عدد الزوار 255 التاريخ 15/08/2020
قال الله تعالى: (إن ربكم الله الذي خلق السماوات والأرض في ستة أيام ثم استوىٰ على العرش).
وقال تعالى: (الرحمٰن على العرش استوىٰ)؛ أي: علا وارتفع. وأخرج ابن مردويه، واللالكائي عن أم سلمة رضي الله عنها في قوله: ثم استوى على العرش، قالت: الكيف غير معقول، والاستواء غير مجهول، والإقرار به إيمان، والجحود به كفر. ونحوه عن ربيعة ومالك.
وقال تعالى: (وسع كرسيه السماوات والأرض).
روى الحاكم وصححه، ووافقه الذهبي، عن ابن عباس، قال: “الكرسي موضع قدميه، والعرش لا يقدر قدره”.
قال ابن عبد البر: “أهل السنة مجمعون على الإقرار بالصفات الواردة كلها في القرآن والسنة، والإيمان بها، وحملها على الحقيقة، لا على المجاز». انتهى.
وقال أئمة من أهل السنة كنعيم بن حماد وغيره: “من شبه الله بخلقه فقد كفر، ومن جحد ما وصف الله به نفسه فقد كفر”. وليس فيما وصف الله به نفسه ولا رسوله تشبيه، فمن أثبت لله تعالى ما وردت به الآيات الصريحة، والأخبار الصحيحة، على الوجه الذي يليق بجلال الله تعالى، ونفى عن الله تعالى النقائص، فقد سلك سبيل الهدى.
قال الله تعالى: (أأمنتم من في السماء أن يخسف بكم الأرض فإذا هي تمور).
وقد خطب النبي صلى الله عليه وسلم يوم عرفة، فقال: (وأنتم تسألون عني، فما أنتم قائلون؟ قالوا: نشهد أنك قد بلغت وأديت ونصحت، فقال: بإصبعه السبابة، يرفعها إلى السماء، وينكتها إلى الناس: اللهم، اشهد، اللهم، اشهد، ثلاث مرات). رواه مسلم.
وقال النبي صلى الله عليه وسلم للجارية: (أين الله؟ قالت: في السماء. قال: من أنا؟ قالت: أنت رسول الله، قال: أعتقها فإنها مؤمنة). رواه مسلم.
قد دلت الأدلة النقلية والعقلية والفطرية على علو الله تعالى وفوقيته على خلقه، فمنه يتنزل الأمر، وإليه يصعد الكلم الطيب، وإليه ترفع الأعمال، وتعرج الملائكة إليه، فهو سبحانه كما قال أئمة السنة: فوق سمواته على عرشه، بائن من خلقه، غير محتاج إلى مخلوقاته، وعلمه في كل مكان.
وعن أبي رزين قال: “قلت: يا رسول الله، أين كان ربنا عز وجل قبل أن يخلق خلقه؟ قال: (كان في عماء، ما تحته هواء، وما فوقه هواء، ثم خلق عرشه على الماء). رواه أحمد، والترمذي وحسنه، وابن ماجه، وصححه الطبري، وحسنه الذهبي، وابن تيمية.
قال الله تعالى لموسى وهارون: (إنني معكما أسمع وأرىٰ).
وعن عائشة، قالت: “الحمد لله الذي وسع سمعه الأصوات، وذكرت قصة المجادلة. أخرجه البخاري.
وثبت عن أبي هريرة قرأ: (إن الله كان سميعا بصيرا)، قال: (رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يضع إبهامه على أذنه، والتي تليها على عينه)؛ يعني: أن لله سمعا وبصرا على الحقيقة يليقان به.
وعن عبد الله بن عباس: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم، قال: “ولكن ربنا تبارك وتعالى اسمه إذا قضى أمرا سبح حملة العرش، ثم سبح أهل السماء الذين يلونهم، حتى يبلغ التسبيح أهل هذه السماء الدنيا”.
وعن ابن مسعود، قال: “بين السماء الدنيا والتي تليها خمسمائة عام، وبين كل سماء مسيرة خمسمائة عام. وفي رواية: “وغلظ كل سماء مسيرة خمسمائة عام، وبين السماء السابعة وبين الكرسي خمسمائة عام، وبين الكرسي وبين الماء خمسمائة عام، والعرش فوق الماء، والله فوق العرش، ولا يخفى عليه شيء من أعمالكم”. رواه ابن خزيمة في صحيحه، وصححه الذهبي وابن القيم.
فالله جل وعلا في علوه، ومعيته لعباده معية عامة وخاصة، بعلمه وإحاطته، ويسمع كلامهم ويرى مكانهم.
قال الله تعالى: (ولا تقف ما ليس لك به علم). فكل ما لم يرد إثباته لله، أو نفيه عنه، من الأسماء والصفات كالجسم، فالواجب التوقف في لفظه، فلا يثبت ولا ينفى. وأما معناه: فيفصل فيه؛ فإن قصد به حق يليق بالله تعالى فهو مقبول، ولكن يعبر عنه بالألفاظ الواردة، لا الألفاظ المبتدعة ولا المحتملة، وإن قصد به معنى لا يليق بالله عز وجل فهو مردود.
وقال تعالى: (ليس كمثله شيء). فتنزيه الله عن المثل يحرم قياس المساواة بين الخالق والمخلوق القياس التمثيلي الذي يستوي فيه الأصل والفرع، أو الشمولي بأن يدخل في كلية يستوي أفرادها. وإذا تقرر هذا، فإنه لا يقال: يلزم من إثبات هذه الصفة لوازم تحملنا على إنكارها أو تحريفها، كصفة الغضب، يلزم من إثباتها ثوران الدم.
وقال تعالى: (لله المثل الأعلىٰ)؛ أي: الأكمل. وفيه مشروعية الاستدلال بقياس الأولى، فكل ما ثبت للمخلوق من صفات الكمال المطلق، فإن الخالق به أولى، وكل ما تنزه عنه المخلوق من صفات النقص، فإن الخالق أولى بالتنزه عنه.
وقال تعالى: (ثم الذين كفروا بربهم يعدلون). فالمشبه يعبد صنما، والمعطل يعبد عدما.
عن أبي هريرة قال: قال النبي صلى الله عليه وسلم: (الإيمان أن تؤمن بالله، وملائكته، وكتبه، وبلقائه، ورسله، وتؤمن بالبعث .. وقال: الإسلام أن تعبد الله ولا تشرك به شيئا … الحديث). متفق عليه.
فلا بد من الإيمان بجميع ذلك جملة وتفصيلا.
وقد فسر النبي صلى الله عليه وسلم في هذا الحديث الإيمان بالاعتقادات الباطنة، والإسلام بأعمال الجوارح الظاهرة من القول والعمل.
وعن أبي هريرة مرفوعا: (الإيمان بضع وسبعون شعبة، فأفضلها قول: لا إله إلا الله، وأدناها إماطة الأذى عن الطريق، والحياء شعبة من الإيمان). رواه مسلم.
وكتب عمر بن عبد العزيز: إن للإيمان فرائض وشرائع وحدودا وسننا، فمن استكملها، استكمل الإيمان، ومن لم يستكملها، لم يستكمل الإيمان، ذكره البخاري.
وقال تعالى: (ويزداد الذين آمنوا إيمانا).
وعن أبي سعيد الخدري، مرفوعا: (ما رأيت من ناقصات عقل ودين أذهب للب الرجل الحازم من إحداكن). متفق عليه.
قال أبو حاتم وأبو زرعة: “أدركنا العلماء في جميع الأمصار: فكان من مذهبهم: الإيمان قول وعمل، يزيد وينقص”. يقصد بالقول قول القلب واللسان، وبالعمل عمل القلب والجوارح.
بقلم فضيلة الشيخ المحدث: علي بن عبد الله النمي حفظه الله