عدد الزوار 255 التاريخ 15/08/2020
1- عن ابن عمر، أن رسول الله – ﷺ – قال: «ما حق امرئ مسلم يبيت ليلتين وله شيء يريد أن يوصي فيه، إلا ووصيته مكتوبة عند رأسه». رواه الجماعة.
دل على أن الحزم والاحتياط واجب في كتابة الوصية؛ قال ابن عمر: لم أبت ليلة منذ سمعت رسول الله – ﷺ – يقول ذلك، إلا ووصيتي عندي.
2- قال تعالى: (كتب عليكم إذا حضر أحدكم الموت إن ترك خيرا الوصية للوالدين والأقربين بالمعروف ۖ حقا على المتقين).
دلت النصوص على أن الوصية تجب على من عليه حق شرعي، وتتأكد في حق من له شيء يريد أن يوصي فيه ليس بواجب. وقيل: تجب الوصية للقرابة الذين لا يرثون، وذهب الجمهور إلى أنها مندوبة.
3- قال تعالى: (فمن خاف من موص جنفا أو إثما فأصلح بينهم فلا إثم عليه ۚ إن الله غفور رحيم).
الإسراف في الوصية أو التقصير، وإعطاء من يحرم إعطاؤه، وحرمان من يحرم حرمانه إثم.
قال قتادة: “من أوصى بجور أو حيف في وصيته، فردها ولي المتوفى، أو إمام من أئمة المسلمين، إلى كتاب الله وإلى العدل؛ فذاك له”.
4- عن أبي صرمة، أن رسول الله – ﷺ – قال: من ضار، ضار الله به، ومن شاق، شق الله عليه). رواه أحمد، وأهل السنن. وقال ابن مفلح: “إسناده جيد”.
قال الشوكاني: ثبت عن ابن عباس: “الإضرار في الوصية من الكبائر”. رواه سعيد بن منصور موقوفا بإسناد صحيح، ورواه النسائي مرفوعا، ورجاله ثقات.
5- قال تعالى: (ووصىٰ بها إبراهيم بنيه ويعقوب يا بني إن الله اصطفىٰ لكم الدين فلا تموتن إلا وأنتم مسلمون).
يستحب وصية الأهل والأولاد بما فيه صلاح دينهم ودنياهم.
قال الشوكاني: وأخرج أحمد والنسائي وابن سعد، عن أنس: «كانت غاية وصية رسول الله – ﷺ – حين حضره الموت: الصلاة، وما ملكت أيمانكم». وله شاهد من حديث علي عند أبي داود وابن ماجه، ومن حديث أم سلمة عند النسائي بسند جيد.
6- قال تعالى: (يا أيها الذين آمنوا شهادة بينكم إذا حضر أحدكم الموت حين الوصية اثنان ذوا عدل منكم).
دلت الآية على استحباب الإشهاد على الوصية؛ لما في ذلك من التوثيق وغيره، ويجب على الشهود الإدلاء بالشهادة عند الحاجة، ويحرم كتمانها.
7- عن أبي هريرة، قال: «جاء رجل، فقال: يا رسول الله، أي الصدقة أفضل، أو أعظم أجرا؟، قال: أن تصدق وأنت شحيح صحيح، تخشى الفقر وتأمل البقاء، ولا تمهل حتى إذا بلغت الحلقوم، قلت: لفلان كذا، ولفلان كذا، وقد كان لفلان» رواه الجماعة إلا الترمذي.
الإنجاز في إيصال الحقوق لأهلها، وتخليص الذمة، والصدقة المنقطعة أو الجارية، قبل فجأة الموت؛ أفضل من الوصية المعلقة بالموت.
8- عن أبي هريرة – رضي الله عنه -، عن رسول الله – ﷺ – قال: “إن الرجل ليعمل – أو المرأة – بطاعة الله ستين سنة، ثم يحضرهما الموت، فيضاران في الوصية؛ فيجب لهما النار، ثم قرأ أبو هريرة: {من بعد وصية يوصى بها أو دين غير مضار وصية من الله}، إلى قوله: {وذلك الفوز العظيم}”. رواه أبو داود، والترمذي، وحسنه، ولأحمد وابن ماجه معناه، وقالا فيه: “سبعين سنة”.
في الحديث: تهديد أكيد، ووعيد شديد، على الجور والجنف والحيف في الوصية، وإنما الواجب العدل والإحسان، والبعد عن الظلم والعدوان.
9- عن سعد بن أبي وقاص، أنه قال: «جاءني رسول الله – ﷺ – يعودني من وجع اشتد بي، فقلت: يا رسول الله، إني قد بلغ بي من الوجع ما ترى، وأنا ذو مال، ولا يرثني إلا ابنة لي، أفأتصدق بثلثي مالي؟، قال: لا، قلت: فالشطر يا رسول الله؟، قال: لا، قلت: فالثلث؟، قال: الثلث والثلث كثير – أو كبير -، إنك أن تذر ورثتك أغنياء، خير من أن تدعهم عالة يتكففون الناس». رواه الجماعة.
لا تجوز الوصية بما زاد على الثلث، ولا تنفذ إلا أن يأذن الورثة.
10- عن ابن عباس، قال: «لو أن الناس غضوا من الثلث إلى الربع – زاد أحمد: في الوصية – فإن رسول الله – ﷺ – قال: الثلث، والثلث كثير». متفق عليه.
قال النووي: "إن كان الورثة فقراء استحب أن ينقص منه، وإن كانوا أغنياء فلا".
وروي عن أبي بكر وعلي – رضي الله عنهما – ما يدل على الاقتصار على الخمس.
11- قال تعالى: (من بعد وصية توصون بها).
قيدت السنة إطلاق القرآن في الوصية، فلا وصية لوارث، ولا بما فوق الثلث لمن له وارث.
قال في الفتح: واستقر الإجماع على منع الوصية بأزيد من الثلث، لكن اختلف فيمن ليس له وارث خاص، فذهب الجمهور إلى منعه من الزيادة على الثلث، وجوز له الحنفية الزيادة، وإسحاق وشريك وأحمد في رواية، وهو قول علي وابن مسعود.
12- ثبت عن عمرو بن خارجة: «أن النبي – ﷺ – خطب على ناقته، فسمعه يقول: إن الله قد أعطى كل ذي حق حقه، فلا وصية لوارث». رواه الخمسة إلا أبا داود، وصححه الترمذي، وحسنه ابن حجر.
لكن يجوز إذا أذن الورثة، فعن ابن عباس يرفعه: «لا تجوز وصية لوارث، إلا أن يشاء الورثة». رواه الدارقطني، وحسنه ابن حجر وأعله في موضع آخر، وروى نحوه البخاري موقوفا.
13- عن عمرو بن شعيب، عن أبيه، عن جده: أن النبي – ﷺ – قال: «لا وصية لوارث، إلا أن يجيز الورثة». رواه الدارقطني، وهو ثابت لشواهده.
قال الشافعي في الأم: “وجدنا أهل الفتيا، ومن حفظنا من أهل العلم بالمغازي من قريش وغيرهم، لا يختلفون في أن النبي – ﷺ – قال عام الفتح: «لا وصية لوارث»، ويأثرونه عمن حفظوه فيه ممن لقوه من أهل العلم، فكان نقل كافة عن كافة، فهو أقوى من نقل واحد”.
14- عن عمران بن حصين: «أن رجلا أعتق ستة مملوكين له عند موته، لم يكن له مال غيرهم، فدعا بهم رسول الله – ﷺ -، فجزأهم أثلاثا ثم أقرع بينهم، فأعتق اثنين، وأرق أربعة، وقال له قولا شديدا». رواه الجماعة إلا البخاري.
يدل على أنه لا يصح ولا يجوز الصدقة في مرض الموت بأكثر من الثلث، قال الجمهور: إلا أن يأذن الورثة.
واختلفوا: هل يعتبر ثلث التركة حال الوصية، أو حال الموت؟ قال الشوكاني: أصحهما الثاني. واختلفوا: هل يحسب الثلث من جميع المال، أو يتقيد بما علمه دون ما خفي عليه أو تجدد له؟. وبالأول قال الجمهور.
15- عن عمرو بن شعيب، عن أبيه، عن جده: «أن العاص بن وائل أوصى أن يعتق عنه مائة رقبة، فأعتق ابنه هشام خمسين رقبة، فأراد ابنه عمرو أن يعتق عنه الخمسين الباقية، فقال: يا رسول الله، إن أبي أوصى بعتق مائة رقبة، وإن هشاما أعتق عنه خمسين رقبة، وبقيت خمسون رقبة، أفأعتق عنه؟، فقال رسول الله – ﷺ -: لو كان مسلما فأعتقتم عنه، أو تصدقتم عنه، أو حججتم عنه؛ بلغه ذلك». رواه أبو داود وسكت عنه، فهو صالح عنده.
لمسلم يصله أجر صدقته وصدقة غيره عنه، بخلاف الكافر.
قال تعالى: (فمن بدله بعدما سمعه فإنما إثمه على الذين يبدلونه ۚ إن الله سميع عليم).
من أوصى بما يخالف الشرع عمدا فهو آثم، ولا تنفذ وصيته في المعصية، ويجوز للوصي إصلاح الخطأ إلى ما هو أقرب إلى مقصود الموصي الموافق للشرع. أما من اعتدى فغير وعدل وبدل في وصية الموصي الموافقة للشرع؛ فهو آثم.
بقلم فضيلة الشيخ المحدث: علي بن عبد الله النمي حفظه الله