عدد الزوار 255 التاريخ 15/08/2020
الحَمْدُ للهِ، وَالصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ عَلَى رَسُولِ اللهِ، أَمَّا بَعْدُ:
فَإِنَّ مُحَمَّدًا صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَدرَسَةٌ لِلْأَخْلَاقِ الجَمِيلَةِ، وَكُلِّيَّةٌ لِلْآدَابِ الجَلِيلَةِ، وَجَامِعَةٌ لِلْمَكَارِمِ وَالفَضِيلَةِ، وَمَا مُحَمَّدٌ إِلَّا أُمَّةٌ فِي الأَخْلَاقِ وَالآدَابِ العَالِيَةِ الرَّفِيعَةِ.
وَلَيْسَ عَلَى اللَّهِ بِمُسْتَنْكَرٍ ... أنْ يَجْمَعَ الْعَالَمَ فِي وَاحِدِ
قَالَ تَعَالَى: (وَإِنَّكَ لَعَلَىٰ خُلُقٍ عَظِيمٍ)؛ أَيْ عَلَى سَجِيَّةٍ وَطَبِيعَةٍ طَيِّبَةٍ وَأَخْلَاقٍ وَآدَابٍ حَسَنَةٍ جِبِلِّيَّةٍ وَمُكْتَسَبَةٍ.
قَاَلَتْ عَائِشَةُ – رَضِيَ اللهُ عَنْهَا -: مَا كَانَ أَحَدٌ أَحْسَنَ خُلُقًا مِنْ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. وَقَالَتْ: إِنَّ خُلُقَ نَبِيِّ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ كَانَ القُرآنَ. رَوَاهُ مُسْلِمٌ.
قَالَ القَاضِي: أَيْ خُلُقُهُ كَانَ جَمِيعَ مَا حَصَلَ فِي القُرْآنِ، فَإِنَّ كُلَّ مَا اسْتَحْسَنَهُ وَأَثْنَى عَلَيْهِ وَدَعَا إِلَيْهِ؛ فَقَدْ تَحَلَّى بِهِ، وَكُلَّ مَا اسْتَهْجَنَهُ وَنَهَى عَنْهُ تَجَنَّبَهُ وَتَخَلَّى عَنْهُ، فَكَانَ القُرْآنُ بَيَانَ خُلُقِهِ" انتهى.
وَقَدْ كَانَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَبْلَ النُّبُوَّةِ عَلَى خُلُقٍ عَظِيمٍ، وَأَدَبٍ جَسِيمٍ، آخِذًا بِالفَضِيلَةِ، تَارِكًا لِلرَّذِيلَةِ، أَتَاهُ جِبْرِيلُ وَهُوَ يَلْعَبُ مَعَ الْغِلْمَانِ، فَشَقَّ عَنْ قَلْبِهِ، فَاسْتَخْرَجَ مِنْهُ عَلَقَةً، فَقَالَ: هَذَا حَظُّ الشَّيْطَانِ مِنْكَ. ثُمَّ غَسَلَهُ فِي طَسْتٍ مِنْ ذَهَبٍ بِمَاءِ زَمْزَمَ، ثُمَّ لَأَمَهُ، ثُمَّ أَعَادَهُ فِي مَكَانِهِ.
لَقَدْ شَرَّفَهُ اللهُ بِالنُّبُوَّةِ - وَاللهُ أَعْلَمُ حَيْثُ يَجْعَلُ رِسَالَتَهُ -، وَكَانَ قَبْلَ النُّبُوَّةِ يُلَقَّبُ بِالصَّادِقِ الأَمِينِ، وَكَانَ مُشْتَهِرًا عَنْهُ قَبْلَ البَعْثَةِ أَنَّهُ يَصِلُ الرَّحِمَ، وَيَصْدُقُ الحَدِيثَ، وَيَحْمِلُ الكَلَّ، وَيَكْسِبُ المَعْدُومَ، وَيَقْرِي الضَّيْفَ، وَيُؤَدِّي الأَمَانَةَ، وَيُعِينُ عَلَى نَوَائِبِ الحَقِّ، وَلَمْ يَكُنْ فَاحِشًا وَلَا مُتَفَحِّشًا وَلَا صَخَّابًا فِي الأَسْوَاقِ، وَلَا يَجْزِي السَّيِّئَةَ بِالسَّيِّئَةِ، وَلَكِنْ يَعْفُو وَيَصْفَحُ، إِلَى غَيْرِ ذَلِكَ مِنْ مَحَاسِنِ الأَخْلَاقِ وَالآدَابِ وَالمُرُوءَةِ.
بقلم فضيلة الشيخ المحدث: علي بن عبد الله النمي حفظه الله