عدد الزوار 255 التاريخ 15/08/2020
قال الله تعالى: (وكذٰلك جعلناكم أمة وسطا)؛ أي: خيارا عدولا، وقد خص الله الأمة المحمدية بأكمل الشرائع وأقوم المناهج، وأنعم على أهل السنة والجماعة، بأن جعلها فرقة وسطا، ففي كل باب من أبواب الدين، مقالتهم بين مقالتين فاسدتين، إما غالية أو جافية. فهي في باب الأسماء والصفات وسط بين الممثلة والمعطلة. وفي باب الوعد والوعيد وسط بين المرجئة الذين يقولون: لا يضر مع الإيمان كبيرة، والوعيدية من الخوارج والمعتزلة الذين يقولون: لا ينفع مع الكبيرة إيمان. وفي باب الإيمان بالقضاء والقدر وسط بين الجبرية الذين يقولون: إن العبد مجبور على أعماله، وبين القدرية الذين يقولون: إن العبد يعمل ما لا يشاؤه الله. وفي باب آل النبي وأصحابه وسط بين من يدعي فيهم العصمة وبين النواصب الذين نصبوا لهم العداوة. وفي باب تعظيم الرسول والصالحين وسط بين من رفع منزلتهم حتى عبدوهم وجعلوهم وسائط بين العبد وبين الله، وبين من حط من منزلتهم ولم يعطهم مكانتهم. وفي باب الإمامة وسط بين من يطيعهم في المعصية، وبين من يكفرهم بالذنب ويخرج عليهم.
قال الله تعالى: (الحمد لله رب العالمين). فإله العالمين وربهم وهو الله الذي لا إله غيره ولا رب سواه؛ محمود على كمال ذاته، لكمال أسمائه وصفاته اللازمة والمتعدية، وصفاته توقيفية ولا منتهى لها، ومنها الصفات الذاتية، وهي التي لم يزل ولا يزال متصفا بها، سواء كانت معنوية كالحياة أو خبرية كالوجه، ومنها الصفات الفعلية، وهي التي تتعلق بمشيئته، إن شاء فعلها وإن شاء لم يفعلها، كالمجيء، وقد تكون الصفة ذاتية فعلية كالكلام، فإنه باعتبار أصله صفة ذاتية، وباعتبار آحاد الكلام صفة فعلية. ومن أمثلة صفاته: العلو والعلم والحكمة والقرب والمعية والاطلاع والقدرة والقوة والعزة والكبرياء والعظمة والإرادة والمشيئة، ويذكر ذاكره في نفسه، وينزل، ويصعد، ويدنو، ويأخذ، ويقبض، ويبسط، ويمسك، ويبطش، ويرضى ويغضب، ويحب، ويكره، ويضحك، ويسخط، وينتقم، ويعفو، ويغفر، ويرحم، ويعجب، ويستوي على عرشه، ويهدي، ويضل، ويخدع من يخادعه، ويمكر بمن يمكر به، وله عينان، وبصر، وسمع، ويدان، وكلتا يديه يمين، وكف، وأصابع، ورجل، وقدم، وحقو، وساعد، وساق، وغير ذلك من صفات الكمال.
قال الله تعالى: (وجوه يومئذ ناضرة، إلىٰ ربها ناظرة). قال الحسن: حق لها أن تنضر وهي تنظر إلى الخالق.
وعن عطية العوفي قال: هم ينظرون إلى الله، لا تحيط أبصارهم به من عظمته. وقال رجل لعكرمة: أليس قد قال الله: {لا تدركه الأبصار وهو يدرك الأبصار}، فقال له عكرمة: «أليس ترى السماء؟ قال: بلى، قال: فكلها ترى؟». فالله جل وعلا يراه المؤمنون في الآخرة بالإجماع رؤية حقيقية كما في الحديث: (إنكم سترون ربكم عيانا). متفق عليه. وهي الزيادة في يوم المزيد لأهل الجنة رجالا ونساء. وفي الحديث: “هل تضارون في رؤية الشمس والقمر ليس دونهما سحاب؟” قالوا: لا. قال: “فإنكم ترون ربكم كذلك”. متفق عليه. وأحاديث رؤية الله في الآخرة متواترة، لا ينكرها أو يحرفها إلا شقي، والجزاء من جنس العمل، قال تعالى: (كلا إنهم عن ربهم يومئذ لمحجوبون)، وأما رؤيته في الدنيا فممكنة؛ لذا سألها موسى وتجلى الله للجبل. لكن تستحيل الرؤية الحقيقية لا المنامية لعظمته وعجز المخلوقين. قال النبي صلى الله عليه وسلم: (لن يرى أحد منكم ربه عز وجل حتى يموت). رواه مسلم.
قال الله تعالى: (إنما قولنا لشيء إذا أردناه أن نقول له كن فيكون). وعن عدي بن حاتم، مرفوعا: «ما منكم من أحد إلا سيكلمه الله، ليس بينه وبينه ترجمان». متفق عليه. وقال البخاري: ويذكر عن جابر، عن عبد الله بن أنيس، قال: سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول: “يحشر الله العباد فيناديهم بصوت يسمعه من بعد كما يسمعه من قرب: أنا الملك، أنا الديان”. وساق بسنده بعد هذا الحديث الصحيح عن أبي هريرة مرفوعا: «قال: إذا قضى الله الأمر في السماء ضربت الملائكة بأجنحتها خضعانا لقوله، كأنه سلسلة على صفوان ينفذهم ذلك، فإذا فزع عن قلوبهم قالوا: ماذا قال ربكم؟ قالوا: الحق وهو العلي الكبير). فالله تعالى يتكلم بحرف وصوت حقيقي مسموع، قال تعالى: (فلما أتاها نودي من شاطئ الواد الأيمن في البقعة المباركة من الشجرة أن يا موسىٰ إني أنا الله رب العالمين). وقال تعالى: (وكلم الله موسىٰ تكليما). قال نوح بن أبي مريم: مشافهة. وقرأ أحد المعتزلة على أحد المشايخ: “وكلم الله موسى تكليما” فحرفها، فقال له: يا ابن اللخناء، فكيف تصنع بقوله: (ولما جاء موسى لميقاتنا وكلمه ربه).
قال الله تعالى: (وإن أحد من المشركين استجارك فأجره حتىٰ يسمع كلام الله). وهو القرآن، وكلام الله صفة من صفاته غير مخلوقة. فالقرآن كلام الله، وكلماته، وقوله، وعلمه، وأمره، لا يصح إيمان عبد، حتى يعتقد أنه منزل غير مخلوق، والأدلة على ذلك ظاهرة، وقد أجمع على هذا أهل السنة، ومما احتجوا به قوله تعالى: (ألا له الخلق والأمر)، وقوله: (علم القرآن، خلق الإنسان). ففرق الله بين الخلق، والأمر، والعلم.
قال الإمام أحمد بن حنبل: “من زعم أن القرآن مخلوق فهو كافر”. وما قاله أحمد محل اتفاق. وقال عمرو بن دينار: “أدركت أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم فمن دونهم منذ سبعين سنة، يقولون: الله الخالق، وما سواه مخلوق، والقرآن كلام الله، منه خرج، وإليه يعود”.
بقلم فضيلة الشيخ المحدث: علي بن عبد الله النمي حفظه الله