِ فَيصير كالخبرين فَيجمع بَينهمَا فَنَقُول يجوز بِالتَّرَاضِي وَبِغير التَّرَاضِي وهم لَا يَقُولُونَ بِمَا روينَاهُالِاعْتِرَاض السَّادِس النّسخ وَذَلِكَ من وُجُوهاحدها ان ينْقل نُسْخَة صَرِيحًا(1/61)وَالثَّانِي ان ينْقل مَا يُنَافِيهِ مُتَأَخِّرًا فيدعي نسخه بِهِوَالثَّالِث ان ينْقل عَن الصَّحَابَة الْعَمَل بِخِلَافِهِ ليدل على نسخهوَالرَّابِع ان يَدعِي نسخه بِأَنَّهُ شرع من قبلنَا وانه نسخه شرعنافَأَما النّسخ بالتصريح فَهُوَ ان يسْتَدلّ اصحابنا فِي طَهَارَة جُلُود الْميتَة بالدباغ بقوله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم ايما اهاب دبغ فقد طهر // أخرجه الإِمَام أَحْمد وَغَيرهفَيَقُول الْحَنَفِيّ هَذَا مَنْسُوخ بقوله عَلَيْهِ السَّلَام كنت رخصت لكم فِي جُلُود الْميتَة فاذا اتاكم كتابي هَذَا فَلَا تنتفعوا من الْميتَة باهاب وَلَا عصب // أخرجه أَبُو دَاوُد وَغَيره فَهَذَا صَرِيح فِي نسخ كل خبر ورد فِي طَهَارَة الْجلد بالدباغوَالْجَوَاب ان يبين ان هَذَا لم يتَنَاوَل خبرنَا وانما ورد هَذَا فِي جُلُود الْميتَة قبل الدّباغ لَان الاهاب اسْم للجلد قبل الدّباغ فاما بعد الدّباغ فَلَا يُسمى اهابا وانما يُسمى جلدا واديما وافيقاواما النّسخ بِنَقْل الْمُتَأَخر مثل ان يسْتَدلّ الظَّاهِرِيّ فِي جلد الثّيّب مَعَ(1/62)الرَّجْم بقوله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم خُذُوا عني خُذُوا عني قد جعل الله // أخرجه الإِمَام أَحْمد فِي الْمسند وَغَيره هن سَبِيلا الْبكر بالبكر جلد مائَة وتغريب عَام وَالثَّيِّب بِالثَّيِّبِ جلد مائَة وَالرَّجمفَيَقُول الشَّافِعِي هَذَا مَنْسُوخ بِمَا رُوِيَ ان النَّبِي عَلَيْهِ السَّلَام رجم ماعزا وَلم يجلده وَهَذَا مُتَأَخّر عَن خبركم لَان خبركم ورد فِي اول مَا شرع الْجلد وَالرَّجموَالْجَوَاب ان يتَكَلَّم على النَّاسِخ بِمَا يسْقطهُ ليبقى لَهُ الحَدِيثواما النّسخ بِعَمَل الصَّحَابَة بِخِلَافِهِ فَمثل اسْتِدْلَال الْحَنَفِيّ فِي اسْتِئْنَاف الْفَرِيضَة بقوله عَلَيْهِ السَّلَام فاذا زَادَت الابل على عشْرين وَمِائَة استؤنفت الْفَرِيضَة فِي كل خمس شِيَاه فَيَقُول الشَّافِعِي هَذَا الحَدِيث // أخرجه الطَّحَاوِيّ فِي شرح الْآثَار وَغَيره(1/63)مَنْسُوخ لَان ابا بكر وَعمر رَضِي الله عَنْهُمَا لم يعملا بِهِ وَلم لم يعلمَا نسخه لعملا بِهِوَالْجَوَاب ان يتَكَلَّم على عمل الصَّحَابَة بِمَا يسْقطهُ ليبقى لَهُ الْخَبَرواما النّسخ لانه شرع من قبلنَا فَمثل اسْتِدْلَال الشَّافِعِي رَحمَه الله فِي رجم الذِّمِّيّ بَان النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم رجم يهوديين زَنَيَافَيَقُول الْمُخَالف انما رجمهما بِحكم التَّوْرَاة فَإِنَّهُ امْر بإحضارهما ثمَّ عمل بذلك وشرعنا قد نسخ ذَلِكوَالْجَوَاب ان شرع من قبلنَا شرع لنا مَا لم نعلم نسخه وَلِأَن النَّبِي(1/64)صلى الله عَلَيْهِ وَسلم عمل بِهِ فَدلَّ على انه شرع لناوَألْحق اصحاب ابي حنيفَة بذلك وَجها اخر وَهُوَ النّسخ بِزَوَال الْعلَّة وَذَلِكَ مثل ان يسْتَدلّ اصحابنا فِي تَخْلِيل الْخمر بَان النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم نهى ابا طَلْحَة عَن تخليلها // أخرجه البُخَارِيّ وَغَيرهفَقَالُوا هَذَا كَانَ اول مَا حرم الْخمر والفوا شربهَا ينْهَى عَن تخليلها تَغْلِيظًا وتشديدا وَقد زَالَ هَذَا الْمَعْنى فَزَالَ الحكموَالْجَوَاب ان يبين ان ذَلِك لم يكن لهَذِهِ الْعلَّة بل كَانَ ذَلِك بَيَانا لحكم الْخَبَر كايجاب الْحَد وَتَحْرِيم الشّرْب وَالْمَنْع من البيع وَغير ذَلِكوعَلى ان لَو سلمنَا انه حرم لهَذِهِ الْعلَّة الا انه حرمهَا بقول مُطلق يَقْتَضِي تَحْرِيمه فِي الازمان كلهَا وَلَا يجوز نسخه بِزَوَال الْعلَّة كَمَا انه شرع الرمل والاضطباع فِي الْحَج لاظهار الْجلد للْكفَّار وَقد زَالَ هَذَا الْمَعْنى وَالْحكم بَاقٍوالاعتراض السَّابِع التَّأْوِيل وَذَلِكَ ضَرْبَان(1/65)تَأْوِيل الظَّاهِر كاستدلال الْمَنْفِيّ فِي ايجاب غسل الثَّوْب من الْمَنِيّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم ان كَانَ رطبا فاغسليه وان كَانَ يَابسا فحكيه فيحمله الشَّافِعِي على الِاسْتِحْبَاب بِدَلِيلوَتَخْصِيص الْعُمُوم مثل ان يسْتَدلّ الشَّافِعِي فِي قتل الْمُرْتَدَّة بقوله عَلَيْهِ السَّلَام من بدل دينه فَاقْتُلُوهُ فيخصه الْحَنَفِيّ بِدَلِيل // أخرجه الإِمَام أَحْمد فِي الْمسند وَغَيرهوَالْجَوَاب ان يتَكَلَّم على الدَّلِيل الَّذِي تاول بِهِ اَوْ خص بِهِ ليسلم لَهُ الظَّاهِر والعموموالاعتراض الثَّامِن الْمُعَارضَة وَهِي ضَرْبَان مُعَارضَة بالنطق ومعارضة بِالْعِلَّةِ(1/66)فالمعارضة بالنطق مثل ان يسْتَدلّ الشَّافِعِي فِي جَوَاز فعل مَا لَهَا سَبَب فِي اوقات النَّهْي بقوله عَلَيْهِ السَّلَاممن نَام عَن صَلَاة اونسيها فليصلها اذا ذكرهَافيعارضه الْحَنَفِيّ بنهيه عَن الصَّلَاة فِي هَذِه الاوقات // أخرجه الإِمَام أَحْمد وَغَيرهوَالْجَوَاب من وَجْهَيْناحدهما ان يسْقط الْمُعَارضَة بِمَا ذَكرْنَاهُ من وُجُوه الِاعْتِرَاضوَالثَّانِي ان يرجح دَلِيل على مُعَارضَة بِمَا نذكرهُ من وُجُوه الترجيحات(1/67)واما الْخَارِج على سَبَب فضرباناحدهما ان يكون اللَّفْظ مُسْتقِلّا بِنَفسِهِ دون السَّبَب وَالْكَلَام عَلَيْهِ كَالْكَلَامِ على السّنة المبتدأةوَزَاد اصحاب مَالك فِي الِاعْتِرَاض عَلَيْهَا ان قَالُوا ان هَذَا ورد على سَبَب فَوَجَبَ ان يقْتَصر عَلَيْهِوَذَلِكَ مثل استدلالنا فِي ايجاب التَّرْتِيب فِي الْوضُوء بقوله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم ابدأوا بِمَا بَدَأَ الله بِهِ فَقَالُوا هَذَا ورد فِي السَّعْي // اخرجه الإِمَام أَحْمد فِي الْمسند وَغَيره(1/68)فَوَجَبَ ان يقْتَصر عَلَيْهِوَالْجَوَاب ان اللَّفْظ اذا اسْتَقل بِنَفسِهِ حمل عندنَا على عُمُومه فان لم يسلم دللنا عَلَيْهِوَالضَّرْب الثَّانِي مَا لَا يسْتَقلّ بِنَفسِهِ دون السَّبَبوَالَّذِي يَخُصُّهُ من الِاعْتِرَاض دَعْوَى الاجمال وَذَلِكَ مثل ان يسْتَدلّ الشَّافِعِي فِي مَسْأَلَة مد عَجْوَة بِمَا رُوِيَ ان رجلا اتى النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَمَعَهُ قلادة وفيهَا خرز وَذهب فَقَالَ ابتعت هَذِه بِتِسْعَة دَنَانِير فَقَالَ لَا حَتَّى تميز // أخرجه مُسلم وَغَيره وَهَذَا حَدِيث حسن صَحِيح فَيَقُول الْمُخَالف هَذَا مُجمل لانه قَضِيَّة فِي عين فَيحْتَمل ان يكون الثّمن مثل الذَّهَب الَّذِي فِي القلادة فَنهى لذَلِك وَيحْتَمل ان يكون اكثر لما ذكرْتُمْ فَوَجَبَ التَّوَقُّف حَتَّى يعلموَالْجَوَاب عَنهُ من اربعة اوجهاحدها ان يُقَال هَذِه زِيَادَة فِي السَّبَب الْمَنْقُول وَالْحكم اذا نقل مَعَ(1/69)سَبَب لم تجز الزِّيَادَة فِي السَّبَب الا بِدَلِيل وَالَّذِي نقل من السَّبَب بيع الخرز وَالذَّهَب بِالذَّهَب وَالْحكم هُوَ النَّهْي فَلم يجز الزِّيَادَة فِي ذَلِكوَالثَّانِي ان يبين ان الظَّاهِر بِمَا ادَّعَاهُ من ان الذَّهَب الَّذِي مَعَ القلادة اقل من الثّمن فان الْغَالِب ان الْعَاقِل لَا يَبِيع خرزا وَسَبْعَة مَثَاقِيل بسبعة دَنَانِيروَالثَّالِث ان يَقُول لَو كَانَ الْمَنْع لما ذكرْتُمْ بِنَقْل اذا لَا يجوز ان ينْقل مَا لَا يتَعَلَّق الحكم بِهِ وَيتْرك مَا يتَعَلَّق الحكم بِهِوَالرَّابِع انه لم يفصل وَلَو كَانَ لما ذَكرُوهُ لفصل وَقَالَ لَا ان كَانَ الذَّهَب مثل الثّمن(1/70)فصل مَا يتَوَجَّه على الْفِعْل من الِاعْتِرَاضواما الْفِعْل فَإِنَّهُ يتَوَجَّه عَلَيْهِ مَا يتَوَجَّه على القَوْل من الِاعْتِرَاضفاول ذَلِك الِاعْتِرَاض بِأَن الْمُسْتَدلّ لَا يَقُول بِهِ وَذَلِكَ مثل ان يسْتَدلّ الْحَنَفِيّ فِي قتل الْمُسلم بالكافر بَان النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قتل مُسلما بِكَافِر وَقَالَ انا احق من وفى بِذِمَّتِهِ // أخرجه الدَّارَقُطْنِيّ والطَّحَاوِي وَغَيرهمفَيَقُول الشَّافِعِي هُنَا لَا تَقول بِهِ فان الَّذِي قَتله بِهِ كَانَ رَسُولا وَعند ابي حنيفَة لَا يقتل الْمُسلم بالرسولوَالْجَوَاب ان يَقُول انه لما قتل الْمُسلم بالرسول دلّ على انه بالذمي اولى ان يقتل ثمَّ نسخ ذَلِك فِي الرَّسُول وَبَقِي فِي الذِّمِّيّ على مَا اقْتَضَاهُوالاعتراض الثَّانِي ان ينازعه فِي مُقْتَضَاهُ وَهَذَا النَّوْع يتَوَجَّه على الْفِعْل(1/71)من طَرِيقيناحدهما ان ينازعه فِيمَا فعلوَالثَّانِي ان ينازعه فِي مُقْتَضى الْفِعْلفاما الاول فَمثل ان يسْتَدلّ الشَّافِعِي فِي تكْرَار مسح الرَّأْس بِمَا روى ان النَّبِي عَلَيْهِ السَّلَام توضا ثَلَاثًا ثَلَاثًا وَقَالَ هَذَا وضوئي ووضوء الانبياء قبلي ووضوء خليلي ابراهيم عَلَيْهِ السَّلَام // أخرجه ابْن مَاجَهفَيَقُول الْحَنَفِيّ قَوْله تَوَضَّأ ثَلَاثًا مَعْنَاهُ غسل لَان الْوضُوء فِي اللُّغَة هُوَ النَّظَافَة وَذَلِكَ انما يحصل بِالْغسْلِ وَلَا يدْخل فِيهِ الْمسْحوَالْجَوَاب عَنهُ من وَجْهَيْناحدهما ان يبين ان الْوضُوء فِي عرف الشَّرْع هُوَ الْغسْل وَالْمسح فِي اللُّغَة عبارَة عَن الْغسْل فَوَجَبَ ان يحمل على عرف الشَّرْعوَالثَّانِي ان يبين بِالدَّلِيلِ من جِهَة السِّيَاق اَوْ غَيره ان المُرَاد بِهِ الْغسْل وَالْمسح(1/72)وَالطَّرِيق الثَّانِي مَا فعله عَلَيْهِ السَّلَام وَلكنه ينازعه فِي مُقْتَضى فعله وَذَلِكَ مثل ان يسْتَدلّ الشَّافِعِي رَحمَه الله فِي وجوب الِاعْتِدَال فِي الرُّكُوع وَالسُّجُود بَان النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فعل ذَلِك // أخرجه البُخَارِيّ وَمُسلم غَيرهمفَيَقُول الْمُخَالف فعله لَا يَقْتَضِي الْوُجُوبوَالْجَوَاب عَنهُ من ثَلَاثَة اوجهاحدها ان يَقُول فعله عِنْدِي يَقْتَضِي الْوُجُوب وان لم تسلم دللت عَلَيْهِوَالثَّانِي ان يَقُول هَذَا بَيَان لمجمل وَاجِب فِي الْقُرْآن وَبَيَان الْوَاجِب وَاجِبوَالثَّالِث ان يَقُول قد اقْترن بِهِ امْر وَهُوَ قَوْله عَلَيْهِ السَّلَام صلوا كَمَا رَأَيْتُمُونِي اصلي والامر يَقْتَضِي الْوُجُوب // أخرجه الشَّافِعِيوالاعتراض الثَّالِث دَعْوَى الاجمال وَهُوَ مثل ان يسْتَدلّ الشَّافِعِي(1/73)فِي طَهَارَة الْمَنِيّ لَان عَائِشَة رَضِي الله عَنْهَا قَالَت افرك الْمَنِيّ من ثوب رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَهُوَ يُصَلِّي وَلَو كَانَ نجسا لقطع الصَّلَاة // أخرجه البُخَارِيّ وَغَيرهفَيَقُول الْحَنَفِيّ هَذَا مُجمل لانه قَضِيَّة فِي عين فَيحْتَمل انه كَانَ قَلِيلا وَيحْتَمل انه كَانَ كثيرا فَوَجَبَ التَّوَقُّف فِيهِوَالْجَوَاب ان يبين بِالدَّلِيلِ انه كَانَ كثيرا لَان عَائِشَة احتجت بِهَذَا الْخَبَر على طَهَارَته فَلَا يجوز ان يحْتَج بِمَا يُعْفَى عَنهُ ولانها اخبرت عَن دوَام الْفِعْل وتكراره وَيبعد مَعَ التّكْرَار ان يكون ذَلِك قَلِيلا مَعَ الْكَثْرَةوالاعتراض الرَّابِع الْمُشَاركَة فِي الدَّلِيل مثل ان يسْتَدلّ الْحَنَفِيّ جَوَاز ترك قسْمَة اراضي المغنومة بَان النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم ترك قسْمَة بعض حنينفَيَقُول الشَّافِعِي هَذِه حجَّة لي لانه قسم بعضه وَفعله يَقْتَضِي الْوُجُوبوَالْجَوَاب ان يتَأَوَّل الْفِعْل ليجمع بَينه وَبَين التّرْك(1/74)والاعتراض الْخَامِس اخْتِلَاف الرِّوَايَة وَذَلِكَ مثل ان يسْتَدلّ الْحَنَفِيّ فِي جَوَاز نِكَاح الْمحرم بَان النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم تزوج مَيْمُونَة وَهُوَ محرم // أخرجه البُخَارِيّ وَمُسلم غَيرهمفَيَقُول الشَّافِعِي رُوِيَ انه تزَوجهَا وهما حلالان // اخرجه مَالك فِي الْمُوَطَّأ وَالْإِمَام أَحْمد فِي الْمسند وَغَيرهموَالْجَوَاب عَن ذَلِك امراناحدهما ان يجمع بَين الرِّوَايَتَيْنِ ان امكنهوَالثَّانِي ان يرجح رِوَايَته على رِوَايَة الْمُخَالفوالاعتراض السَّادِس دَعْوَى النّسخ وَذَلِكَ مثل ان يسْتَدلّ الْحَنَفِيّ فِي سُجُود السَّهْو ان النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم سجد بعد السَّلَام(1/75)فَيَقُول لَهُ الشَّافِعِي هَذَا مَنْسُوخ بِمَا روى الزُّهْرِيّ قَالَ كَانَ اخر الامرين من رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قبل السَّلَاموَالْجَوَاب ان يتَكَلَّم على النَّاسِخ بِمَا يسْقطهُ اَوْ يجمع بَينهمَا بالتأويلوالاعتراض السَّابِع التَّأْوِيل وَهُوَ مثل ان يسْتَدلّ الْحَنَفِيّ بَان النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم تزوج مَيْمُونَة وَهُوَ محرمفَيَقُول الشَّافِعِي يحْتَمل انه اراد محرم بِالْحرم بالأحرام فَيحمل على ذَلِك بِدَلِيلوَالْجَوَاب ان يتَكَلَّم على الدَّلِيل بِمَا يسْقطهُ ليسلم لَهُ الظَّاهِروالاعتراض الثَّامِن الْمُعَارضَة وَذَلِكَ قد يكون بِظَاهِر وَقد يكون بعلةفاما الظَّاهِر فَمثل ان يسْتَدلّ الشَّافِعِي فِي رفع الْيَد حَذْو الْمنْكب بِمَا(1/76)روى ابو حميد السَّاعِدِيّ ان النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم رفع يَدَيْهِ حَذْو مَنْكِبَيْه // أخرجه البُخَارِيّ مُسلمفيعارضه الْحَنَفِيّ بِمَا روى ابْن حجر ان النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم رفع يَدَيْهِ حِيَال اذنيه // أخرجه مُسلم وَغَيرهوَالْجَوَاب ان يتَكَلَّم على الْمُعَارضَة بِمَا ذَكرْنَاهُ من وُجُوه الاعتراضات اَوْ يرجح دَلِيله على مَا عورض بِهِ بِمَا نذكرهُ فِي بَاب الترجيحات ان شَاءَ اللهوان كَانَت الْمُعَارضَة بِالْعِلَّةِ فَالْجَوَاب عَنهُ ان يتَكَلَّم عَلَيْهَا بِمَا يتَكَلَّم على الْعِلَل(1/77)فصل فِي الْإِقْرَارواما الاقرار فضرباناقرار على القَوْل وَهُوَ كَقَوْلِه عَلَيْهِ السَّلَام فِي الِاعْتِرَاض وَالْجَوَابواقرار على الْفِعْل وَهُوَ كَقَوْلِه عَلَيْهِ السَّلَام فِي الِاعْتِرَاض وَالْجَوَاب وَقد بَينا الْجَمِيع(1/78)- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - بَاب الِاعْتِرَاض على الِاسْتِدْلَال بِالْإِجْمَاع - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -وَهُوَ على اربعة اوجهاحدها من جِهَة الرَّد وَهُوَ من ثَلَاثَة اوجهاحدها رد الرافضة فان عِنْدهم الاجماع لَيْسَ بِحجَّة فِي شَيْء من الاحكاموَالْجَوَاب ان يُقَال هَذَا اصل من اصول الدّين فان لم يسلمُوا دللنا عَلَيْهِ ولان عِنْدهم وان لم يكن الاجماع حجَّة الا ان فِيهِ حجَّة لَان فِيهِ قَول الامام الْمَعْصُوم فَوَجَبَ الاخذ بِهِوَالثَّانِي رد اهل الظَّاهِر لاجماع غير الصَّحَابَة(1/79)وَالْجَوَاب ان ذَلِك اصل لنا فان لم يسلمُوا دللنا عَلَيْهِوَالثَّالِث رد اهل الظَّاهِر ايضا فِيمَا ظهر فِيهِ قَول بَعضهم وَسكت الْبَاقُونَ فان عِنْدهم ان ذَلِك لَيْسَ بِحجَّةوَالْجَوَاب ان يُقَال ذَلِك حجَّة فان لم يسلمُوا نقلنا الْكَلَام اليهوالاعتراض الثَّانِي الْمُطَالبَة بتصحيح الاجماع وَذَلِكَ مثل ان يسْتَدلّ الشَّافِعِي فِي تَغْلِيظ الدِّيَة بِالْحرم بَان عمر رَضِي الله عَنهُ وَعُثْمَان وَابْن عَبَّاس رَضِي الله عَنْهُمَا غلظوا الدِّيَة بِالْحرمفَيَقُول الْمُخَالف هَذَا قَول نفر من الصَّحَابَة وَلَيْسَ باجماعوَالْجَوَاب ان يبين ظُهُور ذَلِك بَان يَقُول امْر الْقَتْل مِمَّا يشيع وينتشر ويتحدث بِهِ وينقل الْقَضَاء فِيهِ وَلَا سِيمَا فِي قصَّة عُثْمَان رَضِي الله عَنهُ فانه قضى فِي امراة قتلت فِي زحام الطّواف بتغليظ الدِّيَةوَالطّواف بِحَضْرَة النَّاس من الافاق فَلم يُخَالِفهُ اُحْدُ فَدلَّ على انه(1/80)اجماعوالاعتراض الثَّالِث ان ينْقل الْخلاف عَن بَعضهم مثل ان يسْتَدلّ الْحَنَفِيّ فِي تَوْرِيث المبتوتة بَان عُثْمَان رَضِي الله عَنهُ ورث تماضر بنت الاصبغ الْكَلْبِيَّة من عبد الرَّحْمَن بن عَوْف بعد مابت طَلاقهَا // أخرجه ابْن حجر فِي الإصابهوَيَقُول الشَّافِعِي رَضِي الله عَنهُ رُوِيَ عَن ابْن الزبير انه خَالف فانه قَالَ ورث عُثْمَان تماضر واما انا فَلَا ارى تَوْرِيث المبتوتةوَالْجَوَاب ان يتَكَلَّم على قَول ابْن الزبير بِمَا يسْقط ليسلم لَهُ الاجماعوالاعتراض الرَّابِع ان يتَكَلَّم عَلَيْهِ بِمَا يتَكَلَّم على متن السّنة وَقد بَيناهُ(1/81)- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - بَاب الْكَلَام على قَول الْوَاحِد من الصَّحَابَة - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -والاعتراض عَلَيْهِ من ثَلَاثَة اوجهاحدها ان يَقُول قَول الْوَاحِد من الصَّحَابَة لَيْسَ بِحجَّةوَالْجَوَاب ان يَقُول ان ذَلِك عِنْدِي حجَّة فِي قَوْله الْقَدِيم فان لم يسلم دللت عَلَيْهِوالاعتراض الثَّانِي ان يُعَارضهُ بِنَصّ كتاب اَوْ سنةوَالْجَوَاب عَنهُ ان يتَكَلَّم على ذَلِك بِمَا تكلم بِهِ على الْكتاب وَالسّنة ليبقى لَهُ قَول الصَّحَابِيّوالاعتراض الثَّالِث ان ينْقل الْخلاف عَن غَيره من الصَّحَابَة ليصير الْمَسْأَلَة خلافًا بَين الصَّحَابَةوَالْجَوَاب ان يتَكَلَّم على مَا نقل من الْخلاف بِمَا يسْقط ليسلم لَهُ مَا احْتج بِهِاَوْ يرجح مَا احْتج بِهِ على مَا عَارضه بِهِ(1/82)اما بَان يَقُول الَّذِي رويت عَنْهُم اكثر وَقد قَالَ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم عَلَيْكُم بِالسَّوَادِ الاعظم // أخرجه ابْن مَاجَه فِي كتاب الْفِتَناَوْ يَقُول رويت انا عَن الْخُلَفَاء الرَّاشِدين وَقد قَالَ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم عَلَيْكُم بِسنتي وَسنة الْخُلَفَاء الرَّاشِدين من بعدِي // أخرجه الإِمَام أَحْمد فِي الْمسنداَوْ يَقُول رويت انا عَن ابي بكر وَعمر رَضِي الله عَنْهُمَا وَقد قَالَ عَلَيْهِ السَّلَام اقتدوا باللذين من بعدِي ابي بكر وَعمر(1/83)- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - بَاب الْكَلَام على فحوى الْخطاب - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -والاعتراض على ذَلِك من وُجُوهاحدها ان يُطَالِبهُ بتصحيح الْمَعْنى الَّذِي يَقْتَضِي تَأْكِيد الْفَرْع على الاصل وَهُوَ مثل ان يَقُول الشَّافِعِي فِي ايجاب الْكَفَّارَة فِي الْقَتْل الْعمد الْكَفَّارَة انما وَجَبت لرفع الماثم فاذا وَجَبت فِي قتل الْخَطَأ وَلَا اثم فِيهِ فَفِي قتل الْعمد اولىفَيَقُول الْمُخَالف لَا اسْلَمْ ان الْكَفَّارَة وَجَبت لرفع الماثم لانها لَو كَانَت لرفع الماثم لما وَجَبت فِي قتل الخطا لانه لَا ماثم فِيهِوَالْجَوَاب ان يدل على ذَلِك بَان يَقُول الْكَفَّارَة جعلت للأثم الدَّلِيل عَلَيْهَا انها سميت كَفَّارَة لانها تكفر السَّيئَة وَيدل عَلَيْهِ أَنَّهَا لَا تجب الا فِي قتل محرم فَدلَّ اسْمهَا ووضعها على مَا ذَكرْنَاهُفَأَما ايجابها فِي الْقَتْل الْخَطَأ فَلِأَن الْخَطَأ نَادِر فِي الْجِنْس فَالْحق بالغالب والنادر قد يلْحق بالغالب فِي الحكم وان لم يُسَاوِيه فِي الْعلَّة كالمترفة فِي السّفر يلْحق بالغالب فِي الرُّخص وَإِن لم يساوه فِي الشقة(1/84)وكاليائسة فِي الْعدة الحقت بِسَائِر النِّسَاء وان لم تساوهن فِي الْحَاجة الى اسْتِبْرَاء الرَّحِموالاعتراض الثَّانِي ان يَقُول بِمُوجب التَّأْكِيد وَهُوَ أَن بقول لما كَانَ الْقَتْل الْعمد اغلظ لَا جرم غلظناه بايجاب الْقودوَالْجَوَاب ان يُقَال الْقَتْل وَجب لحق الادمي وَمَا يجب لحق الادمي لَا يقْضِي بِهِ حق الله تَعَالَى كَمَا لَا يقْضِي حَقه فِي شبه الْعمد بِالدِّيَةِ الْمُغَلَّظَةوالاعتراض الثَّالِث الابطال وَهُوَ ان يَقُول يبطل هَذَا بِالرّدَّةِ فَإِنَّهَا اعظم فِي الماثم من قتل الْخَطَأ ثمَّ وَجَبت الْكَفَّارَة فِي قتل الْخَطَأ وَلم تجب فِي الرِّدَّةوَالْجَوَاب ان يَقُول الرِّدَّة لما كَانَت اغلظ من قتل الخطا اوجبنا فِيهِ بِحَق الله تَعَالَى عُقُوبَة وَهِي الْقَتْلوالاعتراض الرَّابِع ان يُطَالِبهُ بِحكم التاكيد وَذَلِكَ مثل ان يَقُول الْحَنَفِيّ فِي ازالة النَّجَاسَة بالخل انه اذا جَازَ بِالْمَاءِ فبالخل اجوز لانه ابلغ فِي الازالةفَيَقُول الشَّافِعِي فَيجب على قَول ذَلِك ان يَقُول ان الْخلّ افضل من المَاء لانه ابلغ وعندك المَاء افضلوَالْجَوَاب ان يَقُول انما كَانَ افضل لَان فِيهِ نصا متأولا فتعلقت بِهِ(1/85)الْفَضِيلَة دون الْخلّوالاعتراض الْخَامِس ان يَجْعَل التَّأْكِيد حجَّة عَلَيْهِ وَهُوَ مثل ان يَقُول الشَّافِعِي فِي اللواط انه اذا وَجب الْحَد فِي الْوَطْء فِي الْقبل وَهُوَ مِمَّا يستباح فلَان يجب فِي اللواط وَهُوَ لَا يستباح اولىفَيَقُول الْمُخَالف هُوَ الْحجَّة فانه لما كَانَ اللواط اغلظ فِي التَّحْرِيم جَازَ ان لَا يَجْعَل مظهر الغلظةوَالْجَوَاب ان يبطل هَذَا بَان يُقَال لَو كَانَ لما ذكرْتُمْ لوَجَبَ ان لَا يُوجب التعزيزوالاعتراض السَّادِس ان يُقَابل التَّأْكِيد بِمَا يسْقطهُ وَهُوَ ان يُقَال ان كَانَ اللواط اشد فِي التَّحْرِيم الا ان الْفساد فِي وَطْء النِّسَاء اعظم لانه يُؤَدِّي الى خلط الانساب وافساد الْفراش فَهُوَ بِالْحَدِّ اولىوَالْجَوَاب عَنهُ ان يبطل عَلَيْهِ الْمُقَابلَة بَان يَقُول لَو صَحَّ هَذَا لوَجَبَ ان لَا يجب الْحَد فِي الزِّنَى بِوَطْء من لَا زوج لَهَا لانه لَيْسَ فِيهِ خلط النّسَب وَلَا افساد الْفراش(1/86)- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - بَاب الْكَلَام على دَلِيل الْخطاب - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -وَهُوَ يجْرِي مجْرى الْخطاب فِي اكثر الاعتراضات الا ان الَّذِي يكثر فِيهِ وُجُوهاحدها الرَّد مثل ان يسْتَدلّ الشَّافِعِي فِي ان الثَّمَرَة تتبع الاصل فِي البيع قبل التابير بِمَا رُوِيَ عَن النَّبِي عَلَيْهِ السَّلَام انه قَالَمن بَاعَ نخلا بعد ان يؤبر فثمرتها للْبَائِع الا ان يشترطها الْمُبْتَاع فَدلَّ على انه اذا بَاعَ قبل ان يؤبر فثمرتها للْمُشْتَرِيفَيَقُول الْحَنَفِيّ هَذَا اسْتِدْلَال بِدَلِيل الْخطاب وَعِنْدِي ان ذَلِك لَيْسَ بِحجَّةوَالْجَوَاب عَن هَذَا من وُجُوهاحدها ان يَقُول دَلِيل الْخطاب عندنَا حجَّة فان لم يسلم نقلنا الْكَلَام اليهوَالثَّانِي ان يَقُول هَذَا اسْتِدْلَال بِنَفس الْخطاب فانه قَالَ من بَاعَ وَمن حرف من حُرُوف الشَّرْط فَدلَّ على ان التابير شَرط فِي كَون الثَّمَرَة للْبَائِع وَعِنْدهم ان ذَلِك لَيْسَ بِشَرْط(1/87)وَالثَّالِث ان ذكر الصّفة فِي الحكم تَعْلِيل الا ترى انه اذا قَالَ اقْطَعُوا السَّارِق كَانَ مَعْنَاهُ لسرقته اذا قَالَ اجلدوا الزَّانِي كَانَ مَعْنَاهُ لزناه فَكَذَلِك لما قَالَ من بَاعَ نخلا بعد ان يؤبر فثمرتها للْبَائِع وَجب ان يكون مَعْنَاهُ لكَونهَا مؤبرة وَعِنْدهم ان ذَلِك لَيْسَ بعلةوالاعتراض الثَّانِي ان يُعَارضهُ بنطق اَوْ بفحوى النُّطْق وَهُوَ التَّنْبِيه اَوْ الْقيَاس وَالْكَلَام عَلَيْهِ ان يتَكَلَّم على هَذِه المعارضات بِمَا يُسْقِطهَا ليبقى لَهُ الدَّلِيلوالاعتراض الثَّالِث ان نتكلم عَلَيْهِ بالتاويل وَهُوَ ان يبين فَائِدَة التَّخْصِيصبَان يَقُول انما خص هَذِه الْحَال بِالذكر لانه مَوضِع اشكال مثل ان يسْتَدلّ الْحَنَفِيّ فِي اسقاط الْكَفَّارَة فِي قتل الْعمد بقوله تَعَالَى {وَمن قتل مُؤمنا خطأ فَتَحْرِير رَقَبَة مُؤمنَة} فَدلَّ على انه اذا قَتله عمدا لم يجبفَيَقُول الشَّافِعِي انما خص الخطا بِالذكر لانه مَوضِع اشكال حَتَّى لَا يظنّ ظان انه لَا يجب عَلَيْهِ الْكَفَّارَة لكَونه خطاأَو خص بِالذكر لانه الْغَالِب انه لَا يَقع الا على هَذِه الصّفة مثل ان يَقُول الْحَنَفِيّ فِي الْمَنْع من التَّيَمُّم فِي الْحَضَر لقَوْله تَعَالَى {وَإِن كُنْتُم مرضى أَو على سفر أَو جَاءَ أحد مِنْكُم من الْغَائِط أَو لامستم النِّسَاء فَلم تَجدوا مَاء فَتَيَمَّمُوا} فَدلَّ على انه اذا لم يكن فِي السّفر لم يتَيَمَّم(1/88)فَيَقُول الشفعي انما خص السّفر بِالذكر لَان الْغَالِب ان المَاء لَا يعْدم الا فِي السّفر فاحمله على ذَلِك بِدَلِيل كَذَا وَكَذَاوَالْجَوَاب ان يتَكَلَّم على الدَّلِيل بِمَا يسْقط ليسلم لَهُ الدَّلِيل(1/89)- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - بَاب الْكَلَام على معنى الْخطاب وَهُوَ الْقيَاس - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -وَالْكَلَام عَلَيْهِ من وُجُوهاحدها من جِهَة الرَّد وَذَلِكَ من وَجْهَيْنالاول من جِهَة نفاة الْقيَاس فِي جَمِيع الاحكاموَالْجَوَاب ان يُقَال هَذَا اصل من اصول الدّين فان لم يسلم دللت عَلَيْهِوَالثَّانِي من جِهَة مثبتي الْقيَاس وهم اصحاب ابي حنيفَة فانهم يمْنَعُونَ الْقيَاس فِي مَوَاضِع مِنْهَا فِي اثبات الاسامي واللغات وَمِنْهَا فِي اثبات الابدال وَمِنْهَا فِي اثبات المقدرات وَمِنْهَا فِي ايجاب الْحُدُود وَمِنْهَا فِي ايجاب الْكَفَّارَات وَمِنْهَا فِي اثبات الزِّيَادَة فِي الْقرَان وَمِنْهَا فِي اثبات الْجملفاما فِي اثبات اللُّغَاتفَمثل ان يسْتَدلّ الشَّافِعِي فِي ان السراح صَرِيح فِي الطَّلَاق بِالْقِيَاسِ على لفظ الطَّلَاق(1/90)اَوْ يسْتَدلّ فِي ان نَبِيذ التَّمْر سمي خمرًا بِالْقِيَاسِ على عصير الْعِنَب فَيَقُول الْحَنَفِيّ هَذَا اثبات اللُّغَة بِالْقِيَاسِ وَذَلِكَ لَا يجوزوَالْجَوَاب ان عندنَا يجوز ذَلِك فان لم تسلم دللت عَلَيْهِواما فِي اثبات الابدال فَمثل ان يثبت الشَّافِعِي لهدى الْمحصر بَدَلا قِيَاسا على سَائِر الْهَدَايَافَيَقُول الْحَنَفِيّ الابدال لَا يجوز اثباتها بِالْقِيَاسِوَالْجَوَاب ان يُقَال عندنَا يجوز ذَلِك فان لم تسلم دللنا عَلَيْهِ ثمَّ يناقضهم بالمواضع الَّتِي اثبتوا الْبَدَل فِيهَا بِالْقِيَاسِواما فِي إِثْبَات المقدراتفَهُوَ مثل ان يَقُول الشَّافِعِي فِي حد الْبلُوغ السّنة السَّابِعَة عشر شُبْهَة يحكم فِيهَا ببلوغ الْجَارِيَة يحكم ببلوغ الْغُلَام كالثامنة عشرَة(1/91)قِيَاسا على المجامعاَوْ يسْتَدلّ فِي ايجاب الْحَد على الردء فِي قَاطع الطَّرِيق قِيَاسا على الردء فِي الْغَنِيمَة وَمَا اشبه ذَلِك من الاحكام الَّتِي لَا يجوز اثباتها بِالْقِيَاسِفَيَقُول الشَّافِعِي الْقيَاس عنْدك فِي هَذِه الاحكام بَاطِل وَلَا يجوز ان يحْتَج بِهِوتكلف بَعضهم الْجَواب عَنهُ بَان عندنَا انما لَا يجوز اثبات اصل الْحَد وَالْكَفَّارَة فِي بَاب لم يثبت ذَلِك فِيهِ فاما فِي بَاب وَجَبت فِيهِ الْكَفَّارَة بالاجماع وَاخْتلفت فِي موضعهَا فَيجوزوَهَا هُنَا الْكَفَّارَة فِي الصَّوْم قد وَجَبت بالاجماع وَالْحَد قد وَجب فِي الْمُحَاربَة وانما اخْتَلَفْنَا فِي موضعهَا فاثبتنا فِي موضعهَا بِالْقِيَاسِوالاعتراض الثَّالِث منع الحكم فِي الاصلوَالْجَوَاب عَنهُ من ثَلَاثَة اوجهاحدها ان يبين موضعهَا مُسلماوَذَلِكَ مثل ان يقيس الشَّافِعِي فِي ايجاب التَّرْتِيب فِي الْوضُوء على الصَّلَاةفَيَقُول الْحَنَفِيّ لَا اسْلَمْ الاصل فَإِن التَّرْتِيب لَا يجب فِي الصَّلَاة فانه لَو ترك اربعة سَجدَات فِي ارْبَعْ رَكْعَات فاتى بِهن فِي اخر صلَاته اجزاه من غير تَرْتِيب(1/92)فَيَقُول الشَّافِعِي لَا خلاف انه اذا قدم السُّجُود على الرُّكُوع ان ذَلِك لَا يجوز وَهَذَا يَكْفِينِيوَالثَّانِي ان يُفَسر الحكم بتفسير مُسلموَذَلِكَ مثل ان يَقُول الْحَنَفِيّ ان الاجارة تبطل بِالْمَوْتِ لانه عقد على الْمَنْفَعَة فَبَطل بِمَوْت الْمَعْقُود لَهُ كَالنِّكَاحِوَيَقُول الشَّافِعِي لَا اسْلَمْ الاصل فان النِّكَاح لَا يبطل بِالْمَوْتِ وانما يَنْتَهِي بِالْمَوْتِ كَمَا تَنْتَهِي الاجارة بإنقضاء الْمدَّةفيفسر الْحَنَفِيّ الحكم بانه يُرِيد انه لَا يبْقى بعد الْمَوْت وَهَذَا مُسلموَالثَّالِث ان يدل عَلَيْهِ وَذَلِكَ مثل ان يَقُول الشَّافِعِي فِي غسل الاناء من ولوغ الْخِنْزِير سبعا انه حَيَوَان نجس فِي حَال حَيَاته فَوَجَبَ غسل الاناء من ولوغه سبعا كَالْكَلْبِفَيَقُول الْحَنَفِيّ لَا اسْلَمْ الاصلفَيَقُول الشَّافِعِي يدل عَلَيْهِ ان النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ طهُور اناء احدكم اذا ولغَ الْكَلْب فِيهِ ان يغسل سبعا احداهن بِالتُّرَابِ فاذا ثَبت الاصل بالْخبر صَحَّ قِيَاس الْخِنْزِير عَلَيْهِوَالْحق اصحاب ابي حنيفَة منع الاصل من جِهَة الْقيَاس وَذَلِكَ مثل ان يقيس الشَّافِعِي الْحَج على الصَّوْم فِي انه لَا يفْسد بالاجماع نَاسِيا(1/93)فَيَقُول الْمُخَالف هَذَا اثبات تَقْدِير بِالْقِيَاسِ وَالتَّقْدِير لَا يعرف بِالْقِيَاسِ وانما يعرف بالتوقيفوَالْجَوَاب ان يَقُول عندنَا يجوز وان لم يسلم دللت عَلَيْهِ ولانهم ناقضوا فقدروا الْخرق فِي الْخُف بِثَلَاثَة اصابع بِالْقِيَاسِ على الْمسْح وقدروا الْعدَد فِي الْجُمُعَة باربعة بِالْقِيَاسِواما فِي اثبات الْحُدُودفَهُوَ مثل قِيَاس الشَّافِعِي اللواط على الزِّنَا فِي ايجاب الْحَدفَيَقُول الْمُخَالف اثبات الْحُدُود لَا يجوز بِالْقِيَاسِوَالْجَوَاب ان يُقَال يجوز ذَلِك عندنَا فَإِن لم يسلم دللنا عَلَيْهِ ولانهم ناقضوا فاوجبوا الْحَد على الردء فِي قطاع الطَّرِيق بِالْقِيَاسِ على الردء فِي الْغَنِيمَةواما فِي اثبات الْكَفَّارَاتفَهُوَ كقياسنا قتل الْعمد على الْخَطَأ فِي ايجاب الْكَفَّارَةفَيَقُول الْمُخَالف ايجاب الْكَفَّارَة بِالْقِيَاسِ لَا يجوزفَالْجَوَاب أَن يُقَال عندنَا يجوز ذَلِك فان لم يسلم دللنا عَلَيْهِ ولانهم ناقضوا فاوجبوا الْكَفَّارَة على الْمُفطر بالاكل قِيَاسا على الْمُفطر فِي رَمَضَان(1/94)بِالْجِمَاعِواما فِي اثبات الزِّيَادَة فِي نَص الْقرَانفَمثل قياسنا فِي ايجاب النِّيَّة فِي الْوضُوءفَقَالُوا هَذَا اثبات زِيَادَة فِي نَص الْقرَان وَذَلِكَ نسخ للقران وَلَا يجوز بِالْقِيَاسِوَالْجَوَاب أَن عندنَا لَيْسَ ذَلِك بنسخ وَيجوز بِالْقِيَاسِ فان لم يسلمُوا دللنا عَلَيْهِ ولانهم ناقضوا فِي ذَلِك فان الله تَعَالَى قَالَ {وَلِذِي الْقُرْبَى} فزادوا فِيهِ اذا كَانُوا فُقَرَاء بِدَلِيل الْقيَاسواما فِي اثبات الْجملفَهُوَ مثل قياسنا فِي اجارة الْمُسَاقَاة على الْمُضَاربَةفَيَقُول الْمُخَالف هَذَا اثبات جملَة لَا اصل لَهَا بِالْقِيَاسِ وَهَذَا لَا يجوز كَمَا لَا يجوز اثبات صَلَاة سادسة بِالْقِيَاسِوَالْجَوَاب ان عندنَا يجوز ذَلِك كَمَا يجوز اثبات التَّفْصِيل فَإِن لم يسلم دللنا عَلَيْهِوالاعتراض الثَّانِي ان يَقُول انت لَا تَقول بِالْقِيَاسِ فِي هَذَا الحكموَذَلِكَ مثل ان يسْتَدلّ الْحَنَفِيّ بِالْقِيَاسِ فِي ايجاب الْكَفَّارَة على الاكل(1/95)فَيَقُول الْحَنَفِيّ الاصل غير مُسلم من جِهَة الْقيَاس فان الْقيَاس ان يفْسد الصَّوْم باجماع نَاسِيا وانما لم يفْسد اسْتِحْسَانًا للْخَبَر وَالْقِيَاس على مَوضِع الِاسْتِحْسَان لَا يجوزوَالْجَوَاب عَنهُ من وَجْهَيْناحدهما ان يُقَال اذا ثَبت بالْخبر انه لَا يفْسد صَار ذَلِك اصلا وَكَانَ الْقيَاس عَلَيْهِ اولى من الْقيَاس على غَيرهولان الْخَبَر انما ورد فِي الاكل نَاسِيا لَا فِي الْجِمَاع ثمَّ قاسوا عَلَيْهِ الْجِمَاع فَدلَّ على جَوَاز الْقيَاس على مَا اسْتحْسنَ بالْخبروالاعتراض الرَّابِع منع الْوَصْف فِي الاصل اَوْ فِي الْفَرْع اَوْ فيهمَاوَقد يكون ذَلِك على اصل الْمُعَلل مثل ان يَقُول الْحَنَفِيّ فِي الْمَنْع من اضافة الطَّلَاق الى الشّعْر انه مَعنا يتَعَلَّق صِحَّته بالْقَوْل فَلم يَصح تَعْلِيقه على الشّعْر كَالْبيعفَيَقُول الشَّافِعِي عنْدك الطَّلَاق لَا يتَعَلَّق صِحَّته بالْقَوْل فَإِنَّهُ يَصح بِالْكِتَابَةِ وَكَذَلِكَ البيع يَصح عنْدك بِالْكِتَابَةِ فَلَا يَصح الْوَصْف على اصلكوَالْجَوَاب عَنهُ ان يُفَسر بِمَا يسلم وَهُوَ ان يَقُول اريد بِهِ انه يَصح بالْقَوْل وَلَا خلاف انه يَصح بالْقَوْلواما على اصل السَّائِل فَمثل ان يَقُول الشَّافِعِي فِي ايجاب التَّرْتِيب فِي الطَّهَارَة انه عبَادَة يُبْطِلهَا النّوم فَوَجَبَ فِيهَا التَّرْتِيب كَالصَّلَاةِ(1/96)فَيَقُول الْمُخَالف لَا اسْلَمْ ان الْوضُوء عبَادَةوَالْجَوَاب عَنهُ من ثَلَاثَة اوجهاحدها ان يبين موضعا يُسلمهُ مثل ان يَقُول اعلل التَّيَمُّم وَلَا خلاف ان ذَلِك عبَادَةوَالثَّانِي ان يُفَسر بِمَا يسلم لَهُ وَهُوَ ان يَقُول اريد بِهِ أَنه طَاعَة لله تَعَالَى فَهُوَ مُسلموَالثَّالِث ان يدل عَلَيْهِ لما رُوِيَ ان النَّبِي عَلَيْهِ السَّلَام قَالَ الْوضُوء شطر الايمان فَدلَّ على انه عبَادَةوالاعتراض الْخَامِس الْمُطَالبَة بتصحيح الْعلَّةوَالْجَوَاب ان يدل عَلَيْهِ وَالطَّرِيق فِي تصحيحها سِيَاق الالفاظ والاستنباطفاما الالفاظ فدلالتها من وَجْهَيْن النَّص وَالظَّاهِرفالنص مثل ان يَقُول الشَّافِعِي فِي بيع الرطب بِالتَّمْرِ انهما مطعومان اتفقَا فِي الْجِنْس وَاخْتلفَا فِي حَال الادخار فاشبه الْحِنْطَة(1/97)بالدقيق فَيدل عَلَيْهِ بِمَا رُوِيَ ان النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم سَأَلَ عَن بيع الرطب بِالتَّمْرِ فَقَالَ اينقص الرطب اذا يبس فَقيل نعم فَقَالَ فَلَا اذن وَمَعْنَاهُ من اجلهواما الظَّاهِرفقد يكون نطقا كَقَوْلِنَا فِي بيع الْبر انه مطعوم الْجِنْس وَالدَّلِيل عَلَيْهِ ان النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم نهى عَن بيع الطَّعَام الا مثلا بِمثل وَذكر الصّفة فِي الحكم تَعْلِيل فَدلَّ على ان الطّعْم عِلّةوَقد يكون سَببا ينْقل مَعَ الحكم مثل ان يَقُول الشَّافِعِي ان الثّيّب لَا تجبر على النِّكَاح لانها حَيَّة سليمَة مَوْطُوءَة فِي الْقبل فَلَا تجبر على النِّكَاح كالبالغةفَيُطَالب بِالدّلَالَةِ على صِحَة الْعلَّة فَيَقُول الدَّلِيل عَلَيْهِ مَا رُوِيَ ان خنساء زَوجهَا ابوها وَهِي ثيب فَخَيرهَا رَسُول الله صلى اللله عَلَيْهِ وَسلم فَدلَّ على(1/98)ان للوطيء تَأْثِيرا فِي نفي الاجبارواما الاستنباط فضربان التاثير وَشَهَادَة الاصولفالتاثير هُوَ ان يَقُول فِي النَّبِيذ انه حرَام لانه شراب فِيهِ شدَّة مطربة فَكَانَ حَرَامًا كَالْخمرِفَيَقُول الْحَنَفِيّ مَا الدَّلِيل على صِحَة هَذِه الْعلَّةفَيَقُول الدَّلِيل عَلَيْهِ التاثير وَهُوَ وجود الحكم لوُجُود الْعلَّة وَعَدَمه لعدمها الا ترى ان الْعصير قبل حُدُوث الشدَّة مجمع على تَحْلِيله ثمَّ حدثت الشدَّة وَلم يحدث غَيرهَا واجمعوا على تَحْرِيمه ثمَّ زَالَت الشدَّة وَلم يزل غَيرهَا واجمعوا على تَحْلِيله وَلَو قَدرنَا عود الشدَّة لقدرنا عود التَّحْرِيم كَمَا قَالَ الله تَعَالَى {وَلَو ردوا لعادوا لما نهوا عَنهُ} فَدلَّ على انه هُوَ الْعلَّةوَشَهَادَة الاصول مثل ان يَقُول الشَّافِعِي فِي الْقَيْء انه لَا يبطل الْوضُوء لَان مَا لَا ينْقض قَلِيله الْوضُوء لم ينْقض كَثِيره الْوضُوء كالدمع والعرق(1/99)فَيُقَال لَهُ مَا الدَّلِيل على صِحَة هَذِه الْعلَّةفَيَقُول شَهَادَة الاصول وَذَلِكَ ان الاصول متفقة على التَّسْوِيَة بَين الْقَلِيل وَالْكثير فِيمَا ينْقض وَفِيمَا لَا ينْقض الا ترى ان الْبَوْل وَالْغَائِط وَالنَّوْم لما نقض اسْتَوَى قَلِيله وَكَثِيره وَمَا لَا ينْقض كالدمع والعرق وَالْكَلَام يَسْتَوِي فِيهِ الْقَلِيل وَالْكثير فَدلَّ على مَا قُلْنَاهُوالاعتراض السَّادِس عدم التَّأْثِير وَهُوَ وجود الحكم مَعَ عدم الْعلَّة وَذَلِكَ ضَرْبَاناحدهما عدم التَّأْثِير فِي وصف اذا اسقط من الْعلَّة تنْتَقض الْعلَّةوَالثَّانِي عدم التاثير فِي وصف اذا اسقط من العة لم تنْتَقض الْعلَّةفاما الاول فَالْجَوَاب عَنهُ من وُجُوهاحدها ان يَقُول التاثير انما يطْلب فِي قِيَاس الْعلَّة وَهَذَا قِيَاس دلَالَة وَذَلِكَ مثل ان يَقُول الشَّافِعِي فِي النِّيَّة فِي الْوضُوء انه طَهَارَة عَن حدث فافترقت الى النِّيَّة كالتيممفَيَقُول الْحَنَفِيّ لَا تَأْثِير للطَّهَارَة فان مَا لَيْسَ بِطَهَارَة ايضا يفْتَقر الى النِّيَّة وَهُوَ الصَّوْم وَالصَّلَاةفَيَقُول هَذَا لَيْسَ بِقِيَاس عِلّة وانما هُوَ قِيَاس دلَالَة والتأثير انما يلْزم قِيَاس الْعلَّة لَان الْمُعَلل يدعى ان الحكم ثَبت لهَذِهِ الْعلَّة وَلَا يعلم ثُبُوت الحكم بِالْعِلَّةِ الا بالتأثير فَأَما فِي قِيَاس الدّلَالَة فَلَا يلْزم وَلَا يعلم ثُبُوت الحكم بِالْعِلَّةِ(1/100)الا بالتأثير فَأَما فِي قِيَاس الدّلَالَة فَلَا يلْزم لانه لم يدع ان الحكم ثَبت بِهَذِهِ الْعلَّة وانما ادّعى ان ذَلِك دَلِيل على الحكم وَلِهَذَا لزم التاثير فِي الْعِلَل الْعَقْلِيَّة وَلم يلْزم فِي الادلة الْعَقْلِيَّةوَالثَّانِي ان يَقُول هَذِه الْعلَّة مَنْصُوص عَلَيْهَا وَلَا يحْتَاج الى التاثير وَذَلِكَ مثل ان يَقُول الشَّافِعِي فِي ردة المراة انه كفر بعد ايمان فاوجب الْقَتْل كردة الرجلفَيَقُول الْمُخَالف لَا تاثير لِقَوْلِك كفر بعد ايمان فان كفر رجل لَو كَانَ قبل الْإِيمَان اوجب الْقَتْلفَيَقُول الْكفْر بعد الايمان مَنْصُوص عَلَيْهِ بقوله صلى الله عَلَيْهِ وَسلملَا يحل دم امريء مُسلم الا بأحدى ثَلَاث كفر بعد ايمان والتاثير انما يتَوَصَّل بِهِ الى معرفَة عِلّة الشَّرْع بالاستنباط فاذا نَص عَلَيْهِ صَاحب الشَّرْع ثَبت كَونه عِلّة واستغني عَن تعرف ذَلِك بالاستنباطوَالثَّالِث ان يبين تأثيرها فِي مَوضِع من الْمَوَاضِع وَذَلِكَ مثل ان يَقُول الشَّافِعِي فِي لبن الْميتَة انه نجس لانه مَائِع غير المَاء لَاقَى نَجَاسَة فنجس كَمَا لَو وَقع فِي اللَّبن نَجَاسَةفَيَقُول الْحَنَفِيّ لَا تاثير لِقَوْلِك غير المَاء لَان المَاء ايضا ينجس بملاقاة النَّجَاسَة وَهُوَ مَا دون الْقلَّتَيْنِ(1/101)فَيَقُول تاثيره فِي الْقلَّتَيْنِ والتاثير يَكْفِي فِي مَوضِع وَاحِد فَإِنَّهُ لَو اعْتبر فِي جَمِيع الْمَوَاضِع صَار عكسا وَلَيْسَ من شَرط الْعلَّة الْعَكْسواما عدم التَّأْثِير فِيمَا لَا تنْتَقض الْعلَّة باسقاطه فَالْجَوَاب عَنهُ من وُجُوهاحدها ان يَقُول هَذِه الزِّيَادَة ذكرتها للتاكيد وَذَلِكَ مثل ان يَقُول الشَّافِعِي فِي الْمُتَوَلد بَين الظباء وَالْغنم انه لَا زَكَاة فِيهِ لانه متولد من اصلين لَا زَكَاة فِي احدها بِحَال فَلم تجب فِيهِ الزَّكَاة كَمَا لَو كَانَت الامهات من الظباءفَيَقُول الْمُخَالف لَا تَأْثِير لِقَوْلِك بِحَال فَإنَّك لَو اقتصرت على قَوْلك لَا زَكَاة فِي احدهما لم ينْتَقض بِشَيْء فقولك بِحَال حَشْو فِي الْعلَّة لَا يحْتَاج اليهفَيَقُول الشَّافِعِي ذكرته للتاكيد وتاكيد الالفاظ لُغَة الْعَرَب وَلَا يعد حَشْوًا بِهَذَا قَالَ الله تَعَالَى {فَسجدَ الْمَلَائِكَة كلهم أَجْمَعُونَ} فأكد ثمَّ اكد وَلم يعد ذَلِك لَغواوَالْجَوَاب الثَّانِي ان يَقُول هَذِه الزِّيَادَة ذكرتها لتأكيد الحكم وَذَلِكَ مثل ان يَقُول الشَّافِعِي فِي الْقَذْف انه يتَعَلَّق بِهِ رد الشَّهَادَة لانها كَبِيرَة توجب الْحَد فَتعلق بهَا رد الشَّهَادَة كَالزِّنَافَيَقُول الْمُخَالف قَوْلك توجب الْحَد حَشْو فِي الْعلَّة لَا يحْتَاج اليهوَالْجَوَاب ان يَقُول تعلق الْحَد بهَا فَدلَّ على تاكدها وتاكد الْعلَّة يُوجب تاكيد الحكم وَمَا يُوجب تاكيد الحكم لَا يعد لَغوا(1/102)وَالْجَوَاب الثَّالِث ان يَقُول هَذِه الزِّيَادَة ذكرتها للْبَيَان وَذَلِكَ مثل ان يَقُول الشَّافِعِي فِي التَّحَرِّي فِي الاواني انه جنس يدْخلهُ التَّحَرِّي اذا كَانَ عدد الْمُبَاح اكثر فدخله التَّحَرِّي وان لم يكن عدد الْمُبَاح اكثر كالثيابفَيَقُول المحالف لَا تاثيل لِقَوْلِك اذا كَانَ عدد الْمُبَاح اكثر فانك لَو قلت جنس يدْخلهُ التَّحَرِّي لكفى فقولك اذا كَانَ عدد الْمُبَاح اكثر حَشْو لَا تحْتَاج اليه فَهُوَ كَمَا لَو قَالَ مطعوم مقتات جنسفَيَقُول الشَّافِعِي هَذَا بَيَان لما تَقْتَضِيه الْعلَّة وَذَلِكَ انك لَو قلت جنس يدْخلهُ التَّحَرِّي لَكَانَ مَعْنَاهُ اذا كَانَ عدد الْمُبَاح اكثر وَبَيَان مَا يَقْتَضِيهِ الْكَلَام لَا يعد حَشْوًا وَيُخَالف ذكر الْقُوت مَعَ الطّعْم لَان ذَلِك لَيْسَ بِبَيَان لِمَعْنى الْعلَّة الا ترى ان ذكر الْقُوت يخرج من الْعلَّة مَا لَيْسَ بقوت وَهَذَا بَيَان لِمَعْنى الْعلَّة الا ترى انه لَا يخرج بِهِ من الْعلَّة شَيْء فوزانه ان يضيف الى الطّعْم مَا هُوَ بَيَان لمعناه بِأَن يَقُول مطعوم للآدميين فِي جنس فَيجوز حِين كَانَ ذَلِك معنى المطعوموَالْجَوَاب الرَّابِع ان يَقُول هَذِه الزِّيَادَة لتقريب الْفَرْع من الاصل وَذَلِكَ مثل ان يَقُول الشَّافِعِي فِي جلد الْكَلْب لَا يطهر بالدباغ لَان مَا يعد للدباغ حَاله يحكم فِيهَا لطهارة جلد الشَّاة فَوَجَبَ ان يحكم بِنَجَاسَة جلد الْكَلْب كَحال الْحَيَاةفَيَقُول الْحَنَفِيّ لَا تاثير لِقَوْلِك يحكم فِيهَا بِطَهَارَة جلد الشَّاة فانك لَو قلت حَاله يحكم فِيهَا بِنَجَاسَة جلد الْكَلْب كض الزِّيَادَة عَلَيْهِ حَشْو(1/103)فَيَقُول الشَّافِعِي هَذِه الزِّيَادَة ذكرتها لتقريب الْفَرْع من الاصل واما بعد الدّباغ يجْرِي مجْرى حَال الْحَيَاة بِدَلِيل انهما يستويان فِي ايجاب الطَّهَارَة فاذا لم يُؤثر الْحَيَاة فِي طَهَارَة جلد الْكَلْب دلّ على ان الدّباغ مثله وتقريب الْفَرْع من الاصل يزِيد فِي الظَّن فَلَا يعد حَشْوًاوالاعتراض السَّابِع النَّقْض وَهُوَ وجود الْعلَّة وَلَا حكم على قَول من لَا يرى تَخْصِيص الْعلَّةفَالْجَوَاب عَنهُ من وُجُوهاحدها ان لَا يسلم مَسْأَلَة النَّقْض وَذَلِكَ مثل ان يَقُول الشَّافِعِي فِي تحالف الْمُتَبَايعين عِنْد هَلَاك السّلْعَة انه فسخ بيع يَصح مَعَ رد الْعين فصح مَعَ رد الْقيمَة كَمَا لَو اشْترى ثوبا بِعَبْد وَتقَابَضَا ثمَّ هلك العَبْد وَوجد مُشْتَرِي الثَّوْب بِالثَّوْبِ عَيْبافَيَقُول الْحَنَفِيّ هَذَا يبطل بالاقالةفَيَقُول الشَّافِعِي لَا اسْلَمْ الاقالة فانها تجوز مَعَ هَلَاك السّلْعَةوَالثَّانِي ان لَا يسلم وجود الْعلَّة وَذَلِكَ مثل ان يَقُول الْحَنَفِيّ فِي الْمَضْمَضَة انها تجب فِي الْغسْل لانه عُضْو يجب غسله من النَّجَاسَة فَوَجَبَ غسله من الْجَنَابَة كَسَائِر الاعضاء(1/104)فَيَقُول الشَّافِعِي هَذَا يبطل بِالْعينِفَيَقُول الْمُخَالف الْعين لَا يجب غسلهَا من النَّجَاسَة فَلَا يلْزم النَّقْضوَالثَّالِث ان يدْفع النَّقْض بِمَعْنى اللَّفْظ وَذَلِكَ شَيْئَانِ مُقْتَضى اللَّفْظ وَتَفْسِير اللَّفْظفاما مُقْتَضى اللَّفْظ فَهُوَ مثل ان يَقُول الشَّافِعِي فِي مهر المستكرهة على الزِّنَا ظلمها بِإِتْلَاف مَا يتقوم فَلَزِمَ الضَّمَان كَمَا لَو اتلف عَلَيْهَا مَالهَافَيَقُول الْحَنَفِيّ هَذَا يبطل بالحربي اذا وَطئهَافَيَقُول قَوْلنَا ظلمها يرجع الى هَذِه المستكرهة الَّذِي هُوَ من اهل الضَّمَان اذ لَا يجوز ان يَخْلُو قَوْلنَا ظلمها من فَاعل معِين وَلَيْسَ الا هَذِه المستكرهة الَّذِي هُوَ من اهل الضَّمَان فَصَارَ كَانَا قُلْنَا هَذَا الَّذِي هُوَ من اهل الضَّمَان ظلمهاوَمثل ان يَقُول الشَّافِعِي فِي ضَمَان الْمَنَافِع بِالْغَضَبِ ان مَا ضمن بِالْمُسَمّى فِي العقد الصَّحِيح جَازَ ان يضمن الاتلاف بالعدوان الْمَحْض كالاعيانفَقَالَ هَذَا يبطل بالحربي فانه يضمن الْمَنَافِع بِالْمُسَمّى فِي العقد الصَّحِيح وَلَا يضمن بالاتلاففَيَقُول الشَّافِعِي هَذَا لَا يلْزم لانا لم نقل ان من ضمن بِالْمُسَمّى ضمن بالاتلاف وانما قُلْنَا مَا ضمن بِالْمُسَمّى ضمن بالاتلاف وَتلك الْمَنَافِع يجوز ان(1/105)تضمن بالاتلاف وَهُوَ اذا اتلفها مُسلم اَوْ ذمِّي فَلَا يلْزم النَّقْدواما التَّفْسِير فَهُوَ ان يحْتَمل اللَّفْظ امرين احْتِمَالا وَاحِدًا فيفسر باحدهما ليدفع النَّقْد وَذَلِكَوَالْحق اصحاب ابي حنيفَة بذلك اجوبة اخراحدها التَّسْوِيَة بَين الاصل وَالْفرع فِي مسالة النَّقْض وَذَلِكَ مثل ان يَقُول فِي ايجاب الاحداد على المبتوتة بانها مُعْتَدَّة بَائِن فلزمها الاحداد كالمتوفى عَنْهَا زَوجهَافَيُقَال لَهُ هَذَا ينْتَقض بالذميةفَقَالَ يَسْتَوِي فِيهِ الاصل وَالْفرع فَإِن الذِّمِّيَّة لَو كَانَت متوفيا عَنْهَا زَوجهَا لم يجب عَلَيْهَا ايضا الاحدادوَهَذَا لَيْسَ بِجَوَاب عندنَا لانا نقضنا بالذمية المبتوتة فَقَالُوا وينتقض بالذمية الْمُتَوفَّى عَنْهَا زَوجهَا فَيصير النَّقْض نقضينوَالثَّانِي ان قَالُوا هَذَا مَوضِع استحسبان مثل ان يَقُول الْحَنَفِيّ(1/106)فِي الْكَلَام فِي الصَّلَاة نَاسِيا ان مَا ابطل الْعِبَادَة عَمَدت ابطالها سهوة كالحدثفَقُلْنَا ينْتَقض بالاكل فِي الصَّوْمفَقَالُوا هَذَا اسْتِحْسَانوَالْجَوَاب ان هَذَا تَأْكِيد للنقض لَان مَعْنَاهُ ان النَّص دلّ على انتقاضه فَيكون اكد للنقضوَالثَّالِث ان قَالُوا ان عندنَا تَخْصِيص الْعلَّة جَائِزوَهَذَا لَيْسَ بِشَيْء لانهم دخلُوا مَعنا على مُرَاعَاة الطَّرْد والاحتراز من النَّقْض وَلِهَذَا احترزوا من سَائِر النقوض وَلم يرجِعوا فِيهَا الى جَوَاز التَّخْصِيصوالاعتراض الثَّامِن الْكسر وَهُوَ وجود معنى الْعلَّة وَلَا حكموَالْجَوَاب عَنهُ ان يبين ان مَا اورده لَيْسَ فِي معنى الْعلَّة وَذَلِكَ مثل ان يَقُول الشَّافِعِي فِي بيع مَا لم يره المُشْتَرِي انه مَبِيع مَجْهُول الصّفة(1/107)عِنْد الْعَاقِد حَال العقد فَلم يَصح بَيْعه كَمَا لَو قَالَ بِعْتُك ثوبافَيَقُول الْمُخَالف هَذَا ينكسر بِهِ اذا تزوج امراة لم يرهَا فانها مَجْهُولَة عِنْد الْعَاقِد حَال العقد ثمَّ يَصحفَيَقُول الشَّافِعِي لَيْسَ النِّكَاح كَالْبيع فِي هَذَا الحكم لَان للْجَهَالَة من التاثير فِي بَاب البيع مَا لَيْسَ لَهَا فِي النِّكَاح وَلِهَذَا لَو تزوج امراة لم يرهَا ثمَّ راها ثَبت لَهُ الْخِيَار فَجَاز ان يكون عدم الرُّؤْيَة فِي النِّكَاح لَا يمْنَع الصِّحَّة وَفِي البيع يمْنَعوالاعتراض التَّاسِع القَوْل بِمُوجب الْعلَّة وَذَلِكَ ضَرْبَاناحدهما فِي عِلّة دلّ بهَا على ابطال سَبَب الحكمفاما الاول فَالْجَوَاب عَنهُ من ثَلَاثَة اوجهاحدها ان يَقُول هَذَا رُجُوع عَن السُّؤَال وَذَلِكَ مثل ان يَقُول الشَّافِعِي فِي الاجارة انها لَا تبطل بِالْمَوْتِ لانه معنى يزِيل التَّكْلِيف وَلَا تبطل الاجارة مَعَ سَلامَة الْمَعْقُود عَلَيْهِ كَالْمَجْنُونِفَيَقُول الْحَنَفِيّ ان اقول بِمُوجبِه فان عِنْدِي لَا تبطل بِالْمَوْتِ وانما تبطل بانتقال الْملك وَلِهَذَا لَو اجْرِ دَار غَيره بوكالة اَوْ وَصِيَّة ثمَّ مَاتَ لم تبطلفَيَقُول هَذَا رُجُوع عَن السُّؤَال فانك سالتني عَن الاجارة هَل تبطل(1/108)بِالْمَوْتِ ثمَّ طالبتني بِالدَّلِيلِ على ذَلِك وَلَا يقبل برجوعكوَالْجَوَاب الثَّانِي ان يَقُول ان تعليلي يَقْتَضِي انه لَا يبطل بِهِ وَلَا يكون سَببا فِيهِ وعندك وان لم تبطل بِالْمَوْتِ الا انه سَبَب فِيهِ لَان بِالْمَوْتِ انْتقل الْملك وَيبْطل العقدوَالْجَوَاب الثَّالِث ان يَجْعَل ذَلِك دَلِيلا على امرين وَذَلِكَ مثل ان يَقُول فِيمَن نسي المَاء فِي رَحْله وَصلى بِالتَّيَمُّمِ انه يجب عَلَيْهِ الاعادة لانها طَهَارَة وَلَا يسْقط فَرضهَا بِالنِّسْيَانِ دَلِيله ازالة النَّجَاسَةفَيَقُول الْحَنَفِيّ عِنْدِي لَا يسْقط بِالنِّسْيَانِ وانما سقط بِالنِّسْيَانِ وَالسّفرفَيَقُول الشَّافِعِي يجمع بَين الامرين فَيَقُول وَلَا يسْقط بِالنِّسْيَانِ وَالسّفر اصله مَا ذَكرْنَاهُواما الضَّرْب الثَّانِي فَهُوَ مَا دلّ بِهِ على نفس الحكمفَالْجَوَاب عَن القَوْل بِمُوجبِه ان يبين ان عُمُومه اَوْ ظَاهره اَوْ تَفْسِيره يمْنَع من القَوْل بِمُوجبِهفَأَما الْعُمُوم فَمثل ان يَقُول الشَّافِعِي ان الْقيام فِي السَّفِينَة وَاجِب لانه فرض فِيهِ غير السَّفِينَة فَوَجَبَ فِي السَّفِينَة كَسَائِر الْفُرُوضفَيَقُول الْمُخَالف انا اقول بِمُوجبِه فان الْقيام يجب فِي السَّفِينَة وَهُوَ اذا كَانَت واقفة(1/109)فاما الْعُمُوم فَيَقُول الشَّافِعِي قَوْلنَا فَوَجَبَ فِي السَّفِينَة عَام فِي جَمِيع الاحوال فِي حَال قيام السَّفِينَة وَفِي حَال السّيرواما الظَّاهِر فَهُوَ مثل ان يَقُول الشَّافِعِي رَحمَه الله فِي زَكَاة الْحلِيّ انه مَا يجب فِيهِ الزَّكَاة بالحول والنصاب فَوَجَبَ ان يتنوع نَوْعَيْنِ نوع يجب فِيهِ الزَّكَاة وَنَوع لَا يجب فِيهِ الزَّكَاة كالماشيةفَيَقُول الْمُخَالف انا اقول بِمُوجبِه فان عِنْدِي يتنوع نَوْعَيْنِنوع يجب فِيهِ الزَّكَاة وَهُوَ من كَانَ فِي الْبَالِغوَنَوع لَا يجب فِيهِ الزَّكَاة وَهُوَ مَا كَانَ للصَّبِيّفَيَقُول ظَاهر التَّعْلِيل يَقْتَضِي ان يتنوع فِي نَفسه وَفِيمَا ذكرْتُمْ لم يتنوع المَال وانما يتنوع الْمَالِك فمالك يجب عَلَيْهِ وَمَالك لَا يجب عَلَيْهِ