عدد الزوار 255 التاريخ 15/08/2020
عن أبي هريرة، أن النبي – ﷺ – قال: «إذا مات الإنسان انقطع عمله إلا من ثلاثة أشياء: صدقة جارية، أو علم ينتفع به، أو ولد صالح يدعو له» رواه الجماعة إلا البخاري وابن ماجه.
فيه الإرشاد إلى فضيلة الصدقة الجارية، وهي الوقف.
عن عثمان رضي الله عنه: «أن النبي – ﷺ – قدم المدينة وليس بها ماء يستعذب غير بئر رومة، فقال: من يشتري بئر رومة، فيجعل فيها دلوه مع دلاء المسلمين، بخير له منها في الجنة؟ فاشتريتها من صلب مالي». رواه النسائي والترمذي، وقال: حديث حسن. وعلقه البخاري مجزوما به، ورواه ابن خزيمة.
فيه جواز انتفاع الواقف بوقفه العام، ولو لم يشترط، وفيه فضل وقف الماء.
عن عبد الله بن عمر، قال: «أصاب عمر أرضا بخيبر، فأتى النبي – ﷺ – يستأمره فيها، فقال: يا رسول الله، إني أصبت أرضا بخيبر، لم أصب قط مالا أنفس عندي منه، فما تأمرني فيها؟، فقال: إن شئت حبست أصلها، وتصدقت بها، غير أنه لا يباع أصلها، ولا يبتاع، ولا يوهب، ولا يورث. قال: فتصدق بها عمر في الفقراء، وذوي القربى، والرقاب، وابن السبيل، والضيف، لا جناح على من وليها أن يأكل منها، أو يطعم صديقا بالمعروف، غير متأثل فيه، أو غير متمول فيه». متفق عليه.
قيل: إنه أول وقف في الإسلام، وهو أصل في مشروعيته.
قال الحميدي: «تصدق أبو بكر – رضي الله عنه – بداره على ولده، وعمر بربعه عند المروة على ولده، وعثمان برومة، وتصدق علي بأرضه بينبع، وتصدق الزبير بداره بمكة، وداره بمصر، وأمواله بالمدينة على ولده، وتصدق سعد بداره بالمدينة، وداره بمصر على ولده، وعمرو بن العاص بالوهط، وداره بمكة على ولده، وحكيم بن حزام بداره بمكة والمدينة على ولده، فذلك كله إلى اليوم».
الوقف صدقة، ويشرع الوقف على الأهل والأولاد، وعلى الوالدين والإخوان وغيرهم، من الأصول والفروع، والأرحام والأصهار.
قال تعالى: (لن تنالوا البر حتىٰ تنفقوا مما تحبون).
ويدخل في منطوق الآية الوقف، وهو تحبيس الأصل، وتسبيل المنفعة أو الثمرة.
وألفاظ الوقف: وقفت، وحبست، وسبلت. أو هي صدقة لا تباع، ولا توهب، ولا تورث. قال جابر – رضي الله عنه -: ما بقي أحد من أصحاب محمد – ﷺ – له مقدرة على الوقف إلا وقف، وقال الشافعي – رحمه الله -: بلغني أن أكثر من ثمانين رجلا من أصحاب رسول الله – ﷺ – من الأنصار، تصدقوا بصدقات موقوفات.
عن عمر بن الخطاب – رضي الله عنه -، قال: «حملت على فرس في سبيل الله، فأضاعه الذي كان عنده، فأردت أن أشتريه وظننت أنه يبيعه برخص، فسألت النبي – ﷺ -، فقال: لا تشتر، ولا تعد في صدقتك، وإن أعطاكه بدرهم، فإن العائد في صدقته كالعائد في قيئه». متفق عليه.
من وقف شيئا لله لم يجز له الرجوع فيه، وصارت منافعه جميعها للموقوف عليه، وزال عن الواقف ملكه، وملك منافعه، فلم يجز أن ينتفع بشيء منها، إلا أن يشترط، أو يكون قد وقف شيئا للمسلمين، فيدخل في جملتهم كأحدهم.
أصاب عمر – رضي الله عنه – أرضا بخيبر، فتصدق بها، وقال: لا جناح على من وليها أن يأكل منها، أو يطعم صديقا بالمعروف». متفق عليه. وكان الوقف في يده إلى أن مات.
قال الأثرم: قيل لأبي عبد الله – الإمام أحمد -: يشترط في الوقف أني أنفق على نفسي وأهلي منه؟، قال: نعم. واحتج، عن حجر المدري، أن «في صدقة رسول الله – ﷺ – أن يأكل منها أهله بالمعروف غير المنكر».
روى هشام بن عروة، أن الزبير جعل دوره صدقة على بنيه، لا تباع ولا توهب، وأن للمردودة من بناته أن تسكن غير مضرة ولا مضر بها، فإن استغنت بزوج فلا حق لها في الوقف.
الواقف له أن ينظر إلى الحاجة والمصلحة في وقفه على أولاده، فيميز بعضهم على بعض في قدر الاستفادة وفي الحرمان، مراعيا الحال والقدرة، لا للتفضيل والإيثار.
قال الإمام أحمد: إن كان على طريق الأثرة، فأكرهه، وإن كان على أن بعضهم له عيال وبه حاجة؛ يعني فلا بأس به.
عن خالد بن عبيد السلمي، أن رسول الله – ﷺ – قال: (إن الله – عز وجل – أعطاكم عند وفاتكم ثلث أموالكم، زيادة في أعمالكم). قال الهيثمي: رواه الطبراني، وإسناده حسن.
وفي الباب: حديث أبي الدرداء؛ رواه أحمد، وحديث سعد بن أبي وقاص؛ في الصحيحين.
فالوقف يصح منجزا في حال الحياة والصحة بالقليل والكثير، ويصح وصية معلقا بالموت بالثلث فأقل، واحتج الإمام أحمد على الوقف المعلق بالموت: أن عمر وصى، إن حدث به حدث، أن ثمغا صدقة.
بقلم فضيلة الشيخ المحدث: علي بن عبد الله النمي حفظه الله