عدد الزوار 255 التاريخ 15/08/2020
قال الله تعالى: (فصل لربك وانحر)، وقال تعالى: (قل إن صلاتي ونسكي ومحياي ومماتي لله رب العالمين * لا شريك له). وقال تعالى: (حرمت عليكم الميتة والدم ولحم الخنزير وما أهل لغير الله به – إلى قوله – وما ذبح على النصب)، قوله: «وما أهل لغير الله به»؛ أي: وما ذبح للأوثان كالأصنام والقبور والجن وغيرها. قوله: «وما ذبح على النصب». النصب: حجارة كان أهل الجاهلية يعبدونها، ويذبحون لها، فنهى الله عن ذلك. وقال تعالى: (ولا تأكلوا مما لم يذكر اسم الله عليه وإنه لفسق). وعن علي مرفوعا: «لعن الله من ذبح لغير الله». رواه مسلم. وثبت عن سلمان الفارسي قال: (دخل رجل الجنة في ذباب، ودخل النار رجل في ذباب. قالوا: وكيف ذلك؟ قال: مر رجلان على قوم لهم صنم لا يجوزه أحد حتى يقرب له شيئا، فقالوا لأحدهما: قرب! قال: ليس عندي شيء، فقالوا له: قرب ولو ذبابا! فقرب ذبابا، فخلوا سبيله. قال: فدخل النار. وقالوا للآخر: قرب ولو ذبابا! قال: ما كنت لأقرب لأحد شيئا دون الله عز وجل، قال: فضربوا عنقه، قال: فدخل الجنة). رواه أحمد في الزهد وابن أبي شيبة.
قال الله تعالى: (وأنه كان رجال من الإنس يعوذون برجال من الجن فزادوهم رهقا). قال ابن عباس: “كان رجال من الإنس يبيت أحدهم بالوادي في الجاهلية فيقول: أعوذ بعزيز هذا الوادي، فزادهم ذلك إثما”. قال إبراهيم: “فتقول الجن: ما نملك لكم ولا لأنفسنا ضرا ولا نفعا”. وقال ابن زيد: “كان الرجل في الجاهلية إذا نـزل بواد قبل الإسلام قال: إني أعوذ بكبير هذا الوادي، فلما جاء الإسلام عاذوا بالله وتركوهم”. ذكر ذلك ابن جرير.
فالاستعاذة، واللياذة، والاستعانة والاستغاثة، كلها إذا جاءت بصورة العبادة؛ لاشتمالها على كمال المحبة والرجاء والتذلل والخوف، فلا تصلح إلا لله وحده.
كذلك لا يجوز صرف شيء منها لمخلوق فيما لا يقدر عليه إلا الله، ولا صرفها للأموات والعاجزين والغائبين، أو أن يعتقد في مخلوق أنه قادر على النفع أو الضر، أو جلب خير، أو دفع ضير بنفسه من دون الله، (قل إن الأمر كله لله)، وإنما يجعل الله من شاء من الأحياء الحاضرين سببا فيما هو ليس من خصائص الربوبية على الإطلاق.
قال الله تعالى: (وآتيناه من كل شيء سببا * فأتبع سببا). لا يصلح اعتبار الشيء سببا إلا من جهة الشرع، كالقرآن سبب للشفاء. أو من جهة أهل الاختصاص، والتجربة كتلقيح النخل سبب لصلاح ثمره، وما لم يجعله الله ورسوله سببا فلا يجوز اعتباره سببا، كالتعاليق والحروز البدعية، فليست سببا في دفع الحسد والعين. ولا الأنواء سبب في حدوث المطر. ولا الدعاء عند قبور الأولياء سبب في الإجابة، وإن قال بعضهم: قبر فلان المجرب. ولا يجوز الاعتماد على الأسباب بالكلية، ولا إهمالها بالكلية. ومن الشرك: أن يعتقد العبد في السبب أنه مؤثر بنفسه. فإن الله تعالى هو مسبب الأسباب، ومقدر الموانع، وقد يوجد السبب ويتخلف المسبب، والعكس، كالدواء مع الداء. قال ابن تيمية رحمه الله: “ومما ينبغي أن يعلم: ما قاله طائفة من العلماء؛ قالوا: الالتفات إلى الأسباب شرك في التوحيد. ومحو الأسباب أن تكون أسبابا نقص في العقل، والإعراض عن الأسباب بالكلية قدح في الشرع. وإنما التوكل والرجاء معنى يتألف من موجب التوحيد والعقل والشرع”.
قال الله تعالى: (هو الذي أنزل عليك الكتاب منه آيات محكمات هن أم الكتاب وأخر متشابهات ۖ فأما الذين في قلوبهم زيغ فيتبعون ما تشابه منه ابتغاء الفتنة وابتغاء تأويله). (المحكمات): وهن البينات الحجة، الواضحات الدلالة، لكل سليم القلب باق على الفطرة، (هن أم الكتاب)؛ أي المرجع لفهم مراد الله، وبهن يتميز الحق من الباطل، (المتشابهات)، وهن ما يحتملن أكثر من تأويل، فيجد فيها أصحاب الهوى المفتونون بالباطل مدخلا للتحريف فيحرفونها؛ لتكون شبهة لهم على باطلهم، يضلون بها جهلة الناس.
قال تعالى: (ولا يأتونك بمثل إلا جئناك بالحق وأحسن تفسيرا)؛ أي: ولا يثير أصحاب الباطل شبهة يعارضون بها الحق، إلا وفي القرآن والسنة الصحيحة إجابتها إجابة كافية شافية واضحة البيان، ظاهرة البرهان. فمن لزم المحكم، ورجع إلى من اشتهرت إمامته ورسوخه في العلم؛ لمعرفة التأويل الحق في المتشابهات، ودرجة الأحاديث والحكايات التي يستدل بها أهل البدع والضلالات؛ نجا في الدنيا من البدع، وفي الآخرة من النار.
قال الله تعالى: (قل ادعوا الذين زعمتم من دونه فلا يملكون كشف الضر عنكم ولا تحويلا).
أي: هؤلاء الملائكة، وعزير، والمسيح، والنفر من الجن، وغيرهم من الذين تطلبون منهم رفع البلاء عنكم، أو دفعه إلى غيركم، هم عاجزون عن ذلك، فلا يستحقون العبودية.
وأفادت الآية أن توحيد الربوبية مستلزم لتوحيد الألوهية، وأن توحيد الألوهية متضمن لتوحيد الربوبية. فالتوحيد العلمي ملزم بالتوحيد العملي، والشرك في التوحيد العملي شرك في التوحيد العلمي.
وقال تعالى: (قل ادعوا الذين زعمتم من دون الله ۖ لا يملكون مثقال ذرة في السماوات ولا في الأرض وما لهم فيهما من شرك وما له منهم من ظهير * ولا تنفع الشفاعة عنده إلا لمن أذن له). المعنى: ليس لأحد ملك جزء مقسوم أو مشاع أو شراكة إعانة وحفظ في الكون، وهذا علم ضروري، فمن لا يملك شيئا من ذلك لا يملك الشفاعة، إلا لمن أذن الله له فيها، والله لا يأذن لأحد من أوليائه في الشفاعة لأحد من المشركين، وأنتم مشركون، فكيف تحتجون أنكم تعبدونهم ليقربوكم إلى الله زلفى، وليشفعوا لكم، ثم لما لا تطلبون حوائجكم من الله مباشرة؟!.
بقلم فضيلة الشيخ المحدث: علي بن عبد الله النمي حفظه الله