عدد الزوار 255 التاريخ 15/08/2020
الأضحية شعيرة من شعائر الإسلام، وقربة من قربه العظام بإجماع العلماء، قال تعالى: (فصل لربك وانحر)، وقد ضحى النبي ﷺ، وأمر بالأضحية، وحض عليها، فمن ذلك ما جاء عن مخنف بن سليم – رضي الله عنه – قال: كنا وقوفا مع النبي – ﷺ – بعرفات، فسمعته يقول: “يا أيها الناس، على كل أهل بيت في كل عام أضحية). رواه الخمسة، وقوى إسناده ابن حجر.
وقد اختلف العلماء في حكمها على أقوال:
القول الأول: أنها واجبة، وهو مذهب أبي حنيفة، ورجحه ابن تيمية.
القول الثاني: أنها سنة مؤكدة، وهو قول الجمهور، وقول أبي بكر وعمر – رضي الله عنهما -.
قال ابن حزم: لا يصح عن أحد من الصحابة أنها واجبة، وصح أنها غير واجبة عن الجمهور. وليس في الآثار ما يدل على وجوبها. انتهى.
وللترمذي محسنا: (أن رجلا سأل ابن عمر عن الأضحية: أهي واجبة؟ فقال: ضحى رسول الله – ﷺ – والمسلمون بعده).
فينبغي على من يقدر على الأضحية فاضلا عن حوائجه الأصلية أن يضحي.
وعن أبي هريرة – رضي الله عنه – قال: قال رسول الله – ﷺ -: «من كان له سعة ولم يضح، فلا يقربن مصلانا». رواه أحمد، وابن ماجه، وصححه الحاكم، لكن رجح الأئمة غيره وقفه.
قال شيخ الإسلام ابن تيمية: والأضحية من النفقة بالمعروف، فيضحي عن اليتيم من ماله، وتأخذ المرأة من مال زوجها ما تضحي به عن أهل البيت، وإن لم يأذن في ذلك، ويضحي المدين إذا لم يطالب بالوفاء، ويتدين ويضحي إذا كان له وفاء، ولا يجب عليه أن يفعل ذلك. انتهى.
وما ذبح النبي – ﷺ – في يوم النحر أضحية ولا هديا إلا من بهيمة الأنعام: الإبل والبقر والغنم، فأجمع العلماء على أنه لا يجزئ في الأضحية غيرها، ولا عبرة بما شذ.
وعن أنس بن مالك – رضي الله عنه -، أن النبي – ﷺ – كان يضحي بكبشين أملحين، أقرنين، ويسمي، ويكبر، ويضع رجله على صفاحهما. وفي لفظ: ذبحهما بيده. متفق عليه، وفي لفظ: سمينين، ولأبي عوانة في «صحيحه»: ثمينين، بالمثلثة بدل السين، وفي لفظ لمسلم: ويقول: «بسم الله، والله أكبر».
فمن السنة أن يباشر المضحي ذبح أضحيته بنفسه، ويسمي على ذبحها وجوبا ويكبر، ويذبح كما ذبح النبي – ﷺ -، ويحسن الذبحة، آخذا بآداب الذبح والرفق بالحيوان.
وأخرج أحمد من حديث رجل من الأنصار: “أن النبي – ﷺ – أضجع أضحيته، فقال: أعني على أضحيتي. فأعانه”. قال ابن حجر: رجاله ثقات.
وعن أنس بن مالك – رضي الله عنه – قال: كان النبي – ﷺ – يضحي بكبشين، وأنا أضحي بكبشين”. رواه البخاري. فالتقرب إلى الله بأكثر من أضحية مشروع.
وأخرج مالك وابن ماجه والترمذي وصححه من طريق عطاء بن يسار: “سألت أبا أيوب: كيف كانت الضحايا على عهد رسول الله – ﷺ – قال: كان الرجل يضحي بالشاة عنه وعن أهل بيته، فيأكلون ويطعمون، حتى تناهى الناس كما ترى”.
فيكفي رب الأسرة أن يضحي بواحدة، وإن زاد قربة لا رياء وسمعة؛ فحسن، فالواحدة تجزئ عنه، وعن أهل بيته الأحياء والأموات، قلوا أو كثروا، أو تعددت بيوت نسائه.
ولا يعتبر من أهل بيته ضيوفه ولا أولاده المتأهلون في بيوت مستقلة تماما.
وعن أبي رافع – رضي الله عنه – أن النبي – ﷺ – كان إذا ضحى؛ اشترى كبشين أقرنين سمينين أملحين، فإذا صلى وخطب؛ أتي بأحدهما وهو قائم في مصلاه فذبحه بنفسه بالمدية، ثم يقول: (اللهم هذا عن أمتي جميعا، من شهد لك بالتوحيد، وشهد لي بالبلاغ)، ثم يؤتي بالآخر فيذبحه بنفسه ويقول: (هذا عن محمد، وآل محمد). فيطعمهما جميعا المساكين، ويأكل هو وأهله منهما. أخرجه أحمد والبزار، وقال في مجمع الزوائد: إسناده حسن.
فوقت ذبح الأضحية يبدأ جوازا من بعد صلاة العيد، والأفضل بعد الخطبة وذبح إمام المسلمين أضحيته.
وعن البراء بن عازب – رضي الله عنهما – قال: ضحى خال لي يقال له أبو بردة قبل الصلاة، فقال له رسول الله – ﷺ -: شاتك شاة لحم، فقال يا رسول الله، إن عندي داجنا جذعة من المعز، قال: اذبحها، ولن تصلح لغيرك، ثم قال: من ذبح قبل الصلاة، فإنما يذبح لنفسه، ومن ذبح بعد الصلاة، فقد تم نسكه، وأصاب سنة المسلمين”. متفق عليه. وفي رواية “عندي جذعة خير من شاتين”.
فالواحدة الثمينة؛ لسمنها، ونفاستها، وطيب لحمها؛ أولى من اثنتين دونها في الثمن والمواصفات، والله أعلم.
والذبح في يوم النحر أفضل، فعن البراء – رضي الله عنه – قال: سمعت النبي – ﷺ – يخطب فقال: إن أول ما نبدأ به من يومنا هذا، أن نصلي، ثم نرجع فننحر، فمن فعل هذا فقد أصاب سنتنا). رواه البخاري.
وقال أبو بردة بن نيار، بين يدي النبي – ﷺ -: (وعرفت أن اليوم يوم أكل وشرب، فأحببت أن تكون شاتي أول ما يذبح في بيتي).
والسنة أن يقول عند ذبحها اقتداء: اللهم عني وعن – ثم يذكر من أشركهم في الأجر- وليس هذا تلفظا بالنية.
وللمسلم أن يضحي بواحدة عنه وعن أهل بيته الأحياء والأموات.
ويجوز أن يخص الميت بأضحية من وصيته، أو صدقة عنه. قال الترمذي: وقد رخص بعض أهل العلم أن يضحى عن الميت، ولم ير بعضهم أن يضحى عنه.
وعن عقبة بن عامر قال: (قسم النبي – ﷺ – بين أصحابه ضحايا). رواه البخاري.
فيجوز للمسلم أن يضحي بالأضحية التي آلت إليه بطريق شرعي، وبالتي أعين على ثمنها تبرعا لا شراكة.
وقد أمر أبو موسى بناته أن يضحين بأيديهن. علقه البخاري، ووصله الحاكم، وصحح إسناده ابن حجر.
فلأهل البيت الواحد أن يضحي من شاء منهم بأضحية أخرى.
وعن أبي هريرة – رضي الله عنه -: أن رسول الله – ﷺ – قال: (من اغتسل يوم الجمعة، ثم راح فكأنما قرب بدنة، ومن راح في الساعة الثانية فكأنما قرب بقرة، ومن راح في الساعة الثالثة فكأنما قرب كبشا أقرن). متفق عليه.
أخذ بعض العلماء من هذا الحديث وغيره أن الأضحية بالجمل عن واحد أفضل من شاة، ثم البقرة، ثم الكبش، ثم جذعة من الضأن، ثم المعز، ثم سبع بدنة، ثم سبع بقرة. وإذا عزف أهل بلد عن جنس أو نوع انتقل إلى غيره.
وذهب مالك إلى أن الأفضل الشاة؛ لأنه فعل النبي – ﷺ – وهو لا يفعل إلا الأفضل.
وروى مسلم عن ثوبان – رضي الله عنه – قال: ذبح رسول الله – ﷺ – ضحيته، ثم قال: (يا ثوبان، أصلح لحم هذه)، فلم أزل أطعمه منها حتى قدم المدينة.
فالأضحية مشروعة للحاضر والباد والمقيم والمسافر.
وقال تعالى: (واذكروا الله في أيام معدودات). عن ابن عباس وابن عمر: «الأيام المعدودات»: أيام التشريق، أربعة أيام: يوم النحر، وثلاثة أيام بعده. وبه قال عدد من الصحابة والتابعين.
فهذه الأيام الأربعة أيام ذبح الأضاحي على الأرجح، وإليه ذهب الإمام أحمد، واختاره ابن تيمية، وابن القيم، قال ابن حجر: وحجة الجمهور حديث جبير بن مطعم رفعه: “في كل أيام التشريق ذبح”. أخرجه أحمد، لكن في سنده انقطاع، ووصله الدارقطني، ورجاله ثقات.
واتفقوا على أنها تشرع ليلا كما تشرع نهارا، إلا رواية عن مالك وعن أحمد أيضا.
وقال تعالى: (فكلوا منها وأطعموا البائس الفقير).
أكثر العلماء على أن الأمر بالأكل من الأضحية للاستحباب، وقد جزأت الآية الأضحية إلى نصفين: نصف للمضحي، ونصف للفقراء.
وجزأت الآية الأخرى الأضحية إلى ثلاثة أجزاء، قال تعالى: (فكلوا منها وأطعموا القانع والمعتر)، فالأمر فيه سعة، وقال النبي – ﷺ -: ((كلوا وأطعموا وادخروا)). رواه البخاري من حديث سلمة بن الأكوع.
وورد عن ابن مسعود وابن عباس وابن عمر تقسيم الأضحية أثلاثا، وإليه ذهب الإمام أحمد وغيره.
وعن جابر – رضي الله عنه – قال: قال رسول الله – ﷺ -: «لا تذبحوا إلا مسنة، إلا أن يعسر عليكم، فتذبحوا جذعة من الضأن». رواه مسلم.
والمسنة: الثنية فما فوقها من الإبل والبقر والغنم، والجذع ما تم له ستة أشهر عند الحنفية والحنابلة. والثنية من الضأن أفضل من الجذع، ويجزئ الجذع من الضأن فقط، ولو مع وجود المسنة، في قول الجمهور.
وعن عقبة بن عامر: “ضحينا مع رسول الله – ﷺ – بجذع من الضأن”. أخرجه النسائي، قال ابن حجر: بسند قوي.
وعن جابر قال: (أمرنا رسول الله – ﷺ – أن نشترك في الإبل والبقر، كل سبعة منا في بدنة). متفق عليه.
فجمهور العلماء على أنه يجزئ الجزور عن سبعة، والبقرة عن سبعة، وحكي إجماعا. وسواء كانت لشخص أو لأشخاص، ولو كان بعض الأسباع قصد به اللحم. وتجزئ الواحدة من الغنم عن الشخص الواحد ولو اشترك في ثمنها عدد، ويجزئ سبع البعير أو سبع البقرة عن الشخص الواحد؛ ويشرك في ثوابه كما يشرك في الرأس من الغنم على الصحيح.
وعن البراء بن عازب – رضي الله عنهما – قال: قام فينا رسول الله – ﷺ – فقال: «أربع لا تجوز في الضحايا: العوراء البين عورها، والمريضة البين مرضها، والعرجاء البين ظلعها، والكسير التي لا تنقي» رواه الخمسة، وصححه الترمذي وابن حبان والنووي، وقال أحمد بن حنبل: ما أحسنه من حديث!.
فهذه العيوب الأربعة لا تجزئ معها الأضحية بالاتفاق، ويقاس عليها ما هو مثلها أو أشد.
وفي رواية للنسائي قلت: ـ يعني للبراء ـ فإني أكره أن يكون في القرن نقص، أو أن يكون في السن نقص، فقال ـ يعني البراء ـ: ما كرهت فدعه، ولا تحرمه على أحد.
وعن علي – رضي الله عنه – أن النبي – ﷺ -: (نهى أن يضحى بعضباء الأذن والقرن). رواه الخمسة، وفيه مقال، وقال الترمذي: حسن صحيح.
وعن علي – رضي الله عنه – قال: أمرنا رسول الله – ﷺ – أن نستشرف العين والأذن، ولا نضحي بعوراء، ولا مقابلة، ولا مدابرة، ولا خرماء، ولا ثرماء. أخرجه أحمد والأربعة، وصححه الترمذي وابن حبان والحاكم، وقال البخاري: لم يثبت رفعه. وأعله الدارقطني.
المقابلة، والمدابرة، والشرقاء، والخرقاء أو الخرماء: عيوب في الأذن، وهذه العيوب وما في معناها تكره مع الإجزاء على الراجح، وكذلك ما روي عن يزيد قال: أتيت عتبة السلمي فقلت: يا أبا الوليد، إني خرجت ألتمس الضحايا فلم أجد شيئا يعجبني غير ثرماء فما تقول؟. قال: ألا جئتني أضحي بها؟ قلت: سبحان الله، تجوز عنك ولا تجوز عني؟!. قال نعم، إنك تشك ولا أشك، إنما نهى رسول الله – ﷺ – عن: (المصفرة، والمستأصلة، والبخقاء، والمشيعة، والكسراء؛ فالمصفرة التي تستأصل أذنها حتى يبدو صماخها، والمستأصلة التي ذهب قرنها من أصله، والبخقاء التي تبخق عينها، والمشيعة التي لا تتبع الغنم عجفا وضعفا، والكسراء التي لا تنقي). رواه أحمد وأبو داود والبخاري في تاريخه، وقال الحاكم: صحيح الإسناد.
ويقاس على هذه العيوب المكروهة العيوب المساوية لها والأقبح منها.
وعن أنس عن النبي – ﷺ – قال: (من ذبح قبل الصلاة فليعد). متفق عليه.
فالأضحية تتعين باللفظ، وبالشراء بنية جازمة أنها أضحية، وبذبحها أضحية، وإذا تعينت أضحية تعلق بذلك أحكام؛ منها: أنه لا يجوز نقل الملك فيها، إلا أن تبدل بخير منها، وإذا تعيبت بما يمنع الإجزاء، أو ماتت، أو ضلت، فإن كان بدون تفريط منه، فلا يلزمه بدلها، ومتى وجد الضالة ذبحها؛ ويذبح المعيبة وتجزئه، وإن كان بتفريط؛ فيلزمه إبدالها بمثلها أو أعلى.
وعن علي بن أبي طالب – رضي الله عنه – قال: أمرني النبي – ﷺ – أن أقوم على بدنه، وأن أقسم لحومها وجلودها وجلالها على المساكين، ولا أعطي في جزارتها منها شيئا. متفق عليه.
فيحرم أن يبيع شيئا من الأضحية كالجلد أو غيره؛ ولا يعطي الجازر شيئا منها في مقابلة أجرته.
بقلم فضيلة الشيخ المحدث: علي بن عبد الله النمي حفظه الله